تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ط التوفيقية

المجلد الرابع
الطبقة الخامسة: الحوادث من سنة 41 إلى 50
حوادث سنة واحد وأربعين
...
بسم الله الرحمن الرحيم
الطبقة الخامسة: الحوادث من سنة41 إلى 50
حوادث سنة واحد وأربعين:
ويسمى عام الجماعة لاجتماع الأمة فيه عَلَى خَلِيفَةٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مُعَاوِيَةُ.
قَالَ خَلِيفَةُ1: اجْتَمَعَ الْحَسَنُ بْنُ عَلَيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بِمَسْكَنٍ2 وَهِيَ مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَنْبَارِ فَاصْطَلَحَا وَسَلَّمَ الْحَسَنُ الْأَمْرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ أَوْ جُمَادَى الْأُولَى. وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَدَخَلَ الْكُوفَةَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَوْذَبٍ: سَارَ الْحَسَنُ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ يَطْلُبُ الشَّامَ، وَأَقْبَلَ فِي أَهْلِ الشَّامِ فَالْتَقَوْا، فَكَرِهَ الْحَسَنُ الْقِتَالَ، وَبَايَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنْ جَعَلَ الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِهِ لِلْحَسَنِ، فَكَانَ أَصْحَابُ الْحَسَنِ يَقُولُونَ لَهُ: يَا عَارَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُ: الْعَارُ خَيْرٌ مِنَ النَّارِ.
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: بَايَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ الْحَسَنَ بَعْدَ أَبِيهِ، وَأَحَبُّوهُ أَكْثَرَ مِنْ أَبِيهِ.
وَعَن عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَارَ الْحَسَنُ حَتَّى نَزَلَ الْمَدَائِنَ، وَبَعَثَ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى الْمُقَدِّمَّةِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَبَيْنَا الْحَسَنُ بِالْمَدَائِنِ إِذْ نَادَى مُنَادٍ أَلَا إِنَّ قَيْسًا قَدْ قُتِلَ، فَاخْتَبَطَ3 النَّاسُ، وَانْتَهَبَ الْغَوْغَاءُ4 سُرَادِقَ الْحَسَنِ حَتَّى نَازَعُوُه بِسَاطًا تَحْتَهُ، وَطَعَنَهُ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ مِنْ بَنِي أَسَدٍ بِخِنْجَرٍ، فَوَثَبَ النَّاسُ عَلَى الرَّجُلِ فَقَتَلُوهُ، لَا رَحِمَهُ اللَّهُ، وَنَزَلَ الْحَسَنُ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ بِالْمَدَائِنِ، وَكَاتَبَ مُعَاوِيَةَ فِي الصلح.
__________
1 انظر: تاريخ خليفة بن خياط "ص/ 203".
2 مسكن: اسم مكان على نهر دُجيل، عند دير الجاثليق.
3 اختبط: تحير واختلف.
4 أي سرق حثالة الناس ما في خيمة الحسن -رضي الله عنه.

(4/3)


وَقَالَ نَحْوَ هَذَا: أَبُو إِسْحَاقَ، وَالشَّعْبِيُّ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ إِنَّمَا خَلَعَ نَفْسَهُ لِهَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ قَامَ فِيهِمْ فَقَالَ: مَا ثَنَانَا1 عَنْ أَهْلِ الشَّامِ شَكٌّ وَلَا زَيْغٌ، لَكِنْ كُنْتُمْ فِي مُنْتَدَبِكُمْ إِلَى صِفِّينَ وَدِينُكُمْ أَمَامَ دُنْيَاكُمْ، فَأَصْبَحْتُمُ الْيَوْمَ وَدُنْيَاكُمْ أَمَامَ دِينِكُمْ.
وَرُوِيَ أَنَّ الْخِنْجَرَ الَّذِي جُرِحَ بِهِ فِي إِلْيَتِهِ2 كَانَ مَسْمُومًا، فَتَوَجَّعَ مِنْهُ شَهْرًا ثُمَّ عُوفِيَ، وَللَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَالَ أَبُو رَوْقٍ الْهِزَّانِيُّ: ثَنَا أَبُو الْغَرِيفِ قَالَ: لَمَّا رُدَّ الْحَسَنُ إِلَى الْكُوفَةِ وَبَايَعَ مُعَاوِيَةَ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَّا يُقَالُ لَهُ أَبُو عَامِرٍ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: لَسْتُ بِمُذِلِّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَقْتُلَكُمْ عَلَى الْمُلْكِ3.
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْطِهِ لِمُعَاوِيَةَ: إِنَّ عَلَيَّ عِدَاتٍ وَدُيُونًا، فَأَطْلَقَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ نَحْوَ أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ.
وَكَانَ الْحَسَنُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- سَيِّدًا لَا يَرَى الْقِتَالَ، وَقَدْ قَالَ جَدُّهُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ" 4.
وَقَالَ سُكَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ: ثَنَا هِلَالُ بْنُ خَبَّابٍ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ لَوْ لَمْ تَذْهَلْ نَفْسِي عَنْكُمْ إِلَّا لِثَلَاثٍ لَذَهَلْتُ: لِقَتِلكُمْ أَبِي، وَطَعْنِكُمْ فِي فَخِذِي، وَانْتِهَابِكُمْ ثِقْلِي5.
وَلَمَّا دَخَلَ مُعَاوِيَةُ الْكُوفَةَ خَرَجَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْحَوْسَاءِ بِالنُخَيْلَةِ فِي جَمْعٍ، فَبَعَثَ لِحَرْبِهِ خَالِدَ بْنَ عَرْفَطَةَ، فَقَتَلَ ابْنَ أَبِي الْحَوْسَاءِ.
وَفِي جُمَادَى الآخرة خَرَجَ بِنَاحِيَةِ الْبَصْرَةِ سَهْمُ بْنُ غَالِبٍ الْهُجَيْمِيُّ والخطيم
__________
1 ثنانا: منعنا.
2 الإلية: المقعدة.
3 إسناده ضعيف: فيه انقطاع. وأخرجه الحاكم "3/ 175" في مستدركه.
4 حديث صحيح: أخرجه البخاري "3/ 244"، "9/ 71"، وأحمد "5/ 38"، و"5/ 44"، والحميدي "793"، وابن أبي شيبة "12/ 96"، "15/ 96" في مصنفه، والطبراني "3/ 23" في الكبير.
5 تاريخ الطبري "5/ 165".

(4/4)


الْبَاهِلِيُّ، فَقَتَلَا عُبَادَةَ بْنَ قُرْطٍ اللَّيْثِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَاحِيَةِ الْأَهْوَازِ، فَانْتَدَبَ لِحَرْبِهِمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، فَخَافَا وَاسْتَأْمَنَا، فَأَمَّنَهُمَا وَقَتَلَ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِمَا.
وَفِيهَا وَلِيَ عَبْد اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْبَصْرَةَ، وَوَلِيَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْمَدِينَةَ لِمُعَاوِيَةَ. وَحَجَّ بِالنَّاسِ عُتْبَةُ أَخُو مُعَاوِيَةَ. وَفِيهَا غَزَا إِفْرِيقِيَّةَ عُقْبَةُ بْنُ نَافِعٍ الْفِهْرِيُّ.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيُّ، وَحَفْصَةُ أُمُّ المؤمنين، ولبيد الشاعر المشهور، وفيه خلف1.
__________
1 انظر: تاريخ الطبري "5/ 150-171"، الكامل "3/ 400-419"، البداية والنهاية "8/ 10-16".

(4/5)


حوادث سنة اثنتين وأربعين:
فيها تُوُفِّيَ بِخُلْفٍ: الْأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعٍ.
وَالْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ.
وَحَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ.
وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ.
وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ.
وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ.
وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَفِي سَائِرِهِمْ خُلْفٌ..
وَفِيهَا وَجَّهَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ عَلَى إِمْرَةِ سِجِسْتَانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَمِّهِ، وَكَانَ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ مِنَ الشَّبَابِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ، وَقِطْرِيُّ بْنُ الْفُجَاءَةِ، فَافْتَتَحَ زَرَنْجَ1 وَبَعْضَ كُوَرِ الْأَهْوَازِ. وَفِيهَا وَجَّهَ ابْنُ عَامِرٍ رَاشِدَ بْنَ عَمْرٍو إِلَى ثَغْرِ الْهِنْدِ، فَشَنَّ الْغَارَاتِ وَتَوَغَّلَ فِي بِلَادِ السِّنْدِ2.
__________
1 اسم بلدة تتبع سجستان، معجم البلدان "3/ 138".
2 انظر: تاريخ الطبري "5/ 170"، الكامل "3/ 436".

(4/5)


حوادث سنة ثلاث وأربعين:
فيها تُوُفِّيَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعبد اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ الْحَبْرُ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ.
وأقام الحج مروان. وفيها فتح عبد الرحمن بْنُ سَمُرَةَ الرُّخَّجَ1 وَغَيْرَهَا مِنْ بِلَادِ سِجِسْتَانَ. وَفِيهَا افْتَتَحَ عُقْبَةُ بْنُ نَافِعٍ الْفِهْرِيُّ كُوَرًا مِنْ بِلَادِ السُّودَانَ وَوَدَّانَ2 وَهِيَ مِنْ بُرْقَةَ. وفيها شتى3 بسر بن أرطأة بأرض الروم مرابطًا4.
__________
1 الرخج: اسم بلدة من أعمال كابل: معجم البلدان "3/ 38".
2 ودان: اسم بلدة من نواحي جنوبي إفريقية، معجم البلدان "5/ 365".
3 شتى: قضى فترة الشتاء مرابطا.
4 انظر: تاريخ الطبري "5/ 211"، الكامل "3/ 439".

(4/6)


حَوَادِثُ سَنَة أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ:
فِيهَا تُوُفِّيَ عَلَى الصَّحِيحِ: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَيُقَالُ: فِيهَا تُوُفِّيَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ.
وَحَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَمِيرُ. وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أُمُّ حَبِيبَةَ.
وَقُتِلَ بِكَابُلَ أَبُو قَتَادَةَ الْعَدَوِيُّ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ أَبُو رِفَاعَةَ، وَافْتَتَحَهَا ابْنُ سَمُرَةَ.
وَفِيهَا غَزَا الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ أَرْضِ الْهِنْدِ، وَسَارَ إِلَى قِنْدَابِيلَ1، وَكَسَرَ الْعَدُوَّ وَسَلِمَ وَغَنِمَ، وَهِيَ أَوَّلُ غَزَوَاتِهِ.
وَكَانَ مِنْ سَبْيِ كَابُلَ فِيمَا ذَكَرَ خَلِيفَةُ: مَكْحُولٌ، وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَكَيْسَانُ وَالِدُ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَسَالِمٌ الْأَفْطَسُ.
وَفِيهَا اسْتَلْحَقَ مُعَاوِيَةُ زِيَادَ بْنَ أَبِيهِ.
وَفِيهَا حَجَّ مُعَاوِيَةُ بالناس2.
__________
1 اسم مدينة ببلاد السند.
2 انظر: تاريخ الطبري "5/ 214"، والكامل "3/ 441".

(4/6)


حوادث سنة خمس وأربعين:
فيها تُوُفِّيَ: زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ. وَالْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ الْفِهْرِيُّ. وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ. وَحَفْصَةُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِخُلْفٍ1. وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ.
وَفِيهَا عَزَلَ مُعَاوِيَةُ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ عَنِ الْبَصْرَةِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو الْأَزْدِيَّ، ثُمَّ عزل عن قريب، وولى عليها زياد.
وَقُتِلَ سَهْمُ بْنُ غَالِبٍ الْهُجَيْمِيُّ الَّذِي كَانَ قَدْ خَرَجَ فِي أَوَّلِ إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ وَصَلَبَهُ.
وَفِيهَا غَزَا مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ إِفْرِيقِيَّةَ.
وَفِيهَا سَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِوَارٍ الْعَبْدِيُّ فَافْتَتَحَ القيقان2 وغنم وسلم3.
__________
1 الخلف: العوض أو البدل، أو الذرية، وهو المراد ههنا.
2 اسم بلدة من بلاد السند.
3 انظر: تاريخ الطبري "5/ 216"، الكامل "3/ 440".

(4/7)


حَوَادِثُ سَنَة سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ:
فِيهَا تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَقَدْ مَرَّ.
وَفِيهَا عَزَلَ مُعَاوِيَةُ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ عَنْ سِجِسْتَانَ، وَوَلَّاهَا الرَّبِيعَ بْنَ زِيَادٍ الْحَارِثِيَّ، فَخَافَ التُّرْكَ.
وَفِيهَا جَمَعَ كَابُلُ شَاهٍ وَزَحَفَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَحَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ كَابُلَ، ثُمَّ لَقِيَهُمُ الرَّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، وَسَارَ وَرَاءَهُمُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الرُّخَّجِ.
وَفِيهَا شَتَّى الْمُسْلِمُونَ بِأَرْضِ الروم، والله أعلم1.
__________
1 تاريخ الطبري "5/ 226"، الكامل "3/ 453".

(4/7)


حَوَادِثُ سَنَة سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ:
فِيهَا غَزَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُوَارٍ الْعَبْدِيُّ الْقَيْقَانَ، فَجَمَعَ لَهُ التُّرْكُ وَالْتَقَوْا، فَاسْتُشْهِدَ عَبْدُ اللَّهِ، وَسَارَ ذَلِكَ الْجَيْشُ، وَغَلَبَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْقَيْقَانَ وَفِيهَا سَارَ رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ أَطْرَابُلُسَ الْمَغْرِبَ فَدَخَلَ إِفْرِيقِيَّةَ، ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ سَنَتِهِ.
وَأَقَامَ الْمَوْسِمَ عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ.
وَفِيهَا عُزِلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ مِصْرَ وَأُمِّرَ عَلَيْهَا مَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ.
وَفِيهَا شَتَّى مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ بِأَرْضِ الرُّومِ وَفِيهَا تُوُفِّيَ أَهْبَانُ بْنُ أوس، وعتي بن ضمرة1.
__________
1 تاريخ الطبري "5/ 230"، الكامل "3/ 456".

(4/8)


حوادث سنة ثمان وأربعين:
فيها عَزَلَ مُعَاوِيَةُ مَرْوَانَ عَنِ الْمَدِينَةِ وَوَلَّاهَا سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ الْأُمَوِيَّ، وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَّارٍ: انْظُرْ رَجُلًا يَصْلُحُ لِثَغْرِ الْهِنْدِ فَوَجِّهْهُ إِلَيْهِ، قَالَ: فَوَجَّهَ زِيَادٌ سِنَانَ بْنَ سَلَمَةَ بْنَ الْمُحَبِّقِ الْهَذَلِيُّ.
وَفِيهَا قُتِلَ بِالْهِنْدِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ.
وَقِيلَ: تُوُفِّيَ فِيهَا الْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ الْجُعْفِيُّ الْفَقِيهُ صاحب ابن مسعود، وخزيمة الأسدي1.
__________
1 تاريخ الطبري "5/ 231"، الكامل "3/ 456".

(4/8)


حوادث سنة تسع وأربعين:
فيها تُوُفِّيَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَأَبُو بَكْرَةَ الثَّقَفِيُّ فِي قَوْلٍ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْقَيْنِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ.
وَفِيهَا قَتَلَ زِيَادٌ بِالْبَصْرَةِ: الْخَطِيمَ الْبَاهِلِيَّ الْخَارِجِيَّ.
وَفِي وِلَايَةِ الْمُغِيرَةِ عَلَى الْكُوفَةِ خَرَجَ شَبِيبُ بْنُ بَجْرَةَ الْأَشْجَعِيُّ فَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةَ: كَثِيرُ بْنُ شِهَابٍ الْحَارِثِيَّ فَقَتَلَهُ بِأَذْرَبِيجَانَ، وَكَانَ شَبِيبٌ مِمَّنْ شَهِدَ النَّهْرَوَانِ.
وَفِيهَا شَتَّى مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ بِأَرْضِ الروم، وقيل: بل شتاها فضالة بن عبيد الأنصاري. وأقام الحج سعيد بن العاص1.
__________
1 تاريخ الطبري "5/ 223"، الكامل "3/ 460"، البداية والنهاية "8/ 32".

(4/8)


حَوَادِثُ سَنَةِ خَمْسِينَ:
فِيهَا تُوُفِّيَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَهُ جَمَاعَةٌ. وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ. وَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ.
وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ الشَّاعِرُ. وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. وَمِدْلَاجُ بْنُ عَمْرٍو. وَصَفِيَّةُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ..
وَلَمَّا احْتَضَرَ الْمُغِيرَةُ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْكُوفَةِ ابْنَهُ عُرْوَةَ أَوْ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَجَمَعَ مُعَاوِيَةُ الْمِصْرَيْنِ الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ تَحْتَ إِمْرَةِ زِيَادٍ، فَعَزَلَ عَنِ سِجِسْتَانَ الرَّبِيعَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ.
وَفِيهَا أَنْفَذَ مُعَاوِيَةُ عُقْبَةَ بْنَ نَافِعٍ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، فَخَطَّ الْقَيْرَوَانَ وَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَ سِنِينَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: لَمَّا افْتَتَحَ عُقْبَةُ إِفْرِيقِيَّةَ وَوَقَفَ عَلَى مَكَانِ الْقَيْرَوَانِ قَالَ: يَا أَهْلَ الْوَادِي إِنَّا حالون إن شاء الله فاظعنوا1 -ثلاث مرات، قال: فما رأينا حجرا ولا شجرا إلا يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِهِ دَابَّةٌ حَتَّى هَبَطْنَ بَطْنَ الْوَادِي، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: انْزِلُوا بِاسْمِ اللَّهِ2.
وَفِيهَا وَجَّهَ زِيَادٌ: الرَّبِيعَ الْحَارِثِيَّ إِلَى خُرَاسَانَ فَغَزَا بَلْخَ، وَكَانَتْ قَدْ أُغْلِقَتْ بَعْدَ رَوَاحِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْهَا، فَصَالَحُوا الرَّبِيعَ، ثُمَّ غزا الربيع قهستان3 ففتها عُنْوَةً4.
وَفِيهَا فَتَحَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ فَتْحًا بالمغرب، وكان قد جاءه عبد الملك بن مَرْوَانَ فِي مَدَدِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهَذِهِ أَوَّلُ غَزَاةٍ لِعَبْدِ الْمَلِكِ.
وَفِيهَا غَزْوَةُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، كَانَ أَمِيرُ الْجَيْشِ إِلَيْهَا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مَعَهُ وُجُوهُ النَّاسِ، وَمِمَّنْ كَانَ مَعَهُ أَبُو أيوب الأنصاري -رضي الله عنه.
__________
1 أظعنوا: ارحلوا.
2 تاريخ الطبري "5/ 240".
3 قهستان: اسم بلدة من أعمال خراسان تحوطها الجبال، معجم البلدان "4/ 416".
4 عنوة: أي بالقتال والحرب، وليس بالاستسلام.

(4/9)


وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ غَازِيَةٌ وَلَا صَائِفَةٌ، حَتَّى اجْتَمَعُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ، فَأَغْزَى الصَّوَائِفَ وَشَتَّاهُمْ بِأَرْضِ الرُّومِ، ثُمَّ غَزَاهُمُ ابْنُهُ يَزِيدُ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى أَجَازَهُمُ الْخَلِيجَ، وَقَاتَلُوا أَهْلَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ عَلَى بَابِهَا ثُمَّ قَفَلَ رَاجِعًا.
وَفِيهَا دَعَا مُعَاوِيَةُ أَهْل الشَّامِ إِلَى الْبَيْعَةِ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ لِابْنِهِ يَزِيدَ فَبَايَعُوهُ.
وَفِيهَا غَزَا سِنَانُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ الْقَيْقَانَ، فَجَاءَهُ جَيْشٌ عَظِيمٌ مِنَ الْعَدُوِّ، فَقَالَ سِنَانٌ لِأَصْحَابِهِ: أَبْشِرُوا فَإِنَّكُمْ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ: الْجَنَّةِ أَوِ الْغَنِيمَةَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَنَصَرَهُ وَمَا أُصِيبَ مِنَ المسلمين إلا رجل واحد1.
__________
1 تاريخ الطبري "5/ 234"، الكامل "3/ 461

(4/10)


تراجم هذه الطبقة مرتبة على الأحرف:
"حَرْفُ الْأَلِفِ":
1- الْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الأَرْقَمِ1 بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْن عُمَرَ بْن مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيِّ، أَحَدُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَاسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ مَنَافٍ.
اسْتَخْفَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ فِي دَارِهِ، وَهِيَ عِنْدَ الصَّفَا، شَهِدَ بَدْرًا وَعَاشَ إِلَى دَهْرِ مُعَاوِيَةَ، وَسَيَأْتِي.
2- الْأَسْوَدُ بْنُ سَرِيعِ2 بْنِ حِمْيَرِ بْنِ عُبَادَةَ التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ. صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هُوَ أَوَّلُ مَنْ قَصَّ3 بِجَامِعِ الْبَصْرَةِ.
رَوَى عنه: الأحنف بن قيس، والحسين الْبَصْرِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ.
يُقَالُ: توفي سنة اثنتين وأربعين.
__________
1 الطبقات الكبرى "3/ 242"، التاريخ الكبير "2/ 46"، الجرح والتعديل "2/ 309"، الاستيعاب "1/ 107"، أسد الغابة "1/ 95".
23 الطبقات الكبرى "7/ 41"، التاريخ الكبير "1/ 445"، الجرح والتعديل "2/ 291"، الاستيعاب "1/ 92"، الإصابة "1/ 44، 45".
3 قص: من القصص، والقاص: هو الواعظ.

(4/10)


3- أُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ1 بْن الرَّبِيعِ بْن عَبْد العُزَّى بْن عَبْدِ شَمْسٍ الْأُمَوِيَّةُ النَّبَوِيَّةُ، بِنْتُ السَّيِّدَةِ زَيْنَبَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ الَّتِي كَانَ يَحْمِلُهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّلَاةِ.
تَزَوَّجَهَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي إِمْرَةِ عُمَرَ، وَبَقِيَتْ مَعَهُ إِلَى أَنِ اسْتُشْهِدَ وَجَاءَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الْمُغِيرَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَتُوُفِّيَتْ عِنْدَهُ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ لَهُ يَحْيَى.
4- أُهْبَانُ بْنُ أَوْسٍ2، الْأَسْلَمِيُّ أَبُو عُقْبَةَ، مُكَلِّمُ الذِّئْبِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ.
رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا.
5- أُهْبَانُ بْنُ صَيْفِيٍّ -ت ق- الْغِفَارِيُّ3 أَبُو مُسْلِمٍ. نَزَلَ الْبَصْرَةَ. رَوَتْ عَنْهُ عَائِشَةُ، أَنَّ عَلِيًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَتَاهُ بَعْدَ فِتْنَةِ الْجَمَلِ فَقَالَ: مَا خَلَّفَكَ عَنَّا؟! وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ. وَلَهُ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ صَحِيحَةٌ عَنْ بِنْتِهِ، قَالَ لَمَّا احْتَضَرَ: كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيْنِ، فَزِدْنَاهُ ثَوْبًا فَدَفَنَّاهُ فِيهِ، فَأَصْبَحَ ذَلِكَ الْقَمِيصَ مَوْضُوعًا عَلَى الْمِشْجَبِ4.
"حرف الْجِيمِ":
6- جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ، التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ، أَبُو أَيُّوبَ، وَيُقَالُ: أَبُو يَزِيدَ5.
لَهُ صُحْبَةٌ، وَكَانَ بَطَلًا شُجَاعًا شَرِيفًا مُطَاعًا مِنْ كِبَارِ أُمَرَاءِ عَلِيٍّ، شَهِدَ مَعَهُ صِفِّينَ، ثُمَّ وَفَدَ بَعْدَهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ الْأَحْنَفَ.
وَكَانَ سَفَّاكًا فَاتِكًا، وَيُدْعَى مُحَرِّقًا؛ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ وَجَّهَ ابن الحضرمي إلى البصرة بنعي عثمان وليستنفرهم، فَوَجَّهَ عَلِيٌّ جَارِيَةَ هَذَا، فَتَحَصَّنَ مِنْهُ ابْنُ الحضرمي كما
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "8/ 232"، الاستيعاب "4/ 244"، أسد الغابة "5/ 400".
2 التاريخ الكبير "2/ 44"، والجرح والتعديل "3/ 309"، الاستيعاب "1/ 64"، أسد الغابة "1/ 137".
3 التاريخ الكبير "2/ 45" والجرح والتعديل "2/ 309"، أسد الغابة "1/ 138".
4 خبر حسن: أخرجه أحمد "5/ 69"، والطبراني "862"، "864" في الكبير.
5 الطبقات الكبرى "7/ 56"، الجرح والتعديل "2/ 520"، الاستيعاب "1/ 245"، أسد الغابة "1/ 263".

