تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، ط التوفيقية

المجلد الثامن عشر
الطبقة الخامسة والعشرون
أحداث سنة إحدى وأربعين ومائتين
...
بسم الله الرحمن الرحيم
حسبنا الله ونعم الوكيل
الطبقة الخامسة والعشرون:
أحداث سنة إحدى وأربعين ومائتينِ:
فيها تُوفّي: الإمام أحمد بْن حنبل، وجُبَارة بن المُغِّلس، والحَسَن بن حمّاد سَجَّادة، وأبو تَوْبة الربيع بن نافع الحلبيّ، وعبد الله بن منير المَرْوَزِيّ، وأبو قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، وأبو مروان محمد بن عثمان العثمانيّ، ومحمد بن عيسى التيمي المقرئ، وهُدْبة بن عبد الوهاب المَرْوَزِيّ، ويعقوب بن حُمَيْد بن كاسب.
وثوب أهل حمص علي واليهم:
وفيها: وثب أهل حمص بواليهم محمد بن عَبْدَوَيْه، وأعانهم النَّصارى، فقاتلهم، وأنجده صالح أمير دمشق1.
تناثُر الكواكب:
وفي جُمَادَى الآخرة ماجت النّجوم في السّماء، وتناثرت الكواكب كالجراد أكثر الليل؛ وكان أمرًا مزعجًا لم يُعْهَد مثلُه.
غارة الروم على عين زربة:
وفيها: أغارت الروم على من بعين زَرَبَة.
غارة البُجاة 2 في مصر:
وأغارت البُجاة على ناحيةٍ من مصر، فسار إليهم القُمّي، وتبِعَه خلق من المطوعة
__________
1 "خبر صحيح": ذكره الطبري في تاريخ "9/ 199، 200"، وابن كثير في البداية والنهاية "10/ 323"، وتاريخ حلب للعظيمي "257"، ونهاية الأرب "22/ 286، 287"، وشذرات "2/ 96".
2 البجاة: هم طائفة من سودان بلاد النوبة والمغرب.

(18/3)


من الصّعيد، فكان في عشرين ألفًا بين فارس وراجل. وحُمِل إليه في بحر القُلْزُم عدّة مراكب، فيها أقوات، ولجّجوا بها في البحر حتّى يلاقوا بها ساحل البُجاة. وحشد له ملك البُجاة عساكر يقاتلون على الإبِل بالحِراب، فتناوشوا أيّامًا من غير مصَافٍّ، وقصد البجاة ذلك ليفنى زاد المسلمين. ثمّ التقوا، فحملوا على البُجاة، فنفرتِ إِبلُهم من الأجراس، ونفرت في الجبال، والأودية، ومزَّقت جمعهم. فأُسِرَ وقُتِل خَلْقٌ منهم، وساقَ وراءهم، فهرب الملك وأخذ تاجه وخزائنه.
ثمّ أرسل الملك يطلب الأمان وهو يؤدّي الخراج. وسار معهم إلى باب المتوكّل في سبعين من خواصه، واستناب ولده، وكان يعبد الأصنام1.
__________
1 راجع: تاريخ الطبري "9/ 203-206"، وتجارب الأمم "6/ 548-551"، والبداية "10/ 324، 325".

(18/4)


أحداث سنة اثنتين وأربعين ومائتين:
فيها تُوُفّي: أبو مُصْعَب الزُّهْريّ، والحَسَن بن عليّ الحُلْوانيّ، وابن ذَكْوان المقرئ، وزكريّا بن يحيى كاتب العُمريّ، ومحمد بن أسلم الطُّوسيّ، ومحمد بن رُمح التُّجَيْبيّ، ومحمد بن عبد الله بن عمّار، ويحيى بن أكثم.
خبر زلازل عدة 1:
ويقال: فيها كانت زلزلة عظيمة بقومس وأعمالها، هلك منها خلق تحت الهدْم، قيل: بلغت عُدَّتهم خمسةً وأربعين ألفًا.
وكان معظم ذلك بالدّامَغَان2، حتّى قيل: سقط نصفها.
وزُلْزلت الرِّيّ، وجُرْجَان، ونَيْسابور، وطَبَرِسْتان.
ورُجمت قرية السّويدا بناحية مُضَر، ووقع منها حجر على خيمة أعراب.
ووُزن حجر منها، فكان عشرة أرطال3.
__________
1 انظر تاريخ الطبري "9/ 207"، والكامل في التاريخ "7/ 81"، والبداية والنهاية "10/ 343".
2 انظر تاريخ اليعقوبي "2/ 491"، وتاريخ سني ملوك الأرض والأنبياء "145".
3 نهاية الأرب "22/ 290"، وتاريخ الخلفاء "348"، ومآثر الإناقة "1/ 233".

(18/4)


مسير جبل باليمن:
وسار جبل باليمن عليه مزارع لأهله حتّى أتى مزارع آخرين.
صياح الطائر بحلب:
ووقع بحلب على دُلْبة طائرٌ أبيض دون الرخمة في رمضان، فصاح: يا معاشر النّاس، اتقوا الله الله الله، فصاح أربعين صوتًا، ثمّ طار.
وجاء مِن الغد، ففعل كذلك. وكتب البريد بذلك وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه1.
خرج الروم إلى آمِد والجزيرة:
وفيها حشدت الروم، وخرجوا من ناحية شِمْشاط إلى آمد والجزيرة، فقتلوا وسَبَوْا نحو عشرة آلاف، ورجعوا2.
الحجّ هذا الموسم:
وحجّ بالنّاس والي مكّة عبد الصمد بن موسى بن محمد الهاشميّ.
وحجّ من البصرة إبراهيم بن مطهِّر الكاتب على عجلة تجرّها الإبِل، وتعجّب النّاس من ذلك.
__________
1 نهاية الأرب "22/ 290"، والأعلاق والخطيرة "2/ 307".
2 تاريخ الطبري "9/ 207"، والبداية والنهاية "10/ 343"، والنجوم الزاهرة "2/ 307".

(18/5)


أحداث سنة ثلاثٍ وأربعين ومائتين:
تُوُفيّ فيها: أحمد بن سعيد الرباطيّ، وأحمد بن عيسى المصريّ، وإبراهيم بن العبّاس الصُّوليّ، والحارث المُحَاسبِيّ، وحَرْمَلَة، ومحمد بن يحيى العَدَنيّ، وهارون الحمّال.
عزم المتوكل السكنى بدمشق:
وفي آخرها قدِم المتوكّل إلى دمشق، فأعجبته، وبنى له القصر بدارَيّا، وَعَزَمَ على

(18/5)


سُكْنَاهَا، فعمل يزيد بن محمد المُهَلّبيّ:
أظنُّ الشّام تشمَتُ بالعراقِ ... إذا عزم الإمامُ على انْطلاقِ
فإنْ تَدَعِ العِراقَ وساكنيه ... فقد تُبْلى المليحةُ بالطّلاقِ1
فبدا له ورجع بعد شهرين أو ثلاثة، في سنة أربعٍ2.
الحجّ هذا الموسم:
وحجّ بالنّاس عبد الصّمد بن موسى، وسار بالموكب من العراق جعفر بن دينار. والله أعلم3.
__________
1 تاريخ الطبري "9/ 209"، مروج الذهب "4/ 114".
2 تاريخ اليعقوبي "2/ 491"، وتجارب الأمم "6/ 552".
3 وراجع: تاريخ الطبري "9/ 209"، والبداية "10/ 344-346".

(18/6)


أحداث سنة أربع وأربعين ومائتين:
فيها تُوَفيّ: أحمد بن منيع، وإبراهيم بن عبد الله الهَرَوِيّ، وإسحاق بن موسى الخَطْميّ، والحَسَن بن شُجاع البلْخيّ الحافظ، وأبو عمّار الحسين بن حُرَيْث، وحُمَيْد بن مَسْعَدَة، وعبد الحميد بن بيان الواسطيّ، وعليّ بن حُجْر، وعُقْبة بن عبد الله المَرْوَزِيّ، ومحمد بن أبان المستمليّ، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشَّوارب، ويعقوب بن السكيت.
فتح حصن للروم:
وفيها افتتح بُغَا حصنًا من الروم يقال له صُمُلَّة1.
نفي طبيب المتوكل:
وفيها سخط المتوكّل على طبيبه بَخْتَيْشُوع، ونفاه إلى البحرين.
__________
1 "خبر صحيح": ذكره الطبري في تاريخه "9/ 207-211"، وتاريخ حلب للعظيمي "258"، والبداية "10/ 345"، وانظر صحيح التوثيق "6/ 230".

(18/6)


اتفاق الأعياد:
فيها: اتّفق عيد الأضحى، وفَطِير اليهود، وعيد الشّعانين للنصارى في يوم واحد1.
__________
1 التاريخ للطبري "9/ 211"، والبداية "10/ 346"، والنجوم الزاهرة "2/ 318".

