تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ط التوفيقية

ذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ:
عُقَيْلٌ وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ: "قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، أُرِيتُ سَبْخَةً 1 ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ. وَهُمَا الْحَرَّتَانِ"، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ عِنْدَ ذَلِكَ، وَرَجَعَ إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَتَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: "نَعَمْ"، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ2. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ فِي الْحَرْبِ وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنُّصْرَةِ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْمَهُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا وَاللُّحُوقِ بِالْأَنْصَارِ، فَخَرَجُوا أَرْسَالًا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عبد الأسد إلى الْمَدِينَةِ، هَاجَرَ إِلَيْهَا قَبْلَ الْعَقَبَةِ الْكُبْرَى بِسَنَةٍ، وَقَدْ كَانَ قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ مَكَّةَ، فَآذَتْهُ قُرَيْشٌ، وَبَلَغَهُ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَسْلَمُوا، فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ3.
فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمَّا أَجْمَعَ أَبُو سَلَمَةَ الْخُرُوجَ رَحَّلَ لِي بَعِيرَهُ، ثُمَّ حَمَلَنِي وَابْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ بِي يَقُودُنِي. فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ قَامُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتَنَا عَلَيْهَا، هَذِهِ، عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ! فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ، وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إِذْ نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا ابني سَلَمَةَ حَتَّى خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، فَانْطَلَقَ زوجي إذ
__________
1 سبخة: أرض ذات ملح.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3905" في كتاب مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة، وأحمد "6/ 198"، وأبو نعيم في "الحلية" "64".
3 ذكره ابن إسحاق بدون إسناد كما في "السيرة" "1/ 418".

(1/203)


فَرَّقُوا بَيْنَنَا، فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطَحِ، فَلَا أَزَالُ أَبْكِي حَتَّى أُمْسِي، سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا. حَتَّى مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي فَرَحِمَنِي، فَقَالَ: أَلَا تَخْرُجُونَ مِنْ هَذِهِ الْمِسْكِينَةِ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا؟ فَقَالُوا لِي: الْحَقِي بِزَوْجِكِ، قَالَتْ: وَرَدَّ بَنُو عَبْدِ الْأَسَدِ إِلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي. فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي، ثُمَّ وَضَعْتُ سَلَمَةَ فِي حِجْرِي، وَخَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ، وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. قُلْتُ: أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى زَوْجِي، حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ1 لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيَّ، فَقَالَ: إِلَى أين يابنة أَبِي أُمَيَّةَ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ.
قَالَ: أوما مَعَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ إِلَّا اللَّهُ وَبُنَيَّ هَذَا، قَالَ: وَاللَّهِ مَا لَكِ مِنْ مَتْرَكٍ. فَأَخَذَ بِخِطَامِ2 الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ مَعِي يَهْوِي بِي، فَوَاللَّهِ مَا صَحِبْتُ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ، أَرَى أَنَّهُ أَكْرَمُ مِنْهُ، كَانَ أَبَدًا إِذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عنّي حتى نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَيَّدَهُ فِي الشَّجَرِ، ثُمَّ تَنَحَّى إِلَى شَجَرَةٍ، فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاحُ قَامَ إِلَى بَعِيرِي فَرَحَّلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي وَقَالَ: ارْكَبِي، فَإِذَا رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى بَعِيرِي أَتَى فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَنِي حَتَّى يَنْزِلَ بِي، فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ حَتَّى أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءٍ قَالَ: زَوْجُكِ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا3.
ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَهَا بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ: عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَعَ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ، مَعَ امْرَأَتِهِ وَأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ، وَكَانَ أَبُو أَحْمَدَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ، وَكَانَ يَمْشِي بِمَكَّةَ بِغَيْرِ قَائِدٍ، وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الْفَارِعَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكَانَتْ أُمَّهُ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَنَزَلَ هَؤُلاءِ بِقُبَاءٍ عَلَى مُبَشِّرِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ4.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدُّوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ أَصْحَابَهُ بِالْهِجْرَةِ، فَخَرَجُوا رَسَلًا رَسَلًا5،
__________
1 التنعيم: موضع بمكة، بينها وبين سرف.
2 الخطام: الزمام الذي يقاد البعير به.
3 في إسناده مقال: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" "1/ 418-420" وفي إسناده سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سلمة، قال في "التقريب": مقبول. أي إذا توبع وإلا فلين.
4 قاله ابن إسحاق بدون إسناد كما في "السيرة" "1/ 420".
5 المراد متتابعين.

(1/204)


فَخَرَجَ مِنْهُمْ قَبْلَ مَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَبُو سَلَمَةَ وَامْرَأَتُهُ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَامْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ، وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ الشَّرِيدِ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ خَرَجَ عُمَرُ وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَجَمَاعَةٌ، فَطَلَبَ أَبُو جَهْلٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ عَيَّاشًا، وَهُوَ أَخُوهُمْ لِأُمِّهِمْ، فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَذَكَرُوا لَهُ حُزْنَ أُمِّهِ، وَأَنَّهَا حَلَفَتْ لَا يُظِلُّهَا سَقْفٌ، وَكَانَ بِهَا بَرًّا، فَرَقَّ لَهَا وَصَدَقَهُمْ، فَلَمَّا خَرَجَا بِهِ أَوْثَقَاهُ وَقَدِمَا بِهِ مَكَّةَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا إِلَى قَبْلِ الْفَتْحِ1.
قُلْتُ: وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَدْعُو لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْقُنُوتِ: "اللَّهُمُّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ". الْحَدِيثَ2.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَنَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَخَرَجَ عُثْمَانُ، وَالزُّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَطَائِفَةٌ، وَمَكَثَ نَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِمَكَّةَ، حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَقْدَمِهِ، مَنْهُمْ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، عَلَى اخْتِلافٍ فِيهِ3.
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا اجْتَمَعْنَا لِلْهِجْرَةِ اتَّعَدْتُ أَنَا وَعَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَقُلْنَا: الْمِيعَادُ بَيْنَنَا التَّنَاضِبِ مِنْ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، فَمَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ لَمْ يَأْتِهَا فَقَدْ حُبِسَ، فَأَصْبَحْتُ عِنْدَهَا أَنَا وعيّاش، وحبس هشام وفتن فافتتن، وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَكُنَّا نَقُولُ: مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ مِنْ هَؤُلاءِ تَوْبَةً، قَوْمٌ عَرَفُوا اللَّهَ وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ لِبَلَاءٍ أَصَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَأُنْزِلَتْ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} 4، فَكَتَبْتُهَا بِيَدِي كِتَابًا، ثُمَّ بَعَثْتُ بِهَا إِلَى هِشَامٍ، فَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ: فَلَمَّا قَدِمَتْ عَلَيَّ خَرَجْتُ بِهَا إِلَى ذِي طُوًى أُصْعِدُ فيها النّظر وأصوّبه لأفهمها، فقلت: اللهمّ
__________
1 مرسل.
2 صحيح: أخرجه البخاري "2932" في كتاب الجهاد: باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، وأحمد "2/ 470، 521" من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه.
3 مرسل: والظاهر أن قوله "على اختلاف فيه" من قول المصنف.
4 سورة الزمر: 53.

(1/205)


فَهِّمْنِيهَا، فَعَرَفْتُ أَنَّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا لِمَا كُنَّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا، وَيُقَالُ فِينَا، فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ عَلَى بَعِيرِي، فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَقُتِلَ هِشَامٌ بِأَجْنَادِينَ1.
وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَدِمْنَا مِنْ مَكَّةَ فَنَزَلْنَا الْعُصْبَةَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا2.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَقُلْنَا لَهُ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ مَكَانُهُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَثَرِي، ثُمَّ أَتَى بَعْدَهُ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى أَخُو بَنِي فِهْرٍ، ثُمَّ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَبِلَالُ، ثُمَّ أَتَانَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، ثُمَّ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، فلم يقدم عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى قَرَأْتُ سُوَرًا مِنَ الْمُفَصَّلِ3. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُرْوَةَ قَالَ: وَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الْحَجِّ بَقِيَّةَ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمَ، وَصَفَرَ، وَإِنَّ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَمَكْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِمَّا أَنْ يَقْتُلُوهُ أَوْ يَحْبِسُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ بِمَكْرِهِمْ فِي قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} 4 الْآيَةَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ تَحْتَ اللَّيْلِ قِبَلَ الْغَارِ بِثَوْرٍ، وَعَمَدَ عَلَيٌّ فَرَقَدَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوَارِي عَنْهُ الْعُيُونَ5.
وَكَذَا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَزَادَ: فباتت قريش يختلفون ويأتمرون أيّهم
__________
1 إسناده حسن: أخرجه البزار كما في "زوائد مختصر البزار" "1345" وقال الحافظ ابن حجر في التعليق عليه: حسن. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" "6/ 62": رجاله ثقات.
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "2/ 463".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3924-3925" في كتاب مناقب الأنصار، باب: مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه المدينة، ولم يخرجه مسلم كما يدل على ذلك خاتمة مناقب الأنصار في "الفتح" "7/ 325" والغريب أن الحافظ ابن كثير في "البداية" "2/ 203" عزاه لمسلم والله أعلم.
4 سورة الأنفال: 30.
5 مرسل.

(1/206)


يَجْثِمُ عَلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ فَيُوثِقُهُ، إِلَى أَنْ أَصْبَحُوا، فَإِذَا هُمْ بِعَلِيٍّ، فَسَأَلُوهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، فَعَلِمُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ فَارًّا مِنْهُمْ، فَرَكِبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَهُ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا أَيْقَنَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ بُويِعَ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يَلْحَقُوا بِإِخْوَانِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، تَآمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَقَالُوا: الْآنَ، فَأَجْمِعُوا فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ فَوَاللَّهِ لَكَأَنَّهُ قَدْ كَرَّ عَلَيْكُمْ بِالرِّجَالِ، فَأَثْبِتُوهُ أَوِ اقْتُلُوهُ أَوْ أَخْرِجُوهُ.
فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيَقْتُلُوهُ. فَلَمَّا دَخَلُوا الدَّارَ اعْتَرَضَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ جَمِيلٍ فِي بَتٍّ1 لَهُ فَقَالَ: أَأَدْخُلُ؟ قَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، سَمِعَ بِالَّذِي اجْتَمَعْتُمْ لَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهُ مَعَكُمْ، فَعَسَى أَنْ لا يَعْدِمَكُمْ مِنْهُ نُصْحٌ وَرَأْيٌ، قَالُوا: أَجَلْ فَادْخُلْ، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قد كان من الأمر أم قَدْ عَلِمْتُمْ، فَأَجْمِعُوا رَأْيًا فِي هَذَا الرَّجُلِ، فَقَالَ قَائِلٌ: أَرَى أَنْ تَحْبِسُوهُ، فَقَالَ النَّجْدِيُّ: مَا هَذَا بِرَأْيٍ، وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَيَخْرُجَنَّ رَأْيُهُ وَحَدِيثُهُ إِلَى مَنْ وَرَاءِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَوْشَكَ أَنْ يَنْتَزِعُوهُ مِنْ أَيْدِيكُمْ، ثُمَّ يَغْلِبُوكُمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: بَلْ نُخْرِجُهُ فَنَنْفِيهِ، فَإِذَا غَيَّبَ عَنَّا وَجْهَهُ وَحَدِيثَهُ مَا نُبَالِي أَيْنَ وَقَعَ، قال النجديّ: ماذا بِرَأْيٍ، أَمَا رَأَيْتُمْ حَلَاوَةَ مَنْطِقِهِ، وَحُسْنَ حَدِيثِهِ، وَغَلَبَتَهُ عَلَى مَنْ يَلْقَاهُ، وَلَئِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَيَدْخُلُ عَلَى قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فَأَصْفَقَتْ2 مَعَهُ عَلَى رَأْيِهِ، ثُمَّ سَارَ بِهِمْ إِلَيْكُمْ حَتَّى يَطَأَكُمْ بِهِمْ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللَّهِ إِنَّ لِي فِيهِ رَأْيًا، مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ غُلَامًا جَلْدًا نَهْدًا نَسِيبًا وَسِيطًا3، ثُمَّ تُعْطُوهُ شِفَارًا4 صَارِمَةً، فَيَضْرِبُوهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمُوهُ تَفَرَّقَ دَمُهُ فِي الْقَبَائِلِ، فَلَمْ تَدْرِ عَبْدُ مَنْافٍ بَعْدَ ذَلِكَ مَا تَصْنَعُ، وَلَمْ يَقْوَوْا عَلَى حَرْبِ قَوْمِهِمْ، وَإِنَّمَا غَايَتُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ فَتَدُونَهُ لَهُمْ، قَالَ النَّجْدِيُّ: لِلَّهِ دَرُّ هَذَا الْفَتَى، هَذَا الرَّأْيُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ، فَتَفَرَّقُوا عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَمَعُوا لَهُ، وأتى رسول الله
__________
1 البت: الكساء الغليظ.
2 أصفقت: اجمتعت.
3 وسيطًا: شريفًا.
4 شفارًا: جمع شفرة، وهي السكين أو السيف.

(1/207)


-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخَبَرُ وَأُمِرَ أَنْ لا ينام على فراشه تلك الّيلة، فَلَمْ يَبِتْ مَوْضِعَهُ، بَلْ بَيَّتَ عَلِيًّا فِي مَضْجَعِهِ. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأموي عن أبيه.
حدثنا ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
"ح". قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْكَلْبِيُّ عَنْ بَاذَامَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَزَادَ فِيهِ: وَأَذِنَ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ "الْأَنْفَالَ" يَذْكُرُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ وَبَلَاءَهُ عِنْدَهُ {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ} الآية1.
__________
1 سورة الأنفال: 30.
والخبر أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" "1/ 428-430".

(1/208)


سِيَاقُ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة مهاجرا
...
سياق خروح النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة مُهَاجِرًا:
قَالَ عُقَيْلٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا وَيَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَفَيِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ1، لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ2، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ: إِنَّ مِثْلَكَ لَا يَخرج وَلَا يُخرج، وإنك تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٍ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلَادِكَ، وَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يَخرج مِثْلُهُ وَلَا يُخرج، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ! فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةَ، وَقَالُوا لَهُ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَقَالَ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ، فَيُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ3 عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ، يُعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ،
__________
1 برك الغماد: موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن.
2 القارة: قبيلة مشهورة.
3 يتقصف: يزدحم.

(1/208)


وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَكَادُ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ، وَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ جِوَارَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ الله.
والنّبيّ -صلى الله عليه وسلم- بِمَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمُسْلِمِينَ: "قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، أُرِيتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ. هُمَا الْحَرَّتَانِ"، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجَعَ إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أَرْضِ الْحَبَشَةِ.
وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا فَقَالَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي، قَالَ: هَلْ تَرْجُو بِأَبِي أَنْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
فبينا نحن جلوس في بيتنا في نحر الظَّهِيرَةِ، قِيلَ لِأَبِي بِكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقْبِلًا مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ جَاءَ بِهِ فِي هذه السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ، قَالَتْ: فَجَاءَ وَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: "اخْرُجْ فَقَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ"، قَالَ: فَخُذْ مِنِّي إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ قَالَ: "بِالثَّمَنِ"، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْتُهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ، فَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَأَوْكَتْ بِهِ الْجِرَابَ، فَبِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ في

(1/209)


جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ "ثَوْرُ" فَمَكَثَا فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ غُلَامٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ1، فَيُدْلِجُ2 مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ فِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلَا يَسْمَعُ أَمْرًا يَكِيدُونَ بِهِ إِلَّا وَعَاهُ، حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظّلام، ويرعى عليها عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منيحةً3، وَيُرِيحُ عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِ4 مِنْحَتِهِمَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهِمَا عامر بن فهيرة بغلس، ويفعل ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي الثَّلاثِ، وَاسْتَأْجَرَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بَكْرٍ رَجُلا مِنْ بَنِي الدُّئِلِ هَادِيًا خِرِّيتًا5، قد غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَهُوَ عَلَى جَاهِلِيَّتِهِ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ ثَلَاثٍ، فَارْتَحَلَا، وَانْطَلَقَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ الدِّئْلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمَا فِي طَرِيقِ السَّاحِلِ6. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: وَاللَّهِ لَلَيْلَةٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَيَوْمٌ خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَارِبًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَيْلًا، فَتَبِعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي مَرَّةً أَمَامَهُ، وَمَرَّةً خَلْفَهُ يَحْرُسُهُ، فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَتَهُ حَتَّى حَفِيَتْ رِجْلَاهُ، فَلَمَّا رَآهُمَا أَبُو بَكْرٍ حَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ، حَتَّى أَتَى بِهِ فَمَ الْغَارِ، وَكَانَ فِيهِ خَرْقٌ فِيهِ حَيَّاتٌ، فَخَشِيَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُنَّ شَيْءٌ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَلْقَمَهُ قَدَمَهُ، فَجَعَلْنَ يَضْرِبْنَهُ وَيَلْسَعْنَهُ الْحَيَّاتُ وَالْأَفَاعِي وَدُمُوعُهُ تَتَحَدَّرُ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 7، وَأَمَّا يَوْمُهُ، فَلَمَّا ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ قُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَأَلَّفِ النَّاسَ وَارْفُقْ بِهِمْ، فَقَالَ: جَبَّارٌ فِي الجاهلية خوّار في الإسلام، بم أتألّفهم بشعر مفتعل أم بقول مفترى! وذكر الحديث8.
__________
1 أي حسن الاستماع لما يقال.
2 الدلجة: السير أو الليل.
3 المنيحة: الناقة.
4 رسل: لبن.
5 خريتا: دليلًا.
6 صحيح: أخرجه البخاري، "3905" في كتاب مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة، وأحمد "6/ 198"، وأبو نعيم في "الحلية" "64".
7 سورة التوبة: 40
8 إسناده منقطع: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "2/ 476" من طريق محمد بن سيرين عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهذا إسناد منقطع، وأخرجه البيهقي "2/ 477" من وجه آخر ضعيف كما يأتي.

(1/210)


وَهُوَ مُنْكَرٌ، سَكَتَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَسَاقَهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّاسِبِيُّ، حَدَّثَنِي فُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مَيْمُونَ، عَنْ ضَبَّةَ بْنِ مُحَصَّنٍ، عَنْ عُمَرَ. وَآفَتُهُ مِنْ هَذَا الرَّاسِبِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ، مَعَ كَوْنِهِ مَجْهُولًا، ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ فَغَمَزَهُ1.
وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ: حدثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ، فَأَصَابَ يَدَهُ حَجَرٌ فَقَالَ:
إِنْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ ... وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ2
الْأَسْوَدُ: هُوَ ابْنُ قَيْسٍ، سَمِعَ مِنْ جُنْدُبٍ الْبَجَلِيِّ، وَاحْتَجَّا بِهِ في الصّحيحين.
وقال همّام: حدثنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى تَحْتِ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا" 3. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُمْ رَكِبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَعَثُوا إِلَى أَهْلِ الْمِيَاهِ يَأْمُرُونَهُمْ بِهِ، وَيَجْعَلُونَ لَهُمُ الْجُعْلَ الْعَظِيمَ إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَجَازَ بِهِمَا الدَّلِيلُ أَسْفَلَ مَكَّةَ، ثُمَّ مَضَى بِهِمَا حَتَّى جَاءَ بِهِمَا السَّاحِلَ أَسْفَلَ مِنْ "عُسْفَانَ" ثُمَّ سَلَكَ فِي "أَمَجٍ"، ثُمَّ أَجَازَ بِهِمَا حَتَّى عَارَضَ الطَّرِيقَ بَعْدَ أَنْ أَجَازَ "قُدَيْدًا"، ثُمَّ سَلَكَ فِي "الْخَرَّارِ"، ثُمَّ أَجَازَ عَلَى "ثَنِيَّةِ الْمَرَةِ"، ثُمَّ سَلَكَ "مَدْلَجَةَ لَقْفٍ"، ثُمَّ اسْتَبْطَنَ "مَدْلَجَةَ مَجَاحٍ"، ثُمَّ "بَطْنَ مرجح
__________
1 ذكره الحافظ الذهبي في "الميزان" "4804" وقال: أتى بخبر باطل طويل وهو المتهم به ثم ذكر طرق، وقال: وهو يشبه وضع الطرقية.
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "2/ 480".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3653" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم، ومسلم "2381" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر -رضي الله عنه- والترمذي "3107" في كتاب التفسير، باب: ومن سورة التوبة، وأحمد "1/ 4" وابن جرير الطبري في "تفسيره" "10/ 96".

(1/211)


ذِي الْعَصَوَيْنِ"، ثُمَّ أَجَازَ "الْقَاحَةَ"، ثُمَّ هَبَطَ "الْعَرَجَ"، ثُمَّ أَجَازَ فِي "ثَنِيَّةِ الْغَائِرِ" عَنْ يَمِينِ رَكُوبَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ "بَطْنَ رِيمٍ" ثُمَّ قَدِمَ "قُبَاءَ" مِنْ قِبَلِ "الْعَالِيَةِ"1.
وَقَالَ مُسْلِمُ بن إبراهيم: حدثنا عَوْنُ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا مُصْعَبٍ الْمَكِّيَّ قَالَ: أَدْرَكْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ؛ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، فَسَمِعْتُهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْغَارِ أَمَرَ اللَّهُ بِشَجَرَةٍ فَنَبَتَتْ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ اللَّهُ الْعَنْكَبُوتَ فَنَسَجَتْ فَسَتَرَتْهُ، وَأَمَرَ اللَّهُ حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فَوَقَعَتَا بِفَمِ الْغَارِ، وَأَقْبَلَ فِتْيَانُ قُرَيْشٍ بِعِصِيِّهِمْ وَسُيُوفِهِمْ، فَجَاءَ رَجُلٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَاقِينَ فَقَالَ: رَأَيْتُ حَمَامَتَيْنِ بِفَمِ الْغَارِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ2.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بكر من عازب رحلًا بثلاثة عشر دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى رَحْلِي، فَقَالَ لَهُ عَازِبٌ: لَا حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ خَرَجْتُمَا، وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمَا.
قَالَ: أَدْلَجْنَا مِنْ مَكَّةَ لَيْلًا، فَأَحْيَيْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا، وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ نَأْوِي إِلَيْهِ، فَإِذَا صَخْرَةٌ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلٍّ لَهَا فَسَوَّيْتُهُ، ثُمَّ فَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرْوَةً، ثُمَّ قُلْتُ: اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلِي هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أحدًا، فإذا براعي يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أُرِيدُ، يَعْنِي الظِّلَّ، فَسَأَلْتُهُ: لِمَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ التُّرَابِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ، فَقَالَ هَكَذَا، فَضَرَبَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً3 مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ رَوَّأْتُ4 معي
__________
1 مرسل.
2 منكر: أخرجه البيهقي في "الدائل" "2/ 481-482"، وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" 2/ 214": هذا حديث غريب جدًّا من هذا الوجه. وقال الألباني في "الضعيفة" "1128": منكر.
3 الكثبة: القليل.
4 روأت: صفيت.

(1/212)


لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِدَاوَةً، عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَافَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يا رسول الله فشرب حتى رضي، ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ، قَالَ: فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رسول الله قال: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} 1، فَلَمَّا أَنْ دَنَا مِنَّا، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَيْدُ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قد لحقنا يا رسول الله وَبَكَيْتُ، فَقَالَ: "مَا يُبْكِيكَ؟ " قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا عَلَى نَفْسِي أَبْكِي، وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَبْكِي عَلَيْكَ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "اللهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ"، فَسَاخَتْ2 بِهِ فَرَسُهُ فِي الْأَرْضِ إِلَى بَطْنِهَا، فَوَثَبَ عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُنْجِيَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَعْمِيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِي مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَانَتِي فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِي وَغَنَمِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا حَاجَةَ لَنَا فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ"، فَدَعَا لَهُ، فَانْطَلَقَ رَاجِعًا إِلَى أَصْحَابِهِ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا3. أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ. أخرج الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رجاء، عنه.
وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَتْلِهِ أَوْ أسْرِهِ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ؛ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوَدَةً4 بِالسَّاحِلِ، أَرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثُمَّ قَلَّمَا لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ حَتَّى قُمْتُ فَدَخَلْتُ بيتي،
__________
1 سورة التوبة: 40.
2 ساخت: غاصت.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3615" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام ومسلم "3014" في كتاب الزهد، باب: في حديث الهجرة، وأحمد "1/ 2".
4 أسودة: أشخاص.

(1/213)


فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي فَتُهْبِطَهَا مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، فَأَخَذْتُ رُمْحِي وَخَرَجْتُ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ بِزُجَّهِ1الْأَرْضَ، وَخَفَضْتُ علية الرُّمْحِ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تَقْرُبُ بِي، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُمْ عَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي، وَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَوْ لَا أَضُرُّهُمْ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ: "لَا أَضُرُّهُمْ"، فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، فَرَفَعْتُهَا تَقْرُبُ بِي، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ التَّلَفُّتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجْ يَدَاهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا غُبَارٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ "لَا أَضُرُّهُمْ"، فَنَادَيْتُهُمَا بِالْأَمَانِ، فَوَقَفَا لِي وَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمَا، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمَا، أَنَّهُ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكُمَا الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمَا أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي شَيْئًا، وَلَمْ يَسْأَلَانِي، إِلَّا أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةٍ آمَنُ بِهِ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ، فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ2، ثُمَّ مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم3. أخرجه البخاري.
وقال موسى بن عقبة: أخبرنا ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَخَاهُ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ أَخْبَرَهُ، ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ، وَزَادَ فِيهِ: وَأَخْرَجْتُ سِلَاحِي ثُمَّ لَبِسْتُ لَامَتِي4، وَفِيهِ: فَكَتَبَ لِي أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ أَلْقَاهُ إِلَيَّ فَرَجَعْتُ فَسَكَتُّ، فَلَمْ أَذْكُرْ شَيْئًا مِمَّا كَانَ، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ، وَفَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حُنَيْنٍ خَرَجْتُ لِأَلْقَاهُ وَمَعِي الْكِتَابُ، فَدَخَلْتُ بَيْنَ كَتِيبَةٍ مِنْ كَتَائِبِ الْأَنْصَارِ، فَطَفِقُوا يَقْرَعُونَنِي بِالرِّمَاحِ وَيَقُولُونَ: إِلَيْكَ إِلَيْكَ، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْ رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عَلَى نَاقَتِهِ، أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ فِي غَرْزَةٍ كأنّها
__________
1 الزج: الطعن.
2 الأدم: الجلد.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3906" في كتاب مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة.
4 اللأمة: أداة الحرب.

(1/214)


جمارة1، فرفعت يَدِي بِالْكِتَابِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كتابك، فقال: "يوم وفاء وبرّ ادن ادن"، قَالَ: فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ ذَكَرْتُ شَيْئًا أَسْأَلُ عَنْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: سَأَلَهُ عَنِ الضَّالَّةِ وَشَيْءٍ آخَرَ، قال: فانصرفت وسقت إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَتِي2.
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حُدِّثْتُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، أَتَى نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ، فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبِي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكَ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي وَاللَّهِ أَيْنَ أَبِي، فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا فَلَطَمَنِي عَلَى خَدِّي لَطْمَةً طُرِحَ مِنْهَا قُرْطِي3.
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ جَدَّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ مَعَهُ، خَمْسَةُ آلَافٍ أَوْ سِتَّةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَانْطَلَقَ بِهِ مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وقد ذهب بصره فقال: والله إنّي لا أراه فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ، قَالَتْ: كَلَّا يَا أبت، قد ترك لنا خيرً كَثِيرًا، قَالَتْ: فَأَخَذْتُ أَحْجَارًا فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةٍ مِنَ الْبَيْتِ كَانَ أَبِي يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقَالَتْ: ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا الْمَالِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ إِذَا كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ، فِي هَذَا بَلَاغٌ لَكُمْ، قَالَتْ: وَلَا وَاللَّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أُسَكِّنَ الشَّيْخَ4.
وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ مُهَاجِرًا، جَعَلَتْ قُرَيْشٌ فِيهِ مِائَةَ نَاقَةٍ لِمَنْ رَدَّهُ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَّا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَكْبًا ثَلَاثَةً مَرُّوا عَلَيَّ آنِفًا، إِنِّي لأراهم محمدًا وأصحابه،
__________
1 الجمارة: قلب النخلة.
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "2/ 487-489".
3 إسناده ضعيف: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" "1/ 434".
4 إسناده حسن: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" "1/ 435".

(1/215)


فَأَوْمَأْتُ إِلَيْهِ، يَعْنِي أَنِ اسْكُتْ، ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّمَا هُمْ بَنُو فُلَانٍ يَبْتَغُونَ ضَالَّةً لَهُمْ، قَالَ: لَعَلَّهُ، قَالَ: فَمَكَثْتُ قَلِيلًا، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي، فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ1.
قَالَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ مَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ يَتَغَنَّى بِأَبْيَاتٍ مِنْ شِعْرِ غِنَاءِ الْعَرَبِ، وَإِنَّ النَّاسَ لَيَتْبَعُونَهُ، وَيَسْمَعُونَ صَوْتَهُ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ:
جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسٍ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَا بِالْبِرِّ ثُمَّ تَرَوَّحَا ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
لِيَهْنِ بَنِي كَعْبٍ مَكَانُ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ
قَالَتْ: فَعَرَفْنَا حَيْثُ وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَّ وَجْهَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ2.
قُلْتُ: قَدْ سُقْتُ خَبَرَ أُمِّ مَعْبَدٍ بِطُولِهِ فِي صِفَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا يَأْتِي -إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بن أبي زائدة: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة، فانتهينا إلى حي من أحياء العرب، فنظر النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بَيْتٍ مُنْتَحِيًا، فَقَصَدَ إِلَيْهِ فَلَمَّا نَزَلْنَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَيِ اللَّهِ إِنَّمَا أَنَا امْرَأَةٌ وليس مَعِي أَحَدٌ، فَعَلَيْكُمَا بِعَظِيمِ الْحَيِّ إِنْ أَرَدْتُمُ الْقِرَى3، قَالَ: فَلَمْ يُجِبْهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَجَاءَ ابْنٌ لَهَا بِأَعْنُزٍ لَهُ يَسُوقُهَا، فَقَالَتْ له: يا بنيّ انطلق بهذه العنز والسّفرة إِلَيْهِمَا فَقُلْ: اذْبَحَا هَذِهِ وَكُلَا وَأَطْعِمَانَا، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْطَلِقْ بِالشَّفْرَةِ وَجِئْنِي بِالْقَدَحِ"، قَالَ: إِنَّهَا قَدْ عزبت وليس بها لَبَنٌ، قَالَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِقَدَحٍ، فَمَسَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَرْعَهَا، ثُمَّ حَلَبَ حَتَّى مَلَأَ الْقَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَى أُمِّكَ، فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ فَقَالَ: انْطَلِقْ بِهَذِهِ وَجِئْنِي بِأُخْرَى، ففعل بها
__________
1 أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" "1/ 435-436".
2 إسناده ضعيف: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" "1/ 434-435".
3 القرى: ما يقدم للضيف.

(1/216)


كَذَلِكَ، ثُمَّ سَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ بِأُخْرَى، فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ شَرِبَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَبِتْنَا لَيْلَتَنَا ثُمَّ انْطَلَقْنَا، فَكَانَتْ تُسَمِّيهِ "الْمُبَارَكَ"، وَكَثُرَ غَنَمُهَا حَتَّى جَلَبَتْ جَلْبًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَرَآهُ ابْنُهَا فَعَرَفَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّهُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمُبَارَكِ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنِ الرَّجُلُ الذي كان معك؟ قال: وما تدرن مَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: هُوَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: فَأَدْخِلْنِي عَلَيْهِ، فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهَا وَأَعْطَاهَا1.
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى عَنْ يَحْيَى، وَإِسْنَادُهُ نَظِيفٌ لَكِنْ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى.
أوس بن عبد الله بن بريدة: أنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَفَاءَلُ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ جَعَلَتْ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ لِمَنْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِمْ، فَرَكِبَ بُرَيْدَةُ فِي سَبْعِينَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، فَلَقِيَ نَبِيَّ الله -صلى الله عليه وسلم- لَيْلًا فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: بُرَيْدَةُ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: بَرَدَ أَمْرُنَا وَصَلُحَ، ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّنْ؟ قَالَ: مَنْ أَسْلَمَ، قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: سَلِمْنَا، ثُمَّ قَالَ: مِمَّنْ؟ قَالَ: مِنْ بَنِي سَهْمٍ، قَالَ: خَرَجَ سَهْمُكَ. فَأَسْلَمَ بُرَيْدَةُ وَالَّذِينَ مَعَهُ جَمِيعًا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ بُرَيْدَةُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَدْخُلِ الْمَدِينَةَ إِلَّا وَمَعَكَ لِوَاءٌ، فَحَلَّ عِمَامَتَهُ ثُمَّ شَدَّهَا فِي رُمْحٍ، ثُمَّ مَشَى بَيْنَ يدي النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ تَنْزِلُ عَلَيَّ، قَالَ: إِنَّ نَاقَتِي مَأْمُورَةٌ. فَسَارَ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَى بَابِ أَبِي أَيُّوبَ فَبَرَكَتْ2. قُلْتُ: أَوْسٌ مَتْرُوكٌ.
وقال الحافظ أبو الوليد الطّيالسيّ: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، ثنا أَبِي، عَنْ قَيْسِ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: لَمَّا انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ مُسْتَخْفِيَيْنِ مَرَّا بِعَبْدٍ يَرْعَى غَنَمًا فَاسْتَسْقَيَاهُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: مَا عِنْدِي شَاةٌ تَحْلِبُ، غَيْرَ أنّ ههنا عناقًا
__________
1 إسناده منقطع: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "2/ 491"، وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" "2/ 224-225" إسناد حسن. وقد أعله المصنف بالانقطاع بين عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي بكر الصديق، والظاهر أن هذا هو الراجح، فقد اختلفوا في سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من عمر، ولم يذكر الحافظ ابن حجر في "التهذيب" "2/ 548" أبا بكر في شيوخ عبد الرحمن، مع تنبيهه في المقدمة أنه يبدأ بذكر أكبر شيوخ الراوي، مما يدل على أنه لم يثبت له سماع منه، والله أعلم.
2 إسناده ضعيف جدًّا: أوس متروك كما يأتي، وانظر "الميزان" "1046".

(1/217)


حَمَلَتْ أَوَّلَ الشَّاءِ، وَقَدْ أَخْدَجَتْ وَمَا بَقِيَ لَهَا لَبَنٌ، فَقَالَ: ادْعُ بِهَا، فَدَعَا بِهَا، فَاعْتَقَلَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَسَحَ ضَرْعَهَا وَدَعَا حَتَّى أَنْزَلَتْ، وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِمَجْنٍ فَحَلَبَ فَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ حَلَبَ فَسَقَى الرَّاعِيَ، ثُمَّ حَلَبَ فَشَرِبَ، فَقَالَ الرَّاعِي: بِاللَّهِ مَنْ أَنْتَ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ قَطُّ؟ قَالَ: "أَتَكْتُمُ عَلَيَّ حَتَّى أُخْبِرَكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَإِنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ"، فَقَالَ: أَنْتَ الَّذِي تَزْعُمُ قُرَيْشٌ أَنَّهُ صَابِئٌ، قَالَ: "إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ ذَلِكَ"، قَالَ: فَأَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ مَا فَعَلْتَ إِلَّا نَبِيٌّ، وَأَنَا مُتَّبِعُكَ، قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ ذَلِكَ يَوْمَكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ أَنِّي قَدْ ظَهَرْتُ فَائْتِنَا" 1.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قال: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالُوا: لَمَّا بَلَغَنَا مَخْرَجُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ، كُنَّا نَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَنَجْلِسُ لَهُ بِظَاهِرِ الْحَرَّةِ، نَلْجَأُ إِلَى ظِلُّ الْجُدُرِ حَتَّى تَغْلِبَنَا عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَى رِحَالِنَا، حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَسْنَا كَمَا كُنَّا نَجْلِسُ، حتى إذا رجعنا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَآهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَنَادَى: يَا بُنَيَّ قَيْلَةُ هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ جَاءَ، فَخَرَجْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَنَاخَ إِلَى ظِلٍّ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهِ مَا نَدْرِي أَيُّهُمَا أَسَنُّ، هُمَا فِي سِنٍّ وَاحِدَةٍ، حَتَّى رَأَيْنَا أَبَا بَكْرٍ يَنْحَازُ لَهُ عَنِ الظِّلِّ، فَعَرَفْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَامَ فَأَظَلَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِدَائِهِ، فَعَرَفْنَاهُ2.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ: حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ وَسَّاجٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ، يَعْنِي الْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ3 غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَغَلَّفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتْمِ4. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، مِنْ حديث محمد بن حمير.
__________
1 أخرجه البزار كما في "زوائد مسند البزار" "1342".
2 إسناده محتمل للتحسين: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" "1/ 438" وعبد الرحمن بن عويم بن ساعدة ذكر ابن حبان في "الثقات" "5/ 75" إِنَّهُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 أشمط: اختلط سواد شعره ببياضه.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3919" في كتاب مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة.

(1/218)


وَقَالَ شُعْبَةُ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَا يُقْرِئَانِ الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ، وَبِلَالٌ، وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ رَاكِبًا، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ قَطُّ فَرَحَهُمْ بِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلَائِدَ وَالصِّبْيَانَ يَسْعَوْنَ فِي الطُّرُقِ يَقُولُونَ: "جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ حَتَّى تَعَلَّمْتُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} 1 في مثلها من المفصّل2.
خ3 وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، فِي حَدِيثِ الرَّحْلِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَضَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا مَعَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا، فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بذلك"، وقدم النّاس حين قدمنا المدينة، في الطَّرِيقِ وَعَلَى الْبُيُوتِ، وَالْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ يَقُولُونَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللَّهُ أكبر جاء محمد، الله أَكْبَرُ جَاءَ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا أَصْبَحَ انْطَلَقَ فَنَزَلَ حَيْثُ أَمَرَ4. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ هَاشِمُ بْنُ القاسم: حدثنا سُلَيْمَانُ هُوَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: إِنِّي لَأَسْعَى فِي الْغِلْمَانِ يَقُولُونَ: جَاءَ مُحَمَّدٌ، وَأَسْعَى وَلَا أَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: "جَاءَ مُحَمَّدٌ"، فَأَسْعَى، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ فَكَمِنَّا فِي بَعْضِ جُدُرِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ بَعَثَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ لِيُؤْذِنَ بِهِمَا الْأَنْصَارَ قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءَ خُمْسُمِائَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا، فَقَالُوا: انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، حَتَّى إِنَّ الْعَوَاتِقَ لَفَوْقَ الْبُيُوتِ يَتَرَاءَيْنَهُ يَقُلْنَ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ قَالَ: فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا شَبِيهًا بِهِ يَوْمَئِذٍ5. صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقِّرِيُّ وَغَيْرُهُ، عن الزّهري قال: فأخبرني عروة أنّ
__________
1 سورة الأعلى: 1.
2 صحيح: وقد تقدم تخريجه.
3 رمز للبخاري.
4 أخرجه بهذا اللفظ ابن سعد في "الطبقات" "4/ 271" وأصله عند البخاري "3925" في كتاب مناقب الأنصار، باب: مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه المدينة.
5 إسناده صحيح: أخرجه أحمد "3/ 222".

(1/219)


الزُّبَيْرَ كَانَ فِي رَكْبِ تُجَّارٍ بِالشَّامِ، فَقَفَلُوا إِلَى مَكَّةَ، فَعَارَضُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ بِثِيَابِ بَيَاضٍ، وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ، حَتَّى يَرُدَّهُمْ نَحْرُ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَمَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ، أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ أَطْمًا1 مِنْ آطَامِهِمْ لِشَأْنِهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ2 يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمُ3 الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السَّلَامِ، فَلَقُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ الْيَمِينِ، حَتَّى نَزَلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَذَلِكَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْسَبُهُ أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فعرفوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
وَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ، فَمَشَى مَعَهُ النَّاسُ، حَتَّى بَرَكَتْ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ مَسْجِدِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا4 لِلتَّمْرِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ، غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ أَخَوَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَقَالَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: "هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ". ثُمَّ دَعَا الْغُلَامَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا الْمِرْبَدَ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالَا: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ، فَأَبَى حَتَّى ابْتَاعَهُ وَبَنَاهُ5.
وَقَالَ عَبْدُ الوارث بن سعيد وغيره: حدثنا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا متقلّدين سيوفهم، فكأنّي
__________
1 الأطم: الحصن.
2 مبيضين: عليهم ثياب بيض.
3 جدكم: حظكم.
4 مربدًا: موضع لتجفيف التمر.
5 أخرجه البخاري "3906" في كتاب مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة.

(1/220)


أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ، وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْتَظِرُ أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ "أَهْلِ الْمَدِينَةِ" فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: انْظُرِ الَّذِينَ دَعَوْكَ فَأْتِهِمْ، فَعَمَدَ إِلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَاتَّخَذَ مَكَانَهُ مَسْجِدًا فَكَانَ يصلّي فيه، ثم بناه عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَهُوَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَالرِّضْوَانِ.
ثُمَّ إِنَّهُ رَكِبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَمَرَّ عَلَى بَنِي سَالِمٍ، فَجَمَعَ فِيهِمْ، وَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَاسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلَمَّا أَبْصَرَتْهُ الْيَهُودُ صَلَّى إِلَى قِبْلَتِهِمْ طَمِعُوا فِيهِ لِلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ، ثُمَّ ارْتَحَلَ فَاجْتَمَعَتْ لَهُ الْأَنْصَارُ يُعَظِّمُونَ دِينَ اللَّهِ بِذَلِكَ، يَمْشُونَ حَوْلَ نَاقَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى الله عليه وسلم- لا يَزَالُ أَحَدُهُمْ يُنَازِعُ صَاحِبَهُ زِمَامَ النَّاقَةِ، فَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَ النَّاقَةِ، فَإِنَّمَا أَنْزِلُ حَيْثُ أَنْزَلَنِي اللَّهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَارِ أَبِي أَيُّوبَ فِي بَنِي غَنْمٍ، فَبَرَكَتْ عَلَى الْبَابِ، فَنَزَلَ، ثُمَّ دَخَلَ دَارَ أَبِي أَيُّوبَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ حَتَّى ابْتَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسْكَنَهُ فِي بَنِي غَنْمٍ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ مَوْضِعًا لِلتَّمْرِ لِابْنَيْ أَخِي أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْطَى ابْنَيْ أَخِيهِ مَكَانَهُ نَخْلا لَهُ فِي بَنِي بَيَاضَةَ، فَقَالُوا: نُعْطِيهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا نَأْخُذُ لَهُ ثَمَنًا، وَبَنَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَمْزَةَ وَلِعَلِيٍّ وَلِجَعْفَرَ، وَهُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَجَعَلَ مَسْكَنَهُمْ فِي مَسْكَنِهِ، وَجَعَلَ أَبْوَابَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ بَابِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لَهُ، فَصَرَفَ بَابَ حَمْزَةَ وَجَعْفَرَ. كَذَا قَالَ: وَهُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلِيٌّ بِمَكَّةَ2. رَوَاهُ ابْنُ عَائِذٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْهُ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: لَمَّا دَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأَبُو بكر من المدينة،
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3932" في المصدر السابق، ومسلم "524" في كتاب المساجد، باب: ابتناء مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو داود "453" في كتاب الصلاة، باب: في بناء المساجد، أبو نعيم في "الحلية" "3316".
2 إسناده ضعيف: عثمان بن عطاء الخراساني ضعيف كما في "التقريب" "4502".

(1/221)


وَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنَ الشَّامِ، خَرَجَ طَلْحَةُ عَامِدًا إِلَى مَكَّةَ، لَمَّا ذُكِرَ له النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ إِمَّا مُتَلَقِّيًا لَهُمَا، وَإِمَّا عَامِدًا عَمْدَهُ بِمَكَّةَ، وَمَعَهُ ثِيَابٌ أَهْدَاهَا لِأَبِي بَكْرٍ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ، فَلَمَّا لَقِيَهُ أَعْطَاهُ الثِّيَابَ، فَلَبِسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ مِنْهَا.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ يوم الإثنين، لاثنتي عشرة ليلةً خَلَت من ربيع الأوّل، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ1.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لِلَيْلَتَيْنِ مَضَتَا مِنْهُ. رَوَاهُ يُونُسُ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ عَبْدُ الله بن إدريس: حدثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمٍ، أَخْبَرَنِي بَعْضُ قَوْمِي قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَقَامَ بِقُبَاءَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَخَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءَ. وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَبِثَ فِيهِمْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً2.
وَقَالَ زكريّا بن إسحاق: حدثنا عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: مكث النّبيّ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ وَهُو ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ3. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عيينة: حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَجُوزٍ لَهُمْ، قَالَتْ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَخْتَلِفُ إِلَى صِرْمَةِ أَبِي قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ يَرْوِي هَذِهِ الْأَبْيَاتَ:
__________
1 الوليد بن مسلم مدلس، وقد عنعنه، والحديث أخرجه البيهفي في "الدلائل" 2/ 511".
2 ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه، والحديث أخرجه البيهقي في "الدلائل" "2/ 512".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3902" في كتاب: مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة، ومسلم "2351/ 118" في كتاب الفضائل، باب: كم أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة والمدينة؟ وأحمد "1/ 371".

(1/222)


ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً ... يُذَكِّرُ لَوْ أَلْفَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا1
وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ يَرَ مَنْ يُؤْوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا
فَلَمَّا أَتَانَا وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى ... وَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بِطِيبَةَ رَاضِيَا
وَأَصْبَحَ مَا يَخْشَى ظَلَامَةَ ظَالِمٍ ... بَعِيدٍ وَلَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ بَاغِيَا
بَذَلْنَا الْأَمْوَالَ مِنْ جُلِّ مَالِنَا ... وَأَنْفُسَنَا عِنْدَ الْوَغَى وَالتَّآسِيَا
نُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ... جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُوَاسِيَا
وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... وَأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَصْبَحَ هَادِيَا2
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ، وَنَبِيُّ اللَّهِ شَابٌّ لَا يُعْرَفُ -يُرِيدُ دُخُولَ الشَّيْبِ فِي لِحْيَتِهِ دُونَهُ لَا فِي السِّنِّ- قَالَ أَنَسٌ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا رَجُلٌ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، فَيَحْسَبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي طَرِيقَ الْخَيْرِ. فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ"، فَصَرَعَهُ فَرَسُهُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ3. فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُرْنِي بِمَا شِئْتَ، قَالَ: "تَقِفُ مَكَانَكَ لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا"، قَالَ: فَكَانَ أَوَّلُ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى النَّبِيِّ وَآخِرُ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَانِبَ الْحَرَّةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ، فَجَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا فَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ، فَرَكِبَا وَحَفُّوا حَوْلَهُمَا بِالسِّلَاحِ، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ "جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" وأقبل حَتَّى نَزَلَ إِلَى جَانِبِ بَيْتِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لِأَهْلِهِ، يَخْتَرِفُ4 لَهُمْ مِنْهُ، فَعَجَّلَ أَنْ يَضَعَ الَّتِي يَخْتَرِفُ فِيهَا فَجَاءَهُ وَهِيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ"؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذِهِ دَارِي، قَالَ: "اذْهَبْ فَهَيِّئْ لَنَا مقيلًا"، فذهب فهيأ
__________
1 ثوى: أقام.
2 إسناده ضعيف: لجهالة هذه العجوز، وقد عزاه الحافظ ابن كثير في "البداية" "2/ 238" للحميدي.
3 الحمحمة: صوت دون الصهيل.
4 يخترف: يجتني.

(1/223)


لَهُمَا مَقِيلًا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ هَيَّأْتُ لَكُمَا مَقِيلًا، قَالَ: "قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَقِيلَا".
فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَقًّا، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَلَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ1. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ سِيرَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَغَازِيهِ فِي الْعَشْرِ السِّنِينِ الَّتِي لَبِثَ فِيهَا بِالْمَدِينَةِ مَا فِيهِ مَغْنًى إِنْ شَاءَ الله تعالى.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري في "3911" في كتاب مناقب الأنصار، باب: هجرى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة.

(1/224)


فَصْلٌ فِي مُعْجِزَاتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِوَى مَا مَضَى فِي غُضُونِ الْمَغَازِي 1:
قَالَ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ أَبِي حَزْرَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِيَنَا أَبُو الْيَسَرِ صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي مَسْجِدِهِ فَقَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ2 فَذَهَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْضِي حاجته واتّبعته بإداوة نم مَاءٍ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، وَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: "انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ"، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ3 الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ: "انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ"، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ4، فِيمَا بَيْنَهُمَا، لَأَمَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: "الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ"، فَالْتَأَمَتَا، قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحَضِّرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقري -يَعْنِي فَيَبْتَعِدَ- فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي، فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقْبِلٌ، وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَفَ وَقْفَةً فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا، يَمِينًا وَشِمَالًا، ثُمَّ أَقْبَلَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَالَ: "يَا جَابِرُ هَلْ رَأَيْتَ مَقَامِي"؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ غُصْنًا فَأَقْبِلْ بِهِمَا، حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ، قال: فقمت فأخذت حجرًا فكسرته وجشرته5 فاندلق لِي، فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ، فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ منهما غصنًا، ثم أقبلت
__________
1 أي في الأصل في كتاب "تاريخ الإسلام" حيث ساق المغازي، وحذفها المحقق هنا.
2 أفيح: واسعًا.
3 المخشوش: الخشاش عود يجعل في أنف البعير يشد به الزمام.
4 المنصف: وسط الطريق.
5 جشرته: قطعته.

(1/225)


أَجُرُّهُمَا، حَتَّى إِذَا قُمْتُ مَقَامَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي، ثُمَّ لَحِقْتُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: "إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ".
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، وَفِيهِ إِعْوَازُ النَّاسِ الْمَاءَ، وَأَنَّهُ أَتَاهُ بِيَسِيرِ مَاءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِيهِ فِي قَصْعَةٍ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَوَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَاسْتَقَى مِنْهُ النَّاسُ حَتَّى رُوُوا1. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ وَغَيْرُهُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ إِلَّا يَسِيرٌ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَصَبَّهُ فِي صَحْفَةٍ، وَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ فَتَوَضَّئُوا وَشَرِبُوا، قَالَ الْأَعْمَشُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ فَقَالَ: حَدَّثَنِيهِ جَابِرٌ، فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً2. أَخْرَجَهُ "خ".
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، وَحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَنَا عَطَشٌ، فَجَهَشْنَا3 إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعَ يَدَهُ فِي تَوْرٍ4 مِنْ مَاءٍ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ الْعُيُونُ، فَقَالَ: "خُذُوا بِاسْمِ اللَّهِ"، فَشَرِبْنَا فَوَسِعَنَا وَكَفَانَا، وَلَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَلْفًا وَخُمْسُمِائَةً5. صَحِيحٌ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عَلَى الْحَجُونِ لَمَّا آذَاهُ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَرِنِي الْيَوْمَ آيَةً لَا أُبَالِي مَنْ كَذَّبَنِي بَعْدَهَا"، قَالَ: فَأَمَرَ فَنَادَى شَجَرَةً، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ، حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهَا فرجعت6.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "3006" في كتاب الزهد، باب: حديث جابر الطويل.
2 صحيح: أخرجه البخاري.
3 جهشنا: فزعنا.
4 التور: إناء من نحاس أو حجارة.
5 صحيح: أخرجه البخاري "4152" في كتاب المغازي، باب: غزوة الحديبية.
6 إسناده ضعيف: علي بن زيد ضعيف الحفظ.

(1/226)


وَرَوَى الْأَعْمَشُ نَحْوَهُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَنَسٍ، وَرَوَى الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ نَحْوًا مِنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر بْن أبان: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ: "أَيْنَ تُرِيدُ"؟ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: إِلَى أَهْلِي، قَالَ: "هَلْ لَكَ إِلَى خَيْرٍ"؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: "تُسْلِمُ"، قَالَ: هَلْ مِنْ شَاهِدٍ؟ قَالَ: "هَذِهِ الشَّجَرَةُ"، فَدَعَاهَا فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ1 الْأَرْضَ خَدًّا، فَقَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلَاثًا، فَشَهِدَتْ لَهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا، وَرَجَعَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: إِنْ يَتَّبِعُونِي آتِكَ بِهِمْ، وَإِلَّا رَجَعْتُ إِلَيْكَ فَكُنْتُ مَعَكَ2. غَرِيبٌ جِدًّا، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ. أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ"3 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ.
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: بِمَ أَعْرِفُ إنك رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ"؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَعَاهُ، فَجَعَلَ يَنْزِلُ مِنَ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ فِي الأَرْضِ، فَجَعَلَ يَنْقِزُ4، حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ لَهُ: "ارْجِعْ"، فَرَجَعَ حَتَّى عَادَ إِلَى مَكَانِهِ، فقال: أشهد أنّك رسول الله وَآمَنَ5. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْهُ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَاجَتِهِ، وَتَبِعْتُهُ بالإداوة، فإذا شجرتان بينهما أذرع
__________
1 تخد: تشق.
2 أخرجه الدارمي "16".
3 هكذا أطلق عليه الحافظ الذهبي مسندًا، والصحيح أنه "سنن" فتصنيفه على الكتاب والأبواب الفقهية لا على مسانيد الصحابة، ولكن إطلاق "المسند" على "سنن الدارمي" اشتهر عند المحدثين، قال السيوطي: مسند الدارمي ليس بمسند بل هو مرتب على الأبواب. وقال العراقي: اشتهر تسميته بالمسند كما سمى البخاري كتاب بالمسند، لكون أحاديثه مسنده. انظر مقدمة محقق "سنن الدارمي".
4 ينقز: يقفز.
5 صحيح: أخرجه الترمذي "3648" في كتاب المناقب، باب: ما جاء في آيات إثبات نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحمد "1/ 223"، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".