(4/11)


ذَكَرْنَا، فَأَحْرَقَ عَلَيْهِ الدَّارَ، فَاحْتَرَقَ فِيهَا خَلْقٌ.
وَيُرْوَى أَنَّ عَلِيًّا بَلَغَهُ مَا صَنَعَ بُسْرُ بْنُ أَرْطَأَةَ مِنَ السَّفْكِ بِالْحِجَازِ، فَبَعَثَ جَارِيَةَ هَذَا، فَجَعَلَ لَا يَجِدُ أَحَدًا خَلَعَ عَلِيًّا إِلَّا قَتَلَهُ وَحَرَّقَهُ بِالنَّارِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْيَمَنِ، فَسُمِّيَ مُحَرِّقًا1.
7- جَبلَةُ بْنُ الْأَيْهَمِ، أَبُو الْمُنْذِرِ الْغَسَّانِيُّ مَلِكُ آلِ جَفْنَةَ عَرَبِ الشَّامِ2، وَكَانَ يَنْزِلُ الْجَوْلَانَ. كَتَبَ إِلَيْهِ النّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ، وَأَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدِيَّةً، فَلَمَّا كَانَ زَمَنَ عُمَرَ دَاسَ جَبَلَةُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ، فَوَثَبَ الْمُزَنيُّ فَلَطَمَهُ، فَأَخَذَهُ وَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، فَقَالُوا: هَذَا لَطَمَ جَبَلَةَ قَالَ: فَلْيَلْطِمُهُ، قَالُوا: وَمَا يُقْتَلُ وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ؟ قَالَ: لَا، فَغَضِبَ جَبَلَةُ وَقَالَ: بِئْسَ الدِّينُ هَذَا، ثُمَّ دَخَلَ بِقَوْمِهِ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ وَتَنَصَّرَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ إِنَّمَا أَسْلَمَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى تَنَصُّرِهِ، فَلَمْ يُسْلِمْ فِيمَا عَلِمْتُ.
8- جَبَلَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ السَّاعِدِيُّ3. وَهِمَ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: هُوَ أَخُو أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ: فَأَبُو مَسْعُودٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ. شَهِدَ أُحُدًا وَغَيْرَهَا، وَشَهِدَ فَتَحَ مِصْرَ وَصِفِّينَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ فَاضِلًا مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ، وَرَوَى عَنْهُ: ثَابِتُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانَ بِمِصْرَ جَبَلَةُ الْأَنْصَارِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ، جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَةِ رَجُلٍ وَابْنَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: غَزَا جَبَلَةُ بْنُ عَمْرٍو إِفْرِيقِيَّةَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ سَنَةَ خَمْسِينَ.
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: نَفَّلَنَا4 مُعَاوِيَةُ بِإِفْرِيقِيَّةَ فَأَبَى جَبَلَةُ أن يأخذ من النفل شيئًا.
__________
1 خبر ضعيف: أخرجه الطبري "5/ 112" في تاريخه.
2 تاريخ الطبري "3/ 570"، البداية والنهاية "8/ 63"، شذرات الذهب "1/ 27".
3 انظر: التاريخ الكبير "2/ 218"، والجرح والتعديل "2/ 508"، الاستيعاب "1/ 239"، أسد الغابة "1/ 269".
4 نفلنا: النفل الغنيمة، والجمع: أنفال، المعجم الوجيز "ص/ 628".

(4/12)


9- جندب بن كعب1 -ت- بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَنَمٍ الْأَزْدِيُّ الْغَامِدِيُّ الَّذِي قَتَلَ السَّاحِرَ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَكَانَ هَذَا السَّاحِرُ يَقْتُلُ رَجُلًا ثُمَّ يُحْيِيَهُ، وَيَدْخُلُ فِي فَمِ نَاقَةٍ وَيَخْرُجُ مِنْ حَيَاهَا، فَضَرَبَ جُنْدَبُ بْنُ كَعْبٍ عُنُقَهُ ثُمَّ قَالَ: أَحْيِ نَفْسَكَ. وَتَلَا: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3] ، فَرَفَعُوا جُنْدَبًا إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَحَبَسَهُ، فَلَمَّا رَأَى السجان قومه وَصَلَاتَهُ أَطْلَقَهُ.
وَقِيلَ: بَلْ قَتَلَ السَّجَّانُ أَقْرِبَاءُ جُنْدَبٍ وَأَطْلَقُوهُ، فَذَهَبَ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ يُجَاهِدُ، وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَكَانَ شَرِيفًا كَبِيرًا فِي الْأَزْدِ.
وَقِيلَ: بَلِ الَّذِي قَتَلَ السَّاحِرَ جُنْدَبُ الْخَيْرِ الْمَذْكُورُ بَعْدَ السِّتِّينَ.
10- جَعْفَرُ بْنُ أَبِي سفيان، الهاشمي بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ابن ابن عمّ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2.
شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ أَبِيهِ وَثَبَتَا يَوْمَئِذٍ، لَا أَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً. وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: مَاتَ وَسَطَ إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ.
[حرف الْحَاءِ] :
11- حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ رَافِعٍ -وَقِيلَ نَفْعٍ بَدَلَ رَافِعٍ، الْأَنْصَارِيُّ3 الْخَزْرَجِيُّ. أَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا وَبَقِيَ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ.
12- الْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ، الْجُعْفِيُّ4 الْكُوفِيُّ الْعَابِدُ. صَحِبَ عَلِيًّا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، بَلْ رَوَى عَنْهُ خَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: إِذَا كُنْتَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَكَ الشَّيْطَانُ: إنك ترائي، فزدها طولًا.
__________
1 الاستيعاب "1/ 218"، أسد الغابة "1/ 305"، الإصابة "1/ 250".
2 الطبقات الكبرى "4/ 55"، الجرح والتعديل "2/ 480"، والاستيعاب "1/ 213"، وأسد الغابة "1/ 286"، الإصابة "1/ 237".
3 الطبقات الكبرى "3/ 487"، الجرح والتعديل "3/ 253"، وأسد الغابة "1/ 358"، الإصابة "1/ 298".
4 الطبقات الكبرى "6/ 167"، التاريخ الكبير "2/ 279"، الجرح والتعديل "3/ 86"، الحلية "4/ 132".

(4/13)


وَحَكَى عَنْهُ: أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى، وَيَحْيَى بْنُ هَانِئٍ الْمُرَادِيُّ.
قَالَ خَيْثَمَةُ: كَانَ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَكَانُوا مُعْجَبِينَ به، كان يجلس إليه الرجل والرجلان فيحدثهما، فإذا كثروا قام وتركهم1.
وقال حَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ: كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ سِتَّةٌ: عَلْقَمَةٌ، وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسٍ، وَالْأَسْوَدُ، وَعُبَيْدَةُ، وَمَسْرُوقٍ، وَعَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلٍ.
قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: قُتِلَ الْحَارِثُ مَعَ عَلِيٍّ. وَأَمَّا خَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: صَلَّى عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
13- حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقُرَشِيُّ2 -د ق- الْفِهْرِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ.
رَوَى عَنْهُ زِيَادُ بْنُ جَارِيَةَ فِي النَّفْلِ3. وَهُوَ الَّذِي افْتَتَحَ أَرْمِينِيَّةَ زَمَنَ عُثْمَانَ، ثُمَّ كَانَ مِنْ خَوَاصِّ مُعَاوِيَةَ، وَلَهُ مَعَهُ آثَارٌ مَحْمُودَةٌ شَكَرَهَا لَهُ مُعَاوِيَةُ4.
يُرْوَى أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: يَا حَبِيبُ رُبَّ مَسِيرٍ لَكَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ، قَالَ: أَمَّا إِلَى أَبِيكَ فَلَا، قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ، وَلَقَدْ طَاوَعْتَ مُعَاوِيَةَ عَلَى دُنْيَاهُ وَسَارَعْتَ فِي هَوَاهُ، فَلَئِنْ كَانَ قَامَ بِكَ فِي دُنْيَاكَ لَقَدْ قَعَدَ بِكَ فِي دِينِكَ، فَلَيْتَكَ إِذْ أَسَأْتَ الْفِعْلَ أَحْسَنْتَ الْقَوْلَ.
قِيلَ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، قِيلَ: لَمْ يَبْلُغُ الْخَمْسِينَ، وَكَانَ شَرِيفًا مُطَاعًا معظمًا.
14- حُجْر بن يزيد الكندي بْنِ سَلَمَةَ الْكِنْدِيُّ5 الْمَعْرُوفُ بِحُجْرِ الشَّرِّ؛ لِأَنَّهُ كان شريرًا.
__________
1 خبر صحيح: وأخرجه أبو نعيم في الحلية، والمزي "4/ 273" في تهذيب الكمال.
2 الطبقات الكبرى "7/ 409"، التاريخ الكبير "2/ 310"، الجرح والتعديل "3/ 108"، أسد الغابة "1/ 374"، الإصابة "1/ 309".
3 حديث صحيح: أخرجه أبو داود "2750"، وأحمد "4/ 159، 160"، والحميدي "871"، وابن ماجه "2851"، وابن حبان "1672"، والحاكم "2/ 133"، والطبري "3518"، "3519"، "3520"، وغيرها في الكبير، ونصه قال حبيب بن مسلمة -رضي الله عنه: "شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- نفل الربع في البدأة، والثلث في الرجعة".
4 السير "3/ 189".
5 انظر: تاريخ الطبري "5/ 263، 264"، أسد الغابة "1/ 387"، الكامل "3/ 476"، الإصابة "1/ 315".

(4/14)


وَقَالُوا فِي حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ: حُجْرُ الْخَيْرِ.
له وفادة على النبي -صلى الله عليه وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْيَمَنِ، ثُمَّ نَزَلَ الْكُوفَةَ، وَشَهِدَ الْحَكَمَيْنِ، ثُمَّ وَلَّاهُ مُعَاوِيَةُ أَرْمِينِيَّةَ.
15- الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ، بْنِ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، أَبُو مُحَمَّدَ الْهَاشِمِيُّ السَّيِّدُ، رَيْحَانَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وابن ابنته السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ1.
وُلِدَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ: فِي نِصْفِ رَمَضَانَ مِنْهَا. قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ، لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ الْحَسَنُ، وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ السَّعْدِيُّ، وَآخَرُونَ.
وَكَانَ يُشْبِهُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ وَأَنَسٌ فِيمَا صَحَّ عَنْهُمَا2، وَقَدْ رَآهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَلْعَبُ فَأَخَذَهُ وَحَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَقَالَ:
بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ ... لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِيِّ3
وَعَلِيٌّ يَبْتَسِمُ.
وَقَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُنِي وَالْحَسَنَ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا" 4. وَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بين فئتين من المسلمين" 5. أخرجه البخاري.
__________
1 انظر: الاستيعاب "383"، أسد الغابة "2/ 9"، الكامل "3/ 460"، وفيات الأعيان "2/ 65"، الإصابة "1/ 328".
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "6/ 411" من حديث أبي جحيفة، والترمذي "3778" من حديث أنس -رضي الله عنه.
3 خبر صحيح: أخرجه البخاري "7/ 75"، والحاكم "3/ 168"، والطبراني "2527" في الكبير.
4 حديث صحيح: أخرجه البخاري "7/ 70"، وأحمد "5/ 210"، وابن سعد "4/ 62" في الطبقات الكبرى، والترمذي "3871".
5 حديث صحيح: أخرجه البخاري "7/ 74"، وأحمد "5/ 38، 44، 49"، وأبو داود "4662"، والترمذي "3775"، والنسائي "3/ 107"، والحاكم "3/ 174، 175".

(4/15)


وقال يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ" 1.
صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى شَيْءٍ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ حَدِيثِي قُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَنْتَ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهِ؟ فَكَشَفَ فَإِذَا حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَى وِرْكَيْهِ، فَقَالَ: "هَذَانِ ابْنَايَ وَابْنَا ابْنَتِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا"2.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
قُلْتُ: رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، مَدَنِيٌّ مَجْهُولٌ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ النَّبَّالِ -وَهُوَ مَجْهُولٌ أَيْضًا- عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ كَالْمَجْهُولِ -عَنْ أَبِيهِ، وَمَا أَظُنُّ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ ذِكْرٌ فِي رِوَايَةٍ إِلَّا فِي هَذَا الْوَاحِدِ، تَفَرَّدَ بِهِ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ، عن عبد الله. وتحسين الترمذي لايكفي فِي الِاحْتِجَاجِ بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِنَا مِنْ حَدِيثٍ حَسَنٍ، فَإِنَّمَا أَرَدْنَا بِحُسْنِ إِسْنَادِهِ عِنْدَنَا كُلَّ حَدِيثٍ لَا يَكُونُ إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ وَلَا يَكُونُ الْحَدِيثُ شَاذًّا، وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوَ ذَلِكَ فَهُوَ عِنْدَنَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ أَهْلِ بَيْتِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: "الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ" وَكَانَ يَقُولُ لِفَاطِمَةَ: "ادْعِي لِي ابْنَيَّ، فَيَشُمَّهُمَا وَيَضُمَّهُمَا إِلَيْهِ"3.
حَسَّنَةُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ مَيْسَرَةُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ: سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "هَذَا مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلْ إِلَى الْأَرْضِ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يُسَلِّمَ
__________
1 حديث صحيح: أخرجه أحمد "3/ 3، 62، 84"، والترمذي "3768"، والحاكم "3/ 166، 167" وصححه، وأقره الذهبي، والطبراني "2610" في الكبير، وله شواهد كثيرة.
2 حديث ضعيف: أخرجه الترمذي "3769".
3 حديث ضعيف: أخرجه الترمذي "3772".

(4/16)


علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ" 1.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاضِعًا الْحَسَنَ عَلَى عَاتِقِهِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ" 2.
وصحح أيضا بهذا السند أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبصر الحسن والحسين فقال: "اللهم إني أحبهما فأحبهما" 3.
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيِّ الْحَسَنِ وَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ4.
قَابُوسُ: حَسَنُ الْحَدِيثِ.
وَمَنَاقِبُ الْحَسَنِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَثِيرَةٌ، وَكَانَ سَيِّدًا حَلِيمًا ذَا سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَحِشْمَةٍ، كَانَ يَكْرَهُ الْفِتَنَ وَالسَّيْفَ، وَكَانَ جَوَادًا مُمَدَّحًا، تَزَوَّجَ سَبْعِينَ امْرَأَةً وَيُطَلِّقُهُنَّ، وَقَلَّمَا كَانَ يُفَارِقُهُ أَربَعُ ضَرَائِرَ5.
وَعَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ لَا تُزَوِّجُوا الْحَسَنَ فَإِنَّهُ رَجُلٌ مِطْلَاقٌ، فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ لَنُزَوِّجَنَّهُ، فَمَا رَضِيَ أَمْسَكَ، وَمَا كَرِهَ طَلَّقَ6.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: تَزَوَّجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ امْرَأَةً فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِمِائَةِ جَارِيَةٍ، مَعَ كُلِّ جَارِيَةٍ ألف درهم7.
__________
1 حديث حسن: أخرجه أحمد "5/ 391"، والترمذي "3781"، والحاكم "3/ 151"، وصححه، وأقره الذهبي، وابن حبان "2229" مختصرًا.
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "7/ 75"، ومسلم "2422"، والترمذي "3782".
3 حديث صحيح: أخرجه البخاري "7/ 70"، وأحمد "5/ 210"، والترمذي "3882".
4 حديث حسن: أخرجه الطبراني "2658" في الكبير، وقال الهيثمي في المجمع "9/ 186": إسناده حسن.
5 السير "3/ 253".
6 السابق.
7 أخرجه أبو نعيم "2/ 38" في حلية الأولياء، وأورده المصنف في "السير" "3/ 253".

(4/17)


وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّ الْحَسَنَ كَانَ يُجِيزُ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ1.
وَقَالَ غَيْرُهُ: حَجَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةٍ2.
وَقِيلَ: إِنَّهُ حَجَّ أَكْثَرَهُنَّ مَاشِيًا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَإِنَّ نَجَائِبَهُ تُقَادُ مَعَهُ3.
وَقَالَ جَرِيرٌ: بَايَعَ أَهْلُ الْكُوفَةِ الْحَسَنَ وَأَحَبُّوهُ أَكْثَرَ مِنْ أَبِيهِ4.
رَوَى الْحَاكِمُ فِي "مُسْتَدْرَكِهِ" مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيِّ: حَدَّثَنَا زَمْعَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ حَمَلَ الْحَسَنَ عَلَى كَتِفِهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: نِعْمَ الْمَرْكَبُ رَكِبْتَ يَا غُلَامُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَنِعْمَ الرَّاكِبُ هُوَ"5.
شُعْبَةُ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّكَ تُرِيدُ الْخِلَافَةِ، فَقَالَ: قد كَانَتْ جَمَاعَةُ الْعَرَبِ فِي يَدِي، يُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ وَيُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ، تَرَكْتُهَا ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّهِ وَحَقْنَ دِمَاءِ الْأُمَّةِ، ثُمَّ أَبْتَزُّهَا بِأَتْيَاسِ أَهْلِ الْحِجَازِ6.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: ثَنَا أَبُو مُوسَى: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبٍ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّيَ أَوْ تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا7. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ -وَكَانَ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، مَنْ لِي بِذَرَارِيهِمْ، مَنْ لِي بِأُمُورِهِمْ، مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ؟ قَالَ: فَبَعَثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، فَصَالَحَ الْحَسَنُ مُعَاوِيَةَ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ لَهُ، وَبَايَعَهُ بِالْخِلَافَةِ عَلَى شُرُوطٍ وَوَثَائِقَ، وَحَمَلَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ مَالًا، يُقَالُ: خَمْسَمِائَةِ أَلْفٍ فِي جُمَادَى الْأُولَى سنة إحدى وأربعين.
__________
1 السير "3/ 253".
2 السير "3/ 253".
3 السابق.
4 السير "3/ 263".
5 حديث ضعيف: أخرجه الترمذي "2784"، والحاكم "3/ 170" فيه زمعة بن صالح، وهو متفق على تضعيفه.
6 خبر صحيح: أخرجه الحاكم "3/ 170"، وأبو نعيم "2/ 36، 37" في الحلية.
7 أقرانها: أندادها، والنظراء أو الأمثال.

(4/18)


وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ: قَدِمَ الْحَسَنُ فَاجْتَمَعَ بِمُعَاوِيَةَ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ إِلَيْهِ الْخِلَافَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: لَأُجِيزَنَّكَ بِجَائِزَةٍ مَا أَجَزْتُ بِهَا أَحَدًا قَبْلَكَ وَلَا أُجِيزُ بِهَا أَحَدًا بَعْدَكَ، فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ، ثُمَّ إِنَّ الْحَسَنَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- رَجَعَ بِآلِ بَيْتِهِ مِنَ الْكُوفَةِ ونزل المدينة.
قال ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: عُدْنَا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَقَامَ وَخَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ قَدْ لَفَظْتُ طَائِفَةً1 مِنْ كَبِدِي قَلّبْتُهَا بِعُودٍ، وَإِنِّي قَدْ سُقِيتُ السُّمَّ مِرَارًا فَلَمْ أُسْقَ مِثْلَ هَذَا قَطُّ، فَحَرَّضَ بِهِ الْحُسَيْنُ أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ سَقَاهُ، فَلَمْ يُخْبِرْهُ وَقَالَ: اللَّهُ أَشَدُّ نِقْمَةً إِنْ كَانَ الَّذِي أَظُنُّ، وَإِلَّا فَلَا يقتل بي، والله، بريء2.
وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: لَمْ أُسْقَ مِثْلَ هَذِهِ الْمَرَّةَ.
وَقَالَ حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَوْفٍ الجرشي قال: لما بايع الحسن معاوية قال لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ: لَوْ أَمَرْتَ الْحَسَنَ فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ فَتَكَلَّمَ عَيِيَ عن المنطق، فيزهد فيه الناس، فقال معاوية: لا تفعلوا، فوالله لقد رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمص لسانه وشفته، وَلَنْ يَعْيَا لِسَانٌ مَصَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ شَفَةٌ، قَالَ: فَأَبُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَصَعَدَ مُعَاوِيَةُ الْمِنْبَرَ، ثُمَّ أَمَرَ الْحَسَنَ فَصَعَدَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ: إِنِّي قَدْ بَايَعْتُ مُعَاوِيَةَ، فَصَعَدَ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ هَدَاكُمْ بِأَوَّلِنَا، وَحَقَنَ دِمَاءَكُمْ بِآخِرِنَا، وَإِنِّي قَدْ أَخَذْتُ لَكُمْ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ يَعْدِلَ فِيكُمْ وَأَنْ يُوَفِّرَ عَلَيْكُمْ غَنَائِمَكُمْ، وَأَنْ يُقَسِّمَ فِيكُمْ فَيْأَكُمْ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: أَكَذَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
ثُمَّ هَبَطَ مِنَ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأنبياء: 111] فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالُوا: لَوْ دَعَوْتَهُ فَاسْتَنْطَقْتَهُ يَعْنِي اسْتَفْهَمْتَهُ مَا عَنِيَ بِالْآيَةِ، فَقَالَ: مَهْلًا، فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَدَعَوْهُ فَأَجَابَهُمْ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَمْرُو، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: أَمَّا أَنْتَ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيكَ رَجُلَانِ، رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَادَّعَيَاكَ، فَلَا أَدْرِي أَيُّهُمَا أَبُوكَ، وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْأَعْوَرِ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: ألم يعلن رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَعْلًا وذكوان وعمرو بنت سُفْيَانَ3، وَهَذَا اسْمُ أَبِي الْأَعْوَرِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يُعِينُهُمَا، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: أَمَا علمت أن رسول الله
__________
1 طائفة: قطعة.
2 خبر صحيح: أخرجه أبو نعيم "2/ 38"، وأورده المصنف "3/ 273" في السير.
3 أسماء قبائل غدرت بقراء القرآن في بئر معونة.

(4/19)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَنَ قَائِدَ الْأَحْزَابِ وَسَائِقَهُمْ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَبُو سُفْيَانَ وَالْآخَرُ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيِّ1.
زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: ثَنَا أَبُو رَوْقٍ الْهِزَّانِيُّ، ثَنَا أَبُو الْغَرِيفِ قَالَ: كُنَّا فِي مُقَدِّمَةِ الْحَسَنِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا تَقْطِرُ سُيُوفُنَا مِنَ الْجِدَةِ عَلَيْهِ2، فَقَالَ الشَّامِيُّونَ: فَلَمَّا أَتَانَا صُلْحُ الْحَسَنِ لِمُعَاوِيَةَ كَأَنَّمَا كُسِرَتْ ظُهُورُنَا مِنَ الْغَيْظِ، قَالَ: وَقَامَ سُفْيَانُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: لَا تَقُلْ ذَاكَ، إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَقْتُلَكُمْ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ3.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: قَالَ قَتَادَةُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ: سَمَّ الْحَسَنَ زَوْجَتُهُ بِنْتُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَانَ ذَلِكَ بِتَدْسِيسِ مُعَاوِيَةَ إِلَيْهَا، وَبَذَلَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ لَهَا ضَرَائِرَ.
قُلْتُ: هَذَا شَيْءٌ لَا يَصِحُّ فَمَنِ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَيْهِ؟.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رُوِينَا مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهُ لَمَّا احْتَضَرَ قَالَ: يَا أَخِي إِيَّاكَ أَنْ تَسْتَشْرِفَ4 لِهَذَا الْأَمْرَ فَإِنَّ أَبَاكَ اسْتَشْرَفَ لِهَذَا الْأَمْرِ فَصَرَفَهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ اسْتَشْرَفَ لَهَا فَصُرِفَتْ عَنْهُ إِلَى عُمَرَ، ثُمَّ لَمْ يَشُكَّ وَقْتَ الشُّورَى أنَّهَا لَا تَعْدُوهُ، فَصُرِفَتْ عَنْهُ إِلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بُويِعَ، ثُمَّ نُوزِعَ حَتَّى جَرَّدَ السَّيْفَ، فَمَا صَفَتْ لَهُ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ فِينَا النُّبُوَّةَ وَالْخِلَافَةِ، فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا اسْتَخَفَّكَ سُفَهَاءُ الْكُوفَةِ فَأَخْرَجُوكَ، وَقَدْ كُنْتُ طَلَبْتُ إِلَى عَائِشَةَ أَنْ أُدْفَنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهَا حَيَاءً، فَإِذَا مَا مِتُّ فَاطْلُبْ ذَلِكَ إِلَيْهَا، وَمَا أَظُنُّ الْقَوْمَ إِلَّا سَيَمْنَعُونَكَ، فَإِنْ فَعَلُوا فَلَا تُرَاجِعَهُمْ. فَلَمَّا مَاتَ أَتَى الْحُسَيْنُ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: نَعَمْ وَكَرَامَةٌ، فَمَنَعَهُمْ مَرْوَانُ، فَلَبِسَ الْحُسَيْنُ وَمَنْ مَعَهُ السلاح
__________
1 خبر صحيح: وأخرجه ابن سعد كما في "البداية" "8/ 42"، وأورده الذهبي في السير "3/ 272"، وانظر: تهذيب تاريخ دمشق "4/ 224، 225" لابن بدران.
2 الخوف عليه.
3 خبر صحيح: أخرجه الحاكم "3/ 175"، وأورده المصنف "3/ 272"، في السير.
4 تستشرق: تتطلع إليها.