(18/7)


أحداث سنة خمسٍ وأربعين ومائتين:
فيها تُوُفيّ: أحمد بن عَبْدة الضَّبّيّ، وإسحاق بن إسرائيل، وإسماعيل بن موسى السُّدّيّ، وذو النُّون المصريّ، وسَوّار بن عبد الله العنْبريّ، وعبد الله بن عِمران العابديّ، ودُحَيْم، وأبو تُراب النَّخْشَبيّ، ومحمد بن رافع، وهشام بن عمّار.
عموم الزلازل في البلاد:
ويقال: فيها عمّت الزلازل الدُّنيا، فأخربت القلاع والمدن والقناطر، وهلك خلق بالعراق والمغرب. وسقطت من أنطاكية نيِّفٌ وتسعون برجًا. وتقطّع جبلها الأقرع وسقط في البحر. وسُمِع من السّماء أصوات هائلة، وهلك أكثر أهل اللاذقّية تحتّ الردْم. وذهبت جَبَلةُ بأهلها، وهُدِمت بالِس وغيرها. وامتدّت إلى خُراسان، ومات خلائق منها.
وأمر المتوكل بثلاثة آلاف ألف درهم للذين أصيبوا بمنازلهم1.
وزلزلت مصر. وسمعَ أهل بُلْبِيس من ناحية مصر ضجّة هائلة، فمات خلق من أهل بُلْبِيس.
وغارت عيون مكّة2.
بناء الماحوزة:
وفيها: أمر المتوكّل ببناء الماحوزة، وسماها الجعفريّ. وأقطع الأمراء بُنَاها، وأنفق بعد ذلك عليها أكثر من ألفَيْ ألف دينار. وبنى قصرًا سمّاه اللؤلؤة، لم ير مثله في
__________
1 "خبر صحيح": ذكره الطبري في تاريخه "9/ 212، 213"، واليعقوبي في تاريخه "2/ 491"، وتاريخ الخلفاء "349".
2 تاريخ الطبري "9/ 213"، والبداية "10/ 346".

(18/7)


عُلُوِّه وارتفاعه. وحفر للماحوزة نهرًا كان يعمل فيه اثنا عشر ألف رجل، فقُتِل المتوكّل وهم يعملون فيه، فبطُل عمله، وخربت الماحوزة، ونُقِض القصر1.
غارة الروم على سُميساط:
وفيها: أغارت الروم على سميساط فقتلوا خمسمائة، وسَبَوْا، فغزا عليّ بن يحيى، فلم يظفر بهم.
__________
1 وراجع تاريخ الطبري "9/ 212"، وتاريخ اليعقوب "2/ 492"، والنجوم الزاهرة "2/ 320".

(18/8)


أحداث سنة ستٍّ وأربعين ومائتين:
فيها تُوُفيّ: أحمد بن إبراهيم الدَّوْرقيّ، وأحمد بن أبي الحواريّ، وأبو عَمْرو الدُّوريّ المقرئ، ودِعْبِل الشّاعر، ولُوَيْن، ومحمد بن مُصَفَّى، والمسيِّب بن واضح.
غزو المسلمين الروم:
وفيها: غزا المسلمون الرومَ، فسبوا، واستنقذوا خلائق من الأسرى1.
تحوُّل المتوكّل إلى الماحوزة:
ويوم عاشوراء تحوّل المتوكّل إلى الماحوزة مدينته التي أمر ببنائها، وفرَّق في الصُّنَّاع والعمّال عليها مبلغًا عظيمًا2.
المطر ببلخ:
وفيها: مُطِرَت بناحية بلْخ مطرًا دمًا عبيطًا3.
الحجّ هذا الموسم:
وحجّ بالرَّكْب العراقيّ محمد بن عبد الله بن طاهر، فولي أعمال الموسم، وأخذ
__________
1 "خبر صحيح": ذكره الطبري في تاريخه "9/ 219"، ونهاية الأرب "22/ 392".
2 "خبر صحيح": أورده الطبري "9/ 219"، والبداية "10/ 347".
3 راجع: نهاية الأرب "22/ 293"، والنجوم الزاهرة "2/ 322".

(18/8)


معه ثلاثمائة ألف دينار لأهل مكة، ومائة ألف لأهل المدينة، ومائة ألف لإجراء الماء من عَرَفَات إلى مكة1.
__________
1 تاريخ الطبري "9/ 221"، والبداية والنهاية "10/ 347".

(18/9)


أحداث سنة سبْعٍ وأربعين ومائتين:
فيها تُوُفّي: إبراهيم بن سعد الْجَوْهريّ، وأبو عثمان المازنيّ، والمتوكّل على الله، وَسَلَمَةُ بن شبيب، وسُفْيان بن وكيع، والفتح بن خاقان الوزير.
بيعة المنتصر بالله:
وفي رابع شوّال بُويع بالخلافة بعد قتل المتوكّل ابنُه المنتصر بالله محمد.
فولَّى المظالم أبا عَمْرة أحمد بن سعيد مولى بني هاشم1.
__________
1 تاريخ الطبري "9/ 239".

(18/9)


أحداث سنة ثمانٍ وأربعين ومائتين:
فيها تُوُفيّ: أحمد بن صالح المصريّ، والحسين الكرابيسيّ، وطاهر بن عبد الله الأمير، وعبد الجبار بْن العلاء، وعبد الملك بْن شعيب بن الليث، وعيسى بن حمّاد زُغْبة، والقاسم بن عثمان الْجَوْعيّ، ومحمد بن حُمَيْد الرّازيّ، والمنتصر بالله محمد، ومحمد بن زُنْبُور المكّيّ، وأبو كُرَيْب محمد بن العلاء، ومحمد بن موسى الحَرَشِيّ، وأبو هشام الرفاعيّ.
وقوع الوحشة بين وصيف التركي والوزير:
وفيها: وقع بين الوزير أحمد بن الخصيب وبين وصيف التُّرْكيّ وحْشَةٌ، فأشار الوزير على المنتصر أن يُبْعِدَ عنه وَصِيفًا، وخوَّفه منه. فأرسل إليه: إنّ طاغية الروم أقبل يريد الإسلام، فسِرْ إليه. فاعتذر، فأحضره وَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ أَنْتَ أَوْ أَخْرُجَ.
فقال: لا، بل أخرج أنا.
فانتخب المنتصر معه عشرة آلاف، وأنفق فيهم الأموال، وساروا. ثمّ بعث المنتصر إلى وصيف يأمره بالمقام بالثغر أربع سنين1.
__________
1 تاريخ الطبري "9/ 240-244"، والنجوم الزاهرة "2/ 326".

(18/9)


خلع المعتزّ والمؤيّد من العهد:
وفي صفر خلع المعتز والمؤيد أنفسهما من المعهد مُكْرَهَيْن.
لمّا استقامت الأمور للمنتصر ألحّ عليه أحمد بن الخصيب، ووصيف، وبغا في خلعهما خوفًا من موته قبل المعتزّ، فيهلكهم المعتزّ. وكان المنتصر مكرِمًا للمعتزّ والمؤيد إلى أربعين يومًا من خلافته، ثمّ جعلهما في حُجْرة، فقال المعتزّ لأخيه: أحضرنا يا شقيّ هنا للخلْع.
قال: ما أظنّه يفعل.
فجاءتهم الرُّسُل بالخَلْع، فأجاب المؤيّد، وامتنع المعتزّ وقال: إن كنتم تريدون قتْلي فافعلوا.
فمضوا وعادوا فحبسوه في بيتٍ، وأغلظوا له، ثمّ دخل عليه أخوه المؤيّد وقال: يا جاهل قد رأيت ما جرى على أبينا، وأنت أقربُ إلى القتل، اخلَعْ، ويلك، فإن كان في عِلْم الله أنّك تلي لَتَلِيَنَّ.
فخلع نفسه، وكتبا على أنفسهما أنّهما عاجزان، وقصْدنا أن لا يأثَم المتوكّل بسببنا، إذ لم نكن له موضعا. واعترافا بذلك في مجلس العامّة بحضرة جعفر بن عبد الواحد الهاشميّ، ووَصِيف، وبُغا، ومحمد بن عبد الله بن طاهر، وبُغا الصّغير، وأعيان بني عمّهما.
فقال لهما المنتصر: أَتَرَياني خلعتكما طمعًا في أن أعيش بعدكما حتّى يكبر ولدي عبد الوهَّاب وأُبايع له؟ والله ما طمعت في ذلك. ووالله لأن يلي بنو أبي أحبّ إليَّ من أن يلي بنو عمّي، ولكنّ هؤلاء -وأومأ إلى الأمراء- ألحّوا عليَّ في خلْعكما، فخفت عليكما من القتْل إن لم أفعل، فما كنت أصنعُ؟ أقتلهم؟ فوالله ما تفي دماؤهم كلُّهم بدم بعضكما.
فأكبّا عليه فقبّلا يده وضَمَّهُما إليه وانصرفا1.
مقتل محمد الخارجي:
وفيها حكم محمد بن عمر الخارجيّ بناحية المَوْصِل؛ ومال إليه خلق.
__________
1 تاريخ الطبري "9/ 244"، وتجارب الأمم "6/ 558-560"، والبداية والنهاية "10/ 353".