(1/227)


فَقَالَ: "انْطَلِقْ فَقُلْ لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ خَلْفَهُمَا" فَفَعَلْتُ، فَرَجَعَتْ حَتَّى لَحِقَتْ بِصَاحِبَتِهَا، فَجَلَسَ خَلْفَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ رَجَعَتَا1.
وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَقَالَ: إِنِّي أُطِبُّ النَّاسَ، فَإِنْ كَانَ بِكَ جُنُونٌ دَاوَيْتُكَ، فَقَالَ: "أَتُحِبُّ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً"؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَادْعُ ذَاكَ العذق"، فدعاه، فجاءه ينقز علة ذَنَبِهِ، حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "ارْجِعْ" فَرَجَعَ، فَقَالَ: يَا لَعَامِرٍ، مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَسْحَرَ مِنْ هَذَا2.
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، قَالُوا: أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، أنا عَبْدُ الْأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّوَيْهِ، أنا عِيسَى بْنُ عُمَرَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِسَمَرْقَنْدَ، أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، وَكَانَ لَا يَأْتِي الْبَرَازَ حَتَّى يَتَغَيَّبَ فَلَا يُرَى، فَنَزَلْنَا بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ وَلَا عَلَمٌ، فَقَالَ: "يَا جَابِرُ اجْعَلْ فِي إِدَاوَتِكَ مَاءً ثُمَّ انْطَلِقْ بِنَا"، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى لَا نُرَى، فإذا هو بشجرتين بينهما أربعة أَذْرُعٍ، فَقَالَ: "انْطَلِقْ إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَقُلْ: يَقُولُ لَكِ: الْحَقِي بِصَاحِبَتِكِ حَتَّى أَجْلِسَ خَلْفَكُمَا" فَرَجَعَتُ إِلَيْهَا، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَلْفَهُمَا، ثُمَّ رَجَعَتَا إِلَى مَكَانِهِمَا.
فَرَكِبْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بَيْنَنَا كَأَنَّمَا عَلَيْنَا الطَّيْرُ تُظِلُّنَا، فَعَرَضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مَعَهَا صَبِيٌّ فَقَالَتْ: يَا رسول الله إِنَّ ابْنِي هَذَا يَأْخُذُهُ الشَّيْطَانُ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَتَنَاوَلَهُ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُقَدَّمِ الرَّحْلِ ثُمَّ قَالَ: "اخْسَ عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، اخْسَ عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ الله" ثَلَاثًا، ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا قَضَيْنَا سَفَرَنَا مررنا بذلك الملكان، فَعَرَضَتْ لَنَا الْمَرْأَةُ مَعَهَا صَبِيُّهَا وَمَعَهَا كَبْشَانِ تَسُوقُهُمَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اقْبَلْ مِنِّي هَدِيَّتِي، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عَادَ إِلَيْهِ بَعْدُ، فَقَالَ: "خُذُوا منها وَاحِدًا وَرُدُّوا عَلَيْهَا الْآخَرَ".
قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَنَا كأنّما علينا الطّير تظلّنا، فإذا جمل
__________
1 إسناده ضعيف: أبو الزبير مدلس، وقد عنعنه.
2 تقدم تخريجه قبل السابق.

(1/228)


نادٌّ حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ1 خَرَّ سَاجِدًا، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ عَلَى النَّاسِ: "مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ"؟ فَإِذَا فِتْيَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: هُوَ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "فَمَا شَأْنُهُ" قَالُوا: اسْتَنَيْنَا2 عَلَيْهِ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ لَهُ شَحِيمَةٌ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْحَرَهُ فَنُقَسِّمَهُ بَيْنَ غِلْمَانِنَا فَانْفَلَتَ مِنَّا، قَالَ: "بِيعُونِيهِ"، قَالُوا: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "أَمَّا لِي فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَهُ أَجَلُهُ"، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ ذلك: يا رسول الله نَحْنُ أَحَقُّ بِالسُّجُودِ لَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ، قَالَ: "لَا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ أَنْ يَسْجُدَ لِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ"3.
رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَعِنْدَهُ: "لَا يَنْبَغِي لبشر أن يسجد لبشر" وهو أصلح.
وَقَدْ رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَافَرْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَيْتُ مِنْهُ أَشْيَاءَ: نَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ: "انْطَلِقْ إِلَى هاتين الأشاءتين4 فقل: إن رسول الله يَقُولُ لَكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ5.
مُرَّةُ: هُوَ ابْنُ أَبِي مُرَّةَ. وَقَدْ رَوَاهُ وَكِيعٌ مَرَّةً، فَقَالَ فِيهِ: عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَجَبًا. الْحَدِيثَ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: إِنَّمَا هُوَ عَنْ يَعْلَى نَفْسِهِ.
قُلْتُ: وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ، كِلَاهُمَا عَنْ يَعْلَى نَفْسِهِ.
وَقَالَ مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونَ: أَنْبَأَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا، وَكَانَ أَحَبَّ ما استتر
__________
1 السماط: الصف.
2 استنينا: استقينا.
3 إسناده ضعيف: أخرجه الدارمي "17"، وأبو الزبير مدلس، وقد عنعنه.
4 الأشاءتين: النخلتين الصغيرتين.
5 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 20-24".

(1/229)


بِهِ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ1، فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا فِيهِ جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- حَنَّ إِلَيْهِ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عليه وسلم- ذِفْرَيْهِ2 فَسَكَنَ، فَقَالَ: "مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ"؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: هُوَ لِي، فَقَالَ: "أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ" 3. أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْهُ إِلَى قَوْلِهِ "حَائِشُ نَخْلٍ"، وَبَاقِيهِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وقال إسماعيل بن جعفر: حدثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ ثِقَةٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ نَاضِحًا لِبَعْضِ بَنِي سَلَمَةَ اغْتَلَمَ، فَصَالَ عَلَيْهِمْ وَامْتَنَعَ حَتَّى عَطِشَتْ نَخْلُهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاشْتَكَى ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْطَلِقْ، وَذَهَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ بَابَ النَّخْلِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا تَدْخُلْ، قَالَ: "ادْخُلُوا لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ"، فَلَمَّا رَآهُ الْجَمَلُ أَقْبَلَ يَمْشِي وَاضِعًا رَأْسَهُ حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَسَجَدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ائْتُوا جَمَلَكُمْ فَاخْطِمُوهُ وَارْتَحِلُوهُ"، فَفَعَلُوا وَقَالُوا: سَجَدَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَآكَ، قَالَ: "لَا تَقُولُوا ذَلِكَ لِي، لَا تَقُولُوا مَا لَمْ أَبْلُغْ فَلَعَمْرِي مَا سَجَدَ لِي وَلَكِنْ سَخَّرَهُ اللَّهُ لِي"4.
وَقَالَ عَفَّانُ: نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ شَيْخًا مِنْ قَيْسٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَنَا بَكْرَةٌ صَعْبَةٌ لَا نَقْدِرُ عَلَيْهَا، فَدَنَا مِنْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَسَحَ ضَرْعَهَا، فَحَفَلَ فاحتلب وشرب5.
__________
1 حائش: نخل: نخل ملتف.
2 الذفري: العظم خلف الأذن.
3 صحيح: أخرجه مسلم "342/ 79" في كتاب الحيض، باب: التستر عند البول، إلى قوله "حائش نخل" ولفظه عنده "حائظ نخل" وأخرجه أبو داود "2549" في كتاب الجهاد، باب: ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، وأحمد "1/ 204"، والدارمي "663"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 26-27"، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
4 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 28" وفيه جهالة هذا الرجل من بني سلمة، وهو وإن وثقه الراوي فلا يعني هذا أنه ثقة، فكم من راوٍ اختلف أهل العلم في توثيقه وتضعيفه، فإذا لم يذكر لنا الراوي اسم هذا الثقة ليتبين لنا هل ضعفه آخرون أم لا؛ فلا نستطيع عنذئذ أن نعتمد توثيقه، والله أعلم.
5 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 29".

(1/230)


وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أوفى، تفرّد به فَائِدٍ أَبُو الْوَرْقَاءِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَحَدِيثٌ لِجَابِرٍ آخَرُ تَفَرَّدَ بِهِ الْأَجْلَحُ، عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ. أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لِأَهْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحْشٌ، فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعِبَ وَذَهَبَ وَجَاءَ. فَإِذَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَضَ فَلَمْ يَتَرَمْرَمْ1، مَا دَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْبَيْتِ2. صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حدثنا الْمَسْعُودِيُّ: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فَدَخَلَ رَجُلٌ غَيْضَةً فَأَخْرَجَ بَيْضَةً حَمْرَةً3، فَجَاءَتِ الْحَمْرَةُ تُرَفْرِفُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ: "أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ"، فَقَالَ رَجُلٌ: أنا أخذت بيضتها. فقال: "ردّه رُدَّهُ رَحْمَةً لَهَا"4.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أبي غُرْزَةِ الغِفاري: حدثنا عَلَيُّ بْنُ قَادِمٍ، أنا أَبُو الْعَلَاءِ خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِظَبْيَةٍ مَرْبُوطَةٍ إِلَى خِبَاءٍ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حُلَّنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُرْضِعَ خِشْفِي، ثُمَّ أَرْجِعَ، فَتَرْبِطَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَيْدُ قَوْمٍ وَرَبِيطَةُ قَوْمٍ"، قَالَ: فَأَخَذَ عَلَيْهَا فَحَلَفَتْ لَهُ، فَحَلَّهَا، فَمَا مَكَثَتْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَتْ وَقَدْ نَفَضَتْ مَا فِي ضَرْعِهَا، فَرَبَطَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ اسْتَوْهَبَهَا مِنْهُمْ، فَوَهَبُوهَا لَهُ، فَحَلَّهَا، ثُمَّ قَالَ: "لَوْ تَعْلَمُ الْبَهَائِمُ مِنَ الْمَوْتِ مَا تَعْلَمُونَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْهَا سَمِينًا أَبَدًا"5. عَلَيٌّ، وَأَبُو الْعَلَاءِ صَدُوقَانِ، وَعَطِيَّةُ فِيهِ ضَعْفٌ. وَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ عَنْ زَيْدِ بن أرقم.
__________
1 يترمرم: يحرك فاه.
2 أخرجه أحمد "6/ 112-113، 150" والبيهقي في "الدلائل" "6/ 31".
3 حمرة: طير كالعصفور.
4 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 404"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 32"، والمسعودي اختلط، وانظر تعقيب المصنف.
5 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 34" وعطية هو العوفي ضعيف.

(1/231)


وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَاعٍ يَرْعَى بِالْحَرَّةِ؛ إِذْ عَرَضَ ذِئْبٌ لِشَاةٍ، فَحَالَ الرَّاعِي بَيْنَ الذِّئْبِ وَبَيْنَ الشَّاةِ، فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّاعِي: أَلَا تَتَّقِي اللَّهِ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ رِزْقٍ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَقَالَ الرَّاعِي: الْعَجَبُ مِنْ ذِئْبٍ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْإِنْسِ! فَقَالَ الذِّئْبُ: أَلَا أُحَدِّثُكَ بِأَعْجَبَ مِنِّي: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْحَرَّتَيْنِ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ، فَسَاقَ الرَّاعِي شَاةً حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَزَوَاهَا1 زَاوِيَةً، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَدَّثَهُ بِحَدِيثِ الذِّئْبِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى النَّاسِ فَقَالَ لِلرَّاعِي: "قُمْ فَأَخْبِرْهُمْ"، قَالَ: فَأَخْبَرَ النَّاسَ بِمَا قَالَ الذِّئْبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَدَقَ الرَّاعِي، أَلَا إِنَّهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَلَامُ السِّبَاعِ لِلْإِنْسِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمُ الرَّجُلَ شِرَاكُ نَعْلِهِ وَعَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَيُخْبِرُهُ، فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ" 2. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ، وَمَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ نَحْوَهُ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح الإسناد.
وقال سفيان بن حمزة: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ عن أَوْسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أُهْبَانَ بْنِ أَوْسٍ، أَنَّهُ كَانَ فِي غَنَمٍ لَهُ، فَكَلَّمَهُ الذِّئْبُ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمَ3. قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ.
وقال يوسف بن عديّ: حدثنا جعفر بن جسر، أخبرني أبي، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ رَاعٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَنَمٍ لَهُ؛ إِذْ جَاءَ الذِّئْبُ فأخذ شاةً، ووثب الراعي حتى
__________
1 زواها: نحاها.
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 41-42" وأخرجه مختصرًا الترمذي "2188" في كتاب الفتن، باب: ما جاء في كلام السباع، وأحمد "3/ 83-84"، وأبو نعيم في "الحلية" "12765"، وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" "3/ 636": إسناده على شرط الصحيح. وصحح الألباني في رواية الترمذي في "صحيح سنن الترمذي".
3 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 43-44".

(1/232)


انْتَزَعَهَا مِنْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ أَنْ تَمْنَعَنِي طُعْمَةً أَطْعَمَنِيهَا اللَّهُ تَنْزِعُهَا مِنِّي! وَذَكَرَ الْحَدِيثَ1.
وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ2. "خ"
__________
1 إسناده ضعيف: أخرجه ابن عدي في "الكامل" "2/ 150-151" وجعفر بن جسر ضعيف كما في "الميزان" "1493".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3579" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، وأحمد "1/ 460"، والدارمي "29".

(1/233)


فَصْلٌ فِي تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي يَدِهِ -صَلَّى الله عليه وسلم:
قال قريش بن أنس: حدثنا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: لَا أَذْكُرُ عُثْمَانَ إِلَّا بِخَيْرٍ بَعْدَ شَيْءٍ رَأَيْتُهُ: كُنْتُ رَجُلًا أَتَتَبَّعُ خَلَوَاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَيْتُهُ وَحْدَهُ، فَجَلَسْتُ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ، ثُمَّ عثمان، وبين عُثْمَانُ وَبَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعُ حَصَيَاتٍ، فَأَخَذْهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي كَفِّهِ، فَسَبَّحْنَ، حَتَّى سَمِعْتُ لَهُنَّ حَنِينًا كَحَنِينِ النَّحْلِ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ. ثُمَّ أَخَذَهُنَّ فَوَضَعَهُنَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَسَبَّحْنَ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُمَرَ فَسَبَّحْنَ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ فَسَبَّحْنَ، ثُمَّ وَضَعَهُنَّ فَخَرِسْنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ" 1.
صَالِحٌ لَمْ يَكُنْ حَافِظًا، وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ سُوَيْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَبِيرَ السِّنِّ، كَانَ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ذَكَرٌ لَهُ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ2.
وَيَرْوِي مِثْلُهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. وَجَاءَ مثله عن أنس من وجهين منكرين.
"أنين الشجرة والغصن الذي كان يخطب إليهما -صلى الله عليه وسلم-":
وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَابِرٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
__________
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 64، 65".
2 إلى هنا كلام الحافظ البيهقي في المصدر السابق.

(1/233)


كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ إِلَى نَخْلَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: "إِنْ شِئْتُمْ"، فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ذَهَبَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، فَنَزَلَ فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، كَانَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ قَالَ: "كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذّكر عندها" 1. "خ". رواه جَمَاعَةٌ عَنْ جَابِرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْعَلَاءِ الْمَازِنِيُّ وَاسْمُهُ عُمَرُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ حَنَّ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَمَسَحَهُ، فَسَكَنَ2. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ مُثَنَّى، عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ، عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ الصَّحِيحِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ وَيَخْطُبُ إِلَيْهِ، فَصُنِعَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمِنْبَرُ، فَلَمَّا جَاوَزَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ الْجِذْعَ خَارَ حَتَّى تَصَدَّعَ وَانْشَقَّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ، فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ أَخَذَ ذَلِكَ الْجِذْعَ أَبِي فَكَانَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى بَلِيَ وَأَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ وَعَادَ رُفَاتًا3. رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنِ ابْنِ عُقَيْلٍ.
مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "هل ترون قبلتي ههنا، فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلَا سُجُودُكُمْ، إنّي لأراكم وراء ظهري" 4. متّفق عليه.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3584" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 66".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3583" في المصدر السابق، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 66-67".
3 حسن: أخرجه ابن ماجه "1414" في كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في بدء شأن المنبر، والدارمي "36"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 67-68"، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه": حسن.
4 صحيح: أخرجه البخاري "418" في كتاب الصلاة، باب: عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة، ومسلم "424" في كتاب الصلاة، باب: الأمر بتحسين الصلاة، وأحمد "2/ 303، 365، 375"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 73".

(1/234)


قَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذِهِ كَرَامَةٌ مِنَ اللَّهِ أَبَانَهُ بِهَا مِنْ خَلْقِهِ.
وَقَالَ الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ، وَفِيهِ: "فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي، وَايْمُ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كثيرًا"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا رَأَيْتَ؟ قَالَ: "رَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ" 1. أَخْرَجَهُ مسلم.
وقال بشر بن بكر: حدثنا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا مُسْتَتِرَةٌ بِقِرَامٍ2 فِيهِ صُورَةٌ، فَهَتَكَهُ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ" 3.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبُرْنُسٍ فِيهِ تِمْثَالُ عُقَابٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ عَلَيْهِ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ4. وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُنْقَطِعَةٌ.
وَقَالَ عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا يَافِعًا فِي غَنَمٍ لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ أَرْعَاهَا، فَأَتَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: "يَا غُلَامُ هَلْ عِنْدَكَ لَبَنٌ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ وَلَكِنْ مُؤْتَمَنٌ، قَالَ: "فَائْتِنِي بِشَاةٍ لَمْ يَنْزُ 5 عَلَيْهَا الْفَحْلُ"، فَأَتَيْتُهُ بِعَنَاقٍ جَذَعَةٍ، فَاعْتَقَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ دَعَا وَمَسَحَ ضَرْعَهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ، فَاحْتَلَبَ فِي صَحْفَةٍ، وَسَقَى أَبَا بَكْرٍ، وَشَرِبَ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلضَّرْعِ: اقْلُصْ، فَقَلَصَ فَعَادَ كَمَا كَانَ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: "إِنَّكَ غُلَامٌ مُعَلَّمٌ"، فَأَخَذْتُ عَنْهُ سَبْعِينَ سُورَةً مَا نَازَعَنِيهَا بَشَرٌ6. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَوِيٌّ.
مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- ضعيفًا، أعرف فيه الجوع، فهل
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "426" في كتاب الصلاة، باب: تحريم سبق الإمام، وأحمد "3/ 154"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 74".
2 القرام: ثوب من الصوف.
3 أخرجه أحمد "6/ 85-86"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 81".
4 إسناده منقطع: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 81".
5 ينز: يثب.
6 أخرجه أحمد "1/ 379"، 462" والبيهقي في "الدلائل" "6/ 84-85".

(1/235)


عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتْهُ فِيهِ، وَدَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي، وَأَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا في المسجد ومعه النَّاسِ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ"؟ قُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ: "قُومُوا" قَالَ: فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالناس وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْبَلَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ"، فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً1 لَهَا فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثم قال: "ائذن لعشرة"، فأذن لهم، فأكلوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: "ائْذَنْ لِعَشْرَةٍ"، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَأَكَلَ الْقَوْمُ وَشَبِعُوا، وَهُمْ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا2. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ مَرَّ مِثْلُ هَذَا فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جندب، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَى بِقَصْعَةٍ، فِيهَا طَعَامٌ، فَتَعَاقَبُوهَا إِلَى الظُّهْرِ مُنْذُ غُدْوَةٍ، يَقُومُ قَوْمُ وَيَقْعُدُ آخَرُونَ، فَقَالَ رَجُلٌ لِسَمُرَةَ: هَلْ كَانَتْ تُمَدُّ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْشٍ تَعْجَبُ؟ مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلَّا من ههنا، وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ3، وَأَشَارَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ إِلَى السَّمَاءِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عن أبيه، أن سَلْمَانَ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَدِيَّةٍ فَقَالَ: "لِمَنْ أَنْتَ"؟ قَالَ لِقَوْمٍ، قَالَ: "فَاطْلُبْ إِلَيْهِمْ أَنْ يُكَاتِبُوكَ"، قَالَ: فَكَاتَبُونِي عَلَى كذا وكذا نخلة أغرسها لهم،
__________
1 العكة: السمن.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3587" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، ومسلم "2040" في كتاب الأشربة، باب: جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 88-89".
3 صحيح: أخرجه الترمذي "3645" في كتاب المناقب، باب: ما جاء في آيات إثبات نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- "5/ 12-18"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 93"، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".

(1/236)


وَيَقُومُ عَلَيْهَا سَلْمَانُ حَتَّى تُطْعِمَ، قَالَ فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَرَسَ النَّخْلَ كُلَّهُ، إِلَّا نَخْلَةً وَاحِدَةً غَرَسَهَا عُمَرُ، فَأَطْعَمَ نَخْلُهُ مِنْ سَنَتِهِ إِلَّا تِلْكَ النَّخْلَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ غَرَسَهَا"؟ قَالُوا: عُمَرُ، فَغَرَسَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، فَحَمَلَتْ مِنْ عَامِهَا1. رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَابْنُ أَبِي الْخَيْرِ كِتَابَةً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَتْهُمْ، أَنَا ابن ريذة، أنا الطّبرانيّ، حدثنا الوليد بن حمّاد الرّملي، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْسٌ، فَدَفَعَهَا إِلَيَّ يَوْمَ أُحُدٍ، فَرَمَيْتُ بِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى انْدَقَّتْ عَنْ سِيَتِهَا2، وَلَمْ أَزَلْ عَنْ مَقَامِي نَصْبَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلْقَى السِّهَامَ بِوَجْهِي، كُلَّمَا مال سهم منها إلى وَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَيَّلْتُ رَأْسِي لِأَقِيَ وَجْهَهُ، فَكَانَ آخِرُ سَهْمٍ نَدَرَتْ مِنْهُ حَدَقَتِي عَلَى خَدِّي، وَافْتَرَقَ الْجَمْعُ، فَأَخَذْتُ حَدَقَتِي بِكَفِّي، فَسَعَيْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَآهَا فِي كَفِّي دَمِعَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّ قتادة قدى وَجْهَ نَبِيِّكَ بِوَجْهِهِ، فَاجْعَلْهَا أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا نَظَرًا"، فَكَانَتْ أَحَدَّ عَيْنَيْهِ نَظَرًا3. حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ذَكَرْنَاهُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بن زيد: حدثنا الْمُهَاجِرُ مَوْلَى آلِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمَرَاتٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ لِي فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ، قَالَ: فَقَبَضَهُنَّ ثُمَّ دَعَا فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: "خُذْهُنَّ فَاجْعَلْهُنَّ فِي مِزْوَدٍ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُنَّ، فَأَدْخِلْ يَدَكَ، فَخُذْ وَلَا تَنْثُرُهُنَّ نَثْرًا" قَالَ: فَحَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُنَّا نَأْكُلُ وَنُطْعِمُ، وَكَانَ الْمِزْوَدُ مُعَلَّقًا بِحَقْوِي لا يُفَارِقُ حَقْوِي، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ انْقَطَعَ4. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غريب.
__________
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 97".
2 السية: ما انحنى من طرفي القوس.
3 أخرجه الطبراني في "الكبير" "19/ 8"، وقال الهيثمي في "المجمع" "6/ 113": فيه من لم أعرفه.
4 صحيح: أخرجه الترمذي "3865" في كتاب المناقب، باب: مناقب أبي هريرة -رضي الله عنه- والبيهقي في "الدلائل" "6/ 109"، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".

(1/237)


وَرُوِيَ فِي "جُزْءِ الْحَفَّارِ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ: فَأَخَذْتُ مِنْهُ خَمْسِينَ وَسْقًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَانَ مُعَلَّقًا خَلْفَ رَحْلِي، فَوَقَعَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ فَذَهَبَ1. وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى غَرِيبَةٌ.
وَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلا أَتَى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ، فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَمَنْ ضَيَّفَاهُ حَتَّى كَالَهُ، فأتى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: "لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ وَلَقَامَ لَكُمْ" 2.
وَكَانَتْ أُمُّ مَالِكٍ تُهْدِي لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عُكَّةٍ لَهَا سَمْنًا، فَيَأْتِيهَا بَنُوهَا فَيَسْأَلُونَ الْأُدْمَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ، فَتَعْمِدُ إِلَى الَّذِي كَانَتْ تُهْدِي فِيهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَجِدُ فِيهِ سَمْنًا، فَمَا زَالَ يُقِيمُ لَها أُدْمَ بَيْتِهَا حَتَّى عَصَرَتْهُ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَعَصَرْتِيهَا"؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: "لَوْ تَرَكْتِيهَا مَا زَالَ قَائِمًا" 3. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيرٍ. فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ، حَتَّى هَمَّ أَحَدُهُمْ بِنَحْرِ بَعْضِ حَمَائِلِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَمَعْتَ مَا بَقِيَ مِنَ الْأَزْوَادِ فَدَعَوْتَ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَفَعَلَ، فَجَاءَ ذُو الْبُرِّ بِبُرِّهِ، وَذُو التَّمْرِ بِتَمْرِهِ، فَدَعَا حَتَّى إِنَّهُمْ مَلَئُوا أَزْوَادَهُمْ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: "أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ الله، لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرُ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ" 4. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَى نَحْوَهُ وَأَطْوَلَ مِنْهُ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، وَزَادَ: فَمَا بَقِيَ فِي الْجَيْشِ وِعَاءٌ إِلَّا مَلَئُوهُ وَبَقِيَ مِثْلُهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَقَالَ: "أَشْهَدُ أَنْ لَا
__________
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 110".
2 صحيح: أخرجه مسلم "2281" في كتاب الفضائل، باب: في معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- والبيهقي في "الدلائل" "6/ 114".
3 صحيح: أخرجه مسلم "2280" في المصدر السابق، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 114".
4 صحيح: أخرجه مسلم "27" في كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا، وأحمد "3/ 11"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 120".

(1/238)


إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لَا يَلْقَى اللَّهَ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ بِهَا إِلَّا حُجِبَ عَنِ النَّارِ" 1. رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْهُ.
وَقَالَ سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءَ الْعُطَارِدِيَّ يقول: حدثنا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيرٍ فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ عَرَّسُوا فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ أَبُو بَكْرٍ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ بَعْدَهُ، فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ، حَتَّى يَسْتَيْقِظَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ وَالشَّمْسُ قَدْ بَزَغَتْ قَالَ: "ارْتَحِلُوا"، فَسَارَ بِنَا حَتَّى ابْيَضَّتِ الشَّمْسُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى بِنَا، وَاعْتَزَلَ رَجُلٌ فَلَمْ يُصَلِّ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "يَا فُلَانُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا"؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ أَطْلُبُ الْمَاءَ، وَكُنَّا قَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، قُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ قَالَتْ: أَيْهَاتَ فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ؟ قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: وَمَا رَسُولُ اللَّهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ2، فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فَمَجَّ3 فِي الْعَزْلَاوَيْنِ4 الْعُلْيَاوَيْنِ، فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أربعين رجلًا حتّى روينا وملأنا كلّ قرية معنا وكلّ إدواة.
وَغَسَّلْنَا صَاحِبَنَا، وَهِيَ تَكَادُ تَضَرَّجُ مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: "هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ"، فَجَمَعْنَا لَهَا مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ، حَتَّى صَرَّ لَهَا صُرَّةً فَقَالَ: "اذْهَبِي فَأَطْعِمِي عِيَالَكِ، وَاعْلَمِي أَنَّا لَمْ نَرْزَأْ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا"، فَلَمَّا أَتَتْ أَهْلَهَا قَالَتْ: لَقَدْ أَتَيْتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا، فَهَدَى اللَّهُ ذَلِكَ الصِّرْمَ5 بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا6. اتَّفَقَا عَلَيْهِ.
__________
1 أخرجه أحمد "3/ 417-418"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 121".
2 مؤتمة: عندها أيتام.
3 مج: لفظ.
4 العزلاوين: فمي المزادة الأسفلين.
5 الصرم: القطعة من الشيء.
6 صحيح: أخرجه البخاري "3571" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، ومسلم "682" في كتاب المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة.

(1/239)


وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَغَيْرُهُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ تَعْطَشُوا"، فَانْطَلَقَ سَرَعَانُ النَّاسِ تُرِيدُ الْمَاءَ، وَلَزِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَمَالَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَنَعَسَ، قَالَ: فَمَالَ فَدَعَمْتُهُ فَأَدْعَمَ وَمَالَ، فَدَعَمْتُهُ فَأَدْعَمَ، ثُمَّ مَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَدَعَمْتُهُ فَانْتَبَهَ، فَقَالَ: "مَنِ الرَّجُلُ"؟ قُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ، فَقَالَ: "حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ"، ثُمَّ قَالَ: "لَوْ عَرَّسْنَا"، فَمَالَ إِلَى شَجَرَةٍ، فَنَزَلَ فَقَالَ: "انْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَدًا"؟ فَقُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانِ رَاكِبَانِ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةً فَقَالَ: "احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا"، قَالَ: فَنِمْنَا فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَانْتَبَهْنَا فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَارَ وَسِرْنَا هُنْيَةً، ثُمَّ نَزَلْنَا فَقَالَ: "أَمَعَكُمْ مَاءٌ"؟ قُلْتُ: نَعَمْ مَيْضَأَةٌ1 فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: "فَأْتِنِي بِهَا" 2، فَتَوَضَّئُوا وَبَقِيَ فِي الْمَيْضَأَةِ جُرْعَةٌ فَقَالَ: "ازْدَهِرْ بِهَا يَا أَبَا قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهَا شَأْنٌ"، ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا، فَقَالَ بَعْضٌ لِبَعْضٍ: فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا تَقُولُونَ؟ إِنْ كَانَ أَمْرَ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ، وَإِنْ كَانَ أَمْرَ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ"، قُلْنَا: فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا، قَالَ: "لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوهَا مِنَ الْغَدِ لِوَقْتِهَا". ثُمَّ قَالَ: "ظُنُّوا بِالْقَوْمِ"، فَقُلْنَا: إِنَّكَ قُلْتَ بِالْأَمْسِ إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا، فَأَتَى النَّاسُ الْمَاءَ فَقَالَ: "أَصْبَحَ النَّاسُ وَقَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ"، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالماء، وفي القوم أبا بَكْرٍ وَعُمَرُ قَالَا: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ الله لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويحلّفكم، وَإِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا، قَالَهَا ثَلَاثًا، فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الظَّهِيرَةُ رُفِعَ لَهُمْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطَشًا انْقَطَعَتِ الْأَعْنَاقُ، قَالَ: "لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ"، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا قَتَادَةَ ائْتِنِي بِالْمَيْضَأَةِ"، فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: "حُلَّ لِي غُمَرِي" -يَعْنِي قَدَحَهُ- فَحَلَلْتُهُ، فَجَعَلَ يَصُبُّ فِيهِ وَيَسْقِي النَّاسَ، فَقَالَ: "أَحْسِنُوا الْمِلْءَ، فَكُلُّكُمْ سَيَصْدُرُ عَنْ رِيٍّ" فَشَرِبَ الْقَوْمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَبَّ لِي فَقَالَ: "اشْرَبْ"، قلت: اشرب أنت يا رسول الله، قَالَ: "إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا"، فَشَرِبْتُ ثُمَّ شَرِبَ بَعْدِي، وَبَقِيَ مِنَ الْمَيْضَأَةِ نَحْوٌ ممّا كان فيها، وهم يومئذ ثلاثمائة.
__________
1 الميضأة: الإناء الذي يتوضأ منه.
2 ازدهر بها: احتفظ بها.

(1/240)


قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَمِعَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَنَا أُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رياح الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: الْقَوْمُ أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِمْ، انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ فَإِنِّي أَحَدُ السَّبْعَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ أَحَدًا يَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرِي1. وَرَوَاهُ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فبينا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَأَتَاهُ أعرابيّ فقال: يا رسول الله هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءَ قَزْعَةً2، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهُمَا حَتَّى ثَارَتْ سَحَابَةٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنِ الْمِنْبَرِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَنْ لِحْيَتِهِ، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ، وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ، حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، فَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا"، فَمَا يُشِيرُ بِيَدَيْهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ، حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ3، وَسَالَ الْوَادِي، وَادِي قُبَاءٍ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ مِنَ النَّوَاحِي إِلَّا حَدَّثَ بِالْجُودِ4. اتَّفَقَا عَلَيْهِ.
وَرَوَاهُ ثَابِتٌ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَنَسٍ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، وروح بن عبادة: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، سَمِعَ عُمَارَةَ بْنَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عُثْمَانَ بن حنيف، أنّ
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "681" في كتاب المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 132-133".
2 قزعة: سحابة.
3 الجوبة: الفرجة.
4 صحيح: أخرجه البخاري "1033" في كتاب الاستسقاء، باب: من تمطر في المطر، ومسلم "897/ 9" في كتاب الاستسقاء، باب: الدعاء في الاستسقاء، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 139-140".

(1/241)


رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي، قَالَ: "فَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ اللَّهَ"، قَالَ: فَادْعُهُ، قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ الْوُضُوءَ، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ، فَتَقْضِيهَا لِي، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي". فَفَعَلَ الرجل فبرأ1.
قال البيهقيّ: وكذلك رواه حمّاد ين سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَبَطِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدِينِيِّ الْخَطْمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَاءَهُ رَجُلٌ ضَرِيرٌ فَشَكَا إِلَيْهِ ذِهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ: "ائْتِ الْمَيْضَأَةَ فَتَوَضَّأْ، ثُمَّ صَلِّ ركعتين ثم قل: اللهمّ إنّ أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَيُجْلِي لِي عَنْ بَصَرِي، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ وشفّعني في نفسي"، قال عُثْمَانُ: فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَلَا طَالَ الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ الرَّجُلُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضَرَرٌ قَطُّ2. رَوَاهُ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَ مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَلَبَ يَهُودِيٌّ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ"، قَالَ فَاسْوَدَّ شَعْرُهُ حَتَّى صَارَ أَشَدَّ سَوَادًا مِنْ كذا وكذا3.
__________
1 أخرجه الترمذي "3589" في كتاب الدعوات، باب: رقم "118" وابن ماجه "1385" في كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الحاجة، وأحمد "4/ 138"، والبيهقي في "الدلائل: " "6/ 166" واللفظ له.
ورواية الباقي دون قوله $"وشفعني في نفسي"، وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" "1/ 323"، وقال الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب" "974": صحيح. وكذلك صححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 176".
3 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 210".

(1/242)


وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَفِيهِ: "فَاسْوَدَّتْ لِحْيَتُهُ بَعْدَ مَا كَانَتْ بَيْضَاءَ"1.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ جَدِّهِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: كَانَتْ لَيْلَةً شَدِيدَةَ الظُّلْمَةِ وَالْمَطَرِ فَقُلْتُ: لَوْ أَنِّي اغْتَنَمْتُ الْعَتْمَةَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَبْصَرَنِي وَمَعَهُ عُرْجُونٌ2 يَمْشِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: "يا قتادة اخرج هَذِهِ السَّاعَةَ؟ " قُلْتُ: اغْتَنَمْتُ شُهُودَ الصَّلَاةِ مَعَكَ، فَأَعْطَانِي الْعُرْجُونَ فَقَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ خَلَفَكَ فِي أَهْلِكَ فَاذْهَبْ بِهَذَا الْعُرْجُونِ فَاسْتَعِنْ بِهِ حَتَّى تَأْتِيَ بَيْتَكَ، فَتَجِدَهُ فِي زَاوِيَةِ الْبَيْتِ فاضربه بالعرحون"، فَخَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَأَضَاءَ الْعُرْجُونُ مِثْلَ الشَّمْعَةِ نُورًا، فَاسْتَضَأْتُ بِهِ فَأَتَيْتُ أَهْلِي فَوَجَدْتُهُمْ رُقُودًا، فَنَظَرْتُ فِي الزَّاوِيَةِ فَإِذَا فِيهَا قُنْفُذٌ، فَلَمْ أَزَلْ أَضْرِبُهُ بِهِ، حَتَّى خَرَجَ3.
عَاصِمٌ عَنْ جَدِّهِ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ4، لَكِنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ قَوِيٌّ.
وَقَالَ حرميّ بن عمارة: حدثنا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عَلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادْنُ مِنِّي". قَالَ: فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى رَأْسِي وَلِحْيَتِي ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ وَأَدِمْ جَمَالَهُ"، قَالَ: فَبَلَغَ بِضْعًا وَمِائَةِ سَنَةٍ وَمَا فِي لِحْيَتِهِ إِلَّا نَبْذٌ يَسِيرٌ، وَلَقَدْ كَانَ مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ لَمْ يَنْقَبِضْ وَجْهُهُ حَتَّى مَاتَ5. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَوْصُولٌ، وَأَبُو زَيْدٍ هُوَ عمرو بن أخطب.
وقال عليّ بن الحسن بن شقيق: حدثنا الحسين بن واقد، حدثنا أبو نهيك
__________
1 منكر: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 210"، وفي إسناده محمد بن إبراهيم بن عزرة، قال المصنف في "الميزان" "7109": روى عنه محمد بن سليمان المنقري خبرًا منكرًا. ا. هـ، يقصد الحديث.
2 العرجون: العذق.
3 إسناده منقطع: أخرجه الطبراني في "الكبير" "19/ 5-6"، وهو منقطع كما يأتي.
4 وذلك أن قتادة بن النعمان مات "23" أو قبلها بعام، وعاصم مات "106"، أبو بعدها.
5 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 211".

(1/243)


الأزديّ عن عمرو بن أخطب وهو أَبُو زَيْدٍ قَالَ: اسْتَسْقَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، وَفِيهِ شَعْرَةٌ فَرَفَعْتُهَا ثُمَّ نَاوَلْتُهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ"، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ ابْنَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً، وَمَا فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ طَاقَةٌ بَيْضَاءُ1.
وَقَالَ مُعْتَمِرُ بن سليمان: أخبرنا أَبِي، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ قَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانَ فِي مَرَضِهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ فِي مُؤَخَّرِ الدَّارِ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ فِي وَجْهِهِ، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَسَحَ وَجْهَهَ، قَالَ: وَكُنْتُ قَلَّمَا رَأَيْتُهُ إِلَّا رَأَيْتُهُ كَأَنَّ عَلَى وَجْهِهِ الدِّهَانُ2. رَوَاهُ عارم، ويحيى بن معين، عن معتمر.
وقال عكرمة بن عمّار: حدثنا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشِمَالِهِ فَقَالَ: "كُلْ بِيَمِينِكَ"، قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: "لَا اسْتَطَعْتَ"، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ بَعْدُ3. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقْدَمَهُ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالْوَلَدُ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ وَيَنْزِعُ إِلَى أُمِّهِ. قَالَ: "أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا " -قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ- "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَأَمَّا الْوَلَدُ، فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ نَزَعَهُ إِلَى أَبِيهِ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَهُ إِلَى أُمِّهِ". فَأَسْلَمَ ابن سَلَامٍ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ4. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرَ الْمَدَنِيِّ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ مُرْسَلًا، فَذَكَرَ نَحْوًا مِنْهُ، وَفِيهِ: "فَأَمَّا الشَّبَهُ فَأَيُّ النُّطْفَتَيْنِ سَبَقَتْ إِلَى الرَّحِمِ فَالْوَلَدُ له أشبه" 5.
__________
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 211-212".
2 أخرجه أحمد "5/ 27-28"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 217".
3 صحيح: أخرجه مسلم "2021" في كتاب الأشربة، باب: آداب الطعام والشراب، وأحمد "4/ 46"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 238".
4 صحيح: أخرجه البخاري "3938" في كتاب مناقب الأنصار، باب: رقم "51" وأحمد "3/ 108، 189، 271" والبيهقي في "الدلائل" "2/ 528، 529"، و"6/ 260، 261".
5 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل": "6/ 261-262".

(1/244)


وقال معاوية بن سلام، عن زيد بن سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي سَلَامٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ أَنَّ ثَوْبَانَ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ حَبْرٌ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا، فَقَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ قُلْتُ: أَلَا تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّمَا سَمَّيْتُهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اسْمِي الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أهَلْيِ محمد" فقال اليهوديّ: إن النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ؟ قَالَ: "فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ"، قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً؟ قَالَ: "فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ" قَالَ: مِمَّا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: "زِيَادَةُ كَبِدِ نُونٍ" 1 قَالَ: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى أَثَرِهِ؟ قَالَ: "يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا"، قَالَ: فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: "مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا"، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ، قَالَ: "يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ" قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ، قَالَ: "سَلْ"، قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ، قَالَ: "مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرجل منيّ المرأة أذكرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرجل آنثا بِإِذْنِ اللَّهِ"، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ سَأَلَنِي هَذَا الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ، وَمَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى أَتَانِي اللَّهُ بِهِ" 2. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ، عَنْ شَهْرٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ يَوْمًا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ، قَالَ: "سَلُوا عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللَّهِ وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ، إِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ تَعْرِفُونَهُ أَتُبَايِعُنِّي عَلَى الْإِسْلَامِ"؟ قَالُوا: لَكَ ذَلِكَ، قَالَ: "فَسَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ"، قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهَا: أَخْبِرْنَا عَنِ الطَّعَامِ الَّذِي حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ مَاءِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَكُونُ الذَّكَرُ مِنْهُ، حَتَّى يَكُونَ ذَكَرًا، وَكَيْفَ تَكُونُ الْأُنْثَى منه حتى
__________
1 النون: الحوت.
2 صحيح: أخرجه مسلم "315" في كتاب الحيض، باب: بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 263-264".

(1/245)


تَكُونَ أُنْثَى، وَمَنْ وَلِيُّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ: "فَعَلَيْكُمْ عَهْدُ اللَّهِ لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ لَتُبَايِعُنِّي"، فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، قال: "أنشدكم عَهْدُ اللَّهِ لَئِنْ أَنَا حَدَّثْتُكُمْ لَتُبَايِعُنِّي"، فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، قَالَ: "أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا طَالَ سَقَمُهُ مِنْهُ، فَنَذَرَ لِلَّهِ لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ: أَلْبَانُ الْإِبِلِ، وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ، لَحْمَانُهَا"؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ"، قَالَ: "أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَمَاءَ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ، فَأَيُّهُمَا عَلَا كَانَ لَهُ الْوَلَدُ وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَإِنْ عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنْ عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ كَانَتْ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ"؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اشهد"، قَالَ: "أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ"؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ". قَالُوا: أَنْتَ الْآنَ حَدِّثْنَا مَنْ وَلِيُّكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَعِنْدَهَا نُجَامِعُكَ أَوْ نُفَارِقُكَ، قَالَ: "وَلِيِّي جِبْرِيلُ، وَلَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلَّا وَهُوَ وَلِيُّهُ"، قَالُوا: فَعِنْدَهَا نُفَارِقُكَ، لَوْ كَانَ وَلِيُّكَ غَيْرَهُ مِنَ الملائكة لبايعناك وصدّقناك، قال: "وَلِمَ"؟ قَالُوا: إِنَّهُ عَدُوُّنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} 1الآية. ونزلت {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} 2.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: أَنْبَأَ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ فَنَسْأَلْهُ، فَقَالَ الْآخَرُ: لَا تَقُلْ نَبِيٌّ، فَإِنَّهُ إِنْ سَمِعَكَ تَقُولُ نَبِيٌّ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ، فَانْطَلَقَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَاهُ عَنْ قَوْلِهِ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ، قَالَ: "لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تزنوا، لا تسحروا، ولا
__________
1 سورة البقرة: 97.
2 سورة البقرة: 90.
والخبر أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 266-267"، وابن سعد في "الطبقات" "1/ 83-84" وشهر بن حوشب ضعيف الحفظ كما في "التقريب" "2830" ولكن رواية عبد الحميد عنه أصلح حالا من غيرها، قال أحمد: لا بأس لحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر. نقله في "الصحيحة" "4/ 350".

(1/246)


وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ فَيَقْتُلَهُ، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَفِرُّوا مِنَ الزَّحْفِ، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً -شَكَّ شُعْبَةُ- وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً مَعْشَرَ الْيَهُودِ أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ". فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ، قَالَ: "فَمَا يَمْنَعُكُمَا أَنْ تُسْلِمَا"؟ قَالَا: إِنَّ دَاوُدَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ فِي ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَنَحْنُ نَخَافُ إِنْ أَسْلَمْنَا أَنْ تقتلنا اليهود1.
وقال عفّان: أنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ ابْتَعَثَ نَبِيَّهُ لِإِدْخَالِ رِجَالٍ الْجَنَّةَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَنِيسَةً فَإِذَا هُوَ بِيَهُودَ، وَإِذَا يَهُودِيٌّ يَقْرَأُ التَّوْرَاةَ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى صِفَتِهِ أَمْسَكَ، وَفِي نَاحِيَتِهَا رَجُلٌ مَرِيضٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا لكم أَمْسَكْتُمْ"؟ فَقَالَ الْمَرِيضُ: إِنَّهُمْ أَتَوْا عَلَى صِفَةِ نَبِيٍّ فَأَمْسَكُوا، ثُمَّ جَاءَ الْمَرِيضُ يَحْبُو حَتَّى أَخَذَ التَّوْرَاةَ وَقَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَقَرَأَ، حَتَّى أَتَى عَلَى صِفَتِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ صِفَتُكَ وَصِفَةُ أُمَّتِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لُوا أَخَاكُمْ"2.
وَقَالَ يزيد بن هارون: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ أَبِي عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِكْرَزِ، عَنْ وَابِصَةَ -هُوَ الْأَسَدِيُّ- قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنَ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَجَعَلْتُ أَتَخَطَّى النَّاسَ، فَقَالُوا: إِلَيْكَ يَا وَابِصَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: دَعُونِي أَدْنُو مِنْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَدْنُوَ مِنْهُ. فَقَالَ: "ادْنُ يَا وَابِصَةُ"، فَدَنَوْتُ حتى مسّت
__________
1 ضعيف: أخرجه الترمذي "2742" في كتاب الاستئذان، باب: ما جاء في قبلة اليد والرجل، والنسائي "7/ 111" في كتاب تحريم الدم، باب: السحر، وابن ماجه مختصرًا "3705" في كتاب الأدب، باب: الرجل يقبل يد الرجل، وأحمد "4/ 239"، وأبو نعيم في "الحلية" "6528" والبيهقي في "الدلائل" "6/ 286"، وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" "3/ 674": في رجاله من تكلم فيه، وقال في "تفسيره" "3/ 67": هو حديث مشكل وعبد الله بن سلمة، في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع آيات بالعشر كلمات ... إلى أن قال. وما جاءهم هذا الوهم إلا من قبل ابن سلمة فإن له بعض ما ينكر، والله أعلم.
وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "517": ضعيف.
2 إسناده منقطع: أخرجه أحمد "1/ 416" والبيهقي في "الدلائل" "6/ 273"، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه كما تقدم.

(1/247)


رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ، فَقَالَ: "يَا وَابِصَةُ أُخْبِرُكَ بِمَا جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ"؟ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ الله، قَالَ: "جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ"؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهَا فِي صَدْرِي وَيَقُولُ: "يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، اسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ: مَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وأفتوك" 1.
وقال ابن وهب: حدّثني معاوية عن أبي عبد الله محمد الْأَسَدِيِّ، سَمِعَ وَابِصَةَ الأَسَدِيَّ قَالَ: جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْأَلُهُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، فَقَالَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَسْأَلَهُ: "جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ"؟ قُلْتُ: إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنَّهُ لَلَّذِي جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْهُ، فَقَالَ: "الْبِرُّ مَا انْشَرَحَ لَهُ صَدْرُكَ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَإِنْ أَفْتَاكَ عَنْهُ النَّاسُ" 2.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَرَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ بُجَيْرِ بْنِ أَبِي بُجَيْرٍ، سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ خَرَجْنَا إِلَى الطَّائِفِ، فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ، فَقَالَ: "هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ، وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ، وَكَانَ مِنْ قَوْمِ ثَمُودَ، فَلَمَّا أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمَهُ مَنَعَهُ مَكَانُهُ مِنَ الْحَرَمِ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهُ أَصَابَتْهُ النَّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ، فَدُفِنَ فِيهِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ دُفِنَ مَعَهُ غُصْنٌ مِنْ ذَهَبٍ، إِنْ أَنْتُمْ نَبَشْتُمْ عَنْهُ أَصَبْتُمُوهُ". قَالَ: فابتدرناه فاستخرجنا الغصن3.
__________
1 أخرجه أحمد "4/ 228" وأبو نعيم في "الحلية" "1400"، وقال النووي في "رياض الصالحين "ص178": حديث حسن. وقد ذكر في إسناد أحمد أن الزبير لم يسمع من أيوب بن عبد الله.
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 292".
3 ضعيف: أخرجه أبو داود "3088" في كتاب الخراج، باب: نبش القبور، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 297" وأخرجه أيضًا المصنف بسنده في "الميزان" "1124" وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" "678": ضعيف.

(1/248)


بَابٌ: مِنْ أَخْبَارِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالكوائن بعده فوقعت كما أخبر
شعبة بن عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْهَا1. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَامًا مَا تَرَكَ فِيهِ شَيْئًا إلى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ وَفِي لَفْظٍ: "حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ" وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ، ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ2. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ بِمَعْنَاهُ.
وقال عزرة بن ثابت: حدثنا علباء بن أحمر، حدثنا أَبُو زَيْدٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْفَجْرَ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى أَظُنَّهُ قَالَ: حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قَالَ: فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَحْفَظُنَا أَعْلَمُنَا3. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا، أَلَا تَسْتَنْصِرُ اللَّهَ لَنَا؟ فَجَلَسَ مُحْمَارًّا وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: "وَاللَّهِ إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَيُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَتُحْفَرُ لَهُ الحفرة، فيوضع المنشار على رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، أَوْ يُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا بَيْنَ عَصَبِهِ وَلَحْمِهِ، مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ الله
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2891/ 24" في كتاب الفتن، باب: إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يكون إلى قيام الساعة.
2 صحيح: أخرجه البخاري "6604" في كتاب القدر، باب: وكان أمر الله قدرًا مقدورًا، ومسلم "2891/ 23" في المصدر السابق.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2892" في المصدر السابق، وأحمد "5/ 341".

(1/249)


هَذَا الْأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْكُمْ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخْشَى إِلَّا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" 1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ لَكَ مِنْ أَنْمَاطٍ" 2، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَّى يَكُونُ لِي أَنْمَاطٌ؟ قَالَ: "أَمَا إِنَّهَا سَتَكُونُ"، قَالَ: فَأَنَا أَقُولُ الْيَوْمَ لِامْرَأَتِي: نَحِّي عَنِّي أَنْمَاطَكِ، فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ بَعْدِي، فَأَتْرُكُهَا3. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "تُفْتَحُ الْيَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ الشَّامُ، فَيَأْتِي فَيَبُسُّونَ4 فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ تُفْتَحُ الْعِرَاقُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ فَيَبُسُّونَ فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" 5. أَخْرَجَاهُ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن العلاء بن زبر، حدثنا بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ لِي: "يَا عَوْفُ اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مَوْتَانُ 6، يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ 7 الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ فِيكُمْ، حَتَّى يعطى الرجل مائة دينار فيظلّ
__________
1 صحيح: وقد تقدم تخريجه.
2 أنماط: جموع نمط، وهو ثوب من صوف يطرح على الهودج.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3631" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، ومسلم "2083" في كتاب اللباس، باب: جواز اتخاذ الأنماط، والبيهقي في "الدلائل: " "6/ 319".
4 يبسون: يسوقون دوابهم.
5 صحيح: أخرجه البخاري "1875" في كتاب فضائل المدينة، باب: من رغب عن المدينة ومسلم "1388" في كتاب الحج: باب: الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار، وأحمد "5/ 219-220"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 320".
6 موتان: وباء.
7 قعاص: داء يأخذ الدواب فتموت فجأة.

(1/250)


سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً 1، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا" 2. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ، سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا" 3. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ اللَّيْثُ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مالك، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا فَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا"4. مُرْسَلٌ مَلِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ مُتَّصِلًا5.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: هَاجَرُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ كَانَتْ قِبْطِيَّةً، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: مَارِيَةُ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ قِبْطِيَّةٌ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَهْلِكُ كِسْرَى، ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرُ لَيَهْلِكَنَّ، ثُمَّ لَا يَكُونُ قَيْصَرُ بَعْدَهُ، وَلَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ" 6. متّفق عليه.
__________
1 غاية: راية.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3176" في كتاب الجزية، باب: ما يحذر من الغدر، وابن ماجه "4042" في كتاب الفتن، باب: أشراط الساعة، وأحمد "5/ 228"، وأبو نعيم في "الحلية" "6641"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 320-321".
3 صحيح: أخرجه مسلم "2543" في كتاب فضائل الصحابة، باب: وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- بأهل مصر، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 321".
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 322".
5 أخرجه البيهقي في المصدر السابق.
6 صحيح: أخرجه البخاري "3618" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، ومسلم "2918"، في كتاب الفتن، باب: رقم "18"، وأحمد "2/ 233، 240، 256، 272، 313، 501"، والترمذي "2223" في كتاب الفتن، باب: ما جاء إذا ذهب كسرى فلا كسرى بعده، وعبد الرزاق في "مصنفه" "20814"، والبيهقي في "سننه" "9/ 177"، وفي "الدلائل" "4/ 393"، وابن حبان في "صحيحه" "6689"، والبغوي في "شرح السنة" "3728، 3729".

(1/251)


أَمَّا كِسْرَى وَقَيْصَرُ الْمَوْجُودَانِ عِنْدَ مَقَالَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُمَا هَلَكَا، وَلَمْ يَكُنْ بعد كسرى كسرى آخر، ولا بعد قيصر بالشام قيصر آخر، وانفقت كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْرِ عُمَرَ -رَضِيَ الله عنه- وبقي للقياصرة ملك بالروم وقسطنطينية، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَبُتَ مُلْكُهُ"1 حِينَ أَكْرَمَ كِتَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَنْ يَقْضِيَ اللَّهُ تَعَالَى فتح القسطنطينة، وَلَمْ يَبْقَ لِلْأَكَاسِرَةِ مُلْكٌ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ" حِينَ مَزَّقَ كِتَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِفَرْوَةِ كِسْرَى فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَفِي الْقَوْمِ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمَ، قَالَ فَأَلْقَى إِلَيْهِ سِوَارَيْ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، فَجَعَلَهُمَا فِي يَدَيْهِ فَبَلَغَا مَنْكِبَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُمَا عُمَرُ فِي يَدَيْ سُرَاقَةَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ سِوَارَا كِسْرَى فِي يَدِ سُرَاقَةَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ3.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ عَنْ عديّ بن حاتم قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُثِّلَتْ لِيَ الْحِيرَةُ كَأَنْيَابِ الْكِلَابِ وَإِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَهَا"، فقام رجل فقال: يا رسول الله هَبْ لِي ابْنَةَ بُقَيْلَةَ، قَالَ: "هِيَ لَكَ" فَأَعْطَوْهُ إِيَّاهَا، فَجَاءَ أَبُوهَا فَقَالَ: أَتَبِيعُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: بِكَمْ؟ احْكُمْ مَا شِئْتَ، قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا، قَالُوا لَهُ: لَوْ قُلْتَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا لَأَخَذَهَا، قَالَ: وَهَلْ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ4.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، وَمَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا، جُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خِرْ لِي، قَالَ: "عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَسْقِ مِنْ غدره، فإنّ الله
__________
1 أخرجه البيهقي في "سننه" "9/ 177" عند الشافعي معضلًا.
2 مرسل: أخرجه البخاري "4424" في كتاب المغازي، باب: كِتَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى كسرى وقيصر، عن سعيد بن المسيب مرسلًا.
3 إسناده منقطع: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 325"، والحسن ولد في آخر خلافة عمر -رضي الله عنه.
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 326".