(4/20)


حَتَّى رَدَّهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، ثُمَّ دُفِنَ فِي الْبَقِيعِ إِلَى جَنْبِ أُمِّهِ، وَشَهِدَهُ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ وَهُوَ الْأَمِيرُ، فَقَدَّمَهُ الْحُسَيْنُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ1.
تُوُفِّيَ الْحَسَنُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلَ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَرَّخَهُ فِيهَا الْمَدَائِنِيُّ، وَخَلِيفَةُ الْعُصْفُرِيُّ، وَهِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيُّ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، وَالْغُلَابِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ بِالْمَدِينَةِ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ2.
16- الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الغفاري -خ4-، أَخُو رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو3، وَإِنَّمَا هُمَا مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ أَخِي غِفَارٍ. لِلْحَكَمِ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَنَزَلَ الْبَصْرَةَ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا فَاضِلًا، قَدْ وَلِيَ غَزْوَ خُرَاسَانَ فَسَبَاهُمْ وَغَنِمَ، وَتُوُفِّيَ بِمَروٍ.
وَرَوَى عَنْهُ: أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَسَوَادَةُ بْنُ عَاصِمٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ.
وَكَانَ مَحْمُودُ السِّيرَةِ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: سَنَة خَمْسِينَ.
هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ: إِنَّ زِيَادًا بَعَثَ الْحَكَمَ بْنَ عَمْرٍو عَلَى خُرَاسَانَ، فَأَصَابُوا غَنَائِمَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لَا تُقَسِّمَ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: بِاللَّهِ لَوْ كَانَتِ السماوات وَالْأَرْضُ رَتْقًا4 عَلَى عَبْدٍ فَاتَّقَى اللَّهَ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَخْرَجًا، وَالسَّلَامُ5.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ نَظَرَ إِلَى الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ خَضَبَ بِصُفْرَةٍ فَقَالَ: هَذَا خِضَابُ أَهْلِ الإيمان6.
__________
1 أخرجه ابن عبد البر "1/ 376، 377"، في الاستيعاب، وأورده المصنف "3/ 278" في السير.
2 السير "3/ 277"، والاستيعاب "1/ 376، 377".
3 الطبقات الكبرى "7/ 28"، التاريخ الكبير "2/ 328"، الجرح والتعديل "3/ 119"، أسد الغابة "2/ 40"، السير "2/ 474"، الإصابة "2/ 273".
4 رتقًا: شيئا واحدا ملتئمًا.
5 خبر صحيح: أخرجه ابن سعد "7/ 28، 29" في الطبقات الكبرى، والحاكم "3/ 442" في المستدرك.
6 خبر ضعيف: أخرجه أحمد "5/ 67"، السير "2/ 475".

(4/21)


17- حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ -ع- بِنْتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ1.
تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَنَة ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي2 مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيُرْوَى أنَّهَا وُلِدَتْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسِ سِنِينَ. لَهَا عِدَّةُ أَحَادِيثَ.
رَوَى عَنْهَا: أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمر، وحارثة بن وهب الخزاعي، وشتير بن شَكَلٍ، وَالْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ الْجُمَحِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَأُمُّهُمَا -أَعْنِي حَفْصَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ- هِيَ زَيْنَبُ أُخْتُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ. وَكَانَتْ حَفْصَةُ قَبْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، أَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا تَأَيَّمَتْ عَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَغَضِبَ عُمَرُ، ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: لَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ الْيَوْمَ، فَشَكَاهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: تَتَزَوَّجُ حَفْصَةُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ عُثْمَانَ، وَيَتَزَوَّجُ عُثْمَانُ مَنْ هِيَ خَيْرٌ مِنْ حَفْصَةَ، ثُمَّ خَطَبَهَا مِنْهُ فَزَوَّجَهُ عُمَرُ، ثُمَّ لَقِيَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ فَقَالَ: لَا تجِدْ عَلِيَّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ ذَكَرَ حَفْصَةَ فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّهُ، فَلَوْ تَرَكَهَا لَتَزَوَّجْتُهَا3.
عَفَّانُ وَجَمَاعَةٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: أَنْبَأَ أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَّقَ حَفْصَةَ، فَأَتَاهَا خَالَاهَا عُثْمَانُ وَقُدَامَةُ ابْنَا مَظْعُونٍ، فَبَكَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا طَلَّقَنِي عَنْ شَبَعٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَتَجَلْبَبَتْ فَقَالَ: "إِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ: رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ" 4. حَدِيثٌ مُرْسَلٌ قَوِيُّ الْإِسْنَادِ.
هُشَيْمٌ: أَنْبَأَ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا طَلَّقَ حَفْصَةَ أُمِرَ أَنْ يُرَاجِعْهَا5.
عَبْد اللَّه بْن عُمَر، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ أَوْصَى إِلَى حَفْصَةَ.
مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: طلق رسول الله
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "8/ 81"، والمستدرك "4/ 14، 15"، الاستيعاب "4/ 1811"، وأسد الغابة "7/ 65"، السير "2/ 227"، الإصابة "12/ 197".
2 تساميني: تشبهني، أو تماثلني أو تساويني.
3 حديث صحيح: أخرجه البخاري "9/ 152"، وابن سعد "8/ 82" في طبقاته.
4 حديث صحيح: أخرجه أبو داود "2283"، والنسائي "6/ 213"، وابن ماجه "6/ 201"، والحاكم "4/ 15"، وابن سعد "8/ 84" في طبقاته، وله شواهد.
5 حديث حسن لغيره: أخرجه الطبراني في الأوسط كما في المجمع "9/ 244"، والحاكم "4/ 15" وفيه ابن أبي جعفر، وهو من الضعفاء، وله شواهد.

(4/22)


-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَفْصَةَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ، فَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ وَقَالَ: مَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِعُمَرَ وَابْنَتَهُ بَعْدَهَا، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُرَاجِعَ حَفْصَةَ رَحْمَةً لِعُمَرَ"1.
وَفِي رِوَايَةٍ: "وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ"2. رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ.
تُوُفِّيَتْ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا مَرْوَانُ وَهُوَ وَالِي الْمَدِينَةَ.
قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ3.
18- حَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، -م ت ن ق- بن صيفي التميمي الحنظلي الأسيدي الْكَاتِبُ4، كَاتِبَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي حَكِيمِ الْعَرَبِ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيِّ.
كَانَ حَنْظَلَةُ مِمَّنِ اعْتَزَلَ الْفِتْنَةَ، وَكَانَ بِالْكُوفَةِ، فَلَمَّا شَتَمُوا عُثْمَانَ انْتَقَلَ إِلَى قَرْقِيسْيَاءَ5.
رَوَى عَنْهُ: مُرَقَّعُ بْنُ صَيْفِيِّ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، وَالْحَسَنُ، وَغَيْرُهُمْ.
"حرف الْخَاءِ":
19- خُرَيْمُ بْنُ فاتك6 -4- أبو أيمن الأسدي، فاسم أبيه الأخرم بن شداد، وخريم هو أخو سبرة، والده فَاتِكٌ. قِيلَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ كَعْبٍ.
__________
1 حديث صحيح لغيره: أخرجه الطبراني كما في المجمع "9/ 244".
2 انظر السابق.
3 الطبقات الكبرى "8/ 86"، والسير "2/ 229".
4 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 55"، والتاريخ الكبير "3/ 36"، الجرح والتعديل "3/ 239"، الاستيعاب "1/ 279"، أسد الغابة "2/ 58"، الإصابة "1/ 359".
5 قرقيسياء: اسم بلدة في أقصى العراق.
6 الطبقات الكبرى "6/ 38"، التاريخ الكبير "3/ 224"، الجرح والتعديل "3/ 400"، الحلية "1/ 363"، أسد الغابة "2/ 112".

(4/23)


رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ فَاتِكٌ، وَوَابِصَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْمَعْرُورُ بْنُ سُوَيْدٍ، وَشِمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ.
وَنَزَلَ الرَّقَّةَ، وَبِهَا تُوُفِّيَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ.
رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ يَا خُرَيْمُ لَوْلَا خُلَّتَيْنِ فِيكَ"، قُلْتُ: وَمَا هُمَا؟ قَالَ: "إِسْبَالُكَ إِزَارِكَ وَإِرْخَاؤُكَ شَعْرِكَ" 1. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ: خُرَيْمُ بْنُ فَاتِكٍ شَهِدَ بَدْرًا، وَقَالَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: كُنْيَتُهُ أَبُو يَحْيَى2.
"حرف الدَّالِ":
20- دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ، -د- بن فَرْوَةَ بْنِ فَضَالَةَ الْكَلْبِيُّ القُضَاعِيُّ3.
أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكِتَابِهِ إِلَى قَيْصَرَ، وَلَهُ أَحَادِيثَ.
رَوَى عَنْهُ: الشَّعْبِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَخَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَمَنْصُورُ ابن سَعِيدٍ.
وَكَانَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَمِيرًا عَلَى كُرْدُوسٍ4، ثُمَّ سَكَنَ الْمِزَّةَ5.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَسْلَمَ دِحْيَةُ قَبْلَ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْهَا وَكَانَ يُشَبَّهُ بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَقِيَ إِلَى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ6.
وَقَالَ عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يقول: "يأتيني
__________
1 حديث صحيح: أخرجه أحمد "4/ 321، 322، 345"، والطبراني "4156"، "4157"، "4158"، "4159"، "4160" في الكبير.
2 التاريخ الكبير "3/ 244".
3 انظر الطبقات الكبرى "4/ 249"، وتاريخ الطبري "2/ 582، 583"، أسد الغابة "2/ 130"، الجرح والتعديل "3/ 439"، الاستيعاب "2/ 461"، الإصابة "3/ 191".
4 كردوس: كتيبة من الخيل.
5 المزة: قرية من قرى دمشق، تقع في الجنوب الغربي منها.
6 الطبقات الكبرى "4/ 249".

(4/24)


جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ" 1. وَكَانَ دِحْيَةُ رَجُلًا جَمِيلًا.
وَقَالَ رَجُلٌ لِعَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ: أَجْمَلُ النَّاسِ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: بَلْ أَجْمَلُ النَّاسِ مَنْ يَنْزِلُ جِبْرِيلُ عَلَى صُورَتِهِ، يعني دحية.
وقال ابن قتيبة عن حديث ابن عباس: كان دحية إذا قَدِمَ لَمْ تَبْقَ مُعْصِرٌ إِلَّا خَرَجَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ2.
الْمُعْصِرُ: هِيَ الَّتِي دَنَتْ مِنَ الْحَيْضِ، وَيُقَالُ: هِيَ الَّتِي أَدْرَكَتْ.
"حرف الرَّاءِ":
21- رُكَانَةُ بن عبد يزيد، -ت ق- بن هَاشِمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافَ بْنِ قُصَيٍّ الْمُطَّلِبِيُّ3.
مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، لَهُ صُحْبَةٌ ورواية.
روى عنه: ابنه يزيد وغيره.
وهو الَّذِي صَارَعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ أَشَدَّ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنْ صَرَعْتَنِي آمَنْتُ بِكَ، فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ سَاحِرٌ4.
وَلَمَّا أَسْلَمَ أَعْطَاهُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْسِينَ وَسْقًا بِخَيْبَرَ، وَسَكَنَ الْمَدِينَةَ وَبِهَا تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ.
22- رُوَيْفِعُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ -د ت ن- النجاري5.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه أحمد "2/ 107"، والنسائي كما في الإصابة "3/ 191"، والطبراني في الأوسط كما في المجمع "9/ 378".
2 إسناده ضعيف: وأخرجه ابن عساكر في تاريخه كما في تهذيب تاريخ دمشق "5/ 223"، ورده بأن فيه الحسين الحنفي، وهو صاحب مناكير.
3 انظر: المعجم الكبير "4/ 67"، وأسد الغابة "2/ 187، 188"، والإصابة "1/ 520".
4 حديث ضعيف: أخرجه أبو داود "4060"، والترمذي "1844"، والطبراني "4614" في الكبير، وقال الترمذي: حديث غريب، وليس إسناده بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني، ولا ابن ركانة.
5 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 354"، والجرح والتعديل "3/ 520"، وأسد الغابة "2/ 191"، الإصابة "1/ 522".

(4/25)


لَهُ صُحْبَةٌ، شَهِدَ فَتَحَ مِصْرَ، وَرَوَى أَحَادِيثَ.
روى عنه: حنش الصنعاني، وبشر بن عبد اللَّهِ، وَمُرْثَدٌ الْيَزَنِيُّ. وَوَلِيَ غَزْوَ إِفْرِيقِيَّةَ لِمُعَاوِيَةَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ: تُوُفِّيَ بِبُرْقَةَ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَيْهَا، رَأَيْتُ قَبْرَهُ بِبُرْقَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
"حرف الزَّايِ":
23- زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ -ق- بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانٍ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَزْرَجِيِّ1.
أَحَدُ بَنِي بَيَاضَةَ، شَهِدَ بَدْرًا وَالْعَقَبَةَ، وَكَانَ لَبِيبًا فَقِيهًا، وَلِيَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَضْرَمَوْتَ، وَلَهُ أَثَرٌ حَسَنٌ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ2.
رَوَى عَنْهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ -وَمَاتَ قَبْلَهُ، وَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، وَسَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ، وَرِوَايَتُهُ مُرْسَلَةٌ.
وَقَدْ كَانَ أَسْلَمَ وَسَكَنَ مَكَّةَ ثُمَّ هَاجَرَ، فَهُوَ أَنْصَارِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ.
لَهُ حَدِيثٌ فِي ذِهَابِ الْعِلْمِ. قَالَ خَلِيفَةُ: مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ3.
24- زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ -ع- بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ أَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو خَارِجَةَ الْأَنْصَارِيِّ النَّجَّارِيُّ الْمُقْرِئُ الْفَرَضِيُّ، كَاتِبُ الْوَحْيِ4.
قُتِلَ أَبُوه يَوْمَ بُعَاثٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَزَيْدٌ صَبِيُّ ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَأَسْلَمَ وَتَعَلَّمَ الْخَطَّ الْعَرَبِيَّ وَالْخَطَّ الْعِبْرَانِيَّ، وَكَانَ فَطِنًا ذَكِيًّا إِمَامًا في القرآن إمامًا في الفرائض.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "3/ 598"، والجرح والتعديل "3/ 543"، وأسد الغابة "2/ 317"، والإصابة "1/ 558"، والمستدرك "3/ 590".
2 انظر: المعجم الكبير "5289" للطبراني.
3 طبقات خليفة "101".
4 انظر: الطبقات الكبرى "2/ 358"، والجرح والتعديل "3/ 558"، أسد الغابة "2/ 221-223"، وتذكرة الحافظ "1/ 30"، الإصابة "1/ 561".

(4/26)


رَوَى: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعُرِض عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَرَوَى أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ.
وَعَنْهُ: ابْنُهُ خَارِجَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ، وَعُبَيْدُ بْنُ السَّبَّاقِ، وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ، وَبُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعُرْوَةَ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَطَاوُسٌ، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ طَائِفَةٌ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: عَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو الْعَالِيَةَ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَشَهِدَ الْخَنْدَقَ وَمَا بَعْدَهَا. وَكَانَ عُمَرُ إِذَا حَجَّ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ. وَهُوَ الَّذِي نَدَبَهُ عُثْمَانُ لِكِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى قِسْمَةَ غَنَائِمِ الْيَرْمُوكَ1.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَأَنَا ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَتَعَلَّمَ كِتَابَ يَهُودٍ، فَكُنْتُ أَقْرَأُ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ، وَلَمَّا قَدِمَ أَبِي بِي إِلَيْهِ فَقَالُوا: هَذَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، وَقَدْ قَرَأَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سُورَةٍ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَقَالَ: "يَا زَيْدٌ تَعَلَّمَ لِي كِتَابَ يَهُودٍ، فإني والله ما آمنهم على كتابي" 2.
قال: فَتَعَلَّمْتُهُ فَحَذقْتُهُ فِي نِصْفِ شَهْرٍ.
وَعَنْ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نزل الْوَحِيُ بَعَثَ إِلَيَّ فَكَتَبْتُهُ3.
وَقَالَ زَيْدٌ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَتَبَّعَ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَقُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!.
قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ الله صدري لذلك4.
__________
1 السير "2/ 427".
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "13/ 161 تعليقا"، وأحمد "5/ 186"، وأبو داود "3645"، والترمذي "2716"، وابن سعد "2/ 358، 359" في طبقاته، والطبراني "4856" في الكبير، والحاكم "1/ 75" وصححه، وأقره الذهبي.
3 حديث صحيح: أخرجه أحمد "5/ 182"، والحاكم "3/ 422" وصححه، وأقره الذهبي، وابن سعد "2/ 358" في طبقاته، والطبراني "4928" في الكبير.
4 حديث صحيح: أخرجه البخاري "9/ 8، 11"، وأحمد "5/ 188"، والطبراني "4901" في الكبير.

(4/27)


وقال أنس: جمع القرآن عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- أربعة كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ، وزيد بن ثابت، وَأَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ.
وَقَالَ أَنَسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفْرَضُ أُمَّتِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ" 1.
وَيُرْوَى عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدٌ، وَأَفْتَاهُمْ أُبَيٌّ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ الْجَرَّاحُ" 2. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ.
قُلْتُ: هُوَ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ، رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَعْلَمُهُمْ بِالْفَرَائِضِ زَيْدٌ" 3.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: غَلَبَ زَيْدٌ النَّاسَ عَلَى اثْنَتَيْنِ: عَلَى الْفَرَائِضِ وَالْقُرْآنِ.
وَقَالَ مَسْرُوقٌ: كَانَ أَهْلُ الْفَتْوَى مِنَ الصَّحَابَةِ: عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو مُوسَى.
وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ لَمَّا قَالَ قَائِلُ الْأَنْصَارِ: مِنْكُمْ أَمِيرٌ وَمِنَّا أَمِيرٌ، قَالَ: فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان من الْمُهَاجِرِينَ وَنَحْنُ أَنْصَارُهُ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: جَزَاكُمُ اللَّهُ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ خَيْرًا وَثَبَّتَ قَائِلَكُمْ، لَوْ قُلْتُمْ غَيْرَ هَذَا مَا صَالَحْنَاكُمْ4.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فَرَّقَ عُمَرُ الصَّحَابَةَ فِي الْبُلْدَانِ، وَحَبَسَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ بِالْمَدِينَةِ يُفْتِي أَهْلَهَا5.
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: مَا كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يُقَدِّمَانِ أَحَدًا عَلَى زَيْدِ بن ثابت
__________
1 حديث صحيح: أخرجه ابن سعد "2/ 359" في طبقاته، وله شواهد.
2 حديث حسن: أخرجه الترمذي "3790"، و"3791"، وابن حبان "2218"، والحاكم "3/ 422"، وصححه، وأقره الذهبي.
3 انظر السابق.
4 خبر صحيح: أخرجه أحمد "5/ 122"، والطيالسي "2/ 169" في مسنده.
5 خبر ضعيف: أخرجه ابن سعد "2/ 359" في طبقاته من رواية الواقدي.

(4/28)


فِي الْقَضَاءِ وَالْفَتْوَى وَالْفَرَائِضِ وَالْقِرَاءَةِ.
وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: اسْتَعْمَلَ عُمَرُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَلَى الْقَضَاءِ وَفَرَضَ لَهُ رِزْقًا1.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَوْ هَلَكَ عُثْمَانُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ لَهَلَكَ عِلْمُ الْفَرَائِضِ، لَقَدْ أَتَى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وما يعلمهما غَيْرَهُمَا2.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيِّ: النَّاسُ عَلَى قِرَاءَةِ زَيْدٍ وَفَرْضِ زَيْدٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ قَدِمَ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فَأَخَذَ لَهُ بِرِكَابِهِ فَقَالَ: تَنَحَّ يَا ابن عمّ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّا هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا وَكُبَرَائِنَا3.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ أَفْكَهِ النَّاسِ فِي أَهْلِهِ وَمِنْ أَزْمَتِهِمْ عِنْدَ الْقَوْمِ4.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: لَمَّا مَاتَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَاتَ حَبْرُ الْأُمَّةِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ فِي ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْهُ خَلَفًا5.
الْأَنْصَارِيُّ: ثَنَا هِشَامُ بْنُ خَشَّانٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: خَرَجَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يُرِيدُ الْجُمُعَةَ فَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ رَاجِعِينَ، فَدَخَلَ دَارًا، فَقِيلَ لَهُ: فَقَالَ: أَنَّهُ مَنْ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ النَّاسِ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ6.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَخَلِيفَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو حَفْصٍ الْفَلَّاسُ: سَنَةَ إِحْدَى وخمسين.
__________
1 الطبقات الكبرى "2/ 359".
2 خبر صحيح: أخرجه الدارمي "2/ 314" في سننه.
3 خبر حسن: أخرجه ابن سعد "2/ 360"، والطبراني "4746" في الكبير، والحاكم "3/ 428".
4 أورده ابن بدران "5/ 453"، في تهذيب تاريخ دمشق.
5 إسناده منقطع: أخرجه ابن سعد "2/ 362" في طبقاته، والطبراني "4750" في الكبير.
6 السير "2/ 439".

(4/29)


وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَالْمَدَائِنِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ1.
25- زَيْدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ2، وَأُمُّهُ أُمُّ كلثوم بنت فاطمة الزهراء.
قال عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: تُوُفِّيَ شَابًا وَلَمْ يُعَقِّبْ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَفَدْنَا مَعَ زَيْدِ بْنِ عُمَرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَجْلَسَهُ عَلَى السَّرِيرِ، وهو يومئذ من جمل النَّاسِ، فَأَسْمَعَهُ بُسْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَأَةَ كَلِمَةً، فَنَزَلَ إِلَيْهِ زَيْدٌ فَخَنَقَهُ حَتَّى صَرَعَهُ، وَبَرَكَ عَلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ لِمُعَاوِيَةَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ هَذَا عَنْ رَأْيِكَ وَأَنَا ابْنُ الْخَلِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا زَيْدٌ وَقَدْ تَشَعَّثَ رَأْسُهُ وَعِمَامَتُهُ، ثُمَّ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ، وَأَمَرَ لَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَأَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَنَحْنُ عِشْرُونَ رَجُلًا3.
يُقَالُ: أَصَابَهُ حَجَرٌ فِي خَرِبَةٍ لَيْلًا فَمَاتَ.
"حرف السِّينِ":
26- سَالِمُ بْنُ عُمَيْرِ، بْنِ ثَابِتِ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ4.
أَحَدُ الْبَكَّائِينَ، شَهِدَ بَدْرًا وَالمَشَاهِدَ، وَبَقِيَ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ.
27- سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -م ت ن ق- بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ -وَقِيلَ: ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ- بْنِ حَطِيطِ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيُّ الطَّائِفِيُّ5.
وَلِيَ الطَّائِفَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَلَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ له رسول الله
__________
1 السابق "2/ 441".
2 انظر: تاريخ الطبري "4/ 199"، والطبقات الكبرى "8/ 463"، والاستيعاب "1954" أسد الغابة "7/ 387"، الإصابة "4/ 492".
3 السير "3/ 502".
4 انظر: الطبقات الكبرى "3/ 480"، وأسد الغابة "2/ 248"، والاستيعاب "2/ 69".
5 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 514"، الجرح والتعديل "4/ 218"، الاستيعاب "2/ 66"، وأسد الغابة "2/ 319"، الإصابة "2/ 54".

(4/30)


-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ" 1.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ، وَعَاصِمٌ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَاعِزٍ، وَآخَرُونَ.
28- سُفْيَانُ بْنُ مُجِيبٍ الْأَزْدِيُّ2.
وَلِيَ بَعْلَبَكَّ لِمُعَاوِيَةَ، وَلَهُ صُحْبَةٌ.
رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ حَجَّاجٍ الثُّمَالِيِّ -وَلَهُ صُحْبَةٌ- قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ مُجِيبٍ، وَكَانَ مِنْ قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ.
29- السَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ3 -د ن ق- صَيْفِيُّ بْنُ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ. مُخْتَلَفٌ فِي إِسْلَامِهِ، فَابْنُ إِسْحَاقَ يَقُولُ: قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا. ثُمَّ تَبعَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، ثُمَّ نَقَضَ الزُّبَيْرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ، وَالظَّاهِرُ إِسْلَامُهُ وَبَقَاؤُهُ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَأَنَّهُ هُوَ شَرِيكُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ قَبْلَ الْمَبْعَثِ.
وَفِي السُّنَنِ حَدِيثٌ لِمُجَاهِدٍ، عَنْ قَائِدٍ السَّائِبِ، عَنِ السَّائِبِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4.
وَرَوَى الزُّبَيْرُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ كَعْبٍ مَوْلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ طَافَ فِي خِلَافَتِهِ بِالْبَيْتِ فِي جُنْدِهِ، فَزَحَمُوا السَّائِبَ بْنَ صَيْفِيِّ بْنِ عَائِذٍ فَوَقَعَ. فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُعَاوِيَةَ، تَصْرَعُونَنَا حَوْلَ الْبَيْتِ! أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ أُمُّكَ. قَالَ: لَيْتَكَ فَعَلْتَ، فَجَاءَتْ بِمِثْلِ وَلَدِكَ أَبِي السَّائِبِ.
وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ السَّائِبَ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَأَنَّهُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهُوَ مَنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ. وقد اختلف في اسم شريك النبي
__________
1 حديث صحيح: أخرجه مسلم "38"، وأحمد "3/ 413"، "4/ 384"، والترمذي "2522"، وابن ماجه "3972"، وابن حبان "3543".
2 انظر: أسد الغابة "2/ 321"، والإصابة "2/ 57"، والكامل "2/ 431" في التاريخ.
3 انظر: الجرح والتعديل "4/ 242"، وأسد الغابة "2/ 253"، والإصابة "2/ 10".
4 حديث حسن: أخرجه أحمد "3/ 425"، وأبو داود "4815"، وابن ماجه "2287"، والنسائي "312" في عمل اليوم والليلة، والطبراني "6618"، "6619" في الكبير.

