تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ت تدمري

 [المجلد السادس والثلاثون (سنة 521- 540) ]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
[الطبقة الثالثة والخمسون]
[حَوَادِثُ]
سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ
[حَرْبُ الْخَلِيفَةِ وَالسُّلْطَانِ فِي بَغْدَادَ]
قد ذكرنا أنّ أهل بغداد كانوا بالجانب الغربي، وعسكر محمود في الجانب الشرقي، وتراموا بالنَّشّاب. ثم إن جماعة من عسكر محمود حاولوا الدّخول إلى دار الخلافة من باب النّوبي، فمنعتهم الخاتون، فجاءوا إلي باب الغربة في رابع المحرَّم، ومعهم جمع من الساسة والرُّعاع، فأخذوا مطارق الحدّادين، وكسروا باب الغربة، ودخلوا إلي التاج [1] فنهبوا دار الخلافة من ناحية الشّطّ، فخرج الجواري حاسرات تلْطُمْن، ودخَلْنَ دار خاتون، وضجّ الخلْق، فبلغ الخليفة، فخرج من السّرداق، وابن صَدَقة بين يديه، وقدّموا السُّفن دفعةً واحدة [2] ، ودخل عسكر الخليفة، وألبسوا الملاحين السّلاح، وكشفوا عنهم ... [3] . ورمى العيّارون أنفسهم في الماء وعبروا. وصاح المسترشد باللَّه بنفسه، يا آل بني هاشم. فصَدَق الناس معه القتالَ، وعسكرُ السلطان مشغولون بالنَّهْب، فلما رأوا عسكر الخليفة ذلّوا وولوا الأدْبار، ووقع فيهم السيف، واختفوا في السراديب، فدخل وراءهم البغداديون، وأسروا جماعة، وقتلوا جماعة من الأمراء [4] . ونهب العامة دور أصحاب السلطان، ودار وزيره، ودار العزيز [5] أبى نصر المستوفي، وأبي البركات الطبيب وأُخذ من داره ودائع وغيرها بما قيمته ثلاثمائة ألف. وقُتِلَ من أصحاب السلطان عدةٌ وافرة في الدّروب والمضايق.
__________
[1] في الأصل: «الباج» ، والمثبت عن المنتظم.
[2] دول الإسلام 2/ 45، البداية والنهاية 12/ 197.
[3] في الأصل بياض. وفي المنتظم: «وألبسوا الملّاحين السلاح، ورماة النشاب من ورائهم، ورمى ... » .
[4] العبر 4/ 48، 49.
[5] في الأصل: «العزبر» .

(36/5)


ثم عبر الخليفة إلى داره في سابع المحرَّم بالجيش، وهم ثلاثين ألف مقاتل بالعوام وأهل البرّ، وحفروا باللّيل خنادق عند أبواب الدروب، ورتب على أبواب المحال من يحفظها. وبقي القتال أيامًا إلى يوم عاشوراء، انقطع القتال، وترددت الرسل، ومال الخليفة إلى الصُّلح والتحالف، فأذعن السلطان وأحب ذلك، وراجع الطاعة، وأطمأن الناس، وطُمَّت الخنادق. ودخل أصحاب السلطان يقولون: لنا ثلاثة أيام ما أكلنا خبزا، ولولا الصّلح لمتنا جوعا. فكانوا يسلقون القمح ويأكلونه. فما رئي [1] سلطان حاصر فكان هو المحاصَر، إلا هذا. وظهر منه حلم وافر عن العوام [2] .
[إرسال الخِلَع إلى ابن طراد]
وبعث الخليفة مع علّي بن طِراد إلى سَنْجر خِلعًا وسيفين، وطوقًا، ولواءين، ويأمره بإبعاد دُبَيْس من حضرته [3] .
[مقتل وزير سَنجْر]
وجاء الخبر بأن سنجْر قتل من الباطنية اثني عشر ألفًا [4] ، فقتلوا وزيره المعين [5] ، لأنه كان يحرّض عليهم وعلى استئصالهم. فتجمل رجل منهم، وخدم سائسا لبغال المعين، فلما وجد الفرصة وثب عليه وهو مطمئن فقتله، وقُتِلَ بعده، وكان هذا الوزير ذا دِين ومروءة، وحُسن سيرة [6] .
__________
[1] في الأصل: «رأى» ، والتصحيح من المنتظم.
[2] المنتظم 10/ 2- 4 (17/ 241، 242) ، تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 376 (وتحقيق سويم) 42، الإنباء في تاريخ الخلفاء 216، كتاب الروضتين 1/ 74، العبر 4/ 49، مرآة الجنان 3/ 227، البداية والنهاية 12/ 197، عيون التواريخ 12/ 188، الكواكب الدرّية 93.
[3] المنتظم 10/ 5 (17/ 244) .
[4] المنتظم 10/ 5 (17/ 244) ، دول الإسلام 2/ 45 وفيه: «نحو عشرة آلاف» ، العبر 4/ 49، مرآة الجنان 3/ 227، الكواكب الدرّية 92.
[5] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 377 (وتحقيق سويم) 42، الكواكب الدرّية 92.
[6] مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 125، النجوم الزاهرة 5/ 232.

(36/6)


[مرض السلطان محمود]
ومرض السّلطان محمود في الميدان، وغُشى عليه، ووقع من فرسه، واشتد مرضه. ثم تماثل فركب، ثم انتكس، وأُرجِف بموته ثمّ خُلع عليه وهو مريض، وأشار عليه الطّبيب بالرواح من بغداد، فرحل يطلب هَمَذَان، وفوّض شِحْنكيَّة بغداد إلي عماد الدين زنكي [1] .
[القبض على المستوفي والوزير]
وبعد أيام جاء الخبر من همذان بأن السلطان قَبض على العزيز المستوفي وصادره وحبسه، وعلى الوزير فصادره فحبسه وكان السبب أنّ الوزير تكلَّم على العزيز، وأن برتقش [2] الزكوي تكلم على الوزير.
[وزاره أنوشروان]
ثمّ بعث السلطان إلي أنوشروان بن خالد الملقب بشرف الدين، فاستوزره، فلم يكن له ما يتجهَّز به حتى بعث له الوزير جلال الدين من عند الخليفة الخِيَم والخيل، فرحل إلي أصبهان في أول رمضان في السنة. أقام في الوزارة عشرة أشهر، واستعفى وعاد إلي بغداد [3] .
[تفويض بهروز ببغداد والحلَّة]
وفي رمضان وصل مجاهد الدّين بهروز إلي بغداد، وقد فوّض إليه السّلطان بغداد والحلّة [4] .
__________
[1] المنتظم 10/ 4، 5 (17/ 243، 244) ، ذيل تاريخ دمشق 218، العبر 4/ 49، مرآة الجنان 3/ 227.
[2] في المنتظم: «يرتقش» .
[3] المنتظم 10/ 5 (17/ 244) ، تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 377 (وتحقيق سويم) 42، الكامل في التاريخ 10/ 642، تاريخ دولة آل سلجوق 140، الفخري 306، 307.
[4] المنتظم 10/ 5 (17/ 244) ، الكامل في التاريخ 10/ 647، المختصر في أخبار البشر 2/ 239.

(36/7)


[تفويض زنكي الموصل]
وفوّض إلى زنكي الموصل، فسار إليها [1] .
[وفاة مسعود بن آقْسُنْقُر]
ومات عزّ الدّين مسعود بن آقْسُنْقُر البُرْسُقيّ في هذه السّنة. وكان قد وصل إلي الموصل بعد قتل والده، واتّفق موتُه بالرَّحْبَة [2] ، فإنه سار إليها. وكان بطلًا شجاعًا، عالي الهمَّة. ردّ إليه السُلطان جميع إقطاع والده، وطمع في التّغلُّب على الشّام، فسار بعساكره، فبدأ بالرَّحْبَة، فحاصرها، ومرض مرضًا حادّا، فتسلّم القلعة، ومات بعد ساعة، وبقي مطروحا على بساط، وتفرّق جيشه، ونهب بعضُهم بعضًا، فأراد غلمانه أن يُقيموا ولده، فأشار الوزير أنوشروان بالأتابك زنكي لحاجة الناس إلى من يقوم بإزاء الفرنج [3] ، لعنهم الله.
[سؤال الإسفرائيني عن حديث]
وَفِيهَا سُئِلَ أبو الفتوح الأسفرائينيّ فِي مَجْلِسِهِ بِبَغْدَادَ عَنِ الْحَدِيثِ: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ» . فَقَالَ: لَمْ يَصِحَّ [4] .
[خبر الإسفرائيني] أبو الفتوح الإسفرائيني، رضوان الله عليه من كبار أهل السُّنَّة ومن ذوي الكرامات الظاهرة. وما نسب إليه من الاستخفاف بالقرآن كذب وزور هو وغيره
__________
[1] المنتظم 10/ 5 (17/ 244) ، الكامل في التاريخ 10/ 647، تاريخ مختصر الدول 203، كتاب الروضتين 1/ 75، الأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 167، بغية الطلب (قسم السلاجقة) 251، مرآة الجنان 3/ 277، الكواكب الدرّية 92.
[2] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 377 (وتحقيق سويم) 42، 43، الأعلاق الخطيرة ج 3 ق 1/ 165، 166، تاريخ ابن الوردي 2/ 33، الدرّة المضيّة 500، عيون التواريخ 12/ 189، الكواكب الدرّية 92، النجوم الزاهرة 5/ 232.
[3] الكامل في التاريخ 10/ 643، 644، تاريخ مختصر الدول 203، نهاية الأرب 27/ 77.
[4] المنتظم 10/ 6 (17/ 245) .

(36/8)


من الأشاعرة يصرحون بتكفير من استخفّ بالمصاحف وشيخنا الذّهبيّ غيرّ عادته بهم، وأذن برأيهم، والحديث في الصّحيح.
وقال يومًا على المنبر: قيل لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف أصبحت؟ فقال: أعمى بين العُمْيان، ضالًّا بين الضّالّين. فاستحضره الوزير، فأقرّ، وأخذ يتأوّل تأويلات فاسدة، فقال الوزير للفُقهاء: ما تقولون؟ فقال ابن سلمان مدرّس النّظاميَّة: لو قال هذا الشّافعي ما قبِلْنا منه، ويجب على هذا أن يجدد إيمانه وتوبته. فمُنع من الجلوس بعد أن استقرّ أنّه يجلس، ويشدّ الزّنّار، ثم يقطعه ويتوب، ثم يرحل.
فنصره قومٍ من الأكابر يميلون إلى اعتقاده، وكان أشعريًا. فأعادوه إلى الجلوس، وكان يتكلَّم بما يُسقِط حُرْمة المُصْحَف من قلوب العوامّ، فافتتن به خلْق، وزادت الفِتن بِبغداد. وتعرَّض أصحابه بمسجد ابن جردة [1] فرجموه، ورُجم معهم أبو الفتوح. وكان إذا ركب يلبس الحديد ومعه السيوف مُسَلَّلَة، ثم اجتاز بسوق الثُّلاثاء، فرُجم ورُميت عليه الميتات، ومع هذا يقول: ليس هذا الّذي نتلوه كلام الله، إنما هو عبارة ومَجَاز.
ولمّا مات ابن الفاعوس انقلبت بغداد، وغُلَّقت الأسواق [2] ، وكان عوامّ الحنابلة يصيحون على عادتهم: هذا يوم سُنّيّ حنبلي لَا أشعريّ ولا قُشيَريّ ويصرخون بأبي الفتوح هذا. فمنعه المسترشد باللَّه من الجلوس، وأمره أن يخرج من بغداد.
وكان ابن صَدَقة يميل إلى السُّنَّة، فنصرهم.
ثم ظهر عند إنسان كرّاس قد اشتراها، فيها مكتوب القرآن، وقد كُتِب بين الأسطر بالأحمر أشعار على وزن أواخر الآيات. ففُتَّش على كاتبها، فإذا هو مؤدّب، فكُبس بيته، فإذا فيه كراريس كذلك، فحُمل إلى الديوان، وسُئل عن ذلك، فأقرّ، وكان من أصحاب أبي الفتوح، فنُودي عليه على حمار، وشُهر، وهمّت العامَّة بإحراقه. ثم أذن لأبي الفتوح، فجلس [3] .
__________
[1] في الأصل: «ابن جروة» . والمثبت عن المنتظم.
[2] في الأصل: «الأصوات» .
[3] المنتظم 10/ 6، 7 (17/ 245، 246) .

(36/9)


[ظهور الشيخ عبد القادر الحنبليّ]
وظهر في هذه الأيام الشيخ عبد القادر الحنبليّ، فجلس في الحَلبة، فتشبَّث به أهل السُّنَّة، وانتصروا بحسن اعتقاد الناس فيه [1] .
[وقعة مرج الصُّفَّر]
قال ابن الأثير [2] : كانت وقعة مرج الصُّفَّر بين المسلمين، أنهم التقوا في أواخر ذي الحّجة، واشتد القتال، فسقط طُغتكين، فظن الْجُنْد أنه قُتِلَ فانهزموا إلى دمشق، وركب فرَسَه ولحقهم، فساقت الفرنج وراءهم، وبقيت رجّالة التّركمان قد عجزوا عن الهزيمة، فحملوا على رجَّالة الفرنج، فقتلوا عامّتهم، ونهبوا عسكر الفرنج وخيامهم، ثم عادوا سالمين غانمين إلى دمشق.
ولما ردّت خيالة الفرنج من وراء طُغتِكين، رأوا رجالتهم صَرْعى، وأموالهم قد راحت، فتمّوا منهزمين.
قال: وهذا من الغريب أنّ طائفتين تنهزمان [3] .
__________
[1] المنتظم 10/ 7 (17/ 246) .
[2] في الكامل 10/ 639.
[3] وزاد في الكامل: «كل واحدة منهما من صاحبتها» . والخبر باختصار في: المختصر في أخبار البشر 2/ 238، وتاريخ ابن الوردي 2/ 33.

(36/10)


سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة
[وفاة ابن صدقة]
فيها تُوُفّي ابن صَدَقة الوزير، وناب في الوزارة عليّ بن طِراد [1] .
[مصالحة السلطان محمود وسنجر]
وفيها ذهب السّلطان محمود إلي السّلطان سَنْجر، فاصطلحا بعد خشونة، ثم سلّم سنجر إليه دُبَيْسا وقال: تعزل زنكي ابن آقْسُنْقُر عن الموصل والشّام.
وتسلّم البلاد إلى دُبَيْس، وتسأل الخليفة أن يرضى عنه. فأخذه ورحل [2] .
وقال أبو الحسن الزّاغونيّ: تقدم إلى نقيب النُّقباء ليخرج إلى سَنْجر، فرفع إلى الخزانة ثلاثين ألف دينار، وتقدم إلى شيخ الشّيوخ ليخرج، فرفع إلى الخزانة خمس عشر ألف دينار ليُعْفَى [3] .
[الطموح للوزارة]
وتطاول للوزارة عزّ الدّولة بن المطّلب، وابن الأنباريّ، وناصح الدّولة ابن المسلمة، وأحمد بن نظام المُلْك، فمُنِعوا من الكلام في ذلك [4] .
__________
[1] المنتظم 10/ 8 (17/ 249) ، الكامل في التاريخ 10/ 652، 653، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 127، النجوم الزاهرة 5/ 233.
[2] في الأصل: «ودخل» ، والمثبت عن المنتظم 10/ 9 (17/ 249) ، العبر 4/ 50، تاريخ ابن الوردي 2/ 34، عيون التواريخ 12/ 197.
[3] المنتظم 10/ 9 (17/ 249) .
[4] المنتظم 10/ 9 (17/ 9) .

(36/11)


[مَلْك زنكيّ حلب]
وفي أول السّنة سار عماد الدّين زنكي فملك حلب، وعظُم شأنه، واتّسعت دولته [1] .
__________
[1] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 381 (وتحقيق سويم) 43، الكامل في التاريخ 10/ 649، التاريخ الباهر 37، 38، تاريخ مختصر الدول 203، كتاب الروضتين 1/ 7 و 78، زيد الحلب 2/ 241، 242، بغية الطلب (قسم السلاجقة) 252، دول الإسلام 2/ 45، العبر 4/ 50، الدرّة المضيّة 502، عيون التواريخ 12/ 197، الكواكب الدرّية 3 (الحوادث 521 هـ.) .

(36/12)


سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة
[الختم عَلَى وقف مدرسة أَبِي حنيفة]
في المحرَّم دخل السلّطان محمود بغداد، وأقام دُبَيْس في بعض الطّريق، واجتهد في أن يُمكن دبيس فامتنع. وأمر السّلطان بالختم على أموال وقف مدرسة أبي حنيفة ومطالبة العمّال بالحساب، ووكّل بقاضي القُضاة الزَّيْنَبيّ كذلك. وكان قد قيل للسّلطان إن دَخْلَ المكان ثمانين ألفًا، ما يُنفق عليه عُشْره [1] .
[وزارة عليّ بن طِراد]
وفي ربيع الآخر خلع المسترشد على أبي القاسم عليّ بن طِراد واستوزره [2] .
[إقرار زنكيّ في مكانه]
وضمن زنكيّ أن ينفّذ للسّلطان مائة ألف دينار، وخيلًا، وثيابًا، على أن يقر في مكانه. واستقر الخليفة على مثل ذلك، على أن لَا يولّي دبيس شيئا [3] .
__________
[1] المنتظم 10/ 11 (17/ 252) ، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 130 وفيه: «وما ينفق عليها ألف» .
[2] المنتظم 10/ 11 (17/ 252) ، العبر 4/ 52.
[3] المنتظم 10/ 11 (17/ 252) ، زبدة الحلب 2/ 243، 244، العبر 4/ 52، مرآة الجنان 3/ 229، البداية والنهاية 12/ 199، عيون التواريخ 12/ 202، النجوم الزاهرة 5/ 234.

(36/13)


[بيع عقار للخليفة]
وباع الخليفة عقارًا بالحرم، وقُرئ لذلك، وما زال يصحح [1] .
[دخول دُبَيْس بغداد]
ثم إن دُبَيْسًا دخل إلى بغداد بعد جلوس الوزير ابن طِراد، ودخل دار السلطان، وركب في الميدان ورآه الناس.
[تسليم الحلَّة بهروز]
وجاء زنكيّ فخدم [2] .
وسلَّمت الحِلَّة والشَّحْنكيَّة إلى بهروز [3] .
[خطْف دُبَيس ولدًا للسلطان]
وكانت بنت سنْجر التي عند ابن عمّها السّلطان محمود قد تسلّمت دُبَيْسًا من أبيها، فكانت تشدّ منه وتمانع عنه، فماتت، ومرض السّلطان محمود، فأخذ دُبَيْس ولدًا صغيرًا لمحمود، فلم يعلم به حتّى قُرب من بغداد، فهرب بهروز من الحِلة، فقصدها دُبَيْس ودخلها في رمضان وبعث بهروز عرَّف السّلطان، فطلب قزل والأجهيليّ [4] وقال: أنتما ضمنتما دُبَيْسًا، فلا أعرفه إلا منكما [5] .
[أخْذُ دُبَيْس الأموال من القرى]
وساق الأجهيليّ يطلب العراق، فبعث دُبَيْس إلى المسترشد: إن رضِيتَ عنّي ردْدتُ أضعاف ما نفذ من الأموال. فقال الناس: هذا لَا يؤمن. وباتوا تحت السلاح طول رمضان، ودُبَيْس يجمع الأموال، ويأخذ من القرى، حتّى قيل إنّه
__________
[1] المنتظم 10/ 11 (17/ 252) .
[2] المنتظم 10/ 11 (17/ 252، 253) .
[3] المنتظم 10/ 12 (17/ 253) .
[4] هكذا في الأصل. وفي المنتظم: «الأحمد بيكي» و «الأحمد يكي» .
[5] الكامل في التاريخ 10/ 655، تاريخ الزمان 142، عيون التواريخ 12/ 202.

(36/14)


حصّل خمسمائة ألف دينار [1] ، وإنه قد دوَّن عشرة آلاف، بعد أن كان قد وصل في ثلاثمائة فارس.
[مساومة دُبَيْس للسلطان]
ثمّ قدِم الأجهيليّ بغداد، وقبَّل يد الخليفة، وقصد الحِلَّة.
وجاء السّلطان إلى حُلْوان، فبعث دُبَيْس إلى السّلطان رسالة [وخمسة و] [2] خمسين مهْرًا عربيَّة، وثلاثة أحمال صناديق ذَهب، وذكر أنْه قد أعدَّ إن رضي عنه الخليفة ثلاثمائة حصان، ومائتين ألف دينار، وإنْ لم يرض عنه دخل البّريَّة.
فبلغه أنّ السّلطان حنق عليه، فأخذ الصّبيّ وخرج من الحِلة، وسار إلى البصرة، وأخذ منها أموالا كثيرة. وقدم السّلطان بغداد، فبعث لحربه قزل في عشرة آلاف فارس، فسار دُبَيْس ودخل البرّيَّة [3] .
[غدْرُ زنكيّ بسونج بن بُوري]
وفي سنة ثلاث أظهر عماد الدّين زنكيّ بن آقْسُنْقُر أنّه يريد جهاد الفرنج، وأرسل إلى تاج المُلُوك بوريّ يستنجده، فبعث له عسكرًا بعد أن أخذ عليه العهد والميثاق، وأمر ولده سونج أن يسير إليه من حماة. ففعل فأكرمهم زنكيّ، وطمّنهم أيّامًا، وغدر بهم، وقبض على سونج، وعلى أمراء أبيه، ونهب خيامهم، وحبسهم بحلب، وهرب جُنْدهم.
ثمّ سار ليومه إلى حماة، فاستولى عليها، ونازل حمص ومعه صاحبها خرخان فأمسكه، فحاصرها مدَّة، ولم يقدر عليها ورجع إلى الموصل. ولم يُطْلق سونج ومن معه حتّى اشتراهم تاج الملوك بوري منه بخمسين ألف دينار.
ثم لم يتم ذلك. ومقت النّاس زنكيّ على قبيح فعله.
__________
[1] دول الإسلام 2/ 46، العبر 4/ 52، مرآة الجنان 3/ 229، عيون التواريخ 12/ 202.
[2] في الأصل: «وسأله خمسين» ، والتصحيح والإضافة من المنتظم 10/ 12 (17/ 254) .
[3] المنتظم 10/ 12، 13 (17/ 253، 254) ، تاريخ الزمان 142، دول الإسلام 2/ 46، تاريخ ابن الوردي 2/ 34، البداية والنهاية 12/ 200، عيون التواريخ 12/ 202.

(36/15)


[مقتل ابن الخُجَنْدي]
وفيها وثبت الباطنّية على عبد اللطيف بن الخُجَنْدي رئيس الشَافعية بأصبهان، ففتكوا به [1] .
[الفتنة في وادي التّيم]
وأما بهرام، فإنه عتى وتمرد على الله، وحدثته نفسه بقتل برق بن جنْدل من مقدّمي وادي التَّيْم لَا لسبب، فخدعه إلى أن وقع في يده فذبحه. وتألّم النّاس لذلك لشهامته وحُسْنه وحداثة سِنّه، ولعنوا من قتله علانية، فحملت الحميَّة أخاه الضّحّاك [2] وقومه على الأخذ بثأره، فتجمّعوا وتحالفوا على بذل المهج في طلب الثّأر. فعرف بهرام الحال، فقصد بجموعه وادي التّيم، وقد استعدوا لحربه، فنهضوا بأجمعهم نهضة الأسود، وبيَّتوه وبذلوا السّيوف في البهراميَّة، وبهرام في مخيَّمه، فثار هو وأعوانه إلى السّلاح، فأزهقتهم سيوف القوم وخناجرهم وسهامهم، وقطع رأسُ بهرام لعنه الله [3] .
[الانتقام من الباطنية في وادي التّيم]
ثمّ قام بعده صاحبه إسماعيل العَجميّ، فجدُّوا في الإضلال والاستغواء، وعامله الوزير المَزْدقانيّ بما كان يعامل به بهرامًا، فلم يُمْهله الله، وأمر الملك بوري بضرب عُنقه في سابع عشر رمضان، وأحرق بدنه، وعلّق رأسه، وانقلب البلد بالسّرور وحُمِد الله وثارت الأحداث والشُّطّار في الحال بالسّيوف والخناجر يقتلون من رأوا من الباطنيّة وأعوانهم، ومن يتّهم بمذهبهم [4] ، وتتبّعوهم حتّى
__________
[1] الكامل في التاريخ 10/ 659، 660، عيون التواريخ 12/ 204 وفيه: «صدر الدين ملك العلماء مسعود الخجنديّ» .
[2] في المقفّى الكبير 2/ 518: «صخر» ، والمثبت يتفق مع ذيل تاريخ دمشق.
[3] انظر عن الفتنة في وادي التيم في:
تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 381 (وتحقيق سويم) 44، وذيل تاريخ دمشق 221، 222، والكامل في التاريخ 10/ 656، ونهاية الأرب 27/ 79، والكواكب الدرّية 94، 95، والمقفّى الكبير 2/ 518.
[4] في الكواكب الدرّية 95: «ومن يتّهم بمدحهم» .

(36/16)


أَفْنَوْهم، وامتلأت الطُرُق والأسواق بجِيَفهم. وكان يومًا مشهودًا أعز الله فيه الإسلام وأهله. وأُخِذ جماعةٌ أعيان منهم شاذي الخادم تربية أبي طاهر الصَائغ الباطنيّ الحلبيّ، وكان هذا الخادم رأس البلاء، فعوقب عقوبة شَفَت القلوب، ثمّ صُلِب هو وجماعة على السُّور [1] .
[الحذر من الباطنيَّة]
وبقي صاحب دمشق يوسف فيروز، ورئيس دمشق أبو الذّواد مفرّج بن الحسن بن الصّوفيّ يلبسان الدّروع، ويركبان وحولهما العبيد بالسّيوف، لأنهما بالغا في استئصال شأفة الباطنيَّة [2] .
[تسليم بانياس للفرنج]
ولمّا سمع إسماعيل الدّاعي وأعوانه ببانياس ما جرى انخذلوا وذلُّوا، وسلَّم إسماعيل بانياس إلى الفرنج، وتسلّل هو وطائفة إلى البلاد الإفرنجيَّة في الذَّلَة والقِلَّة [3] .
[هلاك داعية الباطنية]
ثمّ مرض إسماعيل بالإسهال، وهلك وفي أوائل سنة أربعٍ وعشرين [4] .
[موقعة جسر الخشب]
فلما عرف الفرنج بواقعة الباطنيَّة، وانتقلت إليهم بانياس، قويت نفوسهم،
__________
[1] انظر: المنتظم 10/ 13 (17/ 254) ، وتاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 382 (وتحقيق سويم) 44، وذيل تاريخ دمشق 222- 224، والكامل في التاريخ 10/ 656، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 130، الكواكب الدرّية 95، وعيون التواريخ 12/ 203.
[2] ذيل تاريخ دمشق 224.
[3] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 381) (وتحقيق سويم) 44، ذيل تاريخ دمشق 224، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 130، الكواكب الدرّية 95.
[4] ذيل تاريخ دمشق 224، الكامل في التاريخ 10/ 657، الكواكب الدرّية 95.

(36/17)


وطمعوا في دمشق، وحشدوا وتألّبوا، وتجمّعوا من الرُّها، وأنطاكّية، وطرابُلُس، والسّواحل، والقدس، ومن البحر، وعليهم كُنْدهر الّذي تملّك عليهم بعد بغدوين، فكانوا نحوًا من ستّين ألفًا، ما بين فارس وراجل، فتأهّب تاج الملوك بوري، وطلب التُّرْكُمان والعرب، وأنفق الخزائن. وأقبل الملاعين قاصدين دمشق، فنزلوا على جسر الخشب والميدان في ذي القعدة من السّنة، وبرز عسكر دمشق، وجاءت التُّركمان والعرب، وعليهم الأمير مُرَّة [1] بن ربيعة، وتعبّوا [2] كراديس في عدَّة جهات، فلم يبرز أحد من الفرنج، بل لزِموا خيامهم، فأقام الناس أيّامًا هكذا، ثمّ وقع المَصَافّ، فحمل المسلمون، وثبت الفرنج، فلم يزل عسكر الإسلام يكرّ عليهم ويفتك بهم إلى أن فشلوا وخُذلوا. ثمّ ولّى كليام مقدَّم شجعانهم في فريقٍ من الخّيالة، ووضع المسلمون فيهم السّيف، وغُودروا صَرْعَى، وغنم المسلمون غنيمة لَا تُحَدّ ولا توصف، وهرب جيش الفرنج في اللّيل، وابتهج الخلْق بهذا الفتح المبين [3] .
ومنهم من ذكر هذه الملحمة في سنة أربعٍ كما يأتي، وانفرجت الكُرْبة من نصر الله تعالي ما لم يخطر ببال. وأمن النّاس، وخرجوا إلى ضياعهم، وتبدّلوا بالأمن بعد الخوف.
[قتْل الباطنيَّة بدمشق]
وفيها قُتِلَ مَن كان يُرمى بمذهب الباطنيَّة بدمشق، وكان عددهم ستَّة آلاف [4]
__________
[1] في الأصل: «سري» ، والمثبت عن: ذيل تاريخ دمشق 225، والكواكب الدرّية 96.
[2] في الكواكب: «وتفرقوا» .
[3] انظر عن موقعة جسر الخشب في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 382 (وتحقيق سويم) 44 وفيه إن الأمير سيف الدين سوار كان ممن أوقع بالإفرنج، فبعثت إليه أمدحه بالقصيدة التي أولها:
نأت من سليمى بعد قرب ديارها ... وأقوت مغانيها وشطّ مزارها
وانظر: ذيل تاريخ دمشق 225، 226، والكامل في التاريخ 10/ 657، 658، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 130، 131، ودول الإسلام 2/ 46، الدرّة المضيّة 503، والإعلام والتبيين 25، والكواكب الدرّية 96، تاريخ طرابلس 1/ 493- 495.
[4] المنتظم 10/ 13 (17/ 254) ، المختصر في أخبار البشر 3/ 3، العبر 4/ 52، مرآة الجنان

(36/18)


[قتل الأسداباذي ببغداد]
وكان قد قِتل ببغداد من مُدَيْدَة إبراهيم الأَسَدَاباذيّ، وهرب ابن أخيه بهرام إلى الشّام وأضَلّ خلفاءَه [1] واسْتَغْواهم، ثمّ إنّ طُغتكين ولّاه بانياس، فكانت هذه من سيّئات طُغتكين، عفا الله عنه [2] .
[قتال الباطنيّه في وادي التّيم]
وأقام بهرام له بدمشق خليفة يدعو [3] إلى مذهبه، فكُثر بدمشق أتباعه. وملك بهرام عدَّة حصون من الجبال منها القدموس. وكان بوادي التّيم طوائف من الدّريّة والنُصَيْريَّة والمجوس، واسم كبيرهم الضَحّاك، فسار إليهم بهرام وحاربهم، فكبس الضّحّاك عسكر بهرام، وقتل طائفة منهم، ورجعوا إلى بانياس بأسوأ حال [4] .
[خيانة المزدقاني وقتله]
وكان المَزْدقانيّ [5] وزير دمشق يُعينهم ويُقوّيهم. وأقام بدمشق أبا الوفاء، فكثُر أتباعه وقويت شوكته، وصار حكمه في دمشق مثل حكم طُغتِكين. ثمّ إنّ المَزْدقاني راسلَ الفرنج، لعنهم الله، ليُسلِّم إليهم دمشق، ويُسلَّموا إليه صور.
وتواعدوا إلى يوم جمعة، وقررّ المَزْدقاني مع الباطنيَّة أن يحتاطوا ذلك اليوم بأبواب الجامع، لا يمكّنون أحدًا من الخروج، ليجيء الفرنج ويملك دمشق.
فبلغ ذلك تاج المُلوك بوري، فطلب المَزْدقاني وطمّنه، وقتله وعلَّق رأسه على باب القلعة، وبذل السّيف في الباطنيَّة، فقتل منهم ستة آلاف. وكان ذلك فتحا عظيمًا في الإسلام في يوم الجمعة نصف رمضان. فخاف الّذين ببانياس وذلّوا،
__________
[3] / 229، شذرات الذهب 4/ 66.
[1] في الأصل: «خلفائها» .
[2] العبر 4/ 52، 53، شذرات الذهب 4/ 66.
[3] في الأصل: «تدعو» .
[4] الكامل في التاريخ 10/ 656، نهاية الأرب 27/ 79 وقد تقدّم هذا الخبر.
[5] في نهاية الأرب: «المزدغاني» ، ومثله في: العبر 4/ 54.

(36/19)


وسلّموا بانياس إلى الفرنج، وصاروا معهم، وقاسوا ذلًّا وهوانًا [1] .
[انكسار الفرنج]
وجاءت الفرنج ونازلت دمشق، فجاء إلى بغداد في النّفير عبد الوهّاب الواعظ الحنبليّ، ومعه جماعة من التّجّار، وَهَمُّوا بكسر المنبر، فوُعِدوا بأن ينفّذ إلى السّلطان في ذلك. وتناخى عسكر دمشق والعرب والتُّركُمان، فكبسوا الفرنج، وثبت الفريقان، ونصر الله دينه فقُتل من الفرنج خلْق، وأُسِر منهم ثلاثمائة [2] ، وراحوا بشرّ خيبة، وللَّه الحمد.
__________
[1] ذيل تاريخ دمشق 224، الكامل في التاريخ 10/ 657، نهاية الأرب 27/ 80، دول الإسلام 2/ 46، العبر 4/ 53، تاريخ ابن الوردي 2/ 34، 35، الدرّة المضيّة 503، مرآة الجنان 3/ 229، عيون التواريخ 12/ 203، شذرات الذهب 4/ 67.
[2] ذيل تاريخ دمشق 225- 227، الكامل في التاريخ 10/ 658، نهاية الأرب 27/ 80، 81، دول الإسلام 2/ 46، العبر/ 53، مرآة الجنان 3/ 229.

(36/20)


سنة أربع وعشرين وخمسمائة
[المطر والحريق بالموصل]
وردت أخبار بأنّ في جُمَادى الأولى ارتفع سحاب أمطر بلدَ الموصل مطرًا عظيمًا، وأمطر عليهم نارًا أحرقت من البلد مواضع ودُورًا كثيرة، وهرب النّاس [1] .
[كسرة الإفرنج عند دمشق]
وفيها كُسِرت الإفرنج على دمشق، وقُتِلَ منهم نحو عشرة آلاف، ولم يفلت منهم سوى أربعين. وَصَل الخبر إلى بغداد بذلك، وكانت ملْحمة عظيمة [2] .
[الملحمة بين ابن تاشفين وابن تومرت]
وفيها كانت ملحمة كبرى بين ابن تاشَفين، وبين جيش ابن تومرت، فقُتل من الموحّدين ثلاثة عشر ألفًا، وقُتِلَ قائدهم عبد الله الوَنْشريسيّ، ثم تحيّز عبد المؤمن بباقي الموحّدين. وجاء خبر الهزيمة إلى ابن تومرت وهو مريض، ثمّ مات في آخر السّنة [3] .
__________
[1] المنتظم 10/ 14 (17/ 256) ، البداية والنهاية 12/ 200، تاريخ الخلفاء 435، أخبار الدول 2/ 172.
[2] المنتظم 10/ 15 (17/ 257) ، تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 382 (وتحقيق سويم) 44.
[3] دول الإسلام 2/ 46.

(36/21)


[غدْر زنكي بسونج مرة أخرى]
وفيها راسل زنكيّ بن آقْسُنْقُر صاحب حلب تاج الملوك بوري يلتمس منه إنفاذ عسكره ليحارب الفرنج، فتوثّق منه بأيْمانٍ وعُهُود، ونفّذ إلى زنكيّ خمسمائة فارس، وأرسل إلى ولده سونج وهو على حماة أن يسير إلى زنكيّ، فأحسن ملتقاهم وأكرمهم، ثمّ عمل عليهم، وغدر بهم، وقبض على سونج وجماعة أمراء، ونهب خيامهم، وهرب الباقون [1] .
[تملُّك زنكي حماة]
ثمّ زحف إلى حماة فتملّكها [2] ، ثمّ ساق إلى حمص، وغدر بصاحبها خرخان [3] بن قُراجا واعتقله، ونهب أمواله، وتحلّف منه أن يسلّم حمص، ففعل، فأبى عليه بوّابه بها، فحاصرها زنكيّ مدَّة، ورجع إلى الموصل [4] ومعه سونج، ثمّ أطلقه بمالٍ كثير [5] .
[مقتل الخليفة الآمر]
وفيها قُتِلَ صاحب مصر الخليفة الآمر بأحكام الله [6] .
__________
[1] ذيل تاريخ دمشق 227، 228.
[2] التاريخ الباهر 38، زبدة الحلب 2/ 246، الدرّة المضيّة 507.
[3] في تاريخ حلب (بتحقيق زعرور) 383، و (تحقيق سويم) 45: «خيرخان» ، وكذا في ذيل تاريخ دمشق، وزبدة الحلب 2/ 246.
[4] في تاريخ حلب: فعاد إلى حمص. والمثبت يتفق مع ذيل تاريخ دمشق، وزبدة الحلب 2/ 247.
[5] ذيل تاريخ دمشق 228، زبدة الحلب 2/ 247.
[6] انظر عن مقتل الخليفة الآمر في: المنتظم 10/ 15 (17/ 257) و 10/ 16 رقم 17 (17/ 258 رقم 3959) ، وتاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 383 (وتحقيق سويم) 45، وذيل تاريخ دمشق 228، والكامل في التاريخ 10/ 664، 665، تاريخ مختصر الدول 203، والمغرب في حلى المغرب 84، 85، وأخبار مصر لابن ميسّر 2/ 72، والمختصر في أخبار البشر 3/ 4، والعبر 4/ 63، وتاريخ ابن الوردي 2/ 35، والمواعظ والاعتبار 2/ 291، وأخبار الدول المنقطعة و 91، ونهاية الأرب 28/ 294، والمختصر في أخبار البشر 2/ 4، ودول الإسلام 2/ 46، وتاريخ ابن الوردي 2/ 35، 88 والدرّة المضيّة 504، 505،

(36/22)


[استيلاء سنجر على سمرقند]
وفي سنة أربعٍ قُتِلَ أمير سمرقند، فسار السّلطان سنجر فاستولى عليها، ونزل محمد خان من قلعتها بالأمان، وهو زوج بنت سنجر، وأقام سنجر بسمرقند مدَّة [1] .
[انكسار الإفرنج أمام زنكيّ عند الأثارب]
وأمّا أهل حلب فكانوا مع الفرنج الّذين استولوا على حصن الأثارب في ضُرٍّ شديد لقربهم منهم. والأثارب على ثلاثة فراسخ من غربيّ حلب، فجاء عماد الدّين زنكيّ في هذا العام وحاصره، فسارت ملوك الفرنج لنجدته وللكشف عنه، فالتقاهم زنكيّ، واشتدّ الحرب، وثبت الفريقان ثباتًا كُلّيًا ثمّ وقعت الكسرة على الملاعين، ووُضع السّيف فيهم، وأُسِر فيهم خلْق. وكان يومًا عظيمًا.
وافتتح زنكيّ الحصن عَنْوةً، وجعله دكًّا [2] .
[محاصرة زنكيّ حارم]
ثمّ نزل على حارِم، وهي بالقرب من أنطاكيَّة، فحاصرها، وصالحهم على نصف دَخْلها. ومنها ذلَّت الفرنج، وعلموا عجزهم عن زنكيّ، واشتدّ أزْر المسلمين [3] .
__________
[ () ] والبداية والنهاية 12/ 200، 201، ومآثر الإنافة 2/ 27، وصبح الأعشى 3/ 431، وعيون التواريخ 12/ 207، والكواكب الدرّية 97، واتعاظ الحنفا 3/ 129، والنجوم الزاهرة 5/ 175 و 235، وتاريخ الخلفاء 435، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 223، 224.
[1] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 382 (وتحقيق سويم) 45، الكامل في التاريخ 10/ 661، 662، نهاية الأرب 26/ 382، البداية والنهاية 12/ 200، عيون التواريخ 12/ 207.
[2] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 383 (وتحقيق سويم) 45، الكامل في التاريخ 10/ 662، 663، التاريخ الباهر 39- 42، المختصر في أخبار البشر 2/ 3، 4، العبر 4/ 55، تاريخ ابن الوردي 2/ 35، مرآة الجنان 3/ 230، الكواكب الدرّية 97.
[3] الكامل في التاريخ 10/ 663، التاريخ الباهر 42، العبر 4/ 55، الكوكب الدرّية 97.

(36/23)


[انهزام صاحب ماردين أمام زنكيّ]
وعدّى زنكيّ الفُرات [1] ، فنازل بعض ديار بكر، فحشد صاحب ماردين لقتاله، ونَجَده ابن عمُّه داود بن سُقْمان من حصن كَيْفا [2] ، وصاحب آمِد، حتى صاروا في عشرين ألفًا، فهزمهم زنكيّ، وأخذ بعض بلادهم [3] .
[خلافة الحافظ بمصر]
وفيها مات الآمر بأحكام الله صاحب مصر، وولي بعده الحافظ [4] .
[وفاة زوجة السلطان]
وفيها ماتت زوجة السّلطان محمود خاتون بنت السّلطان سنجر [5] .
[مقتل صاحب أنطاكية]
وفيها قُتِلَ بيمُنْد صاحب أنطاكية [6] .
[وزارة ابن الصوفي بدمشق]
وفيها وَزَر بدمشق الرّئيس مفرّج ابن الصّوفيّ [7] .
__________
[1] في الأصل: «الفراة» .
[2] الأعلاق الخطيرة ج 3 ق 2/ 533.
[3] الكامل في التاريخ 10/ 664.
[4] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 383 (وتحقيق سويم) 45، ذيل تاريخ دمشق 229، الكامل في التاريخ 10/ 665، أخبار مصر لابن ميسّر 2/ 74، نهاية الأرب 28/ 296، الدرّة المضيّة 506.
[5] الكامل في التاريخ 10/ 665، البداية والنهاية 12/ 200.
[6] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 382 (وتحقيق سويم) 45، الكامل في التاريخ 10/ 666.
[7] تاريخ حلب للعظيميّ 382 (45) ، الكامل في التاريخ 10/ 666، العبر 4/ 55.

(36/24)


[ظهور عقارب طيّارة]
وفيها ظهر عقارب طيارة، لها شوكتان، وخاف النّاس منها وقد قتلت جماعة أطفال [1] .
[ملْك السّلطان قلعة ألَموت]
وفيها ملك السّلطان محمود قلعة ألموت [2] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 10/ 666، تاريخ مختصر الدول 203، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 133، العبر 4/ 55، مرآة الجنان 3/ 230 النجوم الزاهرة 5/ 236، البداية والنهاية 12/ 200، تاريخ الخميس 2/ 404، عيون التواريخ 12/ 207، الكواكب الدرية 97، شذرات الذهب 4/ 67، تاريخ الخلفاء 435 أخبار الدول 2/ 172.
[2] الكامل في التاريخ 10/ 666، المختصر في أخبار البشر 3/ 4، العبر 4/ 55، تاريخ ابن الوردي 2/ 36.

(36/25)


ومن سنة خمس وعشرين وخمسمائة
[رواية ابن الأثير عن دُبَيْس]
وقد ساق «ابن الأثير» [1] قصَّة دُبَيْس فقال: لمّا فارق البصرة قصد الشّام، لأنه جاءه مَن طلبه إلى صَرْخَد، وقد كان مات صاحبها، وغلبت سريّتُه على القلعة، وحدّثوها بما جرى على دُبَيْس، فطلبته لتتزوّج به، وتُسلَّم إليه صَرْخَد بما فيها [2] . فجاء إلى الشّام في البرّيَّة، فضلّ ونزل بأُناس من كلْب بالمرج، فحملوه إلى تاج الملوك، فحبسه، وعرف زنكيّ صاحب الموصل، فبعث يطلبه من تاج الملوك، على أن يُطْلق ولده سونج ومَن معه مِن الأمراء، وإن لم يفعل جاء وحاصره بدمشق، وفعل وفعل، فأجاب تاج الملوك، وسلّم إليه دُبَيْسًا، وجاءه ولده والأمراء. وأيقن دُبَيْس بالهلاك للعداوة البليغة الّتي بينه وبين زنكيّ، ففعل معه خلاف ما ظنّ، وبالغ في إكرامه، وغرِم عليه أموالًا كثيرة، وفعل معه ما يفعل مع أكابر الملوك [3] .
ولمّا جرى على الباطنيّة ما ذكرناه عام ثلاثةٍ وعشرين تحّرقوا على تاج الملوك، وندبوا لقتله رجلين، فتوصلا حتّى خدما في ركابه، ثمّ وثبا عليه في جُمادَى الآخرة سنة خمسٍ، فجرحاه، فلم يصنعا شيئًا، وهبروهما بالسّيوف، وخيط جرح بعُنقه فبرأ، والآخر بخاصرته، فتنسّر، وكان سببا لهلاكه [4] .
__________
[1] في الكامل في التاريخ 10/ 668.
[2] بغية الطلب (قسم السلاجقة) 230، 231.
[3] المنتظم 10/ 20 (17/ 263) ، بغية الطلب (قسم السلاجقة) 231، المختصر في أخبار البشر 2/ 5، دول الإسلام 2/ 47، البداية والنهاية 12/ 202، عيون التواريخ 12/ 222.
[4] سيأتي الخبر في موضعه، وهو في: المختصر في أخبار البشر 2/ 5، وتاريخ ابن الوردي 2/ 37، والكواكب الدرّية 97، 98.

(36/26)


[وفاة الدبّاس]
وفيها تُوُفّي الشَيخ حمّاد الدّبّاس الزّاهد ببغداد [1] .
[عودة زنكيّ إلى الموصل]
قال ابن واصل [2] : وفى المحرَّم سنة خمسٍ وعشرين توجّه زنكيّ راجعًا من الشّام إلى الموصل [3] .
[ردّ العراق إلى زنكيّ]
وفي ربيع الآخر من السّنة ردّ السّلطان محمود أمر العراق إلى زنكيّ، مُضافًا إلى ما بيده من الشّام والجزيرتين [4] .
__________
[1] انظر عن (الدبّاس) في: المنتظم 10/ 22، 23 رقم 25 (17/ 266 رقم 3968) ، والكامل في التاريخ 10/ 671، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 138، ودول الإسلام 2/ 47، والعبر 4/ 64، وتاريخ ابن الوردي 2/ 37، ومرآة الجنان 3/ 242، والنجوم الزاهرة 5/ 246، وشذرات الذهب 4/ 73، 74.
[2] في مفرّج الكروب.
[3] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 383 (وتحقيق سويم) 46، زبدة الحلب 2/ 247.
[4] تاريخ حلب 383 (46) ، الكامل في التاريخ 10/ 669، زبدة الحلب 2/ 244.

(36/27)


سنة خمس وعشرين وخمسمائة
[القبض على دُبَيْس وبيعه]
فمن الحوادث أنّ دُبَيْسًا ضلّ في البرّيَّة، فقبض عليه مَخْلَد بن حسّان بن مكتوم الكلْبيّ بأعمال دمشق، وتمزّق أصحابه وتقطّعوا، فلم يكن له منجى [1] من العرب، فحُمل إلى دمشق، فباعه أميرها ابن طُغتكِين مِن زنكيّ بن آقسنقر صاحب الموصل بخمسين ألف دينار. وكان زنكي عدوّه، لكنّه أكرمه وخوّله المال والسّلاح، وقدّمه على نفسه [2] .
[وفاة المسترشد]
وتُوُفّي للمسترشد ابنٌ بالْجُدَريّ، وعُمره إحدى وعشرين [3]
[الحرب بين السلطان داود وعمّه مسعود]
وتُوُفي السلطان محمود، فأقاموا ابنه داود مكانه، وأقيمت له الخطبة ببلاد
__________
[1] في الأصل: «منجا» ، وكذا في المنتظم 10/ 20، وقد صحّحت كما أثبتناه في الطبعة الجديدة (17/ 263) .
[2] المنتظم 10/ 20 (17/ 263) وقد تقدّم قبل قليل، تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 384 (وتحقيق سويم) 46، الكامل في التاريخ 10/ 668، 669، زبدة الحلب 20/ 249 وفيه: «وكان يظنّ دبيس أن أتابك زنكي يهلكه، فلما وصل إلى حلب أطلقه وأكرمه، وأنزله بحلب في دار لاجين، وأعطاه مائة ألف دينار، وخلع عليه خلعا فاخرة» ، بغية الطلب (قسم السلاجقة) 244، 245.
[3] المنتظم 10/ 20 (17/ 264) .

(36/28)


الجبل وأَذَرْبَيْجان [1] ، وكُثرت الأراجيف. وأراد داود قتال عمّه مسعود بقيام عمّه سَنْجَر.
وكان طُغْرُل يوم المصافّ على ميمنة عمّه، وكان على الميسرة خُوارَزْم بن أتسِز بن محمد، فبدأهم قُراجا بالحملة، فحمل على القلب بعشرة آلاف، فعطف على حنيتي العشرة آلاف ميمنة سنجر وميسرته، فصار في الوسط، وقاتلوا قتال الموت وأثخن قراجا بالجراحات، ثمّ أسروه، فانهزم الملك مسعود، وذلك في ثامن رجب.
وقيل: وجاء مسعود مستأنسًا إلى السّلطان سنجر، فأكرمه وأعاده إلى كنجة وصفح عنه [2] .
__________
[1] المنتظم 10/ 20، 21 (17/ 264) ، التاريخ الباهر 43.
[2] الكامل في التاريخ 10/ 669، 670، التاريخ الباهر 43، دول الإسلام 2/ 47، 48.

(36/29)


سنة ست وعشرين وخمسمائة
[الحرب على السلطنة في بغداد]
فيها سار الملك مسعود بن محمدٍ إلى بغداد في عشرة آلاف فارس، وورد قُراجا [1] السّاقي معه سلْجُوق شاه بن محمد أخو مسعود، وكلاهما يطلب السّلطنة. وانحدر زنكيّ من الموصل لينضم إلى مسعود أو سلْجوق، فأرجف الناس بمجيء عمهما سَنْجر، فعملت [2] السُّتُور [3] وجنى [4] العقار، وخرجوا جريدة بأجمعهم مُتَوَجهين لحرب سَنْجَر، وألزم المسترشد قُراجا بالمسير، فكرهه ولم يجد بُدًّا من ذلك، وبعث سَنْجَر يقول: أنا العبد، ومهما أُريدَ مني فعلت. فلم يقبل منه.
ثمّ خرج المسترشد بعد الجماعة، وقُطعت خطبة سَنْجَر، فقدِم سَنْجَر هَمَذَان، فكانت الوقعة قريبًا من الدَّينَوَر [5] .
[رواية ابن الجوزي]
قال ابن الْجَوْزيّ [6] : وكان مع سَنْجَر مائة ألف وستّون ألفًا. وكان مع قراجا
__________
[1] في الكامل في التاريخ 10/ 676: «قراجة» .
[2] تكرّرت في الأصل.
[3] في المنتظم: «فعمل السور» .
[4] في المنتظم: «وجين» .
[5] المنتظم 10/ 25، 26 (17/ 270) ، الكامل في التاريخ 10/ 676- 678، التاريخ الباهر 44، 45، زبدة التواريخ 197، 198، دول الإسلام 2/ 47، العبر 4/ 67، مرآة الجنان 3/ 250، البداية والنهاية 12/ 203، عيون التواريخ 12/ 250.
[6] في المنتظم 10/ 25، 26 (17/ 270، 271) .

(36/30)


ومسعود ثلاثون ألفًا. وكانت ملحمة كبيرة، أُحصِي القتلى فكانوا أربعين ألفًا، وقُتِلَ قُراجا، وأُجلس طُغْرُل على سرير المُلْك، وعاد سَنْجَر إلى بلاده [1] .
[هزيمة زنكيّ ودُبَيْس]
وجاء زنكيّ ودُبَيْس في سبعة آلاف [2] ليأخذ بغداد، فبلغ المسترشد اختلاط بغداد، وكسْرة عسكره، فخرج من السّرداق بيده السّيف مجذوب، وسكن الأمر.
وخاف هو، وعاد من خانقين، وإذا بزنكيّ ودُبَيْس قد قاربا بغداد من غربيّها، فعبر الخليفة إليهم في ألفَين، وطلب المهادنة، فاشتطا عليه، فحاربهما بنفسه وعسكره، فانكسرت ميسرته، فكشف الطّرحة ولبس البُرْدة، وجذب السّيف، وحمل، فحمل العسكر، فانهزم زنكيّ ودُبَيْس، وقتل من جيشهما مقتلة عظيمة، وطلب زنكيّ تكريت، ودُبَيْس الفرات [3] منهزمَيْن [4] .
[هلاك بغدوين]
وفيها هلك بغدوين الرويس [5] ملك الفرنج بعكّا، وكان شيخًا مُسِنًّا، داهية، ووقع في أسْر المسلمين غير مرَّة في الحروب ويتخلّص بمكرْه وحِيَله، وتملّك بعده القُومْص كُنْدانحور، فلم يكن له رأس، فاضطربوا واختلفوا وللَّه الحمد [6] .
__________
[1] خبر الملحمة في: التاريخ الباهر 44، 45، والكامل في التاريخ 10/ 676- 678، والمنتظم 10/ 25، 26 (17/ 270، 271) ، وزبدة النصرة للبنداري 158، 159، وراحة الصدور للراوندي 201، وزبدة التواريخ للحسيني 199، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا- طبعة جرّوس برس- طرابلس 1413 هـ/ 1993 م.) ج 1/ 51، ودول الإسلام 2/ 47، 48، وتاريخ ابن الوردي 2/ 37، 38، وعيون التواريخ 12/ 250، وشذرات الذهب 4/ 77.
[2] في الإنباء في تاريخ الخلفاء 217: «في اثني عشر ألف فارس» .
[3] في الأصل: «الفراة» .
[4] الكامل في التاريخ 10/ 678، تاريخ ابن سباط 1/ 52، تاريخ حلب للعظيميّ 384 (47) ، الإنباء في تاريخ الخلفاء 217، التاريخ الباهر 45، 46، زبدة التواريخ 198، 199، تاريخ مختصر الدول 203، العبر 4/ 67، تاريخ ابن الوردي 2/ 38، الدرّة المضيّة 510، مرآة الجنان 3/ 250، البداية والنهاية 12/ 203، عيون التواريخ 12/ 250.
[5] في الأصل: «الروس» . وهو الملك «بلدوين الثاني» .
[6] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 384 (وتحقيق سويم) 46 (حوادث 525 هـ) ، ذيل.