(18/10)


وسار لحربه إسحاق بن ثابت الفَرَغانيّ، فالتقوا، فقُتِل جماعة من الفريقين، ثمّ أسِر محمد وجماعة، فقتِلوا وصُلبوا إلى جانب خشبة بابَك1.
استيلاء الصفّار على خراسان:
وفيها: قويت شوكة يعقوب بن اللَّيْث الصَّفّار، واستولى على مُعْظم إقليم خُراسان؛ وسار من سِجِسْتان ونزل هراة، وفرّق في هذه الأموال2.
مقتل المنتصر بالله:
وفيها: قُتِل المنتصر بالله بالذَّبْحة، وهي الخوانيق، وقيل: إنه سُمَّ3.
بيعة المستعين بالله:
وبُويع بعده المستعين بالله أبو العباس أحمد بن المعتصم. وأمّه أمّ ولد، اسمها مُخَارِق.
وكان مليحا أبيض، بوجهه أثر جُدَرِيّ، وكان أَلْثَغ.
ولمّا هلك المنتصر اجتمع القُوّاد وتشاوروا، وذلك برأي ابن الخصيب، فقال لهم أُوتَامِش: متى وليْتم أحدًا من ولد المتوكّل لا يُبقي منّا باقية.
فقالوا: ما لها إلا أحمد بن المعتصم ولَد أُستاذنا.
فقال محمد بن موسى المنجّم سرّا: أَتُوَلُّون رجلا عنده أنُّه أحقّ بالخلافة من المتوكّل وأنتم دفعتموه عنها؟ ولكن اصطَنِعوا إنسانًا يعرف ذلك لكم.
فلم يقبلوا منه، وبايعوا أحمد المستعين وله ثمانٍ وعشرون سنة.
فاستكتب أحمد بن الخصيب، واستوزر أوتامِش. فبينا هو قد دخل دار العامة في دَسْت الخلافة، إذا جماعة من الشّاكريّة والغَوْغاء وبعض الْجُنْد، وهم نحو ألف، قد شهروا السلاح وصاحوا: المعتز يا منصور4.
__________
1 وراجع: النجوم الزاهرة "2/ 326".
2 النجوم الزاهرة "2/ 326".
3 تاريخ الطبري "9/ 251"، تاريخ مختصر الدول "146".
4 تاريخ الطبري "9/ 257"، والبداية والنهاية "11/ 2".

(18/11)


فتنة الغوغاء:
ونشبت الحرب بين الفريقين، وقُتل جماعة. فخرج المستعين عن دار العامّة وأتى إلى القصر الهارونيّ، فبات به.
ودخل الغَوْغاء دار العامّة، فنهبوا خزائن السّلاح، ونهبوا دُورًا عديدة. وكثُرت الأسلحة واللامَة1 عليهم، فأجلاهم بُغَا الصَّغير عن دار العامّة، وكثُرت القتلى بينهم. فوضع المستعين العطاء فسكنوا. وبعث بكتاب البَيْعة إلى محمد بن عبد الله بن طاهر إلى بغداد، فبايع النّاس. وأعطى المستعين أحمد بن الخصيب أموالا عظيمة2.
نفي ابن الخصيب إلى أقريطش:
ثمّ في هذه السنة، في رجب أو قبله، نفاه إلى أقْرِيطش، ونهب أمواله بعد المحبّة الزائدة3.
وذلك بتدبير أوتامش، وحطّه عليه عند المستعين.
تولية ابن طاهر العراق:
وفيها: عقد المستعين لمحمد بن عبد الله بن طاهر على العراق والحَرَمَيْن والشّرطة4.
وفاة طاهر بن عبد الله:
وتُوُفّي أخوه طاهر بن عبد الله بُخراسان، فعقد المستعين لابنه محمد بن طاهر على خُراسان5.
موت بُغا الكبير:
ومات بُغا الكبير في جُمَادَى الآخرة، فعقد المستعين لابنه موسى بن بغا على
__________
1 اللامة: هو الخوذة التي تقي رأي الفارس.
2 وراجع: تاريخ الطبري "9/ 256-258"، ونهاية الأرب "22/ 302"، والبداية والنهاية "11/ 2".
3 تاريخ الطبري "9/ 259"، والنجوم الزاهرة "2/ 328".
4 تاريخ الطبري "9/ 258"، وشذرات الذهب "2/ 117، 118"، وتاريخ سني ملوك الأرض "146".
5 مرآة الجنان "2/ 155"، تاريخ اليعقوبي "2/ 494، 495".

(18/12)


أعمال أبيه1.
حبْس المعتزّ والمؤيّد:
وفيها: حبس المستعين المعتزّ والمؤيّد، وضيّق عليهما، واشترى أكثر أملاكهما كُرْهًا. وجعل لهما في السنة نحو ثلاثة وعشرين ألف دينار2.
الفتنة بين أهل حمص وعاملهم:
وفيها: أخرج أهل حمص عاملهم، فراسلهم وخدعهم حتى دخلها، فقتل منهم طائفة، وحمل من أعيانهم مائة إلى العراق، وهدم سور حمص3.
العقد لأوتامش على مصر والمغرب:
فيها: عقد المستعين لأوتامش على مصر والمغرب مع الوزارة، ففرق في الْجُنْد ألفي ألف دينار4.
غزوة الصائفة:
وفيها: غزا وصيف الصّائفة5.
نفْي ابن خاقان:
وفيها: نفي المستعين عُبَيْد الله بن يحيى بن خاقان إلى بَرْقَةَ، والله أعلم6.
أحداث سنة تسعٍ وأربعين ومائتين:
فيها تُوُفيّ: عبد بن حميد، وأبو حفص الفلاس.
__________
1 تاريخ الطبري "9/ 258"، وتاريخ ابن خلدون "3/ 283"، والنجوم الزاهرة "2/ 327".
2 مروج الذهب "4/ 162"، والتاريخ للطبري "9/ 258".
3 وراجع: تاريخ اليعقوبي "2/ 495"، وتاريخ ابن خلدون "3/ 283".
4 تاريخ الطبري "9/ 260"، نهاية الأرب "22/ 303".
5 تاريخ ابن خلدون "3/ 283، 284"، وتجارب الأمم "6/ 557".
6 تاريخ الطبري "9/ 258"، والنجوم الزاهرة "2/ 327".

(18/13)


شغب الْجُنْد ببغداد:
وفي صَفَر، شغب الْجُنْد ببغداد عند مقتل عمر بن عُبَيْد الله الأقطع، وعلي بن يحيى الأرمني أمير الغُزاة ببلاد الروم مجاهدين، وعند استيلاء التُّرْك على بغداد، وَقَتْلِهِم المتوكّل وغيره، وتَمَكُّنِهِم من الخلفاء وأذِيّتهم للنّاس. ففتح الْجُند والشّاكريّة السُّجون، وأحرقوا الجسر، وانتهبوا الدَّواوين، ثمّ خرج نحو ذلك بسُرَّ من رأى. فركب بُغا وأُوتامِش، وقتلوا من العامّة جماعة. فحمل عليهم العامّة، ففتكت من الأتراك جماعة. وشُجّ وَصِيف بحجر، فأمر بإحراق الأسواق1.
مقتل أوتامش:
وفي ربيع الآخر قُتِل أُوتامِش وكاتبه شجاع، فاستوزر المستعين أبا صالح عبد الله بن محمد بن يزداد2.
عزْل جعفر بن عبد الواحد عن القضاء:
وفيها عُزِل عن القضاء جعفر بن عبد الواحد وولاه جعفر بن محمد بن عمّار البُرْجُميّ الكوفيّ3.
خبر الزلزلة في الرّيّ:
وجاءت زلزلة هلك فيها خلقٌ تحت الهدْم في الري4.
__________
1 مختصر تاريخ الدول "146"، والبداية والنهاية "11/ 3".
2 تاريخ الطبري "9/ 264"، وخلاصة الذهب المسبوك "229" للإربلي.
3 تاريخ الطبري "9/ 265"، والنجوم الزاهرة "2/ 330".
4 البداية والنهاية "11/ 4"، والنجوم الزاهرة "2/ 330".