(4/31)


-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَلَدُ السَّائِبِ هَذَا1.
30- سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ، بْنُ وَقْشٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ، أَبُو عَوْفٍ2. مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، كَانَ أَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْعَقَبَتَيْنِ، وَعَاشَ سَبْعِينَ سَنَةً.
تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ.
رَوَى عَنْهُ مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي مُسنَدِ أَحْمَدَ.
31- سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثَمَةَ -ع- أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو يَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الْمَدَنِيُّ3.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ دَلِيلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُحُدٍ، وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا سِوَى بَدْرٍ، حدثني بذلك رجل من ولده.
وأما الْوَاقِدِيُّ قَالَ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَهُ ثَمَانِ سِنِينَ، وَهَذَا غَلَطٌ.
رَوَى عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَأَبُو لَيْلَى الْأَنْصَارِيَّانِ، وَابْنُهُ مُحَمَّدُ، وَابْنُ أَخِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَصَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ، وَبَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَآخَرُونَ.
أَظُنُّهُ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ مُرْسَلَةٌ، وَفِي اسْمِ أَبِيهِ أَقْوَالٌ.
32- سَهْلُ بْنُ الْحَنْظَلِيَّةَ -د ت- وَهِيَ أُمُّهُ، وَاسْمُ أَبِيهِ عَمْرُو -وَيُقَالُ: الرَّبِيعُ- بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ4.
شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَرَوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَعَنْهُ: بِشْرُ أَبُو قَيْسٍ التَّغْلِبِيُّ، وَأَبُو كَبْشَةَ السَّلُولِيُّ. وَكَانَ رَجُلًا متوحدًا ما
__________
1 الاستيعاب "2/ 102".
2 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 68، 69"، وتاريخ الطبري "2/ 459"، والجرح والتعديل "4/ 161"، وأسد الغابة "2/ 336"، والإصابة "2/ 66".
3 انظر: التاريخ الكبير "4/ 97"، والاستيعاب "2/ 97"، وتاريخ الطبري "2/ 401"، والإصابة "2/ 86".
4 انظر: التاريخ الكبير "4/ 98"، والطبقات الكبرى "7/ 401"، والجرح والتعديل "4/ 195"، والاستيعاب "2/ 95"، والإصابة "2/ 86".

(4/32)


يُجَالِسُ أَحَدًا، إِنَّمَا هُوَ فِي صَلَاةٍ، فَإِذَا انْصَرَفَ إِنَّمَا هُوَ فِي تَسْبِيحٍ وَذِكْرٍ، وَشَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ، وَسَكَنَ الشَّامَ، وَتُوُفِّيَ فِي صَدْرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ.
"حرف الصَّادِ":
33- صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ -م4- بْنِ خَلَفٍ، أَبُو وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ1.
قُتِلَ أَبُوهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَسْلَمَ هُوَ يَوْمَ الْفَتْحِ بَلْ بَعْدَهُ، وَكَانَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، ثُمَّ شَهِدَ الْيَرْمُوكَ أَمِيرًا عَلَى كُرْدُوسٍ. رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ أُمَيَّةَ، وَابْنُ أَخِيهِ حُمَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الحارث بن نوفل، وطاووس. وَشَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ بَعْدُ، وَأَعَارَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِلَاحًا وَأَدْرُعًا يَوْمَئِذٍ2. وَكَانَ شَرِيفًا مُطَاعًا كَثِيرَ الْمَالِ، وَرَدَ أَنَّهُ مَلَكَ قِنْطَارًا مِنَ الذَّهَبِ. يُقَالُ: أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَقْطَعَهُ زُقَاقَ صَفْوَانَ.
وَعَن أَبِي حُصَيْنٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: اسْتَقْرَضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ خَمْسِينَ أَلْفًا فَأَقْرَضَهُ3.
قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَالْمَدَائِنِيُّ: مَاتَ صَفْوَانُ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ4.
34- صَفِيَّةُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -ع- بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ بْنِ سَعْيَةَ، مِنْ سِبْطِ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، ثُمَّ مِنْ وَلَدِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامِ.
تَزَوَّجَهَا سَلَّامٌ الْيَهُودِيُّ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا كِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكَانَا من شعراء
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 449"، والتاريخ الكبير "4/ 304"، والجرح والتعديل "4/ 421"، وأسد الغابة "3/ 23"، الإصابة "5/ 145"، السير "2/ 563".
2 حديث صحيح: أخرجه أحمد "3/ 401"، "6/ 465"، وأبو داود "3562"، والحاكم "2/ 47، 48" وصححه، وأقره الذهبي، والبيهقي "6/ 89" في سننه الكبرى.
3 إسناده ضعيف: من رواية الواقدي كما في السير "2/ 566".
4 تاريخ خليفة "205"، والسير "2/ 567".

(4/33)


اليهود، ثم قتل كنانة ثوم خَيْبَرَ، فَسَبَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خَيْبَرَ، وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا1.
رَوَى عَنْهَا: عَلَيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، وَمَوْلَاهَا كِنَانَةُ، وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِينَا أَنَّ جَارِيَةً لِصَفِيَّةَ أَتَتْ عُمَرَ، فَقَالَتْ: إِنَّ صَفِيَّةَ تُحِبُّ السَّبْتَ وَتَصِلَ الْيَهُودَ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا عُمَرَ فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ: أَمَّا السَّبْتُ فَلَمْ أُحِبُّهُ مُنْذُ أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهِ الْجُمُعَةَ، وَأَمَّا الْيَهُودُ فَإِنَّ لِي فِيهِمْ رَحِمًا، فَأَنَا أَصِلُهَا، ثُمَّ قَالَتْ لِلْجَارِيَةِ: مَا حَمَلَكِ عَلَى مَا صَنَعْتِ؟ -قَالَتْ: الشَّيْطَانُ، قَالَتْ: فَاذْهَبِي فَأَنْتِ حُرَّةٌ2.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ هَاشِمِ بْنِ سَعِيدٍ الْكُوفِيِّ، حَدَّثَنَا كِنَانَةُ، حَدَّثَتْنَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ كَلَامٌ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: "أَلَا قُلْتِ: وَكَيْفَ تَكُونَانِ خَيْرًا مِنِّي وَزَوْجِي مُحَمَّدٌ، وَأَبِي هَارُونُ، وَعَمِّي مُوسَى" 3.
وَكَانَ بَلَغَهَا أَنَّهُمَا قَالَتَا: نَحْنُ أَكْرَمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنْهَا، نَحْنُ أَزْوَاجُهُ، وَبَنَاتُ عَمِّهِ.
وَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: حَدَّثَتْنِي سُمَيَّةُ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ أَنّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَّ بِنِسَائِهِ، فَبَرَكَ بِصَفِيَّةَ جَمَلُهَا، فَبَكَتْ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمّا أَخْبَرُوهُ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ دُمُوعَهَا بِيَدِهِ، وَهِيَ تَبْكِي، وَهُوَ يَنْهَاهَا، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الرَّوَاحِ قَالَ لِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: "افْقِرِي أُخْتَكِ جَمَلًا" -وَكَانَتْ مِنَ أَكْثَرَهُنَّ ظَهْرًا- فَقَالَتْ: أَنَا أُفْقِرُ يَهُودِيَّتَكَ4، فَغَضِبَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُكَلِّمْهَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمُحَرَّمَ وَصَفَرَ، فَلَمْ يَأْتِهَا، وَلَمْ يُقْسِمْ لَهَا، وَيَئِسَتْ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ رَبِيعٌ الْأَوَّلُ دَخَلَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ؟ قال: وكان لها جارية تخبئها من رسول
__________
1 حديث صحيح: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ "7/ 360"، "9/ 111"، وَمُسْلِمٌ "1365"، وَأَبُو داود "2054"، وَالتِّرْمِذِيُّ "1115"، وَالنَّسَائِيُّ "6/ 114"، وأحمد "3/ 123، 246".
2 الاستيعاب "4/ 348".
3 حديث صحيح لغيره: أخرجه الترمذي "3892"، والحاكم "4/ 29"، وفيه هاشم بن سعيد الكوفي من الضعفاء، وله شاهد من حديث أنس، أخرجه أحمد "3/ 135" والترمذي "3894".
4 تقصد بذلك صفية -رضي الله عنها- وأرضاها.

(4/34)


اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: فُلَانَةٌ لَكَ. قَالَ: فَمَشَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى سَرِيرِهَا، وَكَانَ قَدْ رُفِعَ، فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ، وَرَضِيَ عَنْ أَهْلِهِ1.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ مِنْ نِسَائِكَ أَحَدٌ إِلَّا وَلَهَا عَشِيرَةٌ، فَإِنْ حَدَثَ بِكَ حَدَثٌ فَإِلَى مَنْ أَلْجَأُ قَالَ: "إِلَى عَلِيٍّ"2. مَالِكٌ مَجْهُولٌ، وَالْحَدِيثُ غَرِيبٌ.
وَكَانَتْ مِنْ عُقَلَاءِ النِّسَاءِ، تُوُفِّيَتْ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَقِيلَ: سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ.
"حرف الضَّادِ":
35- ضُبَاعَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ -د ن ق- بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيَّةَ3، بِنْتُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَزَوْجَةُ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ.
رَوَى عَنْهَا: زَوْجُهَا، وَبِنْتُهَا كَرِيمَةُ بِنْتُ الْمِقْدَادِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّب، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالْأَعْرَجُ4.
"حرف الْعَيْنِ":
36- عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ -ن- بْنِ الْجَدِّ بْنِ الْعَجْلَانِ الْبَلَوِيُّ، أَبُو عَمْرٍو، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ5. حَلِيفُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، رَدَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَدْرٍ إِلَى مَسْجِدِ الضِّرَارِ لِشَيْءٍ بَلَغَهُ عَنْهُمْ، وَضَرَبَ بِهِ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ. وَطَالَ عُمْرُهُ، وَكَانَ سيد بني العجلان.
__________
1 حديث حسن: أخرجه أحمد "6/ 337، 338"، وابن سعد "8/ 126، 127" في الطبقات الكبرى.
2 حديث ضعيف جدا: أخرجه البخاري في التاريخ الكبير "7/ 311" وقال: لا يعرف مالك إلا بهذا الحديث الواحد، ولم يتابع عليه، قلت: فيه حسين الأشقر، وهو في عداد المتروكين.
3 انظر: الطبقات الكبرى "8/ 46"، والاستيعاب "4/ 352"، وأسد الغابة "5/ 495"، والسير "2/ 274".
4 السير "2/ 275".
5 انظر: الطبقات الكبرى "3/ 466"، والاستيعاب "3/ 134"، والجرح والتعديل "6/ 345"، والإصابة "2/ 246"، وأسد الغابة "3/ 75".

(4/35)


رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو الْبَدَّاحِ حَدِيثًا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ1. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الرَّوْحَاءِ، وَاسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْعَالِيَةِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ مِائَةٌ وَخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةٍ. كَذَا قَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي سِنِّهِ.
37- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنِيسٍ -م4- الْجُهَنِيُّ ثُمَّ الْأَنْصَارِيُّ، حَلِيفُ الأنصار الأنصار2. شهد العقبة، وبدر لَمْ يَشْهَدْهَا، بَلْ شَهِدَ أُحُدًا.
كُنْيَتُهُ أَبُو يَحْيَى، وَقِيلَ: يُقَالُ لَهُ: الْجُهَنِيُّ، وَلَيْسَ بِجُهَنِيٍّ بَلْ ذَلِكَ لَقَبٌ لَهُ، وَهُوَ مِنْ قُضَاعَةَ.
رَوَى أَنَّ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَفَعَ إِلَيْهِ مِخْصَرَةً كَانَ يَتَخَصَّرُ بِهَا3، وَهُوَ الَّذِي رَحَلَ إِلَيْهِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مِصْرَ، وَسَمِعَ مِنْهُ حَدِيثَ الْقِصَاصِ. تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَسَيُعَادُ.
38- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ -ع- بْنِ الْحَارِثِ، أَبُو يُوسُفَ الْإِسْرَائِيلِيُّ4 النَّسَبِ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ. أَسْلَمَ عِنْدَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، وَكَانَ اسْمُهُ الْحُصَيْنَ فَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَشَهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ.
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: أَنْبَأَ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى بقصعة فقال: "يجيء رَجُلٌ مِنْ هَذَا الْفَجِّ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَأْكُلُ هَذِهِ الْفَضْلَةَ" 5، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَأَكَلَهَا. رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَفَّانَ، عَنْهُ.
رَوَى عَنْهُ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَقَاضِي الْبَصْرَةِ، وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى، وَأَبُو سعيد
__________
1 حديث صحيح: أخرجه النسائي "5/ 273"، وابن سعد "3/ 466" في طبقاته.
2 انظر: الجرح والتعديل "5/ 1" والاستيعاب "2/ 258"، الحلية "2/ 5، 6"، أسد الغابة "3/ 119"، الإصابة "2/ 278".
3 حديث ضعيف: أخرجه الطبري "3/ 156، 157".
4 انظر: الطبقات الكبرى "2/ 352"، والتاريخ الكبير "5/ 18"، والجرح والتعديل "5/ 62"، أسد الغابة "3/ 264"، والاستيعاب "3/ 921"، الإصابة "6/ 108".
5 حديث حسن: أخرجه أحمد "1/ 169، 183"، والحاكم "3/ 466" فيه ابن بهدلة، وهو صدوق.

(4/36)


الْمَقْبُرِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنَاهُ يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ، وَجَمَاعَةٌ. وَشَهِدَ فَتَحَ بَيْتِ المقدس مع عمر.
وقيل: إنه من ذرية يوسف -عليه السلام، وحلفه في القوافل1، وَكَانَ مِنَ الْأَحْبَارِ. تَقَدَّمَ خَبَرُ إِسْلَامِهِ فِي التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَأَنَّ الْيَهُودَ شَهِدُوا فِيهِ أَنَّهُ عَالِمُهُمْ وَابْنُ عَالِمِهِمْ.
وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لِأَحَدٍ: "مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ: إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ.
وَقَالَ سَعْدٌ: فِيهِ نَزَلَتْ: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10] .
وَجَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَأَى رُؤْيَا، فَقَصَّهَا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال لَهُ: "تَمُوتُ وَأَنْتَ مُسْتَمْسِكٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى" 2.
وَثَبَتَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمِيرَةَ قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ مُعَاذٌ قِيلَ: أَوْصِنَا، قَالَ: أَجْلِسُونِي، ثُمّ قَالَ: إن العلم وَالْإِيمَانَ مَكَانُهُمَا، مَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا، فَالْتَمِسُوا الْعِلْمَ عَنْ أَرْبَعَةٍ: عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعِنْدَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّهُ عَاشِرُ عَشْرَةٍ فِي الْجَنَّةِ" 3.
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ يَزِيدَ، رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ رَفِيعٍ، عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهْنِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمِيرَةَ.
اتَّفَقُوا عَلَى وَفَاتِهِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ.
39- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْقَيْنِيُّ4.
تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ، ولا تحفظ له رواية.
__________
1 القوافل: إحدى قبائل الأنصار.
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "12/ 353".
3 حديث حسن: أخرجه الترمذي "3804"، والبخاري في تاريخه الصغير "1/ 73"، والحاكم "3/ 416" وصححه، وأقره الذهبي.
4 الإصابة "2/ 361".

(4/37)


40- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، بْنِ الْمُغِيرَةَ الْمَخْزُومِيُّ1. أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَآهُ، وَشَهِدَ الْيَرْمُوكَ مَعَ أَبِيهِ، وَسَكَنَ حِمْصَ. وَكَانَ أَحَدُ الْأَبْطَالِ كَأَبِيهِ، وَكَانَ مَعَهُ لِوَاءُ مُعَاوِيَةَ يَوْمَ صِفِّينَ. وَكَانَ يَسْتَعْمِلُهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى غَزْوِ الرُّومِ. وَكَانَ شَرِيفًا شُجَاعًا مُمَدَّحًا2.
رَوَى عَنْهُ: خَالِدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، وَغَيْرُهُمَا.
وَقَالَ سَيْفٌ: كَانَ عُمُرُهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكَ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةٍ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى كُرْدُوسٍ3.
وَقَالَ غَيْرُهُ: وَلِيَ إِمْرَةَ حِمْصٍ مُدَّةً وَكَانَ مَشْكُورَ السِّيرَةِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سمرة، بْنِ حَبِيبِ بْن عَبْد شَمْسِ بْن عَبْد مَناف بْن قُصَيٍّ، أَبُو سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ الْعَبْشَمِيُّ4.
هَكَذَا نَسَبَهُ ابْنُ الْكَلْبِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَجَمَاعَةٌ، وَزَادَ فِي نَسَبِهِ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ، وَابْنُ أَخِيهِ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ بَعْدَ حَبِيبٍ: رَبِيعَةٌ.
أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَنَزَلَ الْبَصْرَةَ، وَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ" 5. وَغَزَا سِجِسْتَانَ أَمِيرًا كَمَا مَضَى.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وَحَيَّانُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَحُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَأَخُوهُ سَعِيدٌ. وَيُرْوَى أَنَّ اسْمَهُ كَانَ: عَبْدَ كَلَالٍ، فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم6.
__________
1 انظر: الجرح والتعديل "5/ 229"، والتاريخ الكبير "5/ 177"، والإصابة "3/ 67، 68".
2 نسب قريش "325".
3 رأس كتيبة.
4 انظر: التاريخ الكبير "5/ 242"، والجرح والتعديل "5/ 238"، وأسد الغابة "3/ 454"، والإصابة "2/ 400".
5 حديث صحيح: أخرجه البخاري "13/ 110"، ومسلم "1652"، وأحمد "5/ 63"، وأبو داود "3277"، والترمذي "1529"، والنسائي "7/ 10".
6 السير "2/ 572".

(4/38)


تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِينَ بِالْبَصْرَةِ، وَيُقَالُ: سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ.
42- عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ السَّلَمِيُّ، -ن- أَبُو عَبْدِ اللَّهِ1. لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ قَوْمِهِ. نَزَلَ الْكُوفَةَ، وَرَوَى عَنْهُ: قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَغَيْرُهُمَا.
43- عُتْبَةُ بْنُ أبي سفيان، صخر بن حرب بن أمية الْأُمَوِيُّ2.
شَهِدَ يَوْمَ الدَّارِ مَعَ عُثْمَانَ، وَدَارُهُ بِدِمَشْقَ بِدَرْبِ الْحَبَّالِينَ. وَلِيَ الْمَدِينَةَ وَإِمْرَةَ الْحَجِّ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَحَكَى عَنْهُ ابْنُهُ الْوَلِيدُ أَنَّهُ شَهِدَ الْجَمَلَ مَعَ عَائِشَةَ، ثُمَّ نَجَا وَلَحِقَ بِأَخِيهِ، وَذَهَبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَئِذٍ.
وَوَلِيَ مِصْرَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ، وَكَانَ فَصِيحًا مُفَوَّهًا. تُوُفِّيَ بِثُغْرَ الإسكندرية فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَهُوَ أَخُو مُعَاوِيَةَ لِأَبِيهِ.
44- عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفِ، -د ن ق- ابن وَاهِبٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ3. لَهُ صُحْبَةٌ، وَلَّاهُ عُمَرُ السَّوَادَ، وَتَوَلَّى مِسَاحَتَهُ بِأَمْرِ عُمَرَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ أَخِيهِ أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، وَعِمَارَةُ بْنُ خُرَيْمِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْرُهُمْ، وَكَانَ أَمِيرًا شَرِيفًا.
شُعَيْبُ بْنُ أَبِي ضَمْرَةَ، مِمَّا رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ بِشْرٌ، عَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ حُرَيْثِ بْنِ نَوْفَلَ بْنِ مُسَاحِقٍ قَالَ: انْتَجَى عُمَرُ وَعُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَالنَّاسُ مُحِيطُونَ بِهِمَا، فَلَمْ يَزَالَا يَتَجَادَلَانِ فِي الرَّأْيِ حَتَّى أَغْضَبَ عُثْمَانُ عُمَرَ، فَقَبَضَ مِنْ حَصْبَاءِ الْمَسْجِدِ قَبْضَةً ضَرَبَ بِهَا وَجْهَ عُثْمَانَ، فَشَجَّ الْحَصَى بِجَبْهَتِهِ آثَارًا مِنْ شِجَاجٍ، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ كَثْرَةَ تَسَرُّبِ الدَّمِ عَلَى لِحْيَتِهِ قَالَ: امْسَحْ عَنْكَ الدَّمَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَهُولَنَّكَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْتَهِكُ مَا وَلَّيْتَنِي أَمْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ أَكْثَرَ مِمَّا انْتَهَكْتَ مِنِّي، فَأُعْجِبَ بِهَا عُمَرُ مِنْ رَأْيِهِ وحلمه وزاد به عنده خيرًا4.
__________
1 انظر: التاريخ الكبير "6/ 521"، والجرح والتعديل "6/ 373"، والإصابة "2/ 455"، والاستيعاب "3/ 119".
2 انظر: الاستيعاب "3/ 121"، وجمهرة أنساب العرب "ص/ 111، 112".
3 انظر: التاريخ الكبير "1/ 209"، والجرح والتعديل "6/ 146"، الاستيعاب "3/ 1033"، وأسد الغابة "3/ 577"، الإصابة "6/ 386".
4 إسناده حسن.

(4/39)


45- عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ -م د- بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيُّ الْعَبْدَرِيُّ الْحَجَبِيُّ1.
حَاجِبُ الْكَعْبَةِ، هَاجَرَ مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَالِدٍ ثُمَّ سَكَنَ مَكَّةَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ عُمَرَ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ عَمِّهِ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَدَفَعَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ2.
وَقَالَ عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ عَنْ رَجُلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى الْمِفْتَاحَ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ عَامَ الْفَتْحِ وَقَالَ: "دُونَكَ هَذَا فَأَنْتَ أَمِينُ اللَّهِ عَلَى بَيْتِهِ"3.
قُلْتُ: شَيْبَةُ أَسْلَمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَّاهُ الْحِجَابَةَ لَمَّا اعْتَمَرَ مِنَ الْجِعِرَّانَةَ مُشَارِكًا لِعُثْمَانَ هَذَا فِي الْحِجَابَةِ، فَإِنَّ شَيْبَةَ كَانَ حَاجِبَ الْكَعْبَةِ يَوْمَ قَالَ لَهُ عُمَرُ: أُرِيدُ أَنْ أُقَسِّمَ مَالَ الْكَعْبَةِ، كَمَا فِي الْبُخَارِيُّ4.
فَعَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُسَافِعِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكَعْبَةَ يُصَلِّي، فَإِذَا فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَقَالَ: "يَا شَيْبَةُ اكْفِنِي هَذِهِ"5، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: طَيِّنْهَا ثُمَّ الْطَخْهَا بِزَعْفَرَانَ، فَفَعَلَ.
وَقَالَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ: أَخْبَرَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْكَعْبَةِ أَمَرَ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ أَنْ يُغَيِّبَ قَرْنَيِ الْكَبْشِ -يَعْنِي كَبْشَ إِسْمَاعِيلَ- وَقَالَ: "لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ يَشْغَلُهُ" 6.
قتل طلحة يوم أحد مشركًا.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "5/ 448"، والجرح والتعديل "6/ 155"، وأسد الغابة "3/ 372"، والإصابة "5442".
2 حديث حسن: أخرجه ابن سعد "2/ 136"، والطبراني "8395" في الكبير، وله شاهد عند البخاري "8/ 15".
3 حديث ضعيف: فيه انقطاع، وجهالة أحد الرواة.
4 صحيح البخاري "8/ 15".
5 حديث ضعيف: وأخرجه الطبراني "7/ 359" في الكبير، وانظر المجمع "3/ 295".
6 حديث صحيح: أخرجه أحمد "4/ 68"، "5/ 380"، وأبو داود "2030"، والحميدي "565"، والطبراني "8396" في الكبير.