(36/31)


[تملّك شمس الملوك دمشق]
وتملّك دمشق شمس الملوك بعد أبيه تاج الملوك بوري بن طُغتِكين، فقام بالأمر، وخافَتْه الفرنج، ومهّد الأمور، وأبطل بعض المظالم، وفرح النّاس بشهامته وفَرْط شجاعته، واحتملوا ظُلْمه [1] .
[وقعة همذان]
وفيها كانت وقعة بهَمَذان بين طُغْرُل بن محمد وبين داود بن محمود بن محمد، فانتصر طُغْرُل [2] .
[وزارة أنوشروان]
وفيها وَزَر أنُوشُرْوان بن خالد للمسترشد بعد تمنُّع، واستعفى [3] .
[هزيمة دُبَيْس]
وعاد دُبَيْس بعد الهزيمة يلوذ ببلاده، فجمع وحشد. وكانت الحِلَّة وأعمالها في يد إقبال المسترشديّ، وأُمِدَّ بعسكرٍ من بغداد، فهزم دُبَيْس، وحصل دُبَيْس في أَجَمة فيها ماء وقصب ثلاثة أيّام، لَا يأكل شيئًا، حتّى أخرجه جمّاس [4] على ظهره وخلّصه [5] .
__________
[ () ] تاريخ دمشق 233.
[1] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 384 (وتحقيق سويم) 47، ذيل تاريخ دمشق 234، الكامل في التاريخ 10/ 680، نهاية الأرب 27/ 82، الكواكب الدرّية 98.
[2] المنتظم 10/ 26 (17/ 271) ، تاريخ دولة آل سلجوق 145، 4/ 67 وفيه: «طغريل» ، عيون التواريخ 12/ 250، البداية والنهاية 12/ 202.
[3] في الأصل: «استعفا» .
والخبر في: المنتظم 10/ 26 (17/ 271) ، والإنباء في تاريخ الخلفاء 217، والبداية والنهاية 12/ 204.
[4] في الأصل: «حماس» بالحاء المهملة.
[5] المنتظم 10/ 27 (17/ 271) ، الكامل في التاريخ 10/ 679.

(36/32)


[قدوم الملك داود بغداد]
وقدم الملك داود بن محمد إلى بغداد [1] .
[القبض على الوزير شرف الدين]
وفيها قبض الخليفة على الوزير شرف الدّين، وأخذ سائر ما في دياره [2] .
__________
[1] المنتظم 10/ 27 (17/ 271) ، الكامل في التاريخ 10/ 682.
[2] (1) المنتظم 10/ 27 (17/ 271) ، الكامل في التاريخ 10/ 682.

(36/33)


سنة سبع وعشرين وخمسمائة
[الخطبة بالسلطنة لمسعود]
خُطِب لمسعود بن محمد بالسّلطنة ببغداد في صَفر، ومِن بعده لداود، وخُلِع عليهما وعلى الأمير آقْسُنْقُر الأحمديليّ [1] مقدَّم جيوش السّلطان محمود، وهو المقيم داود بعده في الملك [2] .
واستقرّ مسعود بهمذان [3] .
[انهزام طُغْرل]
وكانت وقعة انهزم فيها طُغْرُل [4] .
[مقتل آقسنقر]
ثم قتل آقسنقر، قتلته الباطنيّة [5] .
__________
[1] في المنتظم 10/ 29 «الأحمد بكى» ، وفي (17/ 275) : «الأحمديكي» ، والمثبت يتفق مع:
تاريخ دولة آل سلجوق.
[2] المنتظم 10/ 29، (17/ 275) ، الكامل في التاريخ 10/ 7686 زبدة التواريخ 200، 201، تاريخ دولة آل سلجوق 152، 153، تاريخ الزمان 145، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 145، دول الإسلام 2/ 48، الدرّة المضيّة 510، البداية والنهاية 12/ 204 النجوم الزاهرة 5/ 250.
[3] المنتظم 10/ 29 (17/ 275) ، ذيل تاريخ دمشق 238، الكامل في التاريخ 3/ 686، زبدة التواريخ 201، 202.
[4] الكامل في التاريخ 10/ 686، ذيل تاريخ دمشق 238، زبدة التواريخ 202، 203، المنتظم 10/ 29 (17/ 276) ، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 145، تاريخ ابن سباط 1/ 53، تاريخ دولة «آل سلجوق» 158.
[5] المنتظم 10/ 29، (17/ 275) ، الكامل في التاريخ 10/ 686، تاريخ دولة آل سلجوق

(36/34)


[غارة التركمان على بلاد طرابلس]
وفيها قصد أمير التّركمان الجزريّين [1] بلاد الشام، فأغاروا على بلاد طرابُلُس، وصموا وسبوا، فخرج ملك طرابُلُس بالفرنج، فتقهقر التُرْكُمانيّ، ثمّ كرّوا عليه فهزموه، وقتلوا في الفرنج فأكثروا وأطنبوا، فالتجأ إلى حصن بَعرين، فحاصرته التُرْكُمان أيّامًا. وخرج في اللّيل هاربًا، فجمعت الفرنج لنجدته ملوكهم، وردّ فواقع التُرْكُمان ونال منهم [2] .
[الخلاف بين الفرنج]
وفيها وقع الخُلْف بين الفرنج بالشّام، وتحاربوا وقُتِلَ منهم، ولم يجر لهم بذلك سابقة [3] .
[وقعة الأمير سوار بالفرنج]
وفيها واقع الأمير سوار نائب زنكيّ على حلب الفرنج، فقتل من الفرنج نحو الألف، وللَّه الحمد [4] .
__________
[157، 158] .
[1] في الأصل: «الجزريون» .
[2] الخبر في: ذيل تاريخ دمشق 240، والكامل في التاريخ 11/ 7، 8، والمختصر في أخبار البشر 3/ 8، ومسالك الأبصار في ممالك الأمصار (مخطوط) ج 16 ق 2/ 283، وعيون التواريخ 12/ 253، ودول الإسلام 2/ 48 والعبر 4/ 70 وتاريخ ابن الوردي 2/ 38، والبداية والنهاية 12/ 204، وتاريخ ابن سباط 1/ 54، وكتابنا: تاريخ طرابلس السياسي والحضاريّ 1/ 495، 496 (طبعة ثانية) .
[3] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 385 (وتحقيق سويم) 47، الكامل في التاريخ 11/ 8.
[4] تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 385 (وتحقيق سويم) 48، وفيه قال العظيمي:
ومدحته بقصيدة أولها:
تقلد النّصر واشدد خلفك العذبا ... لا يرجع الله في شيء إذا وهبا
والخبر في: العبر/ 70، وعيون التواريخ 12/ 253.

(36/35)


[محاولة اغتيال شمس الملوك]
وفيها وثب على شمس الملوك صاحب دمشق مملوك نجدة، فضربه بسيفٍ فلم يُغن [1] شيئًا، وقتلوه بعد أن أقرّ على جماعة وادّعى أنّه إنما فعل ذلك ليريح المسلمين من ظُلمه وعسفه، فقُتِلَ معه جماعة [2] .
[مقتل سونج]
وقتل شمس الملوك أخاه سونج الذي أسره زنكيّ، فحزن النّاس عليه [3] .
[انهزام دُبَيْس بواسط]
وفيها جمع دُبَيْس جمْعًا بواسط، وانضم إليه جماعة من واسط، فنفّذ الخليفة لحربه البازدار وإقبال الخادم، فهزموه وأسروا بختيار [4] .
[حصار المسترشد الموصل]
وعزم المسترشد على المسير إلى الموصل، فعبرت الكوسات والأعلام إلى الجانب الغّربي في شعبان، ونودي ببغداد: من تخلّف مِن الْجُنْد حُلّ دمُهُ.
ثمّ سار أمير المؤمنين في اثني عشر ألف فارس، ونفِّذ إلى بهروز يقول له: تنزل عن القلعة، وتسلّم الأموال، وتدخل تحت الطّاعة. فقال: أنا رجل كبير عاجز، ولكن أنفَّذ الإقامات وتقدمه. ففعل وعفى عنه.
ووصل الخليفة الموصل في العشرين من رمضان، فحاصرها ثمانين يومًا [5] ، وكان القتال كلّ يوم. ووصل إليه أبو الهيج الكرديّ من الجبل في عساكر كثيرة.
__________
[1] في الأصل: «فلم يغني» .
[2] الكامل في التاريخ 11/ 8، 9، وسيعاد هذا الخبر في السنة التالية. وانظر: المختصر في أخبار البشر 3/ 8، وتاريخ ابن الوردي 2/ 38، 39.
[3] الكامل في التاريخ 11/ 9، الكواكب الدرّية 98، تاريخ ابن سباط 1/ 54، البداية والنهاية 12/ 204.
[4] المنتظم 10/ 29 (17/ 276) .
[5] في المختصر في أخبار البشر 3/ 7 حاصرها ثلاثة أشهر، والمثبت يتفق مع العبر 4/ 70، ومرآة

(36/36)


ثمّ إنّ زنكيّ بعث إلى الخليفة: إني أعطيك الأموال، فترحل عنّا. فلم يُجِبْه، ثمَّ رحل، فقيل كان سبب رحيله أنّه بلغه أنّ السّلطان مسعودًا قد غار وقتل الأحمديليّ، وخلع على دُبَيْس [1] .
[وعظ ابن الجوزي بجامع المنصور]
وقال «ابن الجوزيّ» [2] : وتوفّي شيخنا ابن الزّاغونيّ، فأخذ بحلقته بجامع القصر أبو عليّ بن الراذاني، ولم أعطها لصغري، فحضرت عند الوزير أنوشروان، وأوردت فصلًا في الوعظ، فأذِن لي في الجلوس بجامع المنصور، فحضر مجلسي أوّل يومٍ الكبار من أصحابنا عبد الواحد بن شُنَيْف، وأبو على ابن القاضي، وابن قساميّ [3] ، وقوي اشتغالي بفنون العلم. وأخذت عن أبي بكر الدِّينَوَرِيِّ الفقه، وعن ابن الجواليقيّ اللّغة، وتتبّعتُ مشايخ الحديث.
[أخْذ بانياس من الفرنج]
وفيها أخذ شمس الملوك بانياس من الفرنج بالسّيف، وقلعتها بالأمان، فلما نزلوا أسروهم. وقدم شمس الملوك دمشق مؤيدا منصورا، والأسرى بين يديه ورءوس القتلى. ورأى [4] النّاس ما أقرّ أعينهم [5] ، فلله الحمد. وكان يومًا مشهودا [6] .
__________
[ () ] الجنان 3/ 252.
[1] الكامل في التاريخ 11/ 5، 6، التاريخ الباهر 47، 48، المنتظم 10/ 30 (17/ 276) ، تاريخ ابن سباط 1/ 53، تاريخ مختصر الدول 203، 204، تاريخ ابن الوردي 2/ 38، الدرّة المضيّة 510.
[2] في المنتظم 10/ 30 (17/ 276، 277) بتصرّف.
[3] في الأصل: «تشامي» .
[4] في الأصل: «ورأوا» .
[5] خبر بانياس في: الكامل في التاريخ 10/ 684، 685، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 145، والأعلاق الخطيرة ق 2/ 141، والكواكب الدرّية 99، وتاريخ ابن سباط 1/ 53.
[6] ذيل تاريخ دمشق 236، 237، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 145، نهاية الأرب 27/ 83، المختصر في أخبار البشر 3/ 7، دول الإسلام 2/ 48، العبر 4/ 70، تاريخ ابن الوردي 2/ 38، الدرّة المضيّة 510، عيون التواريخ 12/ 253، الكواكب الدريّة 99، النجوم الزاهرة 5/ 250.

(36/37)


[وفاة صاحب مكة]
وفيها مات صاحب مكَّة أبو فُلَيْتَة، وولي بعده أبو القاسم [1] .
[حصار مدينة أفراغه بالأندلس]
وفيها نازل ابن رُدْمير [2] مدينة أفراغة، فحاصرها وبها ابن مردنش [3] .
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 9، تاريخ ابن الوردي 2/ 39.
[2] في الأصل: «رذمير» .
[3] سيعاد الخبر في حوادث السنة التالية.

(36/38)


سنة ثمان وعشرين وخمسمائة
[الخِلْعة لإقبال الخادم]
فيها خُلِع على إقبال الخادم خِلْعة المُلْك، ولُقِّب بسيف الدّولة ملك العرب [1] .
[مصالحة زنكيّ]
ووقع الصُلح مع زنكيّ بن آقْسُنْقُر، وجاءَ منه الحمل [2] .
[وزارة ابن طِراد]
وصُرِف عن الوزارة أنوشروان، وأُعيد أبو القاسم بن طِراد. وقُبِض على بطر الخادم وسُجن وأُخِذت أمواله. وخُلِع على ابن طِراد خِلْعة الوزارة، وأُعطي فَرَسًا برُقْية [3] ، وثلاثة عشر حمل كوسات، وأعلاما [4] ومهدا [5] .
__________
[1] المنتظم 10/ 34 (17/ 282) ، في الإنباء في تاريخ الخلفاء 217 (حوادث سنة 525 هـ) إقبال المعروف بجمال الدولة، ولقبه حسام الدين، سلطان الأمراء، ملك العرب، البداية والنهاية 12/ 206.
[2] المنتظم 10/ 34 (17/ 282) ، العبر 4/ 73، تاريخ ابن الوردي 2/ 39، عيون التواريخ 12/ 276.
[3] في المنتظم: «طوق» .
[4] في المنتظم: «وأعطي ثلاثة عشر عملا كوسات وأعماما» .
[5] المنتظم 10/ 34 (17/ 282) .

(36/39)


[الخِلعة لابن الأنباري]
وقدِم رسول السّلطان سنْجر، فخلع عليه، وأرسل إلى سنجر مع رسوله ومع ابن الأنباري خلَعًا عظيمة الخطر بمائة وعشرين ألف دينار [1] .
[محاصرة بهروز]
وبعث الخليفة إلى بهروز الخادم، وهو بالقلعة، يطلب منه حملًا فأبى، فبعث جيشًا لقتاله، فحاصروه [2] .
[خدمة السَّلحدار]
وقدِم ألْبقش [3] السَّلحدار التُّرْكي طلبًا للخدمة مع الخليفة [4] .
[استعراض الخليفة الجيش]
ثمّ إنّ الخليفة خلع على الأمراء، وعرض الجيش يوم العيد، ونادى: لا يختلظ بالجيش أحد. ومن ركب بَغْلًا أو حمارًا أُبيح دَمُه.
وخرج الوزير وصاحب المخزن والقاضي ونقيب النُقباء وأركان الدَولة في زِيّ لم يُرَ مثله من الخيل والزّينة والعسكر والملبس، فكان الجيش خمسة عشر ألف فارس [5] .
[توطُّد المُلك لطُغْرل]
وعاد طُغْرُل إلى هَمذان وانضمت إليه عساكر كثيرة، وتوطّد له المُلْك، وانحل أمر أخيه مسعود. وسببه أنّ الخليفة بعث بخلع إلى خوارزم شاه، فأشار دُبَيْس على طُغْرُل بأخذها، وإظهار أنّ الخليفة بعثها له. ففعل [6] .
__________
[1] المنتظم 10/ 35 (17/ 283) ، العبر 4/ 72، مرآة الجنان 3/ 253.
[2] المنتظم 10/ 35 (17/ 283) .
[3] في الأصل: «التقش» ، والتصحيح من المنتظم.
[4] المنتظم 10/ 35 (17/ 283) .
[5] المنتظم 10/ 35 (17/ 283) .
[6] المنتظم 10/ 35 (17/ 284) ، الكامل في التاريخ 11/ 12، 13.

(36/40)


[الخلاف بين الخليفة ومسعود]
وبعث الخليفة يحثّ مسعودًا على المجيء ليرفع منه، فدخل أصبهان في زِيّ التُرْكُمان، وخاطر إلى أن وصل بغداد في ثلاثين فارسًا، فبعث إليه الخليفة تُحَفًا كثيرة.
وعثر على بعض الأمراء أنه يكاتب طُغْرل، فقبض عليه الخليفة، فهرب بقيَّة الأمراء إلى مسعود، وقالوا: نحن عبيدك، فإذا خَذَلْتنا قَتَلَنا الخليفة. فطلبهم الخليفة، فقال مسعود: قد التجئوا إليّ. فقال الخليفة: إنما أفعل هذا لأجلك، أو يصيبك [1] نوبة بعد نوبة.
ووقع الاختلاف بينهما، وشاش العسكر، ومدوا أيديهم إلى أذى المسلمين، وتعذر المشْي بين المَحَالّ، فبعث إليه الخليفة يقول له: تنصرف إلى بعض الجهات، وتأخذ العسكر الّذين صاروا إليك. فرحل في آخر السّنة والخواطر متوحّشة. فأقام بدار الغربة. وجاءت الأخبار بتوجُّه طُغْرُل إلى بغداد.
فلّما كان يوم سلْخ السّنة نفّذ إلى مسعود الخِلع والتّاج، وأشياء بنحو ثلاثين ألف دينار نِعَم [2] .
[هزيمة ابن رُدمير وموته]
وفيها حاصر ملك الفرنج ابن رُدمير [3] مدينة أفراغه من شرق الأندلس، وكان إذ ذاك على قُرْطُبة تاشَفين ابن السّلطان، فجهّز الزّبير اللُّمتُونيّ بألفي فارس، وتجهّز أمير مُرْسيَّة وبَلَنْسِيَة- يحيى بن غانية- في خمسمائة وتجهز عبد الله بن عياض صاحب لارَدَة في مائتين، فاجتمعوا وحملوا الميرة إلى أفراغه. وكان ابن عياض فارس زمانه، وكان ابن رُدْمير [3] في اثني عشر ألف فارس. فأدركه العُجْب، وقال لأصحابه: اخرجوا خُذُوا هذه الميرة. ونفّذ قطعة من جيشه، فهزمهم ابن عياض، فساق ابن ردمير بنفسه، والتحم الحرب،
__________
[1] في المنتظم: «وأنصبك» .
[2] المنتظم 10/ 35، 36 (17/ 284) .
[3] في الأصل: «رذمير» .

(36/41)


واسْتَحَر القتْل في الفرنج، وخرج أهل أفراغه الرّجال والنّساء، فنهبوا خِيَم الروم. فانهزم الطّاغية، ولم يفلت من جيشه إلا القليل، ولحق بسَرَقُسْطة، فبقي يسأل عن كبار أصحابه، فيقال له: قُتِلَ فُلان، قُتِلَ فُلان، فمات غمًّا بعد عشرين يومًا. وكان بليَّة على المسلمين، فأهلكه الله [1] .
[فتح الموحّدين لتادلة]
وفيها خرج عبد المؤمن في الموحِّدين من ... [2] فافتتح تادلة ونواحيها، وسار في تلك الجبال يفتتح معموره.
[حرب تاشفين للموحّدين]
وأقبل تاشفين من الأندلس باستدعاء ابنه، فانُتدِب لحرب الموحّدين.
[مسير الفرنج إلى حلب]
وفيها سار صاحب القدس بالفرنج، فقصد حلب، فخرج إليه عسكرها، فالتقوا، فانهزم المسلمون، وقُتِلَ منهم مائة فارس، ثمّ التقوا ونَصَر الله [3] .
[محاولة اغتيال شمس الملوك]
وفيها وثب إيليا الطّغتِكينيّ في الصيد على شمس الملوك بأرض صيدنايا بالسّيف، فغطس عنها، ورمى بنفسه إلى الأرض، وضربه ثانية، فوقعت في رقَبَة
__________
[1] الكامل في التاريخ 11/ 33، 34 (حوادث 429 هـ) .
[2] بياض في الأصل.
[3] روى العظيمي هذا الخبر على هذا النحو:
«وصل الملك فلك بن كند صاحب القدس إلى أنطاكية وجمع وظهر إلى نواز ثم قنّسرين، وكسروا أوائل عسكر حلب، وقتلوا أبا القاسم التركماني وأبا العلاء بن الخشّاب، والأمير خليفة، وشاهنشاه بن بلك. وتحوّل الفرنج إلى النقرة، فصابحهم سيف الدين سوار والعسكر، فأوقعوا بسريّة منهم فقتلوهم، وعادوا برءوس وقلائع، فسرّ الناس من يومهم عوض ما ساءهم من أمسهم» . (تاريخ حلب للعظيميّ- بتحقيق زعرور 385، 386، وتحقيق سويم 48) وانظر: زبدة الحلب 2/ 252، وذيل تاريخ دمشق 240.

(36/42)


الفَرَس أتْلَفَتْه. وتلاحقت الأجناد، فهرب إيليا، ثمّ ظفروا به، فقتله صبرًا، وقتل جماعة بمجرّد قول إيليا فيهم، وبنى على أخيه حائطًا، فمات جوعًا. وبالغ في الظُلْم والعَسف، وبنى دار المَسَرَّة بالقلعة، فجاءت بديعة الحُسن [1] .
[خلاف الإسماعيلية والسُنَّة بمصر]
وفيها جاءت الأخبار من مصر بخُلْف ولدي الحافظ لدين الله عبد المجيد وهما: حيدرة [2] ، والحسن. وافترق الْجُند فِرقتين، إحداهما مائلة إلى الإسماعيلية، والأخرى إلى مذهب السُّنَّة. فاستظهرت السُّنَّة، وقتلوا خلقًا من أولئك، واستحر القتْل بالسّودان، واستقام أمر وليّ العهد حسن، وتتبّع من كان ينصر الإسماعيليَّة من المقدَّمين والدُّعاة، فأبادهم قتْلًا وتشريدًا.
قال أبو يَعْلى حمزة [3] : فورد كتاب الحافظ لدين الله على شمس الملوك بهذا [4] الخلاف [5] .
[نقض الفرنج الهدنة]
وفيها فسخت الفرنج الهدنة وأقبلت بخُيَلائها، فجمع شمس الملوك جيشه، واستدعى تُرْكُمان النواحي، وبرز في عساكره نحو حَوران، فالتقوا. وكانت الفرنج في جمْعٍ كثيف، فأقامت المناوشة بين الفريقين أيامًا، ثمّ غافلهم شمس الملوك، ونهض ببعض الجيش، وقصد عكّا والنّاصرة، فأغار وغنم، فانزعجت الفرنج، وردّوا ذليلين، وطلبوا تجديد الهدنة [6] .
__________
[1] ذيل تاريخ دمشق 241، 242، الكامل في التاريخ 11/ 8، 9 (حوادث 527 هـ) . وقد تقدّم هناك باختصار، وانظر: مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 147، 148، ونهاية الأرب 27/ 84، النجوم الزاهرة 5/ 252.
[2] وكنيته: أبو تراب. (أخبار الدول المنقطعة 98) .
[3] في ذيل تاريخ دمشق 242.
[4] في الأصل: «بهذه» .
[5] انظر تفاصيل الخبر في: أخبار الدول المنقطعة 96، وأخبار مصر لابن ميسّر 2/ 86، ونهاية الأرب 28/ 299، 300، والدرّة المضيّة 514، 515، والمقفّى الكبير 3/ 416- 419، واتعاظ الحنفا 3/ 149- 155.
[6] ذيل تاريخ دمشق 242، 243، الكامل في التاريخ 11/ 11، 12، مرآة الزمان ج 8 ق 1 148، المختصر في أخبار البشر 3/ 8.

(36/43)


سنة تسع وعشرين وخمسمائة
[إخراج مسعود من بغداد]
قد ذكرنا أنّ الخليفة قال لمسعود: أرحل عنّا. وأنه بعث إليه بالخِلَع والتّاج، ثمّ نفذ إليه الجاوليّ شِحْنَة بغداد، مصانِعًا له على الخروج، وأمره إن هو دافع أن يرمي خيمته [1] . ثمّ أحسَّ منه أنّه قد باطَنَ الأتراك، واطّلع منه على سوء نِية، فأخرج أمير المؤمنين سُرَادقه، وخَرَج أرباب الدّولة، فجاء الخبر بموت طُغْرُل [2] ، فرحل مسعود جريدةً، وتلاحَقَتْه العساكر، فوصل هَمَذَان، واختلف عليه الجيش، وانفرد عنه قُزُل، وسُنْقُر، وجماعة، فجهز لحربهم، وفرّق شملهم، فجاء منهم إلى بغداد جماعة، وأخبروا سوء نيته، منهم البازدار، وقُزُل، وسُنْقُر [3] .
[القبض على أنوشروان]
وسار أنوشروان بأهله إلى خُراسان لوزارة السّلطان مسعود، فأُخِذ في الطّريق [4] .
[استرجاع زنكيّ المعرَّة]
وفيها افتتح الأتابك زنكيّ بن آق سنقر المَعَرَّة، فأخذها من الفرنج. وكان لها
__________
[1] في المنتظم: «أن يحط خيمه» .
[2] كتاب الروضتين 1/ 79، العبر 4/ 75 وفيه «طغريل» ، تاريخ ابن الوردي 2/ 39.
[3] المنتظم 10/ 41 (17/ 291) ، وانظر: الكامل في التاريخ 11/ 19 و 24، 25، والتاريخ الباهر 49، كتاب الروضتين 1/ 79، العبر 4/ 75.
[4] المنتظم 10/ 41 (17/ 291) .

(36/44)


في أيديهم سبْعٌ، وثلاثون سنة، وردّ أملاكهم، وكُثر الدّعاء له [1] .
[طاعة ابن زنكيّ للخليفة]
وفيها قدِم الموصلَ ابن زنكيّ من عند والده بمفاتيح المَوصل مُذْعِنًا بالطّاعة والعُبوديَّة للخليفة، فخرج الموكب لتلقّيه، وأكرم مورده. ونزل وقَبل العَتَبَة [2] .
[موت رسول دُبَيْس]
وجاء رسول دُبَيْس يقول: أنا الخاطئ المُقِرّ بذنْبه. فمات رسوله، فذهب هو إلى مسعود [3] .
[كتاب ابن الأنباريّ]
وجاء السّديد بن الأنباري من عند السّلطان سنْجر، ومعه كتابه يقول فيه:
أنا العبد المملوك.
ثمّ تواترت الأخبار بعزم مسعود على بغداد، وجمع وحشد، فبعث الخليفة إلى بكبة نائب البصرة، فوعدَ بالمجيء.
ووصل إلى حُلوان دُبَيْس وهو سائس عسكر مسعود، فجهّز الخليفة ألفيْ فارس تقدّمه، وبعث إلى أتابك زنكيّ، وكان مُنازِلًا دمشق [4] .
[انفصال الأمراء عن جيش مسعود]
وبعث سَنْجَر إلى مسعود أن هؤلاء الأمراء، وهم البازدار وابن برسُق، وقُزُل، وبرتقش [5] ، ما يتركونك تنال غَرَضًا لأنّهم عليك، وهم الّذين أفسدوا أمر
__________
[1] زبدة الحلب 2/ 259، العبر 4/ 75.
[2] المنتظم 10/ 42 (17/ 292) .
[3] المنتظم 10/ 42 (17/ 292) .
[4] المنتظم 10/ 42 (17/ 293) .
[5] في المنتظم: «يرتقش» ، ومثله في: الإنباء في تاريخ الخلفاء 221 وفيه «يرتقش الفخري» ،

(36/45)


أخيك طُغْرُل، فابعث إليَّ برءوسهم. فأطْلَعهم على الكتاب، فقبّلوا الأرض وقالوا: الآن علمنا أنّك صافٍ لنا، فابعث دُبَيْسًا في المقدّمة.
ثمّ اجتمعوا وقالوا: ما وراء هذا خير، والرأي أن نمضي إلى أمير المؤمنين، فإن له [في] [1] رقابنا عهدًا. وكتبوا إليه: إنا قد انفصلنا عن مسعود، ونحن في بلاد برسُق، ونحن معك، وإلّا فاخطب لبعض أولاد السّلاطين، ونفّذه نكون في خدمته. فأجابهم: كونوا على ما أنتم عليه، فإنّي سائر إليكم. وتهيّأ للخروج، فلمّا سمع مسعود ساق لكبسهم، فانهزموا نحو العراق، فنهب أموالهم.
وجاءت الأخبار، فهيّأ لهم الخليفة الإقامات والأموال [2] .
[مهاجمة مقدّمة جيش الخليفة]
وخرج عسكر بغداد والخليفة، وانزعج البلد. وبعث مسعود خمسة آلاف ليكبسوا مقدّمة الخليفة، فبيّتوهم وأخذوا خيلهم وأموالهم، فأقبلوا عُراة، ودخلوا بغداد في حالٍ رديئة. فأطلق لهم ما أصلح أمرهم [3] .
وجاء الأمراء الكبار الأربعة في دجلة فأكرموا وخُلِع عليهم، وأُطلق لهم ثمانون ألف دينار، ووُعدوا بإعادة ما مضى لهم [4] .
[قطع الخطبة لمسعود]
وقُطعت خطبة مسعود وخطب لسنجر، وداود [5] .
__________
[ () ] وزبدة النصرة 177 وفيه «يرتقش قران خوان» ، وكذا في: الكامل 11/ 24 «يرتقش» .
[1] إضافة من المنتظم.
[2] المنتظم 10/ 43 (17/ 293) ، الكامل في التاريخ 11/ 24، 25.
[3] مرآة الجنان 3/ 254، 255.
[4] المنتظم 10/ 44 (17/ 294) ، الكامل في التاريخ 11/ 25.
[5] المنتظم 10/ 44 (17/ 294) ، الكامل في التاريخ 11/ 25، التاريخ الباهر 49.

(36/46)


[استمالة مسعود الأطراف إليه]
ثمّ برز الخليفة، وسار في سبعة آلاف فارس، وكان مسعود بهمذان في ألف وخمسمائة فارس، ثمّ أفسد نيّات الأطراف بالمكاتبة، واستمالهم حتّى صار في نحو خمسة عشر ألف فارس، وتسلَّل إليه ألفا فارس من عسكر المسترشد.
ونفّذ زنكيّ إلى الخليفة نجدةً، فلم يلحق [1] .
[أسر المسترشد]
ووقع المصافّ في عاشر رمضان، فلمّا التقى الْجَمْعان هرب جميع العسكر الّذين كانوا مع المسترشد، وكان على ميمنته قزل، والبازدار، ونور الدّولة الشّحنة، فحملوا على عسكر مسعود، فهزموهم ثلاثة فراسخ ثمّ عادوا فرأوا المَيْسَرَة قد غدرت، فأخذ كلّ واحدٍ منهم طريقًا، وأُسِر المسترشد وحاشيته، وأُخِذ ما معه، وكان معه خزائن عظيمة، فكانت صناديق الذَّهب على سبعين بغلا [2] أربعة آلاف ألف دينار، وكان الثّقْل على خمسة آلاف [3] جَمَل، وخزانة السّبق أربعمائة بغْل.
ونادى مسعود: المال لكم، والدَّمُ لي، فمن قُتِلَ أَقَدْتُه. ولم يُقتل بين الصَّفَّيْن سوى خمسة أنْفُس غَلَطًا.
ونادى: من أقام من أصحاب الخليفة قُتِلَ. فهرب النّاس، وأخذتهم التُّرْكُمان، ووصلوا بغداد وقد تشقَّقت أرجُلُهم، وبقي الخليفة في الأسر [4] .
__________
[1] المنتظم 10/ 44، 45 (17/ 294، 295) ، الكامل في التاريخ 11/ 25، مرآة الجنان 3/ 255.
[2] في الفخري 302: «على مائة وسبعين بغلا» .
[3] في الفخري: «خمسمائة جبل» .
[4] انظر خبر أسر الخليفة المسترشد باللَّه في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 387، (وتحقيق سويم) 49، والإنباء في تاريخ الخلفاء 219، 220، والتاريخ الباهر 49، 50، والكامل في التاريخ 11/ 24- 26، والمنتظم 10/ 43- 48 (17/ 295) ، وذيل تاريخ دمشق 248، 249، وتاريخ الزمان لابن العبري 147، 148، وتاريخ مختصر الدول، له 204، وزبدة الحلب 2/ 253، والتاريخ الباهر 49، 50، وكتاب الروضتين 79، والفخري 302، 303، ومختصر التاريخ لابن الكازروني 221، 222، والإنباء في تاريخ الخلفاء 218

(36/47)


[كتاب الخليفة إلى أستاذ الدار]
وبعث بالوزير ابن طِراد وقاضي القُضاة الزَّيْنبيّ، وبجماعةٍ إلى قلعة، وبعث شِحْنة بغداد ومعه كتاب من الخليفة إلى أستاذ الدّار، أمره مسعود بكتابته، فيه: «ليعتمد الحسين [1] بن جَهِير مُراعاة الرّعيَّة [2] وحمايتهم [3] ، فقد ظهر من الولد غياث الدّنيا والدّين، أمتع [4] الله به في الخدمة ما صدقت به الظُّنُون [5] . فلْيجتمع وكاتب الزّمام وكاتب المخزن إلى إخراج العمّال إلى النّواحي [6] ، فقد ندب من الجانب الغياثيّ هذا الشِّحْنة [7] لذلك، ولْيَهْتمّ بكِسوَة الكعبة، فنحن في إثر هذا المكتوب [8] .
[ثورة أهل بغداد]
وحضر عيد الفِطْر، فنفر أهل بغداد ووثبوا، ووثبوا [9] على الخطيب، وكسروا المنبر والشّبّاك، ومنعوه من الخطْبة، وَحَثَوْا في الأسواق على رءوسهم التُّراب يبكون ويضجّون، وخرج النّساء حاسراتٍ يندُبن الخليفة في الطُّرُق
__________
[221،) ] وخلاصة الذهب المسبوك 273، وتاريخ دولة آل سلجوق 164، 165، وبغية الطلب (قسم السلاجقة) 248، والمختصر في أخبار البشر 3/ 9، ومفرّج الكروب 1/ 58، والعبر 4/ 75، 76، وسير أعلام النبلاء 19/ 565، 568، ودول الإسلام 2/ 49، 50، وتاريخ ابن الوردي 2/ 39، وعيون التواريخ 12/ 292، 293، وفوات الوفيات 24812- 250، ومرآة الجنان 3/ 254، 255، والدّرّة المضيّة 515، 516، والبداية والنهاية 12/ 207، 208، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 95، 96، ومآثر الإنافة 2/ 26، والكواكب الدّرية 99، 100، وتاريخ ابن خلدون 5/ 60، 61، وتاريخ الخميس 2/ 404، والنجوم الزاهرة 5/ 256، وتاريخ الخلفاء 431- 435، وشذرات الذهب 4/ 86- 88، وتاريخ ابن سباط 1/ 58.
[1] هكذا في الأصل، وأصل المنتظم المخطوط، وفي المطبوع: «الحسن» .
[2] زاد في المنتظم: «والاشتمال عليهم» .
[3] زاد في المنتظم: «وكفّ الأذى عنهم» .
[4] في المنتظم: «تبع» .
[5] في المنتظم: «ما صدق به الخدمة» .
[6] في المنتظم: «إلى نواحي الخاص لحراستها» .
[7] في المنتظم: «شحنة» .
[8] في المنتظم 10/ 45، 46 (17/ 295) : «إن شاء الله» .
[9] هكذا تكرّرت في الأصل.

(36/48)


وتحت التّاج، وهمّوا برجْم الشِّحْنة، وهاشوا عليهم، فاقتتل أجناده والعوامّ، فقتِل من العوامّ مائة وثلاثة وخمسون نفْسًا، وهرب أبو الكَرَم الوالي، وحاجب الباب إلى دار خاتون، ورمى أعوان الشحنة الأبواب الحديد التي عَلَى السور، ونقبوا فِيهِ فتحات، وأشرفت بغداد على النَّهْب، فنادى الشِّحْنة: لَا ينزل أحدٌ في دار أحد، ولا يؤخذ لأحدٍ شيء، والسّلطان جاي [1] بين يدي الخليفة، وعلى كتفه الغاشية [2] . فسكن النّاس. وطلب السّلطان من الخليفة «نظر الخادم» فنفّذ أطلقه، وسار بالخليفة إلى داود، إلى مَرَاغة [3] .
[زلزلة بغداد]
وقال ابن الجوزيّ [4] : وزلزلت بغداد مِرارًا كثيرة، ودامت كلّ يومٍ خمس أو ست مرّات إلى ليلة الثّلاثاء، فلم تزل الأرض تَمِيد من نصف اللّيل إلى الفجر، والنّاس يستغيثون [5] .
[تفاقم الأمر ببغداد]
وتصّرف عمّال السّلطان في بغداد، وعوّقوا قرى وليّ العهد، وختموا على غلّاتها، فافْتَكّ ذلك منهم بستّمائة دينار، فأطلقوها.
وتفاقم الأمر، وانقطع خبر العسكر، واستسلم النّاس [6] .
__________
[1] هكذا في الأصل.
[2] الغاشية: هي غاية سرج من أديم مخروز بالذهب يظنّها الناظر كلّها ذهبا يلقيها (الملك) على يديه يمينا وشمالا. (صبح الأعشى 2/ 127) وقال القلقشندي أيضا: تحمل بين يديه عند الركوب في المواكب الحفلة كالميادين والأعياد ونحوها، ويحملها الركابدار رافعا لها على يديه يلفتها يمينا وشمالا. (صبح الأعشى 4/ 6) .
[3] المنتظم 10/ 43- 46 (17/ 296) ، الإنباء في تاريخ الخلفاء 220، الكامل في التاريخ 11/ 26، الفخري 303، العبر 4/ 77.
[4] في المنتظم 10/ 46 (17/ 296) ، وانظر: الكامل في التاريخ 11/ 34.
[5] والخبر باختصار في: عيون التواريخ 12/ 296، وهو في الكواكب الدرّيّة 100، ومرآة الزمان ج 8 ق 1521، 157، وكشف الصلصلة 183، والبداية والنهاية 12/ 208.
[6] المنتظم 10/ 46 (17/ 296، 297) ، التاريخ الباهر 52.

(36/49)


[رسالة سَنْجَر إلى مسعود بطاعة الخليفة]
ثمّ أرسل سَنْجَر إلى ابن أخيه مسعود يقول: ساعة وقوف الولد غياث الدّنيا والدّين على هذا المكتوب يدخل على أمير المؤمنين ويُقبّل [1] [الأرض] بين يديه، وتسأله العفْو والصَّفح، وتتنصّل غاية التّنصُّل، فقد ظهرت عندنا من الآيات السّماويَّة والأرضية ما لَا طاقة لنا بسماع مثلها، فضلًا عن المشاهدة من العواصف والبُرُوق والزلازل، ودوام ذلك عشرين يومًا، وتشويش العساكر وانقلاب [2] البلدان، ولقد خِفْت على نفسي من جانب الله وظهور آياته، وامتناع الناس من الصّلوات في الجوامع، ومنْع الخُطَباء ما لَا طاقة لي بحمله، فاللَّه الله بتلافي أمرك، وتعيد أمير المؤمنين إلى مقّر عزّه، وتسلِّم إليه دُبَيْسًا ليحكم فيه، وتحمل الغاشية بين يديه أنت وجميع الأمراء، كما جرت عادتنا وعادة آبائنا [3] .
فنفّذ مسعود بهذه المكاتبة مع الوزير، ونظر، فدخلا على الخليفة، واستأذنا لمسعود، فدخل وقبّل الأرض، ووقف يسأل العفو، فقال: قد عُفِي عن ذنْبك، فاسكن [4] وَطِبْ نفْسًا.
[شفاعة مسعود بدُبَيْس]
ثمّ عامله مسعود بما أمره به عمّه، وسأل من الخليفة أن يُشَفَّعه في دُبَيْس، فأجابه، فأحضروه مكتوفا بين أربعة أمراء، ومع واحد سيف مجذوب، وكَفَن منشور، وأُلقي بين يدي السّرير، وقال مسعود: يا أمير المؤمنين هذا السّبب الموجب لِما تمّ، فإذا زال السّبب زال الخلاف، ومهما تأمر نفعل به. وهو يبكي ويتضرَّع ويقول: العفو عند المقدرة، وأنا أقَلّ وأَذَلّ. فعفا عنه وقال: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ.. 12: 92 [5] فخلّوه، وقبّل يد أمير المؤمنين وأَمرَّها على
__________
[1] في الأصل: «يقتل» .
[2] في الكواكب الدرّية 101: «وانفلات» .
[3] انظر النص في: المنتظم 10/ 47 (17/ 297) ، والكواكب الدرّية 100، وأخبار الدول 2/ 169، 170.
[4] في الكواكب 101: «فاشكر» .
[5] سورة يوسف، الآية 92.

(36/50)


وجهه، وقال: بقرابتك من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلّا ما عفوت عنّي، وتركتني أعيش في الدّنيا، فإنّ الخوف منك قد برّح بي [1] .
[نقضْ سور بغداد]
وأمّا بكبة شِحْنة بغداد، فإنّه أمر بنقْض السُّور ببغداد، فنُقِض مواضع كثيرة. وقال: عَمَّرتموه بفرح، فانقضوه لذلك.
وضربت لهم الدّبادب [2] ، وردّوا الباب الحديد الّذي أُخِذ من جامع المنصُور إلى مكانه [3] .
[قتل الباطنيَّة الخليفة المسترشد]
وقدِم رسولٌ ومعه عسكر يستحثّ مسعود أمر جهة عمّه على إعادة الخليفة إلى بغداد، فجاء في العسكر سبعة عشر [4] من الباطنيَّة، فذُكر أنّ مسعودًا ما علم بهم، فاللَّه أعلم، فركب السّلطان والعساكر لتلقي الرسول، فهجمت الباطنيَّة على الخليفة، ففتكوا به رحمه الله، وقتلوا معه جماعة من أصحابه، فعلم العسكر، فأحاطوا بالسُّرادق فخرج الباطنيَّة وقد فرغوا من شُغلهم، فقُتِلَوا.
وجلس السّلطان للعزاء، ووقع النّحيب والبكاء، وذلك على باب مراغة، وبها دفن [5] .
__________
[1] المنتظم 10/ 48 (17 (298) ، الكواكب الدرّية 101.
[2] الدبادب: الطبول.
[3] المنتظم 10/ 48، 49 (17/ 298) .
[4] جاء في التاريخ الباهر 50: «فهجم على الخليفة أربعة عشر نفرا من الباطنية، وبقي خارج الخيمة عشرة رجال» .
[5] انظر عن مقتل المسترشد في: الإنباء في تاريخ الخلفاء 221، والكامل في التاريخ 11/ 27، والتاريخ الباهر 50، وزبدة التواريخ 208، ووفيات الأعيان 5/ 201، وتاريخ دولة آل سلجوق 166، وتاريخ الزمان 148، وتاريخ مختصر الدول 204، والفخري 303، وبغية الطلب (قسم السلاجقة) 248، والمختصر في أخبار البشر 3/ 9، والعبر 4/ 76، 77، والدرّة المضيّة 517، وتاريخ الخميس 2/ 404، وتاريخ ابن خلدون 3/ 510، والكواكب الدرّيّة 17، 102، والبداية والنهاية 12/ 208، وأخبار الدول 2/ 170، والإعلام بوفيات الأعلام 217، وسير أعلام النبلاء 19/ 561.

(36/51)


وجاء الخبر، فطلب الرّاشد النّاس طول الليل فبايعوه ببغداد، فلمّا أصبح شاع قتْله، فأغلق البلد، ووقع البكاء والنّحيب، وخرج النّاس حُفاةً مُخَرَّقي الثّياب، والنّساء منشّرات الشُّعور يلْطِمْن، ويقُلْن فيه المراثي على عادتهنّ، لانّ المسترشد كان محبّبا فيهم بمرّة، لما فيه من الشّجاعة والعدل والرَّفْق بهم [1] .
فمن مراثي النّساء فيه:
يا صاحب القضيب ونور الخاتم ... صار الحريم بعد قتلك رائم [2]
اهتزّت الدّنيا ومَن عليها ... بعد النّبيّ ومن ولي عليها
قد صاحت البومة على السُّرادق ... يا سيّدي ذا كان في السّوابق
تُرَى تراك العينُ في حريمك ... والطَّرحة السّواد على كريمك [3]
وَعُمِلَ العزاء في الدّيوان ثلاثة أيّام، تولّى ذلك ناصح الدّولة ابن جَهير، وأبو الرّضا صاحب الدّيوان.
[بيعة الراشد بالخلافة]
ثمّ شرعوا في الهناء، وكتب السّلطان إلى الشّحنة بكبة أن يبايع [4] للرّاشد.
__________
[1] انظر عن مقتل الخليفة المسترشد باللَّه في: تاريخ حلب للعظيميّ 387، والإنباء في تاريخ الخلفاء 221، والمنتظم 10/ 49 (17/ 298، 299) ، وذيل تاريخ دمشق 249، 250، والكامل في التاريخ 11/ 27، 28، والتاريخ الباهر 50، وكتاب الروضتين 79، وتاريخ دولة آل سلجوق 165، وتاريخ مختصر الدول 204، وتاريخ الزمان 149، وخريدة القصر (قسم العراق) ج 1/ 29، ومختصر التاريخ لابن الكازروني 222، والفخري 303، ومفرّج الكروب 1/ 60، والنبراس 145، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 156، وزبدة التواريخ 208، وراحة الصدور 179، وخلاصة الذهب المسبوك 273، والمختصر في أخبار البشر 3/ 9، 10، وسير أعلام النبلاء 19/ 561- 573 رقم 325، والعبر 4/ 76، ودول الإسلام 2/ 50، وتاريخ ابن الوردي 2/ 39، والدرّة المضيّة 516، 517، وعيون التواريخ 12/ 293، 294، وفوات الوفيات 2/ 248- 250، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 257، والكواكب الدرّية 101، 102، ومآثر الإنافة 2/ 25، والبداية والنهاية 12/ 208، وتاريخ ابن خلدون 5/ 61، وتاريخ الخميس 2/ 404، والنجوم الزاهرة 5/ 256، وتاريخ الخلفاء 435، وشذرات الذهب 4/ 88، وأخبار الدول 2/ 170، وتاريخ ابن سباط 1/ 59، 60.
[2] في المنتظم: «مأتم» .
[3] الأبيات في: المنتظم 10/ 49، 50 (17/ 299) .
[4] في الأصل: «يتابع» .

(36/52)


وجلس الرّاشد في الشّبّاك في الدّار المثمّنة المقتدريّة، وبايعه الشّحنة من خارج الشّبّاك، وذلك في السابع والعشرين من ذي القعدة. وظهر للنّاس، وكان أبيض جسيمًا بحُمرةٍ مستحسَنَة. وكان يومئذٍ بين يديه أولاده وإخوته، ونادى بإقامة العدل وردّ بعض المظالم [1] .
[ظهور التشيّع أيام الغدير]
وفي أيّام الغدير ظهر التَّشيُّع، ومضى خلْقٌ إلى زيارة مشهد عليّ ومشهد الحسين [2] .
[منازلة زنكيّ دمشق]
وفيها نازل زنكيّ دمشق، وحاصرها أشدّ حصار، فقام بأمر البلدان أتمّ قيام، وأحبّه النّاس، فجاء زنكيّ رسول المسترشد باللَّه يأمره بالرحيل [3] .
[مسير سَنْجَر إلى غزنة وهرب ملكها]
وفي ذي القعدة سار السّلطان سَنْجَر بالجيوش إلى غَزْنَة فأشرف عليها، وهرب منه ملكها، فأمّنه ونهاه عن ظُلْم الرّعيَّة، وأعاده إلى مملكته، وهو بهرام شاه. ورجع السّلطان فوصل بلْخ في شوّال من سنة ثلاثين [4] .
__________
[1] المنتظم 10/ 50 (17/ 300) ، التاريخ الباهر 50، الكامل في التاريخ 11/ 28، مآثر الإنافة 2/ 32، تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 387 (وتحقيق سويم) 50، الإنباء في تاريخ الخلفاء 222، زبدة التواريخ 209، تاريخ الزمان 149، تاريخ مختصر الدول 20، الفخري 308، مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 158، المختصر في أخبار البشر 3/ 10، الكواكب الدرّية 102.
[2] المنتظم 10/ 52 (17/ 302) .
[3] الإعتبار لابن منقذ 99، ذيل تاريخ دمشق 247، 248، الكامل في التاريخ 11/ 21، 22، زبدة الحلب 2/ 257، نهاية الأرب 27/ 130، المختصر في أخبار البشر 3/ 9، عيون التواريخ 12/ 295، 296، الدرّة المضيّة 519، تاريخ ابن الوردي 2/ 39، الكواكب الدرّيّة 103، تاريخ ابن سباط 1/ 57، 1.
[4] الكامل في التاريخ 11/ 28- 30.

(36/53)


سنة ثلاثين وخمسمائة
[رفض الراشد باللَّه مضمون كتاب المسترشد]
جاء برتقش بأمور صعبة، فقالوا للراشد باللَّه: جاء مطالبًا بخطٍّ كتبه المسترشد باللَّه لتخليص من أسره بمبلغ، وهو سبعمائة ألف دينار [1] ، ويطالب لأولاد صاحب المخزن بثلاثمائة ألف، وبقسط على أهل بغداد خمسمائة ألف دينار. فاستشار الراشد الكبار، فأشاروا عليه بالتّجنيد، وأرسل الخليفة إلى برتقش [2] : أما الأموال المضمونة فإنما تُكْتَب لإعادة الخليفة إلى داره، وذلك لم يكن، وأنا مطالب بالثّأر، وأما مال البيعة، فلَعَمري، لكن ينبغي أن تُعاد إلى أملاكي وإقطاعي، حتى يتصوَّر ذلك. وأما الرعيَّة فلا سبيل لكم عليهم، وما عندي إلّا السّيف.
ثمّ أحضر بكبة وخلع عليه، وأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال له: دوّن بهذه العسكر كلّه. وجمع العساكر، وبعث إلى برتقش يقول: قد تركنا البلد مع الشِّحْنة والعميد، فلما جئت بهذه الأشياء فعلنا هذا.
[انزعاج أهل بغداد]
وانزعج أهل بغداد، وباتوا تحت السّلاح، ونقل النّاس إلى دار الخلافة ودار خاتون متاعهم، وقيل للخليفة إنهم قد عزموا على كبس بغداد وقت الصّلاة، فركب العسكر، وحفظ النّاس البلد، وقطع الجسر، وجرى في أطراف البلد قتال قويّ [3] .
__________
[1] في البداية والنهاية 12/ 210: «أربعمائة ألف دينار» ، ومثله في الكواكب الدرّيّة 103.
[2] في المنتظم 10/ 55، والكامل في التاريخ 11/ 36، والتاريخ الباهر 51، وتاريخ دولة آل سلجوق 170: «برنقش» ، وفي تاريخ ابن سباط 1/ 63: «رتقش» .
[3] المنتظم 10/ 54، 55 (17/ 305، 306) ، وانظر: الكامل في التاريخ 11/ 35، العبر

(36/54)


وفي صَفَر قدِم زنكيّ، والبازدار، وإقبال، عليهم ثياب العزاء، وحسّنوا للراشد الخروج فأجابهم، واستوزر أبا الرضا بن صَدَقة، واتفقوا على حرب مسعود [1] .
[دخول السلطان دار المملكة]
وجاء السّلطان داود بن محمود فنزل بالمزرفة، ثمّ دخل دار المملكة، وأظهر العدل، وجاء إليه أرباب الدّولة ومعهم تقدمة من الراشد، فقام ثلاث مرّات، فقبّل الأرض [2] .
[تقديم صدقة بن دُبَيْس الطاعة]
وجاء صَدَقة ولد دُبَيْس ابن خمس عشرة سنة وقبّل الأرض بإزاء التّاج وقال: أنا العبد ابن العبد جئت طائعًا [3] .
[قطع الخطبة لمسعود]
وقُطعت خطبة مسعود، وخُطِب لداود [4] .
[القبض على إقبال الخادم]
وقبض على إقبال الخادم ونُهب ماله، فتألّم العسكر من الخليفة لذلك.
ونفَّذ زنكيّ يقول: هذا جاء معي. ويعتب ويقول: لَا بدّ من الإفراج عنه. ووافقه على ذلك البازدار. وغضب كجبة ومضى إلى زنكيّ، فرتَّب مكانه غيره.
واستشعر العسكر كلهم وخافوا، وجاء أصحاب البازدار وزنكيّ فخرّبوا
__________
[4] / 79، 80، مرآة الجنان 3/ 257، عيون التواريخ 12/ 306، الكواكب الدرّية 104.
[1] المنتظم 10/ 55 (17/ 306) .
[2] المنتظم 10/ 55 (17/ 306) ، تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 387، 388 (وتحقيق سويم) 50.
[3] المنتظم 10/ 55 (17/ 306) .
[4] الكامل في التاريخ 11/ 37، تاريخ مختصر الدول 205.

(36/55)


عقْد السُّور، فشاش البلد، وأشرف على النَّهْب. وجاء زنكيّ فضرب بإزاء التّاج، وسأل في إقبال سؤالًا تحته إلزام، فأُطلِق له [1] .
[الإفراج عن ابن طِراد]
وأما السّلطان مسعود فإنه أفرج عن الوزير ابن طِراد، وقاضي القُضاة والنّقيب وسديد الدّولة ابن الأنباريّ. فأما نقيب الطّالبيّين أبو الحسن بن المعمّر فتُوُفيّ حين أُخرج. وأما القاضي الزَّينبيّ فدخل بغداد سرًا، وأقام الباقون مع مسعود [2] .
[القبض على ابن جَهير]
وقبض الراشد على أستاذ داره أبي عبد الله بن جَهِير، فخاف النّاس من الراشد وهابوه [3] .
[تأخر ابن صدقة عن الخليفة]
ثمّ نفّذ زنكيّ إلى الراشد يقول: أريد المال الّذي أُخذ من إقبال، وهو دخل الحلَّة، وذلك مال السّلطان. وتردد القول في ذلك، ثمّ نفّذ الراشد إلى الوزير ابن صَدَقة وصاحب الدّيوان يقول: ما الّذي أقْعَدكُما؟ وكانا قد تأخّرا أيامًا عن الخدمة خوفًا من الراشد، فقال ابن صَدَقة: كلّما أُشير به يفعل ضدّه، وقد كان هذا الخادم إقبال بإزاء جميع العسكر، وأشرت بأن لَا يُمسك، فما سمع مني، وأنا لَا أوثر أن تتغيّر الدّولة وينْسَب إليّ. فإن هذا ابن الهارونيّ الملعون قصْده إساءة السُّمْعة وإهلاك المسلمين [4] .
__________
[1] المنتظم 10/ 55 (17/ 306) .
[2] المنتظم 10/ 55 (17/ 307) .
[3] المنتظم 10/ 56 (17/ 307) .
[4] المنتظم 10/ 55، 56 (17/ 307) .