(18/14)


أحداث سنة خمسين ومائتين:
فيها تُوُفيّ: أبو الطّاهر أحمد بن السَّرْح، وأبو الحسين البزّيّ مُقرئ مكّة، والحارث بن مسكين، وأبو حاتم السِّجِسْتانيّ، وعبّاد بن يعقوب الرّواجنيّ شيعيّ، وعَمْرو بن عثمان الحمصيّ، والجاحظ، وكُثَيِّر بن عُبَيْد الحمصيّ، ونصر بن علي الجهمضي.
مقتل يحيى بن عمر في المصافّ بالكوفة:
وفيها: ظهر يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بالكوفة. وقُتِل في المصافّ بينه وبين جيش محمد بن عبد الله بن طاهر بناحية الكوفة، ومحمود بن خالد، وهشام بن خالد الأزرق1.
استيلاء الحسن بن زيد على آمل:
ثمّ في رمضان، خرج الحَسَن بن زيد بن محمد الحَسنيّ بطَبَرسْتان واستولى على آمُل، وجبى الخَرَاج، وامتدَّ سلطانه إلى الرِّيِّ، وهمذان، والتجأ إليه كلّ من يريد الفتنة والنَّهْب. وانهزم عسكر ابن طاهر بين يديه مرَّتين. فبعث المستعين جيشًا إلى همدان2.
العقد للعباس على العراق:
وفيها: عقد المستعين لابنه العَبّاس على العراق والحَرَمَيْن3.
نفي جعفر بن عبد الواحد:
وفيها: نُفي جعفر بن عبد الواحد إلى البصرة لأنّه عُزِل عن القضاء، وبعث إلى الشّاكريَّة، فأفسدهم4.
وثوب أهل حمص بعاملهم:
وفيها: وثب أهل حمص بعاملها الفضل بن قارن، فقتلوه في رجب، فسار إليهم موسى بن بُغا، فالتقوا عند الرَّسْتَن، فهَزَمهم، وافتتح حمص، وقتل فيها مقتلة عظيمة. وأحرق فيها وأسر من رءوسها5.
__________
1 "خبر صحيح": تاريخ الطبري "9/ 266-271"، والبداية "11/ 5، 6"، وتاريخ اليعقوبي "2/ 497"، وتاريخ ابن خلدون "3/ 285"، وشرح شافية أبي فراس "177".
2 "خبر صحيح": تاريخ الطبري "9/ 271-276"، والبداية والنهاية "11/ 6"، وسني ملوك الأرض "170".
3 "خبر صحيح": مروج الذهب "4/ 154"، والنجوم الزاهرة "2/ 331"، وصحيح التوثيق "6/ 245".
4 الكامل في التاريخ "7/ 134"، والنجوم الزاهرة "2/ 331".
5 تاريخ الطبري "9/ 276"، والأعلاق الخطيرة "1/ 73"، وصحيح التوثيق "6/ 245".

(18/15)


تراجم رجال هَذِهِ الطبقة:
"حرف الألف":
1- أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بن كثير1 -م. د. ت. ق- أبو عبد الله العبدي النُّكْريّ البغداديّ الدَّوْرقيّ. أخو يعقوب الدَّوْرقيّ، وهي نسبة إلى عمل القَلانِس الدَّوْرَقيّة. وكان أبوه صالحا ناسكا. فقيل: إنّه كان مَن تنسَّك في ذلك الزَّمان سُمّي دَوْرقيا.
وقيل: كانوا يَلْبَسون القلانِس الطّويلة الدَّوْرَقيّة.
سمع: هُشَيْما، وجرير بن عبد الحميد، وحفص بن غِياث، ويزيد بن زُرَيْع، وإسماعيل بن عُلَيَّة، وطائفة.
وعنه: م. د. ت. ق، وأبو بكر بن أبي الدُّنيا، وأحمد بن منصور الرَّماديّ، والهيثم بن خَلَف الدُّوريّ، ومحمد بن محمد بن بدْر الباهليّ، وآخرون.
قَالَ أَبُو حاتم: صدوق.
وقال ابْن عساكر: تُوُفّي لِسَبْعٍ بقين من شعبان سنة ستٍّ وأربعين.
قلت: كمّل ثمانين سنة، وقد جَمَعَ وصَنَّفَ، وكان حافظا فَهما.
2- أحمد بن أبان القُرَشيّ2.
سمع: الدَّراوَرْديّ.
وعنه: أبو بكر البزّار في مُسْنَدِه.
3- أحمد بن إبراهيم بن مهران3.
أبو الفضل البُوشَنْجيّ.
عن: سُفْيان بن عُيَيْنة، وأنس بن عياض.
__________
1 التاريخ الكبير "2/ 6"، والصغير "236"، والجرح "2/ 39"، وتاريخ بغداد "4/ 776"، والمعجم المشتمل لابن عساكر "37"، وتذكرة الحفاظ "2/ 505".
2 الثقات لابن حبان "8/ 32".
3 تاريخ بغداد "4/ 8"، وميزان الاعتدال "1/ 79، 278".

(18/16)


وعنه: الحسين المَحَامليّ، ومحمد بن مَخْلَد.
ولعلّه بقي إلى بعد الخمسين.
4- أحمد بن إدريس1.
أبو حُمَيْد الجلاب.
بغداديّ، روى عن: هُشَيْم.
وعنه: الحسين المَحَامليّ، وغيره.
5- أحمد بن إسحاق بن الحُصَيْن2 -خ- أبو إسحاق السلمي البخاري المعروف بالسرماري، وسُرْماريا مِن قرى بُخَارى.
سمع: يَعْلَى بن عُبَيْد، وعثمان بن عمر بن فارس، وطبقتهما.
وعنه: خ، وإسحاق ابنه، وإدريس بن عبدك، وطائفة.
وكان ثقة زاهدا مجاهدا فارسا مشهورا، يضرب بشجاعته المثل.
قال إبراهيم بن عفان البزاز: كنا عند أبي عبد الله البخاري، فجرى ذكر أبي إسحاق السرماري فقال: ما نعلم في الإسلام مثله.
فخرجت من عنده، فإذا أجد رئيس المطوعة، فأخبرته، فغضب ودخل على البخاري فسأله، فقال: ما كذا قلت. ولكن ما بَلَغَنا أنّه كان في الإسلام ولا في الجاهليّة مثله.
رواها إسحاق بن أحمد بن خَلَف، عن إبراهيم هذا.
وقال أبو صَفْوان إسحاق: دخلتُ على أبي يومًا، وهو في البستان يأكل وحده، فرأيتُ في مائدته عُصْفُورًا يأكل معه، فلمّا رآني العصفور طار.
وعن أحمد بن إسحاق السّرْماريّ قال: ينبغي لقائد الغُزاة عشْر خِصال: أن يكون في قلب الأسد لا يجبُن، وفي كبر النِّمر لا يتواضع، وفي شجاعة الدُّبّ يقتل
__________
1 تاريخ بغداد "4/ 38، 39، 1645".
2 رجال صحيح البخاري "1/ 25، 26"، للكلاباذي، والجمع بين رجال الصحيحين "1/ 8، 10" لابن القيسراني، والتقريب "1/ 10".

(18/17)


بجوارحه كلّها، وفي حملة الخنزير لا يُولّي دُبُرَه، وفي إغارة الذّئب إذا آيس من وجه أغار من وجه؛ وفي حمل السّلاح كالنّملة تحمل أكثر من وزنها، وفي الثَّبات كالصَّخْر، وفي الصّبر كالحمار، وفي وقاحة الكلب لو دخل صيده النّار لَدَخَل خلْفه، وفي التماس الفُرصة كالدّيك.
أخبرني أبو عليّ بْن الخلّال، أَنَا جعفر الهمدانيّ، أنا أبو طاهر السِّلَفّي، أنا المبارك بن الطُّيُوريّ، وأبو عليّ البَردانيّ قالا: أنا هَنّاد النَّسَفيّ، أنا محمد بن أحمد غُنْجار: سمعتُ أبا بكر محمد بن خالد المُطِّوَعيّ: سمعتُ أبا الحَسَن محمد بن إدريس المطّوّعّيّ البخاريّ: سمعتُ إبراهيم بن شمّاس يقول: كنت أكاتب أحمد بن إسحاق السُّرْماريّ، فكتب إليّ: إذا أردتّ الخروج إلى بلاد الغُزّية في شراء الأسرى فاكتب إليّ. فكتبت إليه فقدم إلى سمرقند فخرجنا.
فلما علم جَبْغَويه استقبلنا في عدّة من جيوشه، فأقمنا عنده، إلى أن فرغنا من شراء الأسرى. فركب يومًا وعرض جيشه فجاء رجلٌ فعظَّمه وبجَّله وخلع عليه، فسألني السُّرْماريّ عن الرجل، فقلت: هذا رجل مبارز يُعَدُّ بألف فارس، لا يولّي من ألف.
فقال: أنا أبارزه.
فلم التفتْ إلى قوله، فسمع جبغويْه ذلك، فقال لي: ما يقول هذا؟ قلت: يقول كذا وكذا.
فقال: لعلّ هذا الرجل سكران لا يشعر، ولكنْ غدًا نركب.
فلمّا كان الغد ركب، وركب هذا المبارز، وركب أحمد السُّرْماريّ ومعه عامود في كُمّه، فقام بإزائه، فدنا منه المبارز، فهزَم أحمد نفسه منه حتّى باعَدَه من الجيش، ثمّ ضربه بالعامود قتله، وتبع إبراهيم بن شمّاس لأنّه كان سبقه بالخروج إلى بلاد المسلمين فلحِقَه. وعلم جَبْغويه فبعث في طلبه خمسين فارسًا من خيار جيشه، فلحِقوا أحمد. فوقف تحت تلّ مختفيًا حتّى مرّوا كلّهم، ثمّ خرج، فجعل يضرب بالعامود واحدًا بعد واحد، ولا يشعر مَن كان بالمقدمة حتى قتل تسعة وأربعين نفسا، وأخذ واحدًا منهم فقطع أنفه وأُذُنَيه وأطلقه.