(1/252)


قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ"، قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ: مَنْ تَكَفَّلَ اللَّهُ بِهِ فَلَا ضَيْعَةَ عَلَيْهِ1. صَحِيحٌ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكِرْمَانَ -قَوْمًا مِنَ الْأَعَاجِمِ- حُمْرُ الْوُجُوهِ، فُطْسُ الْأُنُوفِ، صِغَارُ الْأَعْيُنِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ 2 الْمُطْرَقَةُ" 3، قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعْرُ" 4.
"خ"5. وَقَالَ هُشَيْمٌ، عَنْ سَيَّارِ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ جَبْرِ بْنِ عَبِيدَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: وَعَدَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزْوَةَ الْهِنْدِ، فَإِنْ أدركتها أنفق فيها ما لي وَنَفْسِي، فَإِنِ اسْتُشْهِدْتُ كُنْتُ مِنْ أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ رَجَعْتُ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْمُحَرِّرُ6. غَرِيبٌ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، وَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طالب، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْعَاقِبَةَ فِي الآخر وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ" 7. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم
__________
1 صحيح: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 326-327" من هذا الوجه، وأخرجه أبو داود ""2483" في كتاب الجهاد، باب: في سكنى الشام، وأحمد "4/ 110"، وأبو نعيم في "الحلية" "1341"، وقال الألباني في "صحيح الجامع" "3659": صحيح.
2 المجان: جمع مجن، وهو الترس.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3590" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، من حديث أبي هريرة.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3587" في المصدر السابق، ومسلم "2912" في كتاب الفتن، باب: رقم "18" من حديث أبي هريرة.
5 كذا رمز له بهذا الرمز الذي يعني أن البخاري أخرجه وليس كذلك فانظر التعليق الآتي.
6 إسناده ضعيف: أخرجه النسائي "6/ 42" في كتاب الجهاد، باب: غزوة الهند، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 336"، وقال المصنف في "الميزان" "1437": خبر منكر، وقال الألباني في "ضعيف سنن النسائي": ضعيف الإسناد.
7 صحيح: أخرجه مسلم "2270" في كتاب الرؤيا، باب: رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- والبيهقي في "الدلائل" "6/ 337".

(1/253)


الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ"، قَالُوا: فما تأمرنا؟ قال: "فوا ببيعة الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ" 1. اتَّفَقَا عَلَيْهِ.
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخَشْنِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إن اللَّهَ بَدَأَ هَذَا الْأَمْرَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا خِلَافَةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا مُلْكًا عَضُوضًا، وَكَائِنًا عُتُوًّا وَجَبْرِيَّةً وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ، يَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوجَ وَالْخُمُورَ وَالْحَرِيرَ وَيُنْصَرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُرْزَقُونَ أَبَدًا حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ"2.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ وَغَيْرُهُ، عَنْ سعيد بن جهمان، عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ". قَالَ لِي سَفِينَةُ: أَمْسَكَ أَبُو بَكْرٍ سَنَتَيْنِ، وَعُمَرُ عشرًا، وعثمان اثنتي عشرة، وَعَلِيٌّ سِتًّا. قُلْتُ لِسَفِينَةَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً، قَالَ: كَذَبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ، يَعْنِي بَنِي مَرْوَانَ3. كَذَا قَالَ فِي عَلِيٍّ "سِتًّا"، وَإِنَّمَا كَانَتْ خِلَافَةُ عَلِيٍّ خَمْسَ سِنِينَ إِلَّا شَهْرَيْنِ، وَإِنَّمَا تَكْمُلُ الثَّلَاثُونَ سَنَةً بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ زَائِدَةٍ عَمَّا ذُكِرَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ صالح بن كيسان، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قال: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْيَوْمِ الَّذِي بُدِئَ فِيهِ، فَقُلْتُ: وَارَأْسَاهُ، فَقَالَ: "وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ، فَهَيَّأْتُكِ وَدَفَنْتُكِ"، فَقُلْتُ غَيْرَى: كَأَنِّي بِكَ في
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3455" في كتاب أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني إسرائيل، ومسلم "1842" في كتاب الإمارة، باب: وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 338".
2 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 340" وليث هو ابن أبي سليم، ضعيف الحفظ.
3 صحيح: أخرجه أبو داود "6464" في كتاب السنة، باب: في الخلفاء، والترمذي "2233" في كتاب الفتن، باب: ما جاء في الخلافة، وأحمد "2/ 220-221" والطبراني في "الكبير" "6442"، وأبو نعيم في "الحلية" "1280"، والحاكم في "مستدركه" "4438" والبيهقي في "الدلائل" "6/ 341" وابن حبان في "صحيحه" "6657" وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".

(1/254)


ذَلِكَ الْيَوْمِ عَرُوسًا بِبَعْضِ نِسَائِكَ، فَقَالَ: "بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ، ادْعِي لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ، حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يقول قائل ويتمنّى ممتنّ: أَنَّى وَلَا، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ" 1. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعِنْدَهُ: فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَّى، وَلَا.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- وَقَالَ: "اثْبُتْ عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ" 2. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ نَحْوَهُ، لَكِنَّهُ قَالَ "حِرَاءَ" بَدَلَ "أُحُدٍ" وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عَلَى حِرَاءٍ، هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ" 3. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
أَبُو بَكْرٍ صِدِّيقٌ، وَالْبَاقُونَ قَدِ اسْتُشْهِدُوا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقد خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ، قَالَ: "وَلِمَ"؟ قَالَ: نَهَانَا اللَّهُ أَنْ نُحِبَّ أَنْ نُحْمَدَ بِمَا لَمْ نَفْعَلْ، وَأَجِدُنِي أُحِبُّ الْحَمْدَ، وَنَهَانَا عَنِ الْخُيَلَاءِ، وَأَجِدُنِي أُحِبُّ الْجَمَالَ، وَنَهَانَا أَنْ نرفع أصواتنا، وَأَنَا جَهِيرُ الصَّوْتِ، فَقَالَ: "يَا ثَابِتُ أَلَا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا، وَتُقْتَلَ شَهِيدًا، وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ " قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَعَاشَ حَمِيدًا، وَقُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ4. مرسل، وثبت أنّه قتل يوم اليمامة.
__________
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 343"، وأخرجه مسلم "2387" في كتاب الفضائل، باب: من فضائل أبي بكر، من قول "ادعى لي أبا بكر وأخاك ... " الحديث.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3686" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2417" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل طلحة والزبير -رضي الله عنهما.
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 355".

(1/255)


وقال الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكن التَّحْرِيشُ" 1. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسَرَّ إِلَيَّ: "إِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ" 2. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنه كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ" 3. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عُمَرَ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ4.
وَمِنْ وُجُوهٍ، عَنْ عَلِيٍّ: مَا كُنَّا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ5.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْمَصْرِيُّ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُدْعَى سَارِيَةَ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ يَخْطُبُ، فَجَعَلَ يَصِيحُ "يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ"، فَقَدِمَ رَسُولٌ مِنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَقِينَا عَدُوَّنَا فَهَزَمُونَا، فَإِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ "يَا سَارِيَةُ الْجَبَلَ"، فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا إِلَى الْجَبَلِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فقلنا لعمر: كنت تصيح بذلك6.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2812" في كتاب صفة القيامة، باب: تحريش الشيطان، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 363".
2 صحيح: أخرجه البخاري "6285، 6286" في كتاب الاستئذان، باب: من ناجي بين يدي الناس، ومسلم "2450/ 99" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل فاطمة -رضي الله عنها.
3 صحيح: أخرجه مسلم "23987" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر -رضي الله عنه.
وأخرجه البخاري "3689" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه.
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 370".
5 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 369، 370".
6 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 370".

(1/256)


وَقَالَ ابْنُ عَجْلَانَ: وَحَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بِذَلِكَ.
وَقَالَ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، فَذَكَرَ حَدِيثَ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ بِطُولِهِ، وَفِيهِ: فَوَفَدَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى عُمَرَ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ يُدْعَى أُوَيْسًا، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا ههنا مِنَ الْقَرَنِيِّينَ أَحَدٌ؟ قَالَ: فَدُعِيَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ، وَلَا يَدَعُ بِهَا إِلَّا أمًّا له، قد كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ عَنْهُ، فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ إِلَّا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ، يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَأْمُرْهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ1. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا عَنْ رِجَالِهِ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُخْتَصَرًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ أَهْلُ الْيَمَنِ جَعَلَ عُمَرُ يَسْتَقْرِئُ الرِّفَاقَ فَيَقُولُ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ قَرَنٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى قَرَنٍ، قَالَ: فَوَقَعَ زِمَامُ عُمَرَ أَوْ زِمَامُ أُوَيْسٍ، فَتَنَاوَلَهُ عُمَرُ، فَعَرَفَهُ بِالنَّعْتِ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: أُوَيْسٌ، قَالَ: هَلْ كَانَتْ لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ كَانَ بِكَ مِنَ الْبَيَاضِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، دَعَوْتُ اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ عَنِّي إِلَّا مَوْضِعَ الدِّرْهَمِ مِنْ سُرَّتِي لِأَذْكُرَ بِهِ رَبِّي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِي، أَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ، وَلَهُ وَالِدَةٌ، وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ" 2. الْحَدِيثَ.
وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ أَمْدَادُ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: كَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَلَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كان به برص فبرأ منه إلا
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2543/ 223" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أويس القرني -رضي الله عنه- والبيهقي في "الدلائل" "6/ 375".
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 376"، وأخرجه مسلم مختصرًا "2542/ 224" في المصدر السابق.

(1/257)


موضع درهم له والدة هو بها بر، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ" فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عامله فَيَسْتَوْصُوا بِكَ خَيْرًا؟ فَقَالَ: لَأَنْ أَكُونَ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إليَّ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ أُوَيْسٍ، كَيْفَ تَرَكْتَهُ؟ قَالَ: رَثَّ الْبَيْتِ قَلِيلَ الْمَتَاعِ، قَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسٌ مَعَ أَمْدَادِ الْيَمَنِ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ والدة هو بها بر، لو أقسم على اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ" فَلَمَّا قَدِمَ الرَّجُلُ أَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ فَاسْتَغْفِرْ لِي، وَقَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاسْتَغْفِرْ لَهُ، قَالَ فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ. قَالَ أُسَيْرُ بْنُ جَابِرٍ: فَكَسَوْتُهُ بُرْدًا، فَكَانَ إِذَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذَا1. رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِطُولِهِ.
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ، نَادَى مُنَادٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ أَصْحَابَ عَلِيٍّ: "أَفِيكُمْ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ"؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَضَرَبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ مَعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "خَيْرُ التَّابِعِينَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ"2.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عن حُذَيْفَة، كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا، قَالَ: هَاتِ إِنَّكَ لجرئ، فَقُلْتُ: ذِكْرُ فِتْنَةِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ: لَيْسَ هَذَا أَعْنِي، إِنَّمَا أَعْنِي الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ، قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ يَنَالُكَ مِنْ تِلْكَ شَيْءٌ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: أَرَأَيْتَ الْبَابَ يُفْتَحُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: لَا، بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا، قُلْتُ: أَجَلْ، فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ من الباب؟ قَالَ: نعم،
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2542/ 225" في المصدر السابق، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 376-377".
2 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 378" ويزيد، وشريك كلاهما في حفظه ضعف.

(1/258)


كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ غَدًا دُونَهُ اللَّيْلَةَ، وَذَلِكَ إنّي حدّثته حديثًا ليس بالأغاليط، فَسَأَلَهُ مَسْرُوقٌ: مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: عُمَرُ1. أَخْرَجَاهُ.
وَقَالَ شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي حَدِيثِ الْقُفِّ: فَجَاءَ عُثْمَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، عَلَى بَلْوَى -أَوْ بَلَاءٍ- يُصِيبُهُ" 2. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْقَطَّانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي سَهْلَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "ادْعِي لِي -أَوْ لَيْتَ عِنْدِي- رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي"، قَالَتْ: قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: عُمَرُ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: "لَا"، قُلْتُ: فَعُثْمَانُ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَتْ: فَجَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ: قُومِي، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسِرُّ إِلَى عُثْمَانَ، وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ قُلْنَا: أَلَا تُقَاتِلُ؟ قَالَ: لَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهِدَ إِلَيَّ أَمْرًا، فَأَنَا صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ3.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ وَغَيْرُهُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ الْكَاهِلِيِّ -فِيهِ جَهَالَةٌ- عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ عِنْدَ رَأْسِ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ، وَإِلَّا تروخي عنهم سعين سنة"، فقال عمر: يا رسول الله من أمن هذا أو من مستقبله؟ قال: "من مستقبله" 4.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "525" في كتاب مواقيت الصلاة، باب: الصلاة كفارة، ومسلم "144" في كتاب الفتن، باب: الفتنة التي تموج موج البحر.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3674" في كتاب فضائل الصحابة، باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "لوكنت متخذا خليلًا" ومسلم "2403" في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل عثمان بن عفان، والترمذي "3730" في كتاب المناقب، باب: مناقب عثمان بن عفان، وأحمد "4/ 393، 406، 407" وأبو نعيم في "الحلية" "166"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 388، 389".
3 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 391".
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 393" بهذا اللفظ، وأخرجه أبو داود "4254" في كتاب الفتن، باب: ذكر الفتن، ولفظه "قلت: أمما بقي أو مما مضى، قال: مما مضى". وأخرجه أحمد "1/ 390، 3939-394، 451" وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".

(1/259)


وَقَالَ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَتْ عَائِشَةُ بَعْضَ دِيَارِ بَنِي عَامِرٍ، نَبَحَتْ عَلَيْهَا كِلَابُ الْحَوْءَبِ، فَقَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قَالُوا: الْحَوْءَبُ، قَالَتْ: مَا أَظُنُّنِي إِلَّا رَاجِعَةً، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "كَيْفَ بِإِحْدَاكُنَّ إِذَا نَبَحَتْهَا كِلَابُ الْحَوْءَبِ". فَقَالَ الزُّبَيْرُ: تَقَدَّمِي لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِكِ بَيْنَ النَّاسِ1.
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، تَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ" 2. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَأَخْرَجَا مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو: كَانَ أَهْلُ الشَّامِ سِتِّينَ أَلْفًا، فقتل منهم عشرون ألفًا، وكان العراق مائة ألف وعشرين ألفا، فقتل منهم أربعون ألفا، وذلك يوم صفين.
وقال شعبة: حَدَّثَنَا أَبُو مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي -يَعْنِي أَبَا قَتَادَةَ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَمَّارٍ: "تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ" 3.
وَقَالَ الْحَسَنُ، عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نَقْرَأُ: جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ كَمَا جَاهَدْتُمْ فِي أَوَّلِهِ! قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَمَتَى ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: إِذَا كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ الْأُمَرَاءَ وَبَنُو الْمُغِيرَةِ الْوُزَرَاءَ. رواه الرماديّ عنه4.
__________
1 أخرجه أحمد "6/ 52، 97"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 410".
2 صحيح: أخرجه البخاري "7121" في كتاب الفتن، باب: رقم "25"، ومسلم "157" في كتاب الفتن، باب: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2916" في كتاب الفتن، باب: رقم "18".
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 422".

(1/260)


وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فِرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ" 1. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ عَلِيًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني وهو بِالْيَمَنِ بِذَهَبٍ فِي تُرْبَتِهَا فَقَسَمَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَرْبَعَةٍ: بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ الْكِلَابِيِّ، وَالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ، وَزَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِيِّ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ وَقَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا أُعْطِيهِمْ أَتَأَلَّفُهُمْ"، فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ2 الْجَبِينِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِنْ عَصَيْتُهُ أَيَأْمَنُنِي أَهْلُ السَّمَاءِ وَلَا تَأْمَنُونِي"؟ فَاسْتَأْذَنَهُ رَجُلٌ فِي قَتْلِهِ، فَأَبَى ثُمَّ قَالَ: "يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ 3 هَذَا قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ" 4. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِلْبُخَارِيِّ بِمَعْنَاهُ.
الْأَوْزَاعِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، وَالضَّحَّاكُ، يَعْنِي الْمشرفي، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قَسْمًا، فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ مِنْ بَنِي تميم: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعْدِلْ، فَقَالَ: "وَيْحَكَ وَمَنْ يَعْدِلْ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ". فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ: "لَا، إِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثم ينظر إلى
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1065/ 150" في كتاب الزكاة، باب: ذكر الخوارج، وأبو داود "4667" في كتاب السنة، باب: ما يدل على ترك الكلام في الفتنة، وأحمد "3/ 5، 32، 45، 48، 79" والبيهقي في "الدلائل" "6/ 424".
2 ناتئ: بارز.
3 الضئضئ: أصل الشيء.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3344" في كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} ومسلم "1064/ 143" في المصدر السابق، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 426، 427".

(1/261)


رِصَافِهِ 1 فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ 2 فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ3 فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَدْعَجُ 4 إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ" 5. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَشْهَدُ أَنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حِينَ قَتَلَهُمْ، فَالْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى وأُتيّ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم6. أخرجه البخاريّ.
وقال أيّوب، عن أن سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: ذَكَرَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَهْلَ النَّهْرَوَانِ فَقَالَ: فِيهِمْ رَجُلٌ مُودَنُ7 الْيَدِ أَوْ مَثْدُونُ8 الْيَدِ أَوْ مُخْدَجُ9 الْيَدِ، لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَنَبَّأْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ10. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْوَضِيِّ السُّحَيْمِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ بِالنَّهْرَوَانِ، فَقَالَ لَنَا: الْتَمِسُوا الْمُخْدَجَ، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأَتَوْهُ فَقَالَ: ارْجِعُوا فَالْتَمِسُوا الْمُخْدَجَ، فَوَاللَّهِ مَا كُذِبْتُ وَلَا كَذَبْتُ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَرَجَعُوا فَقَالُوا: قَدْ وَجَدْنَاهُ تَحْتَ الْقَتْلَى فِي الطِّينِ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَبَشِيًّا، لَهُ ثَدْيٌ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ، عَلَيْهِ شُعَيْرَاتٌ كَالشُّعَيْرَاتِ الَّتِي عَلَى ذَنَبِ الْيَرْبُوعِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ عَلِيٌّ11. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ".
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: جَاءَ رَأْسُ الْخَوَارِجِ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، فقال: لا والذي فلق الحبّة وبرأ
__________
1 الرصاف: عقب يلوى على مدخل النصل فيه.
2 النضي: نصل السيف.
3 القذذ: آذان السهم.
4 الأدعج: متسع العين مع شدة سوادها وبياضها.
5 تدردر: تضطرب.
6 صحيح: أخرجه البخاري "3610" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام.
7 مودن: ناقص.
8 مثدون اليد: صغير اليد.
9 مخدج: ناقص.
10 صحيح: أخرجه مسلم "1066/ 155" في المصدر السابق، وأحمد "1/ 155"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 431".
11 أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" "169"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 433".

(1/262)


النَّسْمَةَ، وَلَكِنِّي مَقْتُولٌ مِنْ ضَرْبَةٍ عَلَى هَذِهِ تَخْضِبُ هَذِهِ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَتِهِ- عَهْدٌ وَقَضَاءٌ مَقْضِيٌّ، وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى1.
وَقَالَ أبو النّضر: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ أَبُوهُ بَدْرِيًّا قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي عَائِدًا لِعَلِيٍّ مِنْ مَرَضٍ أَصَابَهُ ثقل به، فَقَالَ لَهُ أَبِي: مَا يُقِيمُكَ بِمَنْزِلِكَ هَذَا؟ لَوْ أَصَابَكَ أَجَلُكَ لَمْ يَلِكَ إِلَّا أَعْرَابُ جُهَيْنَةَ! تُحْمَلُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَإِنْ أَصَابَكَ أَجَلُكَ وَلِيَكَ أَصْحَابُكَ وَصَلُّوا عَلَيْكَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهِدَ إِلَيَّ أَنِّي لَا أَمُوتُ حَتَّى أُؤَمَّرَ، ثُمَّ تُخْضَبُ هَذِهِ مِنْ دَمِ هَذِهِ -يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ دَمِ هَامَتِهِ- فَقُتِلَ، وَقُتِلَ أَبُو فَضَالَةَ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ2.
وَقَالَ الْحَسَنُ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَظِيمَتَيْنِ" 3. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ دُونَ "عَظِيمَتَيْنِ".
وَقَالَ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَهُوَ بِسَاحِلِ حِمْصٍ، وَهُوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَرَامٍ، قَالَ: فَحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا". قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: "أَنْتِ فِيهِمْ"، قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ"، قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: "لا" 4. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. فِيهِ إِخْبَارُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّ أُمَّتَهُ يَغْزُونَ الْبَحْرَ، وَيَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ.
وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
__________
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 438-439".
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 438".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3629" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 442".
4 صحيح: أخرجه البخاري "2924" في كتاب الجهاد، باب: ما قيل في قتال الروم، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 452".

(1/263)


"إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ثَلَاثِينَ كَذَّابًا دَجَّالًا كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ" 1. رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ2.
وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا قَالَتْ لِلْحَجَّاجِ: أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا3، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ4. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، تعني بالكذّاب المختار بن أبي عُبَيْدٍ5.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْن سالم الجزريّ، حدثنا الْأَحْوَصُ بْنُ الْحَكِيمِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ وَهْبٌ، يَهَبُ اللَّهُ لَهُ الْحِكْمَةَ، وَرَجُلٌ يُقَالُ لَهُ غَيْلَانُ، هُوَ أَضَرُّ عَلَى أُمَّتِي مِنْ إِبْلِيسَ"6. مَرْوَانُ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ ابن جريج: أخبرنا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ يَقُولُ: "تَسْأَلُونَ عَنِ السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ، مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ" 7. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثَمَةَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَاةَ العشاء ليلةً
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2923" في كتاب الفتن، باب: رقم "18"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 480".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3609" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، ومسلم "157/ 84" في كتاب الفتن، باب: رقم "18".
3 المبير: المهلك.
4 صحيح: أخرجه مسلم "2545" في كتاب فضائل الصحابة، باب: ذكر كذاب ثقيف ومبيرها، وأحمد "6/ 351"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 481".
5 تأتي ترجمته "366".
6 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 496"، ومروان بن سالم متروك، ومتهم بالوضع كما في "الميزان" "8425"، وقد ذكر له المصنف هذا الحديث من مناكيره.
7 صحيح: أخرحه مسلم "2538" في كتاب فضائل الصحابة، باب: بيان معنى قوله -صلى الله عليه وسلم: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة"، وأحمد "3/ 326، 345، 385"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 501".

(1/264)


فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: "أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ على ظهر أَحَدٌ" 1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَقَالَ الْجُرَيْرِيُّ: كُنْتُ أَطُوفُ مَعَ أَبِي الطُّفَيْلِ فَقَالَ: لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ ممّن لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرِي، قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا2. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ تُوُفِّيَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ3.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: "يَعِيشُ هَذَا الْغُلَامُ قَرْنًا"، قَالَ: فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ4.
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: عن الْأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ: وُلِدَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّوْهُ الْوَلِيدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تُسَمُّونَ بِأَسْمَاءِ فَرَاعِنَتِكُمْ، غَيِّرُوا اسْمَهُ فَسَمُّوهُ عَبْدَ اللَّهِ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رجل يقال الْوَلِيدُ، هُوَ شَرٌّ لِأُمَّتِي مِنْ فِرْعَوْنَ لِقَوْمِهِ"5. هَذَا ثَابِتٌ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمَرَاسِيلُهُ حُجَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ6.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا بَلَغَ بَنُو أَبِي الْعَاصِ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، اتَّخَذُوا دِينَ اللَّهِ دَغَلًا 7، وَعِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا 8، وَمَالَ اللَّهِ دُوَلًا" 9. غَرِيبٌ، وَرُوَاتُهُ ثقات.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "116" في كتاب العلم، باب: السمر في العلم، ومسلم "2537" في المصدر السابق.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2340" في كتاب الفضائل، باب: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أبيض مليح الوجه، وأبو داود "4864" في كتاب الأدب، في هدي الرجل، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 204، 205" والمقصد: الذي ليس بجسيم ولا نحيف، ولا طويل ولا قصير.
3 تأتي ترجمته "319".
4 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 503" وفي إسناده الواقدي، وهو متروك.
5 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 505"، وقال: هذا مرسل حسن.
6 تأتي ترجمته "455".
7 الدغل: الفساد.
8 الخول: الأتباع والخدم.
9 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 508".

(1/265)


وَقَدْ رَوَى الْأَعْمَشُ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، لَكِنَّهُ قَالَ: "ثَلَاثِينَ رَجُلًا"1.
وقال سليمان بن حيّان الأحمر: أنبأنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ طَلْحَةَ النَّصْرِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا، وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَرِيفٌ نَزَلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرِيفٌ نَزَلَ الصُّفَّةَ، فَنَزَلْتُ الصُّفَّةَ، وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرَافِقُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمْ مُدًّا مِنْ تَمْرٍ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ فِي صَلَاتِهِ؛ إِذْ نَادَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْرَقَ بُطُونَنَا التَّمْرُ، وَتَخَرَّقَتْ عَنَّا الْخُنُفُ2 قَالَ: وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ مَا لَقِيَ مِنْ قَوْمِهِ، ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَصَاحِبِي، مَكَثْنَا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَا لَنَا طَعَامٌ غَيْرُ الْبَرِيرِ 3 -وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ- حَتَّى أَتَيْنَا إِخْوَانَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَآسَوْنَا مِنْ طَعَامِهِمْ، وَكَانَ جُلَّ طَعَامِهِمُ التَّمْرُ، وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْ قَدِرْتُ لَكُمْ عَلَى الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ لَأَطْعَمْتُكُمُوهُ، وَسَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ أَوْ مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ، تَلْبَسُونَ أَمْثَالَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَيُغْدَى وَيُرَاحُ عَلَيْكُمْ بِالْجِفَانِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ أَمِ الْيَوْمَ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ، أَنْتُمُ الْيَوْمَ إِخْوَانٌ، وَأَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" 4.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ: ذَكَرَ سُفْيَانُ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى يُحَنِّسَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطَاءَ5 وَخَدَمَتْهُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ، سُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ"6. حَدِيثٌ مُرْسَلٌ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى مَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ، فَدَخَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، فَنَاجَى رَبَّهُ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: "سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثَةً: سَأَلْتُهُ أَنْ لا
__________
1 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 507"، وعطية هو العوفي، ضعيف الحفظ.
2 الخنف: من الثياب الرديء.
3 البرير: ثمر الأراك.
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 524".
5 المطيطاء: الخيلاء.
6 مرسل: أخرجه البخاري في "الدلائل" "6/ 525".

(1/266)


يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ1 فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا" 2. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ زَوَى 3 لِيَ الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ 4، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا، وَبَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا" 5.
وَقَالَ: "إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ" 6.
"وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" 7.
"وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ من أمّتي بالمشركين حتى يعبدوا
__________
1 السنة: القحط.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2890" في كتاب الفتن، باب: هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، وأحمد "1/ 1825"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 526".
3 زوى: جمع.
4 بيضتهم: أصلهم.
5 صحيح: أخرجه مسلم "2889" في المصدر السابق، وأبو داود "4252" في كتاب الفتن، باب: ذكر الفتن، باب: رقم "14"، وابن ماجه "3952" في كتاب الفتن، باب: ما يكون من الفتن، وأحمد "5/ 278-284"، وأبو نعيم في "الحلية" "2435" والبيهفي في "الدلائل" "6/ 526-527"، والبغوي في "شرح السنة" "4015".
6 صحيح: أخرجه الترمذي "2236" في كتاب الفتن، باب: ما جاء في الأئمة المضلين، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 5274" من حديث ثوبان، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
7 صحيح: أخرجه أبو داود "4252" في كتاب الفتن، باب: ذكر الفتن، والترمذي "2209" في كتاب الفتن، باب: رقم "32" وابن ماجه "3952" في كتاب الفتن، باب: ما يكون من الفتن، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 527" وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".

(1/267)


الْأَوْثَانَ 1، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَإِنِّي خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لَا نَبِيَّ بَعْدِي" 2.
"وَلَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى" 3. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ يُونُسُ وَغَيْرُهُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الهَرْج". قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ"، قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ؟ قَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ بِقَتْلِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا". قَالُوا: ومعنا يومئذ عقولنا؟ قال: "إنّه ينزع عُقُولُ أَكْثَرِ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُمْ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ، يَحْسَبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ" 4.
وَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ معهم سياط كأذناب البقر، يضربون النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ5 الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يجدن ريحها وإن رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا"6. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ السَّلَامِ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ، كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا"، فَقَالَ قَائِلٌ: أَمِنْ قِلَّةٍ نحن
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "4252" في المصدر السابق، والترمذي "2226" في كتاب الفتن، باب: ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون، والبيهفي في "الدلائل" "6/ 527" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
2 صحيح: هو بقية الحديث السابق.
3 صحيح: أخرجه مسلم "1920" في كتاب الإمارة، باب: رقم "53"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 527".
4 أخرجه أحمد "4/ 405، 406"، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 529".
5 البخت: الإبل الخراسانية.
6 صحيح: أخرجه مسلم "2128" في كتاب اللباس، باب: النساء الكاسيات العاريات، وأحمد "2/ 356، 440" والبيهقي في "الدلائل" "6/ 532، 533".

(1/268)


يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ"، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ" 1.
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بن جابر، حدثنا أَبُو عَبْدِ السَّلَامِ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ يَوْمٌ لَأَنْ يَرَانِي، ثُمَّ لَأَنْ يَرَانِي، أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مِثْلِ أَهْلِهِ وَمَالِهِ مَعَهُمْ" 2. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو: حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَرَازِيُّ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا فِي دِينِهِمْ على اثنتين وسبعين ملّة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة، كلّها فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الْجَمَاعَةُ" 3. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَتُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا" 4. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "4297" في كتاب الملاحم، باب: في تداعي الأمم على الإسلام، وأحمد "5/ 278" وأبو نعيم في "الحلية" "591" والبيهفي في "الدلائل" "6/ 534"، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
2 صحيح: أخرجه مسلم "2364" في كتاب الفضائل: باب: فضل النظر إليه -صلى الله عليه وسلم- وأخرجه أيضًا البخاري "3589" في كتاب المناقب، باب: النبوة في الإسلام، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 536".
3 صحيح: أخرجه أبو داود "4597" في كتاب السنة، باب: شرح السنة، وأحمد "4/ 102" وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" "8/ 21": إسناده حسن. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
4 صحيح: أخرجه البخاري "80" في كتاب العلم، باب: رفع العلم، ومسلم "2671" في كتاب العلم، باب: رفع العلم.

(1/269)


"إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" 1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ كَثِيرُ النَّوَاءِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَكُونُ فِي أُمَّتِي قَوْمٌ يُسَمَّوْنَ الرَّافِضَةَ، هُمْ بَرَاءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ"2. كَثِيرٌ ضَعِيفٌ تَفَرَّدَ بِهِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: أَخْبَرَنِي أَبُو حَمْزَةَ، أنا زَهْدَمٌ، أَنَّهُ سَمِعَ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ بَعْدَهُمْ يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوَفُّونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ" 3. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالضَّعِيفَةُ فِي إِخْبَارِهِ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ كَثِيرَةٌ إِلَى الْغَايَةِ، اقْتَصَرْنَا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنْهَا4، وَمَنْ لم يجعل الله نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَكْتُبَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِنَا، وَأَنْ يؤيدنا بروحٍ منه.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "100" في كتاب العلم، باب: كيف يقبض العلم، ومسلم "3673" في المصدر السابق.
2 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "6/ 547"، وكثير النواء ضعيف كما في "الميزان" "6930".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3651" في كتاب فضائل الصحابة، باب: رقم "1"، ومسلم "2535" في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة.
4 وقد استوعب غالبها الحافظ ابن كثير في "البداية" "3/ 536-776".

(1/270)


بَابٌ: جَامِعٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ، وَآلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَرَفَعُوهُ: قَالُوا: هَذَا كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ، فَأُعْجِبُوا بِهِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللَّهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ، فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا1. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ، وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، وَكَانَ يَقُولُ: مَا أَرَى يُحْسِنُ مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ. فَأَمَاتَهُ اللَّهُ، فَأَقْبَرُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، قَالُوا: هَذَا عَمَلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، قَالَ: فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى2. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" 3. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: هَذِهِ هِيَ الْمُعْجِزَةُ الْعُظْمَى، وَهِيَ "الْقُرْآنُ" فَإِنَّ النَّبِيَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- كَانَ يَأْتِي بِالْآيَةِ وَتَنْقَضِي بِمَوْتِهِ، فَقَلَّ لِذَلِكَ مَنْ يَتْبَعُهُ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِكَوْنِ مُعْجِزَتِهِ الْكُبْرَى بَاقِيَةً بَعْدَهُ، فَيُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَسْمَعُ الْقُرْآنَ عَلَى مَمَرِّ الْأَزْمَانِ، وَلِهَذَا قَالَ: فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ زَائِدَةُ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا صُدِّقَ نَبِيُّ مَا صُدِّقْتُ، إِنَّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَا يُصَدِّقُهُ مِنْ أمّته إلا الرجل الواحد" 4. رواه مسلم.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2781" في كتاب صفات المنافقين، باب: رقم "1"، وأحمد "3/ 222"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 126".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3617" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 127".
3 صحيح: اخرجه البخاري "4981" في كتاب فضائل القرآن، باب: كيف نزل الوحي، ومسلم "152" في كتاب الإيمان، باب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- والبيهقي في "الدلائل" "7/ 129"، وأبو نعيم في "الحلية" "15112".
4 صحيح: أخرجه مسلم "196/ 332" في كتاب الإيمان، باب: رقم "85"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 130".

(1/271)


وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} 1 قَالَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ جملةً واحدةً إلى سماء الدُّنْيَا، وَكَانَ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ، فَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ينزله عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْضَهُ فِي إِثْرِ بَعْضٍ. قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} 2.
__________
1 سورة القدر: 2.
2 سورة الفرقان: 32.
والخبر أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 131".

(1/272)


بَابُ: آخِرِ سُورَةٍ نُزِّلَتْ
قَالَ أَبُو الْعُمَيْسِ، عن عبد المجيد ين سُهَيْلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْلَمُ آخِرَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ نَزَلَتْ جَمِيعًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} 1 قَالَ: صَدَقْتَ2. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ، إِذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ، قَالَ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مِثْلَ مَا تَعْلَمُ يابن عَبَّاسٍ3. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ: آخِرُ سُورَةٍ نزلت براءة، وآخر آية نزلت "يستفتونك"4. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمِ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ آية أنزلها الله آية الرّبا5.
__________
1 سورة النصر: 1.
2 صحيح: أخرجه مسلم "3024" في كتاب التفسير، باب: رقم "1".
3 صحيح: أخرجه البخاري "4970" في كتاب التفسير، باب: قوله {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} ، والبيهفي في "الدلائل" "5/ 446"، "7/ 134، 135".
4 صحيح: أخرجه البخاري "4654" في كتاب التفسير، باب: قوله تعالى {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، ومسلم "1618" في كتاب الفرائض، باب: آخر آية أنزلت آية الكلالة، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 136".
5 صحيح: أخرجه البخاري "4544" في كتاب التفسير، باب: قوله تعالى {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} ، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 138".

(1/272)


وقال الحسين بن واقد، عن زيد النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} 1.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: آخِرُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرِّبَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ2. صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيٍّ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} 3.
فَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّا مِنْهُمْ أَخْبَرَ بِمُقْتَضَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ النَّحْوِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ قَالَا: نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} ، والبقرة، وآل عمران، والأنفال، والمائدة، والممتحنة، والنّساء، {إِذَا زُلْزِلَتِ} ، والحديد، ومحمد، والرّعد، والرحمن، {هَلْ أَتَى} ، والطّلاق، ولم يكن، والحشر، و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} ، وَالنُّورُ، وَالْحَجُّ، وَالْمُنَافِقُونَ، وَالْمُجَادَلَةُ، وَالْحُجُرَاتُ، وَالتَّحْرِيمُ، وَالصَّفُّ، وَالْجُمُعَةُ، وَالتَّغَابُنُ، وَالْفَتْحُ، وَبَرَاءَةٌ، قالا: ونزل بمكة، فذكرا ما بقي من سور القرآن4.
__________
1 سورة البقرة: 281".
والخبر أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 137".
2 أخرجه أحمد "1/ 36، 50" والبيهقي في "الدلائل" "7/ 138".
3 سورة التوبة: 129.
والخبر أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 138-139".
4 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 142-143".

(1/273)


باب: في النسخ والمحور من الصدور
...
بَابٌ: فِي النَّسْخِ وَالْمَحْوِ مِنَ الصُّدُورِ
وَقَالَ أَبُو حَرْبِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةٍ، فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا: لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ. وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أنّي حفظت منها: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} 1، فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ، فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ2. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، أَنَّ رَهْطًا مِنَ الْأَنْصَارِ، مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرُوهُ، أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَتِحَ سُورَةً كَانَتْ قَدْ وَعَاهَا. فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ إِلَّا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فَأَتَى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَصْبَحَ لِيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا جَمَعَهُمْ؟ فَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِشَأْنِ تِلْكَ السُّورَةِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُمْ، وَسَأَلُوهُ عَنِ السُّورَةِ، فَسَكَتَ سَاعَةً لَا يُرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: "نُسِخَتِ الْبَارِحَةَ"، فَنُسِخَتْ مِنْ صُدُورِهِمْ، وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَانَتْ فِيهِ3. رَوَاهُ عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ فِيهِ: وَابْنُ الْمُسَيِّبِ جَالِسٌ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ.
نَسْخُ هَذِهِ السُّورَةِ وَمَحْوُهَا مِنْ صُدُورِهِمْ مِنْ بَرَاهِينِ النُّبُوَّةِ، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ.
__________
1 سورة الصف: 2.
2 صحيح: أخرجه مسلم "1050" في كتاب الزكاة، باب: لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثًا.
3 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 157".

(1/274)


ذكر صفة النبي -صلى الله عليه وسلم:
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، سَمِعَ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن الناس وجهًا: وأحسنه خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ1. اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: نا أَبُو نُعَيْمٍ، نا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قال رجل لبراء: أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: "لَا، مِثْلَ الْقَمَرِ"2.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بن سمرة، قال له رجل: أكان
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3549" في كتاب المناقب، باب: صفة النبي -صلى الله عليه وسلم، ومسلم "2337/ 93" في كتاب الفضائل، باب: فِي صِفَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3552" في المصدر السابق.

(1/274)


وجه النّبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا1. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ الْمُحَارِبِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانَ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى الْقَمَرِ، فَلَهُوَ كَانَ أَحْسَنَ فِي عَيْنِي مِنَ الْقَمَرِ2.
وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ ابن شهاب، أخبرني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا أَنْ سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يَبْرُقُ وَجْهُهُ، وَكَانَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ3، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهَا يَوْمًا مَسْرُورًا وَأَسَارِيرُ وَجْهِهِ تَبْرُقُ، وَذَكَرَ الحديث4. متّفق عليه.
وقال يعقوب الفسوي: حدثنا سعيد، حدثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورَ الْعَبْدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ هَمْدَانَ سَمَّاهَا قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَيْتُهُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةَ، بِيَدِهِ مِحْجَنٌ، فَقُلْتُ لَهَا: شَبِّهِيهِ، قَالَتْ: كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مثله5.
وقال يعقوب بن محمد الزّهريّ: حدثنا عبد الله بن موسى التّيميّ، حدثنا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قُلْنَا لِلرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ: صِفِي لَنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَوْ رَأَيْتِهِ لقلت، الشمس طالعة6.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2344/ 109" في كتاب الفضائل، باب: شيبه -صلى الله عليه وسلم- والبيهقي في "الدلائل" "1/ 195، 196".
2 ضعيف: أخرجه الترمذي "2820" في كتاب الأدب، باب: ما جاء في الرخصة في لبس الحمرة للرجال، وفي "الشمائل" له "10"، والدارمي "57"، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 196"، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "532": ضعيف.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3556" في كتاب المناقب، باب: صفة النبي -صلى الله عليه وسلم.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3555" في المصدر السابق، ومسلم "1459" في كتاب الرضاع، باب: العمل بإلحاق القائف الولد.
5 إسناده ضعيف: أبو إسحاق مدلس، وقد عنعنه، ويونس بن أبي يعفور ضعيف الحفظ كما في "التقريب" "7920".
6 إسناده ضعيف: أخرجه الدارمي "60" وقال شيخنا أبو محمد خالد بن عبد الرحمن في تحقيقه لسنن الدارمي: إسناده ضعيف، أبو عبيد مقبول، وأسامة صدوق يهم وابن موسى صدوق كثير الخطأ.

(1/275)


وَقَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ أَنَسًا وَهُوَ يَصِفُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، ليس بأبيض أمهق1، ولا آدم بِجَعْدٍ2 قَطَطٍ3، وَلَا بِالسَّبْطِ4، بُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ5، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْمَرَ اللَّوْنِ6.
وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ7.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ: أنا حُمَيْدٌ، سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبْيَضَ، بَيَاضُهُ إِلَى السُّمْرَةِ8.
وَقَالَ سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ: كُنْتُ أَنَا وَأَبُو الطُّفَيْلِ نَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرِي، قُلْتُ: صِفْهُ لِي، قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا9. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَلَفْظُهُ: كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحَ الْوَجْهِ.
وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى اله عليه وسلم قَدْ شَابَ، وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ10. متّفق عليه.
__________
1 الأمهق: الأبيض الكريه البياض.
2 الجعد: من الشعر المتلوي.
3 القطط: شديد الجعودة.
4 السبط: المسترسل.
5 صحيح: أخرجه البخاري "3547" في كتاب المناقب، باب: صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسلم "2347" في كتاب الفضائل، باب: فِي صِفَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
6 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 203".
7 صحيح: وقد تقدم في "الدلائل" "1/ 204".
8 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 204".
9 صحيح: وقد تقدم تخريجه.
10 صحيح: أخرجه البخاري في "3543" في كتاب المناقب، باب: صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسلم "2343" في كتاب الفضائل، باب: شيبه -صلى الله عليه وسلم.

(1/276)


وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَزْهَرَ اللَّوْنِ1. رَوَاهُ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ.
وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ: كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُشْرَبًا وَجْهُهُ حُمْرَةً2. رَوَاهُ شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعٍ مِثْلَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن إدريس وغيره: أنبأنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ، أَنْظُرُ إِلَى سَاقِهِ كَأَنَّهَا جُمَّارَةٌ3.
وقال ابن عيينة: أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدٍ، عَنْ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْجِعْرَانَةِ لَيْلًا، فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ كأنّه سبيكة فضّة4.
وقال يعقوب الفسويّ: أنبأنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ5.
وَقَالَ رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى لَهُ، إِنَّا لَنَجْتَهِدُ، وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مكترث6. رواه ابن لهيعة، عن أبي يونس.
__________
1 تقدم.
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 206".
3 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي "1/ 207" وابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه.
4 أخرجه أحمد "3/ 426".
5 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 208"، وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" "3/ 468": إسناده حسن.
6 ضعيف: أخرجه الترمذي "3668" في كتاب المناقب، باب: فِي صِفَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي "الشمائل" "122"، وأحمد "2/ 350-380"، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 209"، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "750": ضعيف.

(1/277)


وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كان النّبيّ ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْكَعْبَيْنِ1. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ: أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْعَقِبِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الشَّكْلَةُ: كَهَيْئَةِ الْحُمْرَةِ، تَكُونُ فِي بَيَاضِ الْعَيْنِ، وَالشَّهْلَةُ: حُمْرَةٌ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ. قُلْتُ: وَمَنْهُوسُ الْكَعْبِ: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ. كَذَا فَسَّرَهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ لِشُعْبَةَ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أبي شيبة: أنبأنا عَبَّادٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ قُلْتُ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ، وَكَانَ فِي سَاقَيْهِ حُمُوشَةٌ، وَكَانَ لا يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا2.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَظِيمَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ، مُشْرَبَ الْعَيْنِ بِحُمْرَةٍ، كَثَّ اللِّحْيَةِ3.
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ: انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا بَيَاضُهُ حُمْرَةً، وَكَانَ أَسْوَدَ الْحَدَقَةِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ4.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَصِفُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ مُفَاضَ الْجبينِ، أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ، أَسْوَدَ اللِّحْيَةِ، حَسَنَ الثَّغْرِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، يطأ بقدميه جميعًا، ليس له أخمص5.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2339" في كتاب الفضائل، باب: في صفة فم النبي -صلى الله عليه وسلم- والترمذي "3666" في المصدر السابق، وفي "الشمائل" "9"، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 210، 211".
2 ضعيف: أخرجه الترمذي "3665" في المصدر السابق، وفي "الشمائل" له "225"، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "749": ضعيف.
3 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 212": دون قوله "كث اللحية" فأخرجه "1/ 217".
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 212-213".
5 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 214" بعضه.

(1/278)


وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ الزُّهْرِيُّ: أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْلَجَ1 الثَّنِيَّتَيْنِ، إِذَا تَكَلَّمَ رُؤِيَ كَالنُّورِ بَيْنَ ثَنَايَاهُ2. عَبْدُ الْعَزِيزِ مَتْرُوكٌ.
وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَخْمَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ، طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ3.
رَوَى مِثْلَهُ شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الملك بن عمير، عن نافع بن جبير بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ، وَلَفْظُهُ: كَانَ ضَخْمَ الْهَامَةِ، عَظِيمَ اللِّحْيَةِ4.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: أنبأنا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، ثنا خَالِدُ بْنُ خَالِدٍ التَّمِيمِيُّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ الرَّاسِبِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ: انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، ضَخْمَ الْهَامَةِ، أَغَرَّ أَبْلَجَ أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ5.
وقال جرير بن حازم: حدثنا قَتَادَةُ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ لَا سَبْطَ وَلَا جَعْدَ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ6. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضْرِبُ منكبيه7 "خ".
__________
1 الفلج: التباعد بين الأسنان.
2 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 215" وعبد العزيز هو ابن عمران الزهري، متروك كما في "الميزان" "5119".
3 قوله شثن: أي غليظ. والكراديس، رءوس العظام: والمسربة: الشعر من أعلى الصدر إلى أسفل العانة.
4 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 216" وشريك في حفظه ضعف.
5 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 216-217" وقوله: أغر: الغرة بياض في جبهة الفرس، والمراد به الحسن، وقوله: أبلج: مشرق الوجه. وأهدب الأشفار طويل شعر الأجفان.
6 صحيح: أخرجه البخاري "5905" في كتاب اللباس، باب: الجعد، ومسلم "2338/ 94" في كتاب الفضائل، باب: صفة شعر النبي -صلى الله عليه وسلم.
7 صحيح: أخرجه البخاري "5903" في المصدر السابق.

(1/279)


وَقَالَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، كَانَ إِلَى أَنْصَافِ أذنيه1."م".
قُلْتُ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ. وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ2."د"3 في "السّنن".
وقال شعبة: أنا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرْبُوعًا، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، يَبْلُغُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أحسن منه4. متّفق عليه.
وأخرجه "خ" مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، وَلَفْظُهُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ، أَحْسَنَ مِنْهُ، وَإِنَّ جُمَّتَهُ تَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ5. وأخرجه "م" من حديث الثّوريّ، ولفظه: له شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ، وَفِيهِ: لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ6.
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: وَصَفَ لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ رَجِلَهُ7. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ شَعْرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوْقَ الْوَفْرَةِ، وَدُونَ الْجُمَّةِ8. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ. وإسناده حسن.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2338/ 96" في المصدر السابق.
2 صحيح: أخرجه أبو داود "4185" في كتاب الترجل، باب: ما جاء في الشعر، والترمذي في "الشمائل" "29" وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
3 رمز لأبي داود.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3551" في كتاب المناقب، باب: صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسلم "2337/ 91" في كتاب الفضائل، باب: فِي صِفَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والبيهقي في "الدلائل" "1/ 240".
5 صحيح: أخرجه البخاري "5901" في كتاب اللباس، باب: الجعد.
6 صحيح: أخرجه مسلم "2337/ 92" في المصدر السابق.
7 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "223".
8 حسن: أخرجه أبو داود "4187" في كتاب الترجل، باب: ما جاء في الشعر، والترمذي، "1761" في كتاب اللباس، باب: ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر، وفي "الشمائل" له "25"، وابن ماجه "3635" في كتاب اللباس، باب: اتخاذ الجمة، وأحمد "6/ 108، 118"، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 224"، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "2930" حسن.

(1/280)


وقال ابن عيينة، عن ابن أبي نجي، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ قَدْمَةً، وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ، تَعْنِي ضَفَائِرَ1. لَمْ يُدْرِكْ مُجَاهِدٌ أُمَّ هَانِئٍ. وَقِيلَ: سَمِعَ مِنْهَا، وَذَلِكَ ممكن.
وقال إبراهيم بن سعد: أنبأنا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ. وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُفَرِّقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَسَدَلَ ناصيته ثم فرّق بعد2. خ م.
وَقَالَ رَبِيعَةُ الرَّأْيِ: رَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ فَقِيلَ: مِنَ الطِّيبِ3. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَخَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: لَمْ يَرَ مِنَ الشَّيْبِ إِلَّا قَلِيلًا4. أَخْرَجَاهُ، وَلَهُ طُرُقٌ فِي الصَّحِيحِ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ.
وَقَالَ الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يختصب، إِنَّمَا كَانَ شَمِطَ5 عِنْدَ الْعَنْفَقَةِ6 يَسِيرًا، وَفِي الصُّدْغَيْنِ يَسِيرًا، وَفِي الرَّأْسِ يَسِيرًا7. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "4191" في كتاب الترجل، باب: في الرجل يعقص شعره، والترمذي "1788" في كتاب اللباس، باب: دُخُولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ، وفي "الشمائل" "28، 31"، وابن ماجه "3631" في المصدر السابق، وأحمد "6/ 341، 425"، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 224"، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" "6/ 662": رجاله ثقات. وقال في نفس المصدر "10/ 372": سنده حسن. وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "2926": صحيح.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3558" في كتاب المناقب، باب: صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومسلم "2336" في كتاب الفضائل، باب: في سدل النبي -صلى الله عليه وسلم- شعره، وفرقه.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3547" في المصدر السابق وأخرج مسلم "2347" أصل الحديث دون هذه الزيادة.
4 صحيح: أخرجه البخاري "5894" في كتاب اللباس، باب: ما يذكر في الشيب، ومسلم "2341/ 102" في كتاب الفضائل، باب: شيبه -صلى الله عليه وسلم.
5 شمط: مختلط سواد الشعر ببياضه.
6 العنفقة: الشعر أسفل الشفة السفلى.
7 صحيح: أخرجه مسلم "2341/ 104" في المصدر السابق، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 232".

(1/281)


وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذِهِ مِنْهُ بَيْضَاءُ، وَوَضَعَ زُهَيْرٌ بَعْضَ أَصَابِعِهِ عَلَى عَنْفَقَتِهِ1. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأخرجه مسلم2 من حديث إسرائيل.
وقال: "خ": أنبأنا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ، نا حَرِيزِ بْنُ عُثْمَانَ، قلت لعبد الله بن بشر: أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْخًا؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ3.
وَقَالَ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَذَكَرَ شَمْطَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يُرَ، وإذا لم يدهن تبين4. أخرجه "م".
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَإِذَا ادَّهَنَ وَمَشَّطَهُ لَمْ يَسْتَبِنْ5. أَخْرَجَهُ "م".
وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ: عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا مِنْ شِعْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ مَصْبُوغٌ بِالْحِنَّاءِ، وَالْكَتَمِ6. صَحِيحٌ أخرجه "خ" وَلَمْ يَقُلْ "بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ" مِنْ حَدِيثِ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ عُثْمَانَ.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهِبٍ قَالَ: كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ جُلْجُلٌ7 مِنْ فِضَّةٍ ضَخْمٌ، فِيهِ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ إِذَا أَصَابَ إِنْسَانًا الْحُمَّى، بَعَثَ إِلَيْهَا فخضخضته8 فيه، ثم ينضحه الرَّجُلُ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ: بَعَثَنِي أَهْلِي إِلَيْهَا
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3545" في كتاب المناقب، باب: صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسلم "2342" في المصدر السابق، وأبو نعيم في "الحلية" "5941" والبيهقي في "الدلائل" "1/ 233".
2 كذا في المطبوعة، ولعله أراد البخاري، فقد أخرجه من الطريق المذكور دون مسلم.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3546" في المصدر السابق، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 232، 234".
4 صحيح: أخرجه مسلم "2344/ 108" في المصدر السابق.
5 صحيح: أخرجه مسلم "2344/ 109" في المصدر السابق.
6 صحيح: أخرجه البخاري "5897" في كتاب اللباس، باب: ما يذكر في الشيب، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 236".
7 الجلجل: الجرس الصغير.
8 خضخضته: حركته.