(36/56)


[قتل ابن الهارونيّ]
فقبض الخليفة على ابن الهارونيّ في ربيع الأوّل. فجاءت رسالة زنكيّ يشكو ما لقي من ابن الهارونيّ وتأثيراته في المُكُوس والحواضر، ويسأل تسليمه إلى المملوك ليقتله، فقال: ندبّر ذلك. ثمّ أمر الوالي بقتله فقتله، وصُلب وَمَثَّلَ به العوامّ، فسرقه أهله بالليل، وعفَّوْا أثره. وظهر له أموال، ووصل إلى الخليفة من ماله مائتا ألف [1] .
[إقطاع أملاك الوكلاء]
وأُقطِعت أملاك الوكلاء. وسببه أن زنكيّ طلب من الخليفة مالًا يجهّز به العسكر لينحدروا إلى واسط، فقال: الأموال معكم، وليس معي شيء، فاقطعوا البلاد [2] .
[مصانعة زنكيّ]
ثمّ استقر أن يُدفع إلى زنكيّ ثلاثون ألفًا مصانعةً عن الأملاك، ثمّ بات الحَرَس تحت التّاج خوفًا من زنكيّ [3] .
[وزارة ابن صدقة]
ثمّ أشار زنكيّ على ابن صَدَقة أن يكون وزيرًا لداود، فخلع عليه لذلك.
ثمّ استوثق زنكيّ من اليمين من الخليفة وعاهده، وقبّل يده [4] .
وطلب الخليفة أبا الرضا بن صَدَقة فجاء، ففوَّض إليه الأمور كلّها [5] .
__________
[1] المنتظم 10/ 56 (17/ 307) .
[2] المنتظم 10/ 56 (17/ 308) .
[3] المنتظم 10/ 56، 57 (17/ 308) .
[4] الكامل في التاريخ 11/ 37.
[5] المنتظم 10/ 57 (17/ 308) .

(36/57)


[مسير الخليفة لحرب مسعود]
وأمر السّلطان داود والأمراء بالمسير لحرب مسعود، فساروا، فبلغهم أنّه رحل يطلب العراق، فردّهم الراشد وحلَّفهم وقال: أريد أن أخرج معكم.
فلمّا انسلخ شَعبان خرج الخليفة ورحلوا، وخاض العّامة، وشرعوا في إصلاح السُّور، ولبِسوا السّلاح، فكان الأمراء ينقلون اللَّبِن على الخيل، وهم نقضوه. وجاءت كُتُبٌ، إلى سائر الأمراء من مسعود، فأحضروها جميعها إلى الخليفة، وأنكر شِحْنة بغداد المكاتبة وأخفاها، ثمّ كتب جوابها إلى مسعود، فأخذه زنكيّ فغرّقه [1] .
[منازلة عسكر مسعود بغداد]
وفي وسط رمضان جاء عسكر مسعود فنازلوا بغداد، ووقع القتال، وخامر جماعة أمراء إلى الخليفة، فخلع عليهم وقبَّلهم، ثمّ بعد أيّام كان وصول رسول مسعود يطلب الصّلح، فقُرِئت الرسالة على الأمراء، فأبوا إلّا القتال [2] .
وصلّى النّاس العيد داخل السّور، فوصل يومئذٍ أصحاب مسعود فدخلوا الرّصافة، وكسروا أبواب الجامع ونهبوا، وقلّعوا شبابيك التُّرَب وعاثوا.
وجاء مسعود في رابع شوّال في خمسة آلاف راكب على غفْلة، وخرج النّاس للقتال، ودام الحصار أيّامًا.
وجاء ركابي لزنكيّ، فقتله العّيارون فقال زنكيّ: أريد أن أكبس الشّارع والحريم، وآخذ ما قيمته خمسمائة ألف دينار من الحرير والقماش والذهب والفضَّة [3] .
[نهب مسعود النعمانية]
ونفّذ مسعود عسكرًا إلى واسط فأخذها، والنّعمانية فنهبها، فتبعهم عسكر
__________
[1] المنتظم 10/ 57 (17/ 308) .
[2] الكامل في التاريخ 11/ 37.
[3] المنتظم 10/ 57، 58 (17/ 309، 310) .

(36/58)


الخليفة ونُودي: لَا يبقى ببغداد أحد من العسكر [1] .
[دخول الراشد بغداد]
وخرج الراشد فنزل على صرصر، واستشعر بعض العسكر من بعض، فخشي زنكيّ من البازدار والبقش، فعاد إلى ورائه، فرجع أكثر العسكر منهزمين، ودخل الراشد بغداد.
وقيل إن مسعودًا كاتَب زنكيّ سرًّا، وحلف له أنه يُقِرّه على الموصل والشّام، وكاتب الأمراء أيضا فقال: مَن قبض منكم على زنكيّ أو قتله أعطيته بلاده. فعرف زنكيّ بذلك، فأشار على الراشد أن يرحل صُحْبته [2] .
وفي رابع عشر ذي القعدة ركب الخليفة ليلًا وسار، وزنكيّ قائم ينتظره، فدخل دار برتقش. ولم ينم النّاس، وأصبحوا على خوفٍ شديد. وخرج أبو الكرم الوالي يطلب الخليفة فأُسر وحُمِل إلى مسعود، فأطلقه وأكرمه، وسلَّم إليه بغداد. ورحل الراشد يومئذٍ ولم يصحبه شيء من آلة السّفر، لأنّه لمّا بات في دار برتقش أصبحوا، ودخل خواصّه يصلحون له آله السَّفر، فرحل على غفلة [3] .
[دخول مسعود بغداد]
ودخل مسعود بغداد، ونهب دوابَّ الْجُنْد، وجاء صافي الخادم فقال: لم يفعل الخليفة صوابًا بذهابه، والسّلطان له على نيَّة صالحة. وسكن النّاس.
وأظهروا العدل، واجتمع القُضاة والكبار عند السّلطان مسعود، وقدحوا في الراشد، وبالغ في ذلك الوزير عليّ بن طِراد [4] .
وقيل: بل أخرج السّلطان خطّ الراشد: «إنّي متى جَنَّدْت أو خرجت انعزلت» . فشهد العُدول أنّ هذا خطّ الخليفة. والقول الأوّل أظهر [5] .
__________
[1] المنتظم 10/ 58 (17/ 310، 311) .
[2] زبدة التواريخ 210.
[3] المنتظم 10/ 59 (17/ 311) .
[4] الكامل في التاريخ 11/ 42، تاريخ مختصر الدول 205.
[5] المنتظم 10/ 59 (17/ 311، 312، تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 388 (وتحقيق

(36/59)


[كتابة محضر بحقّ الراشد]
ثمّ أحكم ابن طِراد النّوبة، واجتمع بكلِّ من القُضاة والفُقهاء، وخوّفهم وهدّدهم إن لم يخلعوه. وكتب محضرًا فيه: إنّ أبا جعفر بن المسترشد بدا منه سوء أفعال وسفْك دماء، وفعل ما لَا يجوز أن يكون معه إمامًا. وشهد بذلك الهَيْتِيّ، وابن البيضاوي، ونقيب الطّالبيّين، وابن الرّزّاز، وابن شافع، ورَوْح بن الحُدَيْثيّ، وأُخر.
وقالوا إنّ ابن البيضاويّ شهد مُكْرَهًا.
وحكم ابن الكرْخيّ قاضي البلد. بخلْعه في سادس عشر ذي القعدة، وأحضروا أبا عبد الله محمد بن المستظهر باللَّه، وهو عمّ المخلوع [1] .
[البيعة للمقتفي باللَّه]
قال سديد الدولة ابن الأنْباريّ: أرسل السّلطان إلى عمّه السّلطان سَنْجَر:
من نُوَلي؟ فكتب إليه: لَا تولّي إلّا من يضمنه الوزير، وصاحب المخزن [2] ، وابن الأنباريّ، فاجتمع مسعود بنا، فقال الوزير: نولّي الزّاهد الدَّيِّن محمد بن المستظهر. فقال: وتَضْمَنُه؟ قال: نعم. وكان، صهرًا للوزير على بنته، فإنها دخلت يومًا في خلافة المستظهر، فطلب محمد بن المستظهر هذا من أبيه تزويجها، فزوّجه بها، وبقيت عنده، ثمّ تُوُفّيت.
قلت: فبايعوه، ولُقِّب المقتفي لأمر الله. ولُقِّب بذلك بسبب. قال ابن الجوزي [3] : قرأتُ بخطّ أبي الفَرَج بن الحسين الحدَّاد قال: حدَّثني من أثق به أنّ المقتفي رأى في منامه قبل أن يُسْتَخْلف بستَّة أيام رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يقول
__________
[ () ] سويم) 50، تاريخ الزمان 151، تاريخ مختصر الدول 205، العبر 4/ 80، النجوم الزاهرة 5/ 258.
[1] المنتظم 10/ 59 (17/ 312) ، الكامل في التاريخ 10/ 40- 44، التاريخ الباهر 51- 53، زبدة التواريخ 11، كتاب الروضتين 1/ 80، العبر 4/ 80، 81، تاريخ ابن الوردي 2/ 40، عيون التواريخ 12/ 306، تاريخ الخلفاء 436.
[2] هو: ابن البقشلامي، كما في الكامل 11/ 43.
[3] في المنتظم 10/ 60 (17/ 313) .

(36/60)


له: سيصل هذا الأمر إليك، فاقتفي بي. فلُقِّب المقتفي لأمر الله [1] .
ثمّ بويع اليوم الثّاني البيعة العامَّة في محلٍّ عظيم.
وبعث مسعود بعد أن أظهر العدل، ومهد بغداد، فأخذ جميع ما في دار الخلافة من دوابّ، وأثاث، وذهب، وسُتُور، وسُرَادق، ومساند، فلم يترك في إصطبل الخلافة سوى أربعة أفراس، وثمانية أبغال برسم الماء. فيُقال: بأنّهم بايعوا المقتفي على أن لَا يكون عنده خيل ولا آله سَفَر، وأخذوا من الدّار جواري وغلمانا، ومضت خاتون تستعطف السّلطان، فاجتازت بالسّوق وبين يديها القرّاء والأتراك. وكان عندها حظايا الراشد وأولاده، فأطلق لهم القرى والعقار.
ثمّ إنّ السّلطان ركب سفينة، ودخل إلى المقتفي، فبايعه يوم عَرَفة. وفي ثاني الأضحى وصلت الأخبار بأنّ الراشد دخل الموصل، وبلغه أنّه خُلِع من الخلافة [2] .
[أتابكية دمشق]
وفي جُمادى الأولى ولي أتابكية جيش دمشق الأمير أمين الدولة كُمُشْتِكين الأتابكي الطُّغتِكيني، واقف الأمينّية، متولّي بُصرى وصَرْخَد، وأُنزل في دار الأتابك بدمشق، وخُلِع عليه [3] .
[قتل الأمير يوسف بن فيروز]
ثمّ بعد يومين قُتِلَ الأمير يوسف بن فيروز الحاجب في الميدان، وكان من
__________
[1] البداية والنهاية 12/ 210، عيون التواريخ 12/ 307، شذرات الذهب 4/ 94، تاريخ الخلفاء 437، أخبار الدول 2/ 173.
[2] المنتظم 10/ 60- 62 (17/ 314، 315) ، الكامل في التاريخ 11/ 42، 43، التاريخ الباهر 53، 54، زبدة التواريخ 211، تاريخ دولة آل سلجوق 170، تاريخ الزمان 152، تاريخ مختصر الدول 205، 206، الفخري 309، 310، العبر 4/ 81، مفرّج الكروب 1/ 66- 70، الدرّة المضيّة 522، الكواكب الدرّية 105.
[3] ذيل تاريخ دمشق 253، دول الإسلام 2/ 52.

(36/61)


أكبر الأمراء، تملّك مدينة تدْمُر مدَّةً، وكان فيه ظُلْم وشرّ. شدّ عليه الأمير بُزْواش فقتله، ثمّ حُمِل إلى المسجد الّذي بناه فيروز بالعَقَبة، فدُفن في تربته [1] .
[أتابكية بُزْواش]
وجَرَت أمور، ثمّ صُرِف أمين الدّولة. وولي الأتابكية الأمير بُزْواش المذكور، ولُقِب بجمال الدّين. وتوجّه أمين الدّولة مُغاضبًا إلى ناحية صَرْخَد [2] .
[السيل العظيم بدمشق]
وفيها، في أيّار، جاء بدمشق سَيْلٌ عظيم لم يُسمع بمثله، وطلعت على البلد سحابة سوداء، بحيث صار الجوّ كالليل، ثمّ طلع بعدها سحابة حمراء، صار النّاظر يظنّها كالنار الموقَدَة [3] .
[كبس نائب حلب اللاذقية]
وفي شَعْبانها، اجتمعت عساكر حلب مع الأمير سوار نائب حلب، وكبسوا اللاذقيَّة بغتة، فقتلوا وأسروا وغنموا [4] .
قال ابن الأثير [5] : كانت الأسرى سبعة آلاف نفس بالصغار والكبار، ومائة ألف رأس من الدواب والمواشي، وخَربوا اللاذقية، وخرجوا إلى شَيْزَر سالمين.
وفرح المسلمون بذلك فرحًا عظيمًا. ولم يقدر الفرنج، لعنهم الله، على أخذ الثّأر عجزا ووهنا.
__________
[1] ذيل تاريخ دمشق 253.
[2] ذيل تاريخ دمشق 255..
[3] ذيل تاريخ دمشق 256، الكواكب الدرّية 105، 106.
[4] زبدة الحلب 2/ 260، المختصر في أخبار البشر 3/ 11 وفيه: «أسوار» ، دول الإسلام 2/ 52، العبر 4/ 81، تاريخ ابن الوردي 2/ 40، عيون التواريخ 12/ 307، الكواكب الدرّية 106، شذرات الذهب 4/ 94.
[5] في الكامل 11/ 40.

(36/62)


[تراجم رجال هذه الطبقة]
سنة إحدى وعشرين وخمسمائة
- حرف الألف-
1- أَحْمَد بْن أَحْمَد بْن عَبْد الواحد بْن أَحْمَد بن محمد بن الشمس عُبَيْد الله بن محمد بن أبي عيسي بن المتوكل [1] .
أبو السّعادات المتوكّليّ الهاشميّ البغدادي.
شريف صالح، حافظ لكتاب الله.
سمع الكثير، وحدَّث عن: أبي بكر الخطيب، وابن المسلمة.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ [2] ، وعبد الرحمن بن جامع بن غُنَيْمَة.
قال أبو بكر المفيد: ختم أبو السّعادات القرآن في التّواريخ ليلة سَبعٍ وعشرين من رمضان، ورجع إلى بيته، فوقع من السَّطح في محلَّة التّوثة [3] فمات لساعته، وعاش ثمانين سنة.
2- أحمد بن ثابت بن محمد [4]
__________
[1] انظر عن (أحمد بن أحمد) في: المنتظم 10/ 7 رقم 1 (17/ 246 رقم 3942) ، ومشيخة ابن الجوزي 66، 67، والعبر 4/ 49، وسير أعلام النبلاء 19/ 498، 499 رقم 287، ومرآة الجنان 3/ 227، والوافي بالوفيات 6/ 227، وعيون التواريخ 12/ 195، ومرآة الزمان ج 158/ 126، والنجوم الزاهرة 5/ 232، وشذرات الذهب 4/ 64.
[2] وهو قال: سمعت منه الحديث، وكتب لي إجازة بخطّه فذكر فيها نسبه الّذي ذكرته. وكان سماعه صحيحا.
[3] التوثة: بلفظ واحد التّوث. محلّة في غربيّ بغداد متّصلة بالشونيزية مقابلة لقنطرة الشوك (معجم البلدان 2/ 56) .
[4] انظر عن (أحمد بن ثابت) في: الأنساب 8/ 235، 236، واللباب 2/ 280، وميزان الاعتدال

(36/63)


أبو العبّاس الطَّرْقيّ الحافظ، نزيل يزد [1] . وطرق من قُرى أصبهان [2] ، ويزد بين أصبهان وكرْمان من نواحي إصْطَخْر.
كان حافظًا عارفًا بالفقه والأصول والأدب، حَسَن التّصنيف.
رحل وسمع: أباه، وأبا عَمرو بن مَنْدَهْ، والمُطَهَّر بن عبد الواحد البُزَاني [3] .
ورحل إلى نَيْسابور، وإلى الأهواز، وهَرَاة.
قال ابن السّمعانيّ: سمعت جماعة من الشّيوخ يقولون إنّه كان يقول: إنّ الرّوح قديمة [4] .
توفّي بعد العشرين وخمسمائة بَيزْد.
قال عبد الخالق بن أحمد بن يوسف: تُوُفّي في شوّال سنة إحدى وعشرين.
وقد سمع ببغداد من: أبي القاسم عليّ بن البُسْريّ [5] ، وأبي نصر الزَّيْنَبيّ.
وبَهَراة: شيخ الإسلام.
__________
[1] / 86، 87، وسير أعلام النبلاء 19/ 528، 529 رقم 309، والوافي بالوفيات 6/ 282، ولسان الميزان 1/ 143، وذيل تاريخ الأدب العربيّ 1/ 623.
[1] يزد: بفتح أوله، وسكون ثانيه، ودال مهملة. مدينة متوسطة بين نيسابور وشيراز وأصبهان معدودة في أعمال فارس ثم من كورة إصطخر، وهو اسم للناحية، وقصبتها يقال لها كشة، بينها وبين شيراز سبعون فرسخا. (معجم البلدان 5/ 435) وقد تحرّفت في (سير أعلام النبلاء 19/ 528) إلى: «برد» ، ولم يتنبّه محقّقه إلى ذلك.
[2] وقال ابن السمعاني: وهي قرية كبيرة مثل البلدة من أصبهان على عشرين فرسخا منها.
[3] البزان: بضم الباء المنقوطة بواحدة وفتح الزاي وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى بزان وهي قرية من أصبهان. (الأنساب 2/ 186، 187) .
[4] قال المؤلّف الذهبي- رحمه الله-: وشبهته قوله تعالى: قُلِ الرُّوحُ من أَمْرِ رَبِّي 17: 85 قالوا: وأمره قديم، وهو شيء غير خلقه، وتلوا أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ 7: 54 وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً من أَمْرِنا 42: 52 وهذه من أردإ البدع وأضلّها، فقد علم الناس أن الحيوانات كلّها مخلوقة أجسادها وأرواحها. (ميزان الاعتدال 1/ 86، 87) .
[5] في الأصل: «النسوي» ، والتصحيح من (الأنساب 2/ 211) .

(36/64)


3- أحمد بن عبد السلام بن محمد المَدِينيّ.
أبو عبد الله الصُّوفيّ ابن الصُّوفيّ، شيخ الصُّوفيَّة بنَيْسابور بدُوَيْرة السُّلَميّ.
سمع من: أبى سعد الحبيبيّ، وأبى القاسم القُشَيْريّ.
وله نفْسٌ وقبول عند الصُّدور، وإنفاق على الصُّوفيَّة ومعرفة برسومهم.
4- أحمد بن محمد بن عبد الوهاب.
أبو البركات الدّبّاس، أخو الشَيخ أبي عبد الله البارع.
سمع: أبا يَعْلَى بن الفرّاء، والحسن بن غالب المقرئ.
روى عنه: المبارك بن أحمد الأنصاري، وذاكر بن كامل، وابن يونس.
مات في سابع شوّال.
5- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عبد العزيز بن حَمْدين [1] .
أبو القاسم الثعلبي الأندلسي، قاضي الجماعة بقُرْطُبة.
تفقّه على أبيه، وسمع من: محمد بن فرج الفقيه، وأبي علي الغسّاني، وجماعة.
وتقلّد القضاء مَرتين. وكان نافذًا في أحكامه، جزْلًا في أفعاله، من بيت عِلم وجلالة.
وتُوُفّي على القضاء في ربيع الآخر، وصلّى عليه ابنه أبو عبد الله، وعاش خمسين سنة.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن محمد الثعلبي) في: الصلة لابن بشكوال 1/ 78، 79 رقم 172، والدرّة المضيّة 498 وفيه قال ابن أبيك: «فيها توفي القاضي الأندلسي» ! ولم يذكر اسمه. وعلّق محقّق الكتاب الدكتور صلاح الدين المنجد في الحاشية رقم (3) على ذلك فقال: «لم أجد في المصادر من هو هذا القاضي» !.

(36/65)


- حرف العين-
6- عبد الرحمن بْن عَبْد اللَّه بْن يوسف [1] .
أَبُو الْحَسَن بن عفيف، وعفيف جدّه لأمه، الأُمَويّ الطُّلَيطُليّ، نزيل قُرْطُبَة.
سمع: قاسم بن محمد بن هلال، وجُمَاهِر بن عبد الرحمن.
وأجاز له محمد بن عَتَّاب مَرْويّاته.
وكان فاضلًا عفيفًا يعِظ النَّاس، ويُصلى بجامع قُرْطُبَة. وكانت العامَّة تعظّمه لصلاحه، ولم يكن بالضابط. كان كثير الوهْم في الأسانيد. قاله ابن بَشْكُوال وقال: روينا عنه. وتُوُفّي في جُمَادَى الآخرة. ووُلد سنة بضْعٍ وثلاثين وأربعمائة.
7- عبد الوهّاب بن عبد الله بن عبد العزيز [2] .
أبو محمد الصَّدَفي القُرْطُبيّ.
أخذ عن: أبي بكر المراديّ.
وتفقّه على: أبي الوليد هشام بن أحمد.
وكان ملازمًا لمجلس أبي الوليد بن رشد.
وكان حافظًا للفقه، ذاكرًا للمسائل والفرائض والأصول.
تُوُفّي في ذِي الحجَّة.
8- عليُّ بن عبد الله بن محبوب [3] .
الطَّرَابُلُسيّ المغربي.
قال السِّلَفيّ: قدِم الإسكندرية متفقّهًا، وكان له اهتمام بالتّواريخ. صنّف تويريخا لطَرَابُلُس حدَّثني به. وكُتِب عنه. وكان فاضلًا في فنون.
توفّي بمكّة.
__________
[1] انظر عن (عبد الرحمن بن عبد الله) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 350 رقم 850.
[2] انظر عن (عبد الوهاب بن عبد الله) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 382 رقم 818.
[3] انظر عن (علي بن عبد الله) في: معجم السفر للسلفي (مصوّرة دار الكتب المصرية) ق 2/ 299، ومعجم البلدان 3/ 523، وعلم التأريخ عند المسلمين 635.

(36/66)


9- على بن عبد الواحد بن أحمد [1] .
أبو الحسن الدِّينَوَري، ثمّ البغداديّ.
سمع: أبا الحسن القَزْوينيّ، وأبا محمد الخلّال، وابا محمد الجوهريّ، وغيرهم.
روى عنه: أبو المُعَمَّر الأنصاري، والحافظ ابن عساكر، وأخوه الصّائن، وابن الجوزيّ [2] .
قال ابن السّمعانيّ: كان صاحب الخبر. تُوُفّي في جُمَادَى الأولى [3] .
10- عليّ بن المبارك بن عليّ بن الفاعوس [4] .
أبو الحسن البغداديّ، الإسكاف، الزّاهد [5] .
كان شيخًا صالحًا، خيِّرًا، عابدًا، متقشّفًا، من أصحاب الشّريف أبي جعفر بن أبي موسى.
كان يقرأ للنّاس يوم الجمعة الحديث بلا سَنَد، وكان صاحب إخلاص، وله قَبُولٌ تامّ عند العامّة [6] .
__________
[1] انظر عن (علي بن عبد الواحد) في: المنتظم 10/ 7 رقم 2 (17/ 246 رقم 3944) ، ومشيخة ابن الجوزي 63، ومشيخة ابن عساكر 292، والعبر 4/ 50، والإعلام بوفيات الأعلام 214، والمعين في طبقات المحدّثين 152 رقم 1656، وسير أعلام النبلاء 19/ 525، 526 رقم 306، وعيون التواريخ 12/ 196، ومرآة الجنان 3/ 228، وشذرات الذهب 4/ 64.
[2] وهو قال: سمعت عليه الحديث.
[3] وزاد ابن السمعاني: وكان يقول: قد مرّ بي أبي من الدينور وأنا صبيّ، واحترقت كتب أبي زمن المستظهر، وقد سمع أبو الحسن القزويني من جدّي أحمد. (سير أعلام النبلاء 19/ 526) .
[4] انظر عن (علي بن المبارك) في: المنتظم 10/ 7 (17/ 247 رقم 3945) ، ومشيخة ابن عساكر 354، والكامل في التاريخ 10/ 648، والعبر 4/ 50، وسير أعلام النبلاء 19/ 521- 523 رقم 303، وعيون التواريخ 12/ 196، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 173- 176 رقم 74، والنجوم الزاهرة 5/ 233، وشذرات الذهب 4/ 24.
[5] زاد ابن الأثير: «حنبلي» . (الكامل) .
[6] وقال ابن الجوزي: حدّثني أبو الحكم الفقيه قال: كان يجيء ساقي الماء إلى حلقته، فيأخذ منه الكوز ويشرب لئلّا يظنّ أنه صائم. (المنتظم) .

(36/67)


سمع: أبا يَعْلَى بن الفّراء، وأبا منصور العطّار.
روى عنه: أبو المعمر الأنصاريّ، وأبو القاسم بن عساكر.
قال أبو سعد السّمعاني: سمعت أبا القاسم بدمشق يقول: ابن الفاعوس كان يتعسر في الرّواية، وأهل بغداد يعتقدون فيه.
وأبو القاسم بن السَّمَرْقَنْديّ كان يقول إن أبا بكر ابن الخاضبة يقول لابن الفاعوس الحَجَريّ لأنه كان يقول: الحجر الأسود يمينُ الله حقيقةً.
قلت: هذا تشغيب وأذية لرجل صالح، وإلا فهذا نزاع مَحْض في عبارة، وعرفنا مُراده بقوله: يمينُ الله حقيقةً، كما تقول: بيت الله حقيقةً، وناقةُ الله حقيقةً، إن ذلك إضافة ملْك وتشريف، فهي إضافة حقيقة، وإن شئت قلت:
يمين الله مَجَازًا، وهو أفصح وأظهر، لأنّ في سياق الحديث ما يوضَّح ذلك. وهو قوله: «فمن صافَحَه فكأنما صافح الله» ، يعني هو بمنزلة يمين الله في الأرض.
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: نبا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ [1] ، عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الرُّكْنَ الأَسْوَدَ يَمِينُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ، يُصَافِحُ بِهِ عِبَادَهُ مُصَافَحَةَ الرجل أخاه [2] .
__________
[1] يحيى بن سليم هو أبو محمد القرشي الطائفي، ويقال: أبو زكريا المكيّ الحذّاء الخرّاز. مات سنة 195 هـ.
سمع منه أحمد بن حنبل حديثا واحدا، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ: يحيى بن سليم كذا وكذا والله إن حديثه يعني فيه شيء، وكأنه لم يحمده. وقال في موضع آخر: كان قد أتقن حديث ابن خثيم. وقال ابْن معين: ثقة. وقال أَبُو حاتم: شيخ صالح محلّة الصدق ولم يكن بالحافظ، يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ. وقال النسائي:
ليس به بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر. وقال الدولابي: ليس بالقويّ. وذكره ابْن حبان فِي الثقات. وقال الشافعيّ: فاضل كنّا نعدّه من الأبدال. وقال العجليّ: ثقة. وقال يعقوب بن سفيان: سنّي رجل صالح وكتابه لا بأس به، وإذا حدّث من كتابه فحديثه حسن، وإذا حدّث حفظا فيعرف وينكر. وقال النسائي في «الكنى» : ليس بالقوي. وقال العقيلي: قال أحمد بن حنبل: أتيته فكتبت عنه شيئا فرأيته يخلط في الأحاديث فتركته وفيه شيء. قال أبو جعفر وليّن أمره. وقال الساجي: صدوق يهمّ في الحديث وأخطأ في أحاديث رواها عبيد الله بن عمر لم يحمده أحمد. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالحافظ عندهم. وقال الدار الدّارقطنيّ: سيّئ الحفظ. (تهذيب التهذيب 11/ 226، 227) .
[2] أخرجه ابن قتيبة في (غريب الحديث 2/ 337) وفي سنده: إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو متروك.

(36/68)


وَرَوَاهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن مُسْلِمِ بْن هُرمز، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرُوِيَ بإسناد آخر، عن عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حسين، عن ابن عباس.
ورواه عبد الرّزّاق، عن أبيه، عن وهْب بن منبّه.
قوله: فإما أن يكون أراد به يمين الله، استغفر الله، حقيقة باعتبار صفة الذّات، فهذا لَا يعتقده بَشَرٌ، فضلًا عن أنْ يعتقده مسلم، بل ولا يدور في ذهْن عاقل.
وأما قوله: كان يتعسّر في الرواية، فكان يفعل ذلك إزراءً على نفسه، وتفويتًا لحظَّة. وقد رأينا غير واحد من الصالحين يمتنع من الرواية، لكن من فعل ذلك ثقالةً ونكادةً كابن يوسف الإرْبِليّ وغيره من شيوخنا، فهو مذموم.
وقال أبو الفَرَج بْن الْجَوْزِيّ [1] : تُوُفّي فِي تاسع عشر شوّال، وانقلبت بغداد بموته، وغُلِّقَت الأسواق، وضجّ العوامّ بذِكْر السّنة، ولعن أهل البِدَع. ودُفن بمقبرة الإمام أحمد.
- حرف الفاء-
11- فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلُوَيْه الرازي [2] .
العالمة المعروفة ببنت حمزة.
واعظة مشهورة ببغداد، متعبدة، لها رباط تأوي إليه النّساء.
رَوَت عن: ابن المسلمة، وأبي بكر الخطيب.
روى عنها: أبو القاسم بن عساكر، وقال: تُوُفّيت في ربيع الأوّل.
روى عنها: ابن ناصر، وأبو الفرج بن الجوزيّ [3] .
__________
[1] في المنتظم 10/ 7 (17/ 247) .
[2] انظر عن (فاطمة بنت الحسين) في: المنتظم 10/ 7، 8 رقم 4 (17/ 247 رقم 3946) ، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 126.
[3] وهو قال: سمعت منها بقراءة شيخنا أبي الفضل بن ناصر كتاب «ذم الغيبة» لإبراهيم الحربي، ومن مجالس ابن سمعون، روايتها عن ابن النّقور، عنه، و «مسند الشافعيّ» وغير ذلك.

(36/69)


- حرف الهاء-
[12- هبة اللَّه بْن عَبْد اللَّه بن الحسن ابن البَصيْدائيّ [1] .
وبَصِيدَاء [2] : من قرى بغداد.
أبو البقاء، أحد الرؤساء والأكابر.
سمع: أبا محمد الجوهريّ، وغيره.
روى عنه: أبو المعمّر الأنصاريّ، وأبو القاسم الحافظ.
تُوُفّي فِي صَفَر.
- حرف الياء-
13- يحيى بْن عُبَيْد بن سعادة [3] الزّاهد الخيّر. من أهل الإسكندرية.
قال السِّلَفيّ: أنبا عن: أبي العبّاس أحمد بن إبراهيم الرّازي.
14- يحيى بن عَمرو بن بقاء [4] .
أبو بكر الحزاميّ المرجونيّ.
نزل قُرْطُبَة، وأخذ بها عن: محمد بن فَرَج الفقيه، وأبي عليّ الغسّانيّ.
وتفقّه عند أبي الحسن بن حمدين.
وكان حافظًا للفقه، بارعًا في الشّروط، حصّل منها دنيا.
تُوُفّي في جُمَادَى الأولى، وله بضع وستّون سنة.
__________
[ () ] (المنتظم) .
[1] انظر عن (هبة الله بن عبد الله) في: الأنساب 2/ 237.
[2] بصيداء: بفتح الباء المنقوطة بواحدة وكسر الصاد المهملة بعدها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفتح الدال المهملة.
[3] انظر عن (يحيى بن عبيد) في: معجم السفر للسلفي (مصوّرة دار الكتب المصرية) ق 2.
[4] انظر عن (يحيى بن عمرو) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 672، رقم 1484.

(36/70)


سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة
- حرف الحاء-
15- الحسين [1] بن عليّ بن صَدَقة [2] .
أبو عليّ الوزير جلال الدّين، وزير المسترشد باللَّه.
كان من رجال الدّهر رأيًا وحزْمًا، وله في مخدومه المسترشد باللَّه:
وجَدتُ الوَرَى كالماء طعْمًا ورِقَّةً ... وأَنّ أمير المؤمنين زُلالُهُ
وصوَّرْتُ مَعْنَى العقل شخصًا مصوَّرًا ... وأنَّ أمير المؤمنين مِثالُهُ
ولولا مكان [3] الدّين والشَّرْع والتُّقَى ... لَقُلتُ من الإعظام: جَلّ جلالُهُ [4]
تُوُفّي في رجب. قاله ابن الجوزيّ [5] .
وقد تكرر ذِكره في الحوادث.
وذكره ابن النّجّار فقال: وُلد بنصيبين سنة تسعٍ وخمسين، وخدم إبراهيم بن قرْواش صاحب الموصل، فلما أُمسك هرب جلال الدّين إلى بغداد،
__________
[1] في الأصل: «الحسين» .
[2] انظر عن (الحسن بن علي بن صدقة) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 381 (وتحقيق سويم) 43، والكامل في التاريخ 10/ 652، 653، وذيل تاريخ دمشق 224، والمنتظم 10/ 8، 9 (17/ 249) ، والفخري 304، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 127، وخريدة القصر وجريدة العصر (قسم شعراء العراق) 1/ 94- 96 وفيه: «الحسن بن صدقة» ، والمنتظم 10/ 9، 10 رقم 7 (17/ 250 رقم 3949) ، والعبر 4/ 51، وعيون التواريخ 12/ 200، 201، والبداية والنهاية 12/ 199، النجوم الزاهرة 5/ 223، وشذرات الذهب 4/ 66.
[3] في الكامل: «طريق» ومثله في المنتظم.
[4] في المنتظم البيتان: الأول والأخير.
[5] في المنتظم.

(36/71)


ثمّ خدم بها، ولم يزل في ارتقاء إلى أن تزوَّج بابنة الوزير ابن المطّلب. ثمّ ولي وزارة في سنة ثلاث عشرة. ثمّ قُبض عليه بعد ثلاث سنين، ونُهبت داره، ورضوا عنه ثمّ أعيد إلى الوزارة سنة سبْع عشرة، فكان يومًا مشهودًا.
وكان منسّبًا بليغًا أديبًا [1] .
16- الحسين بن علي بن أبي القاسم [2] .
الشَيخ أبو علي الّلامشيّ [3] السَّمَرْقنْدي الحنفي.
قال السّمعاني: إمام فاضل متديّن يُضرب به المثل في النَّظر وعلم الخِلاف. وكان على طريقة السَّلف من طَرْح التّكلُّف والأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنْكَر.
روى شيخه دينار لنا عن القاضي محمد بن الحسن بن منصور النَّسَفيّ.
وسمع أيضًا من: الحافظ عبد الرحمن بن عبد الرحيم القصّار، وأبي علي الحسين بن عبد الملك النَّسفيّ.
وتُوُفّي في رمضان.
قال ابن الجوزيّ [4] : قدِم رسولًا من خاقان ملك سَمَرْقَنْد.
قال السّمعانيّ: مرّ بمْرو رسولًا من ملك سَمَرْقَند محمد بن سليمان.
ولامش مِن قُرى فَرغَانَة. سمعتُ منه بقراءة عمّي أبي القاسم.
وُلد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وكان قوّالا بالحقّ [5] .
__________
[1] وقال ابن القلانسي: «وكان حسن السيرة، محمود الطريقة، كاتبا فاضلا بليغا، محبوبا من الخاصة والعامة، سديد الرأي، حميد التدبير، صادق العزم، صافي الحسن، كريم النفس» .
[2] انظر عن (الحسين بن علي) في: المنتظم 10/ 10 رقم 8/ 17/ 251 رقم 3950) ، ومعجم البلدان 5/ 8، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 127.
[3] في الأصل: «اللامس» (بالسين المهملة) والتصحيح من: معجم البلدان وفيه: لامش: بكسر الميم، والشين معجمة، من قرى فرغانة.
[4] في المنتظم: بعث رسولا من خاقان ملك ما وراء النهر إلى دار الخلافة، فقيل له: لو حججت فقد وصلت بغداد. فقال: لا أجعل الحجم تبعا لرسالتهم. فرجع إلى سمرقند، وتوفي في رمضان هذه السنة وهو ابن إحدى وثمانين سنة.
[5] وقال ياقوت: سكن سمرقند وكان إماما فاضلا فقيها بصيرا بعلم الخلاف. (معجم البلدان) .

(36/72)


- حرف السين-
17- سهل بن إبراهيم [1] المسْجدي [2] السُّبعيّ [3] .
أبو القاسم النَّيْسابوريّ.
يروي عن: أبي حفص بن مسرور، وعبد الغافر الفارسيّ، وأبي محمد الجويني.
سمع منه حضورًا أبو سعد السّمعانيّ.
وكان والده يقرأ كلّ يوم سُبْعَين، وابنه أحمد بن سهل يروي عن يعقوب بن أحمد الصَّيْرفيّ.
تُوُفّي سهل سنة نيَّف وعشرين.
قال السّمعاني [4] : كان صالحًا حَسَن السّيرة، كثير العبادة، سمع الكثير، وعمّر الطّويل، وتفرد عن جماعته [5] .
قلت: روى عن: أبي عثمان الصّابونيّ، ودِحية بن أبي الطّيّب الحلّاب، والكَنْجَرُوديّ.
روى عنه: حفيده محمد بن أحمد، وأبو المعالي بن الفراويّ، وعبد
__________
[1] انظر عن (سهل بن إبراهيم) في: المنتخب من السياق 246، 247 رقم 785، والمختصر الأول للسياق، ورقة 28 ب، والأنساب 7/ 32، والتحبير 1/ 314- 317 رقم 254، ومعجم شيوخ ابن السمعاني، ورقة 116 ب، واللباب 2/ 100، 101، وتذكرة الحفاظ 4/ 1272، وسير أعلام النبلاء 19/ 523، 524 رقم 304.
وسيعاد في وفيات السنة التالية برقم (48) .
[2] قيل له المسجدي: نسبة إلى المسجد الكبير بنيسابور المعروف بالمطرّز. (التحبير) .
[3] السّبعي: بضم السين المهملة وسكون الباء الموحّدة، والعين المهملة. قيل له ذلك لأن والده كان يقرأ كل يوم سبعا من القرآن في مسجد المطرز، ولمن يقرأ في هذا المسجد وقف يستحقّه. (الأنساب) .
[4] في التحبير 1/ 314، 315.
[5] زاد في التحبير: لم يبق من كان يروي عنهم في عصره، مثل أبي سعيد الفضيل بن أبي الخير الميهني، وأبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني، وأبي عبد الرحمن محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الشاذياخي، وغيرهم.

(36/73)


الرحيم بن عبد الرحمن الشّعريّ، وأبو سعد الصّفّار، وابن ياسر الجيّانيّ، وآخرون.
وكان خادم مسجد المطرّز، دَيِّن صالح [1] .
- حرف الطاء-
18- طُغْتِكِين [2] .
الأمير أبو منصور، المعروف بأتابك.
من أمراء تاج الدولة. زوّجه بأم ولده دُقاق. وكان مع تاج الدّولة لمّا سار إلى الرَّيّ لقتال ابن أخيه. فلما قُتِلَ تاج الدولة رجع إلى دمشق، وصار أتابك دُقاق.
فلّما مات دُقاق تملَّك بدمشق. وكان شَهْمًا، مَهِيبًا، شديدًا على الفرنج والمفسدين، ولَقَبُه ظهير الدّين.
وهو والد تاج المُلوك بوري بن طُغْتِكِين.
__________
[1] وقال عبد الغافر: صالح قديم، خدم الكبار والأئمة. لقي أبا محمد الجويني وسمع من أماليه.
[2] انظر عن (طغتكين) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 381 (وتحقيق سويم) 43، والكامل في التاريخ 10/ 652، وذيل تاريخ دمشق 218- 220. ومفرّج الكروب 2/ 105، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 127، 128، والعقود اللؤلؤية 1/ 29، والمختصر في أخبار البشر 2/ 240، ووفيات الأعيان 2/ 423، والإعلام بوفيات الأعلام 214، وسير أعلام النبلاء 19/ 519- 521 رقم 302، ودول الإسلام 2/ 45، والعبر 4/ 51، وتاريخ ابن الوردي 2/ 34، وعيون التواريخ 12/ 198، 199، والدرّة المضيّة 502، والبداية والنهاية 12/ 199، وأمراء دمشق في الإسلام 45 رقم 147، والوافي بالوفيات 16/ 451، 452 رقم 485، والأعلاق الخطيرة 2/ انظر فهرس الأعلام 322، و 3/ 403- 424، وبغية الطلب (قسم التراجم الخاصة بالسلاجقة) 27، 44، 139، 147، 149، 155، 159، 342، 346، 350، 351، 353، 364، 365، وزبدة الحلب 2/ انظر فهرس الأعلام 358، ومآثر الإنافة 2/ 19، 20، 27، واتعاظ الحنفا 3/ 34، 35، 37، 38، 49، 51- 54، 96، 99، 101، 107، 117، 121، 146، 182، ونهاية الأرب 28/ 264، 267، 268، 271- 273 وفيه «طغزتكين» ، والنجوم الزاهرة 5/ 234، وشذرات الذهب 4/ 65، 66، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 58، ومعجم الأنساب والأسرات الحاكمة 340، وولاة دمشق في العهد السلجوقي 21.

(36/74)


قال ابن الأثير [1] : تُوُفّي أتابك طُغْتِكِين، كذا سمّاه ابن الأثير في ثامن صَفَر، وهو من مماليك الملك تُتُش بن ألْب أرسلان. وكان عاقلًا خبيرًا، كثير الغزوات والجهاد للفرنج، حِسَن السّيرة في رعيته، مُؤْثِرًا للعدل. وملك بعده ابنه بوري أكبر أولاده بوصيةٍ منه، فاقر وزير أبيه أبا علي طاهر بن سعد المَزْدغانيّ على وزارته.
وقال سِبْط الجوزيّ [2] : كان طُغْتِكِين شجاعًا، شَهْمًا، عادلًا، حزن عليه أهل دمشق، ولم يبق فيها محلَّة ولا سوق إلا والمأتم قائم عليه فيه، لأنه كان حَسَن السّيرة، ظاهر العدل، مدبّرًا للممالك. أقام حاكما على الشّام خمسة وثلاثين سنة. وسار ابنه سيرته ثمّ تغيّرت نيته، وأضمر السُّوء لأصحاب أبيه، والظُّلم للرعية، وتمكن وزيره المَزْدَغاني من أهل دمشق، وصادق الباطنية، واستعان بهم. وقبض بوري على خواصّ أبيه، فاسترابوا به، ونَفَرَت القلوب منه.
وقال أبو يَعْلَى بن القلانِسِيّ [3] : مرض أتابك طُغْتِكِين مرضًا أنْهك قوّته، وأَنْحَل جسمه.
وتُوُفّي في ثامن صَفَر، فأبكى العيون، وأنكأ القلوب، وفتَّ في الأعضاد، وفتّت الأكباد، وازداد الأسف، فرحمه الله وبرّد مضْجعه. وماتت زوجته الخاتون شرف النّساء، أمّ بوري، بعده بثلاثة أشهر، ودُفنت بتُربتها الّتي خارج باب الفراديس.
قلت: ومات في هذه السّنة ودُفن بتُربته، قِبليّ المُصَلَّى ثامن صفر.
__________
[1] في الكامل 10/ 652.
[2] في مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 127.
[3] في ذيل تاريخ دمشق 347، 348.

(36/75)


- حرف العين-
19- عبد الله بن أحمد بن سعيد بن سليمان بن يربوع [1] .
الأستاذ الحافظ أبو محمد الأندلسيّ الشَنْتَرينيّ [2] ثمّ الإشبيليّ.
نزيل قُرْطُبة.
سمع «صحيح البخاريّ» من محمد بن أحمد بن منظور، عن أبي ذَرّ الهَرَويّ.
وسمع من: أبي محمد بن خَزْرج، وحاتم بن محمد، وأبي مروان بن سراج، وأبي علي الغساني.
وأجاز له أبو العباس العذري.
قال ابن بَشْكُوال [3] : وكان حافظًا للحديث وعِلَله، عارفًا برجاله وبالجرح والتّعديل، ضابطًا، ثقة. كتب الكثير، وصحب أبا علي الغسانيّ واختص به.
وكان أبو علي يفضله، ويِصفهُ بالمعرفة والذّكاء.
صنَّف كتاب «الإقليد في بيان الأسانيد» ، وكتاب «تاج الحلية وسراج البغية في معرفة أسانيد الموطّأ» [4] ، وكتاج المنهاج في رجال مسلم وسمعت منه مجالس.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن أحمد) في: الصلة لابن بشكوال 2821، 283، رقم 644، ومعجم ابن الأبّار 215، 216، والعبر 4/ 51، وسير أعلام النبلاء 19/ 578، 579 رقم 331، وتذكرة الحفاظ 4/ 1271، 1272، ومرآة الجنان 3/ 228، 229، والوافي بالوفيات 17/ 48، 49 رقم 42، وطبقات الحفاظ 461، وشذرات الذهب 4/ 66، وإيضاح المكنون 1/ 210113، و 2/ 402، 588، وهدية العارفين 1/ 454، ومعجم المؤلفين 6/ 24، 25 وفيه أضاف مؤلّفه إلى مصادر الترجمة كتاب:
«الكواكب السائرة» للغزّيّ، وهو يترجم لوفيات المائة العاشرة، والمذكورة فيه لا علاقة له بصاحب الترجمة مطلقا، وهو «عبد الله بن أحمد الشنشوري» ! (الكواكب 1/ 217) .
[2] الشّنتريني: كلمتان مركبة من شنت كلمة، ورين كلمة. ورين بكسر الراء، وياء مثنّاة من تحت ونون. مدينة متصلة الأعمال بأعمال باجة في غربي الأندلس ثم غربي قرطبة وعلى نهر تاجه قريب من أنصابه في البحر المحيط. وهي حصينة، بينها وبين قرطبة خمسة عشر يوما.
(معجم البلدان 3/ 367) .
[3] في الصلة 1/ 282.
[4] زاد في الصلة: وكتاب «البيان عمّا في كتاب أبي نصر الكلاباذي من النقصان» .

(36/76)


وتُوُفّي في صَفَر، ومولده في سنة أربعٍ وأربعين وأربعمائة.
20- عبد الرحمن بن سعيد بن هارون [1] .
أبو المطرّف الفهميّ السّرقسطيّ المقرئ ابن الورّاق.
روى عن: أبي عبد الله المغاميّ، والحسن بن مبشّر، وأبي داود، وغيرهم من القرّاء.
وجوّد القراءات.
وسمع من: أبي الوليد الباجيّ.
وأجاز له أبو عمر بن عبد البَرّ.
وأقرأ الجناس بجامع قُرْطُبة، وأَمّ بالناسّ فيه.
أخذ الناس عنه، وكان ثقة.
تُوُفّي في صَفَر، وله ثمانون سنة.
أجاز لابن بَشْكُوال.
21- علي بن أستِكِين [2] .
الأمير أبو الحسن العميديّ، الحاجّيّ، النَّيْسابوريّ.
كان خفيف الرّوح، صالحًا عابدًا. ترك الخدمة ولبس لباس الصّالحين، وقنع بما له من ميراث.
وحدَّث عن: أبي الحسن محمد بن محمد الحسينيّ العَلَويّ، والحسن بن محمد الصّفار، وأبي نصر عبد الرحمن التّاجر، وغيرهم.
توفّي بنيسابور [3] .
22- عليّ بن الحسن بن علي بن سعيد بن محمد [4] .
أبو الحسن الدّمشقيّ العطّار.
__________
[1] انظر عن (عبد الرحمن بن سعيد) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 351 رقم 752.
[2] انظر عن (علي بن أستكين) في: المنتخب من السياق 398 رقم 1355 وفيه: «علي بن اسفتكين بن عبد الله الحميدي» .
[3] وقال عبد الغافر: «سمع معنا مسند الشافعيّ، عن الحيريّ، عن الأصمّ، عن الربيع» .
[4] انظر عن (علي بن الحسن) في: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 17/ 219 رقم 114.

(36/77)


كان أبوه مقدّم الشّهود ورئيسهم بدمشق، وكان مُثْريًا فاشترى لابنه جارية مغنِّية، فتعلَّم منها الغناء، ثمّ افتقر وتعثّر، فكان يغنّي في مجالس الخمر، ويغنّي ويشرب، ثمّ كبر وضعف.
قال ابن عساكر: سمع الكثير من أبي القاسم السّميساطيّ، وأبي القاسم الحِنّائيّ، وأبي بكر الخطيب، فأتيناه فرغّبناه في التّوبة، فتاب وترك الغناء، وسمعنا منه كُتُبًا.
تُوُفّي فِي صَفَر. وكان مولده فِي سنة خمسٍ وأربعين وأربعمائة.
23- علي بن الحسن بن محمد بن محمد [1] .
الإمام أبو القاسم ابن الإمام أبي علي النَّيْسابوريّ الصّفّار.
فاضل، علّامة، متفّنن.
روى عن: أبي عثمان البَحِيريّ، وأبي سعد الكَنْجَرُوذيّ، وأحمد بن منصور المغربيّ، وأصحاب الخفاف.
ثم عن: أصحاب الحاكم، وابن يوسف.
ثمّ عن: أصحاب الحيريّ.
وله النّسخ والأجزاء.
وكان بأسفرايين وبها مات في رمضان [2] .
- حرف الميم-
24- محمد بْن أبي شجاع العُبَيْدي [3] .
الأمير ابن الأمير، المأمون بن نور الدّولة.
كان المأمون وزير الآمر بأحكام الله العُبَيْديّ المصريّ ومدبر دولته، بقي على ذلك أربع سنين. ثمّ قبض الآمر عليه في سنة تسع عشرة وخمسمائة، ثمّ
__________
[1] انظر عن (علي بن الحسن) في: المنتخب من السياق 397 رقم 1349.
[2] وقال عبد الغافر: ومن جملة ما سمعه: صحيح البخاري، عن الحفصي معنا، ومسند الشافعيّ عن والده.
[3] انظر عن (محمد بن أبي شجاع) في: الوافي بالوفيات 4/ 313، 4 الأرقم 1857.

(36/78)


قُتِلَ في رجب سنة اثنتين وعشرين، وصُلِب بظاهر القاهرة.
25- موسى بن أحمد بن محمد [1] .
أبو القاسم النّشَادريّ [2] ، الفقيه الحنبليّ.
سمع الكثير، وقرأ بالروايات.
وتفقه على أبي الحسن بن الزَّاغُونيّ، وناظر.
وتُوُفّي في رجب شابًا.
- حرف الهاء-
26- هبة اللَّه بْن عَليّ بْن محمد [3] .
أبو القاسم المَرْوَزِيّ، ويُعرف بقاضي مَرْغَرْن [4] ، وهي قرية من قرى مَرْو.
محدث كثير المحفوظ، حريص على عقْد المجالس. له قبول عند العامَّة، إلّا أنّه غير ثقة. كان لَا يبالي ما يقول بحسب الوقت.
سمع: أبا إسماعيل الأنصاريّ بَهَراة.
وعاش نيِّفًا وستّين سنة.
__________
[1] انظر عن (موسى بن أحمد) في: المنتظم 10/ 10 رقم 10 (17/ 251 رقم 3952) .
[2] في المنتظم: «السامري» ، وفي نسخة خطيّة منه «البشاوري» .
[3] انظر عن (هبة الله بن علي) في: لسان الميزان 6/ 188 رقم 672.
[4] لم يذكرها ياقوت في معجمه.

(36/79)


سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة
- حرف الجيم-
27- جعفر بن عبد الواحد بن محمد بن محمود بن أحمد [1] .
أبو الفضل الثّقفيّ الأصبهانيّ، الرئيس، النّبيل.
سمع: ابن رِيذة الثّاني، وعبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي علي المعدّل، وعبد الرّزّاق بن أحمد الخطيب، وأبا طاهر بن عبد الرحيم، وأحمد بن ضل الباطِرْقانيّ، وسعيد بن أبي سعيد العَيَّار، ومحمد بن عبد الرحمن بن زياد الأَرْزُنَانيّ [2] .
روى عنه: أحمد بن أبي منصور بن الزَّبْرَقان، والحافظ أبو موسى، وأسعد بن أبي طاهر الثَقفيّ، وعبد الواحد بن أبي المطّهر الصيدلانيّ، وعبد الجليل بن أبي نصر بن رجاء، ومحمد بن أحمد المَهَّاد، وناصر بن محمد [الوِيرج] [3] الأصبهانيون.
وقد ذكره السّمعانيّ في «التَّحبير» [4] .
__________
[1] انظر عن (جعفر بن عبد الواحد) في: التحبير 1/ 159- 166 رقم 89، ومعجم شيوخ ابن السمعاني، الورقة 65 أ، والعبر 4/ 54، والمعين في طبقات المحدّثين 153 رقم 1659، وسير أعلام النبلاء 19/ 527، 528 رقم 308، والإعلام بوفيات الأعلام 214، وعيون التواريخ 12/ 206، والنجوم الزاهرة 5/ 235، وشذرات الذهب 4/ 66.
[2] الأرزناني: بفتح الألف وسكون الراء وضم الزاي والألف بين النونين وهذه النسبة إلى أرزنان وهي من قرى أصبهان. (الأنساب 1/ 181) .
[3] في الأصل بياض، والمستدرك من (سير أعلام النبلاء) .
[4] ج 1/ 659- 166.