(18/18)


فذهب إلى جَبْغويْه فأخبره، فلمّا كان بعد عامين وتُوُفّي أحمد ذهب إبراهيم بن شمّاس في الفداء، فقال له جبْغويْه: من كان ذاك الّذي قتل فرساننا؟ قال: ذاك أحمد السُّرْماريّ.
قال: فلِمَ لم تحمله معك؟ قلت: إِنّه تُوُفِّيَ.
فصكِّ وجهه وصكِّ في وجهي وقال: لو أعلمتني أنه هو لكُنْت أصرفه من عندي مع خمسمائة بِرْذَوْن وعشرة آلاف غَنَم.
وبه إلى غُنْجار: ثنا أَبُو عَمْرو أَحْمَد بْن محمد المقرئ: سمعت بكر بن منير يقول: رأيت أحمد السُّرْماريّ، وكان ضخمًا، أبيض الرأس واللّحية.
ومات بقريته سرماري، فبلغ كِراء الدّابّة من المدينة إليها عشرة دراهم.
وخلّف ديونًا كثيرة، فكان غرماؤه ربّما يشترون من ماله حزمة القصب من خمسين درهمًا إلى مائة درهم حُبّا له.
فما رجعوا حتّى قضوا ديونه.
وبه: سمعت أبا نصر أحمد بن أبي حامد الباهليّ: سمعت أبا موسى عِمران بن محمد المّطّوعيّ: سمعت أبي يقول: كان عامود السُّرْماريّ ثمانية عشر مَنّا. فلمّا شاخ جعله اثني عشر منا. وكان يقاتل بالعامود.
وبه: سمعت محمد بن خالد، وأحمد بن محمد قالا: سمعنا عبد الرحمن بن محمد بن جرير: سمعت عُبَيْد بن واصل: سمعت السُّرْماريّ يقول، وأخرج سيفه فقال: اعلم يقينًا أنّي قتلتُ به ألفَي تركي، وإنْ عشت قتلت به ألفًا أخرى. ولولا أنّي أخاف أن تكون بِدْعةً لأمرتُ أن يُدفن معي.
ذكر محمود بن سهل الكاتب، وذُكِر السّرماريّ، فقال: كانوا في بعض الحروب وقد حاصروا مكانًا ورئيس العدوّ قاعد على صفّة، فأخرج السُّرماريّ سهمًا فَغَرَزَه في الصّفّة فأومأ الرئيس لينتزعه، فرماه بسهمٍ آخر خاط يده، فتطاول الكافر لينزع ما في يده، فرماه بسهمٍ في نَحْره قتله، وانهزم العدوّ، وكان الفتح.
تُوُفيّ سنة اثنتين وأربعين.

(18/19)


6- أحمد بن إسحاق الأهوازي البزاز1 -د. ن- عن: أبي أحمد الزُّبَيديّ، وأبي عبد الرحمن المقرئ.
وعنه: د. ن، وعَبْدان، ومحمد بن جرير الطَّبريّ، وجماعة.
وقال النسائي: صالح.
توفي سنة خمسين.
7- أحمد بن أسد بن سامان2.
الأمير أبو إسماعيل والد الملوك السامانية أمراء ما وراء النهر.
وهو أخو الأمير نوح بن أسد الدين. افتتح اسبيجاب، إحدى مدائن الترك، في أيام المعتصم.
توفي أحمد بفرغانة سنة خمسين.
8- أحمد بن بجير.
أبو عبد الله البزاز.
شيخ عراقي.
روى عن: إسماعيل بن عُلَيَّة، ومُعاذ بن مُعاذ، وإسحاق الأزرق.
وعنه: أبو بكر بن أبي الدنيا.
9- أحمد بن بكار بن أبي ميمونة3 -ن- أبو عبد الرحمن الحراني، مولى بني أميّة.
سمع: محمد بن سَلَمَةَ، وأبا معاوية الضّرير.
وعنه: ن. وقال: لَا بأس بِهِ، وأبو عَرُوبة، ومحمد بن الباغَنْديّ.
مات في صفر سنة أربعٍ وأربعين بحرّان.
__________
1 تهذيب التهذيب "1/ 14، 15"، وخلاصة تذهيب التهذيب "4"، والكاشف "1/ 12، 13، 7".
2 تاريخ اليعقوبي "2/ 397"، والكامل في التاريخ "7/ 279، 280"، ووفيات الأعيان "5/ 161".
3 تهذيب الكمال "1/ 277"، والتقريب "1/ 12".

(18/20)


10- أحمد بن ثابت1 -ق.
أبو بكر الجحدري البصري.
عن: سُفيان بن عُيَيْنَة، وغُنْدر، وعبد الوهْاب الثّقفيّ، ووكيع، ويحيى القطّان، وخلق.
وعنه: ق، وابن أبي داود، وأبو عروبة الحراني، وعمر بن بجير، وأبو بكر بن خزيمة، وآخرون.
عاش إلى سنة خمسين.
11- أحمد بن ثابت2.
أبو يحيى الرازي الحافظ فرخويه.
سمع: عبد الرزاق، وعفان، وأقرانهما.
وعنه: محمد بن أيّوب الرّازي، وإبراهيم بن يوسف الهسنجاني.
وكان غير ثقة.
12- أحمد بن الحسن بن جنيدب3 -خ. ت- أبو الحسن الترمذي الحافظ.
سمع: أبا النّضر، ويَعْلَى بن عُبَيْد الله بن موسى، وأبا نُعَيْم، وسعيد بن أبي مريم، وأبا صالح كاتب اللَّيْث، وخلقا كثيرا بالعراق، ومصر، وخُراسان.
وعنه: خ. ت، وأبو بكر بن محمد بن إسحاق بن خُزَيْمة، وأهل خُراسان.
وسألوه عن العِلل والْجَرْح والتّعديل والفقه. وكان من تلامذة أحمد بن حنبل.
روى عنه خ. حديثا عن أحمد بن حنبل في المغازي.
وقدِمَ نَيْسَابور سنة إحدى وأربعين. ولا تاريخ لموته.
13- أحمد بن الحسن بن خراش4 -م. ت- أبو جعفر البغدادي.
__________
1 التهذيب "1/ 21"، والمعجم المشتمل "40 رقم 13" لابن عساكر.
2 ميزان الاعتدال "1/ 314"، والجرح والتعديل "2/ 44، 21".
3 سير أعلام النبلاء "12/ 156، 157"، والتقريب "1/ 13".
4 تاريخ بغداد "4/ 78-80"، والكاشف "1/ 15، 16".

(18/21)


عن: عبد الرحمن بن مهديّ، وشَبّابة، ووهْب بن جرير.
وعنه: م. ت، ومحمد بن هارون المجدّر، وأبو العباس السراج، وآخرون.
توفي سنة اثنين وأربعين.
14- أحمد بن الحسن الكندي البغدادي1.
حدث بالري عن أبي عُبَيدة اللُّغَويّ، وحَجّاج بن نُصَيْر.
وعنه: الفضل بن شاذان المقرئ، والحسن بن الليث الرازيان.
ذكره ابن أبي حاتم.
15- أحمد بن حميد2.
أبو زرعة الجرجاني الصيدلاني الحافظ نزيل مكة.
صحب يحيى القطان. وكان عارفا بالعلل.
روى عنه: موسى بن هارون.
16- أحمد بن حميد3.
أبو طالب الفقيه صاحب أحمد بن حنبل.
فقير صالح، خيرَّ، عالم، له مسائل.
روى عنه: أبو محمد فَوْزان، وزكريّا بن يحيى.
تُوُفّي سنة أربع وأربعين.
17- أحمد بن خالد4 -ت. ن- أبو جعفر البغدادي الخلال.
قاضي الثَّغْر.
سمع: ابن عُيَيْنَة، وإسحاق الأزرق.
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 47، 35".
2 تاريخ جرجان للسهمي "61 رقم 2".
3 الجرح "2/ 48، 37"، وتاريخ بغداد "4/ 123".
4 تاريخ بغداد "4/ 126-128"، وطبقات الحنابلة "1/ 42" لابن أبي يعلى، والتقريب "1/ 14".

(18/22)


وعنه: ت. ن، وجعفر الفِريابيّ، وأحمد الأبار، وجماعة.
قال أبو حاتم: ثقة خير.
وتوفي سنة ست وأربعين أو سنة سبع.
18- أحمد بن الخصيب الجرجرائي الكاتب1.
كاتب المنتصر قبل الخلافة. فلما استخلف وزر له، فظهر منه جهل وحمق وتيه.
قال له المنتصر يوما: أريد أن أقطع السيّدة، يعني أمَّه، ضياع شجاع والدة المتوكّل.
قال: وما قلت للفاجرة؟ فقال المنتصر: قتلني الله إن لم أقتلك.
وكان سيئ الخُلق متكبّرًا، استغاث به مظلوم يومًا، فأخرج رِجْله من الرّكاب ورَفسه على فؤاده، فسقط ميتًا. فعزِّ ذلك على المنتصر، وأراد قتله، فمات قبل أن يتفرَّغ له.
وقيل: إنّه رُفعت له قَصص بني هاشم، فكتب عليها: هشَّم الله وجوههم.
وكتب على قصةٍ للأنصار: لا نَصَرَهم الله.
ولمّا ولي المستعين همَّ به، فأرضاه بالأموال، فيقال إنّه أعطى المستعين ألف ألف دِرهم؛ وغضب عليه، ونفاه إلى جزيرة أقريطش.
19- أحمد بن الخليل2 -ن- أبو علي البغدادي البزّاز، نزيل نَيْسابور.
عن: علي بن عاصم، ويزيد بن هارون، وحَجّاج بن محمد الأعور، وأبي النَّضْر، وطبقتهم.
وعنه: ن. وقال: ثقة، وعبدان الأهوازيّ، وابن خزيمة، وآخرون.
مات لثلاث بقين من ربيع الأول سنة ثمان وأربعين.
__________
1 تاريخ الطبري "9/ 75، 125، 128"، والعقد الفريد "3/ 10"، والتنبيه والإشراف "314"، وسير أعلام النبلاء "12/ 553".
2 التاريخ الصغير "236" للبخاري، وتاريخ بغداد "4/ 129"، والتهذيب "1/ 27".