(1/282)


فَأَخْرَجَتْهُ، فَإِذَا هُوَ هَكَذَا وَأَشَارَ إِسْرَائِيلُ بِثَلَاثِ أصابع وكان فيه شعرات حمر1. "خ".
محمد بن أبان المستملي: حدثنا بشر بن السّريّ، حدثنا أَبَانٌ الْعَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ شَهِدَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَنْحَرِ، هُوَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَسَمَ ضَحَايَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ هُوَ وَصَاحِبُهُ، فَحَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ، وَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَقَسَمَ مِنْهُ عَلَى رِجَالٍ. وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ، فَأَعْطَاهُ صَاحِبَهُ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمَخْضُوبٌ عِنْدَنَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، يَعْنِي: الشَّعَرَ2. هَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ.
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر قَالَ: كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً3، رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْهُ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ برقان: حدثنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عقيل قَالَ: قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالٍ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُمَرُ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: سَلْهُ هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ قَدْ لُوِّنَ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- كَانَ قَدْ مُتِّعَ بِالسَّوَادِ، وَلَوْ عَدَدْتُ مَا أَقْبَلَ عَلَيَّ مِنْ شَيْبِهِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، مَا كُنْتُ أَزِيدُهُنَّ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ شَيْبَةً، وَإِنَّمَا هَذَا الَّذِي لُوِّنَ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ يُطَيَّبُ بِهِ شَعْرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الَّذِي غَيَّرَ لَوْنَهُ4.
وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، وَلَهُ شَعْرٌ قَدْ علاه الشّيب، وشيبه أحمر مخضوب بالحنّاء5.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5896" في المصدر السابق، والبيهقي في "الدلائل": "1/ 235-236".
2 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "5/ 441".
3 صحيح: أخرجه ابن ماجه "3630" في كتاب اللباس، باب: من ترك الخضاب، وقال البوصيري في "الزوائد": هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "2925". صحيح.
4 أخرحه البيهقي في "الدلائل" "1/ 239".
5 أخرجه أبو داود "4206" في كتاب الترجل، باب: في الخضاب، والترمذي "2821" في كتاب الأدب، باب: ما جاء في الثوب الأخضر، وفي "الشمائل"، والنسائي "3/ 185" في كتاب العيدين، باب: الزينة للخطبة للعيدين، وأحمد "2/ 227-228"، و"4/ 163"، وأبو نعيم في "الحلية" "13022"، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 237".

(1/283)


وقال أبو نعيم: أنبأنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: إِنَّ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاقْشَعْرَرْتُ حِينَ قَالَ ذَلِكَ، وَكُنْتُ أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا لَا يُشْبِهُ النَّاسَ، فَإِذَا هُوَ بَشَرٌ ذُو وَفْرَةٍ بِهَا رَدْعٌ1 مِنْ حِنَّاءٍ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ2.
وَقَالَ عمرو بن محمد العنقزي: أنبأنا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ- كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ3، وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ والزّعفران4.
وقال النّضر بن شميل: أنبأنا صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنَّمَا صِيغَ مِنْ فِضَّةٍ، رَجِلَ الشَّعْرِ، مُفَاضَ الْبَطْنِ5، عظيم مشاش6 المنكبين، يطأ بقدميه جَمِيعًا، إِذَا أَقْبَلَ أَقْبَلَ جَمِيعًا، وَإِذَا أَدْبَرَ أَدْبَرَ جَمِيعًا7.
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَخْمَ الْيَدَيْنِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَفِي لَفْظٍ: كَانَ ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلَ العرق8. أخرج البخاريّ بعضه.
__________
1 الردع: الصبغ.
2 أخرجه أحمد "2/ 227-228" من طريق آخر عن عبيد الله بن إياد.
3 النعال السبتية: نوع من النعال لا شعر لها.
4 صحيح: أخرجه أبو داود "4210" في كتاب الترجل، باب: ما جاء في خضاب الصفرة، والنسائي "8/ 186" في كتاب الزينة، تصفير اللحية، وأبو نعيم في "الحلية" "9021"، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 238"، وأشار الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" "1/ 120" إلى أنه صحيح. وكذلك صححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
5 مفاض البطن: مستوى البطن مع الصدر.
6 المشاش: العظم لا مخ فيه.
7 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 241".
8 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 242" وأخرجه البخاري "5907" في كتاب اللباس، باب: الجعد، دون قوله "سائل العرق".

(1/284)


وقال معمر وغيره، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ1.
وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ -أَوْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، شَكَّ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ فِيهِ- عَنْ أَبِي هِلَالٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-2 كَانَ ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ والكفيّن، لم أَرَ بَعْدَهُ شَبِيهًا بِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخْرَجَهُمَا الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، وَهُمَا صَحِيحَانِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنَيْنِ، مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ. قُلْتُ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: عَظِيمُ الْفَمِ، قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنَيْنِ؟ قَالَ: طَوِيلُ شِقِّ الْعَيْنِ، قُلْتُ: مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ3. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ يَزِيدُ بن هارون: أنبأنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مِقْسَمِ بْنِ ضَبَّةَ: حَدَّثَتْنِي عَمَّتِي سَارَةٌ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ كَرْدَمٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ، وَهُوَ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، وَأَنَا مَعَ أَبِي، وَبِيَدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- درّة كدرّة الكباث4، فَدَنَا مِنْهُ أَبِي، فَأَخَذَ بِقَدَمِهِ، فَأَقَرَّ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالت: فَمَا نَسِيتُ طُولَ إِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ عَلَى سَائِرِ أَصَابِعِهِ5.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ: أنبأنا حَرْبُ بْنُ سُرَيْجٍ الْخَلْقَانِيُّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَلْعَدَوِيَّةِ، حَدَّثَنِي جَدِّي قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا رَجُلٌ حَسَنُ الْجِسْمِ، عَظِيمُ الْجَبْهَةِ، دَقِيقُ الْأَنْفِ، دَقِيقُ الْحَاجِبَيْنِ، وَإِذَا مِنْ لَدُنْ نَحْرِهِ إِلَى سُرَّتِهِ كَالْخَيْطِ الْمَمْدُودِ شَعْرُهُ، وَرَأَيْتُهُ بَيْنَ طِمْرَيْنِ6. فَدَنَا مِنِّي فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكَ"7.
وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُرْمُزَ، وقاله شريك،
__________
1 تقدم.
2 علقه البخاري "5911-5912" في المصدر السابق.
3 صحيح: وقد تقدم تخريجه.
4 في المصدر الآتي "الكتاب".
5 أخرجه أحمد "6/ 366".
6 الطمر: الثوب البالي.
7 إسناده ضعيف: للجهالة فيه.

(1/285)


عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَاللَّفْظُ لِشَرِيكٍ قَالَ: وَصَفَ لَنَا عَلِيٌّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ لَا قَصِيرَ وَلَا طَوِيلَ وَكَانَ يَتَكَفَّأُ فِي مِشْيَتِهِ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ وَلَفْظُ الْمَسْعُودِيُّ: كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ1. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ.
عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَطْحَاءِ، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهِمَا وُجُوهَهُمْ، فَأَخَذْتُ يَدَهُ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ2. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا.
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ انْعَتْ لَنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ لَا قَصِيرَ وَلَا طَوِيلَ، وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ، وَكَانَ شَثْنَ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، فِي صَدْرِهِ مَسْرُبَةٌ، كَأَنَّ عَرَقَهُ لُؤْلُؤٌ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صُعُدٍ3. وَرَوَى نَحْوَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا مَسَسْتُ بِيَدِي دِيبَاجًا وَلا حَرِيرًا، وَلَا شَيْئًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ ثَابِتٍ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، فَذَكَرَ مثله وَزَادَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إذا مشى تكفأ5. أخرجه مسلم.
__________
1 صحيح: أخرجه الترمذي "3657" في كتاب المناقب، باب: ما جاء فِي صِفَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي "الشمائل" "5، 6، 124"، وأحمد "1/ 134" وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3553" في كتاب المناقب، باب: صفة النبي -صلى الله عليه وسلم.
3 تقدم.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3561" في المصدر السابق، ومسلم "2330/ 81" في كتاب الفضائل، باب: طيب رائحة النبي -صلى الله عليه وسلم- والبيهقي في "الدلائل" "1/ 254".
5 صحيح: أخرجه مسلم "2330/ 82" في المصدر السابق، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 255".

(1/286)


وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بمنى فقلت: ناولني يدك، فناولينها، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ1.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ، فَجَعَلَتْ تُسْلِتُ الْعَرَقَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ"؟ قَالَتْ: هَذَا عَرَقٌ نَجْعَلُهُ لِطِيبِنَا، وَهُوَ أَطْيَبُ الطِّيبِ2. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرَ الْعَرَقِ3. رواه مسلم.
__________
1 أخرجه أحمد "4/ 161".
2 صحيح: أخرجه مسلم "2331/ 83" في كتاب الفضائل، باب: طيب عرق النبي -صلى الله عليه وسلم.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2332/ 85" في المصدر السابق، وأحمد "3/ 146، 239، 287"، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 2587".

(1/287)


ذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم
...
فَأَخْرَجَتْهُ، فَإِذَا هُوَ هَكَذَا وَأَشَارَ إِسْرَائِيلُ بِثَلَاثِ أصابع وكان فيه شعرات حمر1. "خ".
محمد بن أبان المستملي: حدثنا بشر بن السّريّ، حدثنا أَبَانٌ الْعَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ شَهِدَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَنْحَرِ، هُوَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَسَمَ ضَحَايَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ هُوَ وَصَاحِبُهُ، فَحَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ، وَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَقَسَمَ مِنْهُ عَلَى رِجَالٍ. وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ، فَأَعْطَاهُ صَاحِبَهُ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمَخْضُوبٌ عِنْدَنَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، يَعْنِي: الشَّعَرَ2. هَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ.
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر قَالَ: كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً3، رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْهُ.
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ برقان: حدثنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عقيل قَالَ: قَدِمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالٍ عَلَيْهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُمَرُ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: سَلْهُ هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ شَعْرًا مِنْ شَعْرِهِ قَدْ لُوِّنَ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- كَانَ قَدْ مُتِّعَ بِالسَّوَادِ، وَلَوْ عَدَدْتُ مَا أَقْبَلَ عَلَيَّ مِنْ شَيْبِهِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، مَا كُنْتُ أَزِيدُهُنَّ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ شَيْبَةً، وَإِنَّمَا هَذَا الَّذِي لُوِّنَ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي كَانَ يُطَيَّبُ بِهِ شَعْرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الَّذِي غَيَّرَ لَوْنَهُ4.
وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ، وَلَهُ شَعْرٌ قَدْ علاه الشّيب، وشيبه أحمر مخضوب بالحنّاء5.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5896" في المصدر السابق، والبيهقي في "الدلائل": "1/ 235-236".
2 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "5/ 441".
3 صحيح: أخرجه ابن ماجه "3630" في كتاب اللباس، باب: من ترك الخضاب، وقال البوصيري في "الزوائد": هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "2925". صحيح.
4 أخرحه البيهقي في "الدلائل" "1/ 239".
5 أخرجه أبو داود "4206" في كتاب الترجل، باب: في الخضاب، والترمذي "2821" في كتاب الأدب، باب: ما جاء في الثوب الأخضر، وفي "الشمائل"، والنسائي=

(1/273)


خاتم النّبوّة:
قال حاتم بن إسماعيل: أنبأنا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وُضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلِ زِرِّ الْحَجَلَةِ1. أَخْرَجَاهُ، وَوَهِمَ من قال: زر الْحَجَلَةِ، وَهُوَ بَيْضُهَا.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجْهُهُ مُسْتَدِيرًا مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَرَأَيْتُ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، يُشْبِهُ جَسَدَهُ2. أَخْرَجَهُ مسلم.
وقال حمّاد بن زيد وغيره: أخبرنا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ قَالَ: دُرْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نُغْضِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى. جُمْعًا، عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَأَمْثَالِ الثَّآلِيلِ3. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَطْوَلَ مِنْ هَذَا.
وقال أبو داود الطيّالسيّ: حدثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرِنِي الْخَاتَمَ: قَالَ: "أَدْخِلْ يَدَكَ"، فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جِرِبَّانِهِ4، فَجَعَلْتُ أَلْمِسُ أَنْظُرُ إِلَى الْخَاتَمِ، فَإِذَا هو على نغض
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3541" في كتاب المناقب، باب: خاتم النبوة، ومسلم "2345" في كتاب الفضائل، باب: إثبات خاتم النبوة.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2344/ 109" في كتاب الفضائل، باب: شيبه -صلى الله عليه وسلم، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 195-196".
3 صحيح: أخرجه مسلم "2346/ 112" في كتاب الفضائل، باب: إثبات خاتم النبوة، وأحمد "5/ 82-83"، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 263".
وقوله "نغض كتفه: أعلاه. وخيلان: جمع خال، وهو الشامة. والثآليل. جمع ثؤلول، وهي حبيبات تعلو الجسد.
4 الجربان: ما يحيط بالرقبة من الثوب.

(1/288)


كَتِفِهِ مِثْلُ الْبَيْضَةِ، فَمَا مَنَعَهُ ذَاكَ أَنْ جَعَلَ يَدْعُو لِي، وَإِنَّ يَدِي لَفِي جِرِبَّانِهِ1.
رواه يحيى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، لَكِنْ قَالَ: "مِثْلُ السِّلْعَةِ"2.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي نَحْوَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى مِثْلِ السِّلْعَةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنِّي لَأُطِبُّ الرِّجَالَ، أَفَأُعَالِجُهَا لَكَ؟ قَالَ: "لَا طيّبها الَّذِي خَلَقَهَا". رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، وَقَالَ: "مِثْلُ التُّفَّاحَةِ"3. وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
وَقَالَ مسلم بن إبراهيم: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْسَرَةَ، ثنا عَتَّابٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: الْخَاتَمُ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَحْمَةٌ نَابِتَةٌ4.
وقال قيس بن حفص الدّارميّ: حدثنا مسلمة بن علقمة، حدثنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حَرْبٍ، عَنْ سَلَامَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَى إِلَيَّ رِدَاءَهُ وَقَالَ: انْظُرْ إِلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامِ5. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حدثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ قَالَ: لَقِيتُ التَّنُوخِيَّ رَسُولَ هِرَقْلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحِمْصٍ، وَكَانَ جَارًا لِي شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ بَلَغَ الْفَنَدَ6 أَوْ قَرِيبًا، فَقُلْتُ: أَلَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: بَلَى، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبُوكَ، فَانْطَلَقْتُ بِكِتَابِ هِرَقْلَ، حَتَّى جِئْتُ تَبُوكَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ مُحْتَبٍ عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ: "يَا أَخَا تَنُوخٍ"، فَأَقْبَلْتُ أَهْوِي حَتَّى قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَلَّ حَبْوَتَهُ عَنْ ظَهْرِهِ، ثمّ قال: "ههنا امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ" فَجُلْتُ فِي ظَهْرِهِ، فَإِذَا أَنَا بِخَاتَمٍ فِي مَوْضِعِ غُضْرُوفِ الْكَتِفِ مثل المحجمة الضّخمة7.
__________
1 أخرجه أحمد "3/ 434-435"، "5/ 35".
2 السلعة: زيادة في الجسم كالغدة.
3 أخرجه أحمد "2/ 266، 288" بنحوه.
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 265" ولفظه "لحمة ناتئة".
5 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 266".
6 الفند: ضعف العقل.
7 أخرجه البيقهي في "الدلائل" "1/ 266".

(1/289)


بَابٌ: جَامِعٌ مِنْ صِفَاتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
قال عيسى بن يونس: حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى عَفْرَةَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِذَا نَعَتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْمُمَغَّطِ وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ، كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ، كَانَ جَعْدًا رَجِلًا، وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ وَلَا الْمُكَلْثَمِ، وَكَانَ فِي وَجْهِهِ تَدْوِيرٌ، أَبْيَضُ مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجُ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبُ الْأَشْفَارِ، جَلِيلُ الْمُشَاشِ وَالْكَتِفِ -أَوْ قَالَ الْكَتَدِ- أَجْرَدُ ذَا مَسْرُبَةٍ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ كَأَنَّمَا يَمْشِي فِي صَبَبٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ مَعًا، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، أَجْوَدُ النَّاسِ كَفًّا وَأَجْرَأُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُهُمْ لَهْجَةً، وَأَوْفَاهُمْ بِذِمَّةٍ، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً، مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ، يَقُولُ نَاعِتُهُ: لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "الْغَرِيبِ": حَدَّثَنِيهِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدِّبِ، عَنْ عُمَرَ مَوْلَى عُفْرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ إذ نَعَتَ، فَذَكَرَهُ.
قَوْلُهُ: لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْمُمَغَّطِ: يَقُولُ لَيْسَ بِالْبَائِنِ الطُّولِ. وَلَا الْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ: يَعْنِي الَّذِي تَرَدَّدَ خَلْقُهُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَهُوَ مُجْتَمِعٌ لَيْسَ بِسَبَطِ الْخَلْقِ، يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ رَبْعَةٌ.
وَالْمُطَهَّمُ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: التَّامُّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ، فَهُوَ بَارِعُ الْجَمَالِ. وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُكَلْثَمُ: الْمُدَوَّرُ الْوَجْهِ، يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ مَسْنُونٌ.
وَالدَّعَجُ: شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنِ.
وَالْجَلِيلُ الْمُشَاشِ: الْعَظِيمُ رُءُوسِ الْعِظَامِ مِثْلَ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ.
وَالْكَتَدُ: الْكَاهِلُ وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْجَسَدِ.
وَشَثْنُ الْكَفَّيْنِ: يَعْنِي أَنَّهَا إلى الغلظ.
__________
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 269-270".

(1/290)


وَالصَّبَبُ: الِانْحِدَارُ.
وَالْقَطَطُ: مِثْلُ شَعْرِ الْحَبَشَةِ.
وَالْأَزْهَرُ: الَّذِي يُخَالِطُ بَيَاضَهُ شَيْءٌ مِنَ الْحُمْرَةِ.
وَالْأَمْهَقُ: الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ.
وَشَبْحُ الذِّرَاعَيْنِ: يَعْنِي عَبْلَ الذِّرَاعَيْنِ عَرِيضَهُمَا.
وَالْمَسْرُبَةُ: الشَّعْرُ الْمُسْتَدَقُّ مَا بَيْنَ اللُّبَّةِ إلى السّرّة.
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: التَّقَلُّعُ. الْمَشْيُ بِقُوَّةٍ.
وَقَالَ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيًّا، عَنْ نَعْتِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: كان أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجَ، سَبِطَ الشَّعْرِ، ذَا وَفْرَةٍ، دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، مِنْ لَبَّتِهِ إِلَى سُرَّتِهِ شَعْرٌ، يَجْرِي كَالْقَضِيبِ، لَيْسَ فِي بَطْنِهِ وَلَا صَدْرِهِ شَعْرٌ غَيْرُهُ، شَثْنُ الْكَفِّ وَالْقَدَمِ، إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَدِرُ مِنْ صَبَبٍ، وَإِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَتَقَلَّعُ مِنْ صَخْرٍ، وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، وَلَرِيحُ عَرَقِهِ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، وَلَا بِالْعَاجِزِ وَلَا اللَّئِيمِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ1.
قَالَ البيهقيّ: أنبأنا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذَبَارِيُّ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَوْذَبٍ، أنا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّرِيفِينِيُّ عَنْهُ، وَقَالَ حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْآدَمِ، وَلَا الْأَبْيَضِ الشَّدِيدِ الْبَيَاضِ، فَوْقَ الرَّبْعَةِ وَدُونَ الطَّوِيلِ، كَانَ مِنْ أَحْسَنِ مَنْ رَأَيْتُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَطْيَبِهِ رِيحًا وَأَلْيَنِهِ كَفًّا، كَانَ يُرْسِلُ شَعْرَهُ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ، وَكَانَ يَتَوَكَّأُ إِذَا مَشَى2.
وَقَالَ مَعْمَرُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ صِفَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صِفَةً وَأَجْمَلَهَا، كَانَ رَبْعَةً إِلَى الطُّولِ مَا هُوَ، بَعِيدَ ما بين
__________
1 تقدم.
2 صحيح: وقد تقدم تخريجه.

(1/291)


الْمَنْكِبَيْنِ، أَسِيلَ الْخَدَّيْنِ، شَدِيدَ سَوَادِ الشَّعْرِ، أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ، أَهْدَبَ، إِذَا وَطِئَ بِقَدَمِهِ وَطِئَ بِكُلِّهَا، لَيْسَ أَخْمَصَ، إِذَا وَضَعَ رِدَاءَهُ عَنْ مَنْكِبِهِ فَكَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ، وَإِذَا ضَحِكَ يَتَلَأْلَأُ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ1. رَوَاهُ عَبْدُ الرزاق عنه.
__________
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 273-273".

(1/292)


حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَقَالَ أَبُو هِشَامٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكَعْبِيُّ الْخُزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي عَمِّي أَيُّوبُ بْنُ الْحَكَمِ، عَنْ حِزَامِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ حُبَيْشِ بْنِ خَالِدٍ الَّذِي قُتِلَ بِالْبَطْحَاءِ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهُوَ أَخُو عَاتِكَةَ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج مِنْ مَكَّةَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ، وَمَوْلًى لِأَبِي بِكْرٍ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأُريقط اللَّيْثِيُّ، فَمَرُّوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَكَانَتْ بَرْزَةً1 جَلْدَةً2 تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْقُبَّةِ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا تَمْرًا وَلَحْمًا يَشْتَرُونَهُ مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا شَيْئًا، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ3، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ، فَقَالَ: "مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ"؟ قَالَتْ: شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: "هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ"؟ قَالَتْ: هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "أَتَأْذَنِينَ أَنْ أَحْلُبَهَا"؟ قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي وَأُمِّي، إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا فَاحْلُبْهَا، فَدَعَا بِهَا، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللَّهَ، وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ4 عَلَيْهِ، وَدَرَّتْ وَاجْتَرَّتْ، وَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطَ، فَحَلَبَ ثَجًّا5 حَتَّى عَلَاهُ الْبَهَاءُ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رُوِيَتْ، ثُمَّ سَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا، ثُمَّ شَرِبَ آخِرُهُمْ. ثُمَّ حَلَبَ ثَانِيًا بَعْدَ بَدْءٍ، حَتَّى مَلَأَ الْإِنَاءَ، ثُمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا وَبَايَعَهَا، وَارْتَحَلُوا عَنْهَا.
فَقَلَّمَا لَبِثَتْ، حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ، يَسُوقُ أَعْنُزًا عِجَافًا يَتَسَاوَكْنَ هُزَالًا مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ، وَقَالَ: مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا يَا أمّ معبد؟
__________
1 برزة: عفيفة.
2 جلدة: شديدة.
3 أي نفد زادهم.
4 تفاجت: فتحت بين رجليها.
5 ثجًّا: منصبًا.

(1/292)


وَالشَّاءُ عَازِبٌ حِيَالٌ، وَلَا حَلُوبَ فِي الْبَيْتِ؟ قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ مِنْ حَالِهِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: صِفِيهِ لِي.
قَالَتْ: رَجُلٌ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ، أَبْلَجُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الْخَلْقِ، لَمْ تُعِبْهُ ثَجْلَةٌ، لَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةُ، وَسِيمٌ قَسِيمٌ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ، وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَافَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلَاهُ مِنْ قَرِيبٍ، حُلْوُ الْمَنْطِقِ، فَصْلٌ لَا نَزْرٌ وَلَا هَذَرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ، رَبْعَةٌ لَا يَائُسٌ مِنْ طُولٍ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْظَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلَا مُفَنَّدٌ.
قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: فَهَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ، الَّذِي ذكر لنا من أمره، ولقد هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلَأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا.
وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالٍ، يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ، وَلَا يَدْرُونَ مَنْ صَاحِبُهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين قَالَا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَاهَا بِالْهُدَى وَاهْتَدَتْ بِهِ ... فَقَدْ فَازَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ،
فَيَالَ قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ ... بِهِ مِنْ فِعَالٍ لَا يُجَارَى وَسُؤْدُدِ
لِيَهْنِ بني كعب مكان فتاتهم ... مقعدها لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ
سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا ... فَإِنَّكُمْ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ
دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ ... عَلَيْهِ صَرِيحًا ضَرَّةِ الشَّاةِ مُزْبِد
فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ ... يُرَدِّدُهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ
فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ شَبَّبَ يُجَاوِبُ الْهَاتِفَ، فَقَالَ:
لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ زَالَ عَنْهُمْ نَبِيُّهُمْ ... وَقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إِلَيْهِمْ وَيَغْتَدِي
تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَضَلَّتْ عُقُولُهُمْ ... وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورٍ مُجَدَّدِ
هَدَاهُمْ بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ رَبُّهُمْ ... وَأَرْشَدَهُمْ مَنْ يَتْبَعِ الْحَقَّ يُرْشَدِ
وَهَلْ يَسْتَوِي ضُلَّالُ قَوْمٍ تَسَفَّهُوا ... عَمَايَتُهُمْ هَادٍ بِهِ كُلَّ مُهْتَدِي

(1/293)


وَقَدْ نَزَلَتْ مِنْهُ عَلَى أَهْلِ يَثْرِبٍ ... رِكَابُ هُدًى حَلَّتْ عَلَيْهِمْ بِأَسْعَدِ
نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ ... وَيَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَسْجِدِ
وَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبٍ ... فَتَصْدِيقُهَا فِي الْيَوْمِ أَوْ فِي ضُحَى الْغَدِ
لِيَهْنِ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ ... بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدِ اللَّهُ يَسْعَدِ1
قَوْلُهُ: "إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ" يُرِيدُ أَنَّهُ يَمِيدُ فِي مِشْيَتِهِ، وَيَمْشِي فِي رِفْقٍ غَيْرَ مُخْتَالٍ.
وَقَوْلُهُ: "فَخْمًا مُفَخَّمًا" قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْفَخَامَةُ فِي الْوَجْهِ نُبْلُهُ وَامْتِلَاؤُهُ، مَعَ الْجَمَالِ وَالْمَهَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ عَظِيمًا مُعَظَّمًا فِي الصُّدُورِ وَالْعُيُونِ، وَلَمْ يَكُنْ خَلْقُهُ فِي جِسْمِهِ ضخمًا.
و"أقنى الْعِرْنَيْنِ": مُرْتَفِعُ الْأَنْفِ قَلِيلًا مَعَ تَحَدُّبٍ، وَهُوَ قريب من الشّمم.
و"الشنب": ماء ورقة في الثّغر.
و"الفلج": تباعد ما بين الأسنان.
و"الدمية": الصُّورَةُ الْمُصَوَّرَةُ.
وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ أُمِّ مَعْبَدٍ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ: أنا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنِ مَطَرٍ، حدثنا أبو جعفر بن موسى بن عيسى الحلواني، حدثنا مكرم بن محرز بن مهديّ، حدثنا أبي، عن حزام بن هشام. فذكره نَحْوَهُ.
وَرَوَاهُ أَبُو زَيْدٍ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَيُّوبَ بْنِ الْحَكَمِ الْخُزَاعِيُّ بِقُدَيْدٍ، إِمْلَاءً عَلَى أَبِي عَمْرِو بْنِ مَطَرٍ، قَالَ: حدثنا عَمِّي سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَكَمِ.
وَسَمِعَهُ ابْنُ مَطَرٍ بِقُدَيْدٍ أَيْضًا، مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ.
وَرَوَاهُ عَنْ مُكْرَمِ بْنِ مُحْرِزٍ الْخُزَاعِيِّ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْقَاسِمِ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ، مَعَ تَقَدُّمِهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنُ خزيمة، وجماعة آخرهم القطيعيّ.
__________
1 أخرجه البيقهي في "الدلائل" "1/ 277-280".

(1/294)


قَالَ الْحَاكِمُ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ الصَّالِحَ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنَا مُكْرَمُ بْنُ مُحْرِزٍ عَنْ آبَائِهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ لَهُ: سَمِعْتُهُ مِنْ مُكْرِمٍ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ، حج أبي بي، وأنا ابن سبع سنين، فأدخلني على مكرم1.
ورواه البيهقي أيضا في اجتياز النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ، مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ مُكْرِمٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَيْسِيِّ، قالا: حدثنا أَبُو أَحْمَدَ بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ السُّكَّرِيُّ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ الْمَذْحِجِيُّ، ثنا الْحُرُّ بْنُ الصَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا خَرَجَ هُوَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطَ اللَّيْثِيُّ كَذَا قَالَ: اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ الدِّيلِيُّ مَرُّوا بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
وَقَوْلُهُمَا ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ: أَيْ ظَاهِرُ الْجَمَالِ.
وَمُرْمِلِينَ: أَيْ قَدْ نَفَدَ زَادُهُمْ. وَمُسْنِتِينَ: أَيْ دَاخِلِينَ فِي السَّنَةِ وَالْجَدْبِ.
وَكِسْرُ الْخَيْمَةِ: جَانِبُهَا.
وَتَفَاجَّتْ: فَتَحَتْ مَا بين رجليها.
وبربض الرَّهْطَ: يَرْوِيهِمْ حَتَّى يُثْقِلُوا فَيَرْبِضُوا، وَالرَّهْطُ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ.
وَالثَّجُّ: السَّيْلُ.
وَالْبَهَاءُ: وَبِيضُ رَغْوَةِ اللَّبَنِ، فَشَرِبُوا حَتَّى أَرَاضُوا، أَيْ رَوَوْا. كَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ.
وَتَسَاوَكْنَ: تَمَايَلْنَ مِنَ الضَّعْفِ، وَيُرْوَى: تَشَارَكْنَ، أَيْ عَمَّهُنَّ الْهُزَالُ.
وَالشَّاءُ عَازِبٌ: بَعِيدٌ فِي الْمَرْعَى.
وَأَبْلَجُ الْوَجْهِ: مُشْرِقُ الْوَجْهِ مُضِيئُهُ.
وَالثَّجْلَةُ: عِظَمُ الْبَطْنِ مَعَ اسْتِرْخَاءِ أَسْفَلِهِ.
وَالصَّعْلَةُ: صِغَرُ الرَّأْسِ، وَيُرْوَى صَقْلَةٌ وَهِيَ الدِّقَّةُ وَالضَّمْرَةُ، وَالصَّقْلُ: مُنْقَطِعُ الْأَضْلَاعِ مِنَ الخاصرة.
__________
1 أخرجه الحاكم في "مستدركه" "4276"، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 281".

(1/295)


وَالْوَسِيمُ: الْمَشْهُورُ بِالْحُسْنِ، كَأَنَّهُ صَارَ الْحُسْنُ لَهُ سِمَةً.
وَالْقَسِيمُ: الْحَسَنُ قِسْمَةِ الْوَجْهِ.
وَالْوَطْفُ: الطُّولُ.
وَالصَّحْلُ: شِبْهُ الْبَحَّةِ.
وَالسَّطْعُ: طُولُ الْعُنُقِ.
لَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ: أَيْ لَا تَزْدَرِيهِ لِقِصَرِهِ فَتُجَاوِزُهُ إِلَى غَيْرِهِ، بَلْ تَهَابُهُ وَتَقْبَلُهُ.
وَالْمَحْفُودُ: الْمَخْدُومُ.
وَالْمَحْشُودُ: الَّذِي يَجْتَمِعُ النَّاسُ حَوْلَهُ.
وَالْمُفَنَّدُ: الْمَنْسُوبُ إِلَى الْجَهْلِ وَقِلَّةِ الْعَقْلِ.
وَالضَّرَّةُ: أَصْلُ الضَّرْعِ.
وَمُزْبِدُ خُفِضَ عَلَى الْمُجَاوَرَةِ.
وَقَوْلُهُ: "فَغَادَرَهَا رَهْنًا لَدَيْهَا لَحِالِبٍ".
أَيْ خَلَّفَ الشَّاةَ عِنْدَهَا مُرْتَهِنَةً بِأَنْ تَدُرَّ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ وكيع بن الجرّاح: حدثنا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ الْعِجْلِيُّ إِمْلَاءً، ثنا رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ خَدِيجَةَ، يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ، أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ، عَظِيمَ الْهَامَةِ، رَجِلَ الشَّعْرِ، إِذَا انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ فَرَقَ، وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ، أَزْهَرُ اللَّوْنِ، وَاسِعُ الْجَبِينِ. أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ: سَوَابِغُ فِي غَيْرِ قَرَنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقُ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ. أَقْنَى الْعِرْنَيْنِ، لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسِبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، سَهْلُ الْخَدَّيْنِ، ضَلِيعُ الْفَمِ، أَشْنَبُ مُفَلَّجُ الْأَسْنَانِ، دَقِيقُ الْمَسْرُبَةِ، كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صفاء الفضّة.

(1/296)


مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ، بَادِنٌ، مُتَمَاسِكٌ، سَوَاءُ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، عَرِيضُ الصَّدْرِ، بَعِيدُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، ضَخْمُ الْكَرَادِيسِ، أَنْوَرُ الْمُتَجَرَّدِ، مَوْصُولُ مَا بَيْنَ اللُّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ، عَارِي الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ، أَشْعَرُ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِي الصَّدْرِ، طَوِيلُ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبُ الرَّاحَةِ، شَثْنُ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، سَائِلُ -أَوْ سَائِرُ- الْأَطْرَافِ، خُمْصَانُ الْأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحُ الْقَدَمَيْنِ، يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ، إِذَا زَالَ قَلْعًا، يَخْطُو تَكَفِّيًا، وَيَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعُ الْمِشْيَةِ، إذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب، وإذا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، خَافِضُ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ، وَيَبْدُرُ مَنْ لَقِيَهُ بالسلام.
قَالَ: قُلْتُ: صِفْ لِي مَنْطِقَهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ، دَائِمَ الْفِكْرَةِ، لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ، طَوِيلَ السَّكْتِ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ، بِأَشْدَاقِهِ، وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ، وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَصْلٌ لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ، دَمِثٌ لَيْسَ بالجافي ولا المهين، يعظّم بالنّعمة وَإِنْ دَقَّتْ، لَا يَذُمُّ مِنْهَا شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ، وَلَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَمَا كَانَ لَهَا، فَإِذَا تعدّى الحقّ، لم يعرفه أَحَدٌ، وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ، وَلَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا، إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا، وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا، يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ رَاحَتِهِ الْيُسْرَى، وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وأشاح، وإذا فرح غضّ طرفه، جلّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ، وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَانًا، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ، يَعْنِي إِلَى هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ، فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مُدْخَلِهِ وَمُخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ، فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا.
قَالَ الْحُسَيْنُ: فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: جُزْءًا لِلَّهِ، وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ، وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَرَدَّ ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ، وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا، فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ، وَقَسْمُهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ، فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ، وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ، فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةَ مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ، وَإِخْبَارُهُمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ، يَقُولُ: "لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ،

(1/297)


وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا، ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَلَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ، يَدْخُلُونَ رُوَّادًا، وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً، يَعْنِي عَلَى الْخَيْرِ.
فَسَأَلْتُهُ عَنْ مُخْرَجِهِ، كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ قال: كان يخزن لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِ، وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنفّرهم، ويُكرم كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِي عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَلَا خُلُقَهُ، وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّيهِ، مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، لا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا، لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، لَا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا يُجَاوِزُهُ، الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النّاس خيارهم، وأفضلم عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً.
فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَقُومُ وَلَا يَجْلِسُ إِلَّا عَلَى ذكر، ولا بوطن الْأَمَاكِنَ وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ وَيَأْمُرُ بذلك، يعطي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ، وَلَا يَحْسِبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا، أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ منه بسطه وخلفه، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤَبَّنُ فِيهِ الحرم، ولا تثنى فَلَتَاتُهُ، مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى، مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ فِيهِ الْكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ فِيهِ الصَّغِيرَ، وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ1. أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَكْثَرَهُ مُقَطَّعًا فِي "كِتَابِ الشَّمَائِلِ".
وَرَوَاهُ زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السِّجْزِيُّ، وَغَيْرُهُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ.
وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي الخصيب، عن عمرو بن
__________
1 ضعيف جدًّا: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 285-292"، وابن سعد في "الطبقات" "1/ 204-206" وبعضه عند الترمذي في "الشمائل" "8، 224، 335، 350"، وقال: الألباني في "مختصر الشمائل" "6": ضعيف جدًّا.
قلت: سفيان بن وكيع ضعيف الحديث جدًّا.

(1/298)


محمد العنقزيّ، حدثنا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيِّ مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ.
وَفِيهِ زَائِدٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ: فسألته عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ فَقَالَ: كَانَ دَائِمَ الْبِشْرِ، سَهْلَ الْخُلُقِ، لَيِّنَ الْجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ، وَلَا فَحَّاشٍ، وَلَا عَيَّابٍ، وَلَا مَزَّاحٍ، يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِيهِ، وَلَا يُؤْيَسُ مِنْهُ، وَلَا يُحَبَّبُ فِيهِ، قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: مِنَ الْمِرَاءِ، وَالْإِكْثَارِ، وَمَا لَا يَعْنِيهِ، وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ: كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا وَلَا يُعَيِّرُهُ، وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ، إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ، كَأَنَّمَا عَلَى رءوسهم الطّير، فإذا سكت تكلّموا، ولا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ، مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ، وَكَانَ يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: "إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فارفدوه"، وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا عَنْ مُكَافِئٍ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ.
فسألته: وكيف كَانَ سُكُوتُهُ؟ قَالَ: عَلَى أَرْبَعٍ: عَلَى الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّدَبُّرِ، وَالتَّفَكُّرِ، فَأَمَّا تَدَبُّرُهُ، فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى، وَجُمِعَ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ. وَجُمِعَ لَهُ الحذر في أربع: أخذه بِالْخَيْرِ لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكِهِ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ، وَاجْتِهَادِهِ الرَّأْيَ فِيمَا يُصْلِحُ أُمَّتَهُ وَالْقِيَامِ بِهِمْ، وَالْقِيَامِ فِيمَا جَمَعَ لَهُمْ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
وَرَوَاهُ بِطُولِهِ كُلِّهِ يعقوب الفسويّ: حدثنا أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ الْمَصْرِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ، فَذَكَرَهُ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ النَّهْدِيِّ: قَرَأْتُ2 عَلَى أَبِي الْهُدَى عِيسَى بْنِ يَحْيَى السَّبْتِيِّ، أَخْبَرَكُمْ عَبْدُ الرحيم بن يوسف
__________
1 إسناده ضعيف جدًّا: جميع بن عمر العجلي ضعيف جدًّا كما في "الميزان" "1550".
2 قائل "قرأت" هو المصنف، فإن عيسى البستي في طبقة شيوخ المصنف لا شيوخ أبي غسان النهدي، وتأتي ترجمته "6213".

(1/299)


الدِّمَشْقِيُّ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَافِظُ، أنا أَبُو سَعْدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الفانيدي، وَأَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ السَّمْنَانِيُّ، وَأَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَسَدِيُّ، قالوا: أنا أبو عليّ الحسن بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّاجِرُ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْعَلَوِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَخِي أبي طاهر، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحسين قال: قال الحسن بْنُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ، عَنْ حِلْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ وَصَّافًا، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهُ شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ، فَقَالَ: كَانَ فَخْمًا مُفَخَّمًا1. فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ جُمَيْعِ بْنِ عُمَرَ بِطُولِهِ، إِلَّا فِي أَلْفَاظٍ: فَقَالَ فِي "عَرِيضِ الصَّدْرِ" "فَسِيحِ الصَّدْرِ"، وَقَالَ "رَحْبَ الْجَبْهَةِ" بَدَلَ "رَحْبِ الرَّاحَةِ"، وَقَالَ "يَبْدَأُ" بَدَلَ "يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ"، وَقَالَ "طَوِيلَ السُّكُوتِ" بَدَلَ "السَّكْتِ"، وَقَالَ "لَمْ يكن ذواقًا ولا مدحة" بَدَلَ "لَا يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ" وَأَشْيَاءَ سِوَى هَذَا بِالْمَعْنَى.
قَوْلُهُ مُتَمَاسِكٌ: أَيْ مُمْتَلِئُ الْبَدَنِ غَيْرُ مُسْتَرْخٍ وَلَا رَهْلٍ، وَالْمُتَجَرِّدُ: الْمُتَعَرِّي، واللّبة: النّخر، وَالسَّائِرُ وَالسَّائِلُ: هُوَ الطَّوِيلُ السَّابِغُ، وَالْأَخْمَصُ: مَا يُلْصَقُ مِنَ الْقَدَمِ بِالْأَرْضِ، وَالْمَمْسُوحُ: الْأَمْلَسُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شُقُوقٌ، وَلَا وَسَخٌ، وَلَا تَكَسُّرٌ، فَالْمَاءُ يَنْبُو عَنْهُمَا لِذَلِكَ إِذَا أَصَابَهُمَا، وَقَوْلُهُ: زَالَ قَلْعًا، الْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا بِقُوَّةٍ لَا كَمَنْ يَمْشِي اخْتِيَالًا وَيَشْحَطُ مَدَاسَهُ دَلْكًا بِالْأَرْضِ، وَيُرْوَى: زَالَ قَلْعًا. وَمَعْنَاهُ التَّثَبُّتُ، وَالذَّرِيعُ: السَّرِيعُ، يَسُوقُ أَصْحَابَهُ: أَيْ يُقَدِّمُهُمْ أَمَامَهُ، وَالْجَافِي: الْمُتَكَبِّرُ، وَالْمَهِينُ: الْوَضِيعُ، وَالذَّوَاقُ: الطَّعَامُ، وَأَشَاحَ: أَيِ اجْتَنَبَ ذَاكَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَحَبُّ الْغَمَامِ: الْبَرَدُ، وَالشَّكْلُ: النَّحْوُ وَالْمَذْهَبُ، وَالْعَتَادُ: مَا يُعَدُّ لِلْأَمْرِ مِثْلَ السِّلَاحِ وَغَيْرِهِ، وقوله لا توءبّن فِيهِ الْحُرَمُ: أَيْ لَا تُذْكَرُ بِقَبِيحٍ، وَلَا تثنى فَلَتَاتُهُ: أَيْ لَا تُذَاعُ، أَيْ لَمْ يَكُنْ لِمَجْلِسِهِ فَلَتَاتٌ فَتُذَاعَ، وَالنَّثَا فِي الْكَلَامِ: الْقَبِيحُ والحسن.
__________
1 إسناده ضعيف: علي بن جعفر فيه جهالة كما في "الميزان" "5799".

(1/300)


وَقَدْ مَرَّ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ، يَعْنِي نَفْسَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا1.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ قُرَيْشًا أَتَوْا كَاهِنَةً فَقَالُوا لَهَا: أَخْبِرِينَا بِأَقْرَبِنَا شَبَهًا بِصَاحِبِ هَذَا الْمَقَامِ، قَالَتْ: إِنْ جَرَرْتُمْ كِسَاءً عَلَى هَذِهِ السَّهْلَةِ، ثُمَّ مَشَيْتُمْ عَلَيْهَا أَنْبَأَتْكُمْ، فَفَعَلُوا، فَأَبْصَرَتْ أَثَرَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: هَذَا أَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِهِ، فَمَكَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا، ثُمَّ بُعِثَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ2.
وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: صَلَّى بِنَا أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الْعَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ هُوَ وَعَلِيٌّ يَمْشِيَانِ، فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثُمَّ قَالَ:
بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ ... لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِيِّ
وَعَلِيٌّ يَتَبَسَّمُ3.
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: الْحَسَنُ أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرأس، والحسين أَشْبَهُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا كان أسفل من ذلك4.
__________
1 تقدم.
2 إسناده ضعيف: رواية سماك عن عكرمة ضعيفة كما في "التقريب" "2624".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3750" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب الحسن والحسين -رضي الله عنهما- ولفظه "وعلي يضحك".
4 ضعيف: أخرجه الترمذي "3804" في كتاب المناقب، باب: مناقب الحسن والحسين -رضي الله عنهما- والبيهقي في "الدلائل" "1/ 307"، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "789": ضعيف.

(1/301)


بَابُ: قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 1
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" 2.
وَقَالَ "خ م": مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا3.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ، لَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ ينتهك من محارم الله، فينتقم لله4. م.
وَقَالَ أَنَسٌ: خَدَمْتُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ، فَوَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَلَا قَالَ لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا، وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ: أَلَا فَعَلْتَ كَذَا؟ 5
وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا6. أَخْرَجَهُ م.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْمَلَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ7. مُتَّفَقٌ عليه.
__________
1 سورة القلم: 4.
2 صحيح: أخرجه أبو داود "4682" في كتاب السنة، باب: الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، والترمذي "1165" في كتاب الرضاع، باب: ما جاء في حق المرأة على زوجها، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3560" في كتاب المناقب، باب: صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومسلم "2327" في كتاب الفضائل، باب: مباعدته -صلى الله عليه وسلم- للآثام.
4 صحيح: أخرجه مسلم "3560/ 78" في المصدر السابق.
5 صحيح: أخرجه البخاري "6038" في كتاب الأدب، باب: حسن الخلق، ومسلم "2309" في كتاب الفضائل، باب: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن الناس خلقًا.
6 صحيح: أخرجه مسلم "3150" في كتاب الأدب، باب: جواز تكنية من لم يولد له.
7 صحيح: أخرجه البخاري "2908" في كتاب الجهاد، باب: الحمائل، ومسلم "2307/ 48" في كتاب الفضائل، باب: في شجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم.

(1/302)


وَقَالَ فُلَيْحٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَنَسٍ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبَّابًا وَلَا فَاحِشًا، وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عَنْدَ الْمَعْتِبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جبينه1. أخرجه خ.
وقال الأعمش، عن شفيق، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "خِيَارُكُمْ أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا" 2. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أبو داود: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيَّ يَقُولُ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا، وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ3.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عُتْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ4. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ" 5.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدٌ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذًا شَدِيدًا، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِهِ قَدْ أَثَّرَتْ بها حاشية البرد، ثمّ قال: يا
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6031" في كتاب الأدب، باب: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا ولا متفاحشًا.
2 صحيح: أخرجه البخاري "6029" في المصدر السابق، ومسلم "2321" في كتاب الفضائل، باب: كثرة حيائه -صلى الله عليه وسلم.
3 أخرجه الطيالسي في "مسنده" "1520".
4 صحيح: أخرجه البخاري "3562" في كتاب المناقب، باب: صفة النبي -صلى الله عليه وسلم، ومسلم "2320" في كتاب الفضائل، باب: كثرة حيائه -صلى الله عليه وسلم، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 316".
5 صحيح: أخرجه البخاري "24" في كتاب الإيمان، باب: الحياء من الإيمان، ومسلم "36" في كتاب الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان.

(1/303)


مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَأْمَنُهُ، وَأَنَّهُ عَقَدَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَقْدًا، فَأَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ فَصَرَعَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُ مَلَكَانِ يَعُودَانِهِ، فَأَخْبَرَاهُ أَنَّ فُلَانًا عَقَدَ لَهُ عَقْدًا، وَهِيَ فِي بِئْرِ فُلَانٍ، وَلَقَدِ اصْفَرَّ الْمَاءُ مِنْ شِدَّةِ عَقْدِهِ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَخْرَجَ الْعَقْدَ، فَوَجَدَ الْمَاءَ قَدِ اصْفَرَّ، فَحَلَّ الْعَقْدَ، وَنَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا رَأَيْتُهُ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى مَاتَ2.
وَقَالَ أبو نعيم: حدثنا عِمْرَانُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو يَحْيَى الْمُلائِيُّ، حَدَّثَنِي زَيْدٌ الْعَمِيُّ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَافَحَهُ الرَّجُلُ لَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْزِعُ، وَإِنِ اسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهِهِ، لَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْصَرِفُ، وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَهُ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ3. أَخْرَجَهُمَا الْفَسَوِيُّ عَنْهُمَا فِي تَارِيخِهِ.
وَقَالَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: مَا رَأَيْتُ رَجُلًا الْتَقَمَ أُذُنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُنَحِّي رَأْسَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأْسَهُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ فَتَرَكَ يَدَهُ، حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ4. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا، حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يتبسم5، متّفق عليه.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6088" في كتاب الأدب، باب: التبسم والضحك، ومسلم "1057" في كتاب الزكاة، باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم.
2 أخرجه أحمد "4/ 367".
3 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 320"، وزيد العمي ضعيف كما في "التقريب" "2131".
4 صحيح: أخرجه أبو داود "4794" في كتاب الأدب، باب: في حسن العشرة، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 320-321"، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
5 صحيح: أخرجه البخاري "6092" في كتاب الأدب، باب: التبسم والضحك، ومسلم "16/ 899" في كتاب الاستسقاء، باب: التعوذ عند رؤية الريح والغيم.

(1/304)


وَقَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكُنْتَ تُجَالِسُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ كَثِيرًا، كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ1. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ خَارِجَةَ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ نَفَرًا دَخَلُوا عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بَيْتَهُ فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنْ بَعْضِ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: كُنْتُ جَارَهُ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ الْوَحْيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَآتِيهِ، فَأَكْتُبُ الْوَحْيَ، وَكُنَّا إِذَا ذَكَرْنَا الدُّنْيَا ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الْآخِرَةَ ذَكَرَهَا مَعَنَا، وَإِذَا ذَكَرْنَا الطَّعَامَ ذَكَرَهُ مَعَنَا2.
وَقَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، اتَّقَيْنَا الْمُشْرِكِينَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ بَأْسًا، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ3.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: لَمْ يُسْأَلِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: "لَا"4. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ5. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَسَأَلَهُ، فَأَمَرَ لَهُ بِغَنَمٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ من لا يخاف الفاقة6. أخرجه مسلم.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2322" في كتاب الفضائل، باب: تبسمه -صلى الله عليه وسلم.
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 324".
3 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 324"، وأبو إسحاق مدلس، وقد عنعنه.
4 صحيح: أخرجه البخاري "6034" في كتاب الأدب، باب: حسن الخلق والسخاء، ومسلم "2311" في كتاب الفضائل، باب: رقم "14".
5 صحيح: أخرجه البخاري "3554" في كتاب المناقب، باب: صفة النبي -صلى الله عليه وسلم، ومسلم "2308" في كتاب الفضائل، باب: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس.
6 صحيح: أخرجه مسلم "2312" في كتاب الفضائل، باب: رقم "14".

(1/305)


وقال مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، ويخيط ثوبه، وعمل فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ1.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، قِيلَ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ، يُفَلِّي ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ2.
وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ الْأَعْوَرُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ، سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْكَبُ الحمار، ويليس الصُّوفَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ، خِطَامُهُ مِنْ لِيفٍ3.
وَقَالَ مروان بن محمد الطّاطريّ: أنبأنا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي عَمَّارُ بْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ مَعَ صبيّ4.
وفي الصحيح أنّ النّبيّ صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النّغير"5.
وقال حمّاد بن سلمة: أنبأنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: "يَا أُمَّ فلان، انظري أيّ طرق شِئْتِ قُومِي فِيهِ، حَتَّى أَقُومَ مَعَكِ"، فَخَلَا مَعَهَا يُنَاجِيهَا، حَتَّى قَضَتْ حَاجَتَهَا6. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
__________
1 أخرجه أحمد "6/ 121، 137، 260".
2 صحيح: أخرجه الترمذي في "الشمائل" "341"، وقال الألباني في "مختصر الشمائل": صحيح.
3 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 330".
4 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 331"، وابن لهيعة ضعيف الحفظ.
5 صحيح: أخرجه البخاري "6129" في كتاب الأدب، باب: الانبساط إلى الناس، من حديث أنس -رضي الله عنه.
6 صحيح: أخرجه مسلم "2326" في كتاب الفضائل، باب: قربه -صلى الله عليه وسلم- من الناس، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 332".

(1/306)


بَابُ: هَيْبَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَلَالِهِ وحبّه وشجاعته وقوّته وفصاحته
قال جيري بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: إِنِّي لَأَضْرِبُ غُلَامًا لِي، إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ"، قَالَ: فَجَعَلْتُ لَا أَلْتَفِتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَضَبِ، حَتَّى غَشِيَنِي، فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَقَعَ السَّوْطُ مِنْ يَدِي مِنْ هَيْبَتِهِ، فَقَالَ لِي: "وَاللَّهِ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا"، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا أَضْرِبُ غُلَامًا لِي أَبَدًا1. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" 2. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ الله عزّ وجلّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} 3. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ: لَا نُكَلِّمُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 4.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} 5.
وَعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "نُصرت بِالرُّعْبِ، يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيَّ مَسِيرَةَ شَهْرٍ" 6.
وقال زهير بن معاوية، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عن علي
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "1659/ 34" في كتاب الإيمان، باب: صحبة المماليك.
2 صحيح: أخرجه البخاري "13" في كتاب الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومسلم "44" في كتاب الإيمان، باب: وجوب محبة رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
3 سُورَةَ الحجرات: 2.
4 سورة النور: 63.
5 سورة التوبة: 73.
6 صحيح: أخرجه البخاري "438" في كتاب الصلاة، باب: رقم "56"، ومسلم "521/ 3" في أول كتاب المساجد، والنسائي "1/ 209-211" في كتاب الغسل، باب: التيمم بالصعيد، وأحمد "3/ 304" من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما.

(1/307)


-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَلَقِيَ القومُ القومَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَقْرَبَ إِلَى الْقَوْمِ مِنْهُ1، وَقَدْ ثَبُتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ، كَمَا أَتَى فِي غَزَوَاتِهِ.
قَالَ زُهَيْرٌ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنْ يَوْمِ حُنَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَقِيَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِلِجَامِهَا، فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتَنْصَرَ، ثُمَّ قَالَ:
أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ
ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ2.
وَقَدْ أَتَى ذَلِكَ مُطَوَّلًا.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْمَلَ الناس وجهًا، وأجودهم كفًّا، وأشجعهم قلبًا، خرج وَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَرَكِبَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيًا، ثُمَّ رَجَعَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَنْ تُراعوا، لَنْ تُراعوا3. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ حَاتِمُ بن اللّيث الجوهريّ: حدثنا حمّاد بن أبي حمزة السّكريّ، أنا عليّ بن الحسين بن واقد، حدثنا أبي، عن عبد الله بن بريد، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لك أَفْصَحُنَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا؟ قَالَ: "كَانَتْ لُغَةُ إِسْمَاعِيلَ قَدْ دَرَسَتْ، فَجَاءَ بِهَا جِبْرِيلُ فَحَفَّظَنِيهَا". هَذَا مِنْ جُزْءِ الْغِطْرِيفِ.
وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَفْصَحَكَ، مَا رَأَيْتُ الَّذِي هُوَ أَعْرَبُ مِنْكَ، قَالَ: "حُقَّ لِي، وإنّما أُنزل القرآن بلسان عربيّ مبين"4.
__________
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 324-325"، وأبو إسحاق مدلس، وقد عنعنه.
2 صحيح: أخرجه البخاري "2930" في كتاب الجهاد، باب: من صف أصحابه عند الهزيمة، ومسلم "1776/ 80" في كتاب الجهاد، باب: في غزوة حنين.
3 صحيح: وقد تقدم تخريجه.
4 مرسل إسناده ضعيف: موسى بن محمد بن منكر الحديث كما في "التقريب" "7006".