(36/80)


يقال: كان صالحًا، سديدًا [1] ، وكان خير من روى عن الرجال، عن ابن رِيذَة.
ومن مَرْوِيّاته: شروط الذّمة لأبي الشَيخ، والسُّنَّة له، والعتْق [2] له، والضّحايا والعقيقة له، والنّوادر [3] له، وفوائد العراقيَّين له، وأحاديث طلحة بن مصرّف له، وكتاب السَّبق والرَّمي له، وكتاب القطع والسّرقة له، وغير ذلك.
روى الجميع عن [ابن] عبد الرحيم، عنه.
وكتاب «الأدب» لابن أبي عاصم، وكتاب «معجم ابن المقرئ» و «فوائده» الّتي في خمسة عشر جزءًا، وكتاب «حرملة» [4] ، وكتاب «الأسماء [5] والكنى» لأبي عروبة، وكتاب «الجامع» لأحمد بن الفرات، «وسنن الشّافعيّ» ، رواية ابن عبد الحكم، وكتاب «الآحاد والمثاني» لابن أبي عاصم، وكتاب «طبقات أصبهان» لأبي الشَيخ، وكتاب «الصّلاة» لأبي نُعَيْم الفضل بن دُكَيْن، وكتاب «البكاء» للفِرْيابيّ، وكتاب «شواهد الشّعر» لأبي عروبة.
وسمع «صحيح البخاريّ» من سعيد العيّار.
وكان مولده في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، وتُوُفّي في تاسع جُمَادى الأولى، وله ثمانون سنة.
- حرف الحاء-
28- الحسن بن المظفّر بن الحسن بن المظفّر بن يزيد [6] .
أبو علي بن أبي سعد السِّبْط.
كان أبوه سِبْط أبي بكر بن لال الهمذانيّ.
__________
[1] زاد في التحبير: «معروفا، من بيت الحديث وأهله، عمّر العمر الطويل حتى حدّث بالكثير، وسمع منه» .
[2] في التحبير 1/ 161 «العتق والمدبّر» .
[3] في التحبير: «النوادر والنتف» .
[4] في التحبير: «أحاديث حرملة بن يحيى» .
[5] في التحبير: «الأسامي» .
[6] انظر عن (الحسن بن المظفّر) في: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 7/ 73 رقم 58، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 254.

(36/81)


سمع: أباه، وأبا محمد الجوهريّ، وأبا الحسين بن المهتديّ باللَّه.
روى عنه: ابنه هبة الله، ويحيى بن يوسف، وأبو القاسم بن عساكر، وآخرون.
تُوُفّي في ربيع الأوّل [1] .
وثّقه ابن عساكر.
29- حمزة بن هبة اللَّه بْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن داود [2] .
أبو الغنائم بن أبي البركات العَلَوي الحَسَنيّ النَّيْسابوريّ.
كان جده محدَّث نَيسابور. وكان هو حَسَن السّيرة محدَّث بالكثير، وتفرّد في وقته [3] .
وسمع: أباه، وأبا نصر محمد بن الفضْل النَّسَويّ، وأبا الحسين عبد الغافر الفارسيّ، وأبا حفص بن مسرور، وعبد الرحمن بن محمد الأَنْماطيّ صاحب أبي بكر الإسماعيليّ، وعَمْرو بن أبي عَمْرو البَحِيريّ.
وحجَّ فسمع ببغداد من: القاضي أبي عبد الله الدَّامَغانيّ، وأبي يوسف عبد السّلام القزوينيّ.
وقال ابن السّمعانيّ: أجاز لي، وحدَّثني عنه جماعة. وكان زيديّ المذهب [4] .
__________
[1] ولد سنة 447 هـ.
[2] انظر عن (حمزة بن هبة الله) في: السياق، ورقة 13 ب، 14، والتحبير 1/ 255، 256 رقم 170، والمنتخب من السياق 208، 209 رقم 631، والكامل في التاريخ 10/ 660 وفيه:
«.. محمد بن الحسن» ، والمنتظم 10/ 13، 14 رقم 12 (17/ 255 رقم 3954) ، وسير أعلام النبلاء 19/ 573 رقم 327.
[3] زاد في التحبير: «جميل الأمر، رضيّ الأخلاق، جامعا بين شرف النسب والتفوق، كان يمتنع من الحديث أولا إلى أن قعد للحديث، وحدّث بالكثير، وحمل عنه، ورحلوا إليه، وتفرّد في وقته بالرواية عن جماعة» .
[4] وقال عبد الغافر: «بقيّة السادة والأشراف بنيسابور، وكان ركنا في طلب الحديث وسماعه عن مشايخ وقته ما أمكنه أن يسمع، وطاف به على المشايخ والصدور، وأحضر داره بعضهم.
حصلت له فوائد ومسموعات جمّة ... » .

(36/82)


تُوُفّي في سادس المحرَّم، وله ستٌّ وتسعون سنة [1] .
- حرف الطاء-
30- طاهر بن سعد [2] .
الوزير كمال الدّين أبو عليّ المَزْدَغَانيّ، وزير صاحب دمشق تاج الملوك بُوري بن طُغْتِكِين.
اتهم بمذهب الباطنيَّة، فقُتِلَ في رمضان، ونُصِب رأسه على باب القلعة، ووضع الْجُنْد السَّيف في الباطنيَّة بدمشق، فقتلوا منهم ستَّة آلاف نفس، كما مرَّ في الحوادث.
- حرف العين-
31- عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بن شاذان [3] .
أبو الفتح بن عَلُّوَيْه السَّعِيديّ السَّرْخَسِيّ، الفقيه.
سمع: اللَّيْث بن الحَسَن اللّيثي، وزهير بن الحَسَن، والحافظ محمد بن محمد بن زيد العَلَويّ.
ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
أجاز لابن السّمعانيّ، وقال: مات يوم التَّرْوِية بسَرْخَس [4] .
32- عبد الله بن أبي المعمر شيبان بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد [5] .
__________
[1] وكان مولده في سنة 429 هـ.
[2] انظر عن (طاهر بن سعد) في: ذيل تاريخ دمشق 215، 220- 222، والكامل في التاريخ 10/ 652، 656، 657، وسير أعلام النبلاء 19/ 520 (في ترجمة طغتكين) ، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 131.
[3] انظر عن (عبد الله بن أحمد) في: التحبير 1/ 362، 363 رقم 309، ومعجم شيوخ ابن السمعاني، ورقة 128-.
[4] وقال: كان إماما فاضلا، فقيها، أديبا، لبيبا.. سمع منه الإمام والدي، رحمه الله، وأدركته بسرخس، ولم يتّفق أن والدي أحضرني عنده، وسمع أخي أبو المظفّر عنه شيئا.
[5] انظر عن (عبد الله بن شيبان) في: التحبير 1/ 369 رقم 316، ومعجم شيوخ ابن السمعاني، ورقة 130 أ.

(36/83)


الحافظ أبو محمد البُرْجيّ، الأصبهانيّ، المحتسب.
وُلِد سنة سبْع وأربعين، وسمع: سِبْط حرويه، وجماعة.
وكان عارفًا برجال الصّحيحين. وكان صحّافًا [1] .
روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ.
33- عُبيد الله بن محمد ابن الإمام أبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ [2] .
أبو الحسن البَيْهَقيّ الخُسْرَوْجِرْدِيّ [3] .
لم يكن يعرف شيئًا من العلم، بل سمع الكتب من جدّه.
وسمع من: أبي يَعْلَى إسحاق بن عبد الرحمن الصّابونيّ، وأبي سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ.
وقدِم الحجّ بعد العشرين، فحدَّث ببغداد.
روى عنه: ابن ناصر، وأبو المُعَمَّر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو الفتح المَنْدَائيّ، وآخرون.
قال ابن السّمعاني: كره السّماع منه جماعةٌ لقلَّة معرفته بالحديث، وسألت عنه أبا القاسم الدّمشقيّ فقال: ما كان يعرف شيئًا. وكان يتغالى بكُتُب الإجازة ويقول: ما أجيز إلا بطَسُّوج [4] .
قال: وسمع لنفسه في جزءٍ [5] ، عن جدّه تسميعًا طريّا. وكان سماعه فيما عداه صحيحا.
__________
[1] وفي التحبير: «كان شيخا صالحا، عارفا بالحديث، فهما، من أهل الخير والقرآن» .
[2] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: مشيخة ابن عساكر، ورقة 193، والعبر 4/ 54، والإعلام بوفيات الأعلام 214، والمعين في طبقات المحدّثين 153 رقم 1662، وسير أعلام النبلاء 19/ 503، 504 رقم 291، وميزان الاعتدال 3/ 15، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد للدمياطي 177، وعيون التواريخ 12/ 206، ومرآة الجنان 3/ 230، ولسان الميزان 4/ 116، وشذرات الذهب 4/ 67.
[3] الخسروجردي: بضم الخاء المعجمة وسكون السين المهملة وفتح الراء وسكون الواو وكسر الجيم وسكون الراء وفي آخرها الدال المهملة، هذه النسبة إلى خسروجرد، وهي قرية من ناحية بيهق وكانت قصبتها قم صارت القصبة سبزوار. (الأنساب 5/ 116) .
[4] الطّسّوج: مقدار من الوزن، هو ربع دانق، ووزنه حبّتان من حبّ الحنطة. وهي كلمة فارسيّة معرّبة.
[5] في ميزان الاعتدال: «في أجزاء» .

(36/84)


وقال أبو محمد بن الخشاب: سألته عن مولده فقال: سنة تسعٍ وأربعين.
وقال ابن ناصر: مات في ثالث جُمَادَى الأولى ببغداد. مرض ثلاثة عشر يومًا.
34- علي بن عبد المجيد بن يوسف بن شعيب [1] .
أبو الحسن السُّلَمي السَّمَرْقَنْديّ.
أحد الأئمة.
تُوُفّي فِي شوال وله اثنتان وثمانون سنة.
روى عن: أبي حمية محمد بن أحمد الحنْظَليّ.
وعنه: عمر النُّسَفيّ.
35- علي بن عبد الواحد بن الحسن بن علي بن شواش [2] .
أبو الحسن الدّمشقيّ المعدّل.
سمع: أبا الحسن بن قبيس، وأبا القاسم بن أبي العلاء.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر، وقال: كان أمينًا على المواريث، ووقْف الأشراف. وكان ثقة [3] .
36- عُمَر بْن أَبِي عِيسَى أَحْمَد بْن عُمَر بن أبي عيسى [4] .
الإمام أبو بكر المَدِينيّ الأصبهانيّ المقرئ.
ولد سنة أربع أو خمس وستّين وأربعمائة بمدينة جيّ. ثمّ انتقل به أبوه إلى أصبهان وهو يرضع.
روى عن: أبي عَمرو بن مَنْدَهْ، وغيره.
روى عنه: ابنه الحافظ أبو موسى، وقال: كانت له يدّ قويَّة في معرفة القرّاء والقراءات وعِلم الفرائض.
وتُوُفّي خامس رجب.
__________
[1] لم أجد مصدر ترجمته.
[2] انظر عن (علي بن عبد الواحد) في: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 18/ 131 رقم 34.
[3] زاد ابن عساكر: «ولم يكن الحديث من صناعته» .
[4] لم أجد مصدر ترجمته.

(36/85)


37- عيسى بن موسى بن سعيد.
أبو الأصْبَغ الأنصاريّ البَلَنْسيّ، ويُعرف بالمُتَوَلّيّ.
روى عن: أبيه، وأبي داود المقرئ.
وأجاز له أبو الوليد الباجيّ. وقدَّم للشُّورَى. وصَدَق في علم الرأي، واشتغل وأفتى ببلنسية.
روى عنه: محمد بن سليمان القَلْعيّ.
وتُوُفّي فِي ربيع الأول.
- حرف الميم-
38- مُحَمَّد بْن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن إسماعيل [1] .
أبو عامر الطُّلَيْطُليّ، نزيل قُرْطُبة.
روى عن: أبي المطرّف عبد الرحمن بن محمد، وأبي المطرّف عبد الرحمن بن أسد، وأبي أحمد جعفر بن عبد الله، ومحمد بن خلف السقاط، ومحمد بن محمد بن جماهر، وجماعة.
وأجاز له أبو الوليد الباجي [2] ، وأبو العباس العذري، وغيرهم.
قال ابن بَشْكُوال: كان مُعتنيًا بلقاء الشّيوخ، جامعًا للكُتُب والأُصُول.
كانت عنده جُملة كبيرة من أصول علماء بلده وفوائدهم، وكان ذاكرًا لأخبارهم وأزمانهم. وقد سمع منه أصحابنا. وترك بعضهم التّحديث عنه لأشياء اضطرب فيها شاهدتها منه مع غيري، وتوقّفنا في الرِّواية عنه. وقد كنت أخذت عنه كثيرًا ثمّ زهدت فيه لأشياء أوجبت ذلك.
تُوُفّي في ربيع الأوّل. وكان مولده سنة 453.
39- محمد بن سعد بن الفَرَج بن مهمت.
أبو نصر السّيبانيّ الحلْوانيّ المؤدب.
__________
[1] انظر عن (محمد بن أحمد) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 578، 579 رقم 1273، ولسان الميزان 5/ 59 رقم 197.
[2] تحرّف في (لسان الميزان) إلى: «الناجي» .

(36/86)


شيخ بغداديّ، فاضل، ثقة.
روى عن: أبي الغنائم بن المأمون، وأبي الحسين بن المهتدي باللَّه، وابن النَّقُّور.
وخرّج له عبد الوهاب الأنماطيّ فوائد في جزء.
وروى عنه: ابن ناصر، وأبو محمد بن سوفتين، وذاكر بن كامل.
40- المقّرب بن الحسين بن الحسن [1] .
أبو منصور العُقَيْليّ العِيسَوِيّ النّسّاج، والد أحمد الكَرْخيّ.
شيخ صالح، خيّر.
سمع: أبا يَعْلَى بن الفرّاء، وأبا جعفر ابن المسلمة، وغيرهما.
روى عنه: السَّلَفيّ، وابن بوش.
وتُوُفّي رحمه الله في ربيع الأوّل.
41- منصور بن هبة الله بن محمد المَوْصِليّ.
أبو الفوارس الحنفيّ، من كبار أئمة المذهب.
وُلي القضاء بأماكن من السّواد.
- حرف الياء-
42- يحيى بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عابد.
أبو محمد الرِّيَاحِي [2] الأندلسيّ.
قال ابن السّمعانيّ: شيخ صالح، عفيف، سمع الكثير ونَسَخ، وبالَغ في الطَّلب، وكان ثقة صدوقًا. جاوَرَ مدَّة، وقدِم بغداد، ومضى إلى ما وراء النَّهر.
وكان موته ببُخَارَى.
سمع: أبا مكتوم عيسى بن أبي ذَرّ، وعلي بن المفرّج الصَّقَلّيّ، وأبا إسماعيل الأنصاريّ، وأبا عبد الله العُمَيْريّ، وأبا بكر بن خَلَف الشّيرازيّ.
__________
[1] انظر عن (المقرّب بن الحسين) في: معجم السفر للسلفي (مصوّرة دار الكتب المصرية) ق 2.
[2] الرياحي: بكسر الراء وبفتح الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها الحاء المهملة. هذه النسبة إلى أشياء منها إلى القبيلة وهي رياح بطن من تميم بن مرّ. (الأنساب 6/ 199) .

(36/87)


وسمع أيضًا بسَمَرْقَنْد، ونَسف. وأكثر التّرحال.
وروى لي عنه: الأمير أبو علي أحمد بن محمد بن جبريل الطّرازيّ، وجماعة سمعوا منه.

(36/88)


سنة أربع وعشرين وخمسمائة
- حرف الألف-
43- أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بْن أحمد بن عبد الملك بن رضوان [1] .
أبو نصر البغداديّ المراتبيّ.
شيخ صالح من باب المراتب.
سمع: أبا محمد الجوهريّ، وسماعه صحيح.
روى عنه: محمد بن طاهر المقدسيّ مع تقدّمه، وأبو القاسم بن عساكر.
ومات في جُمادَى الآخرة وله إحدى وثمانون سنة.
وقد أجاز له عبد العزيز الأزَجيّ الحافظ.
قال ابن النّجّار: روى لنا عنه أبو القاسم ابن السُّبْط. وكان شيخًا صالحًا أمينًا، كثير الصّلاة والصدقة.
سمع أيضًا أبا يَعْلَى بن الفرّاء.
44- أحمد بن عبد الواحد بن الحسن بن زُرَيْق.
الشَّيْبانيّ البغداديّ القزّاز، عم أبي أبي منصور عبد الرحمن بن محمد.
شيخ صالح.
سمع: أبا جعفر ابن المسلمة، وأبا الحسين بن النَّقُّور.
تُوُفّي في شعبان.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد الله) في: مشيخة ابن عساكر 7/ 2، وسير أعلام النبلاء 19/ 530 رقم 312.

(36/89)


45- إبراهيم بن عثمان بن محمد [1] .
أبو إسحاق، وقيل أبو مَدْيَن [2] الكلْبيّ الغزّيّ، الشّاعر المشهور. أحد فُضلاء الدّهر، ومَن يُضرب به المثل في صناعة الشِّعر. ذو الخاطر الوقّاد، والقريحة الجيّدة.
تنقّل في البُلدان، ومدحَ الأعيان، وهجا جماعة. ودوَّر في الجبال، وخُراسان. وسار شِعْره.
وقد سمع بدمشق من الفقيه نصر سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
قال ابن النّجّار: هو إبراهيم بن عثمان بن عيّاش بْن مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَبْد اللَّه الأشهبيّ الكلْبيّ.
ثمّ قال: هكذا رأيت نَسَبه بخطّ محمد بن طُرْخان التّركيّ.
روى ببغداد كثيرًا من شِعره.
وعنه من أهلها: محمد بن جعفر بن عَقِيل البصريّ، ومحمد بن علي بن المِعْوَجّ، وعبد الرحيم بن أحمد ابن الأخوة.
وروى السِّلَفيّ عنه. وروى أيضًا عن يوسف بن عبد العزيز الميورقيّ، عنه.
__________
[1] انظر عن (إبراهيم بن عثمان) في: المنتظم 10/ 15، 16 رقم 16 (17/ 257، 258 رقم 3958) ، نزهة الألبّاء 285- 287 وفيه: «إبراهيم بن محمد بن عثمان بن عباس بن محمد» ، وخريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1/ 4- 75، والكامل في التاريخ 10/ 666، 667، ووفيات الأعيان 1/ 57- 62، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 4/ 82، 83 رقم 100، والمختصر في أخبار البشر 3/ 4، والإعلام بوفيات الأعلام 214، والعبر 4/ 55، وسير أعلام النبلاء 19/ 554، 555 رقم 321، وفيه: «إبراهيم بن يحيى بن عثمان» ، وتاريخ ابن الوردي 2/ 36، وعيون التواريخ 12/ 208- 211، والبداية والنهاية 12/ 201، والوافي بالوفيات 6/ 51- 54، ومرآة الجنان 3/ 230- 232، وفيه: «إبراهيم بن يحيى» ، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 133، 134، والنجوم الزاهرة 5/ 236، وكشف الظنون 763، 804، وشذرات الذهب 4/ 67، 68، وإيضاح المكنون 1/ 520، وتهذيب تاريخ دمشق 2/ 232- 234، وديوان الإسلام 3/ 388 رقم 1569، وهدية العارفين 1/ 9، والأعلام 1/ 50، ومعجم المؤلفين 1/ 57، 126.
[2] وقيل: أبو القاسم.

(36/90)


ومن شِعره:
أَغْيدُ للعين حين تَرْمُقُهُ ... سلامةٌ في خلالها عطَبُ
واخضرُ في وجْنَتَيْه.... ... .... [1] الماء ينبتُ العشبُ
يدير فينا بخدّه قَدَحا ... يجتمع الماءُ فيه واللهَبُ
قلت: وقيل: هو إبراهيم بن يحيى بن عثمان بن محمد. أقام بالنّظامية ببغداد سِنين كثيرة. وله ديوان شعر مختار نحو ألْفي بيت.
وقال العماد في «الخريدة» [2] : مدح ناصر الدّين مُكْرَم بن العلاء وزير كرْمان بالقصيدة الّتي يقول فيها:
حملنا من الأيام ما لَا نُطِيقهُ ... كما حمل العظْمُ الكسِيرُ العصائبا
وليل رَجَوْنا أن يَدبّ عِذَارُهُ ... فما اختطّ حتّى صار بالصُّبح [3] سائبا [4]
قال ابن السّمعانيّ: ما اتّفق أنيّ سمعت منه شيئًا، وكان ضنينًا بشِعْره، إلا أنّه اتّفق له الخروج من مَرْو إلى بلْخ، فباع قريبًا من عشرة أرطال من مُسَوَّدات شِعره من بعض القلانِسيّين، ليفسدها في القلانِس، فاشتراها منه بعض أصدقائي، وحملها إليَّ، فرأيت شِعرًا أُدْهِشْت من حُسنه وجَوْدة صنعته. فبيّضت منه أكثر من خمسة آلاف بيت.
وُلِد رحمه الله سنة إحدى وأربعين وأربعمائة.
وقال ابن نُقْطة في «استدراكه» على الأمير: نبا أبو المعالي محمد بن أبي الفَرَج البغداديّ: حدَّثني سعد بن الحسن التّورانيّ الخُراسانيّ الشاعر قال: كنا نسمع على إبراهيم الغزّيّ ديوانه، فاختلف رجلان في إعراب بيت، فقال:
قوموا، فو الله لَا أسْمَعْتُ بقيّته، ولأبيعنَّ ورقَهَ للعطّارين يصرّون فيه الحوائج.
__________
[1] بياض في الأصل.
[2] ج 1/ 7.
[3] في خريدة القصر، ووفيات الأعيان: «بالفجر» .
[4] البيتان في: خريدة القصر 1/ 11، ووفيات الأعيان 1/ 58، ومرآة الجنان 3/ 231.

(36/91)


ومن شعره:
قالوا: تركت الشَّعْر [1] قلت: ضرورةً ... باب الدّواعي [2] والبواعث مُغْلَقُ
خَلَت الدَّيار [3] فلا كريم يرتجى [4] منه ... النّوالُ [5] ، ولا مليحٌ يُعشَقُ
ومن العجائب [6] أنه لَا يُشْتَرَى، ... ومع الكَسَاد يُخانُ فيه [7] ويسرق [8]
وله:
أاحتمال خدّ يوم وَجرة، أمْ جيد ... أمّ اللّحْظُ فيما غازَلَتْكَ المَها الغِيدُ
سَفَرْنَ فقال الصُّبح: لست بسفيرٍ ... ومِسنَّ، فقال البانُ: ما فيّ أملودُ
وخوطّية المهتزّ أمكن وصْلها ... وطَرْفٌ رقيت الحيّ بالنوم مصفود
لك النّومُ تحت السَّجْف والطّيبُ والحُلَى، ... ولى عَزَماتي والعلندات والبيدُ
فقالت: أَمِطّ عنك القريضَ وذِكْرَهُ، ... فما لَكَ في نَظْم القصائدِ تجويدُ
وله:
طولُ حياةٍ ما لها طائل ... نقص عندي كلّما يُشْتَهى
أصبحت مثل الطَّفْل في ضَعْفه ... تشابه المبتدأ والمُنْتَهى
فلا تَلُم سمعي وإن خانني، ... إن الثّمانين وبُلّغْتُها
وله:
بجَمْعِ جَفْنيك [9] بين البُرْء والسَّقَم ... لا تسفكي من دموعي بالفراق دمي
__________
[1] في وفيات الأعيان، والمختصر في أخبار البشر، ومرآة الجنان، وتاريخ ابن الوردي: «قالوا:
هجرت السفر» .
[2] في المختصر، وتاريخ ابن الوردي: «باب البواعث والدواعي» .
[3] في المختصر، وتاريخ ابن الوردي: «خلت البلاد» .
[4] وفي نزهة الألبّاء: «لم يبق في الدنيا كريم يرتجى» .
[5] في المختصر، وتاريخ ابن الوردي، وعيون التواريخ: «نوال» .
[6] في عيون التواريخ: «ومن الرزيّة» .
[7] في نزهة الألبّاء، ووفيات الأعيان، والمختصر، وتاريخ ابن الوردي، وعيون التواريخ: «ويخان فيه مع الكساد» . وفي مختصر تاريخ دمشق «منه» .
[8] الأبيات في: نزهة الألبّاء 286، ووفيات الأعيان 1/ 58، ومختصر تاريخ دمشق 4/ 82، والمختصر في أخبار البشر 3/ 4، وتاريخ ابن الوردي 2/ 36، وعيون التواريخ 12/ 209، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 134.
[9] في عيون التواريخ: «جفنك» .

(36/92)


إشارةٌ منكِ تكفيني [1] ، وأحسن ما [2] ... رُدَّ السّلامُ، وغَدَاة البَيْنِ بالعَنَمِ [3]
تَعليقُ قلبي بذاتِ القُرْطِ يُؤلمهُ [4] ... فينكر [5] القُرْطُ تعليقًا بلا ألم
وما نسيت، ولا أنسى تجشُّمَها [6] ... ومنسم [7] الجوّ غُفْلٌ، غير ذي عَلَمِ
حتى إذا طاح [8] منها [9] المِرْط من دَهَشٍ ... وانْحَلّ بالضّمّ سلْك [10] العُود في الظُّلَم
تبسّمت فأضاء الجوّ [11] ، فالتقطتْ ... حبّات متعثّر [12] في ضوء منتظم [13]
وله:
إذا ما قلّ عقلُ المرءِ قلّت هُمُومُه ... ومن لم يكنْ ذا مُقْلةٍ كيف يَرْمَدُ؟
وقد تصقل الضبات وهي كليلةٌ ... وتصيد أحدّ السِّيفِ وهو مُهَنَّد
وله:
إني لأَشْكُو خُطُوبًا لَا أعيّنها ... ليبرأ النّاسُ من لَومي ومن عذْلي
كالشّمع يبكي ولا يُدرى، أَعَبْرَتُهُ ... من حُرْقة النّار، أو من فرقةِ العَسَلِ
وله القصيدة السّائرة:
أحِطْ عن [14] الدُّرر الزّهر اليَوَاقِيتا ... واجعل لحجّ تَلاقِينا مواقيتا
__________
[1] في سير أعلام النبلاء، ومرآة الجنان: «تكفينا» ، وفي وفيات الأعيان: «تغنيني» .
[2] في عيون التواريخ: «وأفصح» .
[3] العنم (بالعين المهملة) : ضرب من الشجر له نور أحمر تشبه به الأصابع المخضوبة.
[4] في الأصل: «يوليه» ، والمثبت عن السير وعيون التواريخ.
[5] في عيون التواريخ: «فليشر» .
[6] في الوافي بالوفيات: «تبسّمها» .
[7] في الوافي: «ملبس» .
[8] في مرآة الجنان: «طرح» .
[9] في عيون التواريخ: «أطاح عنها» ، وفي الوافي: «طاح عنها» .
[10] في العيون: «العقد في النظم» ، وفي الوافي: «عقد السلك» ، وفي وفيات الأعيان: «سلك العقد» .
[11] في العيون: «فأضاء الليل» .
[12] في وفيات الأعيان، العيون: «منتثر» ، ويقال: «حباب منتشر» .
[13] الأبيات في: وفيات الأعيان 1/ 59، وسير أعلام النبلاء 19/ 554، 555، وعيون التواريخ 12/ 208، ومرآة الجنان 3/ 230، والوافي بالوفيات 6/ 54.
[14] في المختصر، وتاريخ ابن الوردي، وعيون التواريخ: «أمط على» .

(36/93)


فثغرُكَ اللَّؤلؤ المبيضّ لَا الحجر ... المسْوَدّ طالبه يطوي السّباريتا [1]
لنا بذِكراك [2] أذكى الطَّيب رائحةً ... ونورُ وجْهِكَ ردّ البَدر مبهوتا
وفتية من كُماه التُّرْكِ [3] ما تركَتْ ... للرَّعْد كنانهم [4] صَوْتًا ولا صِيتا
قوم إذا قُوبلوا كانوا ملائكةً ... حُسْنًا، وإن قُوتلوا كانوا عفاريتا [5]
مُدَّت إلى النَّهْب أيديهم وأعيُنُهم، ... وزادهم قلق الأخلاق تثبيتا [6]
وله:
طفقت تقول أسيرة الكَلَل ... لك ناظرٌ أَهدى فؤادَكَ لي
وأراك رائد مهمَّة قذف ... ما عاقَهَا القَمَران عن زُحَلِ
من ضنها بالطَّيْف توعدنا ... جود النبأ يعد في البخل
استغفر الله المركب في أسل ... القُدُودِ لها ذمّ المُقَل
فاسننْ عليك دلاص تسليةٍ ... فاللحظ يُبْطل حُجَّةَ البطلِ
بك من جواري السّرب نازلةٌ ... بالحُسْن بين مراكز الأَسَلِ
بدويَّة الحِلَل افتتنْتُ بها ... لما بَدَت خصريَّة الحُلَلِ
يا دُمْيةً سَفَكَت دمي عشارًا ... أنا ابن بجدة حَوْمة الوهلِ
ما ضقتُ يومًا بتحيّتي لهم ... إلّا وكان نزالُهُمْ نزلي
ومن السّفاهةِ مَقْتُ ذي لامعة ... ومن العناء عتابُ ذِي مللِ
وله:
وربّ خطيبٍ حللْتُ عُقْدَتَه ... بمنزلٍ لَا تُحل فيه حبا
ومالك جئت نحوه ظلمًا ... فزرته مشرق المنى شحبا
__________
[1] في عيون التواريخ: «المسود لائمة يطوى السنا زيتا» .
[2] في العيون: «ونشر ذكراك» .
[3] في المنتظم، والمختصر في أخبار البشر، وتاريخ ابن الوردي: «في فتية من جيوش الترك» .
[4] في المنتظم، والكامل: «كرّاتهم» ، ومثله في: المختصر في أخبار البشر 3/ 4، وتاريخ ابن الوردي 2/ 36.
[5] هذا البيت والّذي قبله فقط في الكامل 10/ 667، والمنتظم 10/ 15، 16 (17/ 257) .
[6] انظر الأبيات أو بعضها في: المنتظم 10/ 15، 16 (17/ 257) ، والكامل في التاريخ 10/ 667، والمختصر في أخبار البشر 3/ 4، وتاريخ ابن الوردي 2/ 36، وعيون التواريخ 12/ 209، 210.

(36/94)


جاد بما يملأ الحقائب لي ... وحدّث بالمدْح يملأ الحُقبا
وكم تصيّدته والصِّبى شركي ... شرب ظبا لحاطمين ظبا
على عذير بروده نَظَمتْ ... نوادرها حول بدره شُهُبا
يدقّ فيه الغمام أسهُمَهُ ... فيكتسي من نصالها حَسَبا
ويعجم الطَلّ ما يحطّ على صفحته ... مرّ شمال وصبا
ضروب نقْش كأنما خلع الزّهر ... عليهن بُرده طَرَبا
لو كنّ يتّقين ظنّهن صفيّ ... الدّولة الأحرف التي كتبا [1]
قال ابن السّمعاني: خرج الغّزي متوجّهًا من مَرْو إلى بلْخ في سنة أربع وعشرين، فأدركته المَنِيَّة في الطريق، فحُمِل إلى بلْخ ودُفن بها، وله ثلاث وثمانون سنة [2] .
46- إسماعيل بن الفضل بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن علي بْن الإخشيد [3] .
__________
[1] ومن شعره:
إنما هذه الحياة متاع ... والسفيه الغويّ من يصطفيها
ما مضى فات والمؤمّل غيب ... ولك الساعة التي أتت فيها
وله من قصيدة:
ليت الّذي بالعشق دونك خصّني ... يا ظالمي قسم المحبّة بيننا
ألقى الهزبر فلا أخاف وثوبه ... ويروعني نظر الغزال إذا رنا
وله:
وقالوا بع فؤادك حين تهوى ... لعلك تشتري قلبا جديدا
إذا كان القديم هو المصافي ... وخان فكيف آتمن الجديدا؟
وترك قول الشعر وغسل كثيرا منه، وقال:
قالوا: هجرت الشعر. قلت: ضرورة ... باب البواعث والدواعي مغلق
خلت البلاد فلا كريم يرتجى ... منه النّوالُ ولا مليحٌ يُعشَقُ
ومن العجائب إنه لا يشترى ... ويخان فيه مع الكساد ويسرق
(المنتظم) .
[2] وقال ابن الجوزي: وكان يقول: إني لأرجو أن يعفو الله عني ويرحمني لأني شيخ مسنّ قد جاوزت السبعين، ولأني من بلد الإمام الشافعيّ. وكان موته في هذه السنة حقّق الله رجاءه (المنتظم) .
[3] انظر عن (إسماعيل بن الفضل) في: التحبير 1/ 101- 104 رقم 27، والإعلام بوفيات الأعلام 214، والمعين في طبقات المحدّثين 153 رقم 1661، وسير أعلام النبلاء 19/ 555، 556 رقم 322، والعبر 4/ 55، وعيون التواريخ 12/ 220، ومرآة الجنان

(36/95)


التّاجر الأصبهانيّ المعروف بالسّرّاج.
سمع: أبا القاسم بن أبي بكر الذَّكوانيّ، وأبا طاهر بن عبد الرحيم، وعليّ بن القاسم المقرئ، وأبا العباس بن النُّعْمان الصّائغ، وأحمد بن الفضل الباطِرْقانيّ، وأبا الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازيّ، وجماعة.
روى عنه: أبو طاهر السِّلَفيّ، وكنّاه أبا سعيد ووثّقه، وأبو موسى المدينيّ، ويحيى الثّقفيّ، وناصر الويرج، وخلف بن أحمد الفرّاء، وأسعد بن أحمد الثقفيّ، وأبو جعفر الصَّيْدلانيّ، وآخرون.
سمعه أبو موسى يقول: وُلِدت ليلة نصف شعبان سنة ستّ وثلاثين وأربعمائة.
قال: وكان أبي اسمه محمد، وكنيته أبو الفضل، فغلب عليه الفضل.
قلت: وكان من المكثرين في السّماع والرّواية، وقرأ القرآن على المشايخ. وكان تاجرًا أمينًا.
كنّاه أبو سعد السّمعانيّ أبو الفتح وقال: كان سديد السّيرة. قرأ بروايات، ونسخ أجزاء كثيرة، وكان واسع الرواية، موثوقًا به. كتب لي الإجازة.
فمن مسموعاته: «طبقات الصّحابة» لأبي عَروبة، في أربعةٍ وعشرين جزءًا، بروايته عن أبي طاهر بن عبد الرحيم، عن ابن المقري، عنه، وكتاب «الإشراف في اختلاف العلماء» لابن المنذر، بروايته عن ابن عبد الرحيم، عن ابن المقري، عنه، وكتاب «السُّنَن» للحلوانيّ، رواية الفضل الْجُنْديّ، عنه.
قلت: تُوُفّي رحمه الله في رمضان، وقيل في شعبان. وله فوائد مَرْوِيَّة.
- حرف الخاء-
27- خَلَف بن عمر بن عيسى [1] .
أبو القاسم الحضّرميّ القرطبيّ.
__________
[3] / 232، وغاية النهاية 1/ 167 رقم 776، وشذرات الذهب 4/ 68، 69.
[1] انظر عن (خلف بن عمر) في: الصلة لابن بشكوال 1/ 177 رقم 402.

(36/96)


روى عن: سراج بن عبد الملك.
وتفقّه عند: هشام بن أحمد الفقيه.
قال ابن بَشْكُوال: عن جماعة معنا.
وكان رحمه الله من العلماء المتفنّنين.
تُوُفّي في رجب.
- حرف السين-
48- سهل بْن إبراهيم بْن أَبِي القاسم [1] .
أبو القاسم النَّيسابوريّ المسجديّ النَّسفيّ، خادم مسجد المطرّز.
قال السّمعانيّ، وقد أجاز له: كان شيخا صالحا، كثير العبادة، معمّرا، متفرّدا بالرواية عن مثل أبي سعيد بن أبي الخير المِيهَنيّ، وأبي محمد الْجُوَيْنيّ، وأبي عبد الرحمن محمد بن أحمد بن مُحَمَّد الشاذياخي.
وسمع من: عبد الغافر الفارسي، وابن مسرور.
سمعني والدي منه أجزاء.
وُلِد في حدود سنة ثلاثين، وحدَّث في آخر سنة ثلاث، ووفاته بعد ذلك.
49- سهل بن محمود بن محمد بن إسماعيل [2] .
أبو المعالي البخاريّ البَرّاني [3] . وبرّانية من قرى بُخارى.
كان إماما، ذكيًا، واعظًا، صالحًا، عابدًا، حجّ على التّجريد [4] ، وبقي مع وِفاقه حافيًا عُرْيَانًا، حتى توصلوا إلى مكَّة بعد الرّفقة. وجاوَرَ بمكَّة حتى حجّ.
ودخل اليمن، وركب البحر إلى كَرمان [5] .
سمع: أباه، والمظفر بن إسماعيل الْجُرْجانيّ.
روى عنه: ابنه حمزة.
وتوفّي ببخارى.
__________
[1] تقدّم (سهل بن إبراهيم) في السنة الماضية برقم (17) .
[2] انظر عن (سهل بن محمود) في: المنتظم 10/ 19 رقم 19 (17/ 261 رقم 3961) ، والأنساب 2/ 122.
[3] البراني: بفتح الباء المعجمة بنقطة وبتشديد الراء المهملة منسوب إلى قرية براني ببخارى على خمسة فراسخ منها.
[4] فأغارت العرب على الحاج.
[5] ثم إلى خراسان.

(36/97)


- حرف الطاء-
50- طِراد بن علي بن عبد العزيز [1] .
أبو فِراس السُّلَمي الدّمشقيّ الكاتب المعروف بالبديع.
مات متوليًا بمصر. وكان مولده بدمشق في سنة أربع وخمسين.
قال السَّلفيّ: علّقت عنه شِعرًا. وكان آيةً في النَّظْم والنَّثر. له مقامات ورسائل.
قلت: ومن شِعره في تاج الدّولة تُتُش بن ألب رسلان:
غزالٌ غزا قلبي بعين مريضةٍ ... لها ضعف أجفانٍ تهدّ قوى صبري [2]
له لِينُ أعْطافٍ أرقُّ من الهَوَى ... وقلبٌ على العُشّاق أقسى [3] من الصَّخْرِ [4]
وهى طويلة.
ومن شعره أيضًا قوله:
قيل لي: لِمَ جلستَ في طَرَف [5] القوم ... وأنتَ البديعُ ربُّ القوافي؟
قلت: آثرته [6] لأنّ المناديل ... يُرى طَرْزُها على الأطرافِ [7]
وكفاني من الفخار بأنّي نازل ... في منازل الأشراف
__________
[1] انظر عن (طراد بن علي) في: معجم الأدباء 12/ 229، ومعجم السفر للسلفي (مصوّرة دار الكتب المصرية) ق 1، وخريدة القصر (قسم شعراء مصر) 2/ 105 وفيه اسمه: «البديع بن علي» ، وله ذكر في (قسم شعراء الشام) ج 1/ 271، وفوات الوفيات 2/ 131- 133، وعيون التواريخ 12/ 217- 219، والوافي بالوفيات 16/ 420- 422 رقم 457، وعقود الجمان للزركشي 1/ ورقة 39/ ب، وبغية الوعاة 273، وشذرات الذهب 4/ 90، وتهذيب تاريخ دمشق 7/ 54.
[2] في تهذيب تاريخ دمشق: «قوى الصبر» .
[3] في التهذيب: «أقوى» .
[4] البيتان في تهذيب تاريخ دمشق 7/ 54 وقبلهما بيت:
وللَّه ظبي لا يزال معذّبي ... بأعذب ريق راق من شنب الثغر
[5] في معجم الأدباء، وعيون التواريخ، والوافي بالوفيات: «وفي آخر» .
[6] في المصادر المذكورة: «اخترته» .
[7] البيتان في: «معجم الأدباء 12/ 20، وعيون التواريخ 12/ 218، والوافي بالوفيات 16/ 421، وفوات الوفيات 2/ 132» .

(36/98)


- حرف العين-
51- عَبْد الله بْن علي بْن عبد الملك [1] .
أبو محمد الهلاليّ الغَرْناطيّ، يعرف بابن سَمَجُون [2] .
أحد جِلَّة العُلماء والفُقَهاء. ولي قضاء غَرْناطة.
وأخذ عنه: أبو جعفر بن البادش، وعبد الحق بن بُونة.
وعاش بِضْعًا وسبعين سنة.
يروى عن: أبي علي الغسانيّ، وطبقته.
52- عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن صَدَقة [3] .
أبو محمد المصريّ، المجاور بمكَّة. ويُعرف بابن الغَزال.
شيخ كبير صالح.
سمع: أبا عبد الله القُضاعيّ بمصر، وأبا القاسم الحِنّائيّ، والكتّانيّ بدمشق، وكريمة المَرْوزية.
وطال عُمره وكفّ بصره.
قال ابن عساكر: سمعت من لفظه حديثًا واحدًا لصممٍ شديد كان به.
لقَّنَّاه الحديث. وذكر لي أن جدّه لُقِب بالغزال لسرعة عَدْوه.
تُوُفّي أبو محمد في صفر.
وقال السّلفيّ: أجاز لي، وقد أخبرني عنه بأصبهان إسماعيل بن محمد الحافظ سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعمائة. وحججت سنة تسعٍ وتسعين، ولم أعلم به.
سمع: عبد العزيز بن الضّرّاب، وأبا محمد المَحَامليّ، والمقرئ أبا الحسين الشيرازيّ. وكان مقرئًا صالحا. وسمعت من أخيه إبراهيم بمصر.
__________
[1] انظر عن (عبد الله بن علي) في: بغية الملتمس للضبي 336 رقم 941، وتكملة الصلة لابن الأبّار 2/ 819 رقم 2000، والوافي بالوفيات 17/ 326 رقم 279.
[2] في الأصل: «سمحون» بالحاء المهملة.
[3] انظر عن (عبد الله بن محمد) في: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 13/ رقم 80، ومرآة الجنان 3/ 232.

(36/99)


53- عَبْد الحق بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بن عبد الحقّ [1] .
أبو محمد الخَزْرَجيّ القُرْطُبيّ.
روى عن: الفقيه محمد بن فَرَج واختص به، وناظر عند: أبي جعفر بن رزق، وأبي الحسن بن حمدين.
وأجاز له أبو العباس بن العُذْريّ.
وكان فقيهًا إمامًا شُرُوطيًّا مدرسًا.
تُوُفّي في صَفَر، وله اثنان وسبعون عامًا.
54- عبد العزيز بن محمد بن معاوية [2] .
أبو محمد الأنصاريّ الدَّوْرقيّ الأطْرُوش.
سكن قُرْطُبة.
وحدث عن: أبي بكر محمد بن مفوّز، وأبي علي الصَّدفيّ، وأبي عبيد الله الخَوْلانيّ.
وكان حافظًا، عارفًا بالعلل والصحيح والسقيم والرجال، مقدّمًا في جميع ذلك على أهل وقته، قاله ابن بَشْكُوال، وجمع كُتُبًا مفيدة. سمعنا منه، وكان حرجًا نكد الخلق.
تُوُفّي فِي ربيع الآخر.
55- عَبْد الملك بْن عبد العزيز بن فِيرَّة بن وهْب [3] .
أبو مروان المُرْسِيّ.
سمع من: أبي علي الغسانيّ، وغيره.
وحجّ، ودخل بغداد، ودمشق وروى هناك. ولم يذكره ابن عساكر.
وكان حافظا للرأي، ذاكرا للمسائل، صالحًا خيّرًا.
وعاش إحدى وسبعين سنة.
__________
[1] انظر عن (عبد الحق بن أحمد) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 386 رقم 829.
[2] انظر عن (عبد العزيز بن محمد) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 373 رقم 799.
[3] انظر عن (عبد الملك بن عبد العزيز) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 365 رقم 777.

(36/100)


56- عبد المنعم بن مروان بن عبد الملك بن سَمَجون [1] .
أبو محمد اللُّواتيّ الطَّنْجيّ.
نشأ بغَرْناطَة وتفقه بها على: أبي محمد عبد الواحد بن عيسى.
وسمع من: أبي علي الغسانيّ.
وكان فقيهًا، جزْلًا، مهيبًا. ولي قضاء إشبيلية بعد عزل أبي مروان الباجيّ. ثمّ نُقِل إلى قضاء غَرْناطَة.
وتُوُفّي في شعبان [2] .
57- عَبْد الواحد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد بن سيدة.
أبو المظفّر الأصبهانيّ المقرئ.
تُوُفّي في رمضان.
58- عثمان بن منصور بن عبد الكريم.
أبو عَمْرو الطّرازيّ النّظاميّ.
سكن بلخ، وحدَّث عن: أبي الحسن محمد بن محمد الحسينيّ.
روى عنه: عبد الله بن عمر الفقيه ببلْخ، ومحمد بن الفضل المارشكيّ بطُوس. وكان رجلًا جليل القدْر، واعظًا، محتشمًا.
- حرف الفاء-
59- فاطمة بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن عقيل [3] .
__________
[1] انظر عن (عبد المنعم بن مروان) في: الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة للمراكشي، السفر الخامس، القسم الأول 55 رقم 125 وفيه: «عبد المنعم بن سمجون» .
[2] وقال المراكشي: وقع في فوائد أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن العثماني الديباجي ابن أبي اليابس، أنشدني أبو العباس قال: أنشدني القاضي أبو محمد عبد المنعم بن سمجون بغرناطة لنفسه:
لست وجيها لدى إلهي ... هذا مدى عيشتي اعتقادي
لو كنت وجها لما براني ... في عالم الكون والفساد
[3] انظر عن (فاطمة بنت عبد الله) في: التحبير 2/ 428، 429 رقم 1185، واللباب 1/ 251، والتقييد لابن نقطة 497، 498 رقم 679، والإعلام بوفيات الأعلام 214، والمعين في طبقات المحدّثين 153 رقم 1663، وسير أعلام النبلاء 19/ 504، 505 رقم 292، ودول.

(36/101)


أمّ إبراهيم، وأمّ الغيث، وأمّ الخير الْجُوزْدانيَّة [1] .
قال أبو موسى المَدِينيّ: قدِمت علينا من جُوزدان، وكان مولدها نحو الخمس والعشرين وأربعمائة.
وسمعت من: أبي بكر بن رِيذة سنة خمسٍ وثلاثين. وهي آخر أصحابه.
قلت: هي أسند أهل العصر مُطلقًا، وهي للأصبهانيّين كابن الحُصَيْن للبغداديّين. سمعَتْ من ابن رِيذَة «المعجم الكبير» و «المعجم الصّغير» للطَّبرانيّ، وكتاب «الفِتَن» لنُعَيم بن حمّاد.
روى عنها: أبو العلاء الهَمَذانيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وَمَعْمَرُ بن الفاخر، وأبو جعفر الصَّيدلانيّ، وأبو الفخر أسعد بن سعيد، وعائشة بنت مَعْمَر، وعفيفة بنت أحمد، وأبو سعيد محمد الأَرَّجَانيّ الحلليّ، وعبد الرحيم بن أحمد ابن الأُخوَّة، وداود بن سليمان بن نظام المُلك، وشعيب بن الحسن السَّمَرْقَنْديّ، وفاطمة بنت سعد الخير، لها عنها حضور، وجماعة كثيرة.
أنبا أبو علي القلانِسِيّ: أنبأتْنا كريمة، عن أبي مسعود عبد الرحيم الحاجّيّ أنها تُوُفّيت في غُرَّة شعبان.
وقال ابن نُقْطة [2] : في رابع عشر رجب.
60- فضل الله بن محمد بن وهْب الله بن محمد [3] .
أبو القاسم الأنصاريّ المقرئ.
أقرأ بجامع قُرطُبة مدَّة، وأخذ القراءات عن: أبي محمد بن شعيب، وأبي عبد الله بن شريح.
__________
[ () ] الإسلام 2/ 46، والعبر 4/ 56، وذيل تاريخ بغداد لابن النجار 15/ 406، وعيون التواريخ 12/ 220، ومرآة الجنان 3/ 232 و 242، وشذرات الذهب 4/ 69، 70.
[1] الجوزدانية: الجوزداني: بضم الجيم وسكون الواو والزاي وبعدها الدال المهملة وفي آخره النون، هذه النسبة إلى جوزدان، ويقال لها كوزدان، وهي قرية على باب أصبهان كبيرة.
(الأنساب 3/ 362، 363) .
[2] في التقييد 498.
[3] انظر عن (فضل الله بن محمد) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 465 رقم 999.

(36/102)


وسمع من: محمد بن فَرَج الطّلاعيّ، وأبي محمد بن خزرج.
روى عنه: ابن بَشْكُوال، وقال: تُوُفّي في رمضان، وله سبعون سنة.
وقرأ عليه بالروايات: عليّ بن محمد بن خَلَف، شابّ قرْطُبيّ.
- حرف الميم-
61- محمد بن سعدون بن مُرجيّ بن سعدون [1] .
الإمام أبو عامر القُرَشيّ العَبْدَريّ المَيُورقيّ المغربيّ، نزيل بغداد. أحد الحُفاظ والعلماء المبرزين، ومن كبار الفُقهاء الظّاهرية. رحل إلى بغداد.
وسمع: أبا عبد الله البانياسيّ، وأبا الفضل بن خَيْرُون، وطِراد بن محمد، ويحيى السّبْتيّ، والحُميديّ، وابن البَطر، وخلْقًا سواهم.
قال القاضي أبو بكر محمد بن المغربيّ في «مُعجَمه» : أبو عامر العَبْدريّ هو أنبل من لقِيته.
وقال ابن ناصر: كان فهْمًا، عالمًا، متعففًا، مع فقره، وكان يذهب إلى أنّ المناولة كالسّماع.
وذكره السَّلفيّ في «مُعْجَمه» فقال: كان من أعيان علماء الإسلام بمدينة السّلام، متصرّفٌ في فنون من العلوم أدبًا ونحْوًا، ومعرفةً بالأنساب. وكان داوديّ المذهب، قُرَشِيّ النَّسَب. كتب عنّي وكتبت عنه. ومولده بقُرْطُبَة من مدن الأندلس.
قال ابن نقطة: نبا أحمد بن أبي بكر البندنيجيّ أنّ الحافظ ابن ناصر قال
__________
[1] انظر عن (محمد بن سعدون) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 534، والمنتظم 10/ 19 رقم 20 (17/ 261، 262 رقم 3963) ، ومشيخة ابن عساكر 1/ 188، ومعجم البلدان 5/ 246، ومعجم السفر للسلفي (مصورة دار الكتب المصرية) ق 2، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 22/ 172، 173 رقم 225، والإعلام بوفيات الأعلام 214، 215، والمعين في طبقات المحدّثين 153 رقم 1665، وسير أعلام النبلاء 19/ 579- 583 رقم 332، والعبر 4/ 57، وتذكرة الحفاظ 4/ 1272- 1275، وعيون التواريخ 12/ 216، 217، والبداية والنهاية 12/ 201، والوافي بالوفيات 3/ 93، 94، وطبقات الحفاظ 461، ونفح الطيب 2/ 138، 139، وشذرات الذهب 4/ 70، ومعجم طبقات الحفاظ والمفسرين 156 رقم 1037.

(36/103)


لما دفنوا أبا [1] عامر العَبْدريّ:
خلا لكِ الجوُّ فبيضي واصفِري [2]
مات أبو عامر حافظ أحاديث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ شاء فلْيَقُلْ ما شاء.
وقال ابن عساكر: كان فقيهًا على مذهب داود، وكان أحفظ شيخ لقيته [3] ذكر أنّه دخل الشّام في حياة أبي القاسم بن أبي العلاء، وسمعتُ أبا عامر وقد جرى ذِكر مالك، فقال: جِلْف جاف [4] ، ضرب هشام بن عمّار بالدِّرَّة.
وقرأتُ عليه «الأموال» لأبى عُبَيْد، فقال، وقد مرّ قول لأبي عُبَيْد: ما كان إلا حمارًا مغفلًا [5] لَا يعرف الفِقْه.
وقيل لي عنه إنّه قال في إبراهيم النَّخَعيّ: أعورُ سُوء. فاجتمعنا يومًا عند ابن السَّمَرْقَنْديّ في قراءة «الكامل» [6] ، فنقل فيه قولًا عن السَّعْديّ، فقال: يكذب ابن عَدِيّ، إنما هو قول إبراهيم الْجَوْزَجانيّ. فقلت له: فهو السَّعْديّ، فإلى كم نحتمل منك سوء الأدب. تقول في إبراهيم النَّخَعيّ كذا، وتقول في مالك كذا، وفي أبي عُبَيْد كذا؟! فغضب وأخذته الرِّعْدَة وقال: كان ابن الخاضبة والبَرَدانيّ وغيرهما يخافوني، فآل الأمر إلى أن تقول فيّ هذا. قال له ابن السّمرقنديّ:
هذا بذاك.
فقلت: إنما نحترمك ما احترمت الأئمَّة.
فقال: والله قد علمت من علم الحديث ما لم يعلمه غيري ممّن تقدّم،
__________
[1] في الأصل: «أبي» .
[2] الرجز في (فصل المقال شرح الأمثال 364) لكليب بن ربيعة، كان له حمى لا يقرب، فباضت فيه قبّرة فأجارها، وقال يخاطبها:
يا لك من قبّرة بِمَعْمَرِ ... خَلَا لَكِ الْجَوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِي ما شئت أن تنقّري
وانظر: مجمع الأمثال للميداني ص 239، ولسان العرب 1/ 417.
[3] مختصر تاريخ دمشق 22/ 172.
[4] في الأصل: «حلف خلف» .
[5] في الأصل: «حمار مغفّل» .
[6] أي: الكامل في ضعفاء الرجال لابن عديّ.