(4/40)


وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمِّلِ الْمَخْزُومِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "خُذُوهَا يَا بَنِي أَبِي طَلْحَةَ خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ" 1 -يَعْنِي الْحِجَابَةَ.
قَالَ مُصْعَبٌ: قُتِلَ بِأَجْنَادِينَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ.
وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَالْمَدَائِنِيُّ: تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ.
46- عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبِ -ن ق- بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ، أَبُو يَزِيدَ، وَيُقَالُ: أَبُو عِيسَى2، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْ جَعْفَرٍ، وَعَلِيٍّ.
أَسْلَمَ وَشَهِدَ غَزْوَةَ مُؤَتَةَ، وَلَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَادِيثَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ مُحَمَّدٌ، وَحَفِيدُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُوسَى بْنُ طَلْحَةَ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ.
وَوَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَكْرَمَهُ، وَكَانَ أَكْبَرَ مِنْ عَلِيٍّ بِعِشْرِينَ سَنَةٍ، وَعَاشَ بَعْدَهُ مُدَّةً، وَكَانَ عَلَّامَةً بِالنَّسَبِ وَأَيَّامَ الْعَرَبِ3.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَكَانَ عَقِيلُ مِمَّنْ أُخْرِجَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَرْهًا إِلَى بَدْرٍ، فَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ لَا مَالَ لَهُ، فَفَدَاهُ الْعَبَّاسُ. ثُمَّ هَاجَرَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَرَضٌ بَعْدَ شُهُودِهِ غَزْوَةَ مُؤَتَةَ، فَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ فِي الْفَتْحِ وَلَا مَا بَعْدَهَا، وَقَدْ أَطْعَمَهُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَيْبَرَ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ وَسْقًا4.
وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أُعْطِيَ لِكُلِّ نَبِيٍّ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ نُجَبَاءَ، وَأُعْطِيتُ أَنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ"5، فَذَكَرَ مِنْهُم عَقِيلًا.
__________
1 إسناده ضعيف: أخرجه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط" كما في المجمع "3/ 285"، وفيه ابن المؤمل، وهو من الضعفاء.
2 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 42"، التاريخ الكبير "7/ 50"، الجرح والتعديل "6/ 218"، أسد الغابة "3/ 422"، الإصابة "2/ 494".
3 السير "3/ 99".
4 السير "3/ 99".
5 حديث منكر: وأخرجه الطبراني "6/ 264" في الكبير، وابن الجوزي "1/ 281" في العلل المتناهية.

(4/41)


وَرُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ مُرْسَلَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِعَقِيلٍ: "يَا أَبَا يَزِيدَ إِنِّي أُحِبُّكَ حُبَّيْنِ، حُبًّا لِقَرَابَتِكَ مِنِّي، وَحُبًّا لِحُبِّ أَبِي طَالِبٍ إِيَّاكَ"1.
وَعَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، أَنَّ عَلِيًّا دَخَلَ عَلَيْهِ عَقِيلٌ وَمَعَهُ كَبْشٌ فَقَالَ: إِنَّ أَحَدَ الثَّلَاثَةِ أَحْمَقٌ، فَقَالَ عَقِيلٌ: أَمَّا أَنَا وَكَبْشِي فلا.
وقال عطاء: رَأَيْتُ عَقِيلًا شَيْخًا كَبِيرًا يُقِلُّ غَرْبَ زَمْزَمَ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ: أَتَى عَقِيلٌ عَلِيًّا بِالْعِرَاقِ لِيُعْطِيَهُ، فَأَبَى، فَقَالَ: أَذْهَبُ إِلَى مَنْ هُوَ أَوْصَلُ مِنْكَ، فَذَهَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَعَرَفَ لَهُ مُعَاوِيَةَ قُدُومَهُ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا عَقِيلٌ وَعَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ، فَقَالَ: هَذَا مُعَاوِيَةُ وَعَمَّتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ2.
وَقَالَ غَسَّانُ بْنُ مُضَرٍ: ثَنَا أَبُو هِلَالٍ، ثَنَا حُميَدُ بْنُ هِلَالٍ، أَنَّ عَقيلًا سَأَلَ عَلِيًّا فَقَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ وَفَقِيرٌ. فَقَالَ: اصْبِرْ حَتَّى يَخْرُجَ عَطَائِي، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ. فَقَالَ لِرَجُلٍ: خُذْ بِيَدِهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى الْحَوَانِيتِ، فَقُلْ: دُقَّ الْأَقْفَالِ وَخُذْ مَا فِي الْحَوَانِيتِ. فَقَالَ: تُرِيدُ أَنْ تَتَّخِذَنِي سَارِقًا!. قَالَ: وَأَنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَتَّخِذَنِي سَارِقًا وَأُعْطِيَكَ أَمْوَالَ النَّاسِ. قَالَ: لَآتِيَنَّ مُعَاوِيَةَ. قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ، فَأَتَى مُعَاوِيَةَ، فَأَعْطَاهُ مِائَةَ أَلْفٍ، ثُمَّ قَالَ: اصْعَدْ عَلَى الْمِنْبَرِ فَاذْكُرْ مَا أَوْلَاكَ عَلَيٌّ وَمَا أَوْلَيْتُكَ، قَالَ: فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أُخْبِرُكُمْ أَنِّي أَرَدْتُ عَلِيًّا عَلَى دِينِهِ، فَاخْتَارَ دِينَهُ عَلَيَّ، وَأَرَدْتُ مُعَاوِيَة عَلَى دِينِهِ فَاخْتَارَنِي عَلَى دِينِهِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا الَّذِي تَزْعُمُ قُرَيْشٌ أَنَّهُ أَحْمَقَ!! 3.
تُوُفِّيَ عَقِيلٌ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ.
47- عِمَارَةُ بْنُ حَزْمِ، بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ الْأَنْصَارِيُّ النَجَّارِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ4. أَحَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا، ذَهَبَ بَصَرُهُ، وَبَقِيَ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ.
__________
1 حديث ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 44" في طبقاته.
2 خبر ضعيف: إسناده منقطع.
3 إسناد حسن: وأورده ابن الأثير "3/ 423" في أسد الغابة.
4 انظر: التاريخ الكبير "6/ 494"، الطبقات الكبرى "3/ 486"، الجرح والتعديل "6/ 364"، أسد الغابة "4/ 48"، الإصابة "2/ 513".

(4/42)


48- عمرو بن أمية، بن خُوَيْلِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِيَاسٍ، أَبُو أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ1.
أَسْلَمَ بَعْدَ أُحُدٍ، وَشَهِدَ بِئْرَ مَعُونَةٍ وَمَا بَعْدَهَا، وَكَانَ مِنْ أُولِي النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْإِقْدَامِ، وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً وَحْدَهُ. وَبَعَثَهُ بِكِتَابِهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ جَعْفَرُ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ أَخِيهِ الزِّبْرِقَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَأَبُو قِلَابَةَ الْجَرْمِيُّ. وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ، وَشَهِدَ بَدْرًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَبَقِيَ إِلَى أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ.
49- عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ -ن ق- الْخُزَاعِيِّ2.
لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَبَايَعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَسَمِعَ مِنْهُ.
رَوَى عَنْهُ: رِفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ، وَجُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرّ الْمَعَافِرِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ أحد الرؤوس الَّذِينَ سَارُوا إِلَى عُثْمَانَ، وَقَتَلَهُ ابْنُ أُمِّ الْحَكَمِ بِالْجَزِيرَةِ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ يَوْم صِفِّينَ عَلَى خُزَاعَةَ مَعَ عَلِيٍّ.
وَعَنِ الشَّعْبِيُّ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ زِيَادٌ الْكُوفَةَ أَثَارَهُ عِمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فَقَالَ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ الْحَمِقِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ، فَسَيِّرْ إِلَيْهِ يَقُولُ: مَا هَذِهِ الزُّرَافَاتِ3 الَّتِي تَجْتَمِعُ عِنْدَكَ! مَنْ أَرَادَكَ أَوْ أَرَدْتَ كَلَامَهُ فَفِي الْمَسْجِدِ.
وَعَنْهُ قَالَ: تَطَلَّبَ زِيَادٌ رُؤَسَاءَ أَصْحَابِ حُجْرٍ، فَخَرَجَ عَمْرُو إِلَى الْمَوْصِلِ هُوَ وَرِفَاعَةُ بْنُ شَدَّادٍ، فَكَمُنَا فِي جَلٍّ، فَبَلَغَ عَامِلُ ذَلِكَ الرِّسْتَاقِ، فَاسْتَنْكَرَ شَأْنَهُمَا، فَسَارَ إِلَيْهِمَا فِي الْخَيْلِ، فَأَمَّا عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ فَكَانَ مَرِيضًا، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ امْتِنَاعٌ، وَأَمَّا رِفَاعَةُ فَكَانَ شَابًا، فَرَكِبَ وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَأَفْرَجُوا لَهُ، ثُمَّ طَلَبَتْهُ الْخَيْلُ، وَكَانَ رَامِيًا فَرَمَاهُمْ فَانْصَرَفُوا، وَبَعَثُوا بِعَمْرٍو إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أم الحكم أمير الموصل، فكتب
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 248"، الجرح والتعديل "6/ 220"، الاستيعاب "1162"، أسد الغابة 4/ 86".
2 انظر: الطبقات الكبرى "6/ 25"، والتاريخ الكبير "6/ 313"، والاستيعاب "2/ 523"، والجرح والتعديل "6/ 225"، أسد الغابة "4/ 100، 101".
3 الزرافات: الجماعات.

(4/43)


فِيهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ طَعَنَ عُثْمَانَ تِسْعَ طَعْنَاتٍ بِمَشَاقِصَ1، وَنَحْنُ لَا نَتَعَدَّى عَلَيْهِ فَاطْعَنْهُ كَذَلِكَ، فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، فَمَاتَ فِي الثَّانِيَةِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ هُنَيْدَةَ الْخُزَاعِيُّ قَالَ: أَوَّلُ رَأْسٍ أُهْدِيَ فِي الْإِسْلَامِ رَأْسُ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ2.
وَقَالَ عَمَّارُ الدُّهْنِيُّ: أَوَّلُ رَأْسٍ نُقِلَ رَأْسُ ابْنُ الْحَمِقِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لُدِغَ فَمَاتَ، فَخَشِيَتِ الرسل أن تتهم به، فحزوا رَأْسَهُ وَحَمَلُوهُ.
وَقُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ مِمَّا مَرَّ، فَإِنَّ ذَاكَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْكَلْبِيِّ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ هَلْ قُتِلَ أَوْ لُدِغَ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: قُتِلَ سَنَةَ خَمْسِينَ.
50- عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ -ع- بن وائل بن هاشم بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصٍ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، أبو عبد الله، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ السَّهْمِيُّ3.
أَسْلَمَ فِي الْمَدِينَةِ وَهَاجَرَ، وَاسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جَيْشِ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، وَفِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، لِخِبْرَتِهِ بِمَكِيدَةِ الْحَرْبِ. ثُمَّ وَلِيَ الْإِمْرَةَ فِي غَزْوَةِ الشَّامِ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. ثُمَّ افْتَتَحَ مِصْرَ وَوَلِيَهَا لِعُمَرَ. وَلَهُ عِدَّةُ أَحَادِيثَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَعَلِيُّ بْنُ رَبَاحٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُمَاسَةَ، وَآخَرُونَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَسْلَمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَأَمَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى سَرِيَّةٍ نَحْوَ الشَّامِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ إِلَى السَّلَاسِلِ، ثُمَّ أَمَدَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِائَتَيْ فَارِسٍ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ وَلِيَ مِصْرَ لِمُعَاوِيَةَ، وَمَاتَ بِهَا يَوْمَ الْفِطْرِ سَنَةَ ثلاث وأربعين على الأصح، فصلى ابنه
__________
1 المشاقص: سلاح صغير في حجم الخنجر ونحوه.
2 حسن لغيره: وانظر: أسد الغابة "4/ 100".
3 انظر: التاريخ الكبير "6/ 303، 304"، وتاريخ الطبري "4/ 558"، وأسد الغابة "4/ 115-118"، الإصابة "5884".

(4/44)


عَلَيْهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى النَّاسُ صَلَاةَ الْعِيدِ، ثُمَّ وَلِيَ مِصْرَ بَعْدَهُ عُتْبَةُ أَخُو مُعَاوِيَةَ، فَبَقِيَ سَنَةً وَمَاتَ، فَوَلِيَ مِصْرَ مَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ، انْتَهَى.
وَقَدِمَ عَمْرُو دِمَشْقَ رَسُولًا مِنْ أَبِي بَكْرٍ إِلَى هِرَقْلَ، وَلَهُ بِدِمَشْقٍ دَارٌ عِنْدَ سَقِيفَةِ كُرْدُوسٍ، وَدَارٌ عِنْدَ بَابِ الْجَابِيَةِ، تُعْرَفُ بِبَنِي حُجَيْجَةَ، وَدَارٌ عِنْدَ عَيْنِ الْحِمَى. وَأُمُّهُ عَنَزِيَةٌ، وَكَانَ قَصِيرًا يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ.
قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ، هِشَامٌ وَعَمْرٌو" 1.
ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مِشْرَحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "أسلم النَّاسُ، وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ"2. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ صَالِحِي قُرَيْشٍ"3. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ.
وَقَالَ ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أَخْبَرَنِي سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سُمَيٍّ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ يَغْفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي، قَالَ: "إِنَّ الْإِسْلَامَ وَالْهِجْرَةَ يَجُبَّانِ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا " 4، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا مَلَأْتُ عَيْنِيَ مِنْهُ وَلَا رَاجَعْتُهُ بِمَا أُرِيدُ، حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ حَيَاءً مِنْهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: قَالَ رَجُلٌ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُحِبُّهُ، أَلَيْسَ رَجُلًا صَالِحًا؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: قَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُحِبُّكَ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَكَ، قَالَ: بَلَى، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَحُبًّا كَانَ لِي مِنْهُ، أَوِ اسْتِعَانَةً بِي، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ بِرَجُلَيْنِ مَاتَ وَهُوَ يُحِبُّهُمَا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. فَقَالَ الرَّجُلُ: ذَاكَ قَتِيلُكُمْ يَوْمَ صِفِّينَ. قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ فعلنا5.
__________
1 حديث حسن: أخرجه أحمد "2/ 304، 327، 353"، وابن سعد "4/ 191"، والحاكم "3/ 240، 452".
2 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "1/ 161"، وفيه انقطاع.
3 إسناده ضعيف: أخرجه الترمذي "3845"، وافيه انقطاع.
4 حديث حسن: أخرجه أحمد "4/ 204"، وله شاهد من حديث عمرو بن العاص، أخرجه مسلم "121".
5 إسناده صحيح: وأخرجه أحمد "4/ 203".

(4/45)


وروي أن عمرًا لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عَلَى عُمَانَ، فَأَتَاهُ كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ بِذَلِكَ. قَالَ ضَمْرَةُ: عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ عُمَرَ نَظَرَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَمْشِي فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا أَمِيرًا1.
وَقَالَ جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ثَنَا أَشْيَاخُنَا أَنَّ الْفِتْنَةَ وَقَعَتْ، وَمَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ نَبَاهَةٌ أَعْمَى فِيهَا مِنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَالَ: مَا زَالَ مُعْتَصِمًا بِمَكَّةَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ النَّاسُ، حَتَّى كَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ، فَلَمَّا فَرَغَتْ بَعَثَ إِلَى وَلَدَيْهِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدَ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَأْيًا، وَلَسْتُمَا بِاللَّذَيْنِ تَرُدَّانِي عَنْ رَأْيِي، وَلَكِنْ أَشِيرَا عَلَيَّ، إِنِّي رَأَيْتُ الْعَرَبَ صَارُوا عِيرَيْنِ يَضْطَرِبَانِ، وَأَنَا طَارِحٌ نَفْسِي بَيْنَ جِدَارَيْ مَكَّةَ، وَلَسْتُ أَرْضَى بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَإِلَى أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ أَعْمَدُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَإِلَى عَلِيٍّ.
قَالَ: إِنِّي إِنْ أَتَيْتُ عَلِيًّا قَالَ: إِنَّمَا أَنْتَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ أَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ يَخْلِطُنِي بِنَفْسِهِ، يشركني فِي أَمْرِهِ، فَأَتَى مُعَاوِيَةَ2.
وَعَن عُرْوَةَ، أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: دَعَا ابْنَيْهِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَلْزَمَ بَيْتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: أَنْتَ شَرِيفٌ مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، وَنَابٌ مِنْ أَنْيَابِهَا، لَا أَرَى أَنْ تَتَخَلَّفَ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: أَمَّا أَنْتَ فَأَشَرْتَ عَلَيَّ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لِي فِي آخِرَتِي، وَأَمَّا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ فَأَشَرْتَ عَلَيَ بِمَا هُوَ أَنْبَهُ لِذِكْرِي، ارْتَحِلَا، فَارْتَحَلُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَأَتَوا رَجُلًا قَدْ عَادَ الْمَرْضَى، وَمَشَى بَيْنَ الْأَعْرَاضِ، يَقُصُّ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً: يَا أَهْلَ الشَّامِ إِنَّكُمْ عَلَى خَيْرٍ وَإِلَى خَيْرٍ، تَطْلُبُونَ بِدَمِ خَلِيفَةٍ قُتِلَ مَظْلُومًا، فَمَنْ عَاشَ مِنْكُمْ فَإِلَى خَيْرٍ. وَمَنْ مَاتَ فَإِلَى خَيْرٍ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَا أَرَى الرَّجُلَ إِلَّا قَدِ انْقَطَعَ بِالْأَمْرِ دُونَكَ، قَالَ: دَعْنِي وإياه، ثم إن عمرًا قَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ أَحْرَقْتَ كَبِدِي بِقَصَصِكَ، أَتَرَى أَنَّا خَالَفْنَا عَلِيًّا لِفَضْلٍ مِنَّا عَلَيْهِ، لَا وَاللَّهِ، إِنْ هِيَ إِلَّا الدُّنْيَا نَتَكَالَبُ عَلَيْهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَتَقْطَعَنَّ لِي قِطْعَةً مِنْ دُنْيَاكَ، أَوْ لَأُنَابِذَنَّكَ، قَالَ: فَأَعْطَاهُ مِصْرَ، يُعْطِي أَهْلَهَا عَطَاءَهُمْ، وَمَا بَقِيَ فَلَهُ.
وَيُرْوَى أَنَّ عَلِيًّا كَتَبَ إِلَى عَمْرٍو يَتَأَلَّفُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابَ أَقْرَأَهُ مُعَاوِيَةَ وَقَالَ: قَدْ تَرَى، فَإِمَّا أَنْ تُرْضِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ أَلْحَقَ بِهِ، قَالَ: فَمَا تريد؟ قال: مصر، فجعلها له.
__________
1 إسناده منقطع: وهو من أنواع الضعيف.
2 إسناده ضعيف: فيه جهالة بعض الرواة. وأورده المصنف في السير "2/ 72".

(4/46)


وَعَن يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَغَيْرِهِ، أَنَّ الْأَمْرَ لَمَّا صَارَ لِمُعَاوِيَةَ اسْتَكْثَرَ طُعْمَةَ مِصْرَ لِعَمْرٍو، وَرَأَى عَمْرٌو أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ قَدْ صَلُحَ بِهِ وَبِتَدْبِيرِهِ وَعَنَائِهِ، وَظَنَّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ سَيَزِيدُهُ الشَّامَ مَعَ مِصْرَ، فَلَمْ يَفْعَلْ مُعَاوِيَةُ، فَتَنَكَّرَ لَهُ عَمْرٌو، فَاخْتَلَفَا وَتَغَالَظَا، فَدَخَلَ بَيْنَهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ حُديْجٍ، فَأَصْلَحَ أَمْرَهُمَا، وَكَتَبَ بَيْنَهُمَا كِتَابًا: أَنَّ لِعَمْرٍو وِلَايَةَ مِصْرَ سَبْعَ سِنِينَ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمَا شُهُودًا، ثُمَّ سَارَ عَمْرٌو إِلَيْهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَمَا مَكَثَ نَحْوَ ثَلَاثَ سِنِينَ حَتَّى مَاتَ1.
وَيُرْوَى أَنَّ عَمْرًا وَمُعَاوِيَةَ اجْتَمَعَا، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَهُ: مَنِ النَّاسُ؟ قَالَ: أَنَا، وَأَنْتَ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَزِيَادٌ، قَالَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: أَمَّا أَنْتَ فَلِلتَّأَنِّيَ، وَأَمَّا أَنَا فَلِلْبَدِيهَةِ، وَأَمَّا مُغِيرَةُ فَلِلْمُعْضِلَاتِ، وَأَمَّا زِيَادٌ فَلِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، قَالَ: أَمَّا ذَانِكَ فَقَدْ غَابَا، فَهَاتِ أَنْتَ بِهَدِيَّتِكَ، قَالَ: وَتُرِيدُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ، فَأَخْرَجَهُمْ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُسَارُّكَ، قَالَ: فَأَدْنَى مِنْهُ رَأْسَهُ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ ذَاكَ، مَنْ مَعَنَا فِي الْبَيْتِ حَتَّى أُسَارُّكَ؟! 2.
وَقَالَ جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ أَنَّ عَمْرًا قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَلَّدْتُمْ لِقَتْلِ عُثْمَانَ قَرَمَ3 الْإِمَاءِ الْعَوَارِكِ4، أَطَعْتُمْ فُسَّاقَ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي عُتْبَةَ، وَأَجْزَرْتُمُوهُ مُرَّاقَ أَهْلِ مِصْرَ، وَآوَيْتُمْ قَتَلَتَهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا تَكَلَّمُ لِمُعَاوِيَةَ، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ عَنْ رَأْيِكَ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ لَأَنْتُمَا، أَمَّا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ فَزَيَّنْتَ لَهُ مَا كَانَ يَصْنَعُ، حَتَّى إِذَا حُصِرَ طَلَبَ مِنْكَ نَصْرَكَ، فَأَبْطَأْتَ عَنْهُ، وَأَحْبَبْتَ قَتْلَهُ وَتَرَبَّصْتَ بِهِ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَمْرُو، فَأَضْرَمْتَ5 الْمَدِينَةَ عَلَيْهِ، وَهَرَبْتَ إِلَى فِلَسْطِينَ تَسْأَلُ عَنْ أَبْنَائِهِ، فَلَمَّا أَتَاكَ قَتْلُهُ أَضَافَتْكَ عَدَاوَةُ عَلِيٍّ أَنْ لَحِقْتَ بِمُعَاوِيَةَ، فَبِعْتَ دِينَكَ مِنْهُ بِمِصْرَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: حَسْبُكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، عَرَّضَنِي لَكَ عَمْرٌو، وعرض نفسه6.
__________
1 إسناده منقطع: وهو من أنواع الضعيف. وأخرجه ابن سعد "4/ 258" في الطبقات الكبرى.
2 أورده المصنف بصيغة التضعيف.
3 قرم: صاحب الشهوة العالبة.
4 العوارك: الحيض.
5 أضرمت: أشعلت.
6 إسناده منقطع: وأخرجه ابن سعد "4/ 258" في الطبقات.

(4/47)


وَكَانَ عَمْرُو مِنْ أَفْرَادِ الدَّهْرِ دَهَاءً، وَجَلَادَةً، وَحَزْمًا، وَرَأْيًا، وَفَصَاحَةً.
ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ الْجُمَحِيُّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا رَأَى رَجُلًا يَتَلَجْلَجُ فِي كَلَامِهِ قَالَ: خَالِقُ هَذَا وَخَالِقُ عَمْرَو بْنِ الْعَاصِ وَاحِدٌ1.
وَقَالَ مجالد، عن الشعبي، عن قبيصة بن جابر قَالَ: صَحِبْتُ عُمَرَ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَقْرَأَ لِكِتَابِ اللَّهِ مِنْهُ، وَلَا أَفْقَهَ فِي دِينِ اللَّهِ مِنْهُ، وَلَا أَحْسَنَ مُدَارَاةً مِنْهُ، وَصَحِبْتُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَعْطَى لِجَزِيلٍ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَصَحِبْتُ مُعَاوِيَةَ، فَمَا رَأَيْتُ أَحْلَمَ مِنْهُ، وَصَحِبْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَبْيَنَ -أَوْ قَالَ: أَنْصَعَ- طَرَفًا مِنْهُ، وَلَا أَكْرَمَ جَلِيسًا، وَلَا أَشْبَهَ سَرِيرَةً بِعَلَانِيَةٍ مِنْهُ، وَصَحِبْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَلَوْ أَنَّ مَدِينَةً لَهَا ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ، لَا يُخْرَجُ مِنْ بَابٍ مِنْهَا إِلَّا بِمَكْرٍ لَخَرَجَ مِنْ أَبْوَابِهَا كُلِّهَا2.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبِي: ثَنَا أَبُو قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ عَمْرًا كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَقَلَّمَا كَانَ يُصِيبُ مِنَ الْعَشَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَأْكُلُ فِي السَّحَرِ3.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: وَقَعَ بَيْنَ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَلَامٌ، فَسَبَّهُ الْمُغِيرَةُ، فَقَالَ عَمْرُو: يَا هُصَيْصُ، أَيَسْتَبُّنِي ابْنُ شُعْبَةَ! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ: إِنَّا للَّهِ، دَعَوْتَ بِدَعْوَى الْقَبَائِلِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا. فَأَعْتَقَ ثَلَاثِينَ رَقَبَةً4.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: أَخْبَرَنِي مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ عَمْرًا أَدْخَلَ فِي تَعْرِيشِ الْوَهْطِ -وَهُوَ بُسْتَانٌ له بالطائف- ألف أَلْفَ عُودٍ، كُلُّ عُودٍ بِدِرْهَمٍ.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَمَاسَةَ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ الْوَفَاةُ بَكَى، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: لِمَ تَبْكِي، أجزعًا من الموت؟! قال: لا
__________
1 انظر السابق: وأورده المصنف "2/ 57"، "2/ 73" في السير.
2 إسناده ضعيف: وأخرجه النسوي "1/ 457" في تاريخه، وأورده المصنف "2/ 74" في السير، وفيه مجالد بن سعيد من الضعفاء.
3 حديث صحيح: أخرجه مسلم "1096"، وأبو داود "2343"، والترمذي "708"، وأحمد "4/ 197"، والنسائي "4/ 146"، والمرفوع فيه: "إن فصلا بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر".
4 إسناده ضعيف: فيه انقطاع.