(1/308)


وَقَالَ هُشَيْمٌ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُعْطِيتُ فَوَاتِحَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِمَهُ وَجَوَامِعَهُ"، قُلْنَا: عَلِّمْنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ، فَعَلَّمَنَا التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ1.
__________
1 إسناده ضعيف: عبد الرحمن بن إسحاق قال في "التقريب" "3799": ضعيف.

(1/309)


بَابُ: زُهْدِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِذَلِكَ يُوزن الزُّهْدُ وَبِهِ يُحدّ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} 1.
قَالَ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ: عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ إِلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ الْمَلَكُ: إِنَّ اللَّهَ يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ مَلَكًا نَبِيًّا، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ، فَأَشَارَ جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ تَوَاضَعْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَلْ أَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا" قَالَ: فَمَا أَكَلَ بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا حَتَّى لَقِيَ رَبَّهُ تَعَالَى2.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خِزَانَتِهِ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَجَلَسَ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ بِجَنْبِهِ، فَقَلَّبْتُ عَيْنِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا غَيْرُ قَبْضَتَيْنِ أَوْ قَالَ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ، وَقَبْضَةً مِنْ قُرْظٍ، نَحْوَ الصَّاعَيْنِ، وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ أَوْ أَفِيقَانِ، قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يبكيك يابن الْخَطَّابِ"؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لِيَ لَا أَبْكِي وَأَنْتَ صَفْوَةُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَخِيرَتُهُ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ! وَكِسْرَى وَقَيْصَرُ فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَأَنْتَ هَكَذَا، فَقَالَ: "يَابْنَ الْخَطَّابِ أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا"؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "فَاحْمَدِ اللَّهَ تَعَالَى" 3. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْن عَبْد الله بْن أَبِي ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ فِي البيت شيئًا يردّ البصر إلاّ
__________
1 سورة طه: 131.
2 إسناده ضعيف: وبقية مدلس، وقد عنعنه.
3 صحيح: أخرجه مسلم "1479/ 30" في كتاب الطلاق، باب: في الإيلاء.

(1/310)


أُهُبٌ ثَلَاثَةٌ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى أُمَّتِكَ، فَقَدْ وَسَّعَ عَلَى فَارِسٍ وَالرُّومِ، وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَاسْتَوَى جَالِسًا وَقَالَ: "أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَابْنَ الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا". فَقُلْتُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى1. اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ.
قَرَأْتُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُعَدَّلِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، أَخْبَرَكُمُ الْعَلَّامَةُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ، أَنَّ شَهْدَةَ بِنْتَ أَبِي نَصْرٍ أَخْبَرَتْهُمْ، أنا أَبُو غَالِبٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، أنا أَبُو عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ، أنا أَبُو سهل بن زياد، حدثنا إسماعيل بن إسحاق، حدثنا مسلم بن إبراهيم، نا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مَرْمُولٍ بِشَرِيطٍ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ مِرْفَقَةٌ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَاعْوَجَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعْوِجَاجَةً، فَرَأَى عُمَرُ أَثَرَ الشَّرِيطِ فِي جَنْبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يُبْكِيكَ"؟ فَقَالَ: كِسْرَى وَقَيْصَرُ يَعِيثَانِ فِيمَا يَعِيثَانِ فِيهِ، وَأَنْتَ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ! فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ"؟ قَالَ: بلى، فقال: "فهو الله كَذَلِكَ". إِسْنَادُهُ حَسَنٌ2.
وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: اضْطَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا لي وللدنيا، إنّما أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا" 3. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَرِيبٌ مِنَ الصِّحَّةِ.
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ تَأْتِيَ عَلَيَّ ثَلَاثُ لَيَالٍ، وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ، إلا شيء أرصده لديني" 4. أخرجه البخاريّ.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5191" في كتاب النكاح، باب: موعطة الرجل ابنته لحال زوجها، ومسلم "1479/ 34" في المصدر السابق.
2 قلت: الحسن مدلس، وقد عنعنه، ومبارك بن فضالة مثله مدلس، وقد عنعنه.
3 صحيح بنحوه: أخرجه الترمذي "2384" في كتاب الزهد، باب: رقم "44"، وابن ماجه "4109" في كتاب الزهد، باب: مثل الدنيا، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
4 صحيح: أخرجه البخاري "6445" في كتاب الرقاق، باب: رقم "14"، والبيهقي في الدلائل "1/ 338".

(1/311)


وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "اللهم اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا" 1. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّى تُوُفِّيَ2. أخرجه مسلم.
وقال الثّوريّ: حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا نُخْرِجُ الْكُرَاعَ3 بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَنَأْكُلُهُ، فَقُلْتُ: وَلِمَ تَفْعَلُونَ؟ فَضَحِكَتْ وَقَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خُبْزٍ مَأْدُومٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ4. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: كُنَّا يَمُرُّ بِنَا الْهِلَالُ وَالْهِلَالُ، وَالْهِلَالُ، مَا نُوقِدُ بِنَارٍ لِطَعَامٍ، إِلَّا أَنَّهُ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّ حَوْلَنَا أَهْلَ دُورٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَيَبْعَثُونَ بِغَزِيرَةِ الشَّاءِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذلك اللّبن5. متّفق عليه.
وقال همّام: حدثنا قَتَادَةُ: كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ، فَقَالَ: كُلُوا، فَمَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رغيفًا مرفقًا، حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ، وَلَا رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ6. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى خُوَانٍ، وَلَا فِي سُكُرُّجَةٍ وَلَا خُبِزَ له مرقّق، فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: عَلَامَ كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السّفر7. أخرجه البخاريّ.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6460" في كتاب الرقاق، باب: كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ومسلم "1055" في كتاب الزكاة، باب: في الكفاف والقناعة.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2970" في أول كتاب الزهد، وأحمد "6/ 42".
3 الكراع: مستدق الساق العاري من اللحم.
4 صحيح: أخرجه البخاري "5423" في كتاب الأطعمة، باب: ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام، وأحمد "6/ 128".
5 صحيح: أخرجه البخاري "6458" في كتاب الرقاق، باب: كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ومسلم "2972" في أول كتاب الزهد.
6 صحيح: أخرجه البخاري "6457" في المصدر السابق.
7 صحيح: أخرجه البخاري "5386" في كتاب الأطعمة، باب: الخبز المرقق.

(1/312)


وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرحمن بن يزيد يُحَدِّثُ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، حَتَّى قُبِضَ1. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخُبْزِ شَعِيرٍ، وَإِهَالَةٍ2 سَنِخَةٍ3. وَلَقَدْ رَهَنَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، فَأَخَذَ لِأَهْلِهِ شَعِيرًا، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ يَقُولُ: مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ تَمْرٍ وَلَا صَاعُ حَبٍّ، وَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ أَبْيَاتٍ4. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ فِرَاشُ رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ5. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَخْبَرَنَا الْخَضِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْخَيْرِ، كِتَابَةً، أَنَّ عَبْدَ الْمُنْعِمِ بْنَ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ كُلَيْبٍ أَجَازَ لَهُمْ، قَالَ: أنا عَلِيُّ بْنُ بَنَانٍ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أنا أَبُو عليّ الصّفّار سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الْمُهَلَّبِيُّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَرَأَتْ فِرَاشَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- عَبَاءَةً مَثْنِيَّةً، فَانْطَلَقَتْ فَبَعَثَتْ إِلَيَّ بِفِرَاشٍ حَشْوُهُ الصُّوفُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ"? قُلْتُ: فُلَانَةٌ رَأَتْ فِرَاشَكَ، فَبَعَثَتْ إِلَيَّ بِهَذَا، فَقَالَ: "رُدِّيهِ يَا عَائِشَةُ"، قَالَتْ: فَلَمْ أَرُدَّهُ، وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِي، حَتَّى قَالَ ذلك ثلاث مرات، قَالَتْ: فَقَالَ: "رُدِّيهِ فَوَاللَّهِ لَوْ شِئْتُ لَأَجْرَى اللَّهُ مَعِي جِبَالَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ" 6. أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "الزُّهْدِ"، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ -وَهُوَ ثِقَةٌ- عَنْ مجالد، وليس بالقويّ.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2970/ 22" في أول كتاب الزهد، والترمذي "2364" في كتاب الزهد، باب: رقم "38"، وفي "الشمائل" "142، 148".
2 الإهالة: الشحم.
3 سمنة: منتنة الريح.
4 صحيح: أخرجه البخاري "2069" في كتاب البيوع، باب: شراء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنسيئة.
5 صحيح: أخرجه البخاري "6456" في كتاب الرقاق، باب: كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ومسلم "2082" في كتاب اللباس، باب: التواضع في اللباس.
6 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد في "الزهد" "ص20"، ومجالد ضعيف كما تقدم.

(1/313)


وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْكَاتِبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ.
وَقَالَ زَائِدَةُ: نا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ سَاهِمُ الْوَجْهِ، حَسِبْتُ ذَلِكَ من وجع، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لِي أَرَاكَ سَاهِمَ الْوَجْهِ؟ فَقَالَ: "مِنْ أَجْلِ الدَّنَانِيرِ السَّبْعَةِ الَّتِي أَتَتْنَا أَمْسِ، وَأَمْسَيْنَا وَلَمْ نُنْفِقْهُنَّ، فَكُنَّ فِي خَمْلِ الْفِرَاشِ" 1. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَقَالَ بَكْرِ بْنُ مُضَرَ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَعُرْوَةُ، فَقَالَتْ: لَوْ رَأَيْتُمَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضٍ لَهُ، وَكَانَتْ عِنْدِي سِتَّةُ دَنَانِيرَ أَوْ سَبَعَةٌ، فَأَمَرَنِي أَنْ أُفَرِّقَهَا، فَشَغَلَنِي وَجَعُهُ حَتَّى عَافَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ سَأَلَنِي عَنْهَا، ثُمَّ دَعَا بِهَا فَوَضَعَهَا فِي كَفِّهِ فَقَالَ: "مَا ظَنُّ نَبِيِّ اللَّهِ لَوْ لَقِيَ اللَّهَ وَهَذِهِ عِنْدَهُ" 2.
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ3.
وَقَالَ بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدِ السِّيرِينِيُّ: نا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ صُبَرًا4 مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا بِلَالُ"؟ فَقَالَ: تَمْرٌ أَدَّخِرُهُ، قَالَ: "وَيْحَكَ يَا بِلَالُ، أَوَمَا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ لَكَ بُخَارٌ فِي النَّارِ، أَنْفِقْ بِلَالُ وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا"5. بَكَّارٌ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ زَيْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَبُو عَامِرٍ الْهَوْزَنِيُّ قَالَ: لَقِيتُ بِلَالًا مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَلَبٍ، فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي
__________
1 أخرجه أحمد "9/ 314".
2 أخرجه أحمد "6/ 104".
3 أخرجه الترمذي في "الشمائل" "190".
4 الصبرة: الكومة.
5 إسناده ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير" "1024" وبكار بن محمد ضعيف كما في "الميزان" "1263"، وقد أخرجه الترمذي "1025" من طريق آخر عن محمد بن سيرين.

(1/314)


كَيْفَ كَانَتْ نَفَقَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَا الَّذِي كُنْتُ أَلِي ذَلِكَ مِنْهُ، مُنْذُ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ، فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ الْإِنْسَانُ الْمُسْلِمُ، فَرَآهُ عَارِيًا يَأْمُرُنِي فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَقْرِضُ فَأَشْتَرِي الْبُرْدَةَ وَالشَّيْءَ فَأَكْسُوهُ وَأُطْعِمُهُ، حَتَّى اعْتَرَضَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: يَا بِلَالُ إِنَّ عِنْدِي سَعَةً فَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مِنِّي، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَ ذات يوم، توضأت، ثمّ قمت لئؤذّن بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا الْمُشْرِكُ فِي عِصَابَةٍ مِنَ التُّجَّارِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا حَبَشِيُّ، قُلْتُ يَا لَبَّيْهِ، فَتَجَهَّمَنِي، وَقَالَ قَوْلًا غَلِيظًا، فَقَالَ: أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الشَّهْرِ؟ قُلْتُ: قَرِيبٌ. قَالَ: إِنَّمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعُ لَيَالٍ، فَآخُذُكَ بِالَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَمْ أُعْطِكَ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ مِنْ كَرَامَتِكَ، وَلَا مِنْ كَرَامَةِ صَاحِبِكَ، وَلَكِنْ أَعْطَيْتُكَ لِتَصِيرَ لِي عَبْدًا، فَأَرُدَّكَ تَرْعَى الْغَنَمَ، كَمَا كُنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَأَخَذَنِي فِي نَفْسِي مَا يَأْخُذُ فِي أَنْفُسِ النَّاسِ، فَانْطَلَقْتُ ثُمَّ أَذَّنْتُ بِالصَّلَاةِ، حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الْعَتْمَةَ رَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنَّ الْمُشْرِكَ قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَلَيْسَ عِنْدَكَ مَا تَقْضِي عَنِّي، وَلَا عِنْدِي، وَهُوَ فَاضِحِي، فَأْذَنْ لِي أَنْ آتِيَ بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْأَحْيَاءِ الَّذِينَ قَدْ أَسْلَمُوا، حَتَّى يَرْزُقَ اللَّهُ رَسُولَهُ مَا يَقْضِي عَنِّي، فَخَرَجْتُ، حَتَّى أَتَيْتُ مَنْزِلِي، فَجَعَلْتُ سَيْفِي وَجِرَابِي وَرُمْحِي وَنَعْلِي عِنْدَ رَأْسِي، وَاسْتَقْبَلْتُ بِوَجْهِي الْأُفُقَ، فَكُلَّمَا نِمْتُ انْتَبَهْتُ، فَإِذَا رَأَيْتُ عَلَيَّ لَيْلًا نِمْتُ، حَتَّى انْشَقَّ عَمُودُ الصُّبْحِ الْأَوَّلِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْطَلِقَ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يَسْعَى، يَدْعُو: يَا بِلَالُ أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَإِذَا أَرْبَعُ رَكَائِبَ عَلَيْهِنَّ أَحْمَالُهُنَّ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنْتُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَبْشِرْ، فَقَدْ جَاءَكَ اللَّهُ بِقَضَائِكَ"، فَحَمِدْتُ اللَّهَ، قَالَ: "أَلَمْ تَمُرَّ عَلَى الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاتِ الْأَرْبَعِ"؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ لَكَ رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ"، فَإِذَا عَلَيْهِنَّ كِسْوَةٌ وَطَعَامٌ أَهْدَاهُنَّ لَهُ عَظِيمُ فَدَكٍ، فَحَطَطْتُ عَنْهُنَّ، ثُمَّ عَقَلْتُهُنَّ، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى تَأْذِينِ صَلَاةِ الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجْتُ إِلَى الْبَقِيعِ، فَجَعَلْتُ إِصْبَعِي فِي أُذُنِي، وَنَادَيْتُ وَقُلْتُ: مَنْ كَانَ يَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَيْنًا فَلْيَحْضُرْ، فَمَا زِلْتُ أَبِيعُ وَأَقْضِي حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَيْنٌ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى فَضَلَ عِنْدِي أُوقِيَّتَانِ، أَوْ أُوقِيَّةٌ وَنِصْفٌ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِدٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ، فَسَلَّمْتُ

(1/315)


عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: "مَا فَعَلَ مَا قِبَلُكَ"؟ قُلْتُ: قَدْ قَضَى اللَّهُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ، فَقَالَ: "فَضَلَ شَيْءٌ" ? قُلْتُ: نَعَمْ دِينَارَانِ، قَالَ: "انْظُرْ أَنْ تُرِيحَنِي مِنْهُمَا، فَلَسْتُ بِدَاخِلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى تُرِيحَنِي مِنْهُمَا". فَلَمْ يَأْتِنَا أَحَدٌ، فَبَاتَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى أَصْبَحَ، وَظَلَّ فِي الْمَسْجِدِ الْيَوْمَ الثَّانِي، حَتَّى كَانَ فِي آخِرِ النَّهَارِ جَاءَ رَاكِبَانِ، فَانْطَلَقْتُ بِهِمَا، فَكَسَوْتُهُمَا وَأَطْعَمْتُهُمَا، حَتَّى إِذَا صَلَّى الْعَتْمَةَ دَعَانِي، فَقَالَ: "مَا فَعَلَ الَّذِي قِبَلُكَ"؟ قُلْتُ: قَدْ أَرَاحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ شَفَقًا مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ، وَعِنْدَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ اتَّبَعْتُهُ، حَتَّى جَاءَ أَزْوَاجَهُ، فسلّم على امْرَأَةٍ، حَتَّى أَتَى مَبِيتَهُ1. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ تَوْبَةَ الْحَلَبِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ.
وَقَالَ أَبُو داود الطّيالسيّ: حدثنا أبو هاشم الزّعفرانيّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ فَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- جَاءَتْ بِكِسْرَةِ خُبْزٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَا هَذِهِ"؟ قَالَتْ: قُرْصٌ خَبَزْتُهُ، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَتَيْتُكَ بِهَذِهِ الْكِسْرَةِ، فَقَالَ: "أَمَا إِنَّهُ أَوَّلُ طَعَامٍ دَخَلَ فَمَ أَبِيكِ مُنْذُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ" 2.
وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي طَلِيقٍ قَالَتْ: حَدَّثَنِي حِبَّانُ بْنُ جَزْءٍ أَبُو بَحْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَشُدُّ صُلْبَهُ بِالْحَجَرِ مِنَ الْغَرَثِ3.
وَقَالَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ: نا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: بَيْنَمَا عَائِشَةُ تُحَدِّثُنِي ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ بَكَتْ، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: مَا مَلَأْتُ بَطْنِي مِنْ طَعَامٍ فَشِئْتُ أَنْ أَبْكِيَ إِلَّا بَكَيْتُ أَذْكُرُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْجَهْدِ4. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ خداش: حدثنا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "وَاللَّهِ مَا أمسى في آل
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "3055" في كتاب الخراج، باب: في الإمام يقبل هدايا المشركين، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
2 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 193".
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 193".
4 إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 194" ومجالد ضعيف.

(1/316)


مُحَمَّدٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ، وَإِنَّهُنَّ لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ"، وَاللَّهِ مَا قَالَهَا اسْتِقْلَالًا لِرِزْقِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ تَتَأَسَّى بِهِ أُمَّتُهُ1. رَوَى الْأَرْبَعَةُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ هَؤُلَاءِ.
وَقَالَ أَبَانٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ يَهُودِيًّا دَعَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ فَأَجَابَهُ2.
وَقَالَ أَنَسٌ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَمْرٌ، فَرَأَيْتُهُ يَأْكُلُ منه مقيعًا3 مِنَ الْجُوعِ4.
وَقَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عند يهوديّ على شعير5.
__________
1 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 194".
2 أخرجه أحمد "3/ 210-211".
3 الإقعاء: الجلوس على الإليتين ونصب الساقين والفخذين.
4 صحيح بنحوه: أخرجه مسلم "2044/ 148" في كتاب الأشرب، باب: استحباب تواضع الآكل، بنحوه.
5 صحيح: أخرجه أحمد "6/ 453"، وفي الباب عن عائشة، أخرجه البخاري "2916" في كتاب الجهاد، باب: ما قيل في درع النبي -صلى الله عليه وسلم.

(1/317)


فَصْلٌ مِنْ شَمَائِلِهِ وَأَفْعَالِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا ثَبُتَ عَنْهُ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ، فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ" 1.
وَكَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ2 وَاللَّحْمَ، وَلَا سِيَّمَا الذِّرَاعَ3. وَكَانَ يَأْتِي النِّسَاءَ، وَيَأْكُلُ اللَّحْمَ، وَيَصُومُ، وَيُفْطِرُ، وَيَنَامُ، وَيَتَطَيَّبُ إِذَا أَحْرَمَ وَإِذَا حَلَّ، وَإِذَا أتى الجمعة، وغير ذلك، ويقبل الهديّة، ويثيب عَلَيْهَا وَيَأْمُرُ بِهَا، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ مَنْ دَعَاهُ، وَيَأْكُلُ مَا وَجَدَ، وَيَلْبَسُ مَا وَجَدَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ لِقَصْدِ ذَا وَلَا ذَا، وَيَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ4، وَالْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ5، وَإِذَا رَكِبَ أَرْدَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ الصَّغِيرَ أَوْ يُرْدِفُ وَرَاءَهُ عَبْدَهُ أَوْ مَنِ اتَّفَقَ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ وَيَلْبَسُ الْبُرُودَ الحبرة، وكانت أَحَبَّ اللِّبَاسِ إِلَيْهِ، وَهِيَ بُرُودٌ يَمَنِيَّةٌ فِيهَا حُمْرَةٌ وَبَيَاضٌ، وَيَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ بِخَاتَمِ فِضَّةٍ نقشه "محمد رسول الله"6 وربّما تختّم في يساره7.
__________
1 حسن: أخرجه ابن ماجه "3354" في كتاب الأطعمة، باب: التعوذ من الجوع، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه، وقال الألباني "في صحيح سنن ابن ماجه" "2707": حسن.
2 صحيح: أخرجه البخاري "5599"، في كتاب الأشربة، باب: الباذق من حديث عائشة -رضي الله عنها.
3 صحيح: أخرجه أبو داود "3781" في كتاب الأطعمة، باب: في أكل اللحم، عن ابن مسعود قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعجبه الذراع"، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
4 صحيح: أخرجه البخاري "5440" في كتاب الأطعمة، باب: القثاء بالرطب، ومسلم "2043" في كتاب الأشربة، باب: أكل القثاء بالرطب، من حديث عبد الله بن جعفر -رضي الله عنه.
5 صحيح: أخرجه أبو داود "3836" في كتاب الأطعمة، باب: الجمع بين لونين في الأكل، والترمذي "1850" في كتاب الأطعمة، باب: ما جاء في أكل البطيخ بالرطب، وفي "الشمائل" "197"، وأبو نعيم في "الحلية" "11094" من حديث عائشة وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" "9/ 486": سنده صحيح، وصححه أيضًا الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
6 صحيح: أخرجه مسلم "2091/ 55" في كتاب اللباس، باب: لبس النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتمًا من حديث أنس -رضي الله عنه.
7 شاذ: أخرجه أبو داود "4227" في كتاب الخاتم، باب: ما جاء في التختم في اليمين أو اليسار، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" "908" شاذ والمحفوظ "في يمينه".
قلت: وقد أخرجه أبو داود "4228" في المصدر السابق، موقوفًا على ابن عمر، وصححه الألباني.

(1/318)


وَكَانَ يُوَاصِلُ فِي صَوْمِهِ، وَيَبْقَى أَيَّامًا لَا يَأْكُلُ، وَيَنْهَى عَنِ الْوِصَالِ، وَيَقُولُ: "إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي" 1.
وَكَانَ يَعْصِبُ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنَ الْجُوعِ2، وَقَدْ أُتي بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ كُلِّهَا3، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَاخْتَارَ الْآخِرَةَ عَلَيْهَا، وَكَانَ كَثِيرَ التَّبَسُّمِ، يُحِبُّ الرَّوَائِحَ الطَّيِّبَةَ. وَكَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ4، يَرْضَى لِرِضَاهُ، وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِ.
وَكَانَ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ وَلَا مُعَلِّمَ لَهُ مِنَ الْبَشَرِ، نشأ فِي بِلَادٍ جَاهِلِيَّةٍ، وَعِبَادَةِ وَثَنٍ، لَيْسُوا بِأَصْحَابِ عِلْمٍ وَلَا كُتُبٍ، فَآتَاهُ اللَّهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِ: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} 5.
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَطْرَافِ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَصِحَاحٌ مَشْهُورَةٌ.
وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ" 6.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "1962" في كتاب الصوم، باب: الوصال، ومسلم "1002" في كتاب الصيام، باب: النهي عن الوصال، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما.
2 صحيح: أخرجه البخاري "4101" في كتاب المغازي، باب: غزوة الخندق، وأحمد "3/ 300"، والبيهقي في "الدلائل" "3/ 415-417" من حديث جابر الطويل في حفر الخندق.
3 صحيح: أخرجه البخاري "1344" في كتاب الجنائز، باب: الصلاة على الشهيد، من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه.
4 قالته عائشة -رضي الله عنها- فيما أخرجه مسلم "746/ 139" في كتاب صلاة المسافرين، باب: جامع صلاة الليل.
5 سورة النجم: 3-4.
6 صحيح: أخرجه النسائي "7/ 61" في كتاب: عشرة النساء، باب: حب النساء، وأحمد "3/ 128، 199، 285"، وصححه الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" "1/ 55"، والحافظ العراقي في تخريج "الإحياء" "2/ 35"، والحافظ ابن حجر في "الفتح" "3/ 20، 467"، والألباني في "صحيح الجامع" "3124".

(1/319)


وَقَالَ أَنَسٌ: طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- على نسائه في صحوة بِغُسْلٍ وَاحِدٍ1.
وَكَانَ يُحِبُّ مِنَ النِّسَاءِ عَائِشَةَ، وَمِنَ الرِّجَالِ أَبَاهَا أَبَا بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا2، وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَابْنَهُ أُسَامَةَ، وَيَقُولُ: "آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ" 3.
وَيُحِبُّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سِبْطَيْهِ، وَيَقُولُ: "هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا" 4 وَيُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ5، وَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي تَرَجُّلِهِ وتنعّله، وفي شأنه كلّه6.
وكان يقول: "إنّ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِمَا أَتَّقِي" 7.
وَقَالَ: "لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا" 8.
__________
1 صحيح بنحوه: أخرجه البخاري "5215" في كتاب النكاح، باب: من طاف على نسائه في غسل واحد، بلفظ "في الليلة الواحدة".
2 صحيح: أخرجه البخاري "4358" في كتاب المغازي، باب: غزوة ذات السلاسل، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه.
3 صحيح: أخرجه البخاري "17" في كتاب الإيمان، باب: علامة الإيمان حب الأنصار، ومسلم "74" في كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي -رضي الله عنه- من الإيمان، من حديث أنس -رضي الله عنه.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3753" في كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب الحسن والحسين -رضي الله عنهما- من حديث ابن عمر -رضي الله عنه.
5 صحيح: أخرجه ابن ماجه "977" في كتاب الإقامة، باب: من يستحب أن يلي الإمام، من حديث أنس، وقال البوصيري: رجال إسناده ثقات. وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه": صحيح.
6 صحيح: أخرجه البخاري "168" في كتاب الوضوء، باب: التيمن في الوضوء، ومسلم "268" في كتاب الطهارة، باب: التيمن في الطهور، من حديث عائشة.
7 صحيح: أخرجه مسلم "1108" في كتاب الصيام، باب: بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة. ومن حديث عمر بن أبي سلمة.
8 صحيح: أخرجه البخاري "6485" في كتاب الرقاق، باب: رقم "27" من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه.

(1/320)


وَقَالَ: "شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا" 1.
وَكُلُّ هَذَا فِي الصّحاح2.
__________
1 صحيح: أخرجه الطبراني في "الكبير" "7/ 287" من حديث عقبة بن عامر، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" "3720". وأخرجه الترمذي "3308" في كتاب التفسير، باب: ومن سورة الواقعة، وفي "الشمائل" "41"، وأبو نعيم في "الحلية" "5964" من حديث أبي بكر الصديق بنحوه، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
2 كذا قال والأخير منهم لم أجده في أحد الصحيحين، ولعله يقصد كل ما أطلق عليه "صحيح" كصحيح ابن حبان وابن خزيمة والحاكم وغير ذلك.

(1/321)


بَابٌ: مِنَ اجْتِهَادِهِ وَعِبَادَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تورّمت قدماه، فقيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلَيْسَ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ: "أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا" 1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: كَيْفَ كَانَ عمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَطِيعُ؟ 2 مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، حدثنا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ". قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي، فَاكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ" 3.
وَفِي الصَّحِيحِ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ، بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هريرة، قال رسول الله
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4836" في كتاب التفسير، باب: قوله تعالى {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} الآية، ومسلم "2819/ 80" في كتاب صفة القيامة، باب: إكثار الأعمال.
2 صحيح: أخرجه البخاري "1987" في كتاب الصوم، باب: هل يخص شيئًا من الأيام؟
3 صحيح: أخرجه البخاري "1966" في كتاب الصوم، باب: التنكيل لمن أكثر الوصال، ومسلم "1103" في كتاب الصيام، باب: النهي عن الوصال.

(1/321)


-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إنّي لأستغفر الله وأتوب فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ" 1. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عن مطرّف بن عبد الله بن الشّيخر، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي، وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرجل من البكاء"2.
وقال أبو كريب: حدثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قال أبو بكر: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَاكَ شِبْتَ، قَالَ: "شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ" 3.
وَأَمَّا تَهَجُّدُهُ وَتِلَاوَتُهُ وَتَسْبِيحُهُ وَذِكْرُهُ وَصَوْمُهُ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَخَوْفُهُ وَبُكَاؤُهُ وَتَوَاضُعُهُ وَرِقَّتُهُ، وَرَحْمَتُهُ لِلْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ، وَصِلَتُهُ لِلرَّحِمِ، وَتَبْلِيغُهُ الرِّسَالَةَ، وَنُصْحُهُ الْأُمَّةَ، فَمَسْطُورٌ فِي السُّنَنِ عَلَى أَبْوَابِ الْعِلْمِ.
بَابٌ فِي مُزَاحِهِ وَدَمَاثَةِ أَخْلَاقِهِ الزَّكِيَّةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قَالَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قال
__________
1 حسن صحيح: أخرجه ابن ماجه "3815" في كتاب الأدب، باب: الاستغفار، وقال البوصيري، في "الزوائد": إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "3076": حسن صحيح.
وأخرجه مسلم "2702" في كتاب الذكر والدعاء، باب: استحباب الاستغفار، من حديث الأغر المزني.
2 صحيح: أخرجه أبو داود "904" في كتاب الصلاة، باب: البكاء في الصلاة، والترمذي في "الشمائل" "321"، والنسائي "3/ 13" في كتاب السهو، باب: البكاء في الصلاة، وأحمد "4/ 25"، وابن حبان "753"، وأبو نعيم في "الحلية" "2083"، وقال الإمام النووي في "رياض الصالحين" "ص141": إسناده صحيح. وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" "2/ 242": إسناده قوي. وقال الألباني في "صحيح سنن النسائي" "1156": صحيح.
3 صحيح: أخرجه الترمذي "3308" في كتاب التفسير، باب: ومن سورة الواقعة، وفي "الشمائل" "41"، وأبو نعيم في "الحلية" "5964"، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".

(1/322)


رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَأَمْزَحُ، وَمَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا" 1. إِسْنَادُهُ قَرِيبٌ مِنَ الْحَسَنِ.
وَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينَ: حدثنا عُثْمَانُ بْنُ جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بن الحسين، ثنا آدم بن أبي غياس، ثنا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: "إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا" 2. تَابَعَهُ أَبُو مَعْشَرَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، وَهُوَ صحيح.
وقال الزّبير بن بكّار: حدّثني بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا مَزَحَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَعْضُ دُعَابَاتِ هَذَا الْحَيِّ مِنْ بَنِي كنانة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَلْ بَعْضُ مَزْحِنَا هَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ"3. حَمْزَةُ لَا أَعْرِفُهُ، وَالْمَتْنُ مُنْكَرٌ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ4. تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ، وَضَعْفُهُ مَعْرُوفٌ.
وَجَاءَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ مَعَ صَبِيٍّ5.
وَقَالَ أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنْ أَبِي طِيبَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَثَقُلَ عَلَى الْقَوْمِ بَعْضُ مَتَاعِهِمْ، فَجَعَلُوا يَطْرَحُونَهُ عَلَيَّ، فَمَرَّ بِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَنْتَ زَامِلَةٌ" 6.
وقال خشرج بْنُ نُبَاتَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ: سَمِعْتُ سفينة يقول: ثقل
__________
1 صحيح: في إسناده ضعف، مبارك بن فضالة مدلس، وقد عنعنه، ولكنه قد ورد من حديث أبي هريرة فانظر الآتي.
2 صحيح: أخرجه الترمذي "1997" في كتاب البر والصلة، باب: في المزاح، وفي "الشمائل" "له "236"، وقال الألباني في "صحيح الجامع" "2509": صحيح.
3 لم أجده.
4 إسناده ضعيف: وابن لهيعة ضعيف الحفظ.
5 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "1/ 331".
6 لم أجده.

(1/323)


عَلَى الْقَوْمِ مَتَاعُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ابْسُطْ كِسَاءَكَ"، فَجَعَلُوا فِيهِ متاعهم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "احْمِلْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ سَفِينَةٌ"، قَالَ: فَلَوْ حَمَلْتُ مِنْ يَوْمِئِذٍ وِقْرَ بَعِيرٍ أَوْ بَعِيرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةً مَا ثَقُلَ عَلَيَّ1. وَهَذَا يَدْخُلُ فِي مُعْجِزَاتِهِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بن عاصم، وخالد بن عبد الله: حدثنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: اسْتَحْمَلَ أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَنَا أَحْمِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ"، فَقَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بولد ناقة يا رسول الله؟ فَقَالَ: "وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلُ إِلَّا النُّوقَ" ?2 صَحِيحٌ غريب.
وقال الأنصاريّ: حدثنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ ابْنٌ لِأُمِّ سُلَيْمٍ، يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُمَازِحُهُ الْحَدِيثَ3.
وَقَالَ شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ له: "يا ذَا الْأُذُنَيْنِ" 4.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَزِيرَةٍ5 طَبَخْتُهَا، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِي وَبَيْنَهَا: كُلِي، فَأَبَتْ، فَقُلْتُ: لَتَأْكُلِي أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ، فَأَبَتْ، فَوَضَعْتُ يَدِي فِيهَا فَلَطَّخْتُهَا وَطَلَيْتُ وَجْهَهَا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَّ عُمَرُ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، فَظَنَّ النّبيّ صلى الله عليه سلم أَنَّهُ سَيَدْخُلُ، فَقَالَ: "قُومَا فَاغْسِلَا وُجُوهَكُمَا". فَمَا زِلْتُ أَهَابُ عُمَرَ لِهَيْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ6.
__________
1 أخرجه أحمد "5/ 221"، وأبو نعيم في "الحلية" "1280".
2 صحيح: أخرجه أبو داود "4998" في كتاب الأدب، باب: ما جاء في المزاح، والترمذي "1999" في كتاب البر والصلة، باب: في المزاح، وفي "الشمائل" "237"، وصححه الألباني في "سنن الترمذي".
3 صحيح: وقد تقدم.
4 صحيح: أخرجه أبو داود "5002" في المصدر السابق، والترمذي "1998" في المصدر السابق، وفي "الشمائل" "234"، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
5 الخزيرة: لحم منضوج مع الدقيق.
6 لم أجده.

(1/324)


وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، وَقَدْ رَشَّ فِنَاءَ أُطْمِهِ1، وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ سِمَاطَيْنِ2، وَجَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا سِيرِينُ، مَعَهَا مِزْهَرُهَا تَخْتَلِفُ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ تُغَنِّيهِمْ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَأْمُرْهُمْ وَلَمْ يَنْهَهُمْ، وَهِيَ تقول في غنائها:
هل عليّ ريحكم ... إِنْ لَهَوْتُ مِنْ حَرَجٍ
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "لَا حَرَجَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ"3.
حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ هَذَا مَدَنِيٌّ، تَرَكَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتِ الْحَبَشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ"؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: "تَعَالَيْ"، فَقَامَ بِالْبَابِ، وَجِئْتُ فَوَضَعْتُ ذَقْنِي عَلَى عَاتِقِهِ، وَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ، قَالَتْ: وَمِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ "وَأَبُو الْقَاسِمِ طَيِّبٌ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "حَسْبُكِ". قُلْتُ: لَا تَعْجَلْ يا رسول الله، قال: وَمَا بِيَ حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مَقَامُهُ لِي وَمَكَانِي مِنْهُ4.
وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ: فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: وَالْحَبَشَةُ فِي الْمَسْجِدِ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ وَيَزْفِنُونَ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائشة قالت: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسمعنا لغطًا وصوت
__________
1 الأطم: الحصن.
2 السماط: الصف.
3 إسناده ضعيف: حسين بن عبد الله ضعيف كما في "الميزان" "2012".
4 صحيح: أخرجه البخاري "950" في كتاب العيدين، باب: الحراب والدرق يوم العيد، ومسلم "892/ 18" في كتاب صلاة العيدين، والرخصة في اللعب.

(1/325)


الصِّبْيَانِ، فَقَامَ، فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَرْقُصُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ تَعَالَيْ فَانْظُرِي"، فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ ذقني على منكبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ، فَقَالَ: "مَا شَبِعْتِ"؟ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: لَا، لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ، إِذْ طَلَعَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَارْفَضَّ1 النَّاسُ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَدْ فَرِقُوا مِنْ عُمَرَ" 2.
خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ "س": هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَابَقَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَبَقْتُهُ مَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا رَهَقَنِي اللَّحْمُ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: "هَذِهِ بِتِلْكَ" 3. صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا، وَقِيلَ فِي إِسْنَادِهِ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -وَغَيْرُ خَالِدٍ أَسْقَطَ مِنْهُ أَبَا هُرَيْرَةَ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُدْلِعُ لِسَانَهُ4 لِلْحُسَيْنِ، فَيَرَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ فَيَهَشُّ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ بَدْرٍ: أَلَا أَرَاكَ تَصْنَعُ هَذَا، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَيَكُونُ لِي الْوَلَدُ قَدْ خَرَجَ وَجْهُهُ مَا قَبَّلْتُهُ قَطُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَا يَرحم لَا يُرحم" 5.
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَهُوَ يَقُولُ: "تَرَقَّ عَيْنَ بَقَّهْ" فَيَضَعُ الْغُلَامُ قَدَمَهُ عَلَى قَدَمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْفَعُهُ إِلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ قَبَّلَ فَاهُ وَقَالَ: "اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه" 6.
__________
1 ارفض: تفرق.
2 أخرجه الترمذي "3711" في كتاب المناقب، باب: مناقب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
3 صحيح: أخرجه أبو داود "2578" في كتاب الجهاد، باب: في السبق على الرجل، وابن ماجه "1979" في كتاب النكاح، باب: حسن معاشرة النساء، وأحمد "5/ 39، 129، 182، 261، 264، 280"، وأبو نعيم في "الحلية" "10010"، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
4 يدلع لسانه: يخرجه.
5 عزاه العراقي لأبي يعلى مختصرًا، وقال: بسند جيد. "إتحاف السادة المتقين" "7/ 501".
6 أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" "421".

(1/326)


وَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُسْتَلْقٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى ظَهْرِهِ1.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى: حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ الْحَسَنُ فَأَقْبَلَ يَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقَدَّمَ قَمِيصِهِ، فَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ2.
وقال أبو أحمد الزّبيريّ: حدثنا زُمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بن وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ تَاجِرًا إِلَى بُصْرَى قَبْلَ مَوْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَامٍ أَوْ عَامَيْنِ، وَمَعَهُ نُعَيْمَانُ وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ، وَهُمَا بَدْرِيَّانِ، وَكَانَ سُوَيْبِطُ عَلَى زَادِهِمْ، فَجَاءَ نُعَيْمَانُ فَقَالَ: أَطْعِمْنِي، فَقَالَ: لَا، حَتَّى يَأْتِيَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ نُعَيْمَانُ مَزَّاحًا، فَقَالَ: لَأَبِيعَنَّكَ، ثُمَّ قَالَ لِأُنَاسٍ: ابْتَاعُوا مِنِّي غُلَامًا، وَهُوَ رَجُلٌ ذُو لِسَانٍ، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ: أَنَا حُرٌّ، فَإِنْ كُنْتُمْ تَارِكِيهِ إِذَا قَالَ ذَلِكَ، فَدَعُونِي وَلَا تُفْسِدُوا عَلَيَّ غُلَامِي، قَالُوا: لَا، بَلْ نَبْتَاعُهُ. فَبَاعَهُ بِعَشْرِ قَلَائِصَ3، ثُمَّ جَاءَهُمْ فَقَالَ: هُوَ هَذَا، فَقَالَ سُوَيْبِطُ: هُوَ كَاذِبٌ، وَأَنَا رَجُلٌ حُرٌّ، قَالُوا: قَدْ أُخْبِرْنَا بِخَبَرِكَ. وَطَرَحُوا الْحَبْلَ وَالْعِمَامَةَ فِي رَقَبَتِهِ، وَذَهَبُوا بِهِ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخْبَرُوهُ، فَذَهَبَ وَأَصْحَابٌ لَهُ فَرَدُّوا الْقَلائِصَ، وَأَخَذُوهُ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهَا وَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُ4. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وقال الأسود بن عامر: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُكْنَى أَبَا عَمْرَةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أُمَّ عَمْرَةَ"، فَضَرَبَ الرَّجُلُ بِيَدِهِ إِلَى مَذَاكِيرِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَهْ"، قَالَ: وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ إِلَّا أَنِّي امْرَأَةٌ لَمَّا قُلْتَ لِي يَا أُمَّ عَمْرَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا أنا بشر مثلكم أمازحك"5. حديث مرسل.
__________
1 إسناده ضعيف: الحسن مدلس، وقد عنعنه.
2 عمران قال في "التقريب"، مقبول. أي إذا توبع وإلا فلين.
3 القلائص: الإبل الفتية.
4 ضعيف: أخرجه ابن ماجه "3719" في كتاب الأدب، باب: المزاح، وضعفه الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه".
5 معضل.

(1/327)


وقال عبد الرزّق: نا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهر، فَكَانَ يُهْدِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدِيَّةً مِنَ الْبَادِيَةِ فَيُجَهِّزُهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا، وَنَحْنُ حَاضِرَتُهُ". وَكَانَ دَمِيمًا، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا، وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ وَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي الْعَبْدَ" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذًا وَاللَّهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا، فَقَالَ: "لَكِنَّ أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ غَالٍ" 1. صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ قَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَدَّثُ، وَكَانَ فِيهِ مُزَاحٌ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ وَيَضْحَكُونَ، فَطَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خَاصِرَتِهِ، فَقَالَ: اصْبِرْ لِي، قَالَ: "أَصْطَبِرْ"، قَالَ: لِأَنَّ عَلَيْكَ قَمِيصًا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيَّ قَمِيصٌ. فَرَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَمِيصَهُ، فَاحْتَضَنَهُ وَجَعَلَ يُقَبِّلُ كَشْحَهُ وَيَقُولُ: إِنَّمَا أَرَدْتُ هَذَا يَا رَسُولَ الله2. رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ أسلمت، ولا رآني إلا تبسّم3.
__________
1 صحيح: أخرجه الترمذي في "الشمائل" "238"، وأحمد "3/ 161" وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" "3/ 511": إسناده رجاله كلهم ثقات على شرط الشيخين. وقال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" "1/ 542" حديث صحيح.
2 صحيح: أخرجه أبو داود "5224" في كتاب الأدب، باب: في قبلة الجسد، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3035" في كتاب الجهاد، باب: من لا يثبت على الخيل، ومسلم "2475" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل جرير بْن عَبْد اللَّه -رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.

(1/328)


باب: في ملابسه -صلى الله عليه وسلم
قال خالد بن يزيد: حدثنا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الْقَلَانِسَ الْبِيضَ وَالْمُزَرْوَرَاتِ، وَذَوَاتِ الْآذَانِ1. عَاصِمٌ هَذَا بَصْرِيُّ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ.
وَعَنْ جَابِرٍ: كَانَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ يَلْبَسُهَا فِي الْعِيدَيْنِ وَيُرْخِيهَا خَلْفَهُ. تَفَرَّدَ بِهِ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ.
وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- خطب النّاس وعليه عصابة دَسْمَاءُ2. حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَعَنْ رُكَانَةَ أَنَّهُ صَارَعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْعَمَائِمَ عَلَى الْقَلَانِسِ"3. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَعَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: كَانَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُمَّةٌ4 بَيْضَاءُ.
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ5 رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
قُلْتُ: لَعَلَّ تَحْتَ الْخَوْذَةِ، فَإِنَّهُ دَخَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ6.
وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ: كَانَتْ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- عمامة تسمّى السّحاب، يلبس تحتها القلانس اللَّاطِئَةَ7، وَيَرْتَدِي.
وَقَالَ مُسَاوِرٌ الْوَرَّاقُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِيهِ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ، وَعَلَيْهِ، عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كتفيه8.
__________
1 إسناده ضعيف جدًّا: عاصم بن سليمان متروك يضع الحديث كما في "الميزان" "4047".
2 صحيح: أخرجه البخاري "3800" في كتاب مناقب الأنصار، باب: رقم "11"، والترمذي في "الشمائل" "117".
وقوله: "دسماء: أي سوداء".
3 ضعيف: أخرجه أبو داود "4078" في كتاب اللباس، باب: في العمائم، والترمذي "1791" في كتاب اللباس، باب: العمائم على القلانس، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "300": ضعيف.
4 الكمة: القلنسوة الصغيرة.
5 صحيح: أخرجه مسلم "1358" في كتاب الحج، باب: جواز دخول مكة بغير إحرام.
6 صحيح: أخرجه البخاري "1846" في كتاب جزاء الصيد، باب: دخول الحرم ومكة بغير إحرام، ومسلم "1357" في المصدر السابق.
7 اللاطئة: الملتصقة بالرأس.
8 صحيح: أخرجه مسلم "1359/ 453" في المصدر السابق.

(1/329)


وَعَنِ الْحَسَنِ: كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَوْدَاءَ1، تُسَمَّى الْعُقَابَ، وَعِمَامَتُهُ سَوْدَاءَ، وَكَانَ إِذَا اعْتَمَّ يُرْخِي عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ2. مُرْسَلٌ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اعْتَمَّ يُسْدِلُ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: رَأَيْتُ الْقَاسِمَ وَسَالِمًا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ3.
وَقَالَ عُرْوَةُ: أُهدي لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِمَامَةٌ مُعَلَّمَةٌ، فَقَطَعَ عَلَمَهَا وَلَبِسَهَا4. مُرْسَلٌ.
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ5.
وَقَالَ: لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ6.
وَيُرْوَى عَنْ أَنَسٍ: كَانَ قَمِيصُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُطْنًا، قَصِيرَ الطُّولِ، قَصِيرَ الْكُمَّيْنِ7.
وَعَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: كَانَ كُمُّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الرسغ8.
__________
1 حسن: أخرجه الترمذي "2687" في كتاب الجهاد، باب: في الروايات، وابن ماجه "2818"، في كتاب الجهاد، باب: الرايات والألوية، من حديث ابن عباس -رضي الله عنه، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "2274": حسن.
2 مرسل: وقد تقدم بعضه موصولًا، وأخرج بعضه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 222".
3 صحيح: أخرجه الترمذي "1742" في كتاب اللباس، باب: في سدل العمامة بين الكتفين، وفي "الشمائل" "116"، وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
4 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 223".
5 صحيح: أخرجه مسلم "274/ 81" في كتاب الطهارة، باب: المسح على الناصية والعمامة.
6 صحيح: أخرجه البخاري "5798" في كتاب اللباس، باب: من لبس جبة ضيقة الكمين، ومسلم "274/ 77" في المصدر السابق.
7 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 224".
8 إسناده ضعيف: شهر سيئ الحفظ، وقد أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 224" عن بديل من قوله.

(1/330)


وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْبَسُ قَمِيصًا قَصِيرَ الْيَدَيْنِ وَالطُّولِ1.
وَعَنْ عُرْوَةَ وَهُوَ مُرْسَلٌ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ طُولُ ردائه أربعة أذرع، وعرضه ذراعان وشبر2.
وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةِ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ3. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ بُرْدَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ طُولَ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فِي ثَلَاثَةٍ وَشِبْرٍ، وَإِزَارُهُ مِنْ نَسْجِ عُمَانَ، طُولُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَشِبْرٌ فِي ذراعين وشبر، وكان يَلْبَسُهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ثُمَّ يُطْوَيَانِ4. حَدِيثٌ مُعْضِلٌ.
وَقَالَ عُرْوَةُ: إِنَّ ثَوْبَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِيهِ إِلَى الْوَفْدِ رِدَاءٌ حَضْرَمِيٌّ طُولُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ، وَعَرْضُهُ ذِرَاعَانِ وَشِبْرٌ، فَهُوَ عِنْدَ الْخُلَفَاءِ قَدْ خَلِقَ، فَطَوَوْهُ بِثَوْبٍ، يَلْبَسُونَهُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ5. رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ.
وَقَالَ مَعْنُ بن عيسى: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بُرْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حِبَرَةٍ لَهُ حَاشِيَتَانِ6.
قُلْتُ: هَذَا الْبُرْدُ غَيْرُ بُرْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي يَتَدَاوَلُهُ الْخُلَفَاءُ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ، ذَاكَ الْبُرْدُ اشْتَرَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّفَّاحُ بثلاثمائة دينار من صاحب أيلة7.
__________
1 ضعيف: أخرجه ابن ماجه "3577" في كتاب اللباس، باب: كم القميص كم يكون؟ وابن سعد في "الطبقات" "1/ 224" وضعفه الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه".
2 مرسل: إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 224"، وفي إسناده ابن لهيعة، ضعيف الحفظ.
3 صحيح: أخرجه مسلم "2081" في كتاب اللباس، باب: التواضع في اللباس، وأبو داود "4032" في كتاب اللباس، باب: في لبس الصوف والشعر، والترمذي "2822" في كتاب الأدب، باب: في الثوب الأسود، وفي "الشمائل" "70".
4 الواقدي متروك كما تقدم.
5 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 224".
6 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 223".
7 أيلة: مدينة بين الفسطاط ومكة.

(1/331)


وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ بُرْدٌ كَسَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِصَاحِبِ أَيْلَةَ. وَاللَّهُ أعلم.
وقال حميد الطّويل: حدثنا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَخَلَّفْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ أَتَيْتُهُ بِمِطْهَرَةٍ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمُّ الْجُبَّةِ، فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِهَا، وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ نَاصِيَتَهُ، وَعَلَى الْعِمَامَةِ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا، وَفِي لَفْظٍ: وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ، وَفِي لَفْظٍ: وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ1.
وَقَالَ أَيُّوبُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ إِزَارٌ يَتَقَعْقَعُ2.
عَنْ عِكْرِمَةَ: رَأَيْتُ ابنَ عَبَّاسٍ، إِذَا ائْتَزَرَ أَرْخَى مُقَدَّمَ إِزَارِهِ حَتَّى تَقَعَ حَاشِيَتَاهُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، وَيَرْفَعَ الْإِزَارَ مِمَّا وَرَاءَهُ، وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتَزِرُ هَذِهِ الْإِزْرَةَ3.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتَزِرُ تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَتَبْدُو سُرَّتُهُ4، وَرَأَيْتُ عُمَرَ يَأْتَزِرُ فَوْقَ سُرَّتِهِ، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِزْرَةُ الْمُؤْمِنِ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ" 5.
وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرَى حُلَّةً بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ نَاقَةً6.
__________
1 صحيح: وقد تقدم تخريجه.
2 صحيح: أخرجه أحمد "2/ 141، 147"، وقال الألباني في "الصحيحة" "1568": إسناده صحيح على شرط الشيخين.
3 صحيح: أخرجه أبو داود "4096" في كتاب اللباس، باب: في قدر موضع الإزار، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
4 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 224" بإسناد فيه رجل مجهول.
5 صحيح: أخرجه أبو داود "4093" في كتاب اللباس، باب: في قدر موضع الإزار، وابن ماجه "3573" في كتاب اللباس، باب: موضع الإزار أين هو؟ من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه، وقال الإمام النووي في "رياض الصالحين" "ص312": إسناده صحيح. وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" "10/ 268": رجاله رجال مسلم. وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "2875".
6 مرسل إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 225" وفي إسناده علي بن زيد وهو سيئ الحفظ.

(1/332)


وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرَى حُلَّةً بِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ ناقة1.
وهذان ضعيفان لإرسالهما.
وقال "د"2: حدثنا عمرو بن عون، أنا عمارة بن زاذان، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مَلِكَ ذِي يَزَنَ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةً أَخَذَهَا بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا فَقَبِلَهَا3.
وَقَالَ الْحَمَّادَانِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالْبَيَاضِ مِنَ الثِّيَابِ فَلْيَلْبَسْهَا أَحْيَاؤُكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ" 4. زَادَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فِي حَدِيثِهِ: فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ5.
وَرَوَى مِثْلَهُ الثَّوْرِيُّ، وَالْمَسْعُودِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونَ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ الْمَسْعُودِيُّ مَرَّةً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: "الْبَسُوا الثِّيَابَ الْبِيضَ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ" 6.
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، فَأَرْسَلَهُ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رواد: حدثنا ابن سالم، حدثنا صفوان
__________
1 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 225".
2 رمز لأبي داود.
3 ضعيف: أخرجه أبو داود "4034" في كتاب اللباس، باب: في لبس الصوف والشعر، وأحمد "3/ 221"، وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" "781": ضعيف.
4 صحيح: أخرجه النسائي "8/ 205" في كتاب الزينة، باب: الأمر بلبس البياض من الثياب، وابن سعد في "الطبقات" "1/ 219"، وأبو نعيم في "الحلية" "6067"، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي".
5 صحيح: أخرجه النسائي "8/ 205" في الموضع السابق، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي".
6 صحيح: أخرجه أبو داود "3878" في كتاب الطب، باب: في الأمر بالكحل، والترمذي "996" في كتاب الجنائز، باب: ما يستحب من الأكفان، وفي "الشمائل" "68"، وابن ماجه "1472" في كتاب الجنائز، باب: ما يستحب من الكفن، وابن سعد في "الطبقات" "1/ 219" وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" "2/ 210": هذا حديث جيد الإسناد رجاله على شرط مسلم. وقال الألباني في "صحيح الجامع" "1236": صحيح.