(36/104)


وإنّي لأعلم من «صحيح البخاريّ» و «مسلم» ما لم يعلماه.
فقلت مستهزئًا: فعِلْمُك إذا إلهام. وهجرته.
قال: وكان سيّئ الاعتقاد، ويعتقد من أحاديث الصّفات ظاهرَهَا. بَلَغَني أنّه قال في سوق باب الأَزَج يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ 68: 42 [1] فضرب على ساقه وقال:
ساقٌ كساقي هذه [2] .
وبَلَغَني أنّه قال: أهل البِدَع يحتجّون بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 [3] أي في الإلهيَّة، فأما في الصّورة فهو مثلي ومثلك [4] . قال الله تعالى: يَا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ من النِّساءِ 33: 32 [5] أي في الحُرْمة [6] .
وسألته يومًا عن أحاديث الصّفات، فقال: اختلف النّاس فيها، فمنهم مَن تأوَّلها، ومنهم من أمسك، ومنهم من اعتقد ظاهرها. ومذهبي آخر [7] هذه الثلاثة مذاهب.
وكان يُفْتي على مذهب داود بن علي، فبلغني أنّه سُئل عن وجوب الغُسْل على من جامَعَ ولم يُنْزِل، قال: لَا غُسْل عليه، الآن فعلتُ ذلك بأمّ أبي بكر، يعني ولده، وكان بَشِع الصّورة، زَرِيّ اللّباس.
وقال ابن السّمعاني: حافظ مبرّز في صَنْعه الحديث، داوديّ المذهب، سمع الكثير، ونسخ بخطّه إلى آخر عُمره. وكان يسمع وينسخ.
وقال ابن ناصر: فيه تساهُل في السَّماع، يتحدَّث ولا يصغي ويقول:
__________
[1] سورة القلم، الآية 42.
[2] قال المؤلّف- رحمه الله- في (تذكرة الحفاظ) : هذه حكاية منقطعة، وهذا قول الضلّال المجسّمة، وما أعتقد أن بلغ العبدري هذا.
[3] سورة الشورى، الآية 11.
[4] قال المؤلّف- رحمه الله- في (تذكرة الحفاظ) : تعالى الله عن ذلك وتقدّس، وهذا لا يتفوّه به مؤمن، فإن الله تعالى لا مثل له أبدا.
[5] سورة الأحزاب، الآية 32.
[6] مختصر تاريخ دمشق 22/ 173.
[7] في سير أعلام النبلاء 19/ 582: «أحد» ، ومثله في: مختصر تاريخ دمشق 22/ 183.

(36/105)


يكفيني حضور المجلس. ومذهبه في القراءات مذهب سوء. مات في ربيع الآخر.
قلت: روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن عساكر، ويحيى بن بوش، وأبو الفتح المندائيّ، وجماعة. وخمل ذِكره لبِدْعته [1] .
62- محمد بن عبد الله بن تُومَرْت [2] .
أبو عبد الله الملَّقب نفسَه بالمهديّ المَصْمُودي [3] ، الهَرْغيّ [4] ، المغربيّ، صاحب دعوة السّلطان عبد المؤمن ملك المغرب.
كان يدّعي أنّه حَسَنيّ عَلَويّ، وهو من جبل السَّوس في أقصي المغرب.
نشأ هناك، ثمّ رحل إلى المشرق لطلب العِلْم، ولقي أبا حامد الغزّاليّ، وإلِكيا أبا الحسن الهرّاسيّ، وأبا بكر الطّرطوشيّ.
__________
[1] وقال ابن الجوزي: أصله من برقة من بلد المغرب، ودخل إلى بغداد في سنة أربع وثمانين وأربعمائة. وقال أيضا: وكانت له معرفة بالحديث حسنة، وفهم جيّد، وكان متعفّفا في فقره، ومرض يومين وتوفي في ربيع الآخر (المنتظم) .
[2] انظر عن (ابن تومرت) في: أخبار المهدي بن تومرت، للبيذق (توفي 555 هـ) ، والكامل في التاريخ 10/ 569- 582، والمعجب 245- 264، وخريدة القصر (قسم شعراء الأندلس) 1/ 167، وجذوة الاقتباس 28) ووفيات الأعيان 5/ 45- 55، والإعلام بوفيات الأعلام 215، وسير أعلام النبلاء 19/ 539- 552 رقم 318، والعبر 4/ 57- 62، وتذكرة الحفاظ 4/ 1274، ودول الإسلام 2/ 46، وتاريخ ابن الوردي 2/ 76، 27، والدرّة المضيّة 513، ومرآة الجنان 3/ 432- 248، وعيون التواريخ 12/ 107- 115، (في وفيات 514 هـ.) ، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 151 (في وفيات 528 هـ) ، والوافي بالوفيات 3/ 323- 328، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 109- 117، والبداية والنهاية 12/ 186، 187، والحلل الموشية 78، 88، ورقم الحلل لابن الخطيب 56- 58، وشرح رقم الحلل 182، 187، 189، 194، 196، 198، 199، 205، 217، وتاريخ ابن خلدون 6/ 464- 472، والوفيات لابن قنفذ 273، والنجوم الزاهرة 5/ 254، وتاريخ الدولتين للزركشي 1- 5، وكشف الظنون 1518، وشذرات الذهب/ 70- 72، والاستقصاء 2/ 78- 98، وهدية العارفين 2/ 90، والأعلام 7/ 104، 105، ومعجم المؤلفين 10/ 206، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 106- 109.
[3] المصمودي: بفتح الميم، وسكون الصاد، وضم الميم الثانية، نسبة إلى مصموده قبيلة من البربر.
[4] الهرغي: بفتح الهاء وسكون الراء، نسبة إلى هرغة، وهي قبيلة كبيرة من المصامدة في جبل السوس في أقصى المغرب. (وفيات الأعيان 5/ 55) .

(36/106)


وجاوَرَ بمكة، وحصّل طَرَفًا جيّدًا من العلم. وكان متورّعًا. متنسّكًا، مَهِيبًا، متقّشفًا، مخشَوْشِنًا، أمَّارًا بالمعروف، كثير الإطراق، متعبّدًا، يبتسم إلى من لقِيه، ولا يَصْحَبُه من الدّنيا إلّا عصاةٌ وركْوَة.
وكان شجاعًا، جريئًا، عاقلًا، بعيد الغَوْر، فصيحًا في العربيّ، قد طُبع على النَّهْي عن المُنْكَر، متلذّذًا به، متحملًا المشقَّة والأذى فيه. أوذِي بمكة لذلك، فخرج إلى مصر، وبالغ في الإنكار، فزادوا في أَذَاه وطُرِد.
وكان إذا خاف من البْطش وإيقاع [1] الفعل به خلّط في كلامه ليظنّوه مجنونًا، فخرج إلى الإسكندرية، فأقام بها مُدَّة. ثمّ ركب البحر إلى بلاده.
وكان قد رأى في منامه وهو بالمشرق كأنه قد شرب ماء البحر جميعه كرّتين، فلمّا ركب السّفينة شرع ينكر، وألْزمهم بالصّلاة والتّلاوة، فلما انتهى إلى المَهْديَّة، وصاحبها يومئذٍ يحيى بن تميم الصَّنْهاجيّ، وذلك في سنة خمس وخمسمائة، نزل بها في مسجد مُغْلَق على الطّريق. وكان يجلس في طاقته، فلا يرى مُنْكرًا من آلة الملاهي أو أواني الخُمور إلا نزل وكسرها. فتسامَعَ به النّاس، وجاءوا إليه، وقرءوا عليه كُتُبًا في أصول الدّيانة، وبلغ خبرُه الأمير يحيى، فاستدعاه مع جماعةٍ من الفقهاء، فلّما رأى سَمْتَه وسمع كلامه أكرمه، وسأله الدّعاء، فقال له: أَصْلَحَك اللهُ لرعيّتك.
ثمّ نزح عن البلد إلى بَجَّايَة، فأقام بها يُنْكر كدأبه، فأخرج منها إلى قرية ملالة، فوجد بها عبد المؤمن بن علي القَيْسيّ، فيقال: إنّ ابن تُومَرْت كان قد وقع بكتاب فيه صفة عبد المؤمن، وصفة رجلٍ يظهر بالمغرب الأقصى مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يدعو إلى الله يكون مقامه ومدفنه بموضعٍ من المغرب، يُسَمّى ت ي ن م ل [2] ، ويجاوز وقته المائة الخامسة. فوقع في ذهنه أنّه هو. وأخذ يتطلّب صفة عبد المؤمن، فبلغ إلى أن رأى في الطّريق شابّا قد بلغ أشدّه على الصّفة الّتي معه، فقال: يا شابّ ما أسمك؟ قال: عبد المؤمن.
فقال: الله أكبر، أنت بغيتي، فأين مقصدك؟
__________
[1] في الأصل: «والإيقاع» .
[2] كذا بالأصل. وفي عيون التواريخ 12/ 108 «ت ي ن م لام» . وسيأتي اسم البد: تين مل.

(36/107)


قال: المشرق لطلب العِلم.
قال: قد وجدتُ عِلْمًا وَشَرَفًا وصحِبني شلة. ثمّ نظر في حِلْيته فوافَقَتْ، وقال: ممّن أنت؟ قال: من كُومية [1] . فربط الشّابّ، وألقي إليه سرّه.
وكان ابن تُومَرْت قد صحِبَه عبدُ الله الوَنْشَرِيسيّ [2] ممّن تهذَّب وتفقّه، وكان جميلًا، فصيحًا في العربية، فتحدَّثا يومًا في كيفية الوصول [3] إلى الأمر المطلوب، فقال لعبد الله: أرى أن تستر ما أنتَ عليه من العلم والفصاحة عن الناس، فتُظْهر من العيّ واللَّكَن والجهل ما تشتهر به، لتجد الخروج عن ذلك، وإظهار العلم دفعةً واحدة، فيكون ذلك معجزة. ففعل ذلك [4] . ثمّ استدنى محمد أشخاصًا أجلادًا في القوى الجسْمانيَّة، أغمارًا، فاجتمع له ستَّة، فتوجهوا إلى مَراكُش، وملِكها علي بن يوسف بن تاشفين، وكان ملكًا حليمًا، عادلًا، متواضعًا، وكان بحضرته مالك بن وُهَيْب الأندلسيّ الفقيه، فأخذ ابن تُومَرْت في الإنكار، حتى أنكر على ابنه الملك، وذلك في قصَّة طويلة، فبلغ خبرُه الملك، وأنه يحدّث في تغيير الدّولة، فكلّم مالك بن وُهَيْب في أمره، وقال: نخاف من فَتح بابٍ يَعْسُرُ علينا سَدُّه.
وكان محمد وأصحابه مقيمين في مسجدٍ خراب بظاهر البلد، فأحضرهم في محفلٍ من العلماء، فقال الملك: سَلُوَا هذا ما يبغي. فكلّموه، وقال: ما الّذي يُذكر عنك من القول في حقّ الملك العادل الحليم المُنْقاد إلى الحق؟
فقال: أما ما نُقِل عنّي، فقد قلتُهُ، ولي من ورائه أقوال، وأما قولك إنّه يُؤْثِرَ طاعةَ الله على هواه، وينقاد إلى الحقّ، فقد حضر اعتبارُ هذا القول عليه، ليعلم بتعرّيه عن هذه الصِّفة. إنّه مغرورٌ بما تقولون له وتُطرونه به، مع عِلمكم أنّ الحُجَّة عليه متوجّهة. فهل بلغك يا قاضي أنّ الخمر تباع جهارا، وتمشي
__________
[1] كومية: بضم الكاف وسكون الواو، قبيلة صغيرة كانت تنزل بساحل البحر من أعمال تلمسان.
[2] الونشريسي: بفتح الواو وسكون النون وفتح الشين المعجمة وكسر الراء وسكون الياء المثنّاة من تحتها وبعدها سين مهملة. هذه النسبة إلى ونشريس، وهي بليدة بإفريقية من أعمال بجاية بعين باجة وقسطنطينة المغرب (وفيات الأعيان 5/ 55) .
[3] في الأصل: «الأصول» .
[4] وفيات الأعيان 5/ 48.

(36/108)


الخنازير بين المسلمين، وتؤخذ أموال اليتامى؟ وعدّد من ذلك أشياء، حتّى ذَرَفَتْ عينا الملك، وأطرق حياءً، ففهم الدُّهاة من كلامه طَمَعَه في المُلْك. ولّما رأوا سكوت الملك وانخداعه له لم يتكلّموا، فقال مالك بن وُهَيْب: إنّ عندي نصيحة، إنْ قبِلَها الملكُ حَمَدَ عاقبتها، وإنْ تَرَكَها لم آمَنْ عليه.
قال: وما هي؟
قال: إنّي خائف عليك من هذا الرجل، وأرى أن تسجنه وأصحابه، وتنفق عليهم كلّ يومٍ دينارًا، وإلّا أنفقْتَ عليه خزائنك.
فوافقه الملك، فقال الوزير: أيُّها الملك، يقبح أن تبكي من موعظة هذا، ثمّ تُسيء إليه في مجلس واحد. وأن يظهر منك الخوف مع عِظَم ملْكك، وهو رجل فقير لَا يملك سدّ جوعه.
فأخَذتَ المَلِكَ العِزَّةُ، واسْتَهْوَن أمره وصَرَفه، وسأله الدّعاء.
وقيل إنّه لما خرج من عنده لم يزل وجهه تلقاء وجهه، إلى أن فارقه، فقيل له: نراك تأدّبت مع الملك. فقال: أردت أن لَا يفارق وجهي الباطل حتى أغيّره ما استطعت.
ولما خرج قال لأصحابه: لَا مُقام لنا بمراكُش مع وجود مالك بن وُهَيْب، فإنّا نخاف مَكْره، وإنّ لنا بأَغْمات أخًا في الله فنقصده، فلم نُعدم منه رأيًا ودُعاء. وهو الفقيه عبد الحقّ بن إبراهيم المصموديّ.
فسافروا أليه فأنزلهم، وبثوا إليه سرّهم، وما جرى لهم، فقال: هذا الموضع لَا يحميكم، وإنّ أحصن الأماكن المجاورة لهذا البلد تين مل، وهي مسيرة يوم في هذا الجبل، فانقطعوا فيه بُرْهةً ريثما ينسى ذكركم.
فلّما سمع ابن تُومَرْت بهذا الاسم تجدّد له ذكر اسم الموضع الّذي رآه في الكتاب فقصده مع أصحابه. فلما أتَوْه رآهم أهل ذلك المكان على تلك الصّورة فعلِموا أنّهم طلّاب علم.
قال: فتلقّوهم وأكرموهم وأنزلوهم [1] .
__________
[1] وفيات الأعيان 1/ 51.

(36/109)


وبلغ الملكَ سفرُهُم، فَسُرَّ بذلك.
وفشا مع أهل الجبل بوصول ابن تُومَرْت، فجاءوه من النّواحي يتبرَّكون به، وكان كلّ من أتاه استدناه، وعرض عليه ما في نفسه من الخروج، فإنْ أجابه أضافه إلى خواصّه، وإنْ خالَفَه أعرض عنه.
وكان يستميل الشّباب والأغمار، وكان ذَوُو الحِلْم والعقل من أهاليهم يَنْهَوْنَهُم ويحذّرونهم من أتِّباعه خوفًا عليهم من المَلِك، فكان لَا يتمّ له مع ذلك حال. وطالت المدَّة، وكثُرَت أتباعُه من أهل جبال دَرَنْ، وهو جبل لَا يفارقه الثَّلْج، وطريقه ضيَّق وعسر.
قال الْيَسَع بن حزْم: لَا أعلم مدينة أحصن من تينمل [1] ، لأنها بين جبلين، ولا يسع الطّريق إليها إلّا الفارس، وقد ينزل عن فرسه في أماكن صَعْبة، وفيها مواضع لَا يُعْبَر فيها إلّا علي خشب، فإذا أُزيلت خشبة لم يمرّ أحد. وهذه الطّريق مسافة يوم. فأخذ أصحابه يغيرون على النّواحي سبْيًا وقتْلًا، وتَقَوَّوْا وكثروا. ثمّ إنّه غدر بأهل تينَمَل الّذين آوَوْهُ ونصروه، وأمر أصحابه، فقتلوا منهم مقتلةً عظيمة، قاتله الله. فقال له الفقيه الإفريقيّ، وهو أحد العشرة، عن ما فعل بأهل تينَمَل [1] : هؤلاء قوم أكرمونا وأنزلونا دُورهم قَتَلْتَهُم؟ فقال لأصحابه: هذا شَكَّ في عصْمتي، خُذُوه فاقتلوه. فقتلوه، وعلّقوه على جذع.
قال: وكلّ ما أذكره من حال المَصَامِدة فمنه ما شاهدته، ومنه ما أخذته بنقل التّواتر.
وَكَانَ فِي وَصِيَّتِهِ إِلَى قَوْمٍ إِذَا ظَفِرُوا بِمُرَابِطٍ أَوْ أَحَدٍ مِنْ تِلِمْسَانَ أَنْ يُحَرِّقُوهُ.
فَلَمَّا كَانَ فِي عَامِ تِسْعَةَ عَشَرَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ يَوْمًا، فَقَالَ: تَعْلَمُونَ أَنَّ الْبَشِيرَ، الَّذِي هُوَ الْوَنْشَرِيسِيُّ، إِنَّهُ أُمِّيٌّ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ وَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى دَابَّةٍ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ مُبَشِّرًا لَكُمْ مُطَّلِعًا عَلَى أَسْرَارِكُمْ، وَهُوَ آيَةٌ لكم، فإنّه حفظ القرآن، وتعلّم الركوب.
__________
[1] في وفيات الأعيان 1/ 52 «تين مل» . وقال: بكسر التاء المثنّاة من فوقها وسكون الياء المثنّاة من تحتها وبعدها نون ثم ميم مفتوحة ولام مشدّدة (5/ 55) .

(36/110)


ثُمَّ اسْتَعْرَضَهُ الْقُرْآنُ، فَقَرَأَهُ لَهُمْ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَرَكِبَ حِصَانًا وَسَاقَهُ، فَتَعَجَّبُوا وَعَدُّوا ذَلِكَ آيَةً، وَصَحَّ لابْنِ تُومَرْتَ بِذَلِكَ مَا أَطْوَاهُ عَلَى نُفُوسٍ سَلِيمَةٍ لَا يَعْرِفُونَ بَوَاطِنَ الْأُمُورِ، فَتَحَقَّقَ تَصْدِيقُهُمْ إِيَّاهُ. فَقَامَ خَطِيبًا وَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ 8: 37 [1] فقال: مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ 3: 110 [2] . وَهَذَا الْبَشِيرُ مُطَّلِعٌ عَلَى الأَنْفُسِ مُحَدَّثٌ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ فِي أُمَّتِي مُحَدَّثِينَ. وَإِنَّ عُمَرَ مِنْهُمْ» [3] . وَقَدْ صَحِبَنَا أَقْوَامٌ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى سِرِّهِمْ وَنِفَاقِهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِيهِمْ، وَيُتَمِّمُّ الْعَدْلَ فِيهِمْ.
ثُمَّ نُودِيَ فِي جِبَالِ المصامدة: من كان مطيعا للإمام فليقبل. فكانوا يأتون قبائل قبائل، فيُعرضون عليه، فيخرجون قومًا على يمينه، ويعدّهم من أهل الجنَّة، وقومًا على يساره، ويقول: هؤلاء شاكّون في الأمر. حتّى كان يؤتى بالرجل فيقول: رُدّوا هذا على اليمين، فإنّه تائب، وقد كان قبل كافرًا، ثمّ أحدَث البارحة توبة، فيَعترف بما أخبر به. واتّفقت له فيهم عجائب.
وكان يطلق أهل اليَسَار وهم يعلمون أنّ مآلهم إلى القتْل، فلا يفرّ منهم أحد. وكان إذا اجتمع منهم كثير قتلهم قراباتُهُم، يقتل الأب ابنه، والأخُ أخاه، وابن العمّ ابن العَمّ. فالّذي صحّ عندي إنّه قُتِلَ منهم سبعون ألفًا على هذه الصّفة، ويسمُّونها التّمييز.
ولما كمل التّمييز وجّه جُمُوعه مع البشير نحو أَغْمات، فالتقوا المرابطين فهزموهم، وَقُتِلَ خلْقٌ من المَصَامِدة لكونهم ثبتوا، وَجُرِحَ عمر الهِنْتانيّ جراحات، فحملوه على أعناقهم وهو كالميت، لَا يَنْبض له عِرْق. فقال لهم البشير: إنّه لَا يموت حتّى يفتح البلاد، ويغزو في الأندلس. وبعد مدَّة من استماتته فتح عينيه، فزادهم ذلك إيمانًا بأمرهم. ولّما أَتَوْا عزّاهم ابن تُومَرْت وقال: يَوْمٌ بيوم، وكذلك حرب الرّسل.
__________
[1] سورة الأنفال، الآية 37.
[2] سورة آل عمران، الآية 110.
[3] أخرجه البخاري 7/ 42 (3689) في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم، باب مناقب عمر، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدّثون، فإن يك من أمّتي أحد فإنه عمر» . وأخرجه مسلم (2398) ، والترمذي (3694) من حديث عائشة.

(36/111)


ونقل عبد الواحد بن عليّ بن التّميميّ المرّاكشيّ في كتاب «المعجب» [1] الّذي اختصرته، أنّ ابن تُومَرْت رحل إلى بغداد، فأخذ الأصول عن أبي بكر الأصوليّ الشّاشيّ، وسمع من المبارك بن عبد الجّبار ابن الطُّيُوريّ. وقال: إنّ أمير الإسكندرية نفاه منها، فبَلَغَني أنّه استمر يُنكر في المركب إلى أنّ أَلْقوْه في البحر. فأقام نصفَ يَوْمٍ يجري في ماء السّفينة ولم يغرق، فأنزلوا إليه من أطلعه وعظَّموه، إلى أن نزل بَجَّايَة، ووعظ بها، ودرَّس، وحصل له القبول، فأمره صاحبها بالخروج منها خوفًا منه، فخرج، ووقع بعبد المؤمن، وكان بارعًا في خطّ الرمْل. ووقع بجفرٍ فيما قيل، وصحِبَهما من ملالة عبدُ الواحد الشّرقيّ، فتوجّه الثّلاثة إلى أقصى المغرب.
وقيل إنّه لقي عبد المؤمن ببلاد متيجة، فرآه يعلّم الصّبيان، فأسرّ إليه، وعرّفه بالعلامات. وكان عبد المؤمن قد رأى رؤيا، وهي أنّه يأكل مع أمير المسلمين علي بن يوسف في صَحْفَةٍ، قال: ثمّ زاد أكلي على أكله، ثمّ اختطفت الصَّحْفَة منه. فقصها على عابرٍ فقال: هذه لَا ينبغي أن تكون لك، إنما هي لرجلٍ ثائر يثور على أمير المسلمين، إلى أن يغلب على بلاده.
وسار ابن تُومَرْت إلى أن نزل في مسجد بظاهر تِلِمْسان، وكان قد وضع له هيبةً في النُّفُوس. وكان طويل الصَّمت، كثير الانقباض، إذا انفصل عن مجلس العلم لَا يكاد يتكلم.
أخبرني شيخٌ عن رجلٍ من الصالحين كان معتكفًا في ذلك المسجد أنّ ابن تُومَرْت خرج ليلةً فقال: أين فلان؟ قالوا: سمجون. فمضى من وقته ومعه رجلٌ، حتى أتى إلى باب المدينة، فدقّ على البوّاب دقًا عنيفًا. ففتح له بسرعة، فدخل حتّى أتى الحْبس، فابتدر إليه السّجّانون يتمسّحون به. ونادى: يا فُلان.
فأجابه، فقال: أخرج، فخرج والسّجّانون باهتون لَا يمانعونه، وخرج به حتّى أتى المسجد. وكانت هذه عادته في كلّ ما يريد، لَا يتعذّر عليه. قد سُخِّرت له الرّجال.
وعظُم شانه بتِلَمْسان إلى أن انفصل عنها، وقد استحوذ على قلوب
__________
[1] ص 246 وما بعدها.

(36/112)


كُبَرائها. فأتى فاسَ، وأظهر الأمر بالمعروف، وكان جلّ ما يدعو إليه عِلم الاعتقاد على طريقة الأشعرية. وكان أهل المغرب ينافرون هذه العلوم، ويعادون من ظهرت عليه. فجمع والي فاس الفُقَهاء له، فناظرهم، فظهر عليهم لأنه وجد جوّا خاليًا وناسًا لَا عِلْمَ لهم بالكلام، فأشاروا على المتوليّ بإخراجه. فسار إلى مَراكُش، وكتبوا بخبره إلى ابن تاشفين، فجمع له الفُقهاء، فلم يكن فيهم من يعرف المناظرة إلّا مالك بن وُهَيْب، وكان متفنّنًا قد نظر في الفلسفة. فلّما سمع كلامه استشعر حِدَّته وذكاءه [1] فأشار على أمير المسلمين ابن تاشفين بقتْله، وقال:
هذا لَا تُؤمن عائلتُه، وإنْ وقع في بلاد المصامدة قَوِيُّ شرُّه، فتوقّف عن قتْله دِينًا، فأشار عليه بحبْسه، فقال: عَلَامَ أسجن مسلمًا لم يتعيَّن لنا عليه حقّ.
ولكنْ يخرج عنّا.
فذهب هو وأصحابه إلى السُّوس، ونزل تينمل. ومن هذا الموضع قام أمرُه، وبه قبره، فلّما نزله اجتمع إليه المَصَامِدة، فشرع في بثّ العلم والدّعاء إلى الخير. وكتم أمره، وصنَّف لهم عقيدةً بلسانهم، وعظُم في أعيُنهم، وأحبته قلوبُهُم. فلما استوثق منهم دعا إلى الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنْكَر، ونهاهم عن سفْك الدّماء، فأقاموا على ذلك مدَّة، وأمر رجالًا منهم ممّن استصلح عقولهم بنصب الدَّعوة. واستمال رؤساء القبائل، وأخذ يذكّر المَهْديّ ويشوّق إليه، وجمع الأحاديث الّتي جاءت في فضله، فلّما قرّر عندهم عَظَمة المهديّ ونَسَبه ونعته، ادّعى ذلك لنفسه، وقال: أنا محمد بن عبد الله، وسرد له نَسَبًا إلى علي عليه السلام، وصرَّح بدعوى العِصْمة لنفسه، وأنّه المهديّ المعصوم، وبسط يده للمبايعة فبايعوه، فقال: أبايعكم على ما أبايع عليه أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصنَّف لهم تصانيف في العِلم، منها [2] كتاب سماه «أعزّ ما يطلب» ، وعقائد على مذهب الأشعريّ في أكثر المسائل إلّا في إثبات الصّفات، فإنّه وافق المعتزلةِ في نفْيها، وفي مسائل غيرها قليلة.
وكان يُبْطن شيئًا من التَّشَيُّع. ورتَّب أصحابه طبقات، فجعل منهم العشّرة، وهم الأوّلُون السّابقون إلى إجابته. وهم الملقّبون بالجماعة.
__________
[1] في الأصل: «وذكائه» .
[2] في الأصل: «منهم» .

(36/113)


وجعل منهم الخمسين، وهم الطّبقة الثّانية.
وهذه الطّبقات لَا تجمعها قبيلة، بل هم من قبائل متفرقة. وكان يسمّيهم المؤمنين، ويقول لهم: ما على وجه الأرض من يؤمن إيمانكم، وأنتم العصابة المَعْنيُّون بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تزال طائفة بالمغرب ظاهرين على الحقّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله» [1] . وأنتم الّذين يفتح الله بكم الرّوم، ويقتل بكم الدّجّال، ومنكم الأمير الّذي يُصلّي بعيسي بن مريم.
هذا مع جُزْئيّات كان يخبرهم بها وقع أكثرها. وكان يقول: لو شئتُ أن أَعُدَّ خُلفاءكم خليفةً خليفةً لَعَدَدْتُ. فعظُمَت فتنةُ العوام به، وبالغوا في طاعته، إلى أن بلغوا حدًّا لو أمر أحدهم بقتْل أبيه أو أخيه أو أبنه لقتله.
وسهّل ذلك عليهم ما في طباعهم من القسوة المعهودة في أهل الجبال، لا سيما الخاربة البربر، فإنّهم جُبلوا على الإقدام على الدّماء، واقتضاه إقليمهم.
حتّى قيل إنّ الإسكندر أُهديت له فَرَسٌ لَا تُسبق، لكنها لَا تصهل، فلّما حلّ بجبال دَرَنْ، وهي بلاد المَصَامدة هذه، وشربت تلك الفرس من مياهها صهلت.
فكتب الإسكندر إلى الحكيم يخبره، فكتب إليه: هذه بلاد سرّ وقسوة، فعجِّل بالخروج منها. وأنا فقد شاهدت من إقدامهم على القتْل لمّا كنت بالسُّوس ما قضيت منه العجب.
قال: وقوي أمر ابن تومرت في سنة خمس عشرة وخمسمائة، فلما كان في سنة سبْع عشرة جهّز جيشًا من المَصَامِدة، جُلُّهم من أهل تينمل والسُّوس، وقال لهم: اقصدوا هؤلاء المارقين المبدّلين الّذين تسمَّوا بالمرابطين، فادْعُوهم إلى إماتة المُنْكَر، وإزالة البِدَع، والإقرار بالإمام المهديّ المعصوم، فإنْ أجابوكم فهُمْ إخوانكم، وإلّا فقاتِلُوهم، وقد أباحت لكم السُّنَّةُ قتالَهم.
وقدم عليهم عبد المؤمن، فسار بهم قاصدًا مَرّاكُش، فخرج لقتالهم الزُّبَير
__________
[1] أخرجه مسلم في الإمارة (1925) ، والمراد به أهل الشام فهم في الغرب من المدينة المنوّرة وليس أهل المغرب كما ادّعى ابن تومرت.

(36/114)


ابن أمير المسلمين علي بْن يُوسُف بْن تاشفين، فلّما تراءى الْجَمْعان كلموا المرابطين بما أمرهم به ابن تُومَرْت، فردَوا عليهم أسوأ ردّ، ووقع القتال، فانهزم المَصَامِدة، وَقُتِلَ منهم مقتلة، ونجا عبد المؤمن. فلمّا بلغ الخبرُ ابن تُومَرْت قال: أَلَيْس قد نجا عبد المؤمن؟
قيل: نعم.
قال: لم يُفْقَد أحد.
ثمّ أخذ يهوّن عليهم، ويقرر عندهم أنّ قتلاهم شُهداء، فزادهم حِرْصًا على الحرب.
وقال الأمير عزيز في كتاب «الجمع والبيان في أخبار القيروان» إنّ ابن تُومَرْت أقام بتينمل، وسمّى أصحابه وأتباعه بالموحدين، والمخالفين أمره:
مجسّمين. وأقام على ذلك نحو العام، فاشتهر أمره سنة خمس عشرة، وبايعته هَرْغَة على أنّه المهديّ، فجهّز له علي بن يوسف جيشًا من الملثّمين، فقال ابن تومرت لأصحابه الّذين بايعوه: إنّ هؤلاء قد جاءوا في طلبي، وأخاف عليكم منهم، والرأي أن أخرج عنكم بنفسي إلى غير هذه البلاد لتسلموا أنتم.
فقام بين يده ابن توفيان، من مشايخ هَرْغَة، وقال له: تخاف شيئا من السّماء؟ قال: لَا، بل من السّماء تُنصر. فقال ابن توفيان: فدع كل من في الأرض يأتينا. ووافقه جميع قبيلته على ذَلِكَ القول. فقال: إنما أردت أن أختبر صبرَكم وثَبَاتَكم وأمّا الآن، فأبشروا بالنَّصْر، وأنكم تغلبون هؤلاء الشِّرْذمة، بعد قليل تستأصِلون دولتهم، وترثون أرضهم. فالتقوا جيش الملثمين فهزموهم، وأخذوا الغنيمة، ووثقت نفوسُهم بالمهديّ، وأقبلت إليه أفواج القبائل من النّواحي ووحَّدَتْ قبيلة هنتاتة، وهي من أقوى القبائل، إلى أن قال:
ثمّ نَهَجَ لهم طريقَ التَّودُّد والآداب، فلا يخاطبون الواحد منهم إلّا بضمير الجْمع في وقَار وبشاشة، ولا يلبسون إلّا الثّياب القصيرة الرخيصة، ولا يخلون يومًا من طِراد ومناصفة ونضارة [1] . وكان في كل قبيلةٍ قومٌ أشرارٌ مفسدون، فنظر
__________
[1] في الأصل: «ونضالا» .

(36/115)


ابن تُومَرْت في ذلك، فطلب مشايخ القبائل ووعظهم، وقال: لَا يصحّ دِينكم إلّا بالنَّهي عن المُنْكَر، فابحثوا عن كلّ مفسد وانهوه، فإنْ لم ينْتَه فاكتبوا أسماءهم، وارفعوها إليَّ. ففعلوا ذلك ثمّ أمرهم بذلك ثانيًا وثالثًا. ثمّ جمع الأوراق، فأخذ ما تكرّر من الأسماء، فأفردها عنده. ثمّ جمع القبائل كلّها وحضّهم على أن لا يغيب منهم أحد. ودفع الأسماء الّتي أفردها إلى عبد الله الوَنْشَرِيسيّ، الملقَّب بالبشير، ثمّ جعل يعرضهم رجلًا رجلًا، فمن وجد اسمه أفرده في جهة الشّمال، ومن لم يجده جعله في جهة اليمين. إلى أن عرض القبائل جميعها. ثمّ أمر بتكتيف جهة الشّمال، وقال لقبائلهم: هؤلاء أشقياء من أهل النار قد وَجَب قتلُهم. ثمّ أمر كلّ قبيلة أنّ تقتل أشقياءها، فقُتِلوا كلّهم. وكانت واقعة عجيبة.
وقال: بهذا الفِعل يصحّ لكم دِينكم ويقوى أمركم.
وعلى ذلك استمرّت الحالة في جميع بلادهم. ويسمّونه: التّمييز.
وكان له أصحاب عشرة يُسمَّون أهل عشرة. وأصحاب من رءوس القبائل سمّاهم أهل خمسين، كانوا ملازمين مجلسَه.
فأما العشرة: فعبد المؤمن، والشَيخ أبو إبراهيم الهَزْرَجيّ، والشَيخ أبو حفص عمر بن يحيى الهِنْتَانيّ المعروف بعمرانينيّ، والشَيخ أبو محمد عبد الله البشير، والشَيخ أبو محمد عبد الواحد الزّواويّ، وكن يُعرف بطير الجنَّة، والشَيخ أبو محمد عبد الله بن أبي بكر، والشَيخ أبو حفص عمر بن أَرْناق، والشَيخ أبو محمد وإسناد الأَغْماتيّ، والشَيخ أبو إسحاق إبراهيم بن جامع، وآخر.
فهؤلاء الّذين سبقوا وتعرَّفوا به لأخذ العِلْم عنه. وكان اجتماعهم به أفرادًا في حال تَطْوافه في البلاد، فآثرهم واختصّهم.
وفي أوّل سنة أربعٍ وعشرين جهّز جيشًا زُهاء عشرين ألف مقاتل، قدم عليهم البشير، ثمّ دونه عبد المؤمن، بعد أمورٍ وحروب. فساروا إلى مَرّاكُش، وحاصروها عشرين يومًا. فأرسل عليّ بن يوسف بن تاشفين إلى عامله على سجلْماسَة، فجمع جيشًا وجاء من جهة، وخرج ابن تاشفين من البلد من جهة، ووقع الحرب، واستَحَرَّ يومئذٍ القتل بجيش المَصَامِدة، فقتل أميرهم عبد الله

(36/116)


البشير، فالتفُّوا على عبد المؤمن، ودام القتال إلى اللّيل. وصلّى بهم عبد المؤمن يومئذٍ صلاة الخوف والحرب قائمة. وتكاثر الملثّمون، وتحيّز المصامدة إلى بستان هناك مُلْتَفٍّ بالشجر يُعرف بالبحيرة، فلذا قيل وقعة البحيرة. وبلغت قتلاهُم ثلاثة عشر ألفًا. وأُنهي الخبر إلى المهديّ فقال: عبد المؤمن سالم؟
قيل: نعم.
قال: ما مات أحد، الأمر قائم.
وكان مريضًا، فأمر بأتّباع عبد المؤمن، وعقد له من بعده، وسمّاه أمير المؤمنين، وقال لهم: هذا الّذي يفتح الله البلاد على يده، فلا تشُكّوا فيه وأعْضدوه بأموالكم وأنفسكم. ثمّ مات في آخر سنة أربعٍ وعشرين.
قال اليَسَع بن حزْم: سَمَّى ابن تُومَرْت أتباع المرابطين مجسّمين، وما كان أهل المغرب يدينون إلّا بتنزيه الله تعالى عمّا لَا يجب له، وصفته بما يجب له، وترك الخوض فيما تقصر العقول عن فهمه. وكان علماء المغرب يعلّمون العامَّة أنّ اللّازم لهم أنّ الله ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير، إلى أن قال:
فكفّرهم ابن تُومَرْت بوجهين، بجهل العرض والجوهر. وأنّ من لَا يعرف ذلك لَا يعرف المخلوق، ولم يعرف الخالق.
الوجه الثّاني إنّ من لم يهاجر إليه، ولم يقاتل المرابطين معه، فهو كافر، حلال الدّم والحريم. وذكر أنّ غضبه للَّه، وإنّما قام حِسْبةً على قومٍ أغرموا النّاس ما لَا يجب عليهم. وهذا تناقض، لأنّه كفّرهم، وإنّ كانوا مسلمين. فأخذ المرابطين منهم النَّزْر اليسير أشبه من قتْلهم ونهبهم.
وحصل له في نفوس أتباعه من التّصديق له والبركة ما لا يجوزه الوصف.
وقال القاضي شمس الدّين [1] : طالت المدَّة على ابن تُومَرْت، فشرع في حيلة، وذلك أنّه رأى أولاد المصامدة شُقْرًا زُرْقًا، ولون الآباء سُمْر، قال لهم عن ذلك، فلم يجيبوه، فلمّا ألحّ عليهم فقالوا: نحن من رعيَّة أمير المسلمين عليّ، وله علينا خَراج. وفي كلّ سنة تصعد مماليكه إلينا، وينزلون في بيوتنا، ويخرجونا
__________
[1] في وفيات الأعيان 5/ 54.

(36/117)


عنها، ويخلُون بنسائنا، وما لنا قُدرة على دفع ذلك.
فقال ابن تُومَرْت: والله، الموتُ خيرٌ من هذه الحياة. كيف رضيتم بهذا، وأنتم أضربُ خلْق الله بالسّيف وأطعنهم بالرُّمح؟
قالوا: بالرّغم منّا.
قال: أرأيتم لو أنّ ناصرًا نصركم على هؤلاء، ما كنتم تصنعون؟
قالوا: كنّا نقدَّم أنفسنا بين يديه للموت، فمن هو؟
قال: ضيفكم.
فقالوا: السّمع والطّاعة.
فبايعهم، ثمّ قال: استعدوا لحضور هؤلاء بالسّلاح. فإذا جاءوكم فأجْرُوهم على عادتهم، ثمّ مِيلُوا عليهم بالخُمُور، فإذا سكروا فآذنوني بهم.
فلمّا جاءوهم ففعلوا ذلك بهم وأعلموه، فأمر بقتالهم، فلم تمض ساعة من اللّيل حتّى أتوا على آخرهم، وأفلت منهم واحد، فلحِق بمَرّاكُش، فأخبر الملك، فندِم على فوات محمد من يده حيث لَا ينفعه النّدم. وجهّز جيشًا.
وعرف ابن تُومَرْت أنه لَا بد من عسكر يغشاهم. فأمر أهل الجبل بالعقود على أنقاب الوادي، فلّما وصلت إليهم الخيل نزلت عليهم الحجارة من جانبني الوادي كالمطر، ودام القتال إلى اللّيل، فرجع العسكر، وأخبروا الملك، فعلم أنّه لَا طاقة لنا بأهل الجبل لتحصُّنهم، فأعرض عنهم.
ثمّ قال ابن تُومَرْت لعبد الله الوَنْشَريسيّ: هذا أوان إظهار فضائلك وفصاحتك دفعةً واحدة.
ثمّ اتّفقا على أن يُصلّي الصُّبح، ويقول بلسان فصيح: إني رأيت في النّوم أنّه نزل بي مَلَكان من السماء، وشقّا فؤادي، وغسّلاه، وحَشَياه عِلْمًا وحكمة.
فلّما أصبح فعل ذلك، فدُهشوا وعجبوا منه، وانقادوا إليه كلّ الانقياد.
فقال له ابن تُومَرْت: فعجِّل لنا الْبُشْرَى في نفسنا، وعرّفنا أَسُعَداءُ نحن أمْ أشقياء. فقال له: أمّا أنت فإنّك المهديّ القائم بأمر الله، مَن تبعك سَعد، ومَن خالفك شقي.

(36/118)


ثمّ قال: أعرضْ أصحابك حتّى أميّز أهل الجنَّة من أهل النّار.
وعمل ذلك حيلةً، قتل فيها من خالف أمر ابن تُومَرْت، ثمّ لم يزل إلى أن جهّز، بعد فصولٍ طويلة، عشرة آلاف مقاتل. وأقام هو في الجبل، فنزلوا لحصار مَرّاكُش، فأقاموا عليها شهرًا، ثمّ كُسِروا كسرة شنيعة وهرب من سَلِم من القتْل، وَقُتِلَ الوَنْشَرُيسيّ المذكور.
وقال عبد الواحد بن عليّ المَرّاكُشيّ: ثمّ جعلوا يشنون الغارات على قرى مَرّاكُش، ويقطعون عنها الْجَلَب، ويقتلون ويَسْبون الحريم. وكثر الدّاخلون في دعوتهم المنحاشون إليهم، وابن تُومَرْت في ذلك كلّه يُكثِر الزُّهد والتَّقَلُّل والعبادة.
أخبرني من رآه يضرب على الخمر بالأكمام والنعال وعُشْب النَّخْلِ كفعل الصّحابة.
وأخبرني من شهده وقد أُتيَ برجلٍ سَكْران فحدّه، فقال يوسف بن سليمان، أحد الأعيان: لو شَدَدْنا عليه حتى يخبرنا من أين شرِبَها. فأعرض عنه، فأعاد قوله، فقال: أرأيت لو قال شربتها في دار يوسف بن سليمان ما كنّا نصنع؟
فاستحى وسكت.
ثمّ ظهر أنّ عبيد يوسف بن سليمان سقَوْه، فزادهم هذا ونحوه فتنةً بابن تُومَرْت.
قال اليَسَع بن حزْم: ألّف ابن تُومَرْت كتاب «القواعد» ، وممّا فيه: أن التّمادي على ذَرَّةٍ من الباطل كالتمادي على الباطل كله. وألّف لهم كتاب «الإمامة» ، يقول فيه: حتّى جاء الله بالمهديّ، يعني نفسه، وطاعته صافية نقيَّة، لَا ضدّ له ولا مثل له، ولا ندّ في الورى. وإنّ به قامت السّماوات والأرض.
قال اليَسَع: هذا نصّ قوله في الإمامة، وهذا نصّ تلقّيته من قراءة عبد المؤمن بن عليّ. دوّن لهم هذا بالعربيّ وبالبربريّ. فلمّا قرءوا هذين الكتابين زادهم ذلك شدَّةً في مذهبهم من تكفير النّاس بالذّنوب، وتكفيرهم بالذّنوب، وتكفيرهم بالتّأخُّر عن طاعة المهديّ الّذي قامت به السّماوات والأرض.

(36/119)


هذا نص ما قاله اليَسَع.
قال: وأمرهم بجمع العساكر، فخرجوا إلى ناحية مَرّاكُش، فوجدوا جيشًا للمرابطين، فالتقوا، فانهزم المرابطون هزيمة مات فيها أكثر من شهِدَها، وصَبَر فيها الموحِّدون.
فلّما كان في سنة إحدى وعشرين تألّفوا في أربعين ألف راجل وأربعمائة فارس، ونزلوا يريدون حضرة مَرّاكُش، فحدَّثني جماعة أنّهم نزلوا على باب أَغْمات بعد أن خرج إليهم المرابطون في أكثر من مائة ألف، بين فارسٍ وراجل، فخُذِلوا ودخلوا المدينة في أسوأ حالة. فجاء من الأندلس ابن همبك في مائة فارس، فشجّع أمير المسلمين، وخرج فقاتل، فانتصر المرابطون، وَقُتِلَ من المصامدة نحوٌ من أربعين ألفًا، فما سلِم منهم إلّا نحو أربعمائة نفس.
كذا قال اليَسَع.
وقال ابن خلِّكان [1] : حَضَرت ابن تُومَرْت الوفاةُ، فأوصى أصحابه وشجّعهم، وقال: العاقبة لكم. ومات في سنة اربعٍ وعشرين إثر الوقعة الّتي قُتِلَ فيها الوَنْشَرِيسيّ، ودُفِن بالجبل، وقبرُه مشهورٌ معظّم. ومات كهلًا.
وكان رَبْعةً، أسمر، عظيم الهامة، حديد النّظر، مَهِيبًا.
وقيل فيه: آثاره تُغنيك عن أخباره حتّى كأنّك بالعَيَان تراه، قدمٌ في الثَّرَى وهامة في الثُّرَيّا، ونفس ترى إراقة ماء الحياة دون ماء المُحيّا. أغفل المرابطون ربطْه حتّى دبّ دبيب الفَلَق في الغَسَق، وترك في الدّنيا دَوِيًّا. وكان قُوتُه من غزْل أخته رغيفًا في كلّ يَوْمٍ، بقليل سمنٍ أو زيت. فلم ينتقل عن ذلك حين كثُرت عليه الدّنيا.
ورأى أصحابه يومًا وقد مالت نفوسُهم إلى كثْرة ما غنموه، فأمر بإحراق جميعه، وقال: من كان يبتغي الدّنيا فما له عندي إلّا [هذا] [2] ، ومن كان يبتغي الآخرة فجزاؤه [3] عند الله.
__________
[1] في وفيات الأعيان 5/ 54.
[2] في الأصل بياض.
[3] في الأصل: «فجزاءه» .

(36/120)


ومن شعره:
أخذت بأعضادهم إذْ نأوا ... وخَلْفك القوم إذْ ودّعوا
فكم أنت تُنْهَى ولا تنتهي ... وتُسْمع وعظًا ولا تَسْمعُ
فيا حجر الشَّحْذ حتّى متى ... تسنّ الحديد ولا تقطعُ؟ [1]
وكان يتمثّل كثيرًا من قول:
تجرّد من الدّنيا فإنك إنما ... خرجت إلى الدُّنيا وأنت مجرّد [2]
ولم يتملّك شيئا من البلاد، وإنّما قرّر القواعد ومهّدها، وبَغَتَه الموت.
وكانت الفتوحات على يد عبد المؤمن.
وقد كان الملك أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن في أيّامه، وقد زار قبر ابن تُومَرْت بمحضرٍ من الموحّدين، فقام شاعر وانشد هذه القصيدة، وفيها جُمل ممّا كان يعتقده ابن تُومَرْت يخبر به:
سلامٌ على قبر الإمام الممجَّدِ ... سلالةِ خير العالِمين محمد
وشبهه في خلْقه ثمّ في اسْمِه ... وفي اسم أبيه والقَضاء المسدّد
أتتنا به البُشْرى بأنْ يملا الدّنا ... بقسطٍ وعدْلٍ في الأنام مخلّد
ويفتتح الأمصار شرقًا ومغربًا ... ويملك عربًا من ثعير ومنجد
فمن وصفه أثني واجلي وأن ... علاماته خمس تبين لمهتدي
زمان واسم والمكان ونسبه ... وفعل له في عصمة وتأبُّد
ويلبث سبْعًا أو فتِسْعًا يعيشها ... كذا جاء في نصٍّ من النَّقْلِ مُسْندِ
فقد عاش تسعًا مثل قَوْل نبيّنا ... فذلكُمُ المهديُّ باللَّه يهتدي
وخرج إلى مدْح عبد المؤمن وبنيه.
ولابن تُومَرْت أخبار طويلة عجيبة.
63- مُحَمَّد بْن عليْ بْن أَبِي الغنائم عَبْد الصمد بن عليّ بن المأمون [3] .
__________
[1] وفيات الأعيان 5/ 54، عيون التواريخ 12/ 107.
[2] المصدر نفسه.
[3] انظر عن (محمد بن علي بن أبي الغنائم) في: معجم السفر للسلفي (مصوّرة دار الكتب المصرية) ق 2.

(36/121)


أبو غانم الهاشميّ.
يروى عن: جدّه.
وعنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو طاهر السِّلَفيّ.
64- محمد بن عليّ بن محمود [1] .
المعمّر أبو منصور الزُّولَهيّ [2] التاجر، المعروف بالكُرَاعيّ، ويقال إنّ اسمه أحمد. وكتب له محمد وأحمد من قرية زولاه، إحدى قرى مرْو.
شيخ صالح صائن، رحلَ إليه النّاس، وصارت زولاه مقصد الطّلبة والفُقهاء بسببه.
وكان آخر من روى عن جده لأمّه أبي غانم الكُرَاعيّ.
وكان قدّر مسموعاته قريبًا من عشرين جزءًا. سمعت منه. قاله أبو سعد السّمعانيّ [3] .
وقال: سمعت منه بقراءة السّنجيّ اثني عشر جزءًا. ثمّ أحضره شيخنا الخطيب أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن المَرْوَزِيّ في الخانقاه، وقرأ عليه الأجزاء المسموعة له، فسمعتها منه [4] .
وُلِد في العشرين من شوّال سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة. ومات في أواخر سنة أربعٍ وعشرين أو في أوائل سنة خمسٍ بقريته [5] .
قلت: هو في زمانه لأهل خراسان كفاطمة الْجُوزدَانيَّة لأهل أصبهان، وكابن الحُصَيْن لأهل بغداد، وكالرّازيّ لأهل مصر.
وقد حدَّث عنه بالشّام محمد بن محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن المروزيّ، وبقي إلى سنة ثمانين وخمسمائة.
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي بن محمود) في: التحبير 2/ 196، 197، والأنساب 6/ 345، ومعجم البلدان 2/ 959، والمعين في طبقات المحدّثين 153 رقم 1658.
[2] الزّولهي: بضم الزاي وفتح اللام. هذه النسبة إلى قرية بمرو على ثلاثة فراسخ يقال لها زولاه.
[3] في التحبير 2/ 197.
[4] المصدر نفسه.
[5] في الأنساب 6/ 326: ووفاته في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة.

(36/122)


65- منصور [1] .
أبو عليّ. الآمر بأحكام الله ابن المستعليّ باللَّه أبي القاسم أحمد بن المستنصر باللَّه أبي تميم مَعَدّ بن الظّاهر باللَّه عليّ بن الحاكم بن العزيز بن المُعِزّ العُبَيْديّ المصريّ، صاحب مصر.
كان رافضيًا كآبائه. فاسقًا، ظالمًا، جائرًا، مستهزئًا لعّابًا، متظاهرًا باللَّهْو والمُنْكَر، ذا كِبْرٍ وجَبَرُوت. وكان مدبّر سلطانه الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش.
ولي الأمر وهو صبيّ، فلمّا كبر قتل الأفضل وأقام في الوزارة المأمون أبا عبد الله محمد بن مختار بن فاتك البطائحيّ، فظلم وأساء السّيرة إلى أن قبض عليه الآمر سنة تسع عشرة وخمسمائة، وصادره ثمّ قتله في سنة اثنتين وعشرين وصَلَبه، وقتل معه خمسةً من إخوته.
وفى أيّام الآمر أخذت الفرنج عكّا سنة سبعٍ وتسعين وأربعمائة، وأخذوا طرابلس الشّام في سنة اثنتين وخمسمائة فقتلوا وسبوا، وجاءتها نجدة المصريّين بعد فوات المصلحة، وأخذوا عِرْفَة، وبانياس، وجُبَيْل.
وتسلموا سنة إحدى عشرة وخمسمائة قلعة تبنين، وتسلّموا صور سنة ثمان عشرة، وأخذوا بيروت بالسّيف في سنة ثلاث وخمسمائة، وأخذوا صيدا سنة أربع.
__________
[1] انظر عن (الآمر باللَّه) في: تاريخ حلب للعظيميّ (بتحقيق زعرور) 382 (وتحقيق سويم) 45، والكامل في التاريخ 10/ 664، 665، وذيل تاريخ دمشق 228، 229، والمنتظم 10/ 15 (17/ 257) ، و 10/ 16 رقم 17 (17/ 258 رقم 3959) ، وتاريخ مختصر الدول 203، ونزهة المقلتين لابن الطوير 5، 7، 8، 11، 17، 19، 20، 22، 24- 27، 33، 143، 206، والمغرب في حلى المغرب 84، 85، وأخبار مصر لابن ميسّر 2/ 72، والمختصر في أخبار البشر 3/ 4، وأخبار الدول المنقطعة 86- 94، والإعلام بوفيات الأعلام 215، والعبر 4/ 63، ودول الإسلام 2/ 46، ونهاية الأرب 28/ 294، وتاريخ ابن الوردي 2/ 35، والدرّة المضيّة 504، 505، والإعلام بوفيات الأعلام 215، وعيون التواريخ 12/ 207، ومرآة الجنان 3/ 241، والبداية والنهاية 12/ 200، 201، ومآثر الإنافة 2/ 27، وصبح الأعشى 3/ 431، والكواكب الدرّية 97، واتعاظ الحنفا 3/ 129، والنجوم الزاهرة 5/ 175 و 235، وتاريخ الخلفاء 435، وبدائع الزهور ج 1 ق 1/ 223، 224.