(4/48)


والله ولكن لما بعده، قال: قد كُنْتَ عَلَى خَيْرٍ، فَجَعَلَ يُذَكِّرُهُ صُحْبَةَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- وفتوحه الشام، فقال عمرو: تركت أفضل من ذلك كله، شهادة أن لا إله إلا الله، إِنِّي كُنْتُ عَلَى ثَلَاثِ أَطْبَاقٍ1، لَيْسَ مِنْهَا طَبَقَةٌ إِلَّا عَرَفْتُ نَفْسِي فِيهَا: كُنْتُ أَوَّلَ شَيْءٍ كَافِرًا، وَكُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَوْ مِتُّ حِينَئِذٍ لَوَجَبَتْ لِيَ النَّارُ، فَلَمَّا بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ مِنْهُ حَيَاءً، مَا مَلَأْتُ عَيْنَيَّ مِنْهُ، فَلَوْ مِتُّ حِينَئِذٍ لَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لِعَمْرٍو، أَسْلَمَ عَلَى خَيْرٍ، وَمَاتَ عَلَى خَيْرِ أَحْوَالِهِ، ثُمَّ تَلَبَّسْتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ، فَلَا أَدْرِي أَعَلَيَّ أَمْ لِي، فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَلَا يُبْكَى عَلَيَّ وَلَا تُتْبِعُونِي نَارًا، وَشُدُّوا عَلَيَّ إِزَارِي، فَإِنِّي مُخَاصَمٌ، فَإِذَا وَارَيْتُمُونِي فَاقْعُدُوا عِنْدِي قَدْرَ نَحْرِ جَزُورٍ وَتَقْطِيعِهَا، أَسْتَأْنِسُ بِكُمْ، حَتَّى أَعْلَمَ مَا أُرَاجِعُ رُسُلَ رَبِّي2.
أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْنَدِهِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ حُمَيْدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَاهُ قَالَ حِينَ احْتُضِرَ: اللَّهُمَّ أَمَرْتَ بِأُمُورٍ وَنَهَيْتَ عَنْ أُمُورٍ، تَرَكْنَا كَثِيرًا مما أمرت، ووقعنا في كثير ممن نَهَيْتَ، اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ. ثُمَّ أَخَذَ بِإِبْهَامِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يُهَلِّلُ حَتَّى تُوُفِّيَ3.
وَقَالَ أَبُو فِرَاسٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: إِنَّ عَمْرًا تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ وَدَفَنَهُ، ثُمَّ صَلَّى بِالنَّاسِ صَلَاةَ الْعِيدِ.
قَالَ اللَّيْثُ، وَالْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ، وَالْوَاقِدِيُّ، وَابْنُ بُكَيْرٍ، وَغَيْرُهُمْ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةَ عِيدِ الْفِطْرِ، زَادَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: وَسِنُّهُ نَحْوَ مِائَةِ سَنَةٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ: وَعُمْرُهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ سنة.
وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ.
فَائِدَةٌ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ: ثَنَا الْمُزَنِيُّ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ وَقَدْ أَصْلَحْتُ مِنْ دُنْيَايَ قَلِيلًا، وَأَفْسَدْتُ مِنْ دِينِي كَثِيرًا، فَلَوْ كَانَ مَا أَصْلَحْتُ هُوَ مَا أَفْسَدْتُ لَفُزْتُ، وَلَوْ كَانَ يَنْفَعُنِي أَنْ أَطْلُبَ طَلَبْتُ، وَلَوْ كَانَ يُنْجِينِي أَنْ أَهْرَبَ هَرَبْتُ، فعظني بموعظة
__________
1 ثلاثة أطباق: ثلاثة أحوال.
2 خبر صحيح: أخرجه مسلم "121"، وأبو عوانة "1/ 70، 71".
3 إسناده صحيح: أورده الذهبي في السير "3/ 75".

(4/49)


أنتفع بها يا ابن أَخِي، فَقَالَ: هَيْهَاتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يُقَنِّطُنِي مِنْ رَحْمَتِكَ، فَخُذْ مِنِّي حَتَّى تَرْضَى1.
وَلِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ تَرْجَمَةٌ طَوِيلَةٌ فِي طَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَرَقَةً.
51- عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يكَرِبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُصَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُبَيْدٍ، أَبُو ثَوْرٍ الزُّبَيْدِيُّ2.
له وفادة على النبي -صلى الله عليه وَسَلَّمَ-، وَشَهِدَ الْيَرْمُوكَ وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، وَكَانَ فَارِسًا بَطَلًا ضَخْمًا عَظِيمًا، أَجَشُّ الصَّوْتِ، إِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا، وَهُوَ أَحَدُ الشُّجْعَانِ الْمَذْكُورِينَ، وَارْتَدَّ عِنْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ.
وَقِيلَ: كَانَ يَأْكُلُ أَكْلَ جَمَاعَةٍ، أَكَلَ مَرَّةً عَنْزًا رَبَاعِيًا وَثَلَاثَةَ أَصْوُعٍ ذُرَةً3.
وَقَالَ جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ: شَهِدَ صِفِّينَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَبْنَاءَ خَمْسِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يكَرِبَ.
تُوُفِّيَ عَمْرُو هَذَا فِي إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ.
52- عُمَيْرُ بْنُ سَعْدِ -ت- بْنِ شَهِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ4.
صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ مِنْ زُهَّادِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ مَحْمُودٌ، وَكَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ، وَأَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، وَرَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُمْ.
وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: نَسِيجٌ وَحْدَهُ، وَاسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ عَلَى حِمْصَ. وَهِمَ ابْنُ سَعْدٍ فَقَالَ: إِنَّهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدِ بْنُ عُبَيْدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ ابْنُ عَمِّ أَبِيهِ5.
وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ سَعِيدٍ: وَلِيَ حِمْصَ بَعْدَ سَعِيدِ بْنِ عامر بن حذيم.
__________
1 إسناده منقطع: والخبر ضعيف.
2 انظر: الاستيعاب "2/ 520"، تاريخ الطبري "3/ 132"، والجرح والتعديل "6/ 260"، وأسد الغابة "4/ 132-134"، والإصابة "3/ 18".
3 أورده بصيغة التضعيف.
4 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 375"، التاريخ الكبير "6/ 531"، الجرح والتعديل "6/ 376"، الاستيعاب "3/ 1215"، أسد الغابة "4/ 294".
5 الطبقات الكبرى "4/ 374" لابن سعد.

(4/50)


وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: فَبَقِيَ عَلَى إِمْرَةِ حِمْصَ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ، ثُمَّ نَزَعَهُ عُثْمَانُ.
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنُ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرحمن بن عمير بن سعد قال: قال لِيَ ابْنُ عُمَرَ، مَا كَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْضَلَ مِنْ أَبِيكَ1.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّ عُمَرَ مِنْ عُجْبِهِ بِعُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ كَانَ يُسَمِّيهِ: نَسِيجٌ وَحْدَهُ2.
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْبُخَارِيُّ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، أَنْبَأَ أَبُو الْكَرَمِ عَلَيُّ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بِهَمَذَانَ، أَنْبَأَ أَبُو غَالِبٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِيُّ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِمِائَةٍ، أَنْبَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَبَابَةَ، ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَسَدِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دِيزِيلَ، أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بَعَثَ عُمَيْرَ بْنَ سَعْدٍ أَمِيرًا عَلَى حِمْصَ، فَأَقَامَ بِهَا حَوْلًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ وَكَتَبَ إِلَيْهِ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولَهُ، وَقَدْ كُنَّا قَدْ وَلَّيْنَاكَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا أَدْرِي مَا صَنَعْتَ، أَوَفَيْتَ بِعَهْدِنَا، أَمْ خُنْتَنَا، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- فَاحْمِلْ إِلَيْنَا مَا قِبَلَكَ مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَقْبِلْ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ".
قَالَ: فَأَقْبَلَ عُمَيْرٌ مَاشِيًا مِنْ حِمْصَ، وَبِيَدِهِ عُكَّازُهُ، وَإِدَاوَةٌ، وَقَصْعَةٌ، وَجِرَابٌ، شَاحِبًا، كَثِيرَ الشَّعْرِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ قَالَ لَهُ: يَا عُمَيْرُ، مَا هَذَا الَّذِي أَرَى مِنْ سُوءِ حَالِكَ، أَكَانَتِ الْبِلَادُ بِلَادَ سُوءٍ، أَمْ هَذِهِ مِنْكَ خَدِيعَةٌ؟ قَالَ عُمَيْرٌ: يَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَلَمْ يَنْهَكَ اللَّهُ عَنِ التَّجَسُّسِ وَسُوءِ الظَّنِّ؟ أَلَسْتَ تَرَانِي ظَاهِرَ الدَّمِ، صَحِيحَ الْبَدَنِ وَمَعِيَ الدُّنْيَا بِقُرَابِهَا! قَالَ عُمَرُ: مَا مَعَكَ مِنَ الدُّنْيَا؟ قَالَ: مِزْوَدِي أَجْعَلُ فِيهِ طَعَامِي، وَقَصْعَةٌ آكُلُ فِيهَا، وَمَعِي عُكَّازَتِي هَذِهِ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأُجَاهِدُ بِهَا عَدُوًّا إِنْ لَقِيتُهُ، وَأَقْتُلُ بِهَا حَيَّةً إِنْ لَقِيتُهَا. فَمَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا! قَالَ: صَدَقْتَ، فَأَخْبِرْنِي مَا حَالُ مَنْ خَلَّفْتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: يُصَلُّونَ وَيُوَحِّدُونَ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ أَنْ نسأل عما وراء ذلك.
__________
1 إسناده ضعيف: فيه عنعنة ابن إسحاق، وهو من المدلسين، وأورده المصنف "2/ 559" في السير.
2 إسناده منقطع: أورده المصنف "2/ 559، 560" في السير.

(4/51)


قَالَ: مَا صَنَعَ أَهْلُ الْعَهْدِ؟ قَالَ عُمَيْرٌ: أَخَذْنَا مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. قَالَ: فَمَا صَنَعْتَ بِمَا أَخَذْتَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: وَمَا أَنْتَ وَذَاكَ يَا عُمَرُ! أَرْسَلْتَنِي أَمِينًا، فَنَظَرْتُ لِنَفْسِي، وَايْمُ اللَّهِ لَوْلَا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَغُمَّكَ لَمْ أُحَدِّثْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدِمْتُ بِلَادَ الشَّامِ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرْتُهُمْ بِمَا حَقَّ لَهُمْ عَلَيَّ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَدَعَوْتُ أَهْلَ الْعَهْدِ، فَجَعَلْتُ عَلَيْهِمْ مَنْ يُجِيبُهُمْ، فَأَخَذْنَاهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ رَدَدْنَاهُ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَمَجْهُودِيهِمْ، وَلَمْ يَنَلْكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَلَوْ نَالَكَ بَلَّغْنَاكَ إِيَّاهُ. قَالَ عُمَرُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا كَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ يَتَبَرَّعُ عَلَيْكَ بِخَيْرٍ وَيَحْمِلُكَ عَلَى دَابَّةٍ، جِئْتَ تَمْشِي، بِئْسَ الْمُعَاهِدُونَ فَارَقْتَ، وَبِئْسَ الْمُسْلِمُونَ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يَقُولُ: "لَتُوطَأَنَّ حُرَمُهُمْ وَلَيُجَارَنَّ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِمْ، وَلَيُسْتَأْثَرَنَّ عَلَيْهِمْ بِفَيْئِهِمْ، وَلَيَلِيَنَّهُمْ رِجَالٌ إِنْ تَكَلَّمُوا قتلوهم، وإن سكتوا اجتاحوهم"1. فقال عمير: ما لك يا عمر تفرج بِسَفْكِ دِمَائِهِمْ وَانْتِهَاكِ مَحَارِمِهِمْ! قَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهُوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ، ثُمَّ يَدْعُو خِيَارَكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ"2. ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ قَالَ: هَاتُوا صَحِيفَةً لِنُجَدِّدَ لِعُمَيْرٍ عَهْدًا، قَالَ عُمَيْرٌ: وَاللَّهِ لَا أَعْمَلُ لَكَ، اتَّقِ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاعْفِنِي بِغَيْرِي.
وَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا مُنْكَرًا. وَرُوِيَ نَحْوَهُ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ الْمُفَضَّلُ الْغَلابِيُّ: زُهَّادُ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةٌ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ، وَعُمَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
53- عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ -م4- بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأُمَوِيُّ، أَبُو عَامِرٍ، وَيُقَالُ: أَبُو عُثْمَانَ، وَيُقَالُ: أَبُو الْوَلِيدِ3.
رَوَى عَنْ أُخْتِهِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ حَبِيبَةَ.
وَعَنْهُ: مَكْحُولٌ، وَعَمْرُو بْنُ أَوْسٍ، وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَالْقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رباح.
__________
1 حديث منكر: وروا أبو حذيفة في "المبتدأ"، وانظر: السير "2/ 562".
2 انظر السابق.
3 انظر: التاريخ الكبير "7/ 36"، وأسد الغابة "4/ 151"، الإصابة "3/ 82".

(4/52)


وَلَعَلَّهُ بَقِيَ إِلَى بَعْدَ هَذَا الزَّمَانِ، لَكِنَّهُ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ.
"حرف الْقَافِ":
54- قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ -د ت ن- بْنِ سِنَانٍ التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ الْمِنْقَرِيُّ1.
قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَسْلَمَ، وَكَانَ عَاقِلًا حَلِيمًا كريمًا جوادًا شريفًا.
قَالَ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الْوَبَرِ"2.
وَيُرْوَى أَنَّ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ قِيلَ لَهُ: مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ الْحِلْمَ؟ قَالَ: مِنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ. وَيُقَالُ: إِنَّ قَيْسًا كَانَ مِمَّنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شُرْبَ الْخَمْرِ3.
رَوَى عَنْهُ: الْأَحْنَفُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَشُعْبَةُ بْنُ التَّوْأَمِ، وَابْنُهُ حَكِيمٌ بْنُ قَيْسٍ، وَحَفِيدُهُ خَلِيفَةُ بْنُ حُصَيْنٍ.
يُكَنَّى أَبَا عَلِيٍّ، وَيُقَالُ: كُنْيَتُهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَقِيلَ: أَبُو قَبِيصَةَ. نَزَلَ الْبَصْرَةَ، وَتُوُفِّيَ عَنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ذَكَرًا مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ. حَدِيثُهُ فِي السُّنَنِ.
"حرف الْكَافِ":
55- كَعْبُ بْنُ مَالِكِ -ع- بْنِ عَمْرِو بْنِ الْقَيْنِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ السُّلَمِيُّ، أَبُو عبد اللَّهِ، وَيُقَالُ: أبو عبد الرحمن4.
شاعر رسول الله -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَأُحُدًا، وَحَدِيثُهُ فِي تخلفه عن غزوة تبوك في الصحيحين5.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 36"، والتاريخ الكبير "7/ 141"، والجرح والتعديل "7/ 101"، أسد الغابة "4/ 219"، الإصابة "3/ 252".
2 حديث ضعيف: أخرجه ابن سعد "7/ 36" في الطبقات الكبرى.
3 أخرجه ابن أبي الدنيا "24" في الحلم، وأورده ابن عبد البر "3/ 232" في الاستيعاب.
4 انظر: التاريخ الكبير "7/ 219"، الجرح والتعديل "7/ 160"، الاستيعاب "3/ 1323"، أسد الغابة "4/ 487"، الإصابة "8/ 304".
5 حديث صحيح: أخرجه البخاري "8/ 86، 93"، ومسلم "2769".

(4/53)


رَوَى عَنْهُ: بَنُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ، وَمُحَمَّدٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْحَكَمِ، وَعُمَرُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ، وَحَفِيدُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ.
ويُروى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَ طَلْحَةَ وَكَعْبِ بْنَ مَالِكٍ، وَقِيلَ: بَلْ آخَى بَيْنَ كَعْبٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ1. قَالَهُ عُرْوَةُ.
وَفِي مَغَازِي الْوَاقِدِيِّ: إِنَّ كَعْبًا قَاتَلَ يَوْمَ أُحُدٍ قِتَالًا شَدِيدًا، حَتَّى جُرِحَ سَبْعَةَ عَشْرَ جُرْحًا2.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانَ شُعَرَاءُ الصَّحَابَةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الشُّعَرَاءِ مَا أَنْزَلَ، قَالَ: "إِنَّ الْمُجَاهِدَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ تَرْمُونَهُمْ بِهِ نضح النبل" 3.
قال ابْنُ سِيرِينَ: أَمَّا كَعْبٌ فَكَانَ يَذْكُرُ الْحَرْبَ وَيَقُولُ: فَعَلْنَا وَنَفْعَلُ وَيُهَدِّدُهُمْ. وَأَمَّا حَسَّانُ فَكَانَ يَذْكُرُ عُيُوبَهُمْ وَأَيَّامَهُمْ. وَأَمَّا ابْنُ رَوَاحَةَ فَكَانَ يعيرهم بالكفر.
وقد أسلمت دوس فرقًا مِنْ بَيْتٍ قَالَهُ كَعْبٌ:
نُخَيِّرُهَا وَلَوْ نَطقَتْ لَقَالَتْ: ... قَوَاطِعُهُنَّ دَوْسًا أَوْ ثَقِيفًا4
وَعَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: "مَا نَسِيَ رَبُّكَ -وَمَا كَانَ نَسِيًّا- بَيْتًا قُلْتَهُ". قَالَ: مَا هُوَ؟ قال: "أَنْشِدْهُ يَا أَبَا بَكْرٍ"5، فَقَالَ:
زَعَمَتْ سَخِينَةُ أَنْ سَتَغْلِبُ رَبَّهَا ... وَلُيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ
عَنِ الْهَيْثَمِ وَالْمَدَائِنِيُّ أن كعبًا مات سنة أربعين.
__________
1 حديث ضعيف: أخرجه ابن إسحاق مرسلا كما في السير "2/ 524".
2 إسناده ضعيف: أخرجه الواقدي "1/ 236" في المغازي.
3 حديث صحيح: أخرجه أحمد "6/ 387"، وعبد الرزاق "20500" في مصنفه.
4 أسد الغابة "4/ 484"، الإصابة "8/ 305".
5 حديث ضعيف: أخرجه ابن منده، وابن عساكر في تاريخ دمشق، كما في الكنز "13/ 581".

(4/54)


وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ: أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ. وَعَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ أَيْضًا: أَنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِينَ.
"حرف اللَّامِ":
56- لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ، بْنِ مَالِكٍ أَبُو عُقَيْلٍ الْهَوَازِنِيُّ الْعَامِرِيُّ1.
الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ، الَّذِي لَهُ:
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهُ بَاطِلٌ ... وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلٌ
وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ.
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَصْدَقُ كَلِمَةٍ 2 قَالَهَا شَاعِرٌ، كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا اللَّهُ بَاطِلٌ".
يُقَالُ: إِنَّ لَبِيدًا عَاشَ مِائَةً وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ شِعْرًا بَعْدَ إِسْلَامِهِ، وَقَالَ: أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهِ الْقُرْآنَ.
وَيُقَالُ: قَالَ بَيْتًا وَاحِدًا وَهُوَ:
مَا عَاتَبَ الْمَرْءُ الْكَرِيمُ كَنَفْسِهِ ... وَالْمَرْءُ يُصْلِحُهُ الْقَرِينُ الصَّالِحُ
وَكَانَ أَحَدُ أَشْرَافِ قَوْمِهِ، نَزَلَ الْكُوفَةَ، وَكَانَ لَا تَهُبُّ الصَّبَا إِلَّا نَحَرَ وَأَطْعَمَ. وَكَانَ قَدِ اعْتَزَلَ الْفِتَنَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَى هَذَا الْوَقتِ، بَلْ تُوُفِّيَ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ. وَقِيلَ: مَاتَ يَوْمَ دَخَلَ مُعَاوِيَةُ الْكُوفَةَ.
وَقَالَ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ: عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: رَوَيْتُ لِلَبِيدٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفِ بَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ. وَلِلَبِيدٍ:
وَلَقَدْ سَئِمتُ مِنَ الْحَيَاةِ وَطُولِهَا ... وَسُؤَالِ هَذَا النَّاسِ كيف لبيد3
__________
1 انظر: التاريخ الكبير "7/ 249"، والجرح والتعديل "7/ 181"، والاستيعاب "3/ 324".
2 حديث صحيح: أخرجه البخاري "10/ 448"، ومسلم "2256"، وأبو داود "5011"، والترمذي "2848"، وابن سعد "6/ 33" في طبقاته.
3 أسد الغابة "4/ 262".

(4/55)


"حرف الميم":
57- محمد بن مسلمة -ع- بن سَلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَجْدَعَةٍ. وَيُقَالُ: مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ حُرَيْشٍ الْأَشْهَلِيُّ الْأَنْصَارِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيُقَالُ: أَبُو سَعِيدٍ1.
شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ مَرَّةً.
وَكَانَ رَجُلًا طَوِيلًا، مُعْتَدِلًا، أَسْمَرَ، أَصْلَعَ، عَاشَ سَبْعًا وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَهُوَ حَارِثِيُّ مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ2.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ مَحْمُودٌ، وَسَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، وَآخَرُونَ.
وَكَانَ عَلَى مُقَدِّمَةِ عُمَرَ فِي قُدُومِهِ إِلَى الْجَابِيَةِ.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينه وَبَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَاسْتَخْلَفَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ عَلَى الْمَدِينَةِ3.
قُلْتُ: وَكَانَ مِمَّنِ اعْتَزَلَ الْفِتْنَةَ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، مَرَرْنَا بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا فُسْطَاطُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقُلْتُ: لَوْ خَرَجْتَ إِلَى النَّاسِ فَأَمَرْتَ وَنَهَيْتَ، فَقَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سَتَكُونُ فُرْقَةٌ وَفِتْنَةٌ وَاخْتِلَافٌ، فَاكْسِرْ سَيْفَكَ وَاقْطَعْ وَتَرَكَ وَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ"4، فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ.
وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ؛ إِنِّي لَأَعْرِفُ رَجُلًا لا تَضُرُّهُ الْفِتْنَةُ، فَإِذَا فُسْطَاطٌ مَضْرُوبٌ لَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ، وَإِذَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: لَا يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْصَارِكُمْ حَتَّى ينجلي الأمر5.
__________
1 انظر الطبقات الكبرى "3/ 443"، والتاريخ الكبير "1/ 239"، والاستيعاب "2/ 1377"، وأسد الغابة "5/ 112"، الإصابة "9/ 131".
2 السير "2/ 370".
3 الطبقات الكبرى "3 443".
4 إسناده ضعيف: أخرجه أحمد "3/ 493"، فيه ابن جدعان، وهو من الضعفاء.
5 خبر صحيح: وأخرجه الحاكم "3/ 433" وصححه، وأقره الذهبي.

(4/56)


وَقَالَ عَبَابَةُ بْنُ رِفَاعَةٍ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مسلمة أسود طويلًا عظيمًا.
وقال ابن عيينة: عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عِيسَى قَالَ: أَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُشْرَبَةَ بَنِي حَارِثَةَ، فَإِذَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَيْفَ تَرَانِي؟ قَالَ: أَرَاكَ كَمَا أُحِبُّ، وَكَمَا يَجِبْ لَكَ الْخَيْرُ، أَرَاكَ قَوِيًّا عَلَى جَمْعِ الْمَالِ، عَفِيفًا عَنْهُ، عَدْلًا فِي قِسْمَتِهِ، وَلَوْ مِلْتَ عَدَّلْنَاكَ كَمَا يُعَدَّلُ السَّهْمُ فِي الثِّقَافِ. فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي فِي قَوْمٍ إِذَا مِلْتُ عَدَّلُونِي1.
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَعَثَنَا عُثْمَانُ فِي خَمْسِينَ رَاكِبًا، أَمِيرُنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ نُكَلِّمُ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ مِصْرَ فِي فِتْنَةٍ، فَاسْتَقْبَلَنَا رَجُلٌ مِنْهُمْ، وَفِي يَدِهِ مُصْحَفٌ، مُتَقَلِّدًا سَيْفًا تَذْرِفُ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: هَا إِنَّ هَذَا يَأْمُرُنَا أَنْ نَضْرِبَ بِهَذَا عَلَى مَا فِي هَذَا، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: اسْكُتْ، فَنَحْنُ ضربنا بهذا على ما في هذا قبلك، وَقَبْلَ أَنْ تُولَدَ2.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَيْفًا فَقَالَ: "جَاهِدْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِئَتَيْنِ يَقْتَتِلَانِ، فَاضْرِبْ بِهِ الْحَجَرَ حَتَّى تَكْسِرَهُ، ثُمَّ كُفَّ لِسَانَكَ وَيَدَكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ مَنِيَّةٌ قَاضِيَةٌ، أَوْ يَدٌ خَاطِئَةٌ"3. فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ خَرَجَ إِلَى صَخْرَةٍ، فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ حَتَّى كَسَرَهُ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ: كَانَ مُحَمَّدٌ يُقَالُ لَهُ: حَارِسُ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كُسِرَ سَيْفُهُ اتَّخَذَ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ، وَصَيَّرَهُ فِي الْجَفْنِ فِي دَارِهِ وَقَالَ: عَلَّقْتُهُ أُهَيِّبُ بِهِ ذَاعِرًا4.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ وَمَعَهُ أَهْلُ الشَّامِ، يَعْنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَبَلَغَ رَجُلًا شَقِيًّا مِنْ أهل الأردن جلوس محمد ابن مَسْلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَوْ مُعَاوِيَةَ، فَاقْتَحَمَ عَلَيْهِ المنزل فقتله5.
__________
1 إسناده منقطع: والخبر ضعيف. وأورده المصنف في السير "2/ 372".
2 خبر صحيح: أخرجه الحاكم "3/ 436" في مستدركه.
3 حديث ضعيف: أخرجه أحمد "4/ 225": وإسناده مرسل.
4 خبر ضعيف: فيه ابن أبي فروة من الضعفاء.
5 خبر حسن: وأورده المصنف في السير "2/ 373".