(1/333)


بْنُ عَمْرٍو، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ خَيْرَ مَا زُرْتُمُ اللَّهَ بِهِ فِي مُصَلَّاكُمْ وَقُبُورِكُمُ الْبَيَاضُ"1 رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السُّبَيْعِيُّ، عَنِ الْبَرَاءِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ من رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2. وَفِي لَفْظٍ: لَقَدْ رَأَيْتُ عَلَيْهِ حُلَّةً حَمْرَاءَ فذكره.
عبد الله بن صالح: حدثنا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبَّ رَجُلٍ إِلَيَّ، فَلَمَّا نُبِّئَ وَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ، شَهِدَ حَكِيمٌ الْمَوْسِمَ، فَوَجَدَ حُلَّةً لِذِي يَزَنَ فَاشْتَرَاهَا، ثُمَّ قَدِمَ بِهَا لِيُهْدِيَهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لا نَقْبَلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَيْئًا، وَلَكِنْ بِالثَّمَنِ، قَالَ: فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا حِينَ أَبَى الْهَدِيَّةَ، فَلَبِسَهَا، فَرَأَيْتُهَا عَلَيْهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ فِيهَا، ثُمَّ أَعْطَاهَا أُسَامَةَ، فَرَآهَا حَكِيمٌ عَلَى أُسَامَةَ فَقَالَ: يَا أُسَامَةُ أَتَلْبَسُ حُلَّةَ ذِي يَزَنَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ لأَنَّا خَيْرٌ مِنْ ذِي يَزَنَ، وَلأَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيهِ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى مَكَّةَ فَأَعْجَبْتُهُمْ بِقَوْلِ أُسَامَةَ3.
وَقَالَ عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْأَبْطَحِ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ، فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ4. صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
وَقَالَ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْبَسُ بُرْدَهُ الْأَحْمَرَ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ5. رَوَاهُ هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فَأَرْسَلَهُ.
__________
1 ضعيف أخرجه ابن ماجه "3568" في كتاب اللباس، باب: البياض من الثياب، ولفظه: "إن أحسن ... " إلخ، وقال البوصيري في "الزوائد": إسناده ضعيف، وكذلك ضعفه الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه".
2 صحيح: أخرجه البخاري "5848" في كتاب اللباس، باب: الثوب الأحمر. وفي الباب عن جابر أخرجه الطبراني في "الأوسط" "680".
3 صحيح أخرجه أحمد "3/ 402، 403" وصححه الألباني في "الصحيحة" "1707".
4 أخرجه أحمد "4/ 308-309" وابن سعد في "الطبقات" "1/ 220".
5 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 220".

(1/334)


وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ1. إِسْنَادُهُ صحيح.
باب منه:
وقال وكيع: أنبأنا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَتَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعْنَا لَهُ غُسْلًا فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِمِلْحَفَةٍ وَرْسِيَّةٍ، فَاشْتَمَلَ بِهَا، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ أَثَرَ الْوَرْسِ عَلَى عُكَنِهِ2.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْبُغُ ثِيَابَهُ بِالزَّعْفَرَانِ قَمِيصَهُ وَرِدَاءَهُ وَعِمَامَتَهُ3. مُرْسَلٌ.
وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبِي يُخْبِرُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِ رِدَاءٌ وَعِمَامَةٌ مَصْبُوغَيْنِ بِالْعَبِيرِ. قَالَ مصعب: العبير عندنا: الزّعفران4. مصعب فيه لبن5.
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: رُبَّمَا صُبِغَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَمِيصُهُ وَرِدَاؤُهُ بِزَعْفَرَانٍ وَوَرْسٍ6. أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِبْرَاهِيمَ،
__________
1 صحيح: أخرجه أبو داود "4206" في كتاب الترجل، باب: في الخضاب، والترمذي "2821" في كتاب الأدب، باب: ما جاء في الثوب الأخضر، وفي "الشمائل" "43، 45"، والنسائي "3/ 185" في كتاب العيدين، باب: الزينة للخطبة للعيدين، وأحمد "2/ 227-228"، وابن سعد "1/ 221"، وأبو نعيم في "الحلية" "13022"، والبيهقي في "الدلائل" "1/ 237"، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
2 إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 220"، وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن، ضعيف الحفظ.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 221" وفيه: "عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ".
4 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 221".
5 قلت: والراجح أنه حسن الحديث، وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب". صدوق وانظر "الميزان" "8564".
6 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 220".

(1/335)


عَنْ رُكَيْحِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُمْعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ عَجِيبٌ مُدَنِّي.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْبُغُ ثِيَابَهُ حَتَّى الْعِمَامَةَ بِالزَّعْفَرَانِ1.
وَهَذِهِ الْمَرَاسِيلُ لَا تُقَاوِمُ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ التَّزَعْفُرِ2، وَفِي لَفْظٍ: "نَهَى أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ"3 وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَهْدَى مَلِكُ الرُّومِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَقَةً4 مِنْ سُنْدُسٍ5، فَلَبِسَهَا، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يَدَيْهَا تَذَبْذَبَانِ مِنْ طُولِهِمَا، فَجَعَلَ القوم يقولون: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَزَلَتْ عَلَيْكَ مِنَ السَّمَاءِ! فَقَالَ: "وَمَا تَعْجَبُونَ مِنْهَا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مِنْدِيلًا مِنْ مَنَادِيلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا"، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَبِسَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبِسَهَا"، قَالَ: فَمَا أَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: "ابْعَثْ بِهَا إِلَى أَخِيكَ النَّجَاشِيِّ"6.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: أُهدي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُّوجٌ7 -يَعْنِي قِبَاءَ حَرِيرٍ- فَلَبِسَهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ، ثمّ قال: "لا ينبغي هذا للمتّقين" 8.
__________
1 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 221".
2 صحيح: أخرجه مسلم "1201/ 77" في كتاب اللباس، باب: نهي الرجل عن التزعفر.
3 صحيح: انظر التخريج السابق.
4 المستقة: فرو طويل الكمين.
5 سندس: نوع من الحرير.
6 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 251"، وابن سعد في "الطبقات" "1/ 223"، وفي إسناده علي بن زيد وهو ضعيف الحفظ.
7 الفروج: القباء وقد يكون فيه شق من الخلف.
8 صحيح: أخرجه البخاري "375" في كتاب الصلاة، باب: من صلى في فروج حرير، ومسلم "2075" في كتاب اللباس، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة، وابن سعد في "الطبقات" "1/ 223".

(1/336)


وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَهْدَى أَبُو الْجَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمِيصَةً شَامِيَّةً لَهَا عَلَمٌ، فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاةَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "رُدُّوا هَذِهِ الْخَمِيصَةَ عَلَى أَبِي جَهْمٍ، فَإِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا في الصّلاة فكاد يَفْتِنَنِي" 1.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ: رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي بيت أمّ سلمة مشتملًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ2.
وَصَحَّ مِثْلُهُ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفَضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا3.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ جَابِرٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ مُؤْتَزِرًا بِهِ، لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ4.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ الْحَارِثِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَالْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ5. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- كان يَلْبَسُ الصُّوفَ6.
وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الْمُلَبَّدَةِ7. فَأَقْسَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُبِضَ فِيهِمَا8. أَخْرَجَهُ مسلم.
__________
1 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 223".
2 صحيح: أخرجه البخاري "354" في كتاب الصلاة، باب: الصلاة في الثوب الواحد.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 226".
4 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 227".
5 ضعيف: أخرجه أبو داود "659" في كتاب الصلاة، باب الصلاة على الحصير، وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" "131".
6 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 222".
7 المبلدة: المرقعة.
8 صحيح: أخرجه مسلم "2080" في كتاب اللباس، باب: التواضع في اللباس.

(1/337)


وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قال: كَانَ ضِجَاعُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أُدُمٍ مَحْشُوًّا لِيفًا"1.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي زُهْدِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ" 2. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ "عَلَى عَاتِقَيْهِ" 3.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جُبَّةً طَيَالِسَةً كِسْرَوَانِيَّةً لَهَا لِبْنَةُ4 دِيبَاجٍ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَتْ: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرِيضِ يَسْتَشْفِي بِهَا5. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" وَفِيهِ: جُبَّةٌ طَيَالِسَةٌ عَلَيْهَا لِبْنَةُ شِبْرٍ مِنْ دِيبَاجٍ كِسْرَوَانِيٍّ6.
__________
1 صحيح: أخرجه ابن ماجه "4151" في كتاب الزهد، باب: ضجاع آل محمد -صلى الله عليه وسلم، وابن سعد في "الطبقات" "1/ 227"، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "3348": صحيح.
2 صحيح: أخرجه البخاري "359" في كتاب الصلاة، باب: إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه، ومسلم "516" في كتاب الصلاة، باب: الصلاة في ثوب واحد، ولفظهما "على عاتيقه".
3 صحيح: انظر التخريج السابق.
4 اللبنة: رقعة في جيب القميص.
5 صحيح: أخرجه مسلم "2069" في كتاب اللباس، باب: تحريم استعمال إناء الذهب والفضة.
6 أخرجه أحمد "6/ 348".

(1/338)


بَابُ: خَوَاتِيمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَكَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى، فَصَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَنَزَعَهُ وَرَمَى بِهِ وَقَالَ: "وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا". فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ1. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مُرْسَلَيْنِ. وَكَانَ هَذَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الذَّهَبِ.
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ2.
وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى قَيْصَرَ وَلَمْ يَخْتِمْهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ كِتَابَكَ لَا يُقْرَأُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَنَقَشَهُ "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ" فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يد رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3، وَكَانَ مِنْ فِضَّةٍ4، وَنَهَى أَنْ يَنْقُشَ النَّاسُ عَلَى خَوَاتِيمِهِمْ نَقْشَتَهُ5، وَقَالَ: "كَانَ مِنْ فِضَّةٍ، فَصُّهُ مِنْهُ"6.
وَصَحَّ عَنْهُ قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، فَصُّهُ حَبَشِيٌّ، وَنَقْشُهُ "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ"7.
وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ، فَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ، حَتَّى وَقَعَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ، نَقْشُهُ "مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله"8.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5866" في كتاب اللباس، باب: خاتم الفضة.
2 صحيح: أخرجه مسلم "2078" في كتاب اللباس، باب: النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، من حديث علي -رضي الله عنه- وأخرجه البخاري "5863" في كتاب اللباس، باب: خواتيم الذهب، من حديث البراء بن عازب. وأخرجه "5864" في المصدر السابق، من حديث أبي هريرة.
3 صحيح: أخرجه البخاري "5872" في كتاب اللباس، باب: نقش الخاتم، ومسلم "2092/ 56" في كتاب اللباس، باب: في اتخاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- خاتمًا.
4 صحيح: انظر التخريج السابق.
5 صحيح: أخرحه البخاري "5784" في كتاب اللباس، باب: الخاتم في الخنصر، ومسلم "2092" في المصدر السابق.
6 صحيح: أخرجه البخاري "5870" في كتاب اللباس، باب: فص الخاتم.
7 صحيح: أخرجه مسلم "2094" في كتاب اللباس، باب: في خاتم الورق فصه حبشي، من حديث أنس -رضي الله عنه.
8 صحيح: أخرجه البخاري "5873" في كتاب اللباس، باب: نقش الخاتم، ومسلم "2091/ 54" في كتاب اللباس، باب: لبس النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ ورق.

(1/339)


وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فَجَعَلَ فَصَّهُ فِي بَطْنِ كَفِّهِ1.
وَعَنْ مَكْحُولٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ من ووجهين عَنْهُمَا أَنَّ خَاتَمَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ حَدِيدًا مَلْوِيًّا عَلَيْهِ فِضَّةٌ2.
وَرَوَى مِثْلَهُ أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ3، وَلَمْ يُدْرِكْ سَعِيدٌ خالدًا.
وقال أحمد بن محمد الأزرقيّ: حدثنا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ، عَنْ جدّه قال: دخل عمرو ين سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، حِينَ قَدِمَ مِنَ الْحَبَشَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَا هَذَا الْخَاتَمُ فِي يَدِكَ يَا عَمْرُو"؟ قَالَ: هَذِهِ حَلْقَةٌ، قَالَ: "فَمَا نَقْشُهَا"؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فتختّمه، فَبَيْنَا هُوَ يَحْفِرُ بِئْرًا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، يُقَالُ لَهَا بِئْرُ أَرِيسٍ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى شَفَتِهَا، يَأْمُرُ بِحَفْرِهَا، سَقَطَ الْخَاتَمُ فِي الْبِئْرِ، وَكَانَ عُثْمَانُ يُخْرِجُ خَاتَمَهُ مِنْ يَدِهِ كَثِيرًا، فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ4.
وَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ نَقْشُ خاتم النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ: "مُحَمَّدٌ" سَطْرٌ، وَ"رَسُولٌ" سَطْرٌ، وَ"اللَّهُ" سَطْرٌ5.
قَالَ: فَكَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ، فَكُنَّا مَعَهُ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ، وَهُوَ يُحَوِّلُ الْخَاتَمَ فِي يَدِهِ، فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ، فَطَلَبْنَاهُ مَعَ عُثْمَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ6.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَخَتَّمُ في يمينه7.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2091/ 55" في المصدر السابق.
2 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 231-232"، وفي إسناد رواية إبراهيم فرقد، وهو ضعيف.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 232".
4 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 232".
5 صحيح: أخرجه البخاري "5878" في كتاب اللباس، باب: هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر.
6 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 223" وتقدم عن ابن عمر بنحوه.
7 صحيح: وقد تقدم.

(1/340)


وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَلْبَسُ خَاتَمَهُ فِي يَسَارِهِ1. عن ابْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ.
وَصَحَّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان يتختّم في يساره2.
__________
1 شاذ: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 234" وقد تقدم عن ابن عمر.
2 شاذ: وقد تقدم.

(1/341)


بَابُ: نَعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخفه
...
باب: نعله النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخُفِّهِ
قَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: كَانَ لِنَعْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَالَانِ1 صَحِيحٌ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: كَانَتْ نعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَهَا زِمَامَانِ شِرَاكُهُمَا مَثْنِيٌّ فِي الْعَقْدِ2.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: رَأَيْتُ نَعْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُخَصَّرَةً3 مُعَقَّبَةً4 مُلَسَّنَةً لَهَا قِبَالَانِ5.
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، سَأَلْتُ أَنَسًا: أَكَانَ النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ6. وَرَوَى مِثْلَهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "5857" في كتاب اللباس، باب: قبالان في نعل.
2 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 234".
وأخرجه الترمذي في "الشمائل" "75"، وابن ماجه "3614" في كتاب اللباس، باب: صفة النعال، وأبو نعيم في "الحلية" "12757" عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ عباس بلفظ "كَانَ لِنَعْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبالان، مثنى شراكهما".
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" "10/ 325": سنده قوي. وقال الوصيري في "الزوائد": إسناده صحيح رجاله ثقات، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "2911".
3 مخصرة: قطع خصراها.
4 معقبة: لها عقب.
5 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 234".
6 صحيح: أخرجه البخاري "5850" في كتاب اللباس، باب: النعال السبتية، وابن سعد في "الطبقات" "1/ 235".

(1/341)


سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إِذْ وَضَعَ نَعْلَهُ عَلَى يَسَارِهِ، فَأَلْقَى النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ: "مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ"؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ فَأَلْقَيْنَا، فَقَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ أَذًى فَمَنْ رأى ذلك فليمسحهما، ثمّ يصلّي فِيهِمَا" 1.
وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: أَرَاكَ تَسْتَحِبُّ هَذِهِ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْبَسُهَا وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا2.
السِّبْتُ: بِالْكَسْرِ، جُلُودُ الْبَقَرِ الْمَدْبُوغَةِ بِالْقَرَظِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بريدة أنّ النّجاشيّ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خفّين أسودين ساذجين، فلبسهما ومسح عليهما3.
__________
1 أخرجه أبو داود "650" في كتاب الصلاة، باب: الصلاة في النعل، والدارمي "1378"، وابن سعد في "الطبقات" "1/ 235"، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
2 صحيح: أخرجه البخاري "5851" في كتاب اللباس، باب: النعال السبتية.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 236".

(1/342)


بَابُ: مُشْطِهِ وَمِكْحَلَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِرْآتِهِ وَقَدَحِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حدثنا مَنْدَلٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسَافِرُ بِالْمُشْطِ، وَالْمِرْآةِ، وَالْمُدْهُنِ، وَالسِّوَاكِ، وَالْكُحْلِ1. مُرْسَلٌ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِكْحَلَةُ يَكْتَحِلُ بِهَا عِنْدَ النَّوْمِ ثَلَاثًا فِي كُلِّ عَيْنٍ2.
وَقَالَ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ3 وَهُوَ صائم4. إسناده ليّن.
__________
1 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 237".
2 ضعيف: أخرجه الترمذي "1763" في كتاب اللباس، باب: ما جاء في الاكتحال، وفي "الشمائل" "50-51"، وابن ماجه "3499" في كتاب الطب، باب: الكحل بالإثمد، وأحمد "1/ 354"، وضعفه الألباني في "ضعيف سنن الترمذي".
3 الإثمد: حجر يكتحل به.
4 إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 237"، ومحمد بن عبد الله وحبان بن علي كلاهما ضعيف.

(1/342)


وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ الْمُقَوْقِسَ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَحَ زُجَاجٍ كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ1.
وَقَالَ حُمَيْدٌ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ أَنَسٍ، فِيهِ فِضَّةٌ قَدْ شَدَّهُ بِهَا2. حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ أَنَسٍ، وَكَانَ قَدِ انْصَدَعَ، فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ3.
قَالَ عَاصِمٌ: وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ4، فَقَالَ أَنَسٌ: قَدْ سَقَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هذا القدح أكثر من كذا وكذ5ا، قال: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلَقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا أَنَسٌ حَلْقَةً مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لَا تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَرَكَهُ6. أَخْرَجَهُ البخاري.
__________
1 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 227".
2 صحيح: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 237".
3 أخرجه البخاري "5638" في كتاب الأشربة، باب: الشربة من قدح النبي -صلى الله عليه وسلم- وآنيته.
4 صحيح: انظر التخريج السابق.
5 صحيح: انظر التخريج السابق.
6 صحيح: انظر التخريج السابق.

(1/343)


بَابُ: سِلَاحِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدَوَابِّهِ وَعُدَّتِهِ
أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ قِرَاءَةً، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ محمد الحافظ، أنا سليمان إِبْرَاهِيمَ الْحَافِظُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النِّيلِيُّ قَالَا: أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ الْمُقْرِي، أنا أبو الحسين أحمد بن فارس اللُّغَوِيُّ قَالَ: كَانَ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَا الْفَقَارِ، وَكَانَ سَيْفًا أَصَابَهُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَكَانَ لَهُ سَيْفٌ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ. وَأَعْطَاهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ سَيْفًا يُقَالُ لَهُ الْعَضْبُ1. وَأَصَابَ مِنْ سِلَاحِ بَنِي قينقاع سيفًا قلعيًّا2، وفي رواية
__________
1 العضب: القاطع.
2 قلعيًّا: منسوب إلى مرج القلعة.

(1/343)


يُقَالُ لَهُ الْبَتَّارُ1 وَالْحَتْفُ، وَكَانَ لَهُ الْمِخْذَمُ2، وَالرَّسُوبُ3، وَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ أَسْيَافٍ4.
وَقَالَ شَيْخُنَا شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ: أَوَّلُ سَيْفٍ مَلَكَهُ يُقَالُ لَهُ: الْمَأْثُورُ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجِنِّ، وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ، فَقَدِمَ بِهِ فِي هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ.
وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بِسَيْفٍ يُدْعَى "الْعَضْبُ" حِينَ سَارَ إِلَى بَدْرٍ.
وَكَانَ لَهُ ذُو الْفَقَارِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي وَسَطِهِ مِثْلُ فِقَرَاتِ الظَّهْرِ، صَارَ إِلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ لِلْعَاصِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَخِي نُبَيْهِ بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَامِرٍ السَّهْمِيِّ -قُتِلَ الْعَاصُ، وَأَبُوهُ، وَعَمُّهُ كُفَّارًا يَوْمَ بَدْرٍ- وَكَانَتْ قَبِيعَتُهُ، وَقَائِمَتُهُ وَحَلَقَتُهُ، وَذُؤَابَتُهُ، وَبَكَرَاتُهُ، وَنَصْلُهُ، مِنْ فِضَّةٍ، وَالْقَائِمَةُ هِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يُمْسَكُ بِهَا، وَهِيَ الْقَبْضَةُ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ هُودِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَزِيدَةَ، عَنْ جَدِّهِ مَزِيدَةَ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْفَتْحِ، وَعَلَى سَيْفِهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ5. وَهُوَ ذُو الْفَقَارِ بِالْكَسْرِ، جَمْعُ فِقْرَةٍ وَبِالْفَتْحِ، جَمْعُ فَقَارَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِفِقْرَاتٍ كَانَتْ فِيهِ، وَهِيَ حُفَرٌ كَانَتْ فِي مَتْنِهِ حَسَنَةٌ.
وَيُقَالُ: كَانَ أَصْلُهُ مِنْ حَدِيدَةٍ وُجِدَتْ مَدْفُونَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ مِنْ دَفْنِ جُرْهُمٍ، فَصُنِعَ مِنْهَا ذُو الْفَقَارِ وَصَمْصَامَةُ6 عَمْرِو بْنِ معديكرب الزُّبَيْدِيِّ، الَّتِي وَهَبَهَا لِخَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.
وَأَخَذَ مِنْ سِلَاحِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثَلَاثَةَ أَسْيَافٍ: سَيْفًا قَلَعِيًّا، مَنْسُوبٌ إِلَى مَرْجِ الْقَلْعَةِ بالفتح موضع بالبادية، والبتّار، والحنيف، وَكَانَ عِنْدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الرَّسُوبُ مِنْ رَسَبَ فِي الْمَاءِ إِذَا سَفُلَ وَالْمِخْذَمُ، وَهُوَ الْقَاطِعُ، أَصَابَهُمَا مِنَ الْفُلْسِ: صَنَمٌ كَانَ لِطَيْءٍ، وَسَيْفٌ يُقَالُ لَهُ الْقَضِيبُ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، والقضب: القطع.
__________
1 البتار: القاطع.
2 المخذم: السريع القطع.
3 الرسوب: الذي تغوص ضربته في المضروب.
4 معضل: أحمد بن فارس من علماء القرن الرابع: تأتي ترجمته "3679".
5 ضعيف: أخرجه الترمذي "1696" في كتاب الجهاد، باب: ما جاء في السيوف وحليتها، وفي "الشمائل" "106" وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "284": ضعيف.
6 الصمصامة: السيف القاطع الذي لا ينثني.

(1/344)


وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: صَنَعْتُ سَيْفِي عَلَى سَيْفِ سَمُرَةَ، وَزَعَمَ سَمُرَةُ أَنَّهُ صَنَعَهُ عَلَى سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ حَنَفِيًّا1.
رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ2، وَهُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ أَنَسٍ أَنَّ قَبِيعَةَ سَيْفِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ مِنْ فِضَّةٍ3.
وَالْحَنْفُ: الِاعْوِجَاجُ.
قَالَ شَيْخُنَا4: وَكَانَتْ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِرْعٌ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ الْفُضُولِ، لِطُولِهَا، أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ سَعْدُ بن عبادة حين سار إلى بدر.
وذات الْوِشَاحِ وَهِيَ الْمُوَشَّحَةُ، وَ"ذَاتُ الْحَوَاشِي"، وَدِرْعَانِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَهُمَا "السُّغْدِيَّةُ" وَ"فِضَّةٌ"5، وَكَانَتِ السُّغْدِيَّةُ دِرْعَ عُكْيَرٍ الْقَيْنُقَاعِيِّ، وَهِيَ دِرْعُ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الَّتِي لَبِسَهَا حِينَ قَتَلَ جَالُوتَ.
وَدِرْعٌ يُقَالُ لَهَا الْبَتْرَاءُ، وَدِرْعٌ يُقَالُ لَهَا الْخَرْنَقُ، وَالْخَرْنَقُ وَلَدُ الْأَرْنَبِ. وَلَبِسَ يَوْمَ أحد درعين ذات الفضول وفضّة. وَكَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ خَيْبَرَ: "ذَاتُ الْفُضُولِ" وَ"السُّغْدِيَّةُ".
وَقَدْ تُوُفِّيَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَخَذَهَا قوتًا لأهله6.
__________
1 ضعيف: أخرجه الترمذي "1689" في كتاب الجهاد، باب: ما جاء في صفة سَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي "الشمائل" "107-108" وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "283": ضعيف.
2 وهو عثمان بن سعد الكاتب، لين الحديث، وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": ضعيف، وانظر "الميزان" "5511".
3 صحيح: أخرجه أبو داود "2583 و2585" في كتاب الجهاد، باب: في السيف يحلى، والترمذي "1697" في كتاب الجهاد، باب: ما جاء في السيوف وحليتها، وفي "الشمائل" "104"، والنسائي "8/ 219" في كتاب الزينة، باب: حلية السيف، وابن سعد في "الطبقات" "1/ 238" من طريق عثمان بن سعد وقتادة عن أنس -رضي الله عنه- وقال الحافظ ابن حجر في "التخليص" "1/ 52": إسناده صحيح. وصححه الألباني في "صحيح سنن الترمذي".
4 يقصد شرف الدين الدمياطي.
5 إسناده ضعيف جدًّا. أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 239"، وفي إسناده أبو بكر بن أبي سبرة والواقدي وكلاهما متروك.
6 صحيح: وقد تقدم تخريجه.

(1/345)


وقال عبيس بن مرحوم العطّار: حدثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَلَقَتَانِ مِنْ فِضَّةٍ فِي مَوْضِعِ الصَّدْرِ، وَحَلَقَتَانِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: فَلَبِسْتُهَا فَجَعَلْتُ أَخُطُّهَا فِي الْأَرْضِ1.
قَالَ شَيْخُنَا: وَكَانَ لَهُ خَمْسُ أَقْوَاسٍ: ثَلَاثٌ مِنْ سِلَاحِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَقَوْسٌ تُدْعَى "الزَّوْرَاءَ"، وَقَوْسٌ تُدْعَى "الْكَتُومَ"، وَكَانَتْ جَعْبَتُهُ تُدْعَى "الْكَافُورَ".
وَكَانَتْ لَهُ مِنْطَقَةٌ2 مِنْ أَدِيمٍ مَبْشُورٍ3، فِيهَا ثَلَاثُ حِلَقٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَتُرْسٌ يُقَالُ لَهُ "الزَّلُوقُ"، يَزْلَقُ عَنْهُ السِّلَاحُ، وَتُرْسٌ يُقَالُ لَهُ "الْعُنُقُ"، وَأُهْدِيَ لَهُ تُرْسٌ فِيهِ تِمْثَالُ عُقَابٍ أَوْ كَبْشٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَأَذْهَبَ اللَّهُ ذَلِكَ التِّمْثَالَ4.
وَأَصَابَ ثَلَاثَةَ أَرْمَاحٍ مِنْ سِلَاحِ بَنِي قَيْنُقَاعَ5. وَكَانَ لَهُ رُمْحٌ يُقَالُ لَهُ "الْمُثْوِي"، وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ "الْمُتَثَنِّي"، وَحَرْبَةٌ اسْمُهَا "الْبَيْضَاءُ"6، وَأُخْرَى صَغِيرَةٌ كَالْعُكَّازِ.
وَكَانَ لَهُ مِغْفَرٌ7 مِنْ سِلَاحِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ "السَّبُوغُ".
وَكَانَتْ لَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ مُرَبَّعَةٌ مِنْ نَمِرَةٍ مُخْمَلَةٍ8، تُدْعَى "الْعُقَابَ"9.
__________
1 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 239" من طريق آخر عن حاتم بن إسماعيل.
2 المنقطة: ما يشد به الوسط.
3 الأديم المبشور: الجلد المقشور.
4 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 239" عن مكحول مرسلًا.
5 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 240" عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، وفي إسناده أبو بكر بن أبي سبرة، والواقدي، وكلاهما متروك.
6 إسناده ضعيف جدًّا: انظر التخريج السابق.
7 تقدم بنحوه.
8 صحيح دون قول "مربعة ... ": أخرجه أبو داود "2591" في كتاب الجهاد، باب: في الرايات والألوية، والترمذي "1686" في كتاب الجهاد، باب: ما جاء في الرايات، من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- دون قوله: "مخملة"، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "282": صحيح دون قوله "مربعة".
9 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 238" عن علقمة بن أبي علقمة، وأخرجه "1/ 222" عن الحسن مرسلًا.

(1/346)


وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، عَنْ آخَرَ قَالَ: رَأَيْتُ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفْرَاءَ1، وَكَانَتْ أَلْوِيَتُهُ بِيضًا2.
وَرُبَّمَا جَعَلَ فِيهَا الْأَسْوَدَ، وَرُبَّمَا كَانَتْ مِنْ خُمُرِ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ.
وَكَانَ فُسْطَاطُهُ يُسَمَّى "الْكِنَّ".
وَكَانَ لَهُ مِحْجَنٌ3 قَدْرَ ذِرَاعٍ أَوْ أَكْثَرَ، يَمْشِي وَيَرْكَبُ بِهِ، وَيُعَلِّقُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى بَعِيرِهِ.
وَكَانَتْ لَهُ مِخْصَرَةٌ4 تُسَمَّى "الْعُرْجُونَ"، وَقَضِيبٌ يُسَمَّى "الْمَمْشُوقَ".
وَاسْمُ قَدَحِهِ "الرَّيَّانُ". وَكَانَ لَهُ قَدَحٌ مُضَبَّبٌ غَيْرُ "الرَّيَّانِ"، يُقَدَّرُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْمُدِّ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ: إِنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْكَسَرَ، وَاتَّخَذَ مَكَانَ الشِّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ5. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَكَانَ لَهُ قَدَحٌ مِنْ زُجَاجٍ6، وَتَوْرٌ مِنْ حِجَارَةٍ، يَتَوَضَّأُ مِنْهُ كَثِيرًا، وَمِخْضَبٌ مِنْ شِبْهٍ7.
وَرَكْوَةٌ8 تُسَمَّى "الصَّادِرَةَ"، وَمِغْسَلٌ مِنْ صُفْرٍ9، وربعة أهداها له
__________
1 ضعيف: أخرجه أبو داود "2593" في كتاب الجهاد، باب: في الرايات والألوية، وقال الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" "557": ضعيف.
2 حسن: أخرجه الترمذي "1687" في كتاب الجهاد، باب: ما جاء في الرايات، وابن ماجه "2818" في كتاب الجهاد، باب: في الرايات والألوية، من حديث ابن عباس -رضي الله عنه- وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "2274": حسن.
3 المحجن: العود معوج الرأس.
4 المخصرة: العصا ونحوها.
5 صحيح: أخرجه البخاري "5638" في كتاب الأشربة، باب: الشرب من قدح النبي -صلى الله عليه وسلم- وآنيته، من طريق عاصم الأحول عن أنس.
6 مرسل: أخرجه ابن سعد في الطبقات "1/ 2387" عَن عُبَيْد الله بْن عَبْد الله بْن عُتْبَة مرسلًا.
7 الشبه: النحاس.
8 الركوة: الإناء الصغير.
9 الصفر: النحاس.

(1/347)


الْمُقَوْقِسُ، يَجْعَلُ فِيهَا الْمِرْآةَ وَمُشْطًا مِنْ عَاجٍ1، وَالْمِكْحَلَةَ، وَالْمِقَصَّ، وَالسِّوَاكَ.
وَكَانَتْ لَهُ نَعْلَانِ سِبْتِيَّتَانِ2، وَقَصْعَةٌ، وَسَرِيرٌ، وَقَطِيفَةٌ. وَكَانَ يَتَبَخَّرُ بِالْعُودِ وَالْكَافُورِ.
وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ بِإِسْنَادِي الْمَاضِي إِلَيْهِ: يُقَالُ تَرَكَ يَوْمَ تُوُفِّيَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَوْبَيْ حِبَرَةٍ3، وَإِزَارًا عُمَانِيًّا، وَثَوْبَيْنِ صُحَارِيَّيْنِ4، وَقَمِيصًا صُحَارِيًا وَقَمِيصًا سَحُولِيًا5، وَجُبَّةً يَمَنِيَّةً، وَخَمِيصَةً6، وَكِسَاءً أَبْيَضَ، وَقَلَانِسَ صِغَارًا ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، وَإِزَارًا طُولُهُ خَمْسَةُ أَشْبَارٍ، وَمِلْحَفَةً يَمَنِيَّةً مُوَرَّسَةً.
وَأَكْثَرُ هَذَا الْبَابِ كَمَا تَرَى بِلَا إِسْنَادٍ، نَقَلَهُ هَكَذَا ابْنُ فَارِسٍ، وَشَيْخُنَا الدِّمْيَاطِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ .
وَأَمَّا دَوَابُّهُ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، كَانَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَائِطِنَا فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ اللَّحِيفُ7.
وَرَوَى عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -وَهُوَ ضَعِيفٌ-8 عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثَةُ أَفْرَاسٍ، يَعْلِفُهُنَّ عند أبي سعد بن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ. فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- يسمّيهنّ: "اللزاز"، "والظّرب"، و"اللّحيف"9. رواه الواقدي عنه. وزاد في الحديث بالسّنن: فَأَمَّا "اللِّزَازُ" فَأَهْدَاهُ لَهُ الْمُقَوْقِسُ، وَأَمَّا اللَّحِيفُ فَأَهْدَاهُ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي الْبَرَاءِ، فَأَثَابَهُ عَلَيْهِ فَرَائِضَ مِنْ نَعَمِ بَنِي كِلَابٍ، وَأَمَّا الظَّرِبُ فَأَهْدَاهُ لَهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو الْجُذَامِيُّ10.
__________
1 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 237" عن ابن جريج مرسلًا.
2 صحيح: وقد تقدم من حديث ابن عمر.
3 الحبرة: نوع من الثياب اليمنية.
4 صحاريين: نسبة إلى صحار، وهي قرية في اليمن.
5 نسبة إلى سحول، قرية باليمن.
6 الخميصة: ثوب خز معلم.
7 صحيح: أخرجه البخاري "2855" في كتاب الجهاد، باب: اسم الفرس والحمار.
8 وكذلك ضعفه ابن حجر في "التقريب"، وانظر "الميزان" "5279".
9 إسناه ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 240" وفي إسناده الواقدي، وهو متروك، وفي النسخة عندي "أبي بن عباس بن سهل" وهو ضعيف أيضًا.
10 إسناده ضعيف جدًّا: انظر التخريج السابق.

(1/348)


وَ"اللِّزَازُ" مِنْ قَوْلِهِمْ: لَازَزْتُهُ أَيْ لَاصَقْتُهُ، وَالْمُلَزَّزُ: الْمُجْتَمِعُ الْخَلْقِ.
وَ"الظَّرِبُ": وَاحِدُ الظِّرَابِ، وَهِيَ الرَّوَابِي الصِّغَارُ، سُمِّيَ بِهِ لِكِبَرِهِ وَسِمْنِهِ، وَقِيلَ لِقُوَّتِهِ، وَقَالَهُ الْوَاقِدِيُّ بِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَقَالَ: سُمِّيَ الطَّرِبَ لِتَشَوُّفِهِ أَوْ لِحُسْنِ صَهِيلِهِ.
وَ"اللَّحِيفُ": بِمَعْنَى لَاحِفٍ، كَأَنَّهُ يَلْحَفُ الْأَرْضَ بِذَنَبِهِ لِطُولِهِ، وَقِيلَ: اللُّحَيْفُ، مُصَغَّرٌ.
وَأَوَّلُ فَرَسٍ مَلَكَهُ: "السَّكْبُ"، وَكَانَ اسْمُهُ عِنْدَ الْأَعْرَابِيِّ: "الضَّرِسَ"، فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بِعَشْرِ أَوَاقِي، أَوَّلُ مَا غَزَا عَلَيْهِ أحد، لَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُهُ، وَفَرَسٌ لِأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ1. وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ يُدْعَى: "الْمُرْتَجِزَ"2، سُمِّيَ بِهِ لِحُسْنِ صَهِيلِهِ، وَكَانَ أَبْيَضَ. وَالْفَرَسُ إِذَا كَانَ خَفِيفَ الْجَرْيِ فَهُوَ سَكْبٌ وَفَيِّضٌ كَانْسِكَابِ الْمَاءِ.
وَأَهْدَى لَهُ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ فَرَسًا يُدْعَى الْوَرْدَ، فَأَعْطَاهُ عُمَرَ3.
وَالْوَرْدُ: بَيْنَ الْكُمَيْتِ وَالْأَشْقَرِ.
وَكَانَتْ لَهُ فَرَسٌ تُدْعَى "سَبْحَةً"4، مِنْ قَوْلِهِمْ: طِرْفٌ سَابِحٌ، إِذَا كَانَ حَسَنَ مَدِّ الْيَدَيْنِ فِي الْجَرْيِ.
قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَفْرَاسٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَذَكَرَ بَعْدَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَرَسًا مُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَقَالَ: قَدْ شَرَحْنَاهَا فِي "كِتَابِ الْخَيْلِ".
قَالَ: وَكَانَ سَرْجُهُ دَفَّتَاهُ مِنْ لِيفٍ.
وَكَانَتْ لَهُ بَغْلَةٌ أَهْدَاهَا لَهُ الْمُقَوْقِسُ، شهباء يقال لها: "دلّدل". مع حمار
__________
1 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 240" عن سهل بن أبي حثمة، وفي إسناده الواقدي، متروك كما تقدم.
2 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 240" عن ابن عباس، وفي إسناده الواقدي.
3 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 240" عن سهل بن سعد، وفي إسناده أبي بن عباس وهو ضعيف، والواقدي وهو متروك.
4 كذا في المطبوعة، وقد أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 240" عن أنس، ولفظه "سيحة".

(1/349)


يُقَالُ لَهُ: "عُفَيْرٌ"1، وَبَغْلَةٌ يُقَالُ لَهَا: "فِضَّةٌ"، أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ الْجُذَامِيُّ، مَعَ حِمَارٍ يُقَالَ لَهُ "يَعْفُورُ"، فَوَهَبَ الْبَغْلَةَ لِأَبِي بَكْرٍ2، وَبَغْلَةً أُخْرَى.
قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: غَزَوْنَا تَبُوكَ، فَجَاءَ رَسُولُ ابْنِ الْعَلْمَاءِ صَاحِبِ أَيْلَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكِتَابٍ، وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْدَى لَهُ بُرْدَةً، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ3، وَالْحَدِيثُ فِي الصِّحَاحِ.
وقال ابن سعد: وبعث صَاحِبُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبَغْلَةٍ وَجُبَّةِ سُنْدُسٍ4. وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونَ الْقَدَّاحُ، وَهُوَ ضَعِيفٌ5.
وَيُقَالُ إِنَّ كِسْرَى أَهْدَى لَهُ بَغْلَةً، وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ -لَعَنَهُ اللَّهُ- مَزَّقَ كِتَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَكَانَتْ لَهُ النَّاقَةُ الَّتِي هَاجَرَ عَلَيْهَا مِنْ مَكَّةَ، تُسَمَّى "القصواء"، و"العضباء" و"الجدعاء"6، وَكَانَتْ شَهْبَاءَ.
وَقَالَ أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نَاقَةٍ صَهْبَاءَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ، لَا ضَرْبَ وَطَرْدَ، وَلَا إِلَيْكَ إليك7. حديث حسن.
__________
1 مرسل إسناده ضعيف جدا: أخرجه البخاري ابن سعد في "الطبقات" "1/ 241" مرسلا، وفي إسناده الواقدي.
2 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 241" عن زامل بن عمرو، وفي إسناده أبو بكر بن أبي سبرة والواقدي، وكلاهما متروك.
3 صحيح: أخرجه البخاري "1481" في كتاب الزكاة باب: خرص التمر، ومسلم "1392" في كتاب الحج، باب: أحد جبل يحبنا ونحبه، وأحمد "4/ 424، 425".
4 تقدم بنحوه من حديث أنس.
5 قلت: وهو متروك، وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": منكر الحديث متروك.
6 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 241" مرسلا، وفي إسناده الواقدي متروك، وبعض هذه الأسماء ورد في الصحيح، أما العضباء فأخرجه البخاري "2871" في كتاب الجهاد، باب: ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم، من حديث أنس -رضي الله عنه.
وأما القصواء فأخرجه البخاري "2731، 2732" في كتاب الشروط، باب: الشروط في الجهاد، من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، في قصة الحديبية.
7 صحيح: أخرجه النسائي "5/ 270" في كتاب الحج، باب: الركوب إلى الجمار، وابن ماجه "3035" في كتاب المناسك، باب: رمي الجمار راكبا، وأحمد "3/ 413"، والدارمي "1901"، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "2461": صحيح، وأخرجه الترمذي "904" في كتاب الحج، باب: كراهية طرد الناس عند رمي الجمار، دون قوله "صهباء".

(1/350)


الصَّهْبَاءُ: الشَّقْرَاءُ.
وَكَانَتْ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِقَاحٌ1 أَغَارَتْ عَلَيْهَا غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ، فَاسْتَنْقَذَهَا سَلَمَةُ ابْنُ الْأَكْوَعِ وَجَاءَ بِهَا يَسُوقُهَا2. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَهُوَ مِنَ الثُّلَاثِيَّاتِ.
وَجَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْدَى يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ جَمَلًا فِي أَنْفِهِ بُرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ، كَانَ غَنِمَهُ مِنْ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، أَهْدَاهُ لِيَغِيظَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا رَأَوْهُ، وَكَانَ مَهْرِيًّا3 يَغْزُو عَلَيْهِ وَيَضْرِبُ فِي لِقَاحِهِ4.
وَقِيلَ: كَانَ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِشْرُونَ لِقْحَةً بالغابة، يراح إليه منها كلّ ليلة يقربتين مِنْ لَبَنٍ5.
وَكَانَتْ لَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ لِقْحَةً، يَرْعَاهَا يَسَارُ مَوْلَاهُ الَّذِي قَتَلَهُ الْعَرْنِيُّونَ وَاسْتَاقُوا اللِّقَاحَ، فَجِيءَ بِهِمْ فَسَمَلَهُمْ6.
وَكَانَ لَهُ مِنَ الْغَنَمِ مِائَةُ شَاةٍ، لَا يُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، كُلَّمَا وَلَّدَ الرَّاعِي بُهْمَةً7 ذَبَحَ مَكَانَهَا شَاةً.
__________
1 اللقاح: النوق ذوات الألبان.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3041" في كتاب الجهاد، باب: من رأي العدو فنادى بأعلى صوته: يا صباحاه، ومسلم "1806" في كتاب الجهاد، باب: غزوة ذي قرد وغيرها، من حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه.
3 مهريا: من كرائم الإبل.
4 حسن: أخرجه أبو داود "1749" في كتاب الحج، باب: في الهدي، وابن إسحاق في "السيرة" "2/ 209"، وأبو نعيم في "الحلية" "9815" من حديث ابن عباس، وحسنه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
5 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 242" عن معاوية بن عبد الله بن عبيد الله معضلا، وفي إسناده الواقدي متروك.
6 أصل القصة عند البخاري "233" في كتاب الوضوء، باب: أبوال الإبل، ومسلم "1671" في كتاب القسامة، باب: حكم المحاربين، من حديث أنس -رضي الله عنه، دون ذكر عدد اللقاح واسم الراعي.
7 البهمة: ولد الضأن.

(1/351)


وَقَدْ سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شواء
...
وَقَدْ سُحِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسُمَّ فِي شِوَاءٍ:
قَالَ وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَصْنَعُ الشَّيْءَ وَلَمْ يَصْنَعْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ رَأَيْتُهُ يَدْعُو، فَقَالَ: "أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ: أَتَانِي رَجُلَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ الْآخَرُ: مَطْبُوبٌ 1، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، قَالَ: فِيمَ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ 2 وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ 3، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي ذِي أَرْوَانَ"، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَجَعَ أَخْبَرَ عَائِشَةَ فَقَالَ: "كَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْرِجْهُ لِلنَّاسِ، قَالَ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا" 4.
فِي لَفْظٍ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ5.
رَوَى عُمَرُ مَوْلَى عَفْرَةَ -وَهُوَ تَابِعِيٌّ- أَنَّ لَبِيدَ بْنَ أَعْصَمَ سَحَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى الْتَبَسَ بَصَرُهُ وَعَادَهُ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ إِنَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ أَخْبَرَاهُ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاعْتَرَفَ، فَاسْتَخْرَجَ السِّحْرَ مِنَ الْجُبِّ، ثُمَّ نَزَعَهُ فَحَلَّهُ، فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَفَا عَنْهُ6.
وَرَوَى يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ فِي سَاحِرِ أَهْلِ الْعَهْدِ: لا يقتل، وقد سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَهُودِيٌّ، فَلَمْ يَقْتُلْهُ7.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَفَا عَنْهُ8.
__________
1 مطبوب: مسحور.
2 مشاطة: في رواية "مشاقة" وصوبها الحافظ ابن حجر في "الفتح" "10/ 242" والمشاطة: ما يخرج من الشعر الذي سقط من الرأس إذا سرح بالمشط، قاله ابن قتيبة.
3 جف طلعة ذكر: في رواية "جف طلعة نخلة ذكر"، وهو الغشاء الذي يكون على الطلع.
4 صحيح: أخرجه البخاري "5863" في كتاب الطب، باب: السحر، ومسلم "2189" في كتاب السلام، باب: السحر.
5 صحيح: أخرجه مسلم "2189/ 43" في المصدر السابق.
6 مرسل: إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 348" وفي إسناده ابن لهيعة، ضعيف الحفظ.
7 إسناده حسن إلى الزهري: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 349، 350" وفي رواية يونس عن الزهري مقال لا ينزل حديثه عن الحسن، وهو إلى الصحة أقرب، وفي إسناده عتاب بن زياد صدوق.
8 مرسل إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 350" وفي إسناده الواقدي، متروك.

(1/352)


قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هَذَا أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِمَّنْ رَوَى أنّه قتله1.
وقال أبو معاوية: حدثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ الْيَهُودَ سَمَّتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَمَّتْ أَبَا بَكْرٍ2.
وَفِي "الصَّحِيحِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ أَهْدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةً مَسْمُومَةً3.
وَعَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا افْتَتَحَ خَيْبَرَ وَاطْمَأَنَّ جَعَلَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَهِيَ بِنْتُ أَخِي مَرْحَبٍ وَامْرَأَةُ سَلامِ بْنِ مِشْكَمٍ سُمًّا قَاتِلًا فِي عَنْزٍ لَهَا ذَبَحَتْهَا وَصَلَتْهَا4، وَأَكْثَرَتِ السُّمَّ فِي الذِّرَاعَيْنِ وَالْكَتِفِ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَغْرِبَ انْصَرَفَ وَهِيَ جَالِسَةٌ عِنْدَ رَحْلِهِ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ هَدِيَّةٌ أَهْدَيْتُهَا لَكَ، فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُخِذَتْ مِنْهَا، ثُمَّ وُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَصْحَابُهُ حُضُورٌ، مِنْهُمْ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، وَتَنَاوَلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَانْتَهَشَ مِنَ الذِّرَاعِ، وَتَنَاوَلَ بِشْرٌ عَظْمًا آخَرَ، فَانْتَهَشَ مِنْهُ، وَأَكَلَ الْقَوْمُ مِنْهَا. فَلَمَّا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لُقْمَةً قَالَ: "ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّ هَذِهِ الذِّرَاعَ تُخْبِرُنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ" فَقَالَ بِشْرٌ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، لَقَدْ وَجَدْتُ ذَلِكَ مِنْ أَكْلَتِي، فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَلْفُظَهَا إِلَّا أَنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُبْغِضَ إِلَيْكَ طَعَامَكَ، فَلَمَّا أَكَلْتَ مَا فِي فِيكَ لَمْ أَرْغَبْ بِنَفْسِي عَنْ نَفْسِكَ، وَرَجَوْتُ أَنْ لَا تَكُونَ ازْدَرَدْتَهَا وَفِيهَا بَغْيٌ، فَلَمْ يَقُمْ بِشْرٌ حَتَّى تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَمَاطَلَهُ وَجَعُهُ سَنَةً وَمَاتَ5.
__________
1 نقله في "الطبقات" "1/ 350".
2 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 350".
3 صحيح: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 350"، وأخرجه البخاري "2617" في كتاب الهبة، باب: قبول الهدية من المشركين، ومسلم "2190" في كتاب السلام، باب: السم، من حديث أنس.
4 صلتها: شوتها.
5 صحيح بنحوه: أخرجه أبو داود "4512" في كتاب الديات، باب: فيمن سقى رجلا سما، الدارمي "69" من حديث أبي هريرة، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
وأما رواية جابر فأخرجها أبو داود "4510" في المصدر السابق، والدارمي "68" وضعفها الحافظ العراقي في تخريج "الإحياء" "1/ 368" بالانقطاع، وكذلك ضعفها الحافظ ابن حجر في "الفتح" "7/ 569"، والألباني في "ضعيف سنن أبي داود" "973".

(1/353)


وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَرِمْ بِشْرٌ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ، فَدَعَاهَا فَقَالَ: "مَا حَمَلَكِ"؟ قَالَتْ: نِلْتَ مِنْ قَوْمِي، وَقَتَلْتَ أَبِي وَعَمِّي وَزَوْجِي، فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ نَبِيًّا فَسَتُخْبِرُهُ الذِّرَاعُ، وَإِنْ كان ملكًا أسرحنا مِنْهُ، فَدَفَعَهَا إِلَى أَوْلِيَاءِ بِشْرٍ يَقْتُلُونَهَا1. وَهُوَ الثَّبْتُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ يَعْرِضْ لَهَا وَاحْتَجَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كَاهِلِهِ. حَجَمَهُ أَبُو هِنْدٍ بِقَرْنٍ وَشَفْرَةٍ2، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَاحْتَجَمُوا أَوْسَاطَ رُءُوسِهِمْ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ.
وَكَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يَقُولُ: "مَا زِلْتُ أَجِدُ مِنَ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُهَا بِخَيْبَرَ، وَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي"، وَفِي لَفْظٍ: "مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ يُعَاوِدُنِي أَلَمُ سُمِّهَا" وَالْأَبْهَرُ عِرْقٌ فِي الظَّهْرِ3 -وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ. وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي "الصَّحِيحِ".
وَرَوَى أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ تِسْعًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُتِلَ قَتْلًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً، يَعْنِي أَنَّهُ مَاتَ مَوْتًا، وَذَلِكَ فإنّ الله اتّخذه نبيًّا وجعله شهيدًا4.
__________
1 أخرجه أبو داود "4512، 4514" في المصدر السابق عن أبي هريرة وكعب بن مالك -رضي الله عنهما، دون قوله "قَالَتْ: نِلْتَ مِنْ قَوْمِي، وَقَتَلْتَ أَبِي وَعَمِّي وزوجي"، وصحح كلا الحديثين الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
وأما هذه الزيادة فقد أخرجها ابن سعد في "الطبقات" "1/ 351" من حديث ابن عباس، وإسنادها ضعيف جدا.
2 ضعيف: أخرجه أبو داود "4510" في المصدر السابق، من حديث جابر، وضعفه الألباني وغيره كما تقدم، ولو صح لكان المثبت لقتلها مقدم على النافي.
3 ذكره ابن سعد في "الطبقات" "1/ 351" عقب حديث ابن عباس.
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 172".

(1/354)


بَابُ: مَا وُجِدَ مِنْ صُورَةِ نَبِيِّنَا وَصُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالشَّامِ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ الرَّبْعِيُّ وهو ضعيف بمرّة1: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ عُثْمَانَ عَمَّتِي، عَنْ أَبِيهَا سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ يَقُولُ: لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَظَهَرَ أَمْرُهُ بِمَكَّةَ، خَرَجْتُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا كُنْتُ بِبُصْرَى أَتَتْنِي جَمَاعَةٌ مِنَ النَّصَارَى فَقَالُوا لِي: أَمِنَ الْحَرَمِ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: فَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي تَنَبَّأَ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فأدخلوني ديرًا لهم فيه صور فقالوا: انظر هَلْ تَرَى صُورَتَهُ؟ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَ صُورَتَهُ، قُلْتُ: لَا أَرَى صُورَتَهُ، فَأَدْخَلُونِي دَيْرًا أَكْبَرَ مِنْ ذَاكَ فَنَظَرْتُ، وَإِذَا بِصِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصُورَتِهِ وَبِصِفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصُورَتِهِ، وَهُوَ آخِذٌ بِعَقِبِ2 رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا لِي: هَلْ ترى صورته؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: هُوَ هَذَا؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، أَشْهَدُ أَنَّهُ هُوَ، قَالُوا، أَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي أَخَذَ بِعَقِبِهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا صَاحِبُكُمْ وَأَنَّ هَذَا الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِهِ3.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ"، عَنْ مُحَمَّدٍ، غَيْرَ مَنْسُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، أَخْصَرَ مِنْ هَذَا.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ إِدْرِيسَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ قَالَ: بُعِثْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى هِرَقْلَ نَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَنَزَلْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسَّانِيِّ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ عَلَى سرير له، فأرسل إلينا برسول نُكَلِّمُهُ، فَقُلْنَا: وَاللَّهِ لَا نُكَلِّمُ رَسُولًا، إِنَّمَا بعثنا إلى الملك، فأذن لنا وقال:
__________
1 تقدم أنه ضعيف جدًّا.
2 العقب: عظم مؤخر القدم.
3 إسناده ضعيف جدًّا: عبد الله بن شبيب ضعيف جدًّا كما تقدم.