(36/123)


ثمّ قصد الملك بردويل الإفرنجيّ مصرَ ليأخذها ودخل الفَرَما، وحرق جامعها، والفَرَما قريبة من قطْيا من ناحية البحر، خربت وأحرق مساجدها، فأهلكه الله قبل أن يصل إلى العريش، فشقّ أصحابه بطنه وصبَّروه، ورموا حشوته هناك، فهي ترجم إلى اليوم بالسّبخة، ودفنوه بمقامة.
وكان هو الّذي أخذ بيت المقدس، وعكّا، وعدَّة حصونٍ من السّواحل.
وذلك كلّه بتخلُّف هذا المشئوم الطَّلْعة.
وفي أيّامه ظهر ابن تُومَرْت، وفي أيّام أبيه أخذت الفرنج أنطاكّية، والمَعَرَّة، والقدس. وجرى على الشّام أمرٌ مَهُول من ظهور الرَّفْض والسّبّ، ومن استيلاء الفرنج وَالسَّبْيِ والأسْر، نسأل الله العفو والأمن.
ووُلِد الآمر في أوّل سنة تسعين وأربعمائة، واستخلف وله خمسُ سِنين، وبقي في المُلْك تسعًا وعشرين سنة وتسعة أشهر، إلى أن خرج من القاهرة يومًا في ذي القعدة، وعدَى على الجسر إلى الجيزة، فكمن له قومٌ بالسّلاح، فلمّا عبر نزلوا عليه بأسيافهم، وكان في طائفةٍ يسيرة، فردّوه إلى القصر مُثْخَنًا بالجراح، فهلك من غير عقب، وهو العاشر من أولاد المهديّ عُبَيْد الله الخارج بسجلْمَاسَة، وبايعوا بالأمر ابن عمّه الحافظ أبا الميمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر باللَّه، فعاش إلى سنة أربعٍ وأربعين.
وكان الآمر رَبْعةً، شديد الأُدْمَةِ، جاحظَ العينين، حَسَن الخطّ، جيّد العقل والمعرفة. وقد ابتهج النّاس بقتله لعسَفه وسفْكه الدّماء، وكثرة مطاردته، واستحسانه الفواحش.
وعاش خمسًا وثلاثين سنة.
وبنى وزيره المأمون بالقاهرة الجامع الأقمر.
- حرف الهاء-
66- هبة اللَّه بْن القاسم بْن عطاء بن محمد [1] .
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن القاسم) في: التحبير 2/ 364، 365 رقم 1084، والمنتظم 10/ 19 رقم 21 (17/ 262 رقم 3964) ، والكامل في التاريخ 10/ 667، والعبر 4/ 33، ومرآة

(36/124)


أبو سعيد المِهْرانيّ [1] النَّيْسابوريّ.
قدِم بغداد، وسمع: أبا محمد الصَّرِيفِينيّ.
وكان قد سمع من عبد الغافر الفارسيّ «صحيح مسلم» .
وسمع من: أبي عثمان الصّابونيّ، وأبي سعد الكَنْجَرُوذيّ، وأبي نُعَيْم بسرويه بن محمد.
وولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
قال أبو سعد السّمعانيّ [2] : كان شيخًا أصيلًا نبيلًا، نظيفًا، من بيت العِلم والزُّهد والورع، حافظًا للقرآن، قانعًا بالكفاف. انزوى في آخر عمره، وترك النّاس، وأقبل على العبادة.
أجاز لي، وحدَّثني عنه جماعة، منهم: سعيد بن محمد الطُّيُوريّ، وأبو منصور عليّ بن محمد الغيد الطُّرَيْثيثي.
وتُوُفّي في العشرين من جُمَادَى الأولى بنَيْسابور، وعمره ثلاث وتسعون سنة.
قلت: وروى عنه: أبو بكر محمد بن عليّ بن ياسر الحيّانيّ.
- حرف الواو-
67- وَهْبُ الله ابن الحافظ الكبير أبي القاسم عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أحمد بن محمد بن حشكان بن حسين بن عبد الله بن الحَكَم بن الوليد بن عُقْبة بن عامر بن عبد المجيد بن الأمير عبد الله بن عامر بن كُرَيز بن ربيعة بن حبيب بن عَبْد شمس بن عبد مناف [3] .
__________
[ () ] الجنان 3/ 241، وعيون التواريخ 12/ 221، وشذرات الذهب 4/ 73.
[1] المهراني: بكسر الميم وسكون الهاء وفتح الراء، وفي آخرها النون بعد الألف وهذه النسبة إلى مهران. وهو اسم لجدّ المنتسب. (الأنساب 11/ 531) .
وقد تحرّفت النسبة في (الكامل في التاريخ) إلى: «المهرواني» .
[2] في التحبير 2/ 364.
[3] انظر عن (وهب الله) في: المنتخب من السياق 473 رقم 1610، والمختصر الأول (مخطوط) ورقة 94 أ.

(36/125)


العبْشَميّ، الكُرَيْزيّ، النَّيْسابوريّ، ابن الحذّاء.
سمع: أباه، وأحمد بن محمد بن مُكْرَم الصَّيْدلانيّ، وأبا يعلى بن الصّابونيّ.
مات في سابع شوّال عن أربعٍ وسبعين سنة.
كنيته أبو الفضل [1] .
__________
[1] قال عبد الغافر: من بيت الحديث والعلم والوعظ. أبوه أبو القاسم محدّث أصحاب أبي حنيفة في عصره المكثرين، الحافظ المصنّف. وهذا أصغر أولاده الذكور، سمّعه أبوه الكثير، انزوى في بعض الصوامع يقرأ عليه من أبيه وغيره وهو مقبل على العبادة. روى عن والده. ولد سنة 450 بنيسابور، وتوفي بها يوم الجمعة 7 شوال.

(36/126)


سنة خمس وعشرين وخمسمائة
- حرف الألف-
68- أحمد بن حامد بن مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن عليّ بْن محمود بْن هبة اللَّه بن آله [1] .
وآله هو العقاب بالعجميّ.
عزيز الدّين أبو نصر الأصبهانيّ المستوفيّ، عمّ العماد الكاتب.
كان رئيسًا نبيلًا، وكاتبا بليغا، كثير البرّ والصّلات.
روى الحديث عن: أبي مطيع محمد بن عبد الواحد المَدِينيّ.
روى عنه: سعد الله بن الدّجاجيّ، وغيره.
وقد ولي مناصب في الدّولة السّلجوقيّة، ومدحه الشّعراء.
وفيه يقول الحسن بن أحمد بن حكينا:
فميلوا [2] بنا نحو العراق رِكابَكُمْ ... لِنَكْتَال من مالِ العزيز بصاعِهِ
وكان في الآخر متولّي خزانة السّلطان محمود بن محمد السَّلْجُوقيّ، فتزوّج محمود ببنت عمّه سَنْجَر، فماتت عنده، فطالبه عمّه بما كان خرج معها، فجحده محمود، وخاف من العزيز أن يشهد عليه بما وصل صُحبتها لأنّه كان مطّلعًا على ذلك، فقبض عليه، وسَيَّره إلى قلعةِ تِكْريت، وكانت له، فحبسه بها. ثمّ قتله على يد متولّيها في أوائل سنة خمسٍ وعشرين، وله ثلاثٌ وخمسون سنة.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن حامد) في: المنتظم 10/ 28، ووفيات الأعيان 1/ 188- 190 رقم 78، ومعجم الألقاب ق 4/ ج 1/ 403.
[2] في وفيات الأعيان: «أميلوا» .

(36/127)


69- أحمد بن عليّ بن محمد [1] .
أبو السّعود بن المُجَلّيّ [2] البغداديّ البزّاز.
شيخ، صالح، صَبور على القراءة، ولم يكن يعرف شيئًا من الحديث.
وكان يعِظ ويذكّر بجامع المنصور [3] .
سمّعه أبوه هبة الله من: القاضي أبي يَعْلَى بن الفرّاء، وعبد الصّمد بن المأمون، وأبي جعفر ابن المسلمة، وابن المهتدي باللَّه، وأبي بكر الخطيب، وجماعة.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وابن الْجَوزيّ، وأبو الفتوح بن غَيْث، والحسن بن عبد الرحمن الفارسيّ، وأبو الفتح المندائيّ، وجماعة.
وُلِد سنة ثلاثٍ وخمسين وأربعمائة [4] ، وتُوُفّي في ثامن ربيع الأوّل رحمه الله.
- حرف الحاء-
70- حمّاد بن مسلم بن ددّوة [5] .
أبو عبد الله الدبّاس الرّحبيّ، رحبة مالك بن طوق.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن علي البزّاز) في: المنتظم 10/ 21 رقم 22 (17/ 265 رقم 3965) ، وخريدة القصر (قسم شعراء العراق) 4/ 33، وذيل تاريخ مدينة السلام لابن الدبيثي 1/ 94، والعبر 4/ 64، وعيون التواريخ 12/ 248.
[2] في المنتظم: «المحلى» .
[3] وقال ابن الجوزي: وكان سماعه صحيحا، وكان شيخا صالحا ذا هيبة وستر. سمعت منه الحديث ورأيته يذكّر بجامع المنصور في يوم عرفة. (المنتظم) .
[4] المنتظم.
[5] انظر عن (حمّاد بن مسلم) في: المنتظم 10/ 22، 23 رقم 25 (17/ 266 رقم 3968) ، والكامل في التاريخ 10/ 671، والمختصر في أخبار البشر 3/ 5، والإعلام بوفيات الأعلام 215، ودول الإسلام 2/ 47، والعبر 4/ 64، وسير أعلام النبلاء 19/ 594- 596 رقم 344، وتاريخ ابن الوردي 2/ 37، وعيون التواريخ 12/ 223، والبداية والنهاية 12/ 202، ومرآة الجنان 3/ 242، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 138، 139، والنجوم الزاهرة 5/ 246، شذرات الذهب 4/ 73، 74، منتخبات التواريخ لدمشق 471.

(36/128)


الزّاهد العارف، وُلِد بالرحْبَة، ونشأ ببغداد. وكان له كاركة للدبْس، يجلس في غرفتها. وكان من الأولياء أولي الكرامات.
صحِبَه خلْق، فأرشدهم إلى الله تعالى، وظهرت بركته عليهم، وكان يتكلم على الأحوال. وقد كتبوا من كلامه نحوا من مائة جزء. وكان أمّيّا لا يكتب.
قال عبد الرحمن بن محمد بن حمزة الشّاهد: رأيت في المنام كأنّ قائلًا يقول لي: حمّاد شيخ العارفين والأبدال.
وعن حمّاد قال: مات أبوايَ في يَوْمٍ واحد، ولي نحو ثلاثين سنة. وكانا من أهل الرحْبَة.
وقال أحمد بن صالح الجيليّ: سمع من أبي الفضل بن خَيْرُون، وكان يتكلَّم على آفات الأعمال في المعاملات، والرياضيات، والورع، والإخلاص.
وقد جاهد نفسه بأنواع المجاهدات، وزوال أكثر المِهَن والصّنائع في طلب الحلال. وكان كأنه مسلوب الاختيار، مكاشفًا بأكثر الأحوال.
ومن كلام الشَيخ حمّاد: إذا أحبّ الله عبدًا أكثر همّه فيما فَرَّط، وإذا أبغض عبدًا أكثر همّه فيما قَسَمه له ووعده به.
العلم مَحَجَّةٌ، فإذا طلبته [1] لغير الله صار حُجَّة.
وقال أبو سعد السّمعانيّ: سمعت أبا نصر عبد الواحد بن عبد الملك يقول: كان الشَيخ حمّاد يأكل من النَّذْر، ثمّ تركه لمّا بلغه قوله عليه السّلام «إنّه يستخرجه به من البخيل» [2] ، فكره أكْلَ مال البخيل. وصار يأكل بالمنام. كان الإنسان يرى في النّوم أنّ قائلًا يقول له: أعط حمّادًا كذا فيصبح ويحمل ذلك إلى الشَيخ.
__________
[1] في الأصل: «طالبته» .
[2] أخرجه البخاري (6693) ومسلم (1639) من حديث عبد الله بن عمر، في النذر، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن النذر، وقال: «إنه لا يأتي بخير» .
وأخرجه مسلم (1640) من حديث أبي هريرة، بلفظ: «لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل» .

(36/129)


وقال الشَيخ أبو النّجيب عبد القاهر: مرض الشَيخ حمّاد، فاحتاج إلى التَّنَشُّق بماء ورد، فحمل إليه أبو المظفر محمد بن عليّ الشّهْرُزُورِيّ الفَرَضيّ منه شيئًا، فلما وضع بين يديه قال: رُدّوه فإنه نجِس. فردّوه إلى أبي المُظَفَّر فقال:
صَدَق الشَيخ، كان قد وقع في طرفه نجاسة وتركته وحده لأريقه، فنسيت.
وقال المبارك بن كامل: مات الشَيخ العارف الورع الناطق بالحكمة حمّاد الدّبّاس في سنة خمس، ولم أرَ في زماني مثله صحِبْتُه سنين وسمعت كلامه. وكان مكاشَفًا يتكلَّم على الخواطر، مسلوب الاختيار، زِيّه زي الأغنياء، وتارة زَيّه زِيّ الفقراء متلوّن، كيف أُدير دار. وكان شيخ وقته، يشبه كلامه كلام الحصريّ. كانت المشايخ إذا جاءت إليه كالميت بين يدي الغاسل، لَا يتجاسر الشّخص أن يختلج.
وقال ابن الْجَوزي [1] قاتَلَه الله: كان حمّاد الدّبَاس على طريقة التّصوّف، يدّعي المعرفة والمكاشفة وعلوم الباطن، وكان عاريًا عن علم الشَّرْع، فلم ينفق إلّا على الْجُهّال.
وكان ابن عَقِيل ينفّر النّاس عنه، حتّى بلغه أنّه يعطي كلّ من يشكو الْحُمَّى لوزةً وزبيبة ليأكلها فيبرأ، فبعث إليه ابن عَقِيل: إنْ عُدْت إلى مثل هذا ضربتُ عُنقَك. فكان يقول: ابن عَقِيل عدوّي.
وصار النّاس يَنْذُرُون له النُّذُور. ثمّ تركه، وصار يأخذ بالمنامات، ويُنْفق على أصحابه ما يُفْتَح له، ومات في رمضان.
قلت: وقد نقم «ابن الأثير» [2] و «أبو المظفَّر بن قزغليّ» [3] في تاريخيهما على ابن الجوزيّ، حيث حطّ على الشَيخ حمّاد، فقال أبو المظفَّر: ولو لم يكن لحمّاد من الفضائل الّتي اتّصف بها في زهادته وطريقته، إلّا أنّ الشَيخ عبد القادر أحد تلامذته.
__________
[1] في المنتظم 10/ 22 (17/ 266) .
[2] في الكامل في التاريخ 10/ 671.
[3] في مرآة الزمان ج 8 ق 1/ 139.

(36/130)


- حرف الخاء-
71- خَلَف بن مُفَرِّج بن سعيد.
أبو القاسم بن الحبان الشّاطبيّ الكِنانيّ.
عاش تسعين سنة إلّا أشْهُرًا.
وروى عن: أبي الوليد الباجي، وأبي عبد الله بن سعدون، وطاهر بن مُفَوَّز.
وكان فقيهًا، مشاوَرًا، مدرّسًا.
روى عنه: أبو عبد الله بن مفاوز، وعبد الغنيّ بن مكّيّ، وأبو عبد الله المِكْناسيّ.
- حرف الزاي-
72- زُهر بْن عَبْد الملك بْن مُحَمَّد بْن مروان بن زهر [1] .
أبو العلاء الإياديّ الإشبيليّ الطّبيب.
رحل إلى قرطبة فأخذ عن: أبي عليّ الغسّانيّ، وعبد الله بن أيّوب، وأبي بكر بن مفوّز.
وأخذ الطَّبّ عن والده فمهَر فيه، وصنَّف فيه حتّى إنّ الأندلسيين ليفخرون به، وحلَّ من السّلطان محلًا عظيمًا. وكانت إليه رئاسة إشبيلية.
وكان بارعًا في الأدب، شاعرًا، محسنًا.
روى عنه: ابنه أبو مروان، وأبو بكر بن أبي مروان، وأبو عامر بن يبق، وغيرهم.
__________
[1] انظر عن (زهر بن عبد الملك) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 76، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة 2/ 64- 66، ووفيات الأعيان 4/ 436، والعبر 4/ 64، 65، وسير أعلام النبلاء 19/ 596 رقم 345، ومرآة الجنان 3/ 244، والوفيات لابن قنفذ 275، وعيون التواريخ 12/ 235، ونفح الطيب 3/ 432، وكشف الظنون 1265، وشذرات الذهب 2/ 74، 75، وإيضاح المكنون 1/ 154، ومعجم المؤلفين 4/ 185، 186، ودائرة المعارف الإسلامية 1/ 83، ومعجم المؤلفين 4/ 185، 186.

(36/131)


وكان محتشما جوادا، لكن فيه بذاءة لسان.
وله كتاب «الخواصّ» ، وكتاب «الأدوية المُفْرَدَة» ، وكتاب «الإيضاح في الطّب» ، وكتاب «حلّ سلوك الرّازيّ على الكتب» ، وكتاب «النّكت الطّبّيّة» ، وغير ذلك.
وكان أبوه أبو مروان من رءوس الأطبّاء، وكان جدّه محدَثًا، فقيهًا، مشهورًا.
وتُوُفّي بقُرْطُبة منكوبًا.
ومن شِعره:
يا راشقي بسهامٍ ما لها غَرَضُ ... إلّا الفؤاد وما منها لنا عوضُ
ومُمْرِضي بجُفُونٍ كلّها غَنَجٌ ... صحّت وفي طبعها التّحريض والمرض
جد لي ولو بخيالٍ منك يَطْرُقُني ... وقد يَسُدّ مَسَدَّ الجوهرِ الْعَرَضُ
- حرف العين-
73- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن نجا بن عليّ بن محمد بن شاتيل.
أبو محمد المراتبيّ الدّباس.
شيخ صحيح السّماع، أضرّ في آخر عمره.
وسمع: أبا محمد الجوهريّ، وأبا محمد الصَّرِيفِينيّ.
وعنه: أبو المُعَمَّر، وأبو القاسم الحافظ.
وكان لَا يعرف شيئًا. وهو والد أبي الفتح عُبَيْد الله.
تُوُفّي في نصف المحرَّم.
74- عبد الباقيّ بن الحسين بن إبراهيم.
أبو الحسين النّجّاد، كشلة.
بغداديّ لهُ دكّان بسوق الثُّلاثاء.
سمع: أبا جعفر ابن المسلمة، والصَّرِيفينيّ.
وقرأ القراءات على: أبي عليّ بن البنّاء.

(36/132)


قال ابن السّمعانيّ: حدَّثني عنه جماعة، وسمعت أنّه ما كانت له سيرة حسنة.
تُوُفّي في نصف المحرَّم أيضًا.
75- عبد الباقيّ بن عامر بن زيد [1] .
أبو المجد الأنصاريّ الهَرَويّ، سِبْط أبي إسماعيل، شيخ الإسلام.
واعظ حَسَن الإيراد، بارز العدالة، نبيل، عالم.
سمع: جدّه، ومحمد بن عبد العزيز الفارسيّ، وأبا عطاء الجوهري.
وأملى مجلسًا بجامع المنصور.
وتُوُفّي في رجب [2] .
76- عليّ بن طاهر البغداديّ [3] .
المغازليّ.
قال المبارك بن كامل: هو عمّ والدتي. عاش مائة وعشرين سنة. ورأى:
أبا الحسن القَزْوينيّ.
وسمع قليلًا.
77- عيسى بْن حزْم بْن عَبْد اللَّه بْن اليَسَع [4] .
أبو الأصبَغ الغافقيّ، نزيل المَرِيَّة.
أخذ القراءات عن: أبيه.
وروى عن: أبى داود، وابن الدّوش، وجماعة.
__________
[1] انظر عن (عبد الباقي بن عمر) في: التحبير 1/ 419، 420 رقم 378، ومعجم شيوخ ابن السمعاني، ورقة 146 أ، والمنتخب من السياق 363، 364 رقم 1199.
[2] وقال عبد الغافر الفارسيّ: معروف مشهور من وجوه أهل التذكير والوعظ، حسن الإيراد على طريقتهم، كان آباؤه من الأئمة ووجوه المزكّين والعدول بهراة، وكان إليهم الرجوع في الجرح والتعديل والنوائب في الأمور الدينية، ومن جهة الأنصارية إعلام لأئمة بهراة على ما لا يخفى حالهم، وقد استنابه جدّه الإمام عبد الله في مجالس تذكيره، فناب عنه مدّة، وبقي على ذلك سنين، وتلك النوبة مرسومة رسمة لا ينازع فيها ولا يدافع عنها، لوقع كلامه في القلوب ومحلّه في الصدور.
وقد خرج إلى الحج وعبر نيسابور وعاد إلى وطنه موفور الجاه والحشمة، مرعيّ الحرمة.
[3] لم أجد مصدر ترجمته.
[4] انظر عن (عيسى بن حزم) في: غاية النهاية 1/ 608 رقم 2486.

(36/133)


وتصدّر للإقراء. وكان محمودًا، محققًا، صالحًا. ولي خطَّة الشُّورى والخَطابة بالمَرِيَّة.
وحدَّث عن: ابن الطّلّاع، وأبي عليّ الغسّانيّ.
أخذ عنه: أبو القاسم بن حُبَيْش، وأبو العبّاس البَرَاذِعيّ، وأبو عبد الله بن عبّاد الحِنّائيّ.
ولا يعلم وفاته، لكنه حدَّث في هذا العام. وأكثر عنه ولده أبو يحيى اليَسَع صاحب المغرب.
- حرف الميم-
78- مالك بن يحيى بن أحمد بن عامر [1] .
أبو عبد الله الإشبيليّ، أحد رجال الكمال والارتسام بمعرفة العلوم على تفارقها.
سمع من: أحمد بن محمد الخَوْلانيّ، وغيره.
ومات رحمه الله تعالى بمَرّاكُش عن اثنتين وسبعين سنة.
ورّخه ابن بَشْكُوال.
79- محمد بن أحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن أَحْمَد [2] .
أَبُو عَبْد اللَّه الرّازيّ، ثمّ المصريّ. المعدّل الشّاهد، ويُعرف بابن الخطّاب. مُسْنِد الدّيار المصرية وشيخ الإسكندريَّة.
وُلِد سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، وعُني به أبوه وأسمعه الكثير في سنة أربعين.
__________
[1] انظر عن (مالك بن يحيى) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 621 رقم 1365 وفيه: «مالك بن يحيى بن هيب بن أحمد بن عامر» .
[2] انظر عن (محمد بن أحمد) في: العبر 4/ 65، ودول الإسلام 2/ 47، والمعين في طبقات المحدّثين 154 رقم 1667، وسير أعلام النبلاء 19- 583- 585 رقم 333، والإعلام بوفيات الأعلام 215، وعيون التواريخ 12/ 248، والنجوم الزاهرة 5/ 247، وحسن المحاضرة 1/ 375، وشذرات الذهب 4/ 75.

(36/134)


سمع: أباه، وأبا الحسن بن حِمّصة الحَرّانيّ، وعلي بن ربيعة، ومحمد بن الحسين الطفال، وعلي بن محمد الفارسيّ، وأحمد بن محمد بن الفتح الحكيميّ، وأبا الفضل أحمد بن محمد السَّعْديّ، وأحمد بن عليّ بن هاشم تاج الأئمة، وأبا الفتح أحمد بن بابشاذ والد طاهر، وعبد الملك بن مسكين، ومحمد بن الحسين بن سعدون المَوْصِليّ، ومحمد بن الحسين بن التَّرْجُمان، وتتمة سبعة وأربعين شيخًا، تخرّج عنهم في مشيخته، وتفرّد بالرّواية عن كثيرٍ منهم، فانقطع إسنادٌ عالٍ بموته، رحمه الله.
روى عنه: أبو طاهر السَّلَفيّ، ويحيى بن سعدون القُرْطُبيّ، وأبو محمد العثمانيّ، وعبد الواحد بن عسكر المخزوميّ، وأبو القاسم عليّ بن مهديّ الفقيه ابن قليتا، وأبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحضْرميّ، وبدر الحذّاء داوبي، وأبو طالب أحمد بن المسلم التّنوخيّ، والفقيه أبو الطاهر إسماعيل بن عوف، وإسماعيل بن صالح بن ياسين، وخلْق آخرهم موتًا عبد الرحمن بن موقا.
وتُوُفّي في سادس جُمَادى الأولى، وله إحدى وتسعون سنة. ولو عاش أصحابه بعده كما عاش هو بعد شيوخه لتأخّروا إلى سنة عشر وستّمائة. والسّماع قسميَّة.
80- محمد بن الحَسَن بن عليّ بن الحسن [1] .
الشّيخ أبو غالب الماورديّ الصّادق.
ولد بالبصرة سنة خمسين وأربعمائة [2] .
وسمع: أبا عليّ التُّسْتَرِيّ، وعبد الملك بن شُعْبة، وجماعة بالبصرة.
وأبا الحسين بن النَّقُّور، وعبد العزيز الأنْماطيّ، وعبد الله بن الحسن الخلّال ببغداد.
وأبا عمر بن مَنْدَهْ، ومحمود بن جعفر الكوسج، والبرانيّ بأصبهان.
__________
[1] انظر عن (محمد بن الحسن) في: مشيخة ابن عساكر 1/ 182 والمنتظم 10/ 23 رقم 28 (17/ 267 رقم (397) ، والكامل في التاريخ 10/ 671، واللباب 3/ 156، 157، والتقييد لابن نقطة 60، 61 رقم 42، والعبر 4/ 65، 66، والإعلام بوفيات الأعلام 215، وسير أعلام النبلاء 19/ 589 رقم 338، وعيون التواريخ 12/ 249، وشذرات الذهب 4/ 75.
[2] المنتظم.

(36/135)


ومحمد بن أحمد بن علّان أبا الفرج، وأبا الحسن محمد بن الحسن بن المنوّر الْجُهنَيّ بالكوفة.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، وأبو أحمد بن سُكَيْنَة، وابن بُوش، وجماعة.
قال ابن الجوزيّ [1] : كتب بخطّه الكثير، وكان يورّق للنّاس. وكان صالحا.
توفّي في رمضان ببغداد.
قال: ورئي في المنام فقال: غفر الله لي ببركات الحديث، وأعطاني جميع ما أَمَّلْتُه.
81- محمد بن داود بن عطيَّة.
أبو عبد الله العكّيّ القلْعيّ القيروانيّ الأصل.
روى بالأندلس عن: عبد الجليل الرَّبَعيّ، وأكثر عن أبي عليّ الغسّانيّ.
واستقضى بتِلِمْسَان وبعدها بإشبيلية، ثمّ بفاس.
وكان من جِلَّة العلماء. وقد حدَّث.
تُوُفّي في عاشر ذي القعدة في عَشْر الثّمانين.
82- محمد بن عمر بن عبد العزيز [2] .
أبو بكر البخاريّ الحنفيّ المقرئ المعروف بكاك. إمام أصحاب أبي حنيفة بمكَّة.
كان فقيهًا، صالحًا، محدثًا [3] .
سمع: عبد الباقيّ بن يوسف المراغيّ، وأبا بكر أحمد بن سهل السّرّاج، وجماعة.
__________
[1] في المنتظم.
[2] انظر عن (محمد بن عمر) في: المنتظم 10/ 24 رقم 30 (17/ 268 رقم 3973) ، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 139.
[3] وقال ابن الجوزي: «سافر البلاد فسمع بنيسابور، وبخارا، وسمرقند، وهمذان، وبغداد، وأقام بها مدّة، ثم عاد إلى ما وراء النهر، وسكن سمرقند، ثم عاد إلى الحجاز، وحدّث بالحرمين وغيرهما» .

(36/136)


وعنه: أبو القاسم بن عساكر، ومحمود بن محمد بن بابشاذ، وغيرهما.
وعاش أربعًا وسبْعين سنة.
- حرف الهاء-
83- هبة الله بن محمود بن عبد الواحد بن حمد بن العبّاس بن الحُصَيْن [1] .
أبو القاسم الشَّيْبانيّ الهَمَذَانيّ، ثمّ البغداديّ، الكاتب.
مسنِد العراق. وُلِد في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة [2] في رابع ربيع الأوّل.
وسمع: أبا طالب بن غيلان، وأبا علي بن المذهب، وأبا محمد بن المقتدر، وأبا القاسم التَّنُوخيّ، والقاضيّ أبا الطَّيِّب الطَّبَريّ.
قال ابن السّمعانيّ: شيخ ثقة، ديّن، صحيح السّماع، واسع الرواية، عُمّر حتّى صار اسْنَد [3] أهل عصره. ورحلَ إليه الطّلبة، وازدحموا عنده.
حدث «بمُسْنَد أحمد» وأحاديث أبي بكر الشّافعيّ، واليَشْكُريّات. وهو آخر من حدَّث بهذه الكُتُب.
وحدَّثني عنه: أبو بكر بن أبي القاسم الصّفّار، وأبو عبد الله حامد المَدِينيّ الحافظ، وأبو أحمد مُعَمَّر بن الفاخر، وأبو الخير عبد الرحيم الأصبهانيّ، والحافظ أبو القاسم الشّافعيّ، وجماعة كثيرة.
وكانوا يصِفُونه بالسّداد والأمانة والخيريّة.
__________
[1] انظر عن (هبة الله بن محمد) في: المنتظم 10/ 24 رقم 32 (17/ 268 رقم 3975) ، ومشيخة ابن الجوزي 53، ومشيخة ابن عساكر 237 ب، والكامل في التاريخ 10/ 671، ودول الإسلام 2/ 47، والإعلام بوفيات الأعلام 215، والمعين في طبقات المحدّثين 154 رقم 1669، وسير أعلام النبلاء 19/ 536- 539 رقم 317، والعبر 4/ 66، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد 251، وعيون التواريخ 12/ 223، ومرآة الجنان 3/ 245، والبداية والنهاية 12/ 203، والنجوم الزاهرة 5/ 247، وشذرات الذهب 4/ 77.
[2] المنتظم.
[3] وفي المنتظم: «حتى صار سيد» .

(36/137)


وقال ابن الجوزيّ [1] : بكّر به أبوه وبأخيه عبد الواحد فأسمعهما، وعُمّر حتّى صار اسْنَد [2] أهل عصره. وكان ثقة صحيح السَّماع. سمعت منه «المسند» جميعه، و «الغيلانيّات» جميعها [3] ، وغير ذلك. وأملى عدَّة مجالس باستملاء شيخنا ابن ناصر.
قلت: هي أربعون مجلسًا.
قال: وتُوُفّي في رابع عشر شوّال، وصلّى عليه ابن ناصر بوصيَّةٍ منه.
تُوُفّي بعد الظُّهر يوم الأربعاء، وتُرِك إلى يوم الجمعة، يعني حتّى دُفِن.
قال الحسين بن خسْرُو: دُفِن يوم الجمعة بباب حرْب في اليوم الثالث من وفاته.
قلت: حدَّث عنه: الحافظ أبو العلاء الهَمَذَانيّ، والحافظ أبو موسى المَدِينيّ، والإمام أبو الفتح بن الْمُنَى، وقاضي القُضاة أبو الحسن عليّ بن أحمد بن الدّامغَانيّ، وقاضي الشّام أبو سعد بن أبي عصْرون، وأبو منصور عبد الله بن محمد بن حمدِيّه، وأخوه أبو طاهر إبراهيم، وأبو محمد بن شَدقيني، وعبد الرحمن بن سعود القصْريّ، والعلّامة مجير الدّين أبو القاسم محمود بن المبارك الواسطيّ، ويحيى بن ياقوت النّجّار، وعبد الخالق بن هبة الله البُنْدار، والقاضي عُبَيْد الله بن محمد السّاويّ، وعلي بن المبارك بن جابر العدل، وعبد الرحمن بن أبي الكرم بن ملّاح الشّط، وعبد الله بن أبي بكر بن الطَّويلة، وعلي بن عمر الحربيّ الواعظ، وعبد الله بن أبي المجد الحربيّ، وهبة الله بن أبي المجد الحربيّ، وهبة الله بن الحَسَن السِّبْط، وعليّ بن محمد بن عليّ الأنباريّ، وعبد الله بن نصر بن مزروع التّلّاحيّ، وعبد الرحمن بن أحمد العُمريّ، والحسن بن إبراهيم بن أُشْنَانَة، وعبد الله بن محمد بن عُليان الحربيّ، ولا حق بن قَنْدَرَة [4] ، روى «المُسْند» سنة ستّمائة، وفاطمة بنت سعد الخير، وأبو
__________
[1] في المنتظم.
[2] في المنتظم: «سيد» .
[3] زاد في المنتظم: «وأجزاء المزكي، وهو آخر من حدّث بذاك، وسمعت منه غير ذلك بقراءة شيخنا ابن ناصر وكنت ممن كتبها عنه وتوفي بين الظهر والعصر» .
[4] قندرة: بفتح الدال والراء. (تبصير المنتبه 3/ 1140) .

(36/138)


القاسم بن شدّقينيّ، وعمر بن جُرَيرة القطّان، والمبارك بن إبراهيم بن مختار بن السّبتي.
وبقي بعد السّتّمائة من أصحابه: عَبْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أيّوب البَقَليّ: تُوُفّي سنة إحدى.
وحنبل المكبّر: تُوُفّي في أوّل سنة أربع، وأبو الفتح محمد بن أحمد المنْدائيّ، وهو آخر من حدَّث بالمُسْنَد كاملًا: تُوُفّي في شعبان سنة خمسٍ، ودُفِن بداره بواسط.
والحسين بن أبي نصر بن القارص الحريميّ، وتُوُفّي في شعبان أيضًا.
وعبد الوهّاب بن سُكَيْنة، وتُوُفّي سنة سبْعٍ في ربيع الآخر.
وعمر بن طَبَرْزَد، وفيها تُوُفّي في رجب، وهو آخر أصحابه.
وتُوُفّي أبوه محمد بن عبد الواحد الكاتب سنة تسعٍ وستّين.

(36/139)


سنة ست وعشرين وخمسمائة
- حرف الألف-
84- أحمد ابن الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجماليّ [1] .
الأرمنيّ، ثمّ المصريّ، صاحب مصر وسلطانها، الملك الأكمل أبو عليّ، ابن صاحبها ووزيرها.
ولمّا قُتِلَ أبوه في سنة خمس عشرة وخمسمائة، وأخذ الآمر بأحكام الله جميع أمواله سجَن هذا مدَّة، فلمّا مات الآمر أشغلوا الوقت بعده بابن عمه الحافظ عبد المجيد إلى أن يولد حَمل للآمر، فجاء بنتًا. وأخرجوا من السّجن أبا عليّ عند موت الآمر، وجعلوا الأمور إليه.
وكان شَهْمًا شجاعًا مَهِيبًا، عالي الهِمَّة كأبيه وجدّه، فاستولى على الدّيار المصرية، وحفظ على الآمر [2] ، ومنعه من الظهور، وأودعه في خزانة، فلا يدخل إليه أحد إلّا بأمر الأكمل. وعمد إلى القصر فأخذ جميع ما فيه إلى داره كما فعل الآمر بأبيه جزاءً وِفاقًا، وأهمل الخلفاء العُبَيْديين والدعاء لهم، لأنّه كان فيه تسنُّن كأبيه. وأظهر التّمسّك بالإمام المنتظر، فجعل الدّعاء في الخطبة له، وأبطل من
__________
[1] انظر عن (أحمد بن الأفضل) في: أخبار مصر لابن ميسّر 2/ 75، والإشارة إلى من نال الوزارة لابن الصيرفي 58، ونزهة المقلتين لابن الطوير 28- 30، 34، 36، ووفيات الأعيان 2/ 451 و 3/ 235- 237، والكامل في التاريخ 10/ 672، 673 وأخبار الدول المنقطعة 94، 95، 98، 100، والمختصر في أخبار البشر 3/ 5، 6، والإعلام بوفيات الأعلام 215، والعبر 4/ 67، وتاريخ ابن الوردي 2/ 37، والدرّة المضيّة 506- 508، 510، 511، وعيون التواريخ 12/ 251، ومرآة الجنان 3/ 250، 251، ومرآة الجنان 3/ 250، 251، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 146، 147 (في المتوفين 527 هـ) ، والمقفى الكبير 1/ 394- 498 رقم 448، والمواعظ والاعتبار 2/ 591.
[2] كذا في الأصل مع أنه ذكر قبل قليل أن أبا علي أخرج من السجن عند موت الآمر؟!

(36/140)


الأذان «حيِّ على خير العمل» ، وغيرَّ قواعد الباطنيَّة، فأبغضه الأمراء والدُّعاة.
وأمر الخُطباء بأن يخطبوا له بهذه الألقاب الّتي نصَّ لهم عليها، وهي:
السيّد الأفضل الأجل، سيد ممالك [1] أرباب الدُّول، المحامي عن حَوْزة الدّين، ناشر جَناح العدْل على المسلمين [2] ، ناصر إمام الحقّ في غيبته [3] وحضوره والقائم بنُصْرته بماضي سيفه وصائب رأيه وتدبيره، أمين الله على عباده، وهادي القُضاة إلى اتباع شرع الحقّ واعتماده، ومرشد دُعاة المؤمنين بواضح بيانه وإرشاده، مولى النِّعَم، ورافع الجور عن الأمم، ومالك فضيلتي السيف والقلم، أبو علي [4] ابن السيد الأجل الأفضل، شاهنشاه أمير الجيوش» .
فكرهوه وصمموا على قتله، فخرج في العشرين من المحرم للعب بالكرة فكمن له جماعة، وحمل عليه مملوك إفرنجي للحافظ، فطعنه فقتله، وقطعوا رأسه، وأخرجوا الحافظ وبايعوه.
ونهب دار أبي علي، وركب الحافظ إلى الدار فاستولى على خزائنه، واستوزر مملوكه أبا الفتح يانس الحافظي، ولقبه أمير الجيوش، فظهر شيطانا ماكرا بعيد الغور، حتى خاف منه الحافظ، فتحيل عليه بكل ممكن، وعجز حتى واطأ فراشه بأن جعل له في الطّهارة ماءً مسمومًا، فاستنجي به، فعمل على سِفْله ودوَّد، فكان يعالج بأن يلصق عليه اللّحمَ الطَّرِيّ، فيتعلق به الدّود، فترجّح للعافية، وأتاه الحافظ عائدًا، فقام له، وجلس الحافظ عنده لحظةً وانصرف، فمات من ليلته في السّادس والعشرين من ذي الحجَّة من السّنة، وكانت وزارته إحدى عشر شهرًا.
واستوزر الحافظ ولده وليَّ عصره الحَسَن الّذي قُتِلَ سنة تسعٍ وعشرين [5] .
85- أَحْمَد بن عُبَيْد اللَّهِ بْنِ مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن محمد بن أحمد [6] .
__________
[1] في الكامل 10/ 672: «سيد مماليك» .
[2] زاد في الكامل: «الأقربين والأبعدين» .
[3] في الكامل: «في حالتي غيبته» .
[4] في الكامل: «أبو علي أحمد» .
[5] الكامل في التاريخ 10/ 673.
[6] انظر عن (أحمد بن عبيد الله) في: المنتظم 10/ 28 رقم 34 (17/ 273 رقم 3977) وفيه:

(36/141)


أبو العزّ [1] بن كادش، السُّلَمي البغداديّ العُكْبَرِيّ.
سمع: أقضى القُضاة أبا الحسن الماوَرْديّ، وهو آخر من حدَّث عنه، وأبا الطَّيَّب الطَّبَريّ، وابن الفتح العُشَاريّ، وأبا محمد الجوهريّ، وأبا عليّ الجازريّ.
روى الكثير، وأثنى عليه جماعة.
قال ابن الجوزيّ [2] : كان مُكْثِرًا ويفهم الحديث [3] .
وقال ابن السّمعانيّ: شيخ مُسْنِد سمع بنفسه، وكان يفهم، وأجاز لي، ونبا عنه جماعة.
ونبا ابن ناصر أنّه سمع إبراهيم بن سليمان يقول: سمعتُ أبا العزّ بن كادش يقول: أنا وضعت حديثًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ ابن ناصر سيّئ الرأي فيه [4] .
وقال لي عبد الوهّاب الأنماطيّ: كان مخلِّطًا.
وأما أبو القاسم بن عساكر وأبو محمد بن الخشّاب فأثنيا عليه.
وروى عنه: ابن عساكر، ويحيى بن بوش، وهبة الله بن الحسن السِّبط، وأبو موسى المَدِينيّ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أيّوب الحربيّ، وإبراهيم بن بركة البيّع، وآخرون.
__________
[ () ] «أَحْمَد بن عُبَيْد اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَد بْن حمدان بن عمر بن عيسى بن إبراهيم بن سعد بن عتبة بن فرقد السُّلَمِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، ومشيخة ابن عساكر (مخطوط) 8 ب، والكامل في التاريخ 10/ 683، والإعلام بوفيات الأعلام 215، والمعين في طبقات المحدّثين 154 رقم 1670، وسير أعلام النبلاء 19/ 558- 560 رقم 324، والعبر 4/ 68، وميزان الاعتدال 1/ 118، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 87، 210، ومرآة الجنان 3/ 251، وفيه:
«محمد بن عبيد الله» ، والبداية والنهاية 12/ 204، وعيون التواريخ 12/ 251، ولسان الميزان 1/ 218، والنجوم الزاهرة 5/ 250، وشذرات الذهب 4/ 78.
[1] تحرّفت في مرآة الجنان إلى «المعز» .
[2] في المنتظم.
[3] زاد ابن الجوزي: «وأجاز لي جميع مسموعاته» قد أثنى عليه جماعة منهم أبو محمد بن الخشاب» .
[4] المنتظم.

(36/142)


وتُوُفّي في جُمَادَى الأولى، وله تسعون سنة أو جازها.
قال ابن النّجّار: كان مخلّطًا كذّابًا لَا يُحْتَجّ به. قرأت بخطّ عمر بن عليّ القُرَشيّ القاضي: سمعت أبا القاسم عليّ بن الحسن الحافظ يقول: قال لي أبو العزّ بن كادش: وضع فلان حديثًا في حقّ عليّ، فوضعت أنا حديثًا في حقّ أبي بكر، باللَّه أليس فعلت جيّدًا [1] ؟
قال ابن النّجّار: رأيت لأبي العزّ كتابًا سمّاه «الانتصار لدم القِحاب» على نظم جماعةٍ من الشُّعراء يقول فيه: أنشدَتْني فُلانة المغنّية، وأنشدتني ستّوت المغنية بأُوَانا. وخطُّه رديء إلى الغاية في التّعقُّد والتّسلسل.
قيل: مولده سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة.
86- أحمد بن عمر بن خَلَف [2] .
أبو جعفر بن قِبْلَيْل [3] الهَمْدانيّ، الغَرْناطيّ، الفقيه.
روى عن: أبي عليّ الغسّانيّ، وأبي عبد الله الطلاعي، وأصبغ بن محمد.
حدَّث عَنْهُ: أبو عبد الله بْن عبد الرحيم، وأبو خالد بن رفاعة، وأبو جعفر بن البادش، وأبو القاسم بن بَشْكُوال.
قال ابن الأبّار [4] : دارت عليه الْفُتْيَا ببلده. وكان من جِلَّة الفقهاء المشاوَرين.
توفّي في ذي القعدة.
__________
[1] انظر: المنتظم.
[2] انظر عن (أحمد بن عمر) في: بغية الملتمس للضبيّ 184، وتكملة الصلة لابن الأبّار 1/ 135، وسير أعلام النبلاء 19/ 609، رقم 356، والديباج المذهب 1/ 220.
[3] قبليل: بكسر القاف وسكون الباء الموحّدة وفتح اللام وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين.
وفي (بغية الملتمس) : «قبلال» .
[4] في تكملة الصلة.

(36/143)


- حرف الجيم-
87- جهور بن إبراهيم بن محمد بن خَلَف [1] .
أبو الحزْم التُّجَيْبيّ الأندلسيّ.
حجّ وسمع «صحيح مسلم» من أبي عبد الله الطَّبَريّ.
قال ابن بَشْكُوال: بإشبيلية لقيته وأجاز لي. وكان رجلًا فاضلًا، منقبضًا، مُقبلًا على ما يعنيه تولّى الصّلاة بموضعه، يعني بقرية مورور.
- حرف الحاء-
88- الحسين بن محمد بن خسْرُو.
أبو عبد الله البلْخيّ، ثمّ البغداديّ. السَّمسار، مفيد أهل بغداد ومحدث وقته.
سمع من: أبي الحسين الأنباريّ، والبانياسيّ، وعبد الواحد بن فهد العّلاف، وأبي عبد الله الحُمَيْديّ، وطبقتهم، وخلقٍ بعدهم.
وسمع بإفادته جماعة كثيرة.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، وجماعة.
قال السّمعانيّ: سألت أبا القاسم الحافظ فقال: ما كان يعرف شيئًا.
وسألت ابن ناصر عنه فقال: كان يذهب إلى الاعتزال. وكان حاطبَ لَيْلٍ، يسمع من كلّ أحد.
ومات ابن خسْرُو في شوّال، رحمه اللَّه.
- حرف العين-
89- عبد الله بْن أبي جعفر محمد بن عبد الله بن أحمد [2] .
__________
[1] انظر عن (جهور بن إبراهيم) في: الصلة لابن بشكوال 1/ 131، 132 رقم 301.
[2] انظر عن (عبد الله بن أبي جعفر) في: الصلة لابن بشكوال 1/ 494، 495 رقم 647، والعبر 4/ 69، ومرآة الجنان 3/ 251، وعيون التواريخ 12/ 252، وشذرات الذهب 4/ 78.

(36/144)


العلّامة أبو محمد الخُشْنِيّ المُرْسِيّ [1] ، الفقيه.
أخذ بقُرْطُبة عن: أبي جعفر أحمد بن رزق الفقيه.
وتخرَّج به أبو محمد بن أبي جعفر.
وسمع من حاتم بن محمد كتاب «الملخّص» بسماعه من القابسيّ.
وحجّ فسمع «صحيح مسلم» من الحسين بن عليّ الطَّبَريّ.
وقال القاضي عياض: سمع من: أبي عمر بن عبد البرّ، وأبي العبّاس العذريّ، وابن مسرور، والطُّلَيْطُليّ.
وقال ابن بَشْكُوال [2] : روى عن: أبي الوليد الباجيّ، ومحمد بن سعدون القرويّ.
وكان حافظا للفقه على مذهب مالك، مقدما فيه على جميع أهل وقته، بصيرا بالفتوى، مقدما في الشورى، عارفا بالتفسير، ذاكرا له. يؤخذ عنه الحديث، ويتكلم على بعض معانيه. انتفع به الطلبة. وكان رفيعا في أهل بلده، معظما فيهم، كثير الصدقة والذكر للَّه تعالى.
كتب إلينا بإجازة مروياته.
قال محمد بن حمادة الفقيه: كان غالبًا عليه الفقه. دخلتُ عليه بمُرْسِيَة سنة إحدى وعشرين وهو ينام، والقارئ يقرأ عليه، ولُعابه يسيح عن فمه، فسألني عن سبتة وأهلها. ثمّ رفعت مسالةً فيمن خرج باغيًا أو عاديًا، فاضطرّ إلى الميتة، فقلت: مشهورُ مذهب مالك أنّه لَا يباح له أكْلُها. وقال عبد الله بن حبيب: له أكلها.
فقال: ليس هو ابن حبيب إنما هو ابن الماجِشُون. ثمّ قال لصبيّ: قُم إلى الخزانة، وأخْرِج السِّفْر الفُلانيّ، ثمّ اقلب منه كذا وكذا ورقة.
قال: فإذا بالمسألة كما ذكر. فتعجّبت من حِفْظه وهو على تلك الحال.
وأجاز لي كتاب «الموطّأ» .
__________
[1] تحرّفت في (عيون التواريخ) إلى: «الموسى» .
[2] في الصلة 1/ 494، 495.

(36/145)


وحجّ فسمع منه بسبْتَه قاضينا أبو عبد الله بن عيسى التّميميّ، وجماعة.
وطالَ عُمره، ورحلَ النَّاس إِلَيْهِ من الْأقطار.
وقد سمع «صحيح مسلم» من أبيه أبي بكر، ومات أبوه في سنة أربع وتسعين وأربعمائة، بسماعه من أبي حفص عمر الهوزنيّ المذبوح في سنة ستّين وأربعمائة، بسماعه من عبد الله بن سعيد السّبتجاليّ، عن أبي سعد عمر بن محمد السّجْزي، عن الْجُلُوديّ نازلًا.
قال ابن بَشْكُوال [1] : وُلد بمرسية سنة سبع وأربعين وأربعمائة وتُوُفّي في ثالث رمضان. يُعرف بابن أبي جعفر.
90- عَبْد اللَّه بْن مُوسَى بْن عَبْد اللَّه [2] .
أبو محمد القُرْطُبيّ.
روى عن: حازم بن محمد، ومحمد بْن فَرَج، وأبي عليّ الغسّانيّ، وأبي الْحَسَن العبسيّ المقرئ.
وحدَّث.
قال ابن بَشْكُوال: عُنِي بالحديث عناية كاملة، وكان متفننًا في عدَّة علوم مع الحِفْظ والإتقان.
وتُوُفّي في صفر.
91- عبد الرحمن ابن الفقيه محمد ابن الفقيه عبد الرحمن ابن الفقيه عبد الرحيم ابن الفقيه أحمد بن العجوز.
الفقيه أبو القاسم الكُتَاميّ السّبتيّ، قاضي الجزيرة الخضراء، ثمّ قاضي سلا.
كان أحد الأعلام.
قال القاضي عِياض: حضرت مجلسه في تدريس «المدوَّنة» ، فما رأيت أحدًا أحسن منه احتجاجًا، ولا أَبْيَن منه تعليلًا. وكان له سمت وهمّة.
__________
[1] في الصلة 1/ 495.
[2] انظر عن (عبد الله بن موسى) في: الصلة لابن بشكوال 1/ 294 رقم 646.

(36/146)


تُوُفّي بفاس. نبا عن أبيه، عن جدّه.
92- عبد الكريم بن حمزة بن الخضر بن العبّاس [1] .
أبو محمد السُّلميّ الدّمشقيّ الحدّاد.
سمع: أبا القاسم الحِنّائيّ، وأبا بكر الخطيب، ومحمد بن مكّيّ الأزديّ المصريّ، وعبد الدّائم بن الحسن، وعبد العزيز الكتّانيّ، وأبا الحسن بن أبي الحديد، وعُبَيْد الله بن عبد الله الدّارانيّ، وجماعة.
وأجاز له: أبو جعفر ابن المسلمة، وأبو الحسن بن مَخْلَد الواسطيّ.
روى عَنْهُ: أبو القاسم بْن عساكر وقال [2] : كان ثقة مستورًا سهلًا، قرأتُ عليه الكثير، وتُوُفّي في ذي القعدة، وأبو طاهر السِّلَفيّ، وعبد الرحمن بن عليّ الخِرَقيّ، وإسماعيل الخبرويّ، وبركات الخُشُوعيّ، وأبو القاسم بن الحَرَسْتانيّ، وآخرون.
وكان من أسند شيوخ الشّام في عصره.
93- عليّ بن الحسين بن محمد بن مهديّ [3] .
الأستاذ أبو الحسن البصْريّ، الصُّوفيّ، العارف.
دار في الشام، ومصر، والجزيرة، وأذَرْبَيْجان، ولقي العُبّاد. وكانت له مقامات، وأحوال، وكرامات. وسكن بغداد في الآخر.
سمع: أبا الحسن الخِلَقيّ، والمُثَنَّى بن إسحاق القُرَشيّ الأَذَرْبَيْجانيّ.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر [4] .
__________
[1] انظر عن (عبد الكريم بن حمزة) في: التقييد لابن نقطة 366، 367 رقم 469، ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور 15/ 176 رقم 170، والعبر 4/ 69، والمعين في طبقات المحدّثين 154 رقم 1671، والإعلام بوفيات الأعلام 216، وسير أعلام النبلاء 19/ 600 رقم 349، وعيون التواريخ 12/ 252، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 143، 144، والنجوم الزاهرة 5/ 249، وشذرات الذهب 4/ 78.
[2] في مختصر تاريخ دمشق 15/ 176.
[3] انظر عن (علي بن الحسين) في: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 17/ 258، 259 رقم 137.
[4] وهو قال: دخلت على أبي الحسن البصري ببغداد مع أبي المعمر الأنصاري، وكان متمرّضا،.

(36/147)


ويُروى أنّه حضرت عنده امرأة فقالت: يا سيّدي، ضاع كتابي الّذي شهدت فيه، وأريد أن تشهد.
قال: ما أشهد إلّا بشيء حلْو.
قال: فتعجّب الحاضرون منه. فمضت وعادت ومعها كاغَد حَلْواء.
فضحك وقال: والله ما قلت لكِ إلّا مُزاحًا، اذهبي وأطْعِميه لأولادك.
ولمح الكاغذ الّذي فيه الحلواء فقال: أرينيه. فأرته، فإذا هو كتابُها، وفيها شهادته، فقال: ما ضاعت الحلْواء، هذا كتابك.
تُوُفّي أبو الحسن البصْريّ في جُمَادَى الأولى.
94- عمر بن يوسف [1] .
القُدوة، الزّاهد، أبو حفص ابن الحذّاء القَيْسيّ الصَّقَليّ، نزيل الثَّغْر.
سمع منه: السِّلَفيّ، عن أبي بكر عتيق بن عليّ السْمنْطَاريّ بصَقّلية: نبا أحمد بن إسحاق المِهرانيّ، ثنا أبو بكر بن خلّاد، ثنا، تمتام، نبا القَعْنَبيّ بحديث: الّذي تفوته العصر.
قال السِّلَفيّ: كان من مشاهير الزُّهاد وأعيان العُباد. له مجدٌ كبير عند أهل صَقَلّية. وكان من أهل العِلم. تمنع مِن الرّواية كثيرًا تورُّعًا، وجرى بيني وبينه خطب طويل. وقفت على سماعه من السّمنْطاريّ بموطّأ القَعْنَبيّ، بهذا الإسناد.
ولد بصقلّية سنة ثلاثين وأربعمائة، وحجّ سنة إحدى وخمسين.
وقرأ على جماعة القرآن.
توفّي في المحرّم، رحمه الله.
__________
[ () ] فقال له أبو المعمّر: نريد أن نقرأ عليك خمسة أحاديث، فأذن لنا، فقرأت عليه خمسة، وشرعت في السادس، فقال: ينبغي لصاحب الحديث أن يتعلّم الصدق أولا، فأتممت السادس وقمت.
[1] انظر عن (عمر بن يوسف) في: معجم السفر للسلفي (مصوّرة دار الكتب المصرية) ق 2.