(18/23)


20- أحمد بن سعيد بن إبراهيم الحافظ1 -خ. م. د. ت. ن- أبو عبد الله الرباطي الأشقر. نزيل نَيْسابور.
سمع: وَكِيعا، وعبد الرّزّاق، وإسحاق بن منصور السَّلُوليّ، ووهْب بن جرير، وسعيد بن عامر، وطائفة.
وعنه: الجماعة سوى ق، وإبراهيم بْن أبي طَالِب، والحسين بْن محمد القبّانيّ، وابن خُزَيْمة، وأبو العبّاس السّرّاج، وعدّة.
وعنه قال: جئت إلى أحمد بن حنبل، فجعل لا يرفع رأسه إليّ، فقلت: يا أبا عبد الله إنّه يُكتب الحديث عنّي بخُراسان، فإنْ عاملتني بهذا رموا بحديثي.
فقال أحمد: هل بُدَّ أن يقال يوم القيامة: أين عبد الله بن طاهر وأتباعه؟ فانظر أين تكون منه.
قلت: إنما ولاني أمر الرّباط، فلذلك دخلت معه.
فجعل يكرِّر قولَهُ عليّ.
تُوُفيّ سنة ثلاثٍ وأربعين، وقيل: سنة خمسٍ وأربعين.
وكان يحفظ ويفهم.
21- أحمد بن سعيد بن يعقوب الكِنْديّ الحمصيّ2.
أبو العبّاس.
عن: بقيّة، وعثمان بن سعيد بن كثير.
وعنه: ن. وقال: لا بأس به، وسعيد بن عَمْرو البرذعيّ.
وأجاز لابن أبي حاتم.
22- أحمد بن صاعد الصُّوريّ الزّاهد3.
له مواعظ وكلام نافع.
__________
1 التاريخ الكبير "2/ 6"، وعمل اليوم والليلة "265" للنسائي، والتهذيب "1/ 30".
2 التقريب "1/ 15"، والجرح والتعديل "2/ 53"، والكاشف "1/ 18".
3 الأنساب "8/ 105"، والجرح والتعديل "2/ 56".

(18/24)


حكى عنه: أحمد بن أبي الحواري، وسعد بن محمد البّيْروتيّ، ومحمد بن الحَسَن الْجَوْهريّ، وآخرون.
ذكره ابن أبي حاتم.
23- أحمد بن صالح1 -خ. د- أبو جعفر الطبري. أبوه المصريّ الحافظ أحد أركان العِلْم والحِفْظ.
قال أبو سعيد بن يونس: كان أبوه جُنْدِيًّا من جنود طَبَرِسْتان، فوُلِد له أحمد بمصر سنة سبعين ومائة.
قلت: سمع: سُفْيان بن عُيَيْنَة، وعبد الله بن وهْب، وحَرَمِيّ بن عُمارَة، وعَنْبَسَة بن سعيد، وابن أبي فُدَيْك، وعبد الرزاق، وعبد الله بن نافع، وطائفة.
وعنه: خ. د، ثم خ. عن رجلٍ عنه، وعَمْرو النّاقد، والذُّهْليّ، ومحمد بن عبد الله بن نُمّيْر، ومحمود بن غَيْلان، وأبو زُرْعة الدّمشقيّ، وصالح جَزَرَة، وأبو إسماعيل التِّرْمِذيّ، وخلق كثير آخرهم أبو بكر بن أبي داود.
وقدِم بغداد سنة اثنتي عشرة ومائتين، فسمع من عفّان، وجالَسَ أحمد بن حنبل وناظَرَه.
قال أبو زُرْعة: سألني أحمد بن حنبل: مَن بمصر؟ قلت له: أحمد بن صالح.
فسُرَّ بذِكره ودعا له2.
وقال صالح بن محمد: قال أحمد بن صالح: كان عند ابن وهْب مائة ألف حديث، كتبتُ عنه خمسين ألف حديث3.
قال صالح: لم يكن بمصر أحد يُحسن الحديثَ غير أحمد بن صالح.
وكان رجلا جامعًا، يعرف الفِقْه والحديث والنَّحْو، ويتكلَّم في حديث الثَّوريّ وشعبة وأهل العراق؛ يعني يذاكر به.
__________
1 التاريخ الكبير "2/ 6"، الصغير "236"، والجرح "2/ 56، 73"، وتذكرة الحفاظ "2/ 495"، وتاريخ بغداد "4/ 202"، ومروج الذهب "3067" وغيره.
2 تاريخ بغداد "4/ 196"، والكامل لابن عدي "1/ 184".
3 تاريخ بغداد "4/ 200".

(18/25)


قال: وكان يذاكر بحديث الزُّهْريّ ويحفظه.
وقال عليّ بن الحسين بن الْجُنَيْد: سمعت ابن نُمَيْر يقول: ثنا أحمد بن صالح، وإذا جاوزت الفُرات فليس أحد مثله.
وَسُئِلَ عنه أبو حاتم فقال: ثقة كتبت عنه بمصر، ودمشق، وأنطاكية1.
وقال البخاريّ: هو ثقة صدوق، ما رأيت أحدا يتكلم فيه بحُجَّة.
وقال يعقوب الفسوي: كتبت عن ألف شيخ وَكَسْرٍ، حجتي فيما بيني وبين الله رجلان: أحمد بن حنبل، وأحمد بن صالح2.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: أحمد بن صالح ثقة، صاحب سنة3.
وقال أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُولُ: كتب أحمد بن صالح المصريّ عن سلامة بن رَوْح، وكان لا يُحَدِّث عنه. وكتبَ عن ابن زبالة خمسين ألف حديث، وكان لا يحدث عنه4.
وقال ابن وارة الحافظ: أحمد بن حنبل ببغداد، وأحمد بن صالح بمصر، والنُّفَيْليّ بحَرّان، وابن نُمَيْر بالكوفة؛ هؤلاء أركان الدِّين.
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا بكر زَنْجَوَيْهِ يَقُولُ: قَدِمْتُ مِصْرَ فَأَتَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ صَالِحٍ، فَسَأَلَنِي: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ بَغْدَادَ.
قَالَ: تَكْتُبُ لِي مَوْضِعَ مَنْزِلِكَ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوَافِي الْعِرَاقَ، حَتَّى تَجْمَعَ بَيْنِي وبين أحمد بن حنبل.
قال: فقدم، فذهب بِهِ إِلَى أَحْمَدَ، فَقَامَ إِلَيْهِ وَرَحَّبَ بِهِ وَقَرَّبَهُ وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ جَمَعْتَ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ، فتعال نَذْكُرَ مَا رَوَى عَنِ الصَّحَابَةِ.
فَتَذَاكَرَا، وَلَمْ يُغْرِبْ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ. ثُمَّ تَذَاكَرَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنْبَاءِ الصَّحَابَةِ، إِلَى أَنْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: عِنْدَكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أبيه، عن
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 56".
2 تاريخ بغداد "4/ 200".
3 تاريخ الثقات "48".
4 طبقات الحنابلة "1/ 48".

(18/26)


عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي حُمُرَ النَّعَمِ وَأَنِّي لَمْ أَشْهَدْ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ" 1. فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: أَنْتَ الأُسْتَاذُ وتذكر مثل هذا؟ فجعل أحمد يبتسم وَيَقُولُ: رَوَاهُ عَنْهُ رَجُلٌ مَقْبُولٌ، أَوْ صَالِحٌ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ. فَقَالَ: مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ.
قَالَ: ثناهُ رَجُلَانِ ثِقَتَانِ: ابْنُ عُلَيَّةَ، وبشر بن المفضل.
فقال: سألتك بالله إِلَّا مَا أَمْلَيْتَهُ عَلَيَّ.
فَقَالَ: مِنَ الْكِتَابِ.
ثُمَّ قَامَ وَأَخْرَجَ الْكِتَابَ وَأَمْلَاهُ. فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: لَوْ لَمْ أَسْتَفِدْ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ كَثِيرًا. ثُمَّ وَدَّعَهُ وَخَرَجَ.
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صالح قال: حدَّثت أحمد بن حنبل بحديث زيد بن ثابت في بيع الثّمار، فأعجبه، واستزادني مثلَه، فقلتُ: ومن أين مثله؟ 2
وعن أبي نُعَيْم قال: ما قدم علينا أحد أعلم بحديث أهل الحجاز من هذا الفتى، يعني أحمد بن صالح3.
وقال عَبْدان: سمعت أبو داود يقول: أحمد بن صالح ليس هو كما يتوهمه الناس.
وقال صالح جزرة: حضرت مجلس أحمد بن صالح فقال: حرج على كل مبتدع وماجن أن يحضر مجلسي.
فقلت: أمّا الماجن فأنا هو.
وذاك أنّه قيل له: إنّ صالحًا الماجِن قد حضَر مجلسك.
قال أبو بكر الخطيب: يقال كان آفة أحمد بن صالح الكِبْر وشراسة الخلق4.
__________
1 "حديث صحيح": أخرجه أحمد بنحوه "1/ 193"، وذكره ابن هشام في السيرة "134"، وابن سعد في الطبقات "1/ 129".
2 تاريخ بغداد "4/ 198".
3 انظر المصدر السابق.
4 انظر المصدر السابق.