(1/355)


تَكَلَّمُوا، فَكَلَّمْتُهُ وَدَعَوْتُهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ سَوَادٌ، قُلْنَا: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: لَبِسْتُهَا وَحَلَفْتُ أَنْ لَا أَنْزَعِهَا حَتَّى أُخْرِجَكُمْ مِنَ الشَّامِ، قُلْنَا: وَمَجْلِسُكَ هَذَا، فَوَاللَّهِ لَنَأْخُذَنَّهُ مِنْكَ، وَلَنَأْخُذَنَّ مِنْكَ الْمُلْكَ الْأَعْظَمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّنَا، قَالَ: لَسْتُمْ بِهِمْ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَصُومُونَ بِالنَّهَارِ فَكَيْفَ صَوْمُكُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَمَلَأَ وَجْهَهُ سَوَادًا وَقَالَ: قُومُوا، وَبَعَثَ مَعَنَا رَسُولًا إِلَى الْمَلِكِ، فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ الَّذِي مَعَنَا: إِنَّ دوابّكم هذه لَا تَدْخُلُ مَدِينَةَ الْمَلِكِ، فَإِنْ شِئْتُمْ حَمَلْنَاكُمْ عَلَى بَرَاذِينَ1 وَبِغَالٍ؟ قُلْنَا: وَاللَّهِ لَا نَدْخُلُ إِلَّا عَلَيْهَا، فَأَرْسَلُوا إِلَى الْمَلِكِ أَنَّهُمْ يَأْبَوْنَ، فدخلنا على رَوَاحِلَنَا مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى غُرْفَةٍ له، فأنحنا فِي أَصْلِهَا، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْنَا، فَقُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ لَقَدْ تَنَقَّضَتِ الْغُرْفَةُ حَتَّى صَارَتْ كَأَنَّهَا عَذْقٌ تُصَفِّقُهُ الرِّيَاحُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَجْهَرُوا عَلَيْنَا بِدِينِكُمْ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا أَنِ ادْخُلُوا، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَهُوَ عَلَى فِرَاشٍ لَهُ، عِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ مِنَ الرُّومِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي مَجْلِسِهِ أَحْمَرُ، وَمَا حَوْلَهُ حُمْرَةٌ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ مِنَ الْحُمْرَةِ، فَدَنَوْنَا مِنْهُ، فَضَحِكَ وَقَالَ: مَا كَانَ عَلَيْكُمْ لَوْ حَيَّيْتُمُونِي بِتَحِيَّتِكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ فَصِيحٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، كَثِيرُ الْكَلَامِ، فَقُلْنَا: إِنَّ تَحِيَّتَنَا فِيمَا بَيْنَنَا لَا تَحِلُّ لَكَ، وَتَحِيَّتُكَ الَّتِي تُحَيَّا بِهَا لَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نُحَيِّيكَ بِهَا، قَالَ: كَيْفَ تَحِيَّتُكُمْ فِيمَا بينكم؟ قلنا: السلام عليك، قال: فيم تُحَيُّونَ مَلِكَكُمْ؟ قُلْنَا: بِهَا، قَالَ: وَكَيْفَ يَرُدُّ عَلَيْكُمْ؟ قُلْنَا: بِهَا، قَالَ: فَمَا أَعْظَمَ كَلامَكُمْ؟ قُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَلَمَّا تَكَلَّمْنَا بِهَا قَالَ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ لَقَدْ تَنَقَّضَتِ2 الْغُرْفَةُ، حَتَّى رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْنَا فَقَالَ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي قُلْتُمُوهَا حَيْثُ تَنَقَّضَتِ الْغُرْفَةُ كُلَّمَا قُلْتُمُوهَا فِي بُيُوتِكُمْ تَنْقَضُّ بُيُوتُكُمْ عَلَيْكُمْ؟ قُلْنَا: لَا، مَا رَأَيْنَاهَا فَعَلَتْ هَذَا قَطُّ إِلَّا عِنْدَكَ، قَالَ: لَوَدِدْتُ أَنَّكُمْ كُلَّمَا قُلْتُمْ يَنْقُضُ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ نِصْفِ مُلْكِي، قُلْنَا: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ كَانَ أَيْسَرَ لِشَأْنِهَا، وَأَجْدَرَ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ حِيَلِ النَّاسِ.
ثُمَّ سَأَلَنَا عَمَّا أَرَادَ، فَأَخْبَرْنَاهُ، ثُمَّ قَالَ: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه، فقال: قوموا، فقمنا، فَأَمَرَ بِنَا بِمَنْزِلٍ حَسَنٍ وَنُزُلٍ كَثِيرٍ، فَأَقَمْنَا ثلاثًا، فأرسل إلينا
__________
1 جمع برذون: يطلق على غير العربي من الخيل والبغال.
2 تنقضب: تهدمت.

(1/356)


لَيْلًا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَاسْتَعَادَ قَوْلَنَا، ثُمَّ دَعَا بِشَيْءٍ كَهَيْئَةِ الرَّبْعَةِ1 الْعَظِيمَةِ، مُذَهَّبَةً فِيهَا بُيُوتٌ صِغَارٌ، عَلَيْهَا أَبْوَابٌ، فَفَتَحَ بَيْتًا وَقُفْلًا، وَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ فَنَشَرَهَا، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ حَمْرَاءُ، وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ ضَخْمُ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمُ الْإِلْيَتَيْنِ، لَمْ أَرَ مِثْلَ طُولِ عُنُقِهِ، وَإِذَا لَيْسَتْ له لحية، وإذا ضَفِيرَتَانِ أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ، قَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا آدَمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ لَنَا بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، وَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ بيضاء، وإذا له شعر كشعر القطط، أحمر العينين ضَخْمُ الْهَامَةِ حَسَنُ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، وَإِذَا فِيهَا رَجُلٌ شَدِيدُ الْبَيَاضِ حَسَنُ الْعَيْنَيْنِ صَلْتُ الْجَبِينِ2، طَوِيلُ الْخَدَّيْنِ أَبْيَضُ اللِّحْيَةِ كَأَنَّهُ يَتَبَسَّمُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ وَإِذَا وَاللَّهِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَكَيْنَا، قَالَ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَامَ قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَهُوَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ إِنَّهُ لَهُوَ، كَأَنَّمَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَأَمْسَكَ سَاعَةً يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ آخِرَ الْبُيُوتِ، وَلَكِنِّي عَجَّلْتُهُ لَكُمْ لِأَنْظُرَ مَا عِنْدَكُمْ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ أَدْمَاءُ3 سَحْمَاءُ4 وَإِذَا رَجُلٌ جَعْدٌ قَطَطٌ5، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، حَدِيدُ النَّظَرِ، عَابِسٌ، مُتَرَاكِبُ الْأَسْنَانِ، مُقَلَّصُ الشَّفَةِ، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِلَى جَنْبِهِ صُورَةٌ تُشْبِهُهُ، إِلَّا أَنَّهُ مُدْهَانُّ الرَّأْسِ، عَرِيضُ الْجَبِينِ، فِي عَيْنِهِ قَبَلٌ6، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ. هَذَا هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ آدَمَ سَبْطٍ رَبْعَةٍ كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا لُوطٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فيها
__________
1 الربعة: المتوسطة.
2 الصلت: الشديد.
3 أدماء: سمراء شديدة السمرة.
4 سحماء: سوداء.
5 القطط: المقطوع.
6 قبل: إقبال سوادها على الأنف.

(1/357)


صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضَ مُشْرَبٍ حُمْرَةً، أَقْنَى، خَفِيفِ الْعَارِضَيْنِ، حَسَنِ الْوَجْهِ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا إِسْحَاقُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ تُشْبِهُ إِسْحَاقَ إِلَّا أَنَّهُ عَلَى شَفَتِهِ السُّفْلَى خَالٍ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا يَعْقُوبُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ حَرِيرَةً سَوْدَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَبْيَضَ حَسَنِ الْوَجْهِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، حَسَنِ الْقَامَةِ، يَعْلُو وَجْهَهُ نُورٌ، يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْخُشُوعُ، يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لا، قال: هَذَا إِسْمَاعِيلُ جَدُّ نَبِيِّكُمْ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةٌ كَأَنَّهَا صُورَةُ آدَمَ، كَأَنَّ وَجْهَهُ الشَّمْسُ، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ أَحْمَرَ، حَمْشِ السَّاقَيْنِ1، أَخْفَشَ2 الْعَيْنَيْنِ، ضَخْمِ الْبَطْنِ، مُتَقَلِّدٍ سَيْفًا، فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا دَاوُدُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً بَيْضَاءَ، فِيهَا صُورَةُ رَجُلٍ ضخم الإليتين، طويل الرّجلين، راكب فرس، فَقَالَ: هَذَا سُلَيْمَانُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا آخَرَ، فَاسْتَخْرَجَ صُورَةً، وَإِذَا شَابٌّ أَبْيَضُ، شَدِيدُ سَوَادِ اللِّحْيَةِ، كَثِيرُ الشَّعْرِ، حَسَنُ الْعَيْنَيْنِ، حَسَنُ الْوَجْهِ، فَقَالَ: هَذَا عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ.
فقلنا: من أين لك هذه الصّور؟ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَى مَا صُوِّرَتْ، لِأَنَّا رَأَيْنَا نَبِيَّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصُورَتَهُ مثل، فَقَالَ: إِنَّ آدَمَ سَأَلَ رَبَّهُ تَعَالَى أَنْ يُرِيَهُ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ وَلَدِهِ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ صُوَرَهُمْ، وَكَانَتْ فِي خِزَانَةِ آدَمَ عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَاسْتَخْرَجَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَدَفَعَهَا إِلَى دَانْيَالَ، يَعْنِي فَصَوَّرَهَا دَانْيَالُ فِي خِرَقٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَهَذِهِ بِأَعْيَانِهَا الَّتِي صَوَّرَهَا دَانْيَالُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ نَفْسِي طَابَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مُلْكِي، وَأَنِّي كُنْتُ عَبْدًا لِشَرِّكُمْ مِلْكَةً حَتَّى أَمُوتَ، ثُمَّ أَجَازَنَا بِأَحْسَنِ جَائِزَةٍ وَسَرَّحَنَا.
فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثْنَاهُ بِمَا رَأَيْنَاهُ، وَمَا قال لنا، فبكى أبو بكر وَقَالَ: مِسْكِينٌ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا لَفَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنّهم واليهود يَجِدُونَ نَعْتَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندهم.
__________
1 حمش الساقين: دقيق الساقين.
2 الخفش: ضعف الإبصار.

(1/358)


رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَعْقُوبَ. وَرَوَاهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ الْخُرَاسَانِيِّ، كِلَاهُمَا عَنِ الْبَلَدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ كَمَا ذَكَرْتُ مِنَ السّند، وعند ابن منده قال: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ شُرَحْبِيلَ، وَهُوَ سَنَدٌ غَرِيبٌ.
وَهَذِهِ الْقِصَّةُ قَدْ رَوَاهَا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ عَمِّهِ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِيهِ مُصْعَبٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى هِرَقْلَ مَلِكِ الرُّومِ لندعوه إلى الإسلام، فخرجنا عَلَى رَوَاحِلِنَا حَتَّى قَدِمْنَا دِمَشْقَ، فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ. وَقَدْ رَوَاهُ بِطُولِهِ: عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الطَّائِيُّ فقال: حدثنا دلّهم بن يزيد، حدثنا القاسم بن سويد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ يُحَدِّثُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
أَنْبَأَنَا الْإِمَامُ أَبُو الْفَرَجِ عبد الرحمن بن أبي عمر وَجَمَاعَةٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَلِيٍّ الصُّوفِيِّ، أنبأ فاطمة بنت أبي حكيم الخبري، أنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْفَضْلِ الْكَاتِبُ قال: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْكَاتِبُ مِنْ لَفْظِهِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعُمِائَةٍ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْجَوْهَرِيُّ، ثنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَدِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ لِأَدْعُوَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَخَرَجْنَا نَسِيرُ عَلَى رَوَاحِلِنَا حَتَّى قَدِمْنَا دِمَشْقَ، فَإِذَا عَلَى الشَّامِ لِهِرَقْلَ جَبَلَةُ، فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَنَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْنَا كَرِهَ مَكَانَنَا وَأَمَرَ بِنَا فَأُجْلِسْنَا نَاحِيَةً، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى فُرُشٍ لَهُ مَعَ السُّقُفِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولًا يُكَلِّمُنَا وَيُبَلِّغُهُ عَنَّا، فَقُلْنَا: وَاللَّهِ لَا نُكَلِّمُهُ بِرَسُولٍ أَبَدًا، فَانْطَلِقْ فَأَعْلِمْهُ ذَلِكَ، فَنَزَلَ عَنْ تِلْكَ الْفُرُشِ إِلَى فُرُشٍ دُونَهَا، فَأَذِنَ لَنَا فَدَنَوْنَا مِنْهُ، فَدَعَوْنَاهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يُجِبْ إِلَى خَيْرٍ، وَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ سُودٌ، فَقُلْنَا: مَا هَذِهِ الْمُسُوحُ1؟ قَالَ: لَبِسْتُهَا نَذْرًا لَا أَنْزَعُهَا حَتَّى أُخْرِجَكُمْ مِنْ بِلَادِي، قَالَ: قُلْنَا له: تيدك2 لا تعجل، أتمنع
__________
1 المسوح: جمع مسح، وهو كساء من شعر.
2 تيدك: بمعنى رفقًا.

(1/359)


مِنَّا مَجْلِسَكَ هَذَا! فَوَاللَّهِ لَنَأْخُذَنَّهُ وَمُلْكَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ، خَبَّرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَنْتُمْ إِذًا السَّمْرَاءُ، قُلْنَا: وَمَا السَّمْرَاءُ؟ قَالَ: لَسْتُمْ بِهِمْ، قُلْنَا: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَقُومُونَ اللَّيْلَ وَيَصُومُونَ النَّهَارَ، قُلْنَا: فَنَحْنُ وَاللَّهِ نَصُومُ النَّهَارَ وَنَقُومُ اللَّيْلَ، قَالَ: فَكَيْفَ صَلَاتُكُمْ؟ فَوَصَفْنَاهَا لَهُ، قَالَ: فَكَيْفَ صَوْمُكُمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ بِهِ.
وَسَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَيَعْلَمُ اللَّهُ لَعَلَا وَجْهَهُ سَوَادٌ حَتَّى كَأَنَّهُ مَسْحٌ أَسْوَدُ، فَانْتَهَرَنَا وَقَالَ لَنَا: قُومُوا، فَخَرَجْنَا وَبَعَثَ مَعَنَا أَدِلَّاءَ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ، فَسِرْنَا، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ قَالَتِ الرُّسُلُ الَّذِينَ مَعَنَا: إِنَّ دَوَابَّكُمْ هَذِهِ لَا تَدْخُلُ مَدِينَةَ الْمَلِكِ، فَأَقِيمُوا حَتَّى نَأْتِيَكُمْ بِبِغَالٍ وَبَرَاذِينَ، قُلْنَا: وَاللَّهِ لا ندخل إلا على دوابّنا، فأرسلوا إليه يُعْلِمُونَهُ، فَأَرْسَلَ: أَنْ خَلُّوا عَنْهُمْ، فَتَقَلَّدْنَا سُيُوفَنَا وَرَكِبْنَا رَوَاحِلَنَا، فَاسْتَشْرَفَ أَهْلُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ لَنَا وَتَعَجَّبُوا، فَلَمَّا دَنَوْنَا إِذَا الْمَلِكُ فِي غُرْفَةٍ لَهُ، وَمَعَهُ بَطَارِقَةُ الرُّومِ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى أَصْلِ الْغُرْفَةِ أَنَخْنَا وَنَزَلْنَا وَقُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَيَعْلَمُ اللَّهُ تَنَقَّضَتِ الْغُرْفَةُ حتى كأنّها عذق تُصَفِّقُهَا الرِّيَاحُ، فَإِذَا رَسُولٌ يَسْعَى إِلَيْنَا يَقُولُ: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَجْهَرُوا بِدِينِكُمْ عَلَى بَابِي، فَصعِدْنَا فَإِذَا رَجُلٌ شَابُّ قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ، وَإِذَا هُوَ فَصِيحٌ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ حُمْرٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَيْتِ أَحْمَرُ، فَدَخَلْنَا وَلَمْ نُسَلِّمْ، فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُحَيُّونِي بِتَحِيَّتِكُمْ؟ قُلْنَا: إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَكُمْ، قَالَ: فَكَيْفَ هِيَ؟ قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: فَمَا تُحَيُّونَ بِهِ مَلِكَكُمْ؟ قُلْنَا: بِهَا، قَالَ: فَمَا كُنْتُمْ تُحَيُّونَ بِهِ نَبِيَّكُمْ؟ قُلْنَا: بِهَا، قَالَ: فَمَاذَا كَانَ يُحَيِّيكُمْ بِهِ؟ قُلْنَا: كَذَلِكَ، قَالَ: فَهَلْ كَانَ نَبِيُّكُمْ يَرِثُ مِنْكُمْ شَيْئًا؟ قُلْنَا: لَا، يَمُوتُ الرَّجُلُ فَيَدَعُ وَارِثًا أَوْ قَرِيبًا فَيَرِثُهُ الْقَرِيبُ، وَأَمَّا نَبِيُّنَا فَلَمْ يَكُنْ يَرِثْ مِنَّا شَيْئًا، قَالَ: فَكَذَلِكَ مَلِكُكُمْ؟ قُلْنَا: نَعَمْ.
قَالَ: فَمَا أَعْظَمُ كَلَامِكُمْ عِنْدَكُمْ؟ قُلْنَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَانْتَفَضَ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَقَالَ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ الَّتِي قُلْتُمُوهَا فَنَقَّضَتْ لَهَا الْغُرْفَةُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: وَكَذَلِكَ إِذَا قُلْتُمُوهَا فِي بِلَادِكُمْ نَقَّضَتْ لَهَا سُقُوفُكُمْ؟ قُلْنَا: لَا، وَمَا رَأَيْنَاهَا صَنَعَتْ هَذَا قَطُّ، وَمَا هُوَ إِلَّا شَيْءٌ وُعِظْتَ بِهِ، قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ الصِّدْقَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ نِصْفِ مُلْكِي وَأَنَّكُمْ لَا تَقُولُونَهَا عَلَى شيء إلا نقض لها، قلنا: ولِمَ ذاك؟ قَالَ: ذَلِكَ أَيْسَرُ لِشَأْنِهَا وَأَحْرَى أَنْ لَا تَكُونَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَأَنْ تَكُونَ مِنْ حِيلَةِ النّاس.

(1/360)


ثُمَّ قَالَ لَنَا: فَمَا كَلَامُكُمُ الَّذِي تَقُولُونَهُ حِينَ تَفْتَتِحُونَ الْمَدَائِنَ؟ قُلْنَا: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ"؛ قَالَ: تَقُولُونَ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" لَيْسَ مَعَهُ شَرِيكٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: وَتَقُولُونَ "اللَّهُ أَكْبَرُ" أَيْ لَيْسَ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ، لَيْسَ فِي الْعَرْضِ وَالطُّولِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَسَأَلَنَا عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَأَمَرَ لَنَا بِنُزُلٍ كَثِيرٍ وَمَنْزِلٍ، فَقُمْنَا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْنَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَأَتَيْنَاهُ، وَهُوَ جَالِسٌ وَحْدَهُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، فَأَمَرَنَا فَجَلَسْنَا، فَاسْتَعَادَنَا كَلَامَنَا، فَأَعَدْنَاهُ عَلَيْهِ، فَدَعَا بِشَيْءٍ كَهَيْئَةِ الرّبعة العظيمة مُذَهَّبَةً، فَفَتَحَهَا فَإِذَا فِيهَا بُيُوتٌ مُقْفَلَةٌ، فَفَتَحَ بَيْتًا مِنْهَا، ثُمَّ اسْتَخْرَجَ خرقَةَ حَرِيرٍ سَوْدَاءَ.
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. وَفِيهِ: فَاسْتَخْرَجَ صُورَةً بَيْضَاءَ، وَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنَّمَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ حَيًّا، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ قُلْنَا: هَذِهِ صُورَةُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اللَّهَ بِدِينِكُمْ إِنَّهُ لَهُوَ هُوَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، اللَّهَ بِدِينِنَا إِنَّهُ لَهُوَ هُوَ، فَوَثَبَ قَائِمًا، فَلَبِثَ مَلِيًّا قَائِمًا، ثُمَّ جَلَسَ مُطْرِقًا طَوِيلًا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ فِي آخِرِ الْبُيُوتِ، وَلَكِنِّي عَجَّلْتُهُ لِأُخْبِرَكُمْ وَأَنْظُرَ مَا عِنْدَكُمْ، ثُمَّ فَتَحَ بَيْتًا، فَاسْتَخْرَجَ خِرْقَةً مِنْ حَرِيرٍ سَوْدَاءَ فَنَشَرَهَا، فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ سَوْدَاءُ شَدِيدَةُ السَّوَادِ، وَإِذَا رَجُلٌ جَعْدٌ قَطَطٌ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، مُقَلَّصُ الشَّفَتَيْنِ، مُخْتَلِفُ الْأَسْنَانِ، حَدِيدُ النَّظَرِ كَالْغَضْبَانِ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذِهِ صُورَةُ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَذَكَرَ الصُّوَرَ، إِلَى أَنْ قَالَ: قُلْنَا: أَخْبِرْنَا عَنْ هَذِهِ الصُّوَرِ، قَالَ: إِنَّ آدَمَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ أَنْبِيَاءَ وَلَدِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ صُوَرَهُمْ، فَاسْتَخْرَجَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ مِنْ خِزَانَةِ آدَمَ مِنْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَصَوَّرَهَا دَانْيَالُ فِي خِرَقِ الْحَرِيرِ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَوَارَثُهَا مَلِكٌ بَعْدَ مَلِكٍ، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَيَّ، فَهَذِهِ هِيَ بِعَيْنِهَا.
فَدَعَوْنَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ نَفْسِي سَخَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مُلْكِي وَاتِّبَاعِكُمْ، وَأَنِّي مَمْلُوكٌ لِأَسْوَأِ رَجُلٍ مِنْكُمْ خَلْقًا وَأَشَدِّهِ مِلْكَةً، وَلَكِنَّ نَفْسِي لَا تَسْخُو بِذَلِكَ. فَوَصَلَنَا وَأَجَازَنَا، وَانْصَرَفْنَا1.
__________
1 إسناده ضعيف: عبد الله بن مصعب ضعيف كما في "الميزان" "4609".

(1/361)


بَابٌ: فِي خَصَائِصِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَحْدِيثِهِ أُمَّتَهُ بِهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تعالى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} 1.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْهَاشِمِيِّ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، أَخْبَرَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بِبَغْدَادَ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَاشِمِيُّ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، أنا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّافِعِيُّ، أنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْقَسِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّيْبُلِيُّ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْأَزْهَرِ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، فَجَعَلَ مَنْ مَرَّ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فأنا اللّبنة، وأنا خاتم النبيّين" 2. خ.
عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيَّ" 3. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ" 4. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عن مرّة الهمداني، عن عبد الله
__________
1 سورة الضحى: 11.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3535" في كتاب المناقب، باب: خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم- ومسلم "2286" في كتاب المناقب، باب: ذكر كونه -صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين.
3 صحيح: أخرجه البخاري "2977" في كتاب الجهاد، باب: رقم "122"، ومسلم "6/ 523" في أول كتاب المساجد، والنسائي "6/ 3-4" في كتاب الجهاد، باب: وجوب الجهاد، وأحمد "2/ 214، 264، 396، 455، 501".
4 صحيح: أخرجه مسلم "523/ 5" في المصدر السابق.

(1/362)


قال: لمّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَانْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى أُعْطِيَ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ كَانَ مِنْ أُمَّتِهِ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ الْمُقْحِمَاتِ1. تُقْحِمُ: أَيْ تُلْقِي فِي النَّارِ. والحديث صحيح.
وقال أبو عوانة: حدثنا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا لَنَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، وَجُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَأُوتِيتُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ" 2 صَحِيحٌ.
وَقَالَ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرُّوخٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ" 3.
اسْمُ أَبِي عَمَّارٍ: شَدَّادٌ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَحْمٍ، فَرَفَعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعَ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا، فَقَالَ: "أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّانِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ" -فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ بِطُولِهِ4. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ، وَأُعْطِيتُ لِوَاءَ الْحَمْدِ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ" -وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي الشفاعة5.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "173" في كتاب الإيمان، باب: في ذكر سدرة المنتهى.
2 صحيح: أخرجه مسلم "522" في أول كتاب المساجد، وأحمد "5/ 373".
3 صحيح: أخرجه مسلم "2278" في كتاب الفضائل، باب: تفضيل نبينا -صلى الله عليه وسلم- على جميع الخلائق، من طريق آخر عن الأوزاعي.
4 صحيح: أخرجه البخاري، ومسلم "194/ 327" في كتاب الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها.
5 صحيح: أخرجه الترمذي "3159" في كتاب التفسير، باب: ومن سورة بني إسرائيل، وابن ماجه "4308" في كتاب الزهد، باب: ذكر الشفاعة، وأحمد "3/ 2" من حديث أبي سعيد الخدري، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "3477": صحيح.

(1/363)


وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَفِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ فِي شَرَفِ الْمُصْطَفَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا سَمِعْتُ اللَّهَ أَقْسَمَ بِحَيَاةِ أَحَدٍ إِلَّا بِحَيَاتِهِ فَقَالَ: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} 1.
وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنِّي أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا أَنَا بِنَهْرٍ حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ، قَالَ: فَضَرَبَ الْمَلَكُ بِيَدِهِ فَإِذَا طِينُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ" 2.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "حَوْضِي كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وأيلة، وفيه من الْأَبَارِيقُ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ" 3.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أبي حبيب: حدثنا أبو الْخَيْرُ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ، ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ وَقَالَ: "إِنِّي لَكُمْ فَرَطٌ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ، وَأَنَا فِي مَقَامِي هَذَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أُرِيتُ أَنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ، فَأَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا" 4.
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَإِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ، كَأَنَّ الْأَبَارِيقَ فِيهِ النُّجُومُ" 5.
وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عن النّبيّ
__________
1 سورة الحجر: 72.
2 صحيح: أخرجه البخاري "6581" في كتاب الرقاق، باب: في الحوض.
3 صحيح: أخرجه البخاري "6580" في المصدر السابق، ومسلم "2303" في كتاب الفضائل، باب: إثبات حوض نبينا -صلى الله عليه وسلم.
4 صحيح: أخرجه البخاري "6590" في المصدر السابق، ومسلم "2296" في المصدر السابق.
5 صحيح: أخرجه البخاري "6589" في المصدر السابق، ومسلم "2289"، في المصدر السابق، دون قوله "وإن بعد ... " إلخ.

(1/364)


-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا سِعَةُ حَوْضِكَ؟ قَالَ: "مَا بَيْنَ عَدَنٍ وَعَمَّانَ وَأَوْسَعُ، وَفِيهِ مِثْعَبَانِ مِنْ ذَهَبٍ وفضة، شرابه أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَطْيَبُ رِيحًا مِنَ الْمِسْكِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَلَنْ يَسْوَدَّ وَجْهُهُ أَبَدًا" 1. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ -وَهُوَ ضَعِيفٌ- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لِي حَوْضٌ طُولُهُ مَا بَيْنَ الْكَعْبَةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، وَإِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءَ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" 2.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ الذَّهَبُ، مَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ" 3.
وَثَبَتَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: الْكَوْثَرُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ4. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَالَ: النَّهْرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ5.
وَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ أُعْطِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَاطِئُهُ دُرٌّ مُجَوَّفٌ6.
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ خَرِيرَ الْكَوْثَرِ فليضع إصبعيه في أذنيه7.
__________
1 عزاه الحافظ ابن كثير في "البداية" "8/ 244" لأبي بكر بن أبي عاصم بنحوه:
2 صحيح: أخرجه ابن ماجه "4301" في كتاب الزهد، باب: ذكر الحوض، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "3470": صحيح.
3 صحيح: أخرجه ابن ماجه "4334" في كتاب الزهد، باب: صفة الجنة، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" "11/ 478": سنده صحيح. وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "3498": صحيح.
4 صحيح: أخرجه البخاري "4966" في كتاب التفسير، باب: سورة "إن أعطيناك الكوثر".
5 صحيح: انظر التخريج السابق.
6 صحيح: أخرجه البخاري "4965" في المصدر السابق.
7 إسناده منقطع: أخرجه ابن جرير في "تفسيره" "30/ 207" من طريق ابن أبي نجيح عن عائشة، وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" "4/ 557": منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة.
قلت: وفيه كذلك أبو جعفر الرازي ضعيف الحفظ.

(1/365)


وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَا أَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءَ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَشْفَعُ" 1.
وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْآيَاتِ مَا آمَنَ عَلَى مِثْلِهِ الْبَشَرُ، وَكَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ" 2.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَنِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ قَالَ: أُمَّتِي عَلَى الْأُمَمِ بِأَرْبَعٍ: أَرْسَلَنِي إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَجَعَلَ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِي وَلِأُمَّتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيْنَمَا أَدْرَكَ الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِي الصَّلَاةَ فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَطَهُورُهُ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيَّ مَسِيرَةَ شَهْرٍ يُقْذَفُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِي، وَأُحِلَّتْ لَنَا الْغَنَائِمُ" 3.
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ، وَسَيَّارٌ صَدُوقٌ4. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ".
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فُضِّلْتُ عَلَى النَّاسِ بِأَرْبَعٍ: بِالشَّجَاعَةِ، والسّماحة، وكثرة الجماع، وشدّة البطش"5.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "196" في كتاب الإيمان، باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس يشفع يوم القيامة".
2 صحيح: وقد تقدم.
3 أخرجه أحمد "5/ 248"، وأخرجه الترمذي "1558" مختصرا، في كتاب السير، باب: ما جاء في الغنيمة.
4 هو سيار بن سلامة الرياحي، وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وابن حبان وابن سعد، وقال أبو حاتم صدوق صالح الحديث. ومثل هذا يقال فيه ثقة، والله أعلم.
5 إسناده ضعيف: أخرجه، وسعيد بن بشير فيه ضعف كما في "التهذيب" "2/ 8، 9".

(1/366)


بَابُ: مَرَضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: نَبَّهَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: "يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأَهْلِ هَذَا الْبَقِيعِ"، فَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا الْبَقِيعَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ: "لِيَهْنِ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ فِيهِ، أَقْبَلَتِ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ آخِرَهَا أَوَّلُهَا، لَلْآخِرَةُ شَرٌّ مِنَ الْأُولَى، يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدِ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةِ، فَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي وَالْجَنَّةِ"، فَقُلْتُ: يَا رسول الله بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدِ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةِ، فَقَالَ: "وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ لَقَدِ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ"، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ابْتُدِئَ بِوَجَعِهِ الَّذِي قَبَضَهُ اللَّهُ فِيهِ1.
رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَعُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى الحكم بن أبي العاص.
وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَبْقَى حَتَّى أَرَى مَا يُفْتَحُ عَلَى أُمَّتِي وَبَيْنَ التَّعْجِيلِ، فَاخْتَرْتُ التَّعْجِيلَ"2.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اجْتَمَعَ نِسَاءُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ تُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "مَرْحَبًا بِابْنَتِي"، فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ، فَسَارَّهَا بِشَيْءٍ، فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالسِّرَارِ وَتَبْكِينَ! فَلَمَّا أَنْ قَامَ قُلْتُ لَهَا: أَخْبِرِينِي بِمَا سَارَّكِ،
__________
1 أخرجه أحمد "3/ 488، 489"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 162، 163".
2 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 163" وقال: هذا مرسل، وهو شاهد لحديث أبي مويهبة.

(1/367)


قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لَهَا: أَسْأَلُكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ لِمَا أَخْبَرْتِينِي، قَالَتْ: أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ، سَارَّنِي فَقَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أَرَى ذَلِكَ إِلَّا اقْتِرَابَ أَجَلِي، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ"، فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ" يَعْنِي فَضَحِكْتُ1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى نَحْوَهُ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، وَفِيهِ أَنَّهَا ضَحِكَتْ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهَا أَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِهِ يَتْبَعُهُ2. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} 3 دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي"، فَبَكَتْ ثُمَّ ضَحِكَتْ، قَالَتْ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ نُعِيَ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ لِي: "اصْبِرِي فَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لَاحِقًا بِي"، فَضَحِكْتُ4.
وَقَالَ سليمان بْن بلال، عَنْ يحيى بْن سعيد، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَارَأْسَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَاكَ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ"، فَقَالَتْ: وَاثُكْلَاهُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِي، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَظَلَلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ، فَقَالَ: "بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ لَقَدْ هَمَمْتُ -أَوْ أَرَدْتُ- أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ أَنْ يقول القائلون أو يتمنّى المتمنّون، ثم قلت يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ، أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ" 5. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بن عتبة، عن
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "6285" في كتاب الاستئذان، باب: من ناجى بين يدي الناس، ومسلم "2450/ 99" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل فاطمة -رضي الله عنها.
2 صحيح: انظر التخريج السابق.
3 سورة النصر: 1.
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 167".
5 صحيح: أخرجه البخاري "5666" في كتاب المرضى، باب: ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، وأبو نعيم في "الحلية" "1974"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 168".

(1/368)


الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصْدَعُ وَأَنَا أَشْتَكِي رَأْسِي، فَقُلْتُ: وَارَأْسَاهُ، فَقَالَ: "بَلْ أَنَا وَاللَّهِ وَارَأْسَاهُ، وَمَا عَلَيْكِ لَوْ مُتِّ قَبْلِي فَوَلِيتُ أَمْرَكِ وَصَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَوَارَيْتُكِ"، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسَبُ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ، لَقَدْ خلوت ببعض نسائك إلى بَيْتِي فِي آخِرِ النَّهَارِ فَأَعْرَسْتَ بِهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم تمادى به وجعه، فاستعزّ1 بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ، فَاجْتَمَعَ، إِلَيْهِ أَهْلُهُ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِنَّا لَنَرَى بِرَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ الْجَنْبِ2 فَهَلُمُّوا فَلْنَلُدَّهُ، فَلَدُّوهُ3، وَأَفَاقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَنْ فَعَلَ هَذَا"؟ قَالُوا: عَمُّكَ الْعَبَّاسُ، تَخَوَّفَ أَنْ يَكُونَ بِكَ ذَاتُ الْجَنْبِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَمَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى لِيُسَلِّطَهُ عَلَيَّ، لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلَّا لَدَدْتُمُوهُ إِلَّا عَمِّيَ الْعَبَّاسَ"، فَلُدَّ أَهْلُ الْبَيْتِ كُلُّهُمْ، حَتَّى مَيْمُونَةُ، وَإِنَّهَا لَصَائِمَةٌ يَوْمَئِذٍ، وَذَلِكَ بِعَيْنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ نِسَاءَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي، وَهُوَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ، تَخُطُّ قَدَمَاهُ الْأَرْضَ إِلَى بَيْتِ عَائِشَةَ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّهِ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ -رَضِيَ الله عنه4.
وقال "خ" قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ: "يَا عَائِشَةُ لَمْ أَزَلْ أَجِدُ أَلَمَ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ، فَهَذَا أَوَانُ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ" 5.
وَقَالَ اللَّيْثُ: عَنْ عقيل، عن ابن شهاب: أخبرني عُبَيْد الله بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاشْتَدَّ بِهِ الْوَجَعُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي
__________
1 استعز: اشتد به المرض.
2 ذات الجنب: التهاب في الغشاء المحيط بالرئة.
3 لدوه: جعلوا الدواء في أحد جانبي الفم.
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 168، 169" وهو عند البخاري "4458" في كتاب المغازي، بَابُ: مَرَضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووفاته، مختصرا.
5 علقه البخاري "4428" في المصدر السابق، ووصله البيهقي في "الدلائل" "7/ 172".
وقد أخرجه أبو داود "4512" في كتاب الديات، باب: فيمن سقى رجلا سما، والدارمي "69" من حديث أبي هريرة بنحوه، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".

(1/369)


بَيْتِ عَائِشَةَ، فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ، قَالَتْ: لَمَّا أُدْخِلَ بَيْتِي اشْتَدَّ وَجَعُهُ فَقَالَ: "أَهْرِقْنَ عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ 1 لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ"، فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، فَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى بِهِمْ ثُمَّ خَطَبَهُمْ2. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ سَالِمُ أَبُو النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، وَعُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ فَقَالَ: "إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ"، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ، فَكَانَ الْمُخَيَّرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ، فَقَالَ: "لَا تَبْكِ يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ في صحبته وماله أبو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتَهُ، لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ" 3. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِيهِ أَحَدِ الْأَنْصَارِ، فَذَكَرَ قَرِيبًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي قَبْلَهُ4.
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حُكَيْمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بكر
__________
1 أوكيتهن: جمع وكاء، وهو ما يشد به فم القربة.
2 صحيح: أخرجه البخاري "4442" في المصدر السابق، ومسلم "418/ 90" في كتاب الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 173، 174".
3 صحيح: أخرجه البخاري "466" في كتاب الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد، ومسلم "2382" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه.
4 أخرجه الترمذي "3679" في كتاب المناقب، باب: مناقب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 175"، وروايته ضعفها الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "753".

(1/370)


خَلِيلًا، وَلَكِنَّ خِلَّةَ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ" 1. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي جُنْدَبٌ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يُتَوَفَّى بِخَمْسٍ يَقُولُ: "قَدْ كَانَ لِي مِنْكُمْ إِخْوَةٌ وَأَصْدِقَاءُ وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَإِنَّ رَبِّي اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَإِنَّ قَوْمًا مِمَّنْ كَانُوا قَبْلَكُمْ يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصُلَحَائِهِمْ مَسَاجِدَ، فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ" 2. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
مُؤَمِّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَضَهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: "ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ فَلَأَكْتُبُ لَهُ لَا يَطْمَعُ طَامِعٌ فِي أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ"، ثُمَّ قَالَ: يَأْبَى اللَّهُ ذلك والمؤمنونؤ"ثَلَاثًا" قَالَتْ: فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أبي3.
قال أبو حاتم: حدثنا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلًا، وَهُوَ أَشْبَهُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ مِنْ مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ مُلْتَحِفًا بِمِلْحَفَةٍ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَوْصَى بِالْأَنْصَارِ، فَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ4. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. ودسماء: سوداء.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "467" في كتاب الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 176".
2 صحيح: أخرجه مسلم "532" في كتاب المساجد، باب: النهي عن بناء المسجد على القبور، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 176، 177".
3 صحيح بنحوه: أخرجه مسلم "2387" في كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه، والبيهقي في "الدلائل" "6/ 343" من طريق عروة عن عائشة بنحوه.
4 صحيح: أخرجه البخاري "3800" في كتاب مناقب الأنصار، باب: قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَليْه وَسَلَّمَ: "اقبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهم"، والترمذي في "الشمائل" "117"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 177".

(1/371)


وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ يَذْكُرُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى، قُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ: وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ فَقَالَ: "ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا"، قَالَ: فَتَنَازَعُوا وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ، أَهَجَرَ! اسْتَفْهِمُوهُ، قَالَ: فَذَهَبُوا يُعِيدُونَ عَلَيْهِ، قَالَ: "دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ"، قَالَ: وَأَوْصَاهُمْ عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ فَقَالَ: "أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ"، قَالَ: وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَهَا فَنَسِيتُهَا1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حَضَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلُمَّ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا"، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ، حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُومُوا". فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ2. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ التَّخْفِيفَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ رَآهُ شَدِيدَ الْوَجَعِ، لِعِلْمِهِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْمَلَ دِينَنَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ وَاجِبًا لَكَتَبَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى الله عليه وسلم، وَلَمَا أَخَلَّ بِهِ.
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ قَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فليصلّ بالنّاس"، فقالت عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ،
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4431" في كتاب المغازي، باب: مرضه -صلى الله عليه وسلم- ووفاته، ومسلم "1637" في كتاب الوصية، باب: ترك الوصية.
2 صحيح: أخرجه البخاري "4432" في المصدر السابق، ومسلم "1637/ 22" في المصدر السابق.

(1/372)


فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَعَاوَدَتْهُ مِثْلَ مَقَالَتِهَا فَقَالَ: "أَنْتُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفُ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ" 1. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ فِي مَرَضِهِ، وَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ، فَقَرَأَ بِالْمُرْسَلَاتِ، فَمَا صَلَّى بَعْدَهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى، يَعْنِي فَمَا صَلَّى بَعْدَهَا بِالنَّاسِ2. وإسناده حَسَنٌ.
وَرَوَاهُ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَفْظُهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُرْسَلَاتِ، ثُمَّ مَا صَلَّى لنا بعدها3. "خ".
وَقَالَ مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ قَالَتْ: ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ"؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، قَالَ: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ" 4، فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ"؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ ينتظرونك يا رسول الله فَقَالَ: "ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ"، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: "أَصَلَّى النَّاسُ"؟ فَقُلْنَا: لَا، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، وَالنَّاسُ عُكُوفٌ5 فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ، قَالَتْ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا: يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي، قَالَتْ: فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- أن لا يتأخّر، وقال
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "713" في كتاب الأذان، باب: الرجل يأتم بالإمام، ومسلم "418/ 94" في كتاب الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 186".
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 189، 190" وانظر الآتي.
3 صحيح: أخرجه البخاري "4429" في كتاب المغازي، باب: مرضه -رضي الله عنه- ووفاته، ومسلم "462" في كتاب الصلاة، باب: القراءة في الصبح.
4 المخضب: إناء لغسل الثياب.
5 عكوف: مقيمون بالمكان.

(1/373)


لَهُمَا: أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ. فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قائم بِصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِدٌ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَعَرَضْتُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ حَرْفًا1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وَعُرْوَةُ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
وَكَذَلِكَ رَوَى الْأَرْقَمُ بْنُ شُرَحْبِيلَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَكَذَلِكَ رَوَى غَيْرُهُمْ. وَأَمَّا صَلَاتُهُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا3.
وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ4.
وَرَوَى هُشَيْمٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَاللَّفْظُ لِهُشَيْمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ فِي بُرْدَةٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهَا، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ5.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ ثَابِتٍ، حَدَّثَهُ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ برد، مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ قَالَ: "ادْعُوا لِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ"، فَجَاءَ، فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى نَحْرِهِ، فَكَانَتْ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا6. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ بِزِيَادَةِ ثابت البناني فيه.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "687" في كتاب الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، ومسلم "418/ 90" في كتاب الصلاة، باب: استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، وأحمد "6/ 251" والبيهقي في "الدلائل" "7/ 186، 190، 191".
2 صحيح: أخرجه البخاري "683" في كتاب الأذان، باب: من قام إلى جنب الإمام لعلة.
3 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 191".
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 192".
5 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 192".
6 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 192".

(1/374)


وَفِي هَذَا دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ كَانَتِ الصُّبْحَ، فَإِنَّهَا آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، وَهِيَ الَّتِي دَعَا أُسَامَةَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، فَأَوْصَاهُ فِي مَسِيرِهِ بِمَا ذَكَرَ أَهْلُ الْمَغَازِي. وَهَذِهِ الصَّلَاةُ غَيْرُ تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي ائْتَمَّ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ بِهِ، وَتِلْكَ كَانَتْ صَلَاةَ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ السَّبْتِ أَوْ يَوْمِ الْأَحَدِ. وَعَلَى هَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَقَدِ اسْتَوْفَاهَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْحَبْرُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: اشْتَكَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَفَرٍ، فَوُعِكَ أَشَدَّ الْوَعْكِ؛ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نِسَاؤُهُ يُمَرِّضْنَهُ أَيَّامًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَنْحَازُ إِلَى الصَّلَوَاتِ حَتَّى غُلِبَ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَنَهَضَ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنَ الضَّعْفِ، فَقَالَ لِلْمُؤَذِّنِ: "اذْهَبْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَمُرْهُ فَلْيُصَلِّ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ، وَإِنَّهُ إِنْ قَامَ مَقَامَكَ بَكَى، فَأْمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ"، فَأَعَادَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: "إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ"، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ حَتَّى كَانَ لَيْلَةُ الْإِثْنَيْنِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَأَقْلَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَعْكُ وَأَصْبَحَ مُفِيقًا، فَغَدَا إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ يَتَوَكَّأُ عَلَى الْفَضْلِ وَغُلَامٍ لَهُ يُدْعَى ثَوْبَانَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا، وَقَدْ سَجَدَ النَّاسُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي الْأُخْرَى، فَتَخَلَّصَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصُّفُوفَ يُفَرِّجُونَ لَهُ، حَتَّى قَامَ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَوْبِهِ فَقَدَّمَهُ فِي مُصَلَّاهُ فَصَفَّا جَمِيعًا، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمٌ يَقْرَأُ، فَلَمَّا قَضَى قِرَاءَتَهُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَكَعَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ جلس أبو بكر يتشهّد والنّاس معه، فلمّا سلّم أتّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرَّكْعَةَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ يَوْمَئِذٍ سَقْفُهُ مِنْ جَرِيدٍ وَخُوصٍ، لَيْسَ عَلَى السَّقْفِ كَثِيرُ طِينٍ، إِذَا كَانَ الْمَطَرُ امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ طِينًا، إِنَّمَا هُوَ كَهَيْئَةِ الْعَرِيشِ، وَكَانَ أُسَامَةُ قَدْ تَجَهَّزَ لِلْغَزْوِ1.
بَابُ حَالِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا احْتَضَرَ:
قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ قَالَا: لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وجهه، فإذا اغتمّ كشفها عن
__________
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 198-200" عن موسى بن عقبة.

(1/375)


وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: "لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ"، يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بِمِصْرَ، أنا عُمَرُ بْنُ كَرْمٍ بِبَغْدَادَ، أنا عَبْدُ الْأَوَّلِ بْنُ عِيسَى، أنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَحْمَدَ الثَّقَفِيُّ مِنْ لَفْظِهِ سَنَةَ سبعين وأربعمائة، حدثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ حُسَيْنٍ السُّلَمِيُّ إِمْلَاءً، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ يَقُولُ: "أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" 2. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنَ الْعَوَالِي.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: "الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ"، حَتَّى جَعَلَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صَدْرِهِ، وَمَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ3. كَذَا قَالَ سُلَيْمَانُ.
وَقَالَ همّام: حدثنا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ سَفِينَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: "اللَّهَ اللَّهَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ" قَالَتْ: فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَمَا يَكَادُ يَفِيضُ4. وَهَذَا أَصَحُّ.
وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَرْجِسَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يموت وعنده قدح فيه ماء، يدخل
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "425، 436" في كتاب الصلاة، باب: رقم "55"، ومسلم "531/ 22" في كتاب المساجد، باب: النهي عن بناء المسجد على القبور، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 203".
2 صحيح: أخرجه مسلم "2877" في كتاب الجنة، باب: الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت.
3 صحيح: أخرجه ابن ماجه "2697" في كتاب الوصايا، باب: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، وأحمد "3/ 117"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 205"، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" "2183": صحيح.
4 صحيح: أخرجه ابن ماجه "1625" في كتاب الجنائز، باب: ما جاء في ذكر مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 205"، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" "5/ 427": سنده جيد. وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه": صحيح.

(1/376)


يَدَهُ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ، ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكْرَةِ الْمَوْتِ"1.
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَمُوتُ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَلَمَّا مَرِضَ عُرِضَتْ لَهُ بُحَّةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} 2 فظننا أنّه كان يُخَيَّرُ3. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ نَحْوَهُ الزُّهْرِيُّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ، عَنْ عَائِشَةَ. وَفِيهِ زِيَادَةٌ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الرفيق الأعلى" 4. خ.
وَقَالَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ: "وَاكَرْبَاهُ" قَالَ لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ أَبِيكَ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا لِمُوَافَاةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ" 5. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَيُرْسِلُهُ.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- لَمَّا ثَقُلَ جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ يَعْنِي الْكَرْبَ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: "وَاكَرْبَ أَبَتَاهُ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بعد اليوم" 6. أخرجه البخاري.
__________
1 ضعيف: أخرجه الترمذي "980" في كتاب الجنائز، باب: ما جاء في التشديد عند الموت، وفي "الشمائل" "7/ 207"، وقال الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" "164": ضعيف:
2 سورة النساء: 69.
3 صحيح: أخرجه البخاري "4435" في كتاب المغازي: باب: مرضه -صلى الله عليه وسلم- ووفاته، ومسلم "2444/ 86" في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل عائشة -رضي الله عنها.
4 صحيح: أخرجه البخاري "4436" في المصدر السابق.
5 صحيح بنحوه: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 211، 212"، من هذا الطريق، وأخرجه ابن ماجه "1629"، في كتاب الجنائز، باب: ذكر وفاته -صلى الله عليه وسلم- بنحوه، وقال الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه": حسن صحيح.
6 صحيح: أخرجه البخاري "4462"، في كتاب المغازي، باب: مرضه -صلى الله عليه وسلم- ووفاته.

(1/377)


بَابُ: وَفَاتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَيُّوبُ: عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي وَيَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَكَانَ جِبْرِيلُ يُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِضَ، فَذَهَبْتُ أَدْعُو بِهِ، فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: "فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى" وَدَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَبِيَدِهِ جَرِيدَةٌ رِطْبَةٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا حَاجَةً، فَأَخَذْتُهَا فَنَفَضْتُهَا وَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، فَاسْتَنَّ بِهَا أَحْسَنَ مَا كَانَ مُسْتَنًّا، ثُمَّ ذَهَبَ يُنَاوِلُنِيهَا، فَسَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ، فَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا1. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا.
لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، مِنْ عَائِشَةَ؛ لِأَنَّ عِيسَى بْنَ يُونُسَ قَالَ: عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، دَخَلَ عَلَيَّ أَخِي بِسِوَاكٍ وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى صَدْرِي، فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ السِّوَاكُ وَيَأْلَفُهُ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ، فَلَيَّنْتُهُ لَهُ، فَأَمَرَّهُ عَلَى فِيهِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ -أو علبة- فيها مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ"، ثُمَّ نَصَبَ إِصْبَعَهُ الْيُمْنَى فَجَعَلَ يَقُولُ: "فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى" حَتَّى قُبِضَ، وَمَالَتْ يَدُهُ2. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وقال حمّاد بن يزيد، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَتْ فَاطِمَةُ: لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي تبكي:
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4450" في المصدر السابق، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 206".
2 صحيح: أخرجه البخاري "4449"، في المصدر السابق، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 206، 207".

(1/378)


يَا أَبَتَاهُ مِنْ رَبِّهِ مَا أَدْنَاهُ ... يَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ
يَا أَبَتَاهُ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ ... يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ
قَالَ: وَقَالَتْ: يَا أَنَسُ، كَيْفَ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- التراب؟ 1 "خ".
وَقَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بين سحري ونحري، وفي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي، لَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِي وَحَدَاثَةِ سِنِّي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاتَ فِي حِجْرِي، فَأَخَذْتُ وِسَادَةً فَوَسَّدْتُهَا رَأْسَهُ وَوَضَعْتُهُ مِنْ حِجْرِي، ثُمَّ قُمْتُ مَعَ النِّسَاءِ أَبْكِي وَأَلْتَدِمُ2. الِالْتِدَامُ: اللَّطْمُ.
وَقَالَ مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ العطّار: حدثنا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ بَابَنُوسَ أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا مَرَّ بِحُجْرَتِي أَلْقَى إِلَيَّ الْكَلِمَةَ يُقِرُّ بِهَا عَيْنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، فَعَصَبْتُ رَأْسِي وَنِمْتُ عَلَى فِرَاشِي، فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "ما لك"؟ قُلْتُ: رَأْسِي، فَقَالَ: "بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ، أَنَا الَّذِي أَشْتَكِي رَأْسِي"، وَذَلِكَ حِينَ أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ أَنَّهُ مَقْبُوضٌ، فَلَبِثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ جِيءَ بِهِ يُحْمَلُ فِي كِسَاءٍ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ، فَأُدْخِلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَرْسِلِي إِلَى النِّسْوَةِ"، فَلَمَّا جِئْنَ قَالَ: "إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَخْتَلِفَ بَيْنَكُنَّ، فأذنَّ لِي فَأَكُونُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ"، قُلْنَ: نَعَمْ، فَرَأَيْتُهُ يَحْمَرُّ وَجْهُهُ وَيَعْرَقُ، وَلَمْ أَكُنْ رَأَيْتُ مَيِّتًا قَطُّ، فَقَالَ: "أَقْعِدِينِي"، فَأَسْنَدْتُهُ إِلَيَّ، وَوَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ، فَقَلَّبَ رَأْسَهُ، فَرَفَعْتُ يَدِي، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَ مِنْ رَأْسِي، فَوَقَعَتْ مِنْ فِيهِ نُقْطَةٌ بَارِدَةٌ عَلَى تُرْقُوَتِي أَوْ صَدْرِي، ثُمَّ مَالَ فَسَقَطَ عَلَى الْفِرَاشِ، فَسَجَّيْتُهُ بِثَوْبٍ، وَلَمْ أَكُنْ رَأَيْتُ مَيِّتًا قَطُّ، فَأَعْرِفُ الْمَوْتَ بِغَيْرِهِ، فَجَاءَ عُمَرُ يَسْتَأْذِنُ، وَمَعَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَأَذِنْتُ لَهُمَا، وَمَدَدْتُ الْحِجَابَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَائِشَةَ مَا لِنَبِيِّ اللَّهِ؟ قُلْتُ: غُشِيَ عَلَيْهِ مُنْذُ سَاعَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: وَاغَمَّاهُ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الغمّ، ثمّ غطّاه، ولم يتكلّم
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4462" في المصدر السابق.
2 إسناده حسن: أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" "2/ 482"، وعنه أحمد "6/ 274"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 213".

(1/379)


الْمُغِيرَةُ، فَلَمَّا بَلَغَ عَتَبَةَ الْبَابِ، قَالَ الْمُغِيرَةُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا عُمَرُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَأْمُرَ بِقِتَالِ الْمُنَافِقِينَ، بَلْ أَنْتَ تَحُوشُكَ فِتْنَةٌ.
فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: مَا لِرَسُولِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: غُشي عَلَيْهِ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، فَوَضَعَ فَمَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى صِدْغَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَانَبِيَّاهُ وَاصَفِيَّاهُ وَاخَلِيلَاهُ، صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} 1. {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} 2، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} 3، ثُمَّ غَطَّاهُ وَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ عَهْدٌ مِنْ رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالوا: لَا، قَالَ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} الآيات.
فَقَالَ عُمَرُ: أَفِي كِتَابِ اللَّهِ هَذَا يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: هَذَا أبو بَكْرٍ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ، وَثَانِيَ اثْنَيْنِ فَبَايِعُوهُ، فَحِينَئِذٍ بَايَعُوهُ4.
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيُّ عَنْهُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ" بِطُولِهِ عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، أنا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ.
وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أنّ أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بِالسُّنْحِ5 حَتَّى نَزَلَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ، فَتَيَمَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُغَشًّى بِبُرْدٍ حِبْرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ، ثُمَّ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهُ لَا يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا. وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ
__________
1 سورة الزمر: 30.
2 سورة الأنبياء: 34.
3 سورة آل عمران: 185.
4 أخرجه أحمد "6/ 219، 220"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 213-215".
5 السنح: من محال المدينة، وبه مسكن زوجة أبي بكر.