(36/148)


- حرف الميم-
95- منصور بن الخيّر [1] بن تمكيّ [2] .
أبو عليّ المغراويّ [3] ، المالقيّ، المقرئ الأحدب.
حجّ، وأدرك أبا مَعْشَر الطَّبَريّ وأخذ عنه.
ولقي أبا عبد الله محمد بن شريح وأخذ عنه.
وجالس أبا الوليد الباجيّ.
وعُنِي بالقراءات، وصنّف فيها كُتُبًا أخذها عنه الناس.
قال ابن بَشْكُوال [4] ذلك، قال: وسمعت بعض شيوخنا يضعّفه.
تُوُفّي بمالقة في شوال.
قلت: قرأ عليه: محمد بن أبي العيسى الطُّرْطُوشيّ، ومحمد بن عُبَيْد الله بن العويص [5] .
وقيل إنّه مُتَّهم في لُقِيّ أبي مَعْشَر، مع أنّه رأس في القراءات، قيّم بتجويدها وعللها.
قال اليَسَع بن حزْم: رحلت إليه، فوجدته بحرًا في علوم القراءات، بعيد الغَوْر والغايات، فجلست واستفدت وتشكّلت، فقال: ما حجَّة من جَهَر وحجَّة من أخفى؟
فقلت: حجَّة الجهر فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ 16: 98 [6] ، وأخفوا لئلّا يتوهّم أنهّا آية من القرآن. وذكر باقي الكلام.
__________
[1] انظر عن (منصور بن الخيّر) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 620 رقم 1363، وبغية الملتمس للضبّي 475، ومعرفة القراء الكبار 1/ 481 رقم 424، وغاية النهاية 2/ 312 رقم 3653، ولسان الميزان 6/ 93- 95 رقم 230 وفيه: «منصور بن الجبر بن تملي» .
[2] في الصلة: «يملي» .
[3] في لسان الميزان: «الفراوي» .
[4] في الصلة.
[5] في الأصل: «العريص» والتصحيح عن معرفة القراء «العويص» .
[6] سورة النحل، الآية 98.

(36/149)


قال أحمد بن ثعبان: انصرفت من مكَّة، فلقِيَني منصور بن الخيّر فقال: ما فعل أبو معشر؟ قلت: توفّي. فلمّا حجّ رجع إلى الأندلس وقال: قرأت على أبي معشر [1] .
__________
[1] وقال ابن عساكر في رجال مالقة: ولد سنة ست وعشرين وخمسمائة، وكان أبو جعفر بن الناووس يتهمه ويقول إنه كان يزيد في سنّه ويدّعي في القراءة ما لم يسمعه.
وقال أبو علي الترمذي: تكلّم ابن الناووس في منصور هذا وأبلغ وأظهر التعسّف في أمره، فأخبرني أبو بكر بن أبي نصر، عن المحدّث أبي بكر بن زروق أنه ناظر ابن الناووس في أمر أبي علي حتى يذعن له أبو جعفر قال أبو علي منصور هذا قد وثّقه الأشياخ منهم أبو بكر بن زروق وصحّحوا روايته، وأخبرني أبو القاسم السهيليّ أنه وقف على إجازة لأبي معشر لأبي علي منصور عند بعض أهل مالقة. قال: وقد رحل إليه أبو عبد الله النميري، وتلا عليه القرآن، فأقرّه على ابن الناووس ولم يهمّ بشيء من روايته، ولا شك أن النميري أتمّ معرفة ومعه ابن الناووس. وقد روى الأستاذ أبو محمد القرطبي بالسبع عن أبي القاسم بن دحمان، عن منصور، وكان أعرف الناس بهذا الفن، ونظم أمره في قصيدته المشهورة فقال بعد صدر منها:
وأشياخ منصور علي بن جماعة ... ولابن شريح فيهم المنصب العالي
تلا السبع بالكافي عليه محصّلا ... وحسبك بالكافي مفسّر أشكال
وقال بلقيا الطبري بمكة ... أبي معشر ما شاء من درك أمال
روى عنه تلخيص اليمان رواية ... وعرضا فلا تحفل بقيل ولا قال
قال: وأشار بهذا إلى ما قيل فيه من قصة ابن الناووس، والله أعلم، (لسان الميزان 6/ 94، 95) .

(36/150)


سنة سبع وعشرين وخمسمائة
- حرف الألف-
96- أحمد ابن الشَيخ الإمام أبي علي الحسن بن أحمد بن عبد الله [1] .
أبو غالب بن البنّاء البغداديّ الحنبليّ.
شيخ صالح، كثير الرّواية، عالى السّند.
سمع: أبا محمد الجوهريّ، وأبا الحسين بن حسنون النّرسيّ، وأبا يعلى بن الفرّاء، وأبا الغنائم بن المأمون ووالده، وابن المهتدي، باللَّه وطائفة.
وله مشيخة.
وكان مولده في سنة خمس وأربعين وأربعمائة [2] .
وأجاز له: أبو الطَّيب الطَّبريّ، وأبو إسحاق البَرْمكيّ، وأبو بكر بن بِشْران، والعُشَاريّ.
وثّقه ابن الجوزيّ [3] ، وروى عنه هو، و: أبو القاسم بن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، وهبة الله بن مسعود البابذينيّ [4] ، ومحمد بن هبة الله أبو الفرج
__________
[1] انظر عن (أحمد بن الحسن الحنبلي) في: المنتظم 10/ 31 رقم 39 (17/ 277، 278 رقم 3982) ، ومشيخة ابن الجوزي 69- 71، والتقييد لابن نقطة 135 رقم 153، وتذكرة الحفاظ 4/ 1288، وسير أعلام النبلاء 19/ 603، 604 رقم 352، والمعين في طبقات المحدّثين 154 رقم 1673، والإعلام بوفيات الأعلام 216، ودول الإسلام 2/ 48، والعبر 4/ 71، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 292، ومرآة الجنان 3/ 252، والبداية والنهاية 12/ 206، وعيون التواريخ 12/ 274، وشذرات الذهب 4/ 79، 80.
[2] المنتظم.
[3] في المنتظم.
[4] البابذيني: بفتح الذال المعجمة، وكسر الباء المعجمة بواحدة، وسكون الياء المعجمة من تحتها

(36/151)


الوكيل، وعبد الوَهاب بن الشَيخ عبد القادر، وإسماعيل بن عليّ القطّان، وعمر بن طَبَرْزد، وخلْق سواهم.
وتُوُفّي في صفر. وقيل في ربيع الأوّل.
وتفرد بالأجزاء القطعيات الّتي لم يبق ببغداد شيء أعلى [1] منها في وقته.
97- أحمد بن عمّار بن أحمد بن عمّار بن المسلم [2] .
أبو عبد الله الحسينيّ الكوفيّ، مجد الشّرف، الشّاعر المشهور.
مدح المسترشد، والوزير أبا عليّ بن صَدَقة.
ومن شعره:
وباكية أبكت فأبدت محاسنًا ... أراقت فراقت أنفس الركْب عن عمدِ
حبابًا على خمرٍ وليلًا [3] على ضُحى ... وغصنًا على دعصٍ وذرا على وردِ
وله:
ناس يسيء برأيه ويري ... صَرْفَ الحوادث غير متَّهمِ
لك في الّذي تُبْديه معذرةً ... من نام لم ينفك في حُلمِ
عاش اثنتين وخمسين سنة.
98- أسعد بن صاعد بن منصور بن إسماعيل [4] .
أبو المعالي النَّيْسابوريّ الحنفيّ، خطيب نَيْسابور.
سمع: جدّه، وأبو بكر بن خَلَف الشّيرازيّ، وموسى بن عمران الصُّوفيّ، وأبا بكر الشّيرويّ.
__________
[ () ] باثنتين، وكسر النون نسبة إلى باذبين قرية تحت واسط.
[1] في الأصل: «أعلاه» .
[2] انظر عن (أحمد بن عمّار) في: عيون التواريخ 12/ 267- 269، والوافي بالوفيات 7/ 256.
[3] في عيون التواريخ: «دليلا» .
[4] انظر عن (أسعد بن صاعد) في: المنتخب من السياق 168 رقم 409، والمنتظم 10/ 31، 32 رقم 40 (17/ 278 رقم 3983) ، والجواهر المضيّة 1/ 382، 383 رقم 311، والوافي بالوفيات 9/ 15، والطبقات السنية، رقم 469.

(36/152)


كان إليه الخطابة والوعظ والتّدريس ببلده، وكان مقبولًا عند السّلطان [1] .
تُوُفّي في ذي القعدة، وقد قدم بغداد رسولًا من السّلطان سَنْجَر، فسمع منه ابن عساكر، وغيره [2] .
- حرف العين-
99- عبد الله بْن أحمد بْن عليّ بن جحشوَيه [3] .
المحدِّث المفيد أبو محمد البغدادي. سِبْط قريش.
طلب بنفسه وكتب الكثير، وسمع من: النّعاليّ، وطرّاد، وابن البَطِر، وطبقتهم.
وحدَّث بأكثر مسموعاته.
روى عنه: عبد الله بن أبي المجد الحربيّ، وغيره.
قال ابن النّجّار: مات في شوال سنة سبع وعشرين.
100- عبد الجبّار بن أبي بكر بن محمد [4] .
أبو محمد الأزْديّ، الصَّقَلّيّ، الشّاعر.
له ديوان مشهور.
__________
[1] وقال ابن الجوزي: وكان من بيت العلم والقضاء والخطابة والتدريس والتذكير، واشتغل بالعلم حتى أربى على أقرانه. (المنتظم) .
[2] وقال ابن السمعاني: ولم يتفق لي السماع منه. (الجواهر المضيّة) .
[3] ترجمته في الجزء الضائع من (ذيل تاريخ بغداد) لابن النجار.
[4] انظر عن (عبد الجبار بن أبي بكر) في: الذخيرة لابن بسام مجلد 4 ق 1/ 320- 342، وتكملة الصلة لابن الأبار 637، 638، وخريدة القصر (قسم المغرب) 2/ 194- 207، والمطرب من أشعار أهل المغرب 54- 57، ووفيات الأعيان 3/ 212- 215، وبدائع البدائه 70- 72، 78، 179، 180، 310، وآثار البلاد وأخبار العباد للقزويني 215، والروض المعطار 230، 368، والوافي بالوفيات 18/ 41- 47 رقم 41، وعيون التواريخ 12/ 255- 267، والبداية والنهاية 12/ 206، وكشف الظنون 290، 799، والأعلام 4/ 47، 48، ومعجم المؤلفين 5/ 79، والفكر الأندلسي 96.
وانظر مقدّمة ديوان ابن حمديس للدكتور إحسان عباس، بيروت 1960، وفيه مصادر ترجمته.
وقد تقدّمت ترجمته في الطبقة الماضية.

(36/153)


دخل الأندلس ومدح المعتمد بن عَبّاد.
وتُوُفّي في هذه السّنة في رمضان بجزيرة مَيُورقَة. وجزيرة صَقَلّية يحيط بها البحر، وهي بحذاء إفريقية. أخذتْها النّصاري في سنة أربع وستّين وأربعمائة.
101- عبد الكريم بن إسحاق.
أبو زُرْعة البزّاز الرّازيّ.
قدِم سنة إحدى وثمانين ببغداد، وسمع عاصم بن الحَسَن، وجماعة.
وسمع بالرّي من: عبد الكريم الوزّان، وبأصبهان من: أبي عبد الله الرفقيّ. قال أبو سعد السّمعانيّ: كان صدوقًا، ثقة. حدّثنا عنه جماعة. وعاش سبْعًا وثمانين سنة.
102- عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن داود [1] .
أبو القاسم الحمزيّ. من حمزيّ مدينة بالمغرب.
قدِم بغداد وسكنها.
قدِم على أبي عليّ التُّسْتَري، فسمع منه «سنن أبي داود» .
وسمع ببغداد من: أبي نصر الزّينبي.
سمع منه: أبو القاسم بن عساكر السُنَن، وحدَّث عنه هو، وأبو المعمّر.
تُوُفّي في ربيع الآخر.
103- عليّ بن عُبَيْد الله بن نصر بن عُبَيْد الله بن سهل [2] .
الإمام أبو الحسن بن الزّغوانيّ، شيخ الحنابلة ببغداد.
__________
[1] انظر عن (عبد الملك بن عبد الله) في: الأنساب 4/ 220.
[2] انظر عن (علي بن عبيد الله) في: المنتظم 10/ 32 رقم 42 (17/ 278، 279 رقم 3985) ، ومشيخة ابن الجوزي 79- 81، ومناقب الإمام أحمد 529، والكامل في التاريخ 11/ 9 وفيه:
«علي بن عبد الله» ، واللباب 2/ 53، وتاريخ الحكماء 11، ووفيات الأعيان 3/ 453 وفيه:
«علي بن عبد الله» ، والمعين في طبقات المحدّثين 154 رقم 1675، والإعلام بوفيات الأعلام 216، ودول الإسلام 2/ 48، وسير أعلام النبلاء 19/ 605- 607 رقم 354، والعبر 4/ 72، وعيون التواريخ 12/ 254، والبداية والنهاية 12/ 205، ومرآة الجنان 3/ 252، والوافي بالوفيات (مخطوط) 12/ 112، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 180- 184 رقم 81 وكشف الظنون 290، 2001، وشذرات الذهب 4/ 80، 81، وإيضاح المكنون 2/ 145، وهدية العارفين 1/ 696، ومعجم المؤلفين 7/ 144، 145.

(36/154)


سمع الكثير بنفسه، ونسخ بخطّه.
ووُلِد سنة خمس وخمسين وأربعمائة.
حدَّث عن: أبي جعفر ابن المسلمة، وابن هَزَارْمَرْد، وعبد الصّمد بن المأمون، وعلي بن البُسْريّ [1] ، وأبي الحسين بن النَّقُور، وجماعة.
وقرأ بالرّوايات، وتفقَّه على يعقوب البَرْزَبِينيّ [2] .
وكان إمامًا فقيهًا، متبحّرًا في الأصول والفروع، متفننًا، واعظًا، مُناظرًا، ثقة، مشهور بالصّلاح، والدّيانة، والورع، والصّيانة، كثير التّصانيف.
قال ابن الجوزيّ [3] : صحِبته زمانًا، وسمعت منه، وعلَّقت عنه الفِقْه والوعظ.
وتُوُفّي في سابع عشر المحرَّم. وكان الْجَمع يفوت الإحصاء.
وقال أبو سعد السّمعانيّ: روى لنا عنه: عليّ بن أبي تُراب، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وأبو القاسم الحافظ.
وسمعت حامد بن أبي الفتح المَدِينيّ: سمعت أبا بكر محمد بن عُبَيْد الله بن الزّاغُونيّ يقول: حكى بعض النّاس ممّن يوثق بهم أنّه رأى في المنام ثلاثة يقول واحد منهم: اخْسِفْ، وواحد يقول: أَغْرِق، وواحد يقول:
أَطْبِق. يعني البلد.
فأجاب أحدهم: لَا، لأنّ بالقرب منّا ثلاثة أحدهم أبو الحسن بن الزاغُونيّ، والثاني أحمد بن الطّلّاية، والثالث محمد بن فلان من الحربيَّة.
قلت: وروى عنه: بركات بن أبي غالب السّقلاطونيّ، ومسعود بن غيث
__________
[1] تحرّفت في ذيل طبقات الحنابلة إلى: «اليسري» .
[2] في الأصل: «الزرزائي» ، والتصحيح من الأنساب، وذيل طبقات الحنابلة. قال ابن السمعاني:
البرزبيني: بفتح الباء وسكون الراء وفتح الزاي وكسر الباء الأخرى وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى برز بين وهي قرية كبيرة من قرى بغداد على خمسة فراسخ منها. (الأنساب 2/ 146، 147) وذكر منها القاضي أبا علي يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطور العكبريّ البرزبيني وكان فقيها فاضلا بارعا. توفي سنة 486 هـ.
[3] في المنتظم 10/ 32 (17/ 279) .

(36/155)


الدّقّاق، وأبو القاسم بن معالي بن شدّقينيّ، وأبو الحسن عليّ بن عساكر، وأبو موسى المَدِينيّ، وأبو حفص بن طَبَرْزَد، وطائفة سواهم.
وهو من متكلّمي الحنابلة ومصنّفيهم.
أملى عليّ القاضي عبد الرحيم بن عبد الله، أنّه قرأ بخطّ أبي الحسن [بن] الزاغُونيّ: قرأ أبو محمد عبد الله بن أبي سعد الضّرير عليَّ القرآن من أوّله إلى آخره، بقراءة أبي عَمْرو، رواية اليَزِيديّ، طريقة ابن مجاهد، وكنت رأيت في المنام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرأت عليه القرآن من أوله إلى آخره بهذه القراءة المذكورة، وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم يسمع، وإنّي لمّا بلغت في سورة الحجّ إلى قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ 22: 14 [1] الْآيَةَ، أشار بيده أي اسمع، ثمّ قال: هذه الآية من قرأها غُفِر له. ثمّ أشار أن اقرأ، فلمّا بلغت أول يس، قال لي: هذه السّورة من قرأها أَمن من الفَقْر، فلمّا بلغت إلى سورة الإخلاص قال لي: هذه السّورة من قرأها، فكأنّما قرأ ثلث القرآن.
فلمّا كملت الخْتمة قال لي: ما أَعطى [2] الله أحدًا ما أُعطي أهل القرآن.
وإنّي قلت له كما قال لي.
وكتب عليّ بن عُبَيْد الله بن الزاغُونيّ قال: وقرأ عليَّ هذا الكتاب، يعني مختصر الخِرَقيّ، من أوّله إلى آخره أبو محمد الضّرير مِن حِفْظه، ورويته لي عن أبي القاسم الخِرَقيّ رحمه الله.
وكتب عليّ بن عبيد الله بن الزّاغونيّ سنة تسع وخمسمائة [3] .
__________
[1] سورة الحج، الآية 14.
[2] في الأصل: «أعطا» .
[3] وله تصانيف كثيرة، منها في الفقه «الإقناع» في مجلّد، و «الواضح» و «الخلاف الكبير» و «المفردات» في مجلّدين، وهي مائة مسألة. وله مصنّف في الفرائض يسمّى «التلخيص» ، وجزء في «عويص المسائل الحسابية» ، ومصنّف في «الدور والوصايا» . وله «الإيضاح في أصول الدين» مجلّد، و «غرر البيان في أصول الفقه» مجلّدات عدّة، وله ديوان خطب أنشأها، ومجالس في الوعظ. وله «تاريخ» على السنين من أول ولاية المسترشد إلى حين وفاته هو، و «مناسك الحج» و «فتاوى» ، و «مسائل في القرآن» ، و «الفتاوى الرجعية» ، وجزء في تصحيح حديث الأطيط، سدره في المستحيل وسماع الموتى في قبورهم. (ذيل طبقات الحنابلة 1/ 181) .

(36/156)


104- عليّ بن يَعْلَى بن عَوَض [1] .
أبو القاسم الهاشميّ العلويّ العُمريّ، من ولد عمر بن عليّ بن أبي طالب.
شيخ جليل واعظ مشهور، صاحب قَبُولٍ. من أهل هَرَاة.
سمع من أبي عامر الأزْديّ، ونجيب بن ميمون، ومحمد بن عليّ العُميريّ الزّاهد.
وورد بغداد فوعظ بها، وسمع من: أبي القاسم بن الحُصَيْن.
وكان يورد في مجلس وعْظه الأحاديث بأسانيدها، ويُظهر السُّنَّة.
قال ابن الجوزيّ [2] : حصل له ببغداد مالٌ وكُتُب وَقَبُولٌ كثير، وحُمِلت إليه وأنا صغير، وحفّظني مجلسًا من الوعظ، فتكلّمت بين يديه يوم ودّع النّاس وسافر إلى مَرْو.
وقال ابن السّمعانيّ [3] : سمعتُ منه حديثًا واحدًا.
105- عمر [4] بْن مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن موسى.
أَبُو جعفر الشّاشيّ، نزيل قاشان، إحدى قرى مرو.
__________
[ () ] وقال ابن الزاغوني في قصيدة له:
إنّي سأذكر عقد ديني صادقا ... نهج ابن حنبل الإمام الأوحد
منها:
عال على العرش الرفيع بذاته ... سبحانه عن قول غاو ملحد
(سير أعلام النبلاء 19/ 606) .
[1] انظر عن (علي بن يعلى) في: المنتظم 10/ 32 رقم 43 (17/ 289 رقم 3986) ، والأنساب 9/ 60، والكامل في التاريخ 11/ 9، والمختصر في أخبار البشر 3/ 8، وتاريخ ابن الوردي 2/ 39، والبداية والنهاية 12/ 208، والوافي بالوفيات 22/ 333، 334 رقم 237، ومرآة الزمان ج 158/ 117.
[2] في المنتظم.
[3] في الأنساب 9/ 60.
[4] هذه الترجمة وردت في الأصل في الطبقة التالية في وفيات سنة 537 هـ. وقال المؤلّف- رحمه الله-: توفي سنة سبع وعشرين، فيحوّل إليها.
وقد حوّلت بناء لقوله.

(36/157)


تفقّه على الإمام أبي الفضل التّميميّ، وسمع منه.
ومنه: أبو عبد الله محمد بن الحسين المهْربَنْدَشانيّ، وإسماعيل بن عبد القاهر الْجُرْجانيّ.
وقدم بغداد قبل الثّمانين وأربعمائة حاجًا، وسمع أبا ... [1] عبد الرحمن بن ميمون المتولّي. وحدَّث.
تُوُفّي سنة سبْعٍ وعشرين، فيُحوَّل إليها.
- حرف الكاف-
106- كريم المُلْك [2] .
أبو الحسن. وأسمه: أحمد بن عبد الرّزّاق.
وزير الملك شمس الملوك صاحب دمشق.
مات في ذي الحجَّة، وتأسّف النّاس عليه لحسن طريقته، وحميد خلاله، وكثْرة تلاوته.
107- كريمة بنت الحافظ أبي بكر محمد بن أحمد ابن الخاضبة.
رَوَت عن: أبي الحسين بن النّقّور.
وعنها: أبو القاسم بن عساكر، وأبو المعمّر الأنصاريّ، وغيرهما.
وتُوُفّيت في رجب.
قال ابن السّمعانيّ: رأيت نسخةً «بتاريخ بغداد» كاملةً بخطّها.
- حرف الميم-
108- محمد بن إدريس.
أبو عبد الله الجذاميّ الغَرْناطيّ.
حدَّث «بصحيح البخاريّ» ، عن بكّار، عن أبي ذَرّ الهَرَويّ، وكان فقيهًا، مفتيا.
__________
[1] بياض في الأصل.
[2] انظر عن (كريم الملك) في: ذيل تاريخ دمشق 240.

(36/158)


روى عنه: أبو خالد بن رفاعة.
109- محمد بن الحسين بن عليّ [1] .
أبو بكر البغداديّ المِزْرَفيّ [2] ، ومِزْرَفَة بين عُكْبرا وبغداد، الفَرَضيّ الحاجيّ.
ولد سنة تسع وثلاثين وأربعمائة ببغداد.
وسكن به أبوه مُدَّةً في أيّام الفتنة بالمِزْرفة. وقرأ بالروايات وجوّد.
وسمع: أبا جعفر ابن المسلمة، وأبا الحسين ابن المهتدي باللَّه، وعبد الصّمد بن المأمون، وأبا عليّ بن البنّاء، والصَّرِيفينيّ، وخلْقًا سواهم.
وتلا على أصحاب الحمّاميّ.
روى عنه: ابن عساكر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، وأبو موسى المَدِينيّ، وأبو الفتح المنْدائيّ، وطائفة.
وأقرأ القراءات.
ويقول الحافظ ابن عساكر وغيره إنّه مات ساجدا. مبرّزا مات في أوّل السّنة.
وقال ابن الجوزيّ [3] : كان ثقة، عالمًا، حَسَن العقيدة رحمه الله.
110- منصور بن محمد بن محمد بن الطَّيِّب [4] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن الحسين) في: المنتظم 10/ 33، 34 رقم 47 (17/ 280، 281 رقم 3990) ، ومشيخة ابن الجوزي 59- 61، ومعجم البلدان 5/ 121، والإعلام بوفيات الأعلام 216، والمعين في طبقات المحدّثين 155 رقم 1676، ومعرفة القراء الكبار 1/ 484 رقم 429، والعبر 4/ 72، 73، والمشتبه في الرجال 1/ 357، وسير أعلام النبلاء 19/ 631، 632 رقم 372، وعيون التواريخ 12/ 275، والوافي بالوفيات 3/ 10، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 178- 180 رقم 80، وغاية النهاية 2/ 131 رقم 2966، وعقد الجمان (مخطوط) 16/ ورقة 54، والنجوم الزاهرة 5/ 251، وشذرات الذهب 4/ 81، 82.
[2] تحرّفت النسبة إلى «الزرفي» في: المعين في طبقات المحدّثين 155 وقال ابن الجوزي:
يعرف بالمزرفي ولم يكن من المزرفة وإنما انتقل إلى المزرفة أيام الفتنة فأقام بها مدة، فلما رجع قيل له: المزرفي (المنتظم) .
[3] في المنتظم.
[4] انظر عن (منصور بن محمد) في: التحبير 2/ 318، 319 رقم 1018، والأنساب 417 ب،

(36/159)


أبو القاسم العَلَويّ العُمَريّ الهَرَويّ، المعروف بالفاطميّ.
كان فقيهًا، مناظرًا، وواعظًا، رئيسًا. كان رفيع المنزلة عند الخاصّ والعامّ، ذا ثروةٍ وأموال. يقال كان له ثلاثمائة وستون طاحونة.
سمع بهَرَاة من: جدّه لأمه أبي العلاء صاعد بن منصور الأزْديّ، ومحلّم بن إسماعيل، ومحمد بن أبي عاصم العُمَريّ.
وبنَيْسابور من: أبي القاسم القُشَيْريّ، وأبي شجاع الميكاليّ.
وقَدِم بغداد مرَّتين.
وروى عنه: ابن ناصر، والسِّلَفيّ، ويحيى بن بوش.
قال ابن السّمعانيّ: كان شيخنا أبو الحسن الأزديّ سيّئ الرأي فيه، قال:
لَا أروي عنه حرفًا.
تُوُفّي أبو القاسم الفاطميّ بَهَراة في رمضان.
وقال السّمعانيّ في «التّحبير» [1] : أجاز لنا، وكان فقيهًا مبّرزًا مدقّقًا [2] ، مولده سنة أربعٍ وأربعين وأربعمائة.
__________
[ () ] واللباب 2/ 193، وطبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح 2/ 672، 673 رقم 260، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 7/ 306، 307، وطبقات الشافعية للإسنويّ 2/ 530، وطبقات ابن كثير (مخطوط) ورقة 15/ أ.
[1] ج 2/ 319.
[2] وزاد: «أحد الدّهاة الأذكياء، وكلماته سائرة بين الناس مشهورة، يتأوّله الناس في المذاكرة» .

(36/160)


سنة ثمان وعشرين وخمسمائة
- حرف الألف-
111- أَحْمَد بْن عليّ بْن إِبْرَاهِيم [1] .
الشيخ أبو الوفاء الشّيرازيّ، القدوة، الزّاهد، الفيروزآباذيّ، شيخ الرِّباط الّذي حِذَاء جامع المنصور ببغداد.
قَدِم بغداد وسمع من: أبي طاهر الباقِلّانيّ [2] ، وأبي الحسن الهكّاريّ [3] شيخ الإسلام.
وخدم المشايخ، وسكن بالرّباط المذكور. ويُعرف برباط الزَّوْزَنيّ [4] .
قال ابن السّمعانيّ: اتّفقَت الأَلْسُن على مدحه. صحب المشايخ بفارس، وكان يحفظ من كلام القوم وسِيَرَهم وأحوالهم، ومن الأشعار المناسبة لذلك شيئًا كثيرًا. واتَّفق أنّ أبا عليّ المغربيّ أحضر رجلًا يقال له محمد المغربيّ إلى الشَيخ أبي الوفاء وأثنى عليه، وقال: إنّه يصلح لخدمتك، فاستخدمه الشَيخ وقرّبه، وكان يسعى في مَهَمّاته، فضاق منه أبو عليّ المغربيّ، فقال لأبي الوفاء:
أريد أن تُخْرجه من الرباط ولا يخدمك.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن علي) في: المنتظم 10/ 36 رقم 49 (17/ 284، 285 رقم 3992) وفيه: «أحمد بن إبراهيم» ، والكامل في التاريخ 11/ 9 (في المتوفين سنة 527 هـ) ، ومرآة الجنان 3/ 253، والبداية والنهاية 12/ 206، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 148، 149، وشذرات الذهب 4/ 82.
[2] في المنتظم، ومرآة الزمان: «الباقلاوي» ، وهو أحمد بن الحسن بن أحمد المتوفى سنة 489 هـ.
[3] هو علي بن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد المتوفى سنة 493 هـ.
[4] المنتظم.

(36/161)


فقال: ما يحسُن هذا. تُثنى على رجلٍ فتقرّبه، ثمّ تضيق منه فتُخْرجه.
هذا لَا يليق. فعمل أبو عليّ:
إن خلي أبا الوفا ... في صفاي أبي الوفا
باع ودّي بردٍ من ... لُطْفه غاية الجفا
وقال أبو الفَرَج بن الجوزيّ [1] : كان أبو الوفاء على طريقة مشايخه في سماع الغناء والرَّقْص. وكان يقول لشيخنا عبد الوهّاب: إنّي لأدعو الله في وقت السَّماع. وكان شيخنا يتعجَّب ويقول: أَلَيْس يعتقد أنّ ذلك وقت إجابة، وهذا غاية القُبْح.
وحكى أبو الوفاء أنّ فقيرًا كان يموت وعياله يبكون، ففتح عينيه وقال: لِمَ تبكون، أَلِمَوْتي؟ قالوا: لَا، الموت لَا بدّ منه، ولكن نبكي على فضيحتنا، لأنّه ليس لك كَفَن.
فقال: إنّما نفتضح لو كان لي كفن.
قال ابن الجوزيّ [2] : تُوُفّي أبو الوفاء في حادي عشر صفر. وصلّى عليه خلْق، منهم أرباب الدّولة وقاضي القُضاة. ودُفن على باب الرّباط. وعمل له الخادم نَظَر بعد يومين دعوة عظيمة، أنفق فيها مالًا على عادة الصُّوفيَّة، واجتمع فيها خلْق.
وكان أبو الوفاء ينشد أشعارًا رقيقة، أنشد مرَّة لأبي منصور الثّعالبيّ:
وخيط نمَّ في حافّات وجهٍ ... له في كلّ يومٍ ألفُ عاشقٍ
كأنّ الرّيحَ قد مرّت بمسْكٍ ... وذرَّت ما حَوَتْهُ من الشّقائقِ
112- أحمد بن عليّ بن الحسن بن سَلْمُوَيْه.
أبو عبد الله النَّيسابوريّ الصُّوفيّ.
شيخ طريفٌ معمَّر. وُلِد قبل الأربعين.
__________
[1] في المنتظم 10/ 36.
[2] في المنتظم 10/ 37.

(36/162)


وحدَّث عن: عبد الغافر بن محمد الفارسيّ، وعمر بن مسرور، وأبي سعد الكَنْجرُوذيّ.
ورحل مع والده، وسمع من: أبي محمد الصَّرِيفِينيّ، وغيره.
وخدم أبا القاسم القُشَيْريّ، وكان يقرأ بين يديه الأبيات بصوت رخيم ليّن.
روى عنه: أبو سعد السمعاني، وقال: تُوُفّي سنة 528 أو قبلها.
113- أحمد بن عليّ بن محمد بن السَّكَن.
أبو محمد بن المِعْوَجّ.
سمع: عليّ بن البُسْريّ، وجماعة.
وعنه: مُعَمَّر بن الفاخر، ومحمود الخيّام، وغيرهما.
114- أُمَيَّة بن عبد العزيز بن أبي الصَّلْت [1] .
أبو الصَّلْت الأندلسيّ الدّانيّ، مصنّف كتاب «الحديقة» .
كان عالمًا بالفلسفة، ماهرًا في الطّبّ، إمامًا فيه وفي علوم الأوائل.
سكن الإسكندرية مدَّةً، وكان مولده بدانية في سنة ستّين وأربعمائة.
أخذ عن: أبي الوليد الوقْشيّ قاضي دانية، وغيره.
وقَدِم الإسكندرية سنة تسعٍ وثمانين، ونفاه الأفضل شاهنشاه من مصر في سنة خمسٍ وخمسمائة. ثمّ دخل إلى المَهْديَّة، وحلّ من صاحبها عليّ بن يحيى بن باديس بالمحلّ الجليل.
__________
[1] انظر عن (أميّة بن عبد العزيز) في: تاريخ الحكماء 80، وخريدة القصر (قسم شعراء المغرب) 1/ 189- 270 و 4/ ج 1/ 223- 343، ومعجم الأدباء 7/ 52- 70، والكامل في التاريخ 11/ 8، وتحفة القادم 3، وعيون الأنباء في طبقات الأطباء 2/ 53- 62، والمغرب 1/ 256، وتاريخ مختصر الدول لابن العبري 200، ووفيات الأعيان 1/ 243- 247، والعبر 4/ 74، وسير أعلام النبلاء 19/ 634، 635 رقم 375، والإعلام بوفيات الأعلام 216، 217، وعيون التواريخ 12/ 296- 301، ومرآة الجنان 3/ 253، 254 والوافي بالوفيات 9/ 402 رقم 4333، والمقفّى الكبير 2/ 297، 298 رقم 842، وحسن المحاضرة 1/ 539، ونفح الطيب 2/ 105، وشذرات الذهب 4/ 83- 85، وديوان الإسلام 1/ 43، 44 رقم 35، والأعلام 2/ 23. وسيعاد مختصرا في وفيات السنة التالية برقم (132) .

(36/163)


وكان بارعًا في معرفة النّجوم والوقت، بارعًا في الموسيقى وفي الشَّعر، حاذقًا بلعب الشّطرنج. وله رسالة مشهورة في الأسطُرلاب. وله كتاب «الوجيز» في علم الهيئة، وكتاب «الأدوية المفردة» ، وكتاب في المنطق، وكتاب «الانتصار» في أصول الطّب.
صنَّف بعضها في سجن الأفضل [1] .
وقيل إنّ أمير الإسكندرية حبسه مُدَّةً لأنّه قدِم إلى الإسكندرية مركبٌ موقَر نحاسًا، فغرق وعجزوا عن استخراجه، فقال أبو الصَّلْت: عندي فيه حيلة.
فطاوعه الأمير، وبذل له أموالًا لعمل الآلات، وأخذ مركبًا كبيرًا فارغًا، وعمل على جنبيه دواليب بحبال حرير، ونزل الغطّاسون، فأوثقوا المركب الغارق بالحبال، ثمّ أُديرت الدّواليب، فارتفع المركب الغارق بما فيه إلى أن لاطخ المركب الّذي فيه الدّواليب وتمّ ما رامه، لكن انقطعت الحبال وهبط، فغضب الأمر للغرامة وسجنه [2] .
ومن شِعره:
إذا كان أصلي من تُراب فكلُّها ... بلادي، وكُلُّ العالمين أقاربي
ولا بُدّ لي أن أسأل العِيسَ حاجَةً ... تشُقَّ على شُمّ الذُّرَى والغَوارِبِ [3]
وله:
وقائلةٍ: ما بالُ مثلِكَ خامِلٌ [4] ؟ ... أأنت ضعيفُ الرّأي، أم أنتَ عاجزُ؟
فقلت لها: ذنبي إلى القوم أنّني ... لما لم يحُوزُوه من المجدِ حائزُ [5]
وله:
ومُهَفْهَفٍ تركتْ محاسنُ وجهِهِ ... ما مَجَّهُ في الكأسِ من إبريقه
__________
[1] انظر: معجم الأدباء 7/ 64، ووفيات الأعيان 1/ 247.
[2] عيون الأنباء 2/ 52.
[3] البيتان في: وفيات الأعيان 1/ 244، ومرآة الجنان 3/ 254.
[4] في مرآة الجنان، وعيون التواريخ: «خاملا» .
[5] البيتان في: مرآة الجنان، وعيون التواريخ، وزاد في وفيات الأعيان 1/ 244 بيتا ثالثا:
وما فاتني شيء سوى الحظّ وحده ... وأما المعالي فهي عندي غرائز

(36/164)


فَفِعالُها من مُقْلَتْيه، ولَوْنها ... من وجْنَتَيه، وطَعْمُها من ريقِهِ [1]
وله:
عجِبْتُ من طَرْفِكَ في ضَعْفهِ ... كيف يَصيدُ البَطَلَ الأصْيَدا
يفعَلُ فينا وهو في غمده ... ما يفعل السّيف إذا جُرِّدا [2]
ومن شِعره، وأوصى أن يُكتب على قبره، وهو يدلّ على أنّه مسلم الاعتقاد:
سكنتُك يا دارَ الفَناء مصدِّقًا ... بأنّي إلى دار البقاء أصيرُ
وأعظم ما في الأمر أنّي صائِرٌ ... إلى عادلٍ في الحُكْم ليسَ يجورُ
فيا لَيتَ شِعْري، كيف ألقاه عندها ... وزادي قليل، والذّنوبُ كثيرُ
فإنْ أك مُجَزِيًا [3] بذنْبي فإنّني ... بشرٌ [4] عقابِ المذنبين جديرُ
وأنْ يكُ عفوٌ منه عنّي [5] ورحمةٌ ... فثمّ نعيمٌ دائمٌ وسُرورُ [6]
تُوُفّي رحمه الله بمرض الاستسقاء بالمهديَّة في منسلخ العام، وقيل: في مستهلّ سنة تسعٍ.
- حرف الثاء-
115- ثابت بن منصور الكيليّ [7] .
أبو العزّ مِن أهل العراق.
سمع الكثير ونسخ، وعُنِي بالحديث.
سمع: رزق الله التّميميّ، وعاصم بن الحسن، ومحمد بن إسحاق الباقرحيّ.
__________
[1] البيتان في: وفيات الأعيان 1/ 245، وعيون التواريخ.
[2] البيتان في: وفيات الأعيان، وخريدة القصر، وعيون التواريخ.
[3] في الأصل: «مخزيا» والتصحيح من المصادر.
[4] في مرآة الجنان: «بسوء» .
[5] في عيون الأنباء: «عفو ثم عني» ، وفي مرآة الجنان: «وإن يك منك ربي» .
[6] الأبيات في: وفيات الأعيان، وعيون الأنباء، ومرآة الجنان.
[7] انظر عن (ثابت بن منصور) في: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 186- 188 رقم 85.

(36/165)


قال ابن ناصر: هو صحيح السّماع ما يعرف شيئًا. تُوُفّي في ذي الحجَّة.
وقال غيره: كان يحفظ ويدريّ.
وقال ابن النّجّار: خرَّج في فنون، وكان صدوقًا. روى لنا عنه: مظفّر بن عليّ الخيّاط، وستّ الكَتَبة بنت يحيى الهَمَذانيّ.
وروى عنه: السِّلَفيّ وقال: كان فقيهًا على مذهب أحمد. كتب كثيرًا معنا وقبلنا، وكان ثقة زعر الأخلاق.
- حرف الحاء-
116- الحسن بن أحمد بن محمد بن جكينا [1] .
أبو محمد الحريميّ الشّاعر المشهور، صاحب الرَّشاقة، والحلاوة، والظّرافة في شِعْره. وكان هجّاءً، غوّاصًا على المعاني. ويلقّب بالبرغوث.
وهو القائل:
ولائمٌ لام في التّحالي ... لمّا استباحوا دم الحُسَيْني
فقلت: دعني أحقّ عضو ... ألبسه بالحِداد عيني
مات في ربيع الأوّل، ترجمه ابن النّجّار.
117- الحسن بن أبي الذّكْر محمد بن عبد الله بن حسين [2] .
القُدوة، أبو عبد الله المصريّ، الجوهريّ، الزّاهد، النّاطق بالحكمة.
قال السِّلَفيّ: قرأنا عليه، عن أبي إسحاق الحبّال، وغيره. وكان حلو الوعظ [3] .
وتوفّي في جمادى الأولى.
__________
[1] ترجمته في الجزء الضائع من (ذيل تاريخ بغداد) لابن النجار.
[2] انظر عن (الحسين بن أبي الذكر) في: معجم السفر للسلفي 1/ 162 رقم 52.
[3] وزاد: واعظ بن واعظ بن واعظ بن واعظ ... لم يكن في بيتهم أحلى كلاما منه، وعلّقت عنه حكايات كثيرة بمصر والإسكندرية. وتعرّض في آخر عمره لما لا يعنيه، وأظهر فيما أتاه ضرورة لم يقدر على دفعها من قبل سلطان الوقت، فصدّق في ذلك، ثم رجع إلى الصواب، والله تعالى يقبل توبته برحمته.

(36/166)


- حرف الخاء-
118- الخَفِرةُ بنت مبشّر بن فاتك [1] .
الدّمشقيَّة الجديدية.
روت عن: محمد بن الحسين الطّفّال، وأبي طاهر محمد بن سعدون المَوْصِليّ، وغيرهما.
روى عنها: أبو طاهر السِّلَفيّ، وقال: تُوُفّيت في جُمَادى الأولى أيضًا.
قلت: هي آخر من حدّث عن الطّفّال. وكان أبوها محمود الدّولة من أمراء المصريّين، صنَّف في الطّبّ، والمنطق، وغير ذلك.
- حرف العين-
119- عَبْد اللَّه بْن المبارك بْن الحسن [2] .
أبو محمد البغداديّ المقرئ، ويعرف بابن ينال [3] .
سمع: أبا نصر الزَّيْنبيّ، وعاصمًا، وأبا الغنائم بن أبي عثمان.
وتفقه على: أبي الوفاء بن عَقِيل، وأبي سعد البَرَدانيّ.
وباع ملكًا له واشترى كتاب «الفنون» وكتاب «الفصول» لابن عَقِيل، ووقَفَهُما [4] .
وتُوُفّي رحمه اللَّه فِي جُمَادَى [الأولى] [5] .
120- عَبْدِ الخلّاق بْن عَبْد الواسع بْن عَبْد الهادي ابن شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبد الله بن محمد بن عليّ [6] .
__________
[1] انظر عن (الخفرة) في: معجم السفر للسلفي (مصوّرة دار الكتب المصرية) ق 2.
[2] انظر عن (عبد الله بن المبارك) في: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 185 رقم 83، والمنتظم 10/ 38، رقم 52 (17/ 287 رقم 3995) ، وشذرات الذهب 40/ 85.
[3] في المنتظم: «نبال» .
[4] وقال ابن الجوزي: وكان صحيح السماع من أهل السّنّة.
[5] إضافة من المنتظم.
[6] انظر عن (عبد الخلّاق بن عبد الواسع) في: المنتظم 10/ 39 رقم 53 (17/ 287، 288 رقم 3996) وفيه: «عبد الخالق» .

(36/167)


الأنصاريّ الهرويّ، أبو الفتوح بن أبي رفاعة، من أبي عَرُوبة.
كان حَسَن الأَخلاق، حُلْو الشّمائل [1] .
سمع: محمد بن علي العُمَيْريّ، ونجيب بن ميمون الواسطيّ.
وحدَّث ببغداد.
روى عنه: أبو المُعَمَّر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر.
وتُوُفّي في شعبان.
121- عبد الواحد بن شنيف [2] .
أبو الفَرَج البغداديّ.
تفقّه على أبي عليّ البَرَدانيّ. وكان فقيهًا، مناظرًا، مجوِّدًا. له مال ورئاسة [3] .
تُوُفّي في شعبان.
122- عليّ بن أحمد بن عليّ [4] .
العلّامة أبو الحسن السّجْزِيّ، ثمّ البلخيّ، الفقيه المعروف بالإسلاميّ.
مقدّم أصحاب أبي حنيفة، رحمه الله، ببلخ.
__________
[1] وقال ابن الجوزي جمع وحدّث، وكان جوادا.
[2] انظر عن (عبد الواحد بن شنيف) في: المنتظم 10/ 39 رقم 54 (17/ 288 رقم 3997) ، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 150، 151، وذيل طبقات الحنابلة 1/ 185، 186 رقم 84.
[3] وقال ابن الجوزي: وكانت له فطنة عظيمة وشجاعة وقوّة قلب. حدّثني أبو الحسن بن عربية قال: كان تحت يده مال لصبيّ، وكان قد قبض المال ولصبيّ فهم وفطنة، فكتب الصبي جملة التركة عنده، وأثبت ما يأخذه من الشيخ. فلما مرض الشيخ أحضر الصبيّ وقال له: أيّ شيء لك عندي؟ فقال: والله ما لي عندك شيء، لأن تركتي وصلت إليّ بحساب محسوب وأخرج سبعين دينارا وقال: خذ هذه لك، فإنّي كنت أشتري لك بشيء من مالك وأعود فأبيعه، فحصل لك هذا المال.
وحدّثني أبو الحسن، قال: توفي رجل حشويّ بدار القزّ، وكان أبو العباس الرطبي يتولّى التركات، فكتب إليه الشيخ عبد الواحد، تتولّى تركة فلان، فحضر وأعطى زوجته حقها، وأعطى الباقي ذوي أرحامه، وكتب بذلك، فكتب ابن الرطبي مع مكتوبة إليه إلى المسترشد يخبره بما صنع وأنه ورّث ذوي الأرحام، فكتب المسترشد: نعم ما فعل، إذ عمل بمذهبه، وإنما الذنب لمن استعمل في هذا حنبليا وقد علم مذهبه في ذلك. وتوفي عبد الواحد في شعبان وخلّف مالا كثيرا. (المنتظم) .
[4] انظر عن (علي بن أحمد) في: التحبير 1/ 561 رقم 544، وسير أعلام النبلاء 19/ 635، 636 رقم 376، والجواهر المضيّة 2/ 537، والطبقات السنية، رقم 1442.

(36/168)


عُمّر دهرًا، وروى الكثير، وكان زاهدًا، حَسَن السّيرة.
روى عنه بالإجازة: السمعانيّ، وقال [1] : سمع: منصور بن إسحاق الحافظ، والوخْشيّ، والعَيَّار. فمن ذلك «صحيح البخاريّ» ، سمعه من منصور ابن إسحاق، عن إسماعيل الكُشَانيّ، ويرويه أيضًا عن أبي عثمان العَيَّار.
وسمع «سُنَن أبي داود» من الوخْشيّ.
مات في سلْخ ربيع الآخر، وقيل: ليلة نصف ذي الحجَّة.
123- عليّ بن عطيَّة الله بن مُطَرِّق [2] .
أبو الحسن اللّخْميّ، البَلَنْسِيّ، الشّاعر المشهور بابن الزَّقّاق.
أخذ عن أبي محمد البَطَلْيُوسيّ، وبرع في الآداب، وتقدَّم في صناعة الشِّعر، وامتدح الكِبار، واشتهر اسمه، ودُوِّن شِعْره، ولم يبلغ الأربعين.
سمع منه: الحافظ أبو بكر بن رزق الله.
- حرف الميم-
124- مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن عَليّ [3] .
أبو بكر القطّان البغداديّ، ويُعرف بابن الحلّاج.
حدَّث عن: أبي الغنائم بن أبي عثمان.
قال ابن الجوزيّ [4] : كان خيّرا، زاهدًا، كثير العبادة، دائم التّلاوة، حَسَن الأخلاق. كان النّاس يتبرّكون به، وكنت أزوره.
وقال غيره: سمع من: مالك البانياسيّ، وقرأ على أبي طاهر بن سوار.
روى عنه: الحافظان ابن عساكر، وأبو موسى المدينيّ.
__________
[1] في التحبير 1/ 561.
[2] انظر عن (علي بن عطية الله) في: خريدة القصر (قسم شعراء الأندلس) ق 2 ج 2/ 647 وفيه:
«علي بن إبراهيم بن عطيّة» ، وفوات الوفيات 2/ 125، وعيون التواريخ 12/ 286- 290، وشذرات الذهب 4/ 89.
[3] انظر عن (محمد بن أحمد القطان) في: المنتظم 10/ 39، 40 رقم 55 (17/ 288 رقم 3998) ، والبداية والنهاية 12/ 207.
[4] في المنتظم.

(36/169)


125- محمد بن حبيب بن عبيد الله بن مسعود [1] .
أبو عامر الأُمَويّ الشّاطبيّ.
روى عن: طاهر بن مفوّز، وأبي داود المقرئ، ويوسف بن عديس.
قال ابن بَشْكُوال: أجاز لنا، وسمع منه أصحابنا ووصفوه بالجلالة والفضل والدّيانة.
تُوُفّي بشاطبة.
126- مُحَمَّد بْن سَعِيد بْن مَسْعُود [2] .
الْإِمَام، أَبُو الفضل المَرْوَزِيّ، الزّاهد، المسعوديّ، الواعظ.
قال السّمعاني: كان حَسَن الموعظة والنُّصْح، سريع الدَّمْعة كان السّلطان سَنْجَر يزوره.
سمع من جماعة، وحدَّث.
مولده في سنة إحدى وخمسين [3] ، ومات في جُمَادى الأولى.
127- محمد بْن عَبْد العزيز بْن أحمد بن زُغَيْبة [4] .
أبو عبد الله الكِلابيّ الأندلسيّ المُرْسيّ.
وُلِد سنة خمسين وأربعمائة.
وروى عن: أبي العبّاس العُذريّ، والقاضي أبي عبد الله بن المرابط، وعبد الجبار بن أبي قحافة، وأبي عليّ الغساني، وجماعة.
وكان ذاكرًا للمسائل، عارفًا بالنوازل، حاذقًا بالفتوى. قاله ابن بَشْكُوال.
وقال: أجاز لنا، وتُوُفّي في ذي الحجَّة.
أَنْبَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، أَنْبَا أَحْمَدُ بْنُ الْغَمَّازِ، أَنْبَا أَبُو الرَّبِيعِ بْنُ سَالِمٍ، أَنْبَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنْبَا ابْنُ زُغَيْنَةَ قِرَاءَةً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْعُذْرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الرَّازِيِّ، أَنْبَا ابْنُ عَمْرُوَيْهِ، ثنا ابْنُ سُفْيَانَ، نبا مسلم: قال ابن
__________
[1] انظر عن (محمد بن حبيب) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 579، 580 رقم 1276.
[2] انظر عن (محمد بن سعيد) في: التحبير 2/ 131، 132 رقم 755، ومعجم شيوخ ابن السمعاني، ورقة 214 أ، 214 ب، والأنساب 11/ 308.
[3] قال في (الأنساب) وكانت ولادته في حدود سنة خمسين وأربعمائة.
[4] انظر عن (محمد بن عبد العزيز) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 579 رقم 1275.

(36/170)


قَعْنَبٍ: نبا أَفْلَح بْن حُمَيْد، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي لِحُرْمِهِ حِينَ أَحْرَمَ ولحلّه حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ.
128- محمد بن عليّ بن عبد الواحد [1] .
أبو رشيد الآمُليّ.
وُلِد سنة سبْعٍ وثلاثين، وحجّ، وجاور، وكان زاهدًا متبتّلًا، مشتغلًا بنفسه.
قيل إنّه فارق أصحابه من المركب، وأقام في جزيرة يتعبَّد، ثمّ رجع إلى آمُل [2] .
وتُوُفّي في جُمَادى الأولى.
129- مَعَالِي بْن هِبة الله بْن الحَسَن بْن الحُبُوبيّ [3] .
أبو المجد الدّمشقيّ، البزّاز.
سمع: أبا القاسم المصِّيصيّ، ونصر المقدسيّ، وسهل بن بِشْر.
روى عنه: ابن عساكر ووثّقه، ومحمد بن حمزة بن أبي الصَّقْر.
تُوُفّي في سلْخ رمضان.
ويروى عنه: ابن الحَرَسْتانيّ.
__________
[1] انظر عن (محمد بن علي الآملي) في: المنتظم 10/ 4 رقم 57 (17/ 289 رقم 400) ، والكامل في التاريخ 11/ 18 وفيه: «محمد بن علي بن عبد الوهاب» ، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 151، 152.
[2] وقال ابن الجوزي: وكان قد ركب البحر، فلما وصل إلى بعض الجزائر خرج من السفينة وودّع أصحابه، وقال: أريد أن أقيم ها هنا، فسألوه أن لا يقيم، فلم يفعل، فتركوه وذهبوا في البحر، فهاجت ريح، فردّتهم إليه، فسألوه أن يمضي معهم، فما أجاب، فمضوا، فهبّ الريح مرة أخرى، فردّتهم إليه كذلك عدّة نوب ويسألونه فيأبى، فاجتمع التجار إليه وقالوا: تسعى في إتلاف نفوسنا وأموالنا، فإنّا كلّما دفعنا ومضينا ردّتنا الريح إليك، فأصبحنا في دربند، فإذا رجعنا فأقم ها هنا، فأجابهم وأقام معهم في دربند أياما ورجع إلى الجزيرة وأقام بها سنتين.
وكان في الجزيرة عين ماء، فكان يشرب منها ويتوضأ.
[3] انظر عن (معالي بن هبة الله) في: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 24/ 386 رقم 330.