(18/27)


ونال النَّسائيّ منه جفاءٌ في مجلسه، فذلك الّذي أفسد بينهما.
قال ابن عديّ: سمعت محمد بن هارون البَرْقيّ يقول: حضرت مجلسَ أحمد بن صالح وَطَرَد النَّسائي من مجلسه، فحمله على أن تكلَّم فيه.
قال النَّسائيّ في الكنى: أبو جعفر أحمد بن صالح ليس بثقة ولا مأمون، تركه محمد بن يحيى، ورماه يحيى بن مَعِين بالكذِب، ثناه معاوية بن صالح عن يحيى قال: أحمد بن صالح كذّابٌ يتفلسف.
وقال ابن عديّ: سمعتُ محمد بن سعد السعْدي: سمعت النَّسائيّ: سمعت معاوية بن صالح يقول: سألت ابن مَعِين، عن أحمد بن صالح فقال: رأيته كذّابًا يَخْطُر في جامع مصر.
وروى الحاكم، عن أبي حامد السّيّاريّ: ثنا أبو بكر محمد بن داود الرّازيّ يقول: ارتحلت إلى أحمد بن صالح، فدخلت فتذَاكَرْنا إلى أن ضاق الوقت، ثمّ أخرجتُ من كُمّي أطرافًا فيها أحاديث سألته عنها. فقال لي: تعود. فعُدت من الغد مع أصحاب الحديث، فأخرجت الأطراف وسألته عنها، فقال: تعود.
فقلت: أليسَ قلت لي بالأمس تعود؟ ما عندك ما يُكتب أو ردّ عليّ مُسْنَدًا أو مُرْسَلا أو حَرْفًا ممّا أستفيد، فإنْ لم أورد لك عمّن هو أَوْثق منك فلست بأبي زُرْعة.
ثم قمتُ وقلت لأصحابنا: مَن ههُنا ممّن يُكتب عنه؟ قالوا: يحيى بن بُكَيْر.
فذهبتُ إليه.
وروى أبو عَمْرو الدّاني، عن مَسْلَمَة بن القاسم الأندلسيّ قال: النّاس مُجْمعون على ثقة أحمد بن صالح1.
وقال. وكان سبب تضعيف النَّسائي له أنّه كان لا يحدِّث أحدًا حتّى يشهد عنده رجلان أنّه من أهلِ الخير والعدالة، كما كان يفعل زائدة. فدخل النِّسائيّ بلا إذْنٍ ولم يأته بمن يشهد له، فلمّا رآه أنكره وأمرَ بإخراجه2.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ النَّسَائِيُّ يُنْكِرُ عَلَيْهِ أَحَادِيثَ مِنْهَا: عَنِ ابْنِ وهب، عن
__________
1 سير أعلام النبلاء "10/ 131".
2 انظر المصدر السابق.

(18/28)


مالك، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "الدين النصيحة" 1.
والحديث فقد رواه يونس بْن عَبْد الأعلى، عَنِ ابن وهْب.
قال: وقد كان سمع في كُتُب حَرْمَلَة، فمنعه حَرْمَلَة، ولم يدفع إليه إلا نصف الكُتُب. فكان أحمد بن صالح ينكر كلَّ من بدأ بحَرْمَلَة إذا وافى مصر، لم يحدِّثه أحمد2.
وسمعت بعض مشايخنا يقول: قال أحمد بن صالح: صنَّف ابن وهْب مائة ألف وعشرين ألف حديث، فعند بعض النّاس منها الكُلّ، يعني حَرْمَلَة، وعند بعض النّاس النّصف، يعني نفسه.
قال: وسمعت القاسم بن مهديّ يقول: كان أحمد بن صالح يستعير منّي كلّ جُمعة الحمار، فيركبه إلى الصّلاة. وكنتُ جالسًا عند حَرْمَلَة في الجامع، فجاء أحمد على باب الجامع، فنظر إلينا وإلى حَرْمَلَة ولم يسلِّم، فقال حرملة: أنظر إلى هذا، بالأمس يحمل دواتي، واليوم يمرُّ بي فلا يُسَلِّم!.
قال القاسم: ولم يحدِّثني أحمد لأني كنت جالسًا عند حَرْمَلَة.
قال: وسمعت عبد الله بن محمد بن سَلْم المقدسي يقول: قدمِتُ مصرَ، فبدأت بحَرْمَلَة، فكتبتُ عنه كتاب عَمْرو بن الحارث، ويونس بن يزيد، والفوائد. ثم ذهبت إلى ابن صالح، فلم يحدِّثني.
فحملت كتاب يونس فحرّقته بين يديه لأُرْضيه، وليتني لم أحرقْه، فلم يرض، ولم يحدِّثني.
قال ابن عديّ: وأحمد من حفّاظ الحديث. وكلام ابن مَعِين فيه تحامُل وأما سوءُ ثناءِ النَّسائيّ عليه فلِما تَقَدَّم. إلى أن قال: ولولا أنّي شرطت أن أذكر في كتابي كلّ من تكلَّم فيه متكلِّم لكنت أُجِلُّ أحمد بن صالح أن أذكره3.
وقال ابن يونس: مات في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين.
__________
1 "حديث صحيح": أخرجه الترمذي "1932"، والنسائي "7/ 157"، وأحمد في مسنده "4/ 257"، وأبو نعيم في الحلية "8534، 10515".
2 الكامل "1/ 186".
3 الكامل "1/ 187".

(18/29)


قال: ولم يكن عندنا بحمد الله كما قال النَّسائيّ، ولم تكن له آفة غير الكبر.
قلت: وقع لي حديثه عاليًا في جزء ابن الطّلاية وغيره.
24- أحمد بن صالح المكّيّ السوّاق1.
يقال له السَّمُوميّ.
عن: مؤمّل بن إسماعيل، ونُعَيْم بن حمّاد، وطبقتهما.
وعنه: الحسن بن اللَّيْث الرّازيّ.
قال أبو زُرْعَة: صدوق، لكنّه يحِّدث عن الضُّعَفاء والمجهولين.
وقال ابن أبي حاتم: روى عن مؤمّل أحاديث في الفِتَن تدلّ على توهين أمره.
25- أحمد بن عبد الله بن الحكم2 -م. ت. ن- أبو الحسين ابن الكردي الهاشمي مولاهم البصْريّ.
عن: مروان بن معاوية، وغندر، وجماعة.
وعنه: م. ت. ن، والبزّار في مُسْنَده، وقاسم بن زكريّا المطرِّز، وآخرون.
تُوُفّي سنة سبْعٍ وأربعين.
أحمد بن عاصم الأنطاكيّ الزّاهد.
قد تقدمَّ.
26- أحمد بن أبي الحواري عبد الله بن ميمون3 -د. ق- أبو الحسن الثعلبي الغطفاني الدمشقي الزاهد. أحد الأئمة.
أصله من الكوفة.
__________
1 تاريخ بغداد "4/ 202"، والثقات "8/ 25، 26".
2 رجال صحيح مسلم "1/ 36، 22" لابن منجويه، والتهذيب "1/ 47"، والمعجم المشتمل "49" لابن عساكر.
3 الجرح والتعديل "2/ 47، 56"، والمراسيل لأبي داود "25، 219"، والفقيه والمتفقه "2/ 168" للخطيب، وحلية الأولياء "10/ 5-33"، والكاشف "1/ 21، 50"، ومعجم البلدان "5/ 134، 237".