(1/380)


اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} 1 الآية، فَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النّاس إلا يتلوها. وأخبرني سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا فَفَرِقْتُ، أَوْ قَالَ فَعَقَرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلايَ، وَحَتَّى إِنِّي أَهْوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ، وَعَرَفْتُ حِينَ تَلَاهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ مَاتَ2. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ حَاقِنَتِي3 وَذَاقِنَتِي، فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأحد أبدًا، بعد ما رأيت من رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4. حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَدْ تَجَهَّزَ لِلْغَزْوِ وَخَرَجَ ثَقَلُهُ إِلَى الْجُرْفِ5 فَأَقَامَ تِلْكَ الْأَيَّامَ لِوَجَعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدْ أَمَّرَهُ عَلَى جَيْشٍ عَامَّتُهُمُ الْمُهَاجِرُونَ، وَفِيهِمْ عُمَرُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُغير عَلَى أَهْلِ مُؤْتَةَ، وَعَلَى جَانِبِ فِلِسْطِينَ، حَيْثُ أُصِيبَ أَبُوهُ زَيْدٌ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جِذْعٍ فِي الْمَسْجِدِ، يَعْنِي صَبِيحَةَ الْإِثْنَيْنِ، وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَيَدْعُونَ لَهُ بِالْعَافِيَةِ، فَدَعَا أُسَامَةَ فَقَالَ: "اغْدُ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَالنَّصْرِ وَالْعَافِيَةِ"، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَصْبَحْتَ مُفِيقًا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ شَفَاكَ، فَأْذَنْ لِي أَنْ أَمْكُثَ حَتَّى يَشْفِيَكَ اللَّهُ فَإِنْ أَنَا خَرَجْتُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ خَرَجْتُ وَفِي قَلْبِي قُرْحَةٌ مِنْ شَأْنِكَ، وَأَكْرَهُ أَنْ أسأل عنك النّاس، فسكت رسول اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فلم يُرَاجِعْهُ، وَقَامَ فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ، وَهُوَ يَوْمُهَا، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ابْنَتِهِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: قد أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُفِيقًا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ شَفَاهُ، ثم ركب أبو بكر فلحق بِأَهْلِهِ بِالسُّنْحِ، وَهُنَالِكَ امْرَأَتُهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَانْقَلَبَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بيتها، وذلك يوم الاثنين.
__________
1 سورة آل عمران: 144.
2 صحيح: أخرجه البخاري "4453، 4454" في كتاب المغازي، باب: مرضه -صلى الله عليه وسلم- ووفاته، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 215، 216".
3 الحاقنة: قيل هو المطمئن من الترقوة والحلق، وقيل: ما دون الترقوة.
4 صحيح: أخرجه البخاري "4446" في المصدر السابق.
5 الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة جهة الشام.

(1/381)


وَلَمَّا اسْتَقَرَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبَيْتِ عَائِشَةَ وُعِكَ أَشَدَّ الْوَعْكِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ نِسَاؤُهُ، واشتد وجعه، فلم يزل حَتَّى زَاغَتِ الشَّمْسُ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ يُغْشَى عَلَيّهِ، ثُمَّ شَخَصَ بَصَرُهُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَقُولُ: "نَعَمْ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى"، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَأَرْسَلَتْ حَفْصَةُ إِلَى عُمَرَ، وَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ إِلَى عَلِيٍّ، فَلَمْ يَجْتَمِعُوا حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى صَدْرِ عَائِشَةَ، وَفِي يَوْمِهَا يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ، وَجَزِعَ النَّاسُ، وَظَنَّ عَامَّتُهُمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَيِّتٍ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كيف يكون علينا شهيدًا وَنَحْنُ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ، فَيَمُوتُ، وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَى النَّاسِ، وَلَكِنَّهُ رُفِعَ كَمَا فُعِلَ بِعِيسَى بن مَرْيَمَ، فَأَوْعَدُوا مَنْ سَمِعُوا يَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ مَاتَ، وَنَادَوْا عَلَى الْبَابِ "لَا تَدْفِنُوهُ فَإِنَّهُ حَيٌّ"، وَقَامَ عُمَرُ يَخْطُبُ النَّاسَ وَيُوعِدُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَتَوَعَّدَ الْمُنَافِقِينَ، وَالنَّاسُ قَدْ مَلَئُوا الْمَسْجِدَ يَبْكُونَ وَيَمُوجُونَ، حَتَّى أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ السُّنْحِ1.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: وَضَعْتُ يَدِي عَلَى صَدْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ مَاتَ، فَمَرَّ بِي جُمَعٌ آكُلُ وَأَتَوَضَّأُ، مَا يَذْهَبُ رِيحُ الْمِسْكِ مِنْ يَدِي2.
وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ هُوَ التَّيْمِيُّ عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ دَعَا بِطَسْتٍ لِيَبُولَ فِيهَا، وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، فَانْحَنَثَ فَمَاتَ، وَلَمْ أَشْعُرْ فِيمَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ إِنَّهُ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ3. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
تَارِيخُ وَفَاتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: أَيُّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، قَالَ: إِنِّي أرجو أن أموت فيه، فمات فيه4.
__________
1 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 217-219"، وأوله أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 200" عن موسى بن عقبة، وقد تقدم.
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 219".
3 صحيح: أخرجه البخاري "4459" في كتاب المغازي، باب: مرضه -صلى الله عليه وسلم- ووفاته، ومسلم "1636" في كتاب الوصية، باب: ترك الوصية.
4 أخرجه البخاري "1387"، في كتاب الجنائز، باب: موت الاثنين، من طريق آخر عن هشام.

(1/382)


وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وُلِدَ نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الإثنين، ونبئ يوم الإثنين، وخرج من مكة يوم الإثنين، وفتح مكة يوم الإثنين، ونزلت سُورَةُ الْمَائِدَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 1. وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ2.
قَدْ خُولِفَ فِي بَعْضِهِ، فَإِنَّ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَتْ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} يَوْمَ عَرَفَةَ، يَوْمَ جُمُعَةٍ3.
وَكَذَلِكَ قَالَ عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: تُوُفِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ لِهِلَالِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ4.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْيَوْمَ الْعَاشِرَ مِنْ مَرَضِهِ، وَذَلِكَ يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول5. رواه معتمر، عن أبيه.
وقال الواقديّ: حدثنا أَبُو مَعْشَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: اشْتَكَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة6.
وذكر الطّبريّ، عن ابن الكلبيّ، وأبي محنف وَفَاتَهُ فِي ثَانِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: تُوُفِّيَ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُهَاجِرًا، فَاسْتَكْمَلَ فِي هِجْرَتِهِ عَشْرَ سِنِينَ كَوَامِلَ7.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عن جدّه
__________
1 سورة المائدة: 3.
2 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 277"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 233"، واللفظ له، وابن لهيعة ضعيف الحفظ.
3 صحيح: أخرجه البخاري "4606" في كتاب التفسير، باب: قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} .
4 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 234" عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب به.
5 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 234".
6 مرسل إسناده ضعيف جدا: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 234، 235"، والواقدي متروك.
7 معضل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 235".

(1/383)


قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ صَفَرٍ، وتوفّي يوم الاثنين لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ1. وَيُرْوَى نَحْوُ هَذَا فِي وَفَاتِهِ، عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ صَحَّ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ سَعِيدُ بْنُ عفير، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْكَاتِبُ، وَغَيْرُهُمَا.
أَخْبَرَنَا الْخَضِرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ، أنا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْبُنِّ، أنا جَدِّي، أنا عَلِيُّ بْنُ محمد الفقيه، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نَصْرٍ، أنا عَلِيُّ بن أبي العقب، أنا أحمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عائذ، ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنِي النُّعْمَانُ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَأُوحِيَ إِلَيْهِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَهَاجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً وَأَشْهُرٍ، وَكَانَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَاسْتَخْفَى عَشْرَ سِنِينَ وَهُوَ يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَكَثَ يُقَاتِلُ عَشْرَ سِنِينَ وَنِصْفًا، وَكَانَ الْوَحْيُ إِلَيْهِ عِشْرِينَ سَنَةً وَنِصْفًا، وَتُوُفِّيَ، فَمَكَثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُدْفَنُ، يَدْخُلُ النَّاسُ عَلَيْهِ رَسَلًا رَسَلًا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَالنِّسَاءُ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَطَهَّرَهُ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ يُنَاوِلُهُمُ الْعَبَّاسُ الْمَاءَ، وَكُفِّنَ في ثلاثة رياط2 بِيضٍ يَمَانِيَّةٍ، فَلَمَّا طُهِّرَ وَكُفِّنَ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ عُصَبًا عُصَبًا، تَدْخُلُ الْعُصْبَةُ فَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُونَ، لا يُصَفُّونَ وَلَا يُصَلِّي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مُصَلٍّ، حَتَّى فَرَغَ مَنْ يُرِيدُ ذَلِكَ، ثُمَّ دُفِنَ، فَأَنْزَلَهُ فِي الْقَبْرِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ وَالْفَضْلُ، وَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: أَشْرِكُونَا فِي مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ قَدْ أَشْرَكَنَا فِي حَيَاتِهِ، فَنَزَلَ مَعَهُمْ فِي الْقَبْرِ وَوَلِيَ ذَلِكَ مَعَهُمْ3.
وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، عَنِ النُّعْمَانِ. وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ حِينَ زاغت الشمس، ودفن يوم الأربعاء4.
__________
1 إسناده ضعيف جدا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 385".
2 الرياط: مع ريطة، وهي الملاءة تكون قطعة واحدة.
3 مرسل.
4 معضل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 386" وفي إسناده ابن سعد الواقدي، وهو متروك.

(1/384)


وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ تُوُفِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَدُفِنَ مِنْ آخِرِ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ1.
وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ مَوْتُهُ فِي شَهْرِ أَيْلُولَ2.
قُلْتُ: إِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ كُلَّ دَوْرٍ فِي ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً كَانَ فِي سِتُّمِائَةٍ وَسِتِّينَ عَامًا عِشْرُونَ دَوْرًا، فَإِلَى سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسُبْعُمِائَةٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دَوْرًا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا كَانَ وُقُوعُ تِشْرِينَ الْأَوَّلِ وَبَعْضِ أَيْلُولَ فِي صَفَرٍ، وَكَانَ آبُ فِي الْمُحَرَّمِ، وَكَانَ أَكْثَرُ تَمُّوزَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَحَجَّةُ الْوَدَاعِ كَانَتْ فِي تَمُّوزَ.
وَقَالَ أَبُو الْيَمَنِ بْنُ عَسَاكِرَ وَغَيْرُهُ: لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَّا يَوْمَ ثَانِي الشَّهْرِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَلَا يَتَهَيَّأُ أَنْ يَكُونَ ثَانِي عَشَرَ الشَّهْرِ لِلْإِجْمَاعِ أَنَّ عَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَالْمُحَرَّمُ بِيَقِينٍ أَوَّلُهُ الْجُمُعَةُ أَوِ السَّبْتُ، وَصَفَرُ أَوَّلُهُ عَلَى هَذَا السَّبْتُ أَوِ الْأَحَدُ أَوِ الْاثْنَيْنِ، فَدَخَلَ رَبِيعٌ الْأَوَّلُ الْأَحَدَ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ إِذْ يَنْدُرُ وُقُوعُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ نَواقِصَ، فَتَرَجَّحَ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ الْإِثْنَيْنِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الثُّلَاثَاءَ، فَإِنْ كَانَ اسْتَهَلَّ الْإِثْنَيْنِ فَهُوَ مَا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ مِنْ وَفَاتِهِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِهِلَالِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْإِثْنَيْنِ الثَّانِي مِنْهُ ثَامِنَهُ، وَإِنْ جَوَّزْنَا أَنَّ أَوَّلَهُ الثُّلَاثَاءُ فَيَوْمُ الْإِثْنَيْنِ سَابِعُهُ أَوْ رَابِعَ عَشْرَهُ، وَلَكِنْ بَقِيَ بَحْثٌ آخَرُ: كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ مَثَلًا أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ، فَيُبْنَى عَلَى حِسَابِ ذَلِكَ.
وَعَنْ مَالِكٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ تُوُفِّيَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ3.
بَابُ: عُمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْخُلْفِ فِيهِ
قَالَ رَبِيعَةُ، عَنْ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرًا وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا، وَتُوُفِّيَ على رأس ستّين سنة4. "خ. م".
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ زَائِدَةَ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عدّي، عن أنس قال: قبض النّبيّ
__________
1 مرسل.
2 مرسل.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 386".
4 صحيح: أخرجه البخاري "3547" في كتاب المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، ومسلم "2347" في كتاب الفضائل، باب: فِي صِفَةِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(1/385)


-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، وَقُبِضَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَقُبِضَ عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ1. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، عَلَى سَبِيلِ حَذْفِ الْكُسُورِ الْقَلِيلَةِ، لَا عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيرِ، وَمِثْلُهُ مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ.
وَقَالَ عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً2.
وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً3. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حمزة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ هشيم قال: حدثنا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً4.
فَعَلِيٌّ ضَعِيفٌ الْحَدِيثِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ خالفه غيره.
وقد قال شبابة: أبنأنا شُعْبَةُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ5.
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَكِنْ تُقَوِّيهِ رِوَايَةُ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عن الحسن، عن دعفل بْنِ حَنْظَلَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قبض وهو ابن خمس وستّين6.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2348" في كتاب الفضائل، باب: كم سن النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم قبض.
2 صحيح: أخرجه البخاري "3536" في كتاب المناقب، باب: وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم، ومسلم "2349" في المصدر السابق.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3903" في كتاب مناقب الأنصار، باب: هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم، ومسلم "2351" في كتاب الفضائل، باب: كم أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة والمدينة، وأحمد "1/ 371".
4 أخرجه مسلم "2353/ 122" في المصدر السابق، وأحمد "1/ 359".
5 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 240".
6 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 241"، والحسن مدلس، وقد عنعنه.

(1/386)


وَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ دَغْفَلٍ بَلْ قَالَ: تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ. قَالَهُ أَشْعَثُ عَنْهُ.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْهُ: تُوُفِّيَ ابْنُ سِتِّينَ سَنَةً.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ1. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَكَذَلِكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُحَقِّقُونَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: تُوُفِّيَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً.
بَابُ: غُسْلِهِ وَكَفَنِهِ وَدَفْنِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: لَمَّا أَرَادُوا غُسْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي أَنُجَرِّدُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْ نَغْسِلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا وَذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ مُكَلِّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ: أَنِ اغْسِلُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ، فَقَامُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَسَّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ، يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيَدْلُكُونَهُ بِالْقَمِيصِ دُونَ أَيْدِيهِمْ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَهُ إِلَّا نِسَاؤُهُ2. صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَبُو داود.
وقال أبو معاوية: حدثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا أَخَذُوا فِي غُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ الدَّاخِلِ "لَا تُخرجوا عَنْ رَسُولِ الله قميصه"3.
__________
1 صحيح: أخرجه مسلم "2352" في كتاب الفضائل، باب: كم أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة والمدينة، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 239".
2 صحيح: أخرجه أبو داود "3141" في كتاب الجنائز، باب: في ستر الميت عند غسله، وقال ابن الملقن في "تحفة المحتاج" "764": إسناده حسن. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود".
3 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 243".

(1/387)


وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: غسْل رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيٌّ، وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ، وَعَلَى يَدِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- خِرْقَةٌ يُغَسِّلُهُ بِهَا، فَأَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْقَمِيصِ وَغَسَّلَهُ وَالْقَمِيصُ عَلَيْهِ1. فِيهِ ضَعْفٌ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَسَّلَهُ عَلِيٌّ، وَأُسَامَةُ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَأَدْخَلُوهُ قَبْرَهُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ وَهُوَ يُغَسِّلُهُ: بِأَبِي وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا2. مُرْسلٌ جَيِّدٌ.
وَقَالَ عَبْدُ الواحد بن زياد: حدثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قال: قَالَ عَلِيٌّ: غَسَّلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَيِّتِ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَكَانَ طَيِّبًا حَيًّا وميّتًا3.
وولي دفنه وإجنابه دُونَ النَّاسِ أَرْبَعَةٌ: عَلِيٌّ، وَالْعَبَّاسُ، وَالْفَضْلُ، وَصَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلُحِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَحْدًا، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصْبًا4.
وَقَالَ عَبْدُ الصّمد بن النّعمان: حدثنا أَبُو عُمَرَ كَيْسَانُ، عَنْ مَوْلَاهُ يَزِيدَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: أَوْصَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لَا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ غَيْرِي، فَإِنَّهُ "لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ" قَالَ عَلِيٌّ: فَكَانَ الْعَبَّاسُ، وَأُسَامَةُ، يُنَاوِلَانِي الْمَاءَ، وَرَاءَ السِّتْرِ، وَمَا تَنَاوَلْتُ عُضْوًا إِلَّا كَأَنَّمَا يُقَلِّبُهُ مَعِي ثَلَاثُونَ رَجُلًا، حَتَّى فَرَغْتُ مِنْ غُسْلِهِ5.
كَيْسَانُ الْقَصَّارُ يَرْوِي عَنْهُ أَيْضًا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، وَأَسْبَاطٌ، وَمَوْلَاهُ كَأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ أَبُو مَعْشَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: كَانَ الَّذِي غَسَّلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيٌّ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ، قَالَ: فَمَا كُنَّا نُرِيدُ أَنْ نَرْفَعَ منه عضوًا
__________
1 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 243" ويزيد بن أبي زياد ضعيف الحفظ.
2 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 243".
3 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 243-244".
4 انظر المصدر السابق.
5 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 244".

(1/388)


لِنُغَسِّلَهُ إِلَّا رُفِعَ لَنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى عَوْرَتِهِ فَسَمِعْنَا مِنْ جَانِبِ الْبَيْتِ صَوْتًا: "لَا تَكْشِفُوا عَنْ عَوْرَةِ نَبِيِّكُمْ"1. مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ.
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: غُسِّلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثًا بِالسِّدْرِ، وَغُسِّلَ مِنْ بِئْرٍ بِقُبَاءٍ كَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا2.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ3. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ فِيهِ زِيَادَةٌ وَهِيَ: سَحُولِيَّةٌ مِنْ كُرْسُفٍ4.
فَأَمَّا الْحُلَّةُ فَإِنَّمَا شُبِّهَ عَلَى النَّاسِ فِيهَا أَنَّهَا اشْتُرِيَتْ لَهُ حُلَّةٌ لِيُكَفَّنَ فِيهَا، فَتُرِكَتِ الْحُلَّةُ، فَأَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: لَأَحْبِسَنَّهَا لِنَفْسِي حَتَّى أُكَفَّنَ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَضِيَهَا اللَّهُ لِنَبِيِّهِ لَكَفَّنَهُ فِيهَا، فَبَاعَهَا وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا5. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُدْرِجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَّةٍ، ثُمَّ نُزِعَتْ عَنْهُ، وَكُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ6.
وَرَوَى نَحْوَهُ الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ.
وَأَمَّا مَا رَوَى شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ أَحَدُهَا بُرْدٌ حِبَرَةٌ7.
وَرُوِيَ نَحْوُ ذَا عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَلَعَلَّهُ قَدِ اشْتُبِهَ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ، لِكَوْنِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُدْرِجَ فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَّةٍ، ثُمَّ نُزِعَتْ عنه8.
__________
1 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 244".
2 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 245".
3 صحيح: أخرجه البخاري "1264" في كتاب الجنائز، باب: الثياب البيض للكفن، ومسلم "941" في كتاب الجنائز، باب: في كفن الميت.
4 صحيح: وهي زيادة للبخاري أيضًا، انظر التخريج السابق.
5 صحيح: أخرجه مسلم "941/ 45" في المصدر السابق.
6 صحيح: أخرجه مسلم "941/ 46" في المصدر السابق.
7 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 248".
8 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 392" بنحوه.

(1/389)


وَقَالَ زَكَرِيَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ سَحُولِيَّةٍ بُرُودٍ يَمَنِيَّةٍ غِلَاظٍ: إِزَارٌ وَرِدَاءٌ وَلِفَافَةٌ1.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِسْكٌ فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ. وَقَالَ عَلِيٌّ: هُوَ فَضْلُ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُدْخِلَ الرِّجَالُ فَصَلُّوا عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِمَامٍ أَرْسَالًا حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ أُدْخِلَ النِّسَاءُ فَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ فَصَلُّوا عَلَيْهِ ثُمَّ أُدْخِلَ الْعَبِيدُ، لَمْ يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ3.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، قَالَ: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي قَالَ: لَمَّا كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَنَفَرٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ كَذَلِكَ، ثُمَّ صَفُّوا صُفُوفًا لَا يَؤُمُّهُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهُمَا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغَ مَا أُنزل إِلَيْهِ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ، وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَتَّى أَعَزَّ اللَّهُ دِينَهُ، وَتَمَّتْ كَلِمَتُهُ، وَأُومِنَ بِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَاجْعَلْنَا إِلَهَنَا مِمَّنْ يَتَّبِعُ الْقَوْلَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ حَتَّى تُعَرِّفَهُ بِنَا وَتُعَرِّفَنَا بِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفًا رَحِيمًا، لَا نَبْغِي بِالْإِيمَانِ بَدَلًا، وَلَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا أَبَدًا، فَيَقُولُ النَّاسُ: آمِينَ آمِينَ، فَيَخْرُجُونَ وَيَدْخُلُ آخَرُونَ، حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ: الرِّجَالُ، ثُمَّ النِّسَاءُ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ4. مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ حَسَنُ المتن.
__________
1 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 249".
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 249".
3 ضعيف: أخرجه ابن ماجه "1628" في كتاب الجنائز، باب: ذكر وفاته -صلى الله عليه وسلم- وأحمد "1/ 292"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 250" وضعفه الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه".
4 مرسل إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 394" والواقدي متروك.

(1/390)


وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ، عَنْ أبيه، عن سالم بن عبيد وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ قَالَ: قَالُوا: هَلْ نَدْفِنُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَيْنَ يُدْفَنُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَيْثُ قَبَضَهُ اللَّهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ رُوحَهُ إِلَّا فِي مَكَانٍ طَيِّبٍ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ كَمَا قَالَ1.
زَادَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ سَلَمَةَ نُعَيْمَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ.
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ يَضْرَحُ2 لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَلْحَدُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَرْسَلَ الْعَبَّاسُ خَلْفَهُمَا رَجُلَيْنِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِرَسُولِكَ، أَيُّهُمَا جَاءَ حَفَرَ لَهُ، فَجَاءَ أَبُو طَلْحَةَ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم3.
وقال الواقديّ: حدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ قَبْرِهِ، فَقَالَ قَائِلٌ: فِي الْبَقِيعِ، فَقَدْ كَانَ يُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ. وَقَالَ قَائِلٌ: عِنْدَ مِنْبَرِهِ، وَقَالَ قَائِلٌ: فِي مُصَلَّاهُ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا خَبَرًا وَعِلْمًا، سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ تُوُفِّيَ"4.
وَقَالَ ابن عيينة، عَنْ يحيى بْن سعيد، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: عَرَضَتْ عَائِشَةُ عَلَى أَبِيهَا رُؤْيَا وَكَانَ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ قَالَتْ: رَأَيْتُ: ثَلَاثَةَ أَقْمَارٍ وَقَعْنَ فِي حُجْرَتِي، فَقَالَ: إِنْ صَدَقَتْ رُؤْيَاكِ دُفِنَ فِي بَيْتِكَ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ الْأَرْضِ ثَلَاثَةٌ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: يَا عَائِشَةُ هذا خير أقمارك5.
__________
1 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 259".
2 أي يحفر القبر.
3 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 252"، والحسين بن عبد الله ضعيف كما في "التقريب" 1326".
4 مرسل إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 261" والواقدي متروك.
5 إسناده منقطع: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 262" ورواية سعيد بن المسيب عن أبي بكر منقطعة كما في "التهذيب" "2/ 43".

(1/391)


وقال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَوْضُوعًا على سريره من حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ يُصَلِّي النَّاسُ عَلَيْهِ، وَسَرِيرُهُ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ، فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُقْبِرُوهُ، نَحَّوُا السَّرِيرَ قِبَلَ رِجْلَيْهِ، فَأُدْخِلَ مِنْ هُنَاكَ، وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهِ الْعَبَّاسُ وَعَلِيٌّ، وَقُثَمُ بْنُ الْعَبَّاسَ، وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَشُقْرَانُ1.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الَّذِينَ نَزَلُوا الْقَبْرَ، فَذَكَرَهُمْ سِوَى الْعَبَّاسِ، وَقَدْ كَانَ شُقْرَانُ حِينَ وُضِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حُفْرَتِهِ أَخَذَ قَطِيفَةً قَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْبَسُهَا وَيَفْتَرِشُهَا، فَدَفَنَهَا مَعَهُ فِي الْقَبْرِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ، فَدُفِنَتْ مَعَهُ2.
وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا تُوُفِّيَ أُلْقِيَ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ3. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، حدّثني أَبُو مَرْحَبٍ قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فِي قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَةٌ أَحَدُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ4.
وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ: لَمَّا فَرَغُوا مِنْ غُسْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَكْفِينِهِ، صَلَّى النَّاسُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ، وَدُفنَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ5.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: لَبِثَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ6.
__________
1 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 253-254"، وابن أبي سبرة والواقدي كلاهما متروك.
2 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 254"، والحسين بن عبد الله ضعيف كما تقدم.
3 صحيح: أخرجه مسلم "967" في كتاب الجنائز، باب: جعل القطيفة في القبر، والترمذي "1050" في كتاب الجنائر، باب: في الثوب الواحد يلقى تحت الميت في القبر، والنسائي "4/ 81" في كتاب الجنائز، باب: وضع الثوب في اللحد، وابن سعد في "الطبقات" "1/ 399"، وأبو نعيم في "الحلية" "10344" والبيهقي في "الدلائل" "7/ 254".
4 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "1/ 399"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 255".
5 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 255-256".
6 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 256".

(1/392)


وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَاتَ فِي الضُّحَى يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ. وَدُفِنَ مِنَ الْغَدِ فِي الضُّحَى1. هَذَا قول شاذّ. وإسناده صَحِيحٌ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا عَلِمْنَا بِدَفْنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَاحِي2 فِي جَوْفِ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ3.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَدَّعِي "أَنَّهُ أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" قَالَ: أَخَذْتُ خَاتَمِي فَأَلْقَيْتُهُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُلْتُ حِينَ خَرَجَ الْقَوْمُ: إِنَّ خَاتَمِي قَدْ سَقَطَ فِي الْقَبْرِ، وَإِنَّمَا طَرَحْتُهُ عَمْدًا لِأَمُسَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَكُونَ آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِهِ4. هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي "مُسْنَدِهِ" أنا الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: لَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَتِ التَّعْزِيَةُ، وَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: "إِنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرَكًا مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ"5.
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" لِأَبِي ضَمْرَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَزَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَسْمَعُونَ الْحِسّ، وَلَا يَرَوْنَ الشَّخْصِ6، فَذَكَرَهُ نَحْوَهُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ صَلَاتُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَؤُمَّهُمْ أَحَدٌ وَاللَّهُ تعالى أعلم.
__________
1 معضل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 256".
2 المساحي، جمع مسحاة، وهي المجرفة.
3 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 256".
4 إسناده منقطع: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 257" وهو منقطع بين ابن إسحاق والمغيرة بن شعبة -رضي الله عنه.
5 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه الشافعي في "مسنده" "ص361"، وإسناده ضعيف جدًّا، القاسم متروك كما في "التقريب" "5468".
6 إسناده ضعيف: أخرجه الحاكم في "مستدركه" "4391"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 269" وضعف إسناده.

(1/393)


صِفَةُ قَبْرِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ هَانِئٍ، عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبَيْهِ، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ، لَا مُشْرِفَةَ1 وَلَا لَاطِئَةَ2، مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرَصَةِ3 الْحَمْرَاءِ4. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ هَكَذَا.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسَنَّمًا5. أَخْرَجَهُ البخاريّ.
وقال الواقديّ: حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جُعِلَ قَبْرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَسْطُوحًا. هَذَا ضَعِيفٌ.
وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ".
قَالَتْ: وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَافَ أَوْ خيف أنّه يتّخذ مسجدًا6. أخرجه البخاريّ.
__________
1 مشرفة: مرتفعة.
2 لاطئة: لاصقة بالأرض.
3 العرضة: الساحة.
4 ضعيف: أخرجه أبو داود "3220" في كتاب الجنائز، باب: في تسوية القبر، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 263" وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" "705".
5 صحيح: أخرجه البخاري "1390" في كتاب الجنائز، باب: ما جاء فِي قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والبيهقي في "الدلائل" "7/ 264".
6 صحيح: أخرجه البخاري "1390" في المصدر السابق، والنسائي "4/ 95" في كتاب الجنائز، باب: اتخاذ القبور مساجد، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 264".

(1/394)


بَابُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَلَمْ يُوصِ إِلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ بَلْ نَبَّهَ عَلَى الْخِلَافَةِ بِأَمْرِ الصَّلَاةِ
قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَضَرْتُ أَبِي حِينَ أُصِيبَ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ وَقَالُوا: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَالَ: رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ. قَالُوا: اسْتَخْلِفْ، فَقَالَ: أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا، لَوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّي مِنْكُمُ الْكَفَافُ لَا عَلَيَّ وَلَا لِي، فَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتُخْلِفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ وَإِنْ أَتْرُكْكُمْ فَقَدْ تَرَكَكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ قَالَ: لَمَّا ظَهَرَ عَلِيٌّ يَوْمَ الْجَمَلِ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا فِي هَذِهِ الْإِمَارَةِ شَيْئًا حَتَّى رَأَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ أَنْ نَسْتَخْلِفَ أَبَا بَكْرٍ، فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَأَى مِنَ الرَّأْيِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ، فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ، ثُمَّ إِنَّ أَقْوَامًا طَلَبُوا الدُّنْيَا فَكَانَتْ أُمُورٌ يَقْضِي اللَّهُ فِيهَا2. إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ": حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بكر القرشي، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: ائْتِنِي بِكَتِفٍ أَوْ لَوْحٍ حَتَّى أَكْتُبَ لِأَبِي بَكْرٍ كِتَابًا لَا يُخْتَلَفُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا ذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَقُومَ قَالَ: أَبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ أن يختلف عليك يا أبا بكر3.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "7218" في كتاب الأحكام، باب: الاستخلاف، ومسلم "1823" في كتاب الإمارة، باب: الاستخلاف وتركه، وأبو نعيم في "الحلية" "104"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 221-222".
2 أخرجه أحمد "1/ 114"، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 223" واللفظ له.
3 أخرجه أحمد "6/ 47".

(1/395)


وَيُرْوَى عَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ.
وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ مَيْمُونَ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيٍّ أَلَا تَسْتَخْلِفُ1 عَلَيْنَا؟ قَالَ: مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْتَخْلِفَ. تَفَرَّدَ بِهِ شُعَيْبٌ، وَلَهُ مَنَاكِيرُ.
وَقَالَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَلِيًّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدِهِ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ عَبْدُ الْعَصَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَوْفَ يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي أَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الْأَمْرُ، فَإِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا كَلَّمْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا، قَالَ عَلِيٌّ: إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَنَعَنَاهَا لَا يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ أَبَدًا، وَإِنِّي وَاللَّهِ لا أسألها رسول الله2 -صلى الله عليه وسلم. أخرجه الْبُخَارِيُّ. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنِّي أَكَادُ أَعْرِفُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَوْتَ، فَانْطَلِقْ بِنَا نَسْأَلْهُ، فَإِنْ يَسْتَخْلِفْ مِنَّا فَذَاكَ، وَإِلَّا أَوْصَى بِنَا، فَقَالَ عَلِيٌّ لِلْعَبَّاسِ كَلِمَةً فِيهَا جَفَاءٌ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم قَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ: ابْسُطْ يَدَكَ فَلْنُبَايِعْكَ، قَالَ: فقبض يده، قال الشّعبيّ: لو أنّ عليًّا أَطَاعَ الْعَبَّاسَ فِي أَحَدِ الرَّأْيَيْنِ كَانَ خَيْرًا مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، وَقَالَ: لَوْ أَنَّ الْعَبَّاسَ شَهِدَ بَدْرًا مَا فَضَلَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ رأيًا ولا عقلًا3.
وقال أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم- ولم يوص4.
__________
1 إسناده ضعيف: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 223" وشعيب بن ميمون كما في "الميزان" "3728".
2 صحيح: أخرجه البخاري "6266" في كتاب الاستئذان، باب: المعانقة، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 234-234".
3 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 225".
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 226-227" مطولًا.

(1/396)


وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَلِمَ أَمَرَ بِالْوَصِيَّةِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ طَلْحَةُ: قَالَ هُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ: أَبُو بَكْرٍ يَتَأَمَّرُ عَلَى وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَّ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ عَهْدًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَزَمَ أَنْفَهُ بِخِزَامٍ1. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ إِنَّ عَلِيًّا قَالَ: مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا خَاصَّةً دُونَ النَّاسِ إِلَّا مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. الْحَدِيثُ2.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَلِيٍّ: يَا عَلِيُّ إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثَ عَلَامَاتٍ: الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالزَّكَاةُ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا3، فَهُوَ مَوْضُوعٌ، تَفَرَّدَ بِهِ حَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ يَكْذِبُ عَنِ السَّرِيِّ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ، وَعِنْدَ الرَّافِضَةِ أَبَاطِيلُ فِي أَنَّ عَلِيًّا عُهِدَ إِلَيْهِ4.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ مَوْتِهِ إِلَّا بِثَلَاثٍ: أَوْصَى لِلرَّهَاوِيِّينَ بِجَادِّ مِائَةِ وَسْقٍ، وَلِلدَّارِيِّينَ بِجَادِّ مائة وسق، وللشيبيين بجادّ مائة وسق، وللأشعريّين بِجَادِّ مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ، وَأَوْصَى بِتَنْفِيذِ بَعْثِ أُسَامَةَ، وَأَوْصَى أَنْ لَا يُتْرَكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ5. مُرْسَلٌ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ بِالْيَمَنِ فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ذَا كَلَاعٍ وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَا لِي: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا مَضَى صَاحِبُكَ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلَاثٍ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَأَقْبَلَا مَعِي، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "2740" في كتاب الوصايا، باب: الوصايا، ومسلم "1633" في كتاب الوصية، باب: ترك الوصية، وابن ماجه "2696" في كتاب الوصية، باب: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وأبو نعيم في "الحلية" "6178"، والبيهقي في "الدلائل: " "7/ 227"، ورواية الشيخين دون قوله "قال طلحة ... " إلخ.
2 صحيح: أخرجه البخاري "1870" في كتاب فضل المدينة، باب: حرم المدينة، ومسلم "1370" في كتاب الحج، باب: فضل المدينة.
3 إسناده موضوع: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 229-230".
4 موضوع: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 229" وقال: وهو حديث موضوع.
5 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 230".

(1/397)


قِبَلِ الْمَدِينَةِ، فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ صَالِحُونَ، فَقَالَا لِي: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا وَلَعَلَّنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَنَعُودُ، وَرَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ1. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
بَابُ: تَرِكَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيِّ أَخِي جُوَيْرِيَةَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا أَمَةً وَلَا شَيْئًا إِلَّا بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلَاحَهُ وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً2. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ3. "مُسْلِمٌ".
وَقَالَ مِسْعَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: تَسْأَلُونِي عَنْ مِيرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا وَلِيدَةً4.
وَقَالَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا فِي بَيْتِي إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى ضَجِرْتُ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ، وَلَيْتَنِي لَمْ أَكِلْهُ5. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ6. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَأَمَّا الْبُرْدُ الَّذِي عِنْدَ الْخُلَفَاءِ آلِ الْعَبَّاسِ، فَقَدْ قَالَ يُونُسُ بن بكير، عن ابن
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "4359" في كتاب المغازي، باب: ذهاب جرير إلى اليمن، وأحمد "4/ 363-364" والبيهقي في "الدلائل" "7/ 270".
2 صحيح: أخرجه البخاري "2739" في كتاب الدلائل "7/ 270".
3 صحيح: أخرجه مسلم "1635/ 18" في كتاب الوصية، باب: ترك الوصية.
4 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 274".
5 صحيح: أخرجه البخاري "6451" في كتاب الرقاق، باب: فضل الفقر، ومسلم "2973" في أول كتاب الزهد، والبيهقي في "الدلائل" "7/ 274".
6 صحيح: وقد تقدم.

(1/398)


إِسْحَاقَ فِي قِصَّةِ غَزْوَةِ تَبُوكَ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى أَهْلَ أَيْلَةَ بُرْدَهُ مَعَ كِتَابِهِ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ أَمَانًا لَهُمْ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي السَّفَّاحَ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ.
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُبِضَ وَلَهُ برذان في الحفّ يعملان1. هذان مرسلان، والحفّ هِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَلُفُّ عَلَيْهَا الْحَائِكُ وَتُسَمَّى الْمِطْوَاةَ.
وَقَالَ زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَهُ جُبَّةُ صُوفٍ فِي الْحِيَاكَةِ2. إِسْنَادُهُ صَالِحٌ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا من رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَفَاطِمَةُ حِينَئِذٍ تَطْلُبُ صَدَقَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ -يَعْنِي مَالَ اللَّهِ- لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَأْكَلِ"، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ صَدَقَاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا، وَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ3. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْمُلَبَّدَةَ، فَأَقْسَمَتْ بِاللَّهِ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ4. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أنّهم حين قدموا المدينة مقتل الحسين
__________
1 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 279".
2 أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 279".
3 صحيح: أخرجه البخاري "3092، 3093، 3094" في كتاب فرض الخمس، باب: رقم "1"، ومسلم "1759" في كتاب الجهاد، باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركنا فهو صدقة".
4 صحيح: وقد تقدم.

(1/399)


لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ لك ليّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: هل أنت معطيّ سَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لَا يَخْلُصُ إِلَيْهِ أَحَدٌ حَتَّى يَبْلُغَ نَفْسِي1. اتَّفَقَا عَلَيْهِ.
وَقَالَ عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسُ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ2 لَهُمَا قِبَالَانِ، فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمَا نَعْلَا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ3. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
عَدَدُ أَزْوَاجِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً، وَدَخَلَ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنْهُنَّ، وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَقُبِضَ عَنْ تِسْعٍ.
فَأَمَّا اللَّتَانِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ فَأَفْسَدَتْهُمَا النِّسَاءُ فَطَلَّقَهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِإِحْدَاهُمَا: إِذَا دَنَا مِنْكِ فَتَمَنَّعِي، فَتَمَنَّعَتْ، فَطَلَّقَهَا، وَأَمَّا الْأُخْرَى فَلَمَّا مَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ قَالَتْ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا مَاتَ ابْنُهُ، فَطَلَّقَهَا.
وَخَمْسٌ مِنْهُنَّ مِنْ قُرَيْشٍ: عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ.
وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيَّةُ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةُ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ الْخَيْبَرِيَّةُ. قُبِضَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ هَؤُلَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ4.
رَوَى دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ قُتَيْلَةَ أُخْتَ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهَا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ منه.
__________
1 صحيح: أخرجه البخاري "3110" في كتاب فرض الخمس، باب: ما ذكر في درع النبي -صلى الله عليه وسلم- "2449/ 95" في كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل فاطمة -رضي الله عنها.
2 جرداوين: أي لا شعر عليهما.
3 صحيح: أخرجه البخاري "3107" في كتاب فرض الخمس، باب: ما ذكر في درع النبي -صلى الله عليه وسلم- والترمذي في "الشمائل" "76".
4 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 289".

(1/400)


وقال إبراهيم بن الفضل: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ تَزَوَّجَ قُتَيْلَةَ بِنْتَ قَيْسٍ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَعْرِضْ لَهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَارْتَدَّتْ مَعَ أَخِيهَا فَبَرِئَتْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى كَفَّ عَنْهُ1.
وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ فَرَوَى عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ: هَلْ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُتَيْلَةَ أُخْتَ الْأَشْعَثِ؟ فَقَالَ: مَا تَزَوَّجَهَا قَطُّ، وَلَا تَزَوَّجَ كِنْدِيَّةً إِلَّا أُخْتَ بَنِي الْجَوْنِ، فَلَمَّا أَتَى بِهَا وَقَدِمَتِ الْمَدِينَةَ نَظَرَ إِلَيْهَا فَطَلَّقَهَا وَلَمْ يَبْنِ بِهَا2.
وَيُقَالُ إِنَّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: هِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الضَّحَّاكِ، اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ فَطَلَّقَهَا، فَكَانَتْ تَلْقُطُ الْبَعْرَ وَتَقُولُ: أَنَا الشَّقِيَّةُ. تَزَوَّجَهَا فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ سِتِّينَ3.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْمَاءَ بِنْتَ كَعْبٍ الْجَوْنِيَّةَ، فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى طَلَّقَهَا.
وَتَزَوَّجَ عَمْرَةَ بِنْتَ يَزِيدَ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
كَذَا قَالَ، وَهَذَا شَيْءٌ مُنْكَرٌ. فَإِنَّ الْفَضْلَ يَصْغُرُ عَنْ ذَلِكَ.
وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْيَمَنِ أَسْمَاءَ بِنْتَ النُّعْمَانِ الْجَوْنِيَّةَ، فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا دَعَاهَا، فَقَالَتْ: تَعَالَ أَنْتَ، فَطَلَّقَهَا4.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ: اسْتَعَاذَتِ الْجَوْنِيَّةُ مِنْهُ، وَقِيلَ لَهَا: "هُوَ أَحْظَى لَكِ
__________
1 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 320" عن داود بن أبي هند معضلًا.
2 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 320" بنحوه، والواقدي متروك.
3 إسناده ضعيف جدًّا.
4 مرسل.

(1/401)


عِنْدَهُ" وَإِنَّمَا خُدِعَتْ لِمَا رُوِيَ مِنْ جَمَالِهَا وَهَيْئَتِهَا، وَلَقَدْ ذُكِرَ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَا قَالَتْ لَهُ، فقال: "إِنَّهُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ". وَذَلِكَ سَنَةَ تِسْعٍ1.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اسْتَعَاذَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ النُّعْمَانِ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: لَا يَسُوءُكَ اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلَا أُزَوِّجُكَ مَنْ لَيْسَ دُونَهَا فِي الْجَمَالِ وَالْحَسَبِ؟ فَقَالَ: "مَنْ"? قَالَ: أُخْتِي قُتَيْلَةُ، قَالَ: "قَدْ تَزَوَّجْتُهَا"، فَانْصَرَفَ الْأَشْعَثُ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ثُمَّ حَمَلَهَا، فَبَلَغَهُ وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّهَا وَارْتَدَّتْ مَعَهُ2.
وَيُرْوَى عَنْ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ سَنَاءَ بِنْتَ الصَّلْتِ السَّلَمِيَّةَ، فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا3.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ لَا يَصِحُّ قَالَ: كَانَ فِي نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَنَاءُ بِنْتُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيَّةُ4.
وَبَعَثَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ يَخْطُبُ عَلَيْهِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ، يُقَالُ لَهَا عَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ، فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ بِهَا بَيَاضًا فَطَلَّقَهَا5.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مُلَيْكَةَ بِنْتَ كَعْبٍ، وَكَانَتْ تُذْكَرُ بِجَمَالٍ بَارِعٍ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا عَائِشَةُ فَقَالَتْ: أَمَا تَسْتَحِينَ أَنْ تَنْكِحِي قَاتِلَ أَبِيكِ، فَاسْتَعَاذَتْ مِنْهُ، فَطَلَّقَهَا، فجاء قومها فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّهَا صَغِيرَةٌ، وَلَا رَأْيَ لَهَا، وَإِنَّهَا خُدِعَتْ فَارْتَجِعْهَا، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَاسْتَأْذَنُوهُ أَنْ يُزَوِّجُوهَا، فَأَذِنَ لَهُمْ. وَأَبُوهَا قَتَلَهُ خَالِدٌ يَوْمَ الْفَتْحِ6. وَهَذَا حديث ساقط كالذي
__________
1 مرسل: إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 318".
2 إسناده ضيعف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 320"، وأبو صالح ضعيف، وهشام وأبوه كلاهما متروك.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 321" عن رجل من رهط عبد الله بن خازم السلمي، وفي إسناده هشام الكلبي، وهو متروك.
4 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 317".
5 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 317".
6 معضل إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 320".

(1/402)


قَبْلَهُ. وَأَوْهَى مِنْهُمَا مَا رَوَى الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجُنْدَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ الْجُنْدَعِيِّ قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُلَيْكَةَ بِنْتَ كَعْبٍ اللَّيْثِيِّ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَدَخَلَ بِهَا، فَمَاتَتْ عِنْدَهُ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَأَصْحَابُنَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ1.
وَقَالَ عُقَيْلٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي كِلَابٍ، ثُمَّ فَارَقَهَا2. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ: هِيَ الْعَالِيَةُ بِنْتُ ظَبْيَانَ فِيمَا بَلَغَنِي.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ: تَزَوَّجَ بِالْعَالِيَةِ بِنْتِ ظَبْيَانَ، فَمَكَثَتْ عِنْدَهُ دَهْرًا ثُمَّ طَلَّقَهَا، حَدَّثَنِي ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ.
رَوَى الْمُفَضَّلُ الْغَلابِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ قَالَ: نَكَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَوْلَةَ بِنْتَ هُذَيْلٍ الثَّعْلَبِيَّةَ، فَحُمِلَتْ إِلَيْهِ مِنَ الشَّامِ، فَمَاتَتْ فِي الطَّرِيقِ، فَنَكَحَ خَالَتَهَا شَرَافَ بِنْتَ فَضَالَةَ، فَمَاتَتْ فِي الطَّرِيقِ أَيْضًا3.
وَيُرْوَى عَنْ سَهْلِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارٍ، فَدَخَلَ بِهَا، فَرَأَى بِهَا بَيَاضًا مِنْ بَرَصٍ، فَقَالَ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَأَكْمَلَ لَهَا صَدَاقَهَا4.
هَذَا وَنَحْوُهُ إِنَّمَا أَوْرَدْتُهُ لِلتَّعَجُّبِ لَا لِلتَّقْرِيرِ.
وَمِنْ سَرَارِيِّهِ: مَارِيَةُ أُمُّ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَتْ رَيْحَانَةُ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَكَانَتْ تَحْتَجِبُ فِي أَهْلِهَا، وَتَقُولُ: لَا يَرَانِي أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَهَذَا أَثْبَتُ عِنْدَنَا وَكَانَ زَوْجَ رَيْحَانَةَ قَبْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَكَمُ. وَهِيَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَحَدَّثَهَا عَاصِمُ بْنُ عبد الله بن
__________
1 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 320".
2 مرسل: أخرجه البيهقي في "الدلائل" "7/ 286" بنحوه.
3 أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 326" عن الشرقي بن القطامي بنحوه، وفي إسناده هشام الكلبي، وهو متروك.
4 أخرجه أحمد "3/ 493" من حديث كعب بن زيد أبو زيد بن كعب بنحوه، وإسناده ضعيف. وأما حديث سهل بن سعد فأصله عند البخاري "5256-5257" في كتاب الطلاق، باب: من طلق، دون قول "فرأى بها بياضًا من برص".
5 مرسل إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في"الطبقات" "4/ 311".

(1/403)


الْحَكَمِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَيْحَانَةَ بنت زيد بن عمرو بن خناقة، وَكَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ، قَالَتْ: فَتَزَوَّجَنِي وَأَصْدَقَنِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا1 وَأَعْرَسَ بِي وَقَسَمَ لِي. وَكَانَ مُعْجَبًا بِهَا، تُوُفِّيَتْ مَرْجِعَهُ مِنْ حِجَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ تَزْوِيجُهُ بِهَا فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سِتٍّ2.
وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: كَانَتْ رَيْحَانَةُ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَسَبَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَمَاتَتْ عِنْدَهُ3.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أنا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَسَرَّ رَيْحَانَةَ ثُمَّ أَعْتَقَهَا، فَلَحِقَتْ بِأَهْلِهَا4. قُلْتُ: هَذَا أَشْبَهُ وَأَصَحُّ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعُ وَلَائِدَ: مَارِيَةُ، وَرَيْحَانَةُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَجَمِيلَةُ فَكَادَهَا نِسَاؤُهُ، وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ نَفِيسَةٌ وَهَبَتْهَا لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ.
وَقَالَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} 5 قَالَ: كَانَ نِسَاءٌ وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ بِبَعْضِهِنَّ وَأَرْجَى بَعْضَهُنَّ، فَلَمْ يُنْكَحْنَ بَعْدَهُ، مِنْهُنَّ أُمُّ شَرِيكٍ، يَعْنِي الدَّوْسِيَّةَ6.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ كَانَتْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتِ امْرَأَةً صَالِحَةً7.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَقْبَلَتْ لَيْلَى بِنْتُ الْخَطِيمِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، قال: قد فعلت، فرجعت
__________
1 النش: نصف الأوقية، والأوقية أربعون درهمًا، فالنش عشرون درهمًا.
2 مرسل إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 310".
3 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 310".
4 مرسل.
5 سورة الأحزاب: 51.
6 مرسل: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 323".
7 مرسل.

(1/404)


إِلَى قَوْمِهَا فَقَالَتْ: قَدْ تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: أَنْتِ امْرَأَةٌ غَيْرَى تَغَارِينَ مِنْ نِسَائِهِ فَيَدْعُو عَلَيْكِ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: أَقِلْنِي، قَالَ: "قَدْ أَقَلْتُكِ"1.
وَقَدْ خَطَبَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ، وَضُبَاعَةَ بِنْتَ عَامِرٍ، وَصَفِيَّةَ بِنْتَ بَشَامَةَ وَلَمْ يُقْضَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِنَّ. والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
1 إسناده ضعيف جدًّا: أخرجه ابن سعد في "الطبقات" "4/ 321"، وأبو صالح هو باذام ضعيف، وهشام وأبوه كلاهما متروك.

(1/405)


محتوى الجزء الأول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من تاريخ الإسلام:
الموضوع:
3 مقدمة المحقق.
7 ترجمة الإمام الذهبي.
13 ثناء أهل العلم عليه.
14 ذكر ما أخذ عليه.
15 ابتلاؤه بفقد بصره.
16 وفاته -رحمه الله.
17 رثائه.
18 منهج التحقيق.
السيرة النبوية:
19 ذكر نسب سيد البشر.
23 مولده المبارك -صلى الله عليه وسلم.
28 أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- وكنتيه.
32 ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي قِصَّةِ سَطِيحٍ وَخُمُودِ النيران ليلة المولد وانشقاق الإيوان
36 باب منه.
44 ذكر وفاة والده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عبد المطلب.
47 وقد رعى الغنم.
47 سفره مع عمه -إن صح وخبر بحيرى الراهب.

(1/407)


51 حرب الفجار.
51 شأن جديجة.
53 حَدِيثُ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ وَحُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ قُرَيْشٍ فِي وَضْعِ الحجر الأسود.
61 ومما عصم الله به محمدًا من أمر الجاهلية.
65 ذكر مبعثه -صلى الله عليه وسلم.
72 فَأَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ خَدِيجَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عنها.
73 ومن معجزاته -صلى الله عليه وسلم.
79 إسلام السابقين الأولين.
84 فَصْلٌ فِي دَعْوَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشِيرَتَهُ إِلَى اللَّهِ وَمَا لَقِيَ مِنْ قومه.
97 شعر أبي طالب في معاداة خصومة.
99 إسلام أبي ذر -رضي الله عنه.
103 إسلام حمزة.
103 إسلام عمر -رضي الله عنه.
111 الهجرة الأولى إلى الحبشة ثم الثانية.
121 إسلام ضماد.
121 إسلام الجن.
125 فَصْلٌ فِيمَا وَرَدَ مِنْ هَوَاتِفِ الْجَانِّ وَأَقْوَالِ الكهان.
129 انشقاق القمر.

(1/408)


132 باب ويسألونك عن الروح.
135 ذِكْرُ أَذِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- وللمسلمين.
139 ذكر شعب أبي طالب والصحيفة.
142 باب {إنا كفيناك المستهزئين} .
142 دُعَاءُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قريش بالسنة.
144 ذكر الروم.
146 ثُمَّ تُوُفِّيَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَزَوْجَتُهُ خَدِيجَةُ.
154 ذِكْرُ الْإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- إلى المسجد الأقصى.
162 ذِكْرُ مِعْرَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى السماء.
181 زَوَاجُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَائِشَةَ وَسَوْدَةَ أمي المؤمنين.
183 عَرْضُ نَفْسِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى القبائل.
186 حديث سويد بن الصامت.
187 حديث يوم بعاث.
188 ذكر مبدأ خبر الأنصار والعقبة الأولى.
194 العقبة الثانية.
200 تسمية من شهد العقبة.
203 ذكر أول من هاجر إلى المدينة.
208 سِيَاقُ خُرُوجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة مهاجرًا.
225 فَصْلٌ فِي مُعْجِزَاتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سوى ما مضى في غضون المغازي.

(1/409)


233 فَصْلٌ فِي تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي يَدِهِ -صَلَّى الله عليه وسلم.
249 بَابٌ مِنْ أَخْبَارِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالكوائن بعد فوقعت كما أخبر.
270 باب جامع منه دلائل النبوة.
272 باب آخر سورة نزلت.
273 باب في النسخ والمحو من الصدور.
274 ذكر صفة النبي -صلى الله عليه وسلم.
288 خاتم النبوة.
290 بَابٌ جَامِعٌ مِنْ صِفَاتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
292 حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
302 بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} .
307 باب هيبته وجلاله وحبه وشجاته وقوته وفصاحته.
310 بَابُ زُهْدِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِذَلِكَ يوزن الزهد وبه يحد.
318 فَصْلٌ مِنْ شَمَائِلِهِ وَأَفْعَالِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
321 بَابٌ مِنَ اجْتِهَادِهِ وَعِبَادَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
322 باب من مُزَاحِهِ وَدَمَاثَةِ أَخْلَاقِهِ الزَّكِيَّةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
328 باب في ملابسه -صلى الله عليه وسلم.
338 بَابُ خَوَاتِيمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
341 بَابُ نَعْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخفه.
342 بَابُ مُشْطِهِ وَمِكْحَلَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومرآته وقدحه وغير ذلك.

(1/410)


343 بَابُ سِلَاحِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودوابه وعدته.
351 وَقَدْ سُحِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسم في شواء.
355 بَابُ مَا وُجِدَ مِنْ صُورَةِ نَبِيِّنَا وَصُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ بالشام.
362 بَابٌ فِي خَصَائِصِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتحديثه أمته بها امتثالًا لأمر الله تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث} .
367 بَابُ مَرَضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
407 فهرس الجزء الأول.

(1/411)