(4/57)


وَقَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وَخَلِيفَةٌ: تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ فِي صَفَرٍ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ: سَنَةَ سِتٍّ فَقَدْ غَلَطَ.
58- مِدْلَاجُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ1 شَهِدَ بَدْرًا، وَتُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِينَ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مِدْلَجُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفٌ لِبَنِي غَنْمِ بْنِ ذَوْدَانَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
59- الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ، الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ2.
يُقَالُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِينَ، سَيَأْتِي، وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ.
رَوَى عَنْهُ: قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَغَيْرُهُ.
60- مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ، الرِّيَاحِيُّ3.
تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ. لَا أَعْرِفُهُ، وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ.
61- مَعْقِلُ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ -د ن ت- وَيُقَالُ: مَعْقِلُ بْنُ أَبِي مَعْقِلٍ، وَيُقَالُ: مَعْقِلُ بْنُ أُمِّ مَعْقِلٍ، الْأَسَدِيُّ، حَلِيفٌ لَهُمْ4.
لَهُ صُحْبَةٌ، حَدِيثُهُ فِي فَضْلِ الْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ، وَفِي النَّهْيِ عَنِ التَّغَوُّطِ إِلَى الْقِبْلَةِ. عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
رَوَى عَنْهُ: مَوْلَاهُ أَبُو زَيْدٍ، وَأُمِّ مَعْقِلٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَتُوُفِّيَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ.
62- الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ -ع- ابن أَبِي عَامِرِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مُعْتِبٍ الثَّقَفِيُّ، أَبُو عِيسَى، وَيُقَالُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: أبو محمد5.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "3/ 98" لابن سعد.
2 انظر: الجرح والتعديل "8/ 364"، والتاريخ الكبير "8/ 16"، والاستيعاب "3/ 482"، أسد الغابة "4/ 353".
3 انظر: الكامل "3/ 281-287".
4 انظر: التاريخ الكبير "7/ 391"، الجرح والتعديل "8/ 285"، أسد الغابة "4/ 398"، الإصبة "3/ 446".
5 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 284"، "6/ 20"، الجرح والتعديل "8/ 224"، أسد الغابة "4/ 406"، الإصابة "8181"، السر "3/ 21".

(4/58)


صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، وَكَانَ رَجُلًا طُوَالًا، ذَهَبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، وَقِيلَ: يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ.
وَرَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ الرَّيَّانِ، عَنِ الزُّهْرِيُّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَذَهَبَتْ عَيْنُهُ1.
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ الْمُغِيرَةُ أَصْهَبَ الشَّعْرِ جِدًّا، يَفْرِقُ رَأْسَهُ فُرُوقًا أَرْبَعَةً، أَقْلَصَ الشَّفَتَيْنِ، مَهْتُومًا، ضَخْمَ الْهَامَةِ، عَبْلَ الذِّرَاعَيْنِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ. قَالَ: وَكَانَ دَاهِيَةً، يُقَالُ لَهُ: مُغِيرَةَ الرَّأْيِ2.
وَعَنِ الشَّعْبِيُّ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ سَارَ مِنْ دِمَشْقَ إِلَى الْكُوفَةِ خَمْسًا.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ وَجَمَاعَةٌ قَالُوا: قَالَ الْمُغِيرَةُ: كُنَّا قَوْمًا مُتَمَسِّكِينَ بِدِينِنَا، وَنَحْنُ سَدَنَةُ3 اللَّاتِ، فَأَرَانِي لو رأيت قومنا قَدْ أَسْلَمُوا مَا تَبِعْتُهُمْ، فَأَجْمَعَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي مَالِكٍ الْوُفُودَ عَلَى الْمُقَوْقِسِ، وَإِهْدَاءُ هَدَايَا لَهُ، فَأَجْمَعْتُ الْخُرُوجَ مَعَهُمْ، فَاسْتَشَرْتُ عَمِّي عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ، فَنَهَانِي وَقَالَ: لَيْسَ مَعَكَ مِنْ بَنِي أَبِيكَ أَحَدٌ، فَأَبَيْتُ وَخَرَجْتُ مَعَهُمْ، وَمَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَحْلَافِ غَيْرِي، حَتَّى دَخَلْنَا الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَإِذَا الْمُقَوْقِسُ فِي مَجْلِسٍ مُطِلٍّ عَلَى الْبَحْرِ، فَرَكِبْتُ زَوْرَقًا حَتَّى حَاذَيْتُ مَجْلِسَهُ، فَنَظَر إِلَيَّ فَأَنْكَرَنِي، وَأَمَرَ مَنْ يَسْأَلُنِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِنَا وَقُدُومِنَا، فَأَمَرَ أَنْ نَنْزِلَ فِي الْكَنِيسَةِ، وَأَجْرَى عَلَيْنَا ضِيَافَةً، ثُمَّ أُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَنَظَرَ إِلَى رَأْسِ بَنِي مَالِكٍ، فَأَدْنَاهُ وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ الْقَوْمِ: أَكُلُّهُمْ مِنْ بَنِي مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِلَّا هَذَا، قَالَ: فَكُنْتُ أَهْوَنَ الْقَوْمِ عَلَيْهِ، وَسُرَّ بِهَدَايَاهُمْ، وَأَعْطَاهُمُ الْجَوَائِزَ، وَأَعْطَانِي شَيْئًا يَسِيرًا، وَخَرَجْنَا، فَأَقْبَلَتْ بَنُو مَالِكٍ يَشْتَرُونَ هَدَايَا لِأَهْلِهِمْ وَهُمْ مَسْرُورُونَ، وَلَمْ يَعْرِضْ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ مُوَاسَاةً، وَخَرَجُوا وَحَمَلُوا مَعَهُمُ الْخَمْرَ، فَكَانُوا يَشْرَبُونَ وَأَشْرَبُ مَعَهُمْ وَتَأْبَى نَفْسِي أَنْ تَدَعَنِي يَنْصَرِفُونَ إِلَى الطَّائِفِ بِمَا أَصَابُوا، وَيُخْبِرُونَ قَوْمِيَ بِكَرَامَتِهِمْ عَلَى الْمَلِكِ، وَتَقْصِيرِهِ بِي وَازْدِرَائِهِ4 إِيَّايَ، فَأَجْمَعْتُ عَلَى قَتْلِهِمْ، فَتَمَارَضْتُ وَعَصَبْتُ رَأْسِي، فَوَضَعُوا شَرَابَهُمْ، فَقُلْتُ: رَأْسِي يُصْدَعُ، وَلَكِنِّي أَجْلِسُ وَأَسْقِيكُمْ،
__________
1 خبر ضعيف: وأورده المصنف "3/ 21" في السير.
2 السير "3/ 22".
3 سدنة: خدمة وحراس.
4 ازدرائه: احتقاره.

(4/59)


فَجَعَلْتُ أَصْرِفُ لَهُمْ، يَعْنِي لَا أَمْزِجُ، وَأَنْزَعُ الْكَأْسَ، فَيَشْرَبُونَ وَلا يَدْرُونَ، حَتَّى نَامُوا سُكْرًا، مَا يَعْقِلُونَ، فَوَثَبْتُ وَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا، وَأَخَذْتُ مَا مَعَهُمْ، فَقَدَمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَجِدُهُ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ، وَعَلَيَّ ثِيَابُ سَفَرِي، "فَسَلَّمْتُ بِسَلَامِ الْإِسْلَامِ"1، فَعَرَفَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْإِسْلَامِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِنْ مِصْرَ أَقْبَلْتُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ الْمَالِكِيُّونَ؟ قُلْتُ: قَتَلْتُهُمْ وَجِئْتُ بِأَسْلَابِهِمْ2 إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُخَمِّسَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا إِسْلَامُكَ فَنَقْبَلُهُ، وَأَمَّا أَمْوَالُهُمْ فَلَا آخُذُ مِنْهَا شَيْئًا، هَذَا غَدْرٌ، وَلَا خَيْرَ فِي الْغَدْرِ"، قَالَ: فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَتَلْتُهُمْ وَأَنَا عَلَى دِينِ قَوْمِي، ثُمَّ أَسْلَمْتُ حَيْثُ دَخَلْتُ عَلَيْكَ السَّاعَةَ، قَالَ: "فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ" 3.
قَالَ: وَكَانَ قَدْ قَتَلَ ثَلَاثَةُ عَشَرَ نَفْسًا4، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الطَّائِفِ، فَتَدَاعَوْا لِلْقِتَالِ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا، عَلَى أَنْ تَحَمَّلَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ دِيَةً.
قَالَ الْمُغِيرَةُ: وَأَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى كَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ سَنَةَ سِتٍّ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ، وَكُنْتُ أَكُونُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَنْ يَلْزَمُهُ، فَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ فِي الصُّلْحِ، فَأَتَاهُ فَكَلَّمَهُ، وَجَعَلَ يَمَسُّ لِحْيَتَهُ، وَأَنَا قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ مُقَنَّعٌ فِي الْحَدِيدِ، فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: كُفَّ يَدَكَ قَبْلَ أَنْ لَا تَصِلَ إِلَيْكَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا يَا مُحَمَّدُ، فَمَا أَفَظَّهُ وَأَغْلَظَهُ؟! فَقَالَ: "هَذَا ابْنُ أَخِيكَ الْمُغِيرَةُ"، فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللَّهِ مَا غَسَلْتُ عَنِّي سوءتك إِلَّا بِالْأَمْسِ5.
رَوَى عَنْهُ: بَنُوهُ عُرْوَةُ، وَحَمْزَةٌ، وَعَفَّارٌ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَقَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَأَبُو وَائِلٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَزِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ، وَغَيْرُهُمْ.
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنِ الْمُغِيرَةَ قَالَ: أَنَا آخِرَ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، لما دفن
__________
1 زيادة من الطبقات الكبرى "4/ 286".
2 الأسلاب: ما عليهم من ثياب، وما لهم من سلاح وأموال.
3 حديث صحيح: أخرجه مسلم "121"، وأحمد "4/ 199، 204، 205".
4 إسناده ضعيف: أخرجه ابن سعد "4/ 285، 286" في طبقاته، وهو من رواية الواقدي، وهو من الضعفاء.
5 جزء من حديث صحيح: أخرجه البخاري "5/ 249" وغيره.

(4/60)


خَرَجَ عَلِيٌّ مِنَ الْقَبْرِ، فَأَلْقَيْتُ خَاتَمِي وَقُلْتُ: يَا أَبَا حَسَنٍ خَاتَمِي، قَالَ: انْزِلْ فَخُذْهُ، قَالَ: فَنَزَلْتُ فَمَسَحْتُ يَدِي عَلَى الْكَفَنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ1.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، فَأَبْغَضُوهُ، فَعَزَلَهُ، فَخَافُوا أَنْ يَرُدَّهُ، فَقَالَ دِهْقَانُهُمْ2: إِنْ فَعَلْتُمْ مَا آمُرُكُمْ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْنَا، قَالُوا: مُرْنَا، قَالَ: تَجْمَعُونَ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَذْهَبُ بِهَا إِلَى عُمَرَ فَأَقُولُ: هَذَا اخْتَانَ هَذَا الْمَالَ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ، فَجَمَعُوا لَهُ مِائَةَ أَلْفٍ وَأتي بِهَا عُمَرَ، فَدَعَا الْمُغِيرَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَذِبٌ، أَصْلَحَكَ اللَّهُ إنما كانت مائتي ألف، قال: ما حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: الْعِيَالُ وَالْحَاجَةُ، فَقَالَ عُمَرُ لِلدِّهْقَانِ: مَا تَقُولُ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَأَصْدُقَنَّكَ: وَاللَّهِ مَا دَفَعَ إِلَيَّ شَيْئًا، وَقَصَّ لَهُ أَمْرَهُ3.
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُغِيرَةَ وَلِيَ الْبَصْرَةَ وَغَيْرَهَا لِعُمَرَ، وَكَانَ مِمَّنْ قَعَدَ عَنْ علي ومعاوية.
وقال ابن أبي عروة، عَنْ قَتَادَةَ: إِنَّ أَبَا بَكْرَةَ، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَزِيَادًا، وَنَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ، سِوَى زِيَادٌ، أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يُولِجُهُ وَيُخْرِجُهُ، يَعْنِي يَزْنِي بِامْرَأَةٍ، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَشَارَ إِلَى زِيَادٍ: إِنِّي أَرَى غُلَامًا لَسِنًا لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، وَلَمْ يَكُنْ لِيَكْتُمَنِي شَيْئًا، فَقَالَ زِيَادٌ: لَمْ أَرَ مَا قَالَ هَؤُلَاءِ، وَلَكِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رِيبَةً وَسَمِعْتُ نَفَسًا عَالِيًا، قَالَ: فَجَلَدَ عُمَرُ الثَّلَاثَةَ4.
وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: غَضِبَ عَلَيْكَ اللَّهُ كَمَا غَضِبَ عُمَرُ عَلَى الْمُغِيرَةَ، عَزَلَهُ عَنِ الْبَصْرَةِ فَوَلَّاهُ الْكُوفَةَ.
قُلْتُ: وَقَدْ غَزَا الْمُغِيرَةَ بِالْجُيُوشِ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي إِمْرَتِهِ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ سَنَةَ أَرْبَعِينَ.
وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِعَلِيٍّ: ابْعَثْ إِلَى مُعَاوِيَةَ عَهْدَهُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اخْلَعْهُ، فَلَمْ يَفْعَلْ فَاعْتَزَلَهُ الْمُغِيرَةُ بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا اشْتَغَلَ علي
__________
1 حديث ضعيف: أخرجه ابن سعد "2/ 302، 303" وغيره، وفيه مجالد بن سعيد من الضعفاء، ولكنه توبع من عاصم الأحول، كما في السير "3/ 26"، ولكن فيه انقطاع.
2 الدهقان: كبير القوم، أو رئيس القرية.
3 حديث حسن: وأورده المصنف "2/ 26، 27" في السير.
4 خبر ضعيف: فيه انقطاع. وأورده المصنف في السير "2/ 27" وقال: ذكر القصة سيف بن عمر، وأبو حذيفة البخاري مطولة بلا سندي.
قلت: كلاهما تالف، فلا يعول عليه يحال.

(4/61)


وَمُعَاوِيَةُ، فَلَمْ يَبْعَثُوا إِلَى الْمَوْسِمِ أَحَدًا، جَاءَ الْمُغِيرَةُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ وَدَعَا لِمُعَاوِيَةَ1.
قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: حَجَّ سَنَةَ أَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْعَزِلًا بِالطَّائِفِ، فَافْتَعَلَ كِتَابًا عَامَ الْجَمَاعَةِ بِإِمْرَةِ الْمَوْسِمِ، فَقَدِمَ الْحَجَّ يَوْمًا خَشْيَةَ أَنْ يَجِيءَ أَمِيرٌ، فَتَخَلَّفَ عَنْهُ ابْنُ عُمَرَ، وَصَارَ مُعْظَمُ النَّاسِ مَعَ ابْنِ عُمَرَ2.
قَالَ اللَّيْثُ: قَالَ نَافِعٌ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ غَادُونَ مِنْ مِنًى، وَاسْتَقْبَلُونَا مُفِيضِينَ مِنْ جَمْعٍ، فَأَقَمْنَا بَعْدَهُمْ لَيْلَةً.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: دَعَا مُعَاوِيَةُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَهُمَا بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَعِنِّي عَلَى الْكُوفَةِ، قَالَ: فَكَيْفَ بِمِصْرَ؟ قَالَ: اسْتَعْمِلْ عَلَيْهَا ابْنَكَ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: فَنَعَمْ إِذَنْ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ طَوَّقَهُمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَكَانَ مُعْتَزِلًا بِالطَّائِفِ، فَنَاجَاهُ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَهُ: تُؤَمِّرُ عَمْرًا عَلَى الْكُوفَةِ وَابْنَهُ عَلَى مِصْرَ، وَتَكُونُ كَقَاعِدَةٍ بَيْنَ لَحْيَيِ الْأَسَدِ! قَالَ: فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَنَا أَكْفِيكَ الْكُوفَةَ، قَالَ: فَافْعَلْ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو حِينَ أَصْبَحَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ وَنَسْتَوْحِشُ إِلَيْكَ، فَفَهِمَهَا عَمْرُو فَقَالَ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَمِيرِ الْكُوفَةِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، وَاسْتَعِنْ بِرَأْيِهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى الْمَكِيدَةِ، وَاعْزِلْ عَنْهُ الْمَالَ، كَانَ مَنْ قَبْلَكَ عُمَرُ وَعُثْمَانَ قَدْ فَعَلَا ذَلِكَ، قَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْمُغِيرَةُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَمَّرْتُكَ عَلَى الْجُنْدِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ ذَكَرْتُ سُنَّةَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ قَبْلِي، قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: قَدْ عُزِلَتِ الْأَرْضُ عَنْ صَاحِبِكُمْ3.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَوْذَبٍ: إِنَّ الْمُغِيرَةَ أَحْصَنَ أَرْبَعَةً مِنْ بَنَاتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ4.
وَعَنِ الشَّعْبِيُّ قَالَ: دُهَاةُ الْعَرَبِ: مُعَاوِيَةُ، وَالْمُغِيرَةُ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَزِيَادٌ.
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: تَزَوَّجْتُ سَبْعِينَ امْرَأَةٍ5.
وَقَالَ مَالِكٌ: كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ نَكَّاحًا للنساء، ويقول: صاحب المرأة إن
__________
1 خبر ضعيف: فيه انقطاع. وأورده المصنف في السير "2/ 29".
2 إسناده منقطع: وهو خبر ضعيف.
3 السير "3/ 30".
4، 5 السير "3/ 30، 31".

(4/62)


مَرِضَتْ مَرِضَ، وَإِنْ حَاضَتْ حَاضَ، وَصَاحِبُ الْمَرْأَتَيْنِ بَيْنَ نَارَيْنِ تَشْتَعِلَانِ، وَكَانَ يَنْكِحُ أَرْبَعًا، ثُمَّ يُطَلِّقْهُنَّ جَمِيعًا1.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: كَانَ تَحْتَ الْمُغِيرَةِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، فَصَفَّهُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ: أَنْتُنَّ حِسَانُ الْأَخْلَاقِ، طَوِيلَاتُ الْأَعْنَاقِ، وَلَكِنِّي رَجُلٌ مِطْلَاقٌ، فَأَنْتُنَّ الطُلَّاقُ2.
الْمُحَارِبِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يخطب في العيد على بعير، وَرَأَيْتُهُ يَخْضِبُ بِالصُّفْرَةِ3.
مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النَّيْسَابُورِيُّ: ثَنَا دَاوُدُ بْنُ خُلْدٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ خَضَبَ بِالسَّوَادِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ.
أَبُو عَوَانَةَ، وَمِسْعَرٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةٍ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حِينَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ يَقُولُ: اسْتَغْفِرُوا لِأَمِيرِكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَافِيَةَ4.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ: رَأَيْتُ زِيَادًا وَاقِفًا عَلَى قَبْرِ الْمُغِيرَةَ، وَهُوَ يَقُولُ:
إِنَّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَزْمًا وَعَزْمًا ... وَخَصِيمًا أَلَدَّ ذَا مِعْلَاقٍ
حَيَّةٌ فِي الْوِجَارِ أَرْبَدُ لَا ينف ... ع مِنْهُ السَّلِيمَ نَفْثَةُ رَاقٍ5
قالْوَا: تُوُفِّيَ الْمُغِيرَةُ بِالْكُوفَةِ أَمِيرًا عَلَيْهَا سَنَةَ خَمْسِينَ، زَادَ بَعْضُهُمْ: فِي شَعْبَانَ.
63- الْمَغِيرَةُ بْنُ نَوْفَلِ، بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ6.
وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قبل الْهِجْرَةِ أَوْ بَعْدَهَا، كُنْيَتُهُ أَبُو يَحْيَى. تَزَوَّجَ بَعْدَ مَقْتَلِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِأُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ. فَأَوْلَدَهَا يَحْيَى، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ، وَشَهِدَ صِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ. وَكَانَ شَدِيدَ الْقُوَّةِ، وَهُوَ الَّذِي أَلْقَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُلْجَمٍ بِسَاطًا لَمَّا رَآهُ يَحْمِلُ عَلَى النَّاسِ، ثم احتمله وضرب به
__________
1 خبر ضعيف: السير "3/ 31"، البداية والنهاية "8/ 49".
2 خبر ضعيف: السير "3/ 31" وسنده منقطع.
3 خبر حسن: وأخرجه ابن سعد "6/ 20" في الطبقات الكبرى.
4 خبر صحيح: وأخرجه ابن سعد "6/ 21" بنحوه، والسير "3/ 31".
5 أسد الغابة "5/ 249"، السير "3/ 32".
6 انظر: الطبقات اكبرى "5/ 22، 23"، والتاريخ الكبير "7/ 318"، والجرح والتعديل "8/ 231"، وأسد الغابة "4/ 407، 408"، والإصابة "3/ 453".

(4/63)


الْأَرْضَ، وَأَخَذَ مِنْهُ السَّيْفَ. لَهُ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَوَاهُ أَوْلَادُهُ عَنْهُ. وَذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الصَّحَابَةِ1.
"حرف النُّونِ":
64- نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبِ، -4- بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ2.
صَاحِبُ بُدْنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَهُ رِوَايَةُ أَحَادِيثَ يَسِيرَةٍ، وَشَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ.
رَوَى عَنْهُ عُروَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرُهُ، وَبَقِيَ إِلَى زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، وَيُقَالُ: أَنَّهُ خُزَاعِيُّ، وَلَيْسَ بشيء.
65- نعيمان بْنُ عَمْرِو، بْنِ رِفَاعَةَ الْأَنْصَارِيُّ3، مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ.
هُوَ صَاحِبُ الْحِكَايَاتِ الظَّرِيفَةِ وَالْمِزَاحِ، شَهِدَ بَدْرًا.
يُقَالُ: أَنَّهُ تُوُفِّيَ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ. اسْمُهُ النُّعْمَانُ.
66- نُعَيْمُ بْنُ هَمَّارٍ، -د ن- وَيُقَالُ: ابْنُ هَبَّارٍ، وَقِيلَ فِي أَبِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، الْغَطَفَانِيُّ4. شَامِيٌّ لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ.
رَوَى عَنْهُ: كَثِيرُ بْنُ مُرَّةَ، وَأَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، وَقَيْسٌ الْحِذَامِيُّ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، فَلِهَذَا وَهِمَ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: هُوَ تَابِعِيٌّ.
67- النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ، -م4- الْكِلَابِيُّ الْعَامِرِيُّ5.
سَكَنَ الشَّامَ، لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ.
رَوَى عَنْهُ: جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
__________
1 الاستيعاب "3/ 386"، وأسد الغابة "4/ 408".
2 انظر: الطبقات الكبرى "4/ 314"، التاريخ الكبير "8/ 106، 107"، أسد الغابة "5/ 4، 5"، والاستيعاب "3/ 571، 572".
3 انظر: التاريخ الكبير "8/ 128"، والاستيعاب "3/ 573"، وأسد الغابة "5/ 26"، والإصابة "3/ 569".
4 انظر: الاستيعاب "3/ 558"، وأسد الغابة "5/ 35"، والإصابة "3/ 569".
5 انظر: التاريخ الكبير "8/ 126"، والجرح والتعديل "8/ 507"، والاستيعاب "3/ 569"، وأسد الغابة "5/ 45"، والإصابة "3/ 576".