(36/171)


سنة تسع وعشرين وخمسمائة
- حرف الألف-
130- أَحْمَد بْن عَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد بْن حبيب [1] .
الفقيه، أبو الطّيّب المقدسيّ، الواعظ، إمام جامع الرّافقة.
سمع من: نصر المقدسيّ، والحسين بن عليّ الطَّبَريّ.
وله ديوان شِعر. وكان مستورًا، قصيرًا، مُعِيلًا.
سمع منه: أبو القاسم بن عساكر في هذا العام بالرّافقة، وهي الرَّقَّةُ الجديدة.
وله يقول:
يا واقفًا بين الفُرات ودِجْلة ... عَطْشان يطلبُ شَرْبَةً من ماءِ
إنَّ البلادَ كثيرةٌ أنهارُها ... وسَحَابُها فكثيرة [2] الأنواءِ
أرضٌ بأرضٍ والّذي خَلَق الوَرَى [3] ... قد قسّم الأرزاق في الأحياءِ [4]
وله:
يا ناظري ناظري دَنِفٌ على السَّهَر ... ويا فؤادي فؤادي منك في ضَرَرِ
ويا حياتي حياتي غير طيّبةٍ ... وهل تطيب بفقْد السَّمع والبَصَرِ
__________
[1] انظر عن (أحمد بن عبد العزيز) في: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 3/ 157 رقم 181، والوافي بالوفيات 7/ 72 رقم 3011.
[2] في تاريخ دمشق، والوافي بالوفيات: «فغزيرة» .
[3] في الأصل: «الورا» .
[4] في تاريخ دمشق بيت قبل الأخير:
ما اختلّت الدنيا ولا عدم الندى ... فيها ولا ضاقت على العلماء

(36/172)


ويا سُروري سروري قد ذهبْتَ بِهِ ... وإنْ تَبَقّى قليلٌ فهو في الأثَرِ
والعينُ بعدَكِ يا عيني مَدَامِعُها ... تَسْقي مَغَانيكَ ما يغني عن الْمَطَرِ
وله:
مَن لِصَبٍّ نازح الدّارِ ... نَهْبَ أشواقٍ وأفكارِ
مُسْتَهام القلبِ محترقٍ ... بهوَى أذْكَى من النّارِ
فَنَيْتُ بالبُعْد أرْمُقُهُ ... فهو يبكي بالدّمِ الجاري
فإلى من أشتكي زَمَنًا ... عالّني في حكمه الجاري
صرتُ أرضى بعد رؤيتكم ... بخيالٍ أو بأخبارِ [1]
131- إبراهيم بن الحسن بن محمد بن الحسين [2] .
الشّريف، أبو إسحاق [3] الحُسَينيّ، الكليميّ [4] ، النّقيب بالدّيار المصرّية.
روى لنا عن: عبد العزيز بن الضّرّاب، وأبي إسحاق الحبّال، وعبيد الله ابن أبي مطر الإسكندراني. قاله السلفي.
وقال: تُوُفّي في جمادى الآخرة وله خمسٌ وسبعون سنة [5] .
132- أُمَيَّة بن عبد العزيز بن أبي الصَّلْت [6] .
قال السِّلَفيّ: تُوُفّي في أول سنة تسعٍ وعشرين.
وقد تقدَّم في سنة ثمان.
__________
[1] ومن شعره من قصيدة:
ينال الفتى بالجود ما لا تناله ... سيوف تقدّ السّابريّ حداد
وبالرأي إصلاح الأمور وكم بدا ... لتاركه بين الأنام فساد
تأنّ إذا لم يتّضح لك مطلب ... فإنّ التأنّي في الأمور رشاد
وسرّك فاحفظه وكن كاتما له ... فإنّ ظهور السّرحين يعاد
ولم أر كالدنيا لمن كان قادرا ... يساق إليه خيرها ويزاد
[2] انظر عن (إبراهيم بن الحسن) في: المقفّى الكبير 1/ 138 رقم 104 وفيه: «إبراهيم بن الحسين» .
[3] في المقفّى: «أبو الفضل» .
[4] في المقفى: «الكلثمي» .
[5] مولده سنة 434 هـ.
[6] تقدّمت ترجمته في وفيات السنة الماضية برقم (114) .

(36/173)


- حرف الحاء-
133- الحسن بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر العُبَيْديّ [1] .
المصريّ.
استوزره أبوه وجعله وليّ عهده في سنة ستٍّ وعشرين، فظلم وعَسَف وسفك الدّماء، وقتل أعوان أبي عليّ الوزير الّذي قبله، حتّى قيل إنّه قتل في ليلةٍ أربعين أميرًا [2] ، فخافه أبوه، وجهّز لحربه جماعةً، فحاربهم، واختلطت الأمور، ثمّ دسَّ أبوه من سقاه السُّمّ، فهلك في هذه السّنة. ولكنّه كان يميل إلى أهل السُّنَّة.
134- الحسن بن المبارك بن أحمد الأنْماطيّ.
أخو الحافظ عبد الوهّاب.
حدَّث عن: أبي نصر الزَّيْنبيّ.
تُوُفّي في جُمَادى الأولى.
- حرف الطاء-
135- طُغْرل بن محمد بن ملك شاه السَّلْجُوقيّ [3] .
أحد الملوك السّلْجوقيَّة.
تُوُفّي بهَمَذَان في أول السّنة.
وهو أخو السّلطان محمود والسّلطان مسعود.
__________
[1] انظر عن (الحسن العبيدي) في: الكامل في التاريخ 11/ 22- 24، والمختصر في أخبار البشر 3/ 9، والعبر 4/ 78، والدرّة المضيّة 4/ 5، 515، واتعاظ الحنفا 3/ 153- 155، والمقفّى الكبير 3/ 415- 419 رقم 1194، والوافي بالوفيات 12/ 94 رقم 80، والنجوم الزاهرة 5/ 243، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 58.
[2] الكامل 11/ 22.
[3] انظر عن (طغرل بن محمد) في: المنتظم 10/ 453 رقم 64 (17/ 303 رقم 4007) ، والكامل في التاريخ 11/ 19، والمختصر في أخبار البشر 3/ 8، وراحة الصدور 170، 171، وآثار الأول للعباسي 104، وكتاب الروضتين 79، وزبدة التواريخ 204، وتاريخ ابن الوردي 2/ 39، ودول الإسلام 2/ 49 وفيه «طغربك» ، والعبر 4/ 75 وفيه «طغريل» ، وعيون التواريخ 12/ 292، والبداية والنهاية 12/ 207، وتاريخ ابن سباط (بتحقيقنا) 1/ 56.

(36/174)


- حرف الميم-
136- مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الملك [1] .
الفقيه أبو القاسم الصَّدَفيّ الإشبيليّ.
روى عَنْ: أَبِي عبد الله محمد بْن فَرَج، وأبي عليّ الغسّانيّ.
وكان فقيهًا حافظًا للمسائل، مُفْتيًا معظمًا ببلده.
تُوُفّي في أوائل سنة 29.
137- محمد بن أبي الخِيار [2] .
العلّامة أبو عبد الله العَبْدَريّ، القُرطُبيّ، صاحب التّصانيف.
روى عن: أَصْبَغ بْن مُحَمَّد، وأبي عَبْد اللَّه بْن حمدين.
وتفقه بهما، وبالشّهيد أبي عبد الله بن الحاجّ.
ذكره ابن الأبّار [3] ، وقال: كان من أهل الحِفْظ والاستبحار في عِلم الرأي.
دَرّس ونوظر عليه. وله ثُنَائيَّة على «المدوّنة» ، وردّ على أبي عبد الله بن الفخار.
وصنَّف كتاب «السّجاج» ، وكتاب «أدب النّكاح» .
ورأسَ قبل موته في النَّظر، فترك التّقليد، وأخذ بالحديث، وبه تفقّه: أبو الوليد بن خير، وأبو خالد بن رفاعة.
قال أبو القاسم بن الشّهيد بن الحاجّ: قرأت عليه «المدوَّنة» تفقُّهًا وَعَرْضًا.
تُوُفّي إلى رحمة الله في عاشر ربيع الأوّل.
138- محمد بن عليّ بن محمد العربيّ [4] .
أبو سعيد [5] السّمنانيّ [6] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن إسماعيل) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 580 رقم 1277.
[2] انظر عن (محمد بن أبي الخيار) في: تكملة الصلة لابن الأبّار 163، والوافي بالوفيات 3/ 51، ومعجم المؤلفين 9/ 293.
[3] في تكملة الصلة.
[4] انظر عن (محمد بن علي السمناني) في: التحبير 2/ 193 رقم 830، ومعجم شيوخ ابن السمعاني، ورقة 231 أ، والأنساب 8/ 425.
[5] في الأنساب: «أبو عبد الله» .
[6] السّمناني: بكسر السين المهملة، وفتح الميم والنون بلدة من بلاد قومس بين الدامغان وخوار

(36/175)


سمع: أبا القاسم القُشَيْريّ، وكان من مُرِيديه.
حدَّث وأملى، وروى عنه جماعة.
ذكره ابن السّمعانيّ فقال: أحد المشهورين بالفضل والعلم والزُّهْد، وكان مُتَحَلِّيًا بالأخلاق الزّكيَّة. رأيت النّاس مُجْمعين على الثّناء عليه [1] . وتُوُفّي قبل دخولي سِمَنَان قبل سنة ثلاثين بسنة أو سنتين [2] رحمه الله.
139- المفضّل بْن عبد الله بْن أَبِي الرجاء محمد بْن عَلي بْن أحمد بْن جَعْفَر.
أَبُو المعالي، التّميميّ، المعدّل.
أصبهانيّ جليل.
روى عن: أبي مسلم بن مَهربزد صاحب ابن المقري.
روى عنه: أبو موسى الحافظ، وَقَالَ: سَأَلْتُهُ عن مولده فَقَالَ: سنة أربعٍ وخمسين.
وتُوُفّي في رجب.
140- منصور بن محمد بن عليّ.
أبو المظفَّر الطّالقانيّ، نزيل مَرْو. قدِمَها وتفقّه على الإمام أبي المظفّر السّمعانيّ.
قال أبو سعد السّمعانيّ: كان منبسطًا في شبيبته، دخّالًا في الأمور، ثمّ حسُنت طريقته، وترك ما لَا يعنيه، واشتغل بالعبادة، وأقبل على المطالعة. حجّ وحدَّث ببغداد. وكان لَيِّنًا فصيحًا. سمع: جدّي، والفضل بن أحمد بن مَتُوَيْه الصُّوفيّ، وإسماعيل بن الحسين العلويّ.
وكتبتُ عنه. وسمع منه: أبو القاسم بن عساكر ببغداد.
توفّي في رمضان بنواحي أبي ورد.
__________
[ () ] الري يقال لها: سمنان. (الأنساب 7/ 148) .
[1] وقال في الأنساب 8/ 425: «رأيته بمرو ولم يتفق لي أن سمعت منه شيئا» .
وقال في التحبير 2/ 193: «أظنّ أني لقيته بمرو، وكان قدمها طالباً التخفيف من السلطان سنجر للرعية، وظنّي أني سمعت منه شيئاً، وكتب إليّ الإجازة. وحدّثني عنه جماعة بناحيته» .
[2] في الأنساب: «وكانت وفاته في سنة سبع أو ثمان وعشرين وخمسمائة» .

(36/176)


سنة ثلاثين وخمسمائة
- حرف الألف-
141- أحمد بن الحسن بن هبة الله [1] .
أبو الفضل ابن العالمة، عُرف بالإسكاف.
شيخ، صالح، مقرئ، إمام، فقيه، مجوّد، قَنوع، خيّر، حَسَن التّلاوة، محدِّث.
سمع الكثير من: أبي الحسين بن النَّقُّور، وأبي محمد الصَّرِيفينيّ.
وحدَّث، وتُوُفّي في شوّال.
وقد قرأ بالروايات على: أبي الوفاء بن القوّاس، وتلقَّن على الزّاهد أبي منصور الخيّاط.
روى عنه: ابن الجوزيّ [2] ، وغيره.
وكان مولده في رمضان سنة تسعٍ وخمسين [3] .
ومن شيوخه في القراءات، عبد السيد بن عتاب.
أقرأ بالروايات مدَّة.
142- أحمد بن عليّ بن محمد بن موسى المقرئ.
أبو بكر الأصبهانيّ، الأديب، المؤدب.
روى عن: أبي الطّيّب بن شمة.
__________
[1] انظر عن (أحمد بن الحسن) في: مشيخة ابن الجوزي (مخطوط) ورقة 107- 109، والمنتظم 10/ 62 رقم 68 (315 رقم 4011) وفيه: «أحمد بن هبة الله بن الحسن» ، ومعرفة القراء الكبار 1/ 478، 479 رقم 241، وعقد الجمان (مخطوط) 16 ورقة 88.
[2] وهو قال: وكان ثقة أميناً.
[3] في المنتظم: ولد سنة ثمان وخمسين.

(36/177)


روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ، وقال: كان والدي وأخي في مكتبه، وتُوُفّي في سادس شوّال.
وقال السّمعانيّ في مُعْجَمه الملقّب «بالتّحبير» [1] : يُعرف بالزَّين العَلَم.
ومن مسموعاته: فضل رمضان لسَلَمَة بن شبيب، سمعه من أحمد بن الفضل الباطِرْقانيّ، عن محمد بن أحمد بن الحسين، عن الفضل بن الخصيب، عنه، وكتاب «الحجَّة في القراءات الثّمان» تأليف أبي الفضل الخزاعيّ، رواه عن الباطِرْقانيّ عنه.
143- أحمد بن أبي الفضل محمد بن عبد العزيز بن عبد الواحد [2] .
أبو الرَّجاء القارئ.
روى عنه: أبو موسى المَدِينيّ، وقال: لم أرَ مثله في طريقته من الطِّراز الأوّل.
روى عن: أبي الحسين ابن المهتديّ باللَّه.
144- إبراهيم بن الفضل [3] .
أبو نصر الأصبهانيّ البئّار [4] المفيد.
قال ابن السّمعانيّ: رحل، وسمع، ونَسَخ، وجمع، وما أظنّ أنّ أحدًا بعد محمد بن طاهر المقدسيّ رحل وطوّف مثلَهَ، وجمع كجمْعه، إلّا أنّ الإدبار لحِقَه في آخر الأمر، وكان يقف في أسواق أصبهان، ويروي من حفظه بالسّند.
وسمعت أنّه يضع في الحال [5] .
__________
[1] لم أجده في المطبوع من (التحبير) .
[2] لم أجد مصدر ترجمته.
[3] انظر عن (إبراهيم بن الفضل) في: الأنساب 2/ 27، واللباب 1/ 106، والإعلام بوفيات الأعلام 217، وسير أعلام النبلاء 19/ 629- 631 رقم 371، والعبر 4/ 82، والمشتبه في الرجال 1/ 39، وميزان الاعتدال 1/ 52، 53، ومرآة الجنان 3/ 257، 258، والوافي بالوفيات 6/ 90، 91 رقم 2520، والمقفى الكبير 1/ 253- 255 رقم 301، وتوضيح المشتبه 1/ 307، 308 ولسان الميزان 1/ 89، وشذرات الذهب 4/ 94، 95.
[4] في الأصل: «البار» .
[5] وقال في الأنساب: كان كذّاباً غير موثوق به، وسمعت أنه يضع الحديث، ويركّب المتون على الأسانيد، لما دخلت أصبهان، وجدت الألسنة كلها متفقة على جرحه وطرحه.

(36/178)


سمع: أبا الحسين بن النَّقُّور، وعبد الرحمن بن مَنْدَهْ، وأخاه أبا عَمْرو عبد الوهّاب بن مَنْدَهْ، والفضل بن عبد الله بن المحبّ، وأبا عَمْرو المَحْمِيّ، وأبا إسماعيل الأنصاريّ شيخ الإسلام، وخلْقًا من معاصريهم.
قال لي إسماعيل بن الفضل الحافظ: أشكر الله لئن ما لحقت إبراهيم البئّار، وأساء الثّناء عليه.
تُوُفّي البئّار سنة ثلاثين.
روى عنه جزءًا من حديثه: يحيى الثّقفيّ، وداود بْن سُلَيْمَان بْن أَحْمَد بْن نظام المُلْك، وأبو طاهر السِّلَفيّ وقال: كان يسمّي بدَعْلَج، له معرفة، وسمعنا بقراءته كثيرًا، وغيره أرضى منه.
وقال مَعْمَرُ بن الفاخر [1] : رأيت إبراهيم البئار واقفًا في السّوق، وقد روى أحاديث مُنْكَرَة بأسانيد صحاح، فكنت أتأملُه تأمُّلًا مُفْرِطًا، ظنًّا منّي أنّه الشّيطان على صورته.
قال: وتُوُفّي في شوال.
قلت: كان أبوه يحفر الآبار.
قال ابن طاهر المقدسيّ: حدَّثته عن مشايخ مكّيُين ومصريّين، فبعد أيّامٍ بلغني أنّه حدَّث عنهم، فبلغت القصْد إلى شيخ البلد، أبي إسماعيل الأنصاريّ، فسأله عن لُقِيّ هؤلاء بحضرتي، فقال: سمعت مع هذا.
فقلت: ما رأيته قَطّ إلّا هنا.
قال الشَيخ: حججت؟
قال: نعم.
قال: فما علامات عَرَفات؟
قال: دخلناها باللّيل.
قال: يجوز، فما علامة منى؟
قال: كنّا بها باللّيل.
__________
[1] في الأصل: «القاخور» .

(36/179)


قال: ثلاثة أيّام وثلاث ليالٍ لم يُصبح لكم الصّبح؟ قال بارك الله فيك.
وأمر بإخراجه من البلد، وقال: هذا دجّال.
ثمّ انكشف أمره بعد هذا حتّى صار آيةً في الكذِب.
- حرف الحاء-
145- الحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن جعفر [1] .
أبو عبد الله النَّهْرُبِينيّ [2] المقرئ الفقيه.
سمع: ابن طلْحة النّعَاليّ، ويحيى بن أحمد السَّبْتيّ.
قال ابن عساكر: ذكر لي أنّه سَمِعَ من: أَبِي الحسين بْن النَّقُّور، وسكن دمشق بالمدرسة الأمينية. كتبت عنه، وكان خيِّرًا، ثقة، يؤمّ بالنّاس في مسجد سوق الغزل المعلَّق، ويُقرئ القرآن.
تُوُفّي بقرية الحُدَيْثة عند أخيه أحمد الفلّاح بالغُوطة.
146- الحسين بن عبد الرّزّاق [3] أبو عليّ الأبْهَريّ [4] الفقيه، المعروف بالقاضي الرحبة، قاضي هَمَذَان كان صدوقًا، محمودًا في عمله، داهيةً، بعيد النَّظَر والغَوْر.
سمع: عليّ بن محمد بن محمد الخطيب الأنباريّ، وجماعة ببغداد.
وكان مولده في سنة ستّ وأربعين وأربعمائة.
وتُوُفّي فِي هَذِهِ السّنة، أو فِي الّتي بعدها.
__________
[1] انظر عن (الحسين بن محمد) في: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور 7/ 167، 168 رقم 149، وتهذيب تاريخ دمشق 4/ 357، 358.
[2] في الأصل: «النهرباني» . والتصويب من المصادر، ومن الأنساب 12/ 171 قال: النّهربيني:
بفتح النون وسكون الهاء وضم الراء وكسر الباء المنقوطة بواحدة وسكون الباء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى نهربين وهي من قرى بغداد.
[3] لم أجد مصدر ترجمته.
[4] الأبهري: بفتح الألف وسكون الباء المنقوطة بواحدة وفتح الهاء وفي آخرها الراء المهملة. هذه النسبة التي موضعين، أحدهما إلى أبهر وهي بلدة بالقرب من زنجان. والثاني منسوب إلى قرية من قرى أصبهان.

(36/180)


- حرف الدال-
147- دُردانة بنت إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد الفارسيّ [1] .
أَمَةُ الغافر النَّيْسابوريّ. والدة أبي حفص عمر بن أحمد الصّفّار.
سمعت من: جدّها أبي القاسم القُشَيْريّ، ويعقوب بن أحمد الصَّيْرفي، وأبي حامد الأزهريّ.
وعنها: الحافظ ابن عساكر، والسّمعانيّ.
ماتت في صفَر عن أربعٍ وثمانين سنة.
- حرف الشين-
148- شهفيروز بن سعد بن عبد السّيد [2] .
أبو الهيجا [3] ، البغداديّ، الشّاعر [4] .
رقيق النَّظْم، لطيف الطَّبْع. أنشأ مقامات.
وقد سمع من: أبي جعفر ابن المسلمة.
وعنه: ابن ناصر، ويحيى بن بوش، وجماعة.
وكتب عنه: أبو عليّ البَرَدَانيّ، وسمّاه أحمد.
مات في ربيع الأوّل عن سنٍّ عالية.
- حرف العين-
149- عبد الواحد بن الفضل بن محمد بن عليّ [5] أبو بكر ابن القدوة أبي عليّ الفارمذيّ [6] الطّابرائيّ.
__________
[1] انظر عن (دردانة) في: المنتخب من السياق 221 رقم 688، والمختصر الأول للسياق (مخطوط) ورقة 19 ب.
[2] انظر عن (شهفيروز) في: معجم الأدباء 4/ 262، وفوات الوفيات 1/ 386، وعيون التواريخ 12/ 323 وفيه: «شفهفيروز بن شعيب» .
[3] في عيون التواريخ: «أبو منصور أبو الهيجا ابن أبي الفوارس» .
[4] انظر شعره في المصادر المذكورة.
[5] انظر عن (عبد الواحد بن الفضل) في: الأنساب 9/ 219، 220.
[6] الفارمذي: بفتح الفاء والراء والميم بينهما الألف وفي آخرها الذال المعجمة هذه النسبة إلى.

(36/181)


كان جليل القدر، حَسَن الأخلاق، مُكرِمًا للغرباء. سافر وصحِب المشايخ. وكان بقيَّة أولاد الشَيخ.
سمع ببغداد من أبي القَاسِم بْن بيان، وابن نبهان.
وكان قد سمع بمرْو من: أَبِي الخير مُحَمَّد بْن أَبِي عِمران، وبنَيْسابور من:
أبي بكر بن خَلَف الشّيرازيّ.
قال ابن السّمعانيّ: كتبت عنه بطُوس [1] .
تُوُفّي فِي صَفَر [2] .
150- عليّ بْن أَحْمَد بْن الحسن [3] الموحّد أبو الحسن بن البقسلام [4] الوكيل. مِن أعيان البغداديّين ومتميّزيهم. وله معروف كثير.
وُلِد سنة ثلاثٍ وأربعين وأربعمائة.
وسمع: أبا يَعْلَى بن الفرّاء، وهناد بن إبراهيم النّسفيّ، وأبا جعفر ابن المسلمة، وأبا الحسين ابن المهتدي باللَّه، وابن المأمون، والصَّرِيفينيّ، وأبا عليّ محمد بن وشاح، وخلْقًا كثيرًا.
روى عنه: أبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر، وأبو الفَرَج بن الجوزيّ، وعبد الله بن صافي الخازنيّ.
وسئل ابن عساكر عن عليّ الموحّد فأثنى عليه ووثّقه.
__________
[ () ] فارمذ وهي قرية من قرى طوس.
[1] في الأنساب: أدركته وقرأت عليه الكثير، ولازمته حتى قرأت عليه الأجزاء، وكان يكرمني.
ولما وردت طوس في النوبة الثانية كان قد فلج وبقي في داره وما كان الناس يدخلون عليه، فدخلت مسلّماً، ولقيته قاعداً في زاوية لا يمكنه أن يتحرّك فبكيت وقعدت ساعة، ثم رجعت إلى نيسابور.
[2] في الأنساب: توفي في المحرّم.
[3] انظر عن (علي بن أحمد) في: المنتظم 10/ 62، 63 رقم 69 (17/ 315، 316 رقم 4013) ، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 159.
[4] قال ابن الجوزي: «ابن البقشلان» (بالنون) كذا رأيته بخط شيخنا ابن ناصر الحافظ. وقال غيره: «البقشلام» بالميم.
وفي مرآة الزمان: «البقشلاني» ويقال: بقشلام بالميم.

(36/182)


وقال أبو بكر [1] بن كامل: وإنما قيل البقسلام [2] ، لأنّ جدّه أو أباه مضى إلى قرية سلام [3] ، وكانت كثيرة البَقّ، فكان يقول طول اللّيل: بقّ سلام [3] ، فلزِمه ذلك لَقَبًا [4] .
وقال ابن ناصر: كان أبو الحسن في خدمة الدّولة، وكان يظلم جماعة من أهل السّواد. وكان في أيّام الفتنة [ولم يكن] من أهل السُّنَّة، ولا العارفين بالحديث، فلا يُحْتَجّ بروايته [5] .
وتُوُفّي في رمضان.
151- عليّ بن الخَضِر [6] .
أبو محمد البغداديّ الفَرَضيّ.
قرأ الفرائض على أبي حكيم الخَبْريّ، وأبي الفضل الهَمَذَانيّ.
وسمع: أبا الحسين بن النَّقُّور، وابن البُسْريّ.
وكان قيِّمًا بعلم الفرائض [7] .
تُوُفّي في ثالث ربيع الأوّل.
152- عليّ بن عبد القاهر بن خضر [8] .
أبو محمد بن آسة الفَرَضيّ تلميذ الخَبْريّ.
سمع: عبد الرحمن بن المأمون، وأبا جعفر ابن المسلمة.
وعنه: هبة الله بن الحَسَن السَّبْط.
وكان شيخًا صالحًا.
عاش 85 سنة. مات في ربيع الأوّل سنة 530.
__________
[1] في المنتظم: «أبو زكريا» .
[2] في المنتظم: «البقشلام» بالشين المعجمة.
[3] في المنتظم: «شلام» .
[4] زاد في المنتظم: وكان سماعه صحيحا وظاهره الثقة.
[5] المنتظم، وما بين القوسين إضافة منه.
[6] انظر عن (علي بن الخضر) في: المنتظم 10/ 63 رقم 70 (17/ 316 رقم 4014) .
[7] وقال ابن الجوزي: وكان سماعه صحيحا.
[8] لم أجد مصدر ترجمته.

(36/183)


153- عمر بن عبد الرحيم [1] .
أبو بكر الشّاشيّ، المَرْوَزِيّ الصُّوفيّ، نزيل رباط الشَيخ يعقوب. ذكره ابن السّمعانيّ فقال: شيخ مُسِنّ، حَسَن السّيرة، كثير الصّلاة والعبادة. صحب المشايخ. رأيته. وسمع من: جدّي أبي المظفَّر، وأبي القاسم إسماعيل الزّاهديّ، وهبة الله الشّيرازيّ الحافظ. كتبتُ عنه [2] ، وتُوُفّي بمرْو في سنة ثلاثين [3] .
154- عيسى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد الله بْن عيسى بن مؤمْل الزُّهْريّ [4] .
الشّنْتَرينيّ.
سمع من: أبي الوليد الباجيّ، والدّلائيّ، وأبي شاكر، وابن الفلّاس، وأبي الحَجَاج الأعلم.
ذكره ابن بَشْكُوال فقال: رحل إلى المشرق، وأخذ عن: كريمة المَرْوَزِيَّة، وأبي مَعْشَر الطَّبَريّ، وأبي إسحاق الحبّال وذكر عنه أنّه كان إذا قرئ عليه حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبكي بكاء كثيرًا، يعني الحبّال، ولقي جماعة غير هؤلاء.
أخذ النّاس عنه، وسكن العُدْوة.
وتُوُفّي نحو الثّلاثين وخمسمائة.
كتبه لي القاضي عِياض بخطّه، وذكر أنّه أخذ عنه.
- حرف الفاء-
155- الفضل بن أبي الحَسَن بن أبي القاسم بن أبي عليّ بن أبي زيد [5] .
الميمونيّ الآمليّ [6] ، أبو زيد، التّاجر.
__________
[1] انظر عن (عمر بن عبد الرحيم) في: التحبير 2/ 518، 519 رقم 504، ومعجم شيوخ ابن السمعاني، ورقة 168 أ.
[2] ومن جملة ما سمع منه: «الأربعين» التي جمعها هبة الله الشيرازي بروايته عنه. وكانت ولادته في حدود سنة خمسين وأربعمائة بالشاش.
[3] في التحبير: توفي في أواخر سنة ثمان أو أوائل سنة تسع وعشرين وخمسمائة.
[4] انظر عن (عيسى بن محمد) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 440، 441 رقم 947.
[5] لم أجد مصدر ترجمته.
[6] الآملي: بمدّ الألف المفتوحة وضم الميم. هذه النسبة إلى موضعين، حدهما آمل طبرستان

(36/184)


كان محسنًا لأهل العلم، حريصًا على الطَّلَب. حصّل الأصول، وأنفق المال في جَمْعها، وحجّ تسعًا وعشرين حَجَّة. وورد بغداد غير مرَّة، ومات بطريق الحجّ بحلولا.
سمع: أبا المحاسن الرّويانيّ بآمل، وأبا منصور الكُرَاعيّ بمرْو، وأبا عليّ الحدّاد بأصبهان، وأبا سعد الطُّيُوريّ ببغداد.
وحدَّث.
قال ابن السّمعانيّ: أجاز لي، وحدّثني عنه: عليّ بن محمد بن جعفر الفاروثيّ وقال: تُوُفّي في شوّال.
- حرف الميم-
156- مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بن سَعْدُويْه [1] .
أبو سهل [2] الأصبهانيّ المزكّي.
حدَّث ببغداد، وأصبهان «بمُسْنَد الرُّويانيّ» عن أَبِي الْفَضْلِ عَبْد الرَّحْمَن بْن أحمد الرّازيّ.
روى عنه: أبو القاسم بن عساكر، والمبارك بن عليّ الطّبّاخ، والمؤيد ابن الأخوة، وَيَحْيَى بن بَوْش، وَعَبْد الخالق بن الصَّابُونيّ، وإبراهيم وعبد الله ابنا محمد بن أحمد بن حمديّه.
ومن شيوخه: إبراهيم بن منصور سِبْط بحرُوَيْه، والحافظ محمد بن الفضل الحلاويّ، وآخرون [3] .
__________
[ () ] وهي القصبة للناحية. والثاني: آمل جيحون، ويقول لها الناس: آمويه. ويقال لها: آمل الشط أيضا، وأمل المفازة لأنها على طرف البرّيّة. (الأنساب 1/ 106) .
[1] انظر عن (محمد بن إبراهيم) في: المنتظم 10/ 63 رقم 76 (17/ 316 رقم 4015) ، والتحبير 2/ 55، 56 رقم 657، ومعجم شيوخ ابن السمعاني، ورقة 197 ب، والتقييد لابن نقطة 29 رقم 4، والإعلام بوفيات الأعلام 217، وسير أعلام النبلاء 20/ 47 رقم 22، والعبر 4/ 72، 83، ومرآة الجنان 3/ 258، وعيون التواريخ 12/ 327، وغاية النهاية 2/ 45، 46 رقم 2679، وشذرات الذهب 4/ 95.
[2] في المنتظم: «أبو الحسن» .
[3] قال ابن السمعاني: «شيخ أمين ديّن، صالح، ثقة، صدوق، حسن السيرة، كثير السماع» .

(36/185)


ولد سنة ستّ وأربعين وأربعمائة [1] ، وتُوُفّي في ذي القعدة [2] .
157- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حبيب [3] .
أبو بكر العامريّ الصُّوفيّ الواعظ، ويُعرف بابن الخبّاز [4] .
وُلِد سنة تسع وستّين وأربعمائة، أظنّ ببغداد.
وسمع: رزق الله التّميميّ، وطرادًا الزَّيْنَبيّ، وابن البَطِر، وابن طلحة النّعاليّ.
ورحل وسمع من: عبد الغفّار بن شيرُوَيْه، وعليّ بن أبي صادق، وبنَيْسابور، وبلْخ، وهَراة [5] .
روى عنه أبو الفَرَج بن الجوزيّ كتاب «الشّهاب» . وكانت له معرفة بالحديث والفقه، وكان يعظ ويتكلّم على طريقة التّصوّف والمعرفة، من غير تكلّف الوعّاظ. وكم من يومٍ يصعد المِنْبر وفي يده مِرْوَحة، وليس عنده من يقرأ، كما يفعل الوعّاظ.
قرأت عليه كثيرًا من الحديث والتّفسير، وكان نعْم المؤدِّب يأمُر بالإخلاص وحُسْن القصْد، وبنى رباطًا بقراح ظَفَر واجتمع فيه جماعة من المتزهّدين فلمّا احتضر قال له أصحابه: أوصنا.
قال: أوصيكم بتقوى الله ومراقبته في الخلْوة، واحذروا مصرعي هذا، فقد عشت إحدى وستين سنة، وما كأني رأيت الدّنيا.
ثمّ قال لبعض أصحابه: أنظر هل ترى جبيني يعرق؟ فقال: نعم. قال الحمد للَّه هذه، علامة المؤمن.
__________
[1] المنتظم.
[2] وقال ابن الجوزي: سمع الكثير وحدّث، وكان حسن السيرة، ثقة، ثبتا، ذكره شيخنا أبو الفضل ابن ناصر وأثنى عليه.
[3] انظر عن (محمد بن عبد الله) في: المنتظم 10/ 64، 65 رقم 75 (17/ 317، 318 رقم 4019) ، والكامل في التاريخ 11/ 46، ومرآة الزمان ج 8 ق 1/ 160.
[4] في المنتظم: «ابن الجنازة» .
[5] زاد في المنتظم: «ودخل مرو وجال في خراسان» .

(36/186)


ثمّ بسط يده وقال:
ها قد بسطت [1] يدي إليك فَرُدَّها ... بالفضل لَا بشماتة الأعداء
تُوُفّي في نصف رمضان، ودُفن برباطه رحمه الله.
والبيت من شِعْر أبي نصر القُشَيْريّ [2] .
158- محمد بن عليّ بن أبي ذَرّ محمد بن إبراهيم [3] .
أبو بكر الصّالحانيّ الأصبهانيّ. والصّالحان محلَّة.
سمع: أبا طاهر بن عبد الرحيم. وهو آخر من حدَّث عنه.
ومولده في سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة.
روى عنه خلْق كثير منهم: أبو موسى المَدِينيّ، وتميم بن أبي الفُتُوح المقرئ، وخَلَف بن أحمد بن حميد، وسعد بن رَوْح الصّالحانيّ، وعُبَيْد الله بن أبي نصر اللُّفْتُوانيّ [4] ، ومحمد بن أبي عاصم بن زينة، ومحمد بن أبي نصر الحدّاد الضّرير، وزاهر بن أحمد الثّقفيّ، وأبو مسلم ابن الأخوة، وإدريس بن محمد العّطار، ومحمود بن أحمد المصّريّ، والمخلّص محمد بن مَعمَر بن الفاخر، وعين الشّمس بنت أحمد الثّقفيّة.
ووصفه أبو موسى المَدِينيّ بالصّلاح، وقال: تُوُفّي في ثاني جمادى الآخرة. وهو آخر من روى حديث أبي الشَيخ بعُلُوّ.
قلت: وآخر أصحابه عين الشّمس، وسماعها منه حضورا.
__________
[1] في الكامل: «مددت» ، ومثله في المنتظم.
[2] المنتظم.
[3] انظر عن (محمد بن علي الصالحاني) في: التحبير 2/ 186 رقم 821، والأنساب 8/ 13، ومعجم شيوخ ابن السمعاني، ورقة 229 أ، والتقييد 92/ 94، واللباب 2/ 230، ودول الإسلام 2/ 52، والمعين في طبقات المحدّثين 155 رقم 1681، والإعلام بوفيات الأعلام 217، والعبر 4/ 83، وسير أعلام النبلاء 19/ 585 رقم 334، ومرآة الجنان 3/ 258، 259، وعيون التواريخ 12/ 328، وشذرات الذهب 4/ 96.
[4] اللّفتواني: بفتح اللام وسكون الفاء، وضم التاء المنقوطة باثنتين من فوقها، وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى لفتوان، وهي إحدى قرى أصبهان. (الأنساب 11/ 27) .

(36/187)


159- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الحسن [1] .
قاضي مَرْو أبو جعفر الصّايغيّ المَرْوَزِيّ.
إمام وَرِعٌ، كبير القدّر، سديد الأحكام. كان خطيب مَرْو [2] .
تفقّه على القاضي أبي بكر محمد بن الحسين الأرسابَنْديّ [3] . وحدَّث عنه [4] .
عاش سبعين سنة.
160- مُحَمَّد بْن عليّ بْن عَبْد الله [5] .
أبو الفتح المُضَريّ الهَرَويّ.
سمع: أبا عبد الله الفارسيّ، ويَعْلَى بن هبه الله الفُضَيْليّ، وأبا عاصم الفضل، وبيبي الهَرْثَمِيَّة.
وببلْخ: أبا حامد أحمد بن محمد.
وبنَيْسابور: فاطمة بنت الدّقّاق، وجماعة.
قدِم بغداد، وحدَّث «بجامع التِّرْمِذيّ» . وكان صدوقًا مكثِرًا [6] .
روى عنه: هبة الله بن المُكْرَم الصُّوفيّ، وعليّ بن أبي سعيد الخبّاز، ويحيى بن بوش، وجماعة.
تُوُفّي في ذي القعدة بخراسان.
161- محمد بن القاسم بن محمد [7] .
__________
[1] انظر عن (محمد بن عبد الله) في: الأنساب 8/ 27، 28.
[2] قال ابن السمعاني: ولي القضاء بمرو وحمدت سيرته وأحكامه، وكان مناظرا فحلا، جميل الظاهر والباطن، كثير الصلاة والتلاوة.
[3] الأرسابنديّ: أرسابند بالفتح ثم السكون وسين مهملة وألف وباء موحّدة مفتوحة ونون ساكنة ودال مهملة من قرى مرو على فرسخين منها. (الأنساب 10/ 184) .
[4] زاد في الأنساب: وصار نائبا له في القضاء والخطابة، ثم وليها مدّة بالأصالة. كتبت عنه جزءا من الحديث وكان يحثّني على الاشتغال بالفقه. وتوفي وأنا في الرحلة.
[5] انظر عن (محمد بن علي الهروي) في: التحبير 2/ 183، 184 رقم 817، ومعجم شيوخ ابن السمعاني ورقة 228 أ، 228 ب، والتقييد 94 رقم 99، والمشتبه في الرجال 2/ 594.
[6] قال ابن السمعاني: كتب إليّ الإجازة من هراة.
[7] انظر عن (محمد بن القاسم) في: عيون التواريخ 12/ 311، 312.

(36/188)


أبو العز البغداديّ، المقرئ، المعروف بابن الزُّبَيْديَّة.
قرأ القراءات وجوَّدَها، وقال الشَّعر الرّائق، وتفقّه. وسمع الكثير، ومدح المسترشد باللَّه.
ومات شابا.
162- محمد بن موهوب [1] .
أبو نصر البغدادي الفرضي الضرير.
له مصنفات في الفرائض.
مؤرخ في «المنتظم» [2] .
163- محمد بن هشام بن أحمد بن وليد بن أبي حمزة [3] .
أبو القاسم الأموي المرسي.
أخذ عن: أبي عليّ بْن سُكَّرة، وصحِبَ أبا محمد عبد الله بن أبي جعفر، وتفقه عنده.
وناظر عند الفقيه هشام بن أحمد، وغيره.
وكان من أهل الحفظ، والفهم، والذّكاء. استقضي بغَرْنَاطَة فنفع الله به أهلها لصرامته، ونفوذ أحكامه، وقويم طريقته.
تُوُفّي بمُرْسِية في صدر رمضان.
164- مظفَّر بن الحسين بن عليّ بن أبي نزار [4] .
أبو الفتح المردوستيّ [5] . أحد الحُجاب. ثمّ ترك الحجابة وتصوّف وتزهّد.
سَمِعَ: أبا القاسم بْن البُسْريّ، وأبا منصور العكبري.
روى عنه: أبو المُعَمَّر، وأبو القاسم الحافظ.
ووُلِد في سنة ستّ وخمسين وأربعمائة.
وتوفّي سنة ثلاثين، أو قبلها بأشهر.
__________
[1] انظر عن (محمد بن موهوب) في: المنتظم 10/ 64 رقم 74 (17/ 317 رقم 4018) .
[2] وقال فيه: «كان على غاية في علمه» .
[3] انظر عن (محمد بن هشام) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 581 رقم 1279.
[4] انظر عن (مظفّر بن الحسين) في: المنتظم 10/ 66 رقم 77 (17/ 319 رقم 4021) .
[5] في المنتظم: «المردوسي» (بالسين المهملة) .

(36/189)


165- مفرِّج بن الحَسَن [1] .
أبو الذّوّاد الكِلابيّ، رئيس دمشق، وابن رئيسها، ويُعْرف بابن الصُّوفيّ محيي الدّين.
روى عن: الفقيه نصر المقدسيّ، وأبي الفضل بن الفرات.
قرأ عليه أبو البركات بن عُبَيْد «صحيح البخاريّ» .
وكان ذا بِرّ ومعروف وحشمة. ولي الوزارة، بعد قتل أبي علي المزدقاني، لتاج الملوك بوري، ثم صادره وآذاه، ثم أعاده إلى المنصب، إلى أن مات بوريّ، فوَزَرَ بعده لابنه شمس الملوك إسماعيل. ثمّ قُتِلَ ظُلْمًا في رمضان.
أغلظ للأمراء فقتلوه.
- حرف الهاء-
166- هشام بن أحمد بن هشام [2] .
أبو الوليد الهلاليّ، الغَرْناطيّ، نزيل المَرِيَّة. ويُعرف بابن بقري.
سمع عامَّة شيوخ المَرِيَّة: طاهر بن هشام، وصَحّاج بن قاسم، وخَلَف بن أحمد الجراديّ.
ومن الطّارئين عليها: القاضي أبي الوليد الباجيّ، ومن أبي العّباس أحمد بن عمر العُذْريّ.
ثمّ خرج سنة ثمانين وأربعمائة إلى غَرْنَاطة بلده، وولي الأحكام بها مُدَّة وبغيرها.
قال ابن بَشْكُوال: كان من حُفاظ الحديث المعتنين بالسّبر عن معانيه، واستخراج الفقه منه، مع التَّقدُّم في حفْظ الفقه، والبَصَر بعقْد الوثائق، والتّقدُّم في معرفة أصول الدّين.
__________
[1] انظر عن (مفرّج بن الحسن) في: ذيل تاريخ دمشق 145، 224، 227، 229، 231، 257، والكامل في التاريخ: 1/ 666 (في حوادث سنة 524 هـ) ، وديوان ابن الخياط 242.
[2] انظر عن (هشام بن أحمد) في: الصلة لابن بشكوال 2/ 655، 656 رقم 1440.

(36/190)


روى عنه جماعة من أصحابنا. ووُلِد في صَفَر سنة أربعٍ وأربعين.
وتُوُفّي بغَرْناطة في ربيع الأوّل.
- حرف الياء-
167- يعيش بن مفرّج اللَّخْميّ البابريّ.
أبو البقاء، نزيل إشبيلية.
سمع سنة خمس وتسعين وأربعمائة «جامع التِّرْمِذيّ» ببابرة من أبي القاسم الهَوْزَنيّ، وحجّ، فسمع من: أبي عبد الله الرّازيّ، وأبي طاهر السِّلَفيّ.
وروى عنه: أبو بكر بن طبر.
وسمع منه في هذه السنة أبو القاسم بن بَشْكُوال كتاب «المحدِّث الفاصل» [1] ، بسماعه من السِّلَفيّ، فابن بَشْكُوال في هذا الكتاب في طبقة شيخنا أبي الفتح القرشيّ.
__________
[1] لمؤلّفه: «الرامهرمزيّ» .

(36/191)


المتوفون ما بين العشرين والثلاثين وخمسمائة
- حرف الألف-
168- أحمد بن إسماعيل بن عيسى [1] .
أبو بكر الغَزْنَويّ، الجوهريّ، المفسّر، أحد أئمة غَزْنَة وفُضَلائهم.
سافر إلى خُراسان، والحجاز، والعراق، ولقي أبا القاسم القشيريّ، وسمع منه، ومن: الحاكم أحمد بن عبد الرّحيم السّراج، وجماعة.
وخرّج لنفسه أربعين حديثًا، وعاش إلى بعد العشرين.
وله شُهرة بغَزْنَة.
169- أحمد بن الفضل بن محمود.
الصاحب أبو نصر، سيّد الوزراء، مختصّ الملوك والسّلاطين، أحد الأعيان المشهورين.
ذكره عبد الغافر فقال: أحد أكابر العراق، وخُراسان، المُجْمِع على عُلُوّ قدْره كلُّ إنسان، ارتضع ثدْي الدّولة في النَّوْبة الملكشاهيّة ولقي أكابر المتصرفين، وتَلْمَذ للأستاذِين، ومارس الأمور العظام، وصحب الملوك، ومَهَر في أنواع التّصرّف ورسوم الدّولة. وزاد على ما عهد من سنيّ المراتب، وعَليّ المناصب، حتّى اشتهر أنّه بذل بعد الإعراض عن ملابسة الأشغال ومُداخلة الأعمال في إرضاء الخصوم، وتدارك ما سلف له من المظالم، يتقرر من المظلوم آلافا مؤلّفة، وصارت أوقاته عن أوضار الأوزار منطقة. وبقي مدة عن طلب الولاية خاليًا، وبرتبة الفقاعة خاليًا، إلى أن ضرب الدّهر ضرباته، ودار
__________
[1] انظر عن (أحمد بن إسماعيل) في: طبقات المفسّرين للداوديّ 1/ 31 رقم 28، وطبقات المفسّرين للأدنه وي (ميكروفيلم بدار الكتب المصرية، رقم 3466) ورقة 39 ب.

(36/192)


تبدُّل الأمور والأحوال دَوَرانه، واستوفى أكثر الكُفَاة في الدّولة أعمارهم، وانقرض من الصُّدور بقايا آثارهم. واحتاجت المملكة إلى من يلمّ شَعْثَها، وينفي خَبَثَها، ويحلّ صدْر الوزارة مستحقّها، ويرجحن بالظّلم جانب النّصْفة وشتّها، فاقتضى الرأي المصيب الاستضاءة في المُلْك بنور رأيه، فصار الأمر عليه فَرْض عَيْن، ووقع الاختيار عليه من البَيْن. والتزم قصر اليد عن الرّشاء والتُّحَف، وإحياء رسوم العدْل والإنصاف.
وهو الآن على المسيرة الّتي التزمها يستفرغ في مناقبة أهل العلم أكثر أوقاته، صَرَف الله عنه بوائق الدّهر وآفاته.
وذكر الكثير من هذا.
- حرف العين-
170- عبد الملك الطَّبَريّ [1] .
الزّاهد، شيخ الحَرَم في زمانه.
ذكره ابن السّمعانيّ في «ذيله» فقال: كان أحد المشهورين بالزُّهْد والورع:
أقام بمكَّة قريبًا من أربعين سنة على الجهد والاجتهاد وفى العبادة، والرّياضة، وقهْر النَّفْس. وكان ابتداء أمره أنه كان يتفقه في المدرسة، فلاح له شيءٌ فخرج على التّجريد إلى مكَّة، وأقام بها. وكان يلبس الخشِن، ويأكل الخشب، ويُزْجي وقتَه على ذلك صابرًا. سمعتُ أبا الأسعد هبة الرحمن القُشَيْريّ يقول: لمّا كنت بمكَّة أردتُ زيارته فأتيته فوجدته محمومًا مُنْطَرِحًا، فتكلَّف وجلس، وقال: أنا إذا حُمِمت أفرح بذلك، لأنّ النّفْس تشتغل بالحُمَّى، فلا تشغلني عمّا أنا فيه، وأخلُو بقلبي كما أريد.
وقال الحسين الزّغنْديّ: رأيت حوضًا يقال له عنبر، والماء في أسفله، بحيث لَا تصل إليه اليد، فرأيت غير مرَّةٍ أنّ الشَيخ عبد الملك توضّأ منه، وارتفع الماء إلى أن وصل إليه، ثمّ غارَ الماء، ونزل بعد فراغه.
__________
[1] ذكره ابن السمعاني في (المذيل على الأنساب) .

(36/193)


وكنت معه ليلةً في الحَرَم، وكانت ليلةً باردة، وكان ظهْرُه قد تشقّق من البَرد، وكان عريانًا، فنام على باب المسجد، ووضع يده اليمنى تحت خدّه اليمنى، واليد اليُسْرَى على رأسه، وكان يذكر الله. فقلت له: لو نمت في زاوية من زوايا المسجد كان يكُنُّك من البرد. فقال: نمت في بعض اللّيالي، فرأيت شخصين دخلا المسجد، وتقدَّما إليَّ، وقالا لي: لَا تَنَمْ في المسجد، فقلت لهما: من أنتما؟
فقالا: نحن مَلَكان.
فانتبهت، وما نمت بعد ذلك في المسجد.
وقلتُ له: أراك صَبُورًا على الجوع.
قال: آكل قليلًا من ورق الغضا فأشبع.
171- عليّ بن الحسين بن محمد بن مهديّ.
أبو الحَسَن المصريّ الصُّوفيّ، من مشايخ الصُّوفيَّة الكبار.
تغرّب إلى الشّام، ومصر، والجزيرة، واستقر ببغداد.
وكان ذا عبادة، وطريقة جميلة.
حدَّث عن: أبي الحسن الخِلَعيّ. وعنه: جماعة.
تُوُفّي بعد سنة خمسٍ وعشرين.
172- عليّ بن عبد القاهر بن الخَضِر بن عليّ.
أبو محمد المراتبيّ الفَرَضيّ، المعروف بابن آسة، لأنّ جدّه وُلِد تحت آسةٍ، فسُميّ بها.
إمام في الفرائض، صالح، خيّر، منقبض عن النّاس.
سَمِعَ: أبا جعفر ابن المسلمة، وعبد الصَّمد بن المأمون وجماعة.
سمع منه: أبو القاسم بن عساكر.
وأجاز لابن السّمعانيّ.
وتُوُفّي بعد ثلاثٍ وعشرين.
173- عليّ بن عليّ بن جعفر بن شيران [1] .
__________
[1] انظر عن (علي بن علي) في: سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي 80 رقم 56، ومعرفة

(36/194)


أبو القاسم الضّرير، الواسطيّ، المقرئ.
قرأ بالروايات على: أبي عليّ غلام الهرّاس [1] .
وحدَّث عن: الحسن بن أحمد الغَنْدَجَانيّ [2] .
وتصدر للإقراء مدَّة مع أبي الفَرّاء القلانِسيّ.
قرأ عليه: أبو بكر عبد الله بن منصور الباقِلانيّ، وأبو الفتح نصر الله بن الكيّال، وجماعة.
وكان قدم بغداد في سنة ثلاث وخمسمائة، وحدَّث بها.
روى عنه: عليّ بن أحمد اليزديّ.
وقيل عنه إنّه كان يميل إلى الاعتزال.
تُوُفّي في سنة نيِّفٍ وعشرين بواسط [3] .
- حرف الغين-
174- غالب بن أحمد بن محمد بن إبراهيم.
أبو نصر البغداديّ الأَدَميّ. القارئ بالألحان، المغنّي بالقضيب.
سمع: أبا جعفر ابن المسلمة.
روى عنه: أبو المعمر الأنصاري، وأبو القاسم بن عساكر.
وامتنع بعضهم من السّماع منه للغناءِ.
- حرف الميم-
175- مُحَمَّد بْن أحمد بْن الْحُسَيْن بن عليّ بن قُرَيْش.
أبو غالب البغداديّ، النَّصْريّ، الحنفيّ.
سمع: عبد الصمد بن المأمون، وأبا يعلى بن الفرّاء، وجماعة.
__________
[ () ] القراء الكبار 1/ 475، 476 رقم 418، ونكت الهميان 215، والجواهر المضيّة 1/ 368، وغاية النهاية 1/ 557 رقم 2279، وتبصير المنتبه 2/ 98.
[1] وقال السلفي عن الحوزي: وخطّه معه بها. وله معرفة بفقه أبي حنيفة.
[2] الغندجاني: بفتح الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة والجيم وفي آخرها النون.
هذه النسبة إلى غندجان. وهي بلدة من كور الأهواز من بلاد الخوز. (الأنساب 9/ 179) .
[3] أرّخ ابن الجزري وفاته بسنة 524 هـ.

(36/195)


روى عنه: مسعود بن غَيْث الدّقّاق، وعمر بن طَبَرْزَد.
وبقي إلى سنة 527.
- حرف الياء-
176- يوسف بن أحمد بن حسدائيّ بن يوسف.
الإسرائيليّ المسلم الأندلسيّ، أبو جعفر، الطبيب.
من أعيان الفُضَلاء في الطب، وله مصنَّفات.
قدِم ديار مصر، واتصل بالدولة، وكان خصّيصًا بالمأمون وزير الآمر بأحكام الله، وشرح له بعض كُتُب أبقراط.
وله كتاب «الإجمال» في المنطق.
وهو من بيت طبّ وفلسفة، وأجداده من فضلاء اليهود وأخيارهم، لعنهم الله.
آخر الطبقة الثالثة والخمسين من تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام للحافظ شمس الدين الذهبي غفر الله له وللمسلمين أجمعين.
(بعونه تعالى وتوفيقه، أتمّ تحقيق هذه الطبقة الثالثة والخمسين من كتاب «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» لمؤرّخ الإسلام الحافظ شمسُ الدين مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَد بْن عثمان المعروف بالذهبي، المتوفى سنة 748 هـ. وضبط نصّه، وخرّج أحاديثه وأشعاره، وعلّق عليه، ووثّق مادّته، وأحال إلى مصادره، طالب العلم وخادمه الحاج الأستاذ الدكتور أبو غازي عمر عبد لسلام تدمري، أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة اللبنانية، الطرابلي مولدا ووطنا، الحنفيّ مذهبا، ووافق الانتهاء منه عند أذان عصر يوم السبت السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك 1413 هـ. الموافق للعشرين من آذار (مارس) 1993، وذلك بمنزله بساحة النجمة من مدينة طرابلس الشام المحروسة، حفظها الله وحماها ثغرا ورباطا للإسلام والمسلمين. والحمد للَّه وحده) .

(36/196)