(4/64)


"حرف الْوَاوِ":
68- وَائِلُ بْنُ حُجْرِ، -م4- بْنُ سعد، هُنَيْدَةَ الْحَضْرَمِيُّ1. لَهُ صُحْبَةٌ وَرِوَايَةٌ، وَكَانَ سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ لَمَّا دَخَلَ الْكُوفَةَ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنَاهُ عَلْقَمَةُ، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ، وَوَائِلُ بْنُ عَلْقَمَةَ، وَكُلَيْبُ بْنُ شِهَابٍ، وَآخَرُونَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ عَلَى رَايَةِ حَضْرَمَوْتَ بِصِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ2.
وَرَوَى سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْطَعَهُ أَرْضًا، وَأَرْسَلَ مَعَهُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ لِيُعَرِّفَهُ بِهَا. قَالَ: فَقَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: أَرْدِفْنِي خَلْفَكَ، فَقُلْتُ: إِنَّكَ لَا تَكُونُ مِنْ أَرْدَافِ الْمُلُوكِ، قَالَ: أَعْطِنِي نَعْلَكَ، فَقُلْتُ: انْتَعِلْ ظِلَّ النَّاقَةِ. فَلَمَّا اسْتَخْلَفَ أَتَيْتُهُ، فَأَقْعَدَنِي مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ فَذَكَّرَنِي الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَيْتَنِي كُنْتُ حَمَلْتُهُ بَيْنَ يَدَيَّ3.
69- وَحْشِيُّ بْنُ حَرْبٍ، -خ د ق- الْحَبَشِيُّ الْعَبْدُ، مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ4، وَقِيلَ: مَوْلَى ابْنِهِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ. هُوَ قَاتِلُ حَمْزَةَ، وَقَاتِلُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ.
لَمَّا أَسْلَمَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي" 5.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُهُ حَرْبٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، وَجَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ. وَسَكَنَ حِمْصَ.
"الْكُنَى":
70- أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ، اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ، وَقِيلَ: عَمْرُو بن عبد الله بن
__________
1 انظر: التاريخ الكبير "8/ 175"، والاستيعاب "3/ 646"، وأسد الغابة "5/ 81"، والإصابة "3/ 628".
2 السير "2/ 574".
3 حديث حسن: أخرجه أحمد "6/ 399".
4 انظر: الجرح والتعديل "9/ 45"، أسد الغابة "5/ 83، 84"، والاستيعاب "3/ 644".
5 حديث صحيح: أخرجه البخاري "5/ 129"، وأحمد "3/ 501"، والواحدي "194" في أسباب النزول.

(4/65)


سُفْيَانَ1، وَيُقَالُ غَيْرُ ذَلِكَ.
لَهُ صُحْبَةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَمِيرًا عَلَى كُرْدُوسٍ، وَكَانَ أَمِيرَ الْمَيْسَرَةِ يَوْمَ صِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ.
رَوَى عَنْهُ: قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَعَمْرٌو الْبِكَالِيُّ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مسلم: ثنا عثمان بن حصن، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: غَزَا أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ قُبْرُسَ ثَانِيًا سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ.
وعن سنان بن مالك أنه قال لأبي الأعور: إن الأشتر يدعوك إلى مبارزته، فسكت طويلًا ثم قال: إن الأشتر، خفته وسوء رأيه، حملاه على إجلاء عمال عثمان من العراق، ثم سار ألى عثمان، فأعان على قتله، لا حاجة لي بمبارزته.
تُوُفِّيَ أَبُو الأعور فِي خلافة مُعَاوِيَة؛ لأني وجدت جَرِيرُ بْنُ عُثْمَان رَوَى عَن عَبْد الرحمن بن أبي عوف الجرشي قال: لما بايع الحسن معاوية قال له عمرو بن العاص وأَبُو الأعور عمرو بن سفيان السلمي: لَوْ أمرت الْحَسَن فتكلم عَلَى النَّاس عَلَى المنبر عيي عَن المنطق، فيزهد فِيهِ النَّاس، فقال معاوية: لا تفعلوا، فوالله لقد رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمص لسانه وشفته، فأَبُوا عَلَى مُعَاوِيَة2. وذكر الحديث، تقدم.
71- أَبُو بُرْدة بن نيار، -ع- بن عمرو بن عُبيد3.
اسمه هانئ حليف الأنصار، وَهُوَ بدْري شهد بدرًا والمشاهد بَعْدَها.
رَوَى عَنْهُ: ابن أخته البَرَاء بن عازب، وجابر بن عَبْد اللَّهِ، وبشير بن يَسَارٍ، وغيرهم. تُوُفِّيَ بَعْدَ سَنَة اثنتين وَأَرْبَعِينَ.
72- أم حبيبة أم المؤْمِنِينَ بِنْت أَبِي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموية، اسمها رملة4.
__________
1 انظر: التاريخ الكبير "6/ 336"، والجرح والتعديل "6/ 234"، وأسد الغابة "5/ 138"، والإصابة "2/ 540، 541".
2 سبق تخريجه.
3 انظر: الطبقات الكبرى "3/ 451"، والتاريخ الكبير "8/ 227"، والجرح والتعديل "9/ 99"، والاستيعاب "4/ 17".
4 السير "2/ 35".

(4/66)


رَوَى عنها: أخواها مُعَاوِيَة، وعنبسة، وابن أخيها عَبْد اللَّهِ بن عُتبة، وعُرْوة، وأَبُو صالح السَمَان، وصفيَة بِنْت شيبة، وجماعة.
وقد تزوجها أولًا عُبيد اللَّه بن جحش بن رباب الأسدي، حليف بني عَبْد شمس، فولدت مِنْهُ حبيبة بأرض الحبشة في الهجرة، ثُمَّ تُوُفِّيَ عبيد اللَّه وقد تنصّر بالحبشة، فكاتب رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النجاشي، فزوّجها بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصدق عَنْهُ أربعمائة دينار في سَنَة ستٍ، وَكَانَ الذي ولي عقد النكاح خالد بن سَعِيد بن العاص بن أمية، وَدَخَلَ بِهَا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَنَة سبع، وعمرها يومئذ بضع وثلاثون سَنَة1.
قَالَ عُروة، عَن أم حبيبة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوجها وَهِيَ بالحبشة، زوّجها إياه النجاشي، ومهرها أربعة آلاف درهم من عنده، وبعث بِهَا مع شُرَحْبيل بن حسنة إِلَى رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجهازها كله من عند النجاشي2.
وَقَالَ حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً3.
قَالَ الْوَاقدي والفسوي وأَبُو القاسم: توفيت أم حبيبة سَنَة أربع وَأَرْبَعِينَ.
وَقَالَ المفضل الغلابيّ: توفيت سَنَة اثنتين وَأَرْبَعِينَ.
ووَهم من قَالَ: توفيت قبل مُعَاوِيَة بسنة، إِنَّمَا تلك أم سلمة. توفيت أم حبيبة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- بالمدينة عَلَى الصحيح، وقيل: توفيت بدمشق، وكانت قَدْ أتتها تزور أخاها4.
73- أَبُو حثَمة، والد سهل بن أَبِي حثمة الْأَنْصَارِيّ الحارثي، اسمه عامر بن ساعدة5.
شهد الخندق وَمَا بَعْدَها، وبعثه النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وعمر خارصًا6 إلى خيبر
__________
1 السير "2/ 219".
2 حديث صحيح: أخرجه أبو داود "2107"، والنسائي "6/ 119"، وأحمد "6/ 427".
3 حديث حسن: وأخرجه الواحدي "733"، "734" في أسباب النزول من طريق آخر.
4 السير "2/ 222".
5 انظر: الاستيعاب "4/ 41"، وأسد الغابة "5/ 169"، الإصابة "4/ 42".
6 الخارص: هو من يحرز، ويحصي التمر المزروع.

(4/67)


غير مرة. تُوُفِّيَ في أول خلافة مُعَاوِيَة.
74- أَبُو رفاعة، -م ن- العدوي1.
لَهُ صُحبة ورواية، عداده في البصْريين.
رَوَى عَنْهُ: حُمَيد بن هلال، ومحمد بن سِيرين، وصلة بن أشيم، وغيرهم.
قَالَ خَلِيفَة: وَهُوَ من فضلاء الصحابة، اسمه عَبْد اللَّهِ بن الحارث بن أسد، من بني عدي الرباب، وقيل: اسمه تميم بن أسَيْد، أخباره في الطبقات، علقتها في منتقى الاستيعاب.
وَكَانَ صاحب ليل وعبادة وغزو، استشهد في سرية عليهم عَبْد الرَّحْمَنِ بن سَمُرَة، تهجد فنام عَلَى الطريق فذُبح غيلة2، 3.
75- أَبُو الغادية الجهني، وَجُهَينة قبيلة من قُضاعة، اسمه يَسَارُ بن أزهر -وقيل: ابن سبع- المزني، وقيل: اسمه مسلم4.
وفد عَلَى رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبايعه.
وَرَوَى عَنْهُ: ابنه سعد، وكلثوم بن جبر، وخالد بن مَعْدان، والقاسم أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ، وغيرهم.
وَقَالَ ابن عَبْد البر: أدرك النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ غُلَامٌ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وغيره: هُوَ قاتل عمّار بن ياسر يَوْم صِفّين.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: ثَنَا كُلْثُومُ بن جبر، عن أبي الغادية قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَشْتِمُ عُثْمَانَ، فَتَوَعَّدْتُهُ بِالْقَتْلِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ طَعَنْتُهُ، فوقع، فقتلته5.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "7/ 68"، والاستيعاب "4/ 67"، وأسد الغابة "1/ 214"، "5/ 193"، الإصابة "كنى/ 410"، السير "3/ 14".
2 غيلة: غدرا.
3 الطبقات الكبرى "7/ 69"، والسير "3/ 15".
4 انظر: الاستيعاب "4/ 1725"، وأسد الغابة "6/ 237"، السير "2/ 544"، الإصابة "11/ 289".
5 إسناده منقطع، وأخرجه أحمد "4/ 76، 198".

(4/68)


76- أم كلثوم، بِنْت أَبِي بكر الصديق1.
تزوجها طلحة بن عُبَيد اللَّه، وَهِيَ أم عائشة بِنْت طلحة. مولدها بَعْدَ موت أَبِي بكر، وتزوجت بَعْدَ طلحة برجل مخزومي، وَهُوَ عَبْد الرَّحْمَنِ ولد عَبْد اللَّهِ بن أَبِي ربيعة بن المغيرة، فولدت لَهُ أربعة أولاد.
77- أُمُّ كُلْثُومَ، بِنْت عُقْبة بْن أَبِي مُعَيْط2.
لها حديث في الصحيحين. وَهِيَ أخت عُثْمَان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لأمه، من المهاجرات الأُوَلُ. لها ترجمة أيضًا في الطبقات لابن سعد.
78- أم كُلْثوم بِنْت عَلِيّ بن أَبِي طالب الهاشمية3.
ولدت في حياة جدها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتزوجها عمر وَهِيَ صغيرة، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْم الْقِيَامَةِ إِلَّا سببي ونسبي"4.
فَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُمَرَ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ5.
وعَبْد اللَّهِ ضعيف الحديث.
قَالَ الزُهري وغيره: ولدت لَهُ زيدًا.
وَقَالَ ابن إِسْحَاق: تُوُفِّيَ عنها عمر، فتزوجت بعون بن جعفر بن أَبِي طالب، فحدثني أَبِي قَالَ: دَخَلَ الْحَسَن والحسين عليها لَمَّا مات عمر فقالا: إن مكَنت أباك من ذمَتك أنكحك بعض أيتامه، ولئن أردت أن تصيبي بنفسك مالًا عظيمًا لتصيبنه، فلم يزل بِهَا عَلِيّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حَتَّى زوجها بعون فأحبته، ثُمَّ مات عنها6.
__________
1 انظر: الطبقات الكبرى "8/ 462"، وأسد الغابة "5/ 611"، والإصابة "4/ 493".
2 انظر: الطبقات الكبرى "8/ 462"، وأسد الغابة "5/ 611"، والإصابة "4/ 493".
3 انظر: الطبقات الكبرى "8/ 463"، الاستيعاب "1954"، وأسد الغابة "7/ 387"، والإصابة "4/ 492".
4 حديث صحيح لغيره: أخرجه ابن سعد "8/ 463" في طبقاته، والحاكم "3/ 142"، والبزار، والطبراني كما في المجمع "9/ 173"، وله شواهد.
5 السير "3/ 501".
6 خبر ضعيف: إسناده منقطع. وأورده ابن الأثير "7/ 388" في أسد الغابة، والمصنف "3/ 501" في السير.

(4/69)


قَالَ ابن إِسْحَاق: فزوجها أَبُوها بمحمد بن جعفر، فمات عنها، ثم زوجها بعبد اللَّه بن جعفر، فماتت عنده. قلت: وَلَمْ يجئها ولد من الإخوة الثلاثة.
وَقَالَ الزهري: وَلدَت جارية من محمد بن جعفر اسمها نبتة.
وَقَالَ غيره: ولدت لعمر زيدًا ورُقية، وقد انقرضا.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: جئت وقد صَلَّى عَبْد اللَّهِ بن عمر عَلَى أخيه زيد بن عمر، وأمه أم كلثوم بِنْت عَلِيّ1.
وَقَالَ حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، إن أم كلثوم وزيد بن عمر ماتا فكفنا، وصلى عليهما سَعِيد بن العاص، يعني إذ كَانَ أمير المدينة2.
قَالَ ابن عَبْد البر: إن عمر قَالَ لعلي: زوجنيها أبا حَسَن، فإني أرصد من كرامتها مَا لَا يرصده أحد، قَالَ: فأنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوجتكها، يَعْتَلُّ بصغَرهَا، قَالَ: فبعثها إليه ببرده وَقَالَ لها: قولي لَهُ: هَذَا البرد الذي قلت لك، فقالت لَهُ ذلك، فَقَالَ: قولي لَهُ: قد رضيت، رضي اللَّه عنك، ووضع يده عَلَى ساقها فكشفها، فقالت: أتفعل هَذَا؟ لَوْلا أنك أمير المؤْمِنِينَ لكسرت أنفك، ثُمَّ مضت إِلَى أبيها فأخبرته وقالت: بعثتني إِلَى شيخ سوء، قَالَ: يَا بُنية إِنَّهُ زوجك3.
رَوَى نحوًا من هَذَا سفيان بن عُيينة، عَن عمر بن دينار، عَن محمد بن عَلِيّ.
79- أَبُو موسى الأشعري هُوَ عَبْد اللَّهِ بن قيس بن سليم بن حضّار اليماني4، صَاحِبِ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قدِم عَلَيْهِ مسلما سَنَة سبع، مع أصحاب السفينتين من الحبشة، وَكَانَ قِدم مكة، فحالف بِهَا أبا أحَيحة سَعِيد بن العاص، ثُمَّ رجع إِلَى بلاده، ثُمَّ خرج منها في خَمْسِينَ من قومه قَدْ أسلموا، فألقتهم سفينتهم والرياح إِلَى أَرْضِ الحبشة، فأقاموا عند جعفر بن أَبِي طالب، ثم قدموا معه.
__________
1 خبر صحيح: وأخرجه البخاري "1/ 102" في الصغير مختصرًا، وابن سعد في الطبقات الكبرى "8/ 464".
2 خبر صحيح: وأخرجه ابن سعد "8/ 464، 465" في طبقاته.
3 خبر صحيح: وسبق تخريجه.
4 انظر: الطبقات الكبرى "2/ 344"، التاريخ الكبير "5/ 22"، الاستيعاب "3/ 979"، وأسد الغابة "3/ 367"، والإصابة "6/ 194".

(4/70)


اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا موسى عَلَى زبيد وعدن، ثُمَّ ولي الْكُوفَة والْبَصْرَة لعمر.
وحفظ عَن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكثير، وَعَن أَبِي بكر، وعمر، ومُعاذ، وأبي بن كعب، وَكَانَ من أجِلاء الصحابة وفضلائهم1.
رَوَى عَنْهُ: أنس، وَرِبْعي بن حِراش، وسَعِيد بن المسيب، وزَهدم الجرمي، وخلق كثير، وبنوه أَبُو بكر، وأَبُو بردة، وَإِبْرَاهِيم، وموسى.
وفُتحت أصبهان عَلَى يده وتُسْتر وغير ذلك، وَلَمْ يكن في الصحابة أطيب صوتًا مِنْهُ.
قَالَ سَعِيد بن عَبْد العزيز: حدثني أَبُو يوسف صاحب مُعَاوِيَة، أن أبا موسى قِدم عَلَى مُعَاوِيَة، فنزل في بعض الدُور بدمشق، فخرج مُعَاوِيَة من الليل يتسمع قراءته2.
وَقَالَ الهيثم بن عدي: أسلم أَبُو موسى بمكة، وهاجر إِلَى الحبشة. وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن بُرَيدة كَانَ أَبُو موسى قصيرًا أثطَ3 خفيف الجسم4 وَلَمْ يذكره ابن إِسْحَاق فيمن هاجر إِلَى الحبشة وَقَالَ أَبُو بُرْدَة، عَن أَبِي موسى قَالَ: قَالَ لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قدِمْنا حين افتتحت خيبر: "لَكُمُ الْهِجْرَةُ مَرَّتَيْنِ، هَاجَرْتُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ، وَهَاجَرْتُمْ إلي" 5.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقْدُمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ أَرَقُّ قُلُوبًا لِلْإِسْلَامِ مِنْكُمْ"، قَالَ: فَقَدِمَ الْأَشْعَرِيُّونَ، فِيهِمْ أَبُو مُوسَى، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ جَعَلُوا يَرْتَجِزُونَ:
غَدًا نَلْقَى الْأَحِبَّةْ ... مُحَمَّدًا وَحِزْبَهُ
__________
1 السير "2/ 381، 382".
2 خبر حسن: وانظر السير "2/ 382".
3 أثط: خفيف شعر اللحية.
4 خبر صحيح: وأخرجه ابن سعد "4/ 105" في الطبقات الكبرى، وأورده الذهبي "2/ 383" في السير.
5 حديث صحيح: أخرجه البخاري "7/ 371، 372"، ومسلم "2502"، وأحمد "4/ 395، 412"، وابن سعد "4/ 106"، في الطبقات.

(4/71)


فَلَمَّا أَنْ قَدِمُوا تَصَافَحُوا، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ الْمُصَافَحَةَ1. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ.
وَقَالَ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ: ثَنَا عِيَاضٌ الأَشْعَرِيُّ، عَنْ أبي موسى قال: لما نزل: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُمْ قَوْمُكَ يَا أَبَا مُوسَى"2. صححه الحَاكم.
وعياض نَزَلَ الْكُوفَة، مختَلف في صحبته، بقي إِلَى بَعْدَ السبعين، رواه ثقات، عَن شُعْبة بن سِماك، عَن عياض فَقَالَ: عَن أَبِي موسى.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ قَائِمٌ، وَإِذَا رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي، فَقَالَ لِي: "يَا بُرَيدَةُ أَتُرَاهُ يُرَائِي"، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "بَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ مُنِيبٌ"، ثُمَّ قَالَ: "لَقَدْ أُعْطِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرَ دَاوُدَ" 3، فَأَتَيْتُهُ فَإِذَا هُوَ أَبُو مُوسَى، فَأَخْبَرْتُهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، فِي قِصَّةِ جَيْشِ أَوْطَاسٍ4 أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا" 5.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ أُوتِيَ أَبُو مُوسَى مِنْ مَزَامِيرَ آلِ دَاوُدَ" 6.
وَقَالَ ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَرَأَ أَبُو مُوسَى لَيْلَةً فَقَامَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَمِعْنَ لِقِرَاءَتِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: لو علمت لحبرته تحبيرًا ولشوقت تشويقًا7.
__________
1 حديث صحيح: أخرجه أحمد "3/ 155، 222"، "3/ 251، 262"، وابن سعد "4/ 106" في طبقاته.
2 حديث حسن: أخرجه ابن سعد "4/ 107"، في طبقاته، والحاكم "2/ 313"، وصححه، وأقره الذهبي.
3 حديث صحيح: أخرجه مسلم "793"، وأحمد "5/ 349".
4 أوطاس: المراد غزوة حنين.
5 حديث صحيح: أخرجه البخاري "8/ 34"، ومسلم "2498".
6 حديث صحيح: أخرجه أحمد "2/ 450"، والنسائي "2/ 180"، وابن ماجه "1341".
7 حديث صحيح: أخرجه ابن سعد "4/ 108" في الطبقات الكبرى.

(4/72)


وقال أبو البختري: سَأَلْنَا عَلِيًّا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَن أَبِي مُوسَى فَقَالَ: صُبِغَ فِي الْعِلْمِ صِبْغَةً ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ.
وَقَالَ الأعلم بن يزيد: لَمْ أر بالْكُوفَة أعلم من عَلِيّ وأبي موسى.
وَقَالَ مسروق: كَانَ القضاء في أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ستة: عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي، وزيد بن ثابت، وأبي موسى1.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قضاة هَذِهِ الأمة أربعة: عمر، وعلي، وزيد بن ثابت، وأَبُو موسى2.
وَقَالَ الْحَسَن: مَا قدِم الْبَصْرَةَ راكبٌ خيرٌ لأَهْلها من أَبِي موسى3.
وَقَالَ قَتَادة: بلغ أبا موسى أن ناسًا يمنعهم من الجمعة أنه ليس لهم ثياب، قَالَ: فخرج عَلَى النَّاس في عباءة.
وَقَالَ ابن شَوذَب: دَخَلَ أَبُو موسى الْبَصْرَةَ عَلَى جمل أورق، وعليه خَرَج لَمَّا عُزل.
قلت: عزله عُثْمَان عنها، وأمر عليها عَبْد اللَّهِ بن عامر.
وَقَالَ أَبُو بُرْدة: سمعت أَبِي يقسم باللَّه أَنَّهُ مَا خرج حين نزع عن البصرة إلا بستمائة درهم.
وَقَالَ أَبُو سلمة بن عَبْد الرَّحْمَنِ: كَانَ عمر ربّما قَالَ لأبي موسى: ذكرنا يَا أبا موسى، فيقرأ.
وَقَالَ أَبُو عُثْمَان النهدي: مَا سمعت مزمارًا وَلَا طنبورًا وَلَا صنجًا4 أحسن من صوت أَبِي موسى، إن كَانَ ليُصلي بنا، فنودّ أَنَّهُ قرأ "البقرة" من حُسْن صوته. رواه سليمان التيمي، عَن أبي عثمان5.
__________
1 خبر صحيح: أخرجه أبو زرعة "504"، برقم "1922" في تاريخ دمشق، وأورده المصنف "2/ 388" في السير.
2 السير "2/ 389".
3 السابق "2/ 390".
4 الصنج: هو قرص مدور من نحاس يضرب به على آخر، فيحدث صوتا ذا رنين.
5 السير "2/ 392".

(4/73)


وَعَن أَبِي بُردة قَالَ: كَانَ أَبُو موسى لَا تكاد تلقاه في يَوْم حارّ إِلَّا صائمًا.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ: ثَنَا صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اجْتَهَدَ الأَشْعَرِيُّ قَبْلَ مَوْتِهِ اجْتِهَادًا شَدِيدًا، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ رَفَقْتَ بِنَفْسِكَ؟ قَالَ: إِنَّ الْخَيْلَ إِذَا أُرْسِلَتْ فَقَارَبَتْ رَأْسَ مَجْرَاهَا أَخْرَجَتْ جَمِيعَ مَا عِنْدَهَا، وَالَّذِي بَقِيَ مِنْ أَجَلِي أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ1.
وَقَالَ أَبُو صالح بن السَمَان: قَالَ عَلِيّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- في أمر الحَكَمين: يَا أبا موسى أحكم وَلَوْ عَلَى حَزِّ عُنُقي.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ: ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةَ الْبَكْرِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْهِ: سَلامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَدْ بَايَعَنِي عَلَى مَا أُرِيدُ، وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ بَايَعْتَنِي عَلَى الَّذِي بَايَعَنِي عَلَيْهِ، لأَسْتَعْمِلَنَّ أَحَدَ ابْنَيْكَ عَلَى الْكُوفَةَ وَالآخَرَ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَلا يُغْلَقُ دُونَكَ بَابٌ، وَلا تُقْضَى دُونَكَ حَاجَةٌ، وَقَدْ كَتَبْتُ إِلَيْهِ بِخَطِّ يَدِي، فَاكْتُبْ إِلَيَّ بِخَطِّ يَدِكَ، قَالَ: فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِنَّمَا تَعَلَّمْتُ الْمُعْجَمَ بَعْدَ وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ كِتَابًا مِثْلَ الْعَقَارِبِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إِلَيَّ فِي جَسِيمِ أَمْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، فَمَاذَا أَقُولُ لِرَبِّي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْهِ، لَيْسَ لِي فِيمَا عَرَضْتُ مِنْ حَاجَةٍ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ.
قَالَ أَبُو بُرْدة: فلما ولي مُعَاوِيَة أتيته، فما أغلق دوني بابًا، وقضي حوائجي2.
قَالَ أَبُو نُعَيم، وابن نُمَيْر وأَبُو بكر بن أَبِي شيبة، وقَعْنَب: تُوُفِّيَ سَنَة أربع وَأَرْبَعِينَ.
وَقَالَ الهيثم: تُوُفِّيَ سَنَة اثنتين وَأَرْبَعِينَ، وحكاه ابن مَنْده.
وَقَالَ الْوَاقدي: تُوُفِّيَ سَنَة اثنتين وخمسين.
وَقَالَ المدائني: تُوُفِّيَ سَنَة ثلاث وخمسين3.
__________
1 خبر حسن: السير "2/ 393".
2 خبر صحيح: وأخرجه ابن سعد "4/ 111، 112" في طبقاته من طريق آخر.
3 السير "2/ 397".

(4/74)