(18/30)


سمع: ابن عُيَيْنة، والوليد بن مسلم، وحفص بن غِيَاث، وعبد الله بن إدريس، وأبا معاوية، وعبد الله بن نُمَيْر، وعبد الله بن وهْب، وأبا الحسن الكِسائيّ، وخلْقا.
وصِحب أبا سليمان الدّارانيّ.
وأخذ بدمشق عن: أبي مُسْهر، وجماعة.
وعنه: د. ق، وأبو زُرْعَة، وأبو حاتم، وسعيد بن عبد العزيز الحلبيّ، ومحمد بن خزيم، ومحمد بن المعافي الصيداوي، وأبو الجهم المشغراني، ومحمد بن محمد الباغندي، وخلق كثير.
قال هارون بن سعيد، عن يحيى بن معِين، وذُكِر أحمد بن أبي الحواري، فقال: أهل الشّام به يُمطَرون.
رواها ابن أبي حاتم، عن محمد بن يحيى بن مَنْدَه، عنه.
وقال محمود بن خالد، وذُكِر أحمد بن أبي الحواري، فقال: ما أظنّ بقي على وجه الأرض مثله.
وعن الْجُنَيد قال: أحمد بن أبي الحواري رَيْحانة الشّام.
وقال أبو زُرْعة: حدَّثني أحمد بن أبي الحواري قال: قلتُ لشيخ دخل مسجد النبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دُلَّني على مجلس إبراهيم بن أبي يحيى. فما كلّمني. فإذا هو عبد العزيز الدَّرَاوَرْديّ.
وقال أحمد بن عطاء الرُّوَذباريّ: سمعتُ عَبْد الله بْن أَحْمَد بْن أبي الحواريّ قال: كنّا نسمع بكاء أبي باللَّيل حتّى نقول: قد مات. ثمّ نسمع ضَحِكَه حتّى نقول: قد جُنّ.
وقال محمد بن عَوْف الحمصيّ: رأيت أحمد بن أبي الحواري عندنا بطَرَسُوس، فلمّا صلّى العَتْمَة قام يصلّي، فاستفتح بالحمد إلى قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 4] ، فطُفْتُ الحائطَ كلّه ثمّ رجعت، فإذا هو لا يجاوز {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 4] . ثم نمتُ، ومَرَرْتُ به سحرا وهو يقرأ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، فلم يزل يردَّدُها إلى الصُّبْح.
وقال سعيد بن عبد العزيز: سمعتُ أحمد بن أبي الحواري يقول: مَن عمل بلا

(18/31)


اتّباع سنة فعَمَلُه باطل1.
وقال: مَن نظر إلى الدّنيا نَظَرَ إرادةٍ وحُبّ، أخرج الله نورَ اليقين والزُّهْد من قلبه2.
قلت: ولأحمد قدم ثابت في العلم والحديث والزُّهْد والمواظبة.
ومن مناقبه: قال أبو الدَّحْداح الدّمشقيّ: نا الحسين بن حامد أنّ كتاب المأمون وردَ على إسحاق بن يحيى بن مُعاذ أمير دمشق، أن أحْضِر المحدِّثين بدمشق فامْتَحِنْهُم. فأحضر هشام بن عمار، وسليمان بن عبد الرحمن، وعبد الله بن ذَكْوان، وأحمد بن أبي الحواري، فامْتَحَنَهُم امتحانًا ليس بالشّديد، فأجابوا، خلا أحمد بن أبي الحواري، فجعل يرفق به ويقول: أليس السَّماوات مخلوقة؟ أليست الأرض مخلوقة؟ وأحمد يأبى أن يُطيعه. فسجنه في دار الحجارة، ثمّ أجاب بعدُ، فأطلقه.
وقال أحمد بن أبي الحواري: قال لي أحمد بن حنبل: متى مَوْلدُك؟ قلت: سنة أربعٍ وستّين ومائة3.
قال: هي مولدي.
وقد ذكر السُّلَميّ في مِحَن الصُّوفيّة أحمدَ بنَ أبي الحواري فقال: شهد عليه قوم أنّه يُفَضِّل الأولياء على الأنبياء، وبذلوا الخطوط عليه. فهربَ من دمشق إلى مكّة، وجاورَ حتّى كتب إليه السّلطان يسأله الرجوع، فرجع.
قلت: هذا من الكذِب على أحمد، رحمه الله، فإنّه كان أعلم بالله من أن يقع في ذلك، وما يقع في هذا إلا ضالٌّ جاهل.
وقال السُّلَميّ في تاريخ الصُّوفيّة: سمعتُ محمد بن جعفر بن مطر: سمعت إبراهيم بن يوسف الهَسَنْجانيّ يقول: رمى أحمد بن أبي الحواري بكُتُبه في البحر وقال: نِعْم الدّليل كنت. والاشتغال بعد الوصول مُحَال.
ثم قَالَ السُّلَميّ: سمعتُ محمد بْن عَبْد الله الطِّبَريّ: سمعت يوسف بن الحسين
__________
1 طبقات الصوفية للسلمي "101" رقم "4".
2 حلية الأولياء "10/ 6"، والزهد للبيهقي "134".
3 راجع: تهذيب الكمال "1/ 374".

(18/32)


يقول: طلب أحمد بن أبي الحواري العلم ثلاثين سنة، ثمّ حمل كُتُبه كلّها إلى البحر فغرّقها، وقال: يا عِلْم لم أفعلْ هذا بك استخفافًا، ولكنْ لمّا أهتديتُ بك استغنيت عنك.
ثم روى السُّلَميَ وفاة ابن أبي الحواري سنة ثلاثين ومائتين، وهذا غلط1.
حكاية عجيبة لا أعلم صحّتها:
روي السُّلَميّ، عن محمد بْن عَبْد اللَّه، وأبي عَبْد اللَّه بْن بالَويَهْ، عن أبي بكر الغارميّ: سمعا أبا بكر السّبّاك، سمعتُ يوسف بن الحسين يقول: كان بين أبي سليمان الدّارانيّ، وأحمد بن أبي الحواري عقْد لا يخالفه في أمر.
فجاءه يومًا وهو يتكلَّم في مجلسه فقال: إنَّ التّنُّور قد سُجِرِ. فلم يُجِبْه.
فقال: إنَّ التّنُّور قد سُجِر، فما تأمر؟ فلم يُجِبْه. فأعاد الثّالثة فقال: اذهب فاقْعُدْ فيه. كأنّه ضاقَ به. وتغافل أبو سليمان ساعةً، ثمّ ذكر فقال: اطلبوا أحمد، فإنّه في التّنّور؛ لأنه على عقْدٍ أن لا يخالفني.
فنظروا فإذا هو في التّنُّورِ لم يحترق منه شَعْرة.
قال عَمْرو بن دُحَيْم: تُوُفّي لثلاثٍ بقين من جُمَادَى الآخرة سنة ستٍّ وأربعين.
27- أحمد بن عبد الله بن خالد بن موسى2.
أبو عليّ الشَّيْبانيّ الْجُوباريّ، ويقال: الْجُوَيْباريّ الهَرَوِيّ، المعروف بسَتّوق.
وجُوبار: من أعمال هراة.
روى عن: جرير، وابن عُيَيْنَة، والفضل بن موسى السّينانيّ، ووَكِيع، وغيرهم أحاديث وضَعَها عليهم.
وعنه: محمد بن كرّام السّجِسْتانيّ شيخ الكرّاميّة، وأحمد بن بهرام، وآحاد الناس.
__________
1 صفة الصفوة "4/ 238".
2 ميزان الاعتدال "1/ 106-108"، وأحوال الرجال "206" للجوزجاني.

(18/33)


قال ابن عَدِيّ: له أحاديث كثيرة وضعها1.
وقال الدَّارَقُطْنيّ: كذاب2.
وقال الحاكم أبو عبد الله: لا يَحِلّ كَتْبُ حديثه بوجهٍ.
قُلْتُ: وَمِنْ مَوْضُوعَاتِهِ: رُوِي عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمُعَلِّمِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ قَالَ: "يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ النُّعْمَانُ بْنُ ثَابِتٍ يُكْنَى أَبَا حَنِيفَةَ، يُجَدِّدُ اللَّهُ سُنَّتِي عَلَى يَدَيْهِ".
تُوُفيّ في رجب سنة سبع وأربعين.
28- أحمد بن عبد الرحمن بن بكّار بن عبد الملك بن الوليد بن بُسْر بن أرطأة3. -ت. ن. ق- أبو الوليد القرشي العامري البسري الدمشقي، نزيل بغداد.
سمع: الوليد بن مسلم، وعِراك بن خالد، ومروان بن معاوية.
وعنه: ت. ن. ق، وأبو محمد الدّارِميّ، وعبد الله بن ناجية، وأبو القاسم البَغَويّ، وأبو حامد الحضرمي، وحاجب الفرعاني، وَآخَرُونَ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: صَدُوقٌ.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ: صالح. مات في رمضان سنة ثمان وأربعين.
وقال الباغَنْديّ: نا إسماعيل بن عبد الله اليَشْكُريّ قال: لم يسمع أبو الوليد مِنَ الوليد بن مسلم شيئًا. وكنت أعرفه شبه قاصّ. وكان يحلّل النّساء للرّجال، ويُعطي السَّبْي، سامحه الله.
29- أحمد بن عَبْدَة بن موسى الضبي4 -م. ع- أبو عبد الله البصري.
سمع: حمّاد بن زيد، وعبد الواحد بن زياد، وحفص بن جُمَيْع، وطائفة.
وعنه: م. ع، وزكريا السّاجيّ، وأبو بكر بن خزيمة، وخلق كثير.
__________
1 راجع الكامل في الضعفاء "1/ 181".
2 في الضعفاء والمتروكين "37".
3 سير أعلام النبلاء "12/ 114"، والتهذيب "1/ 52".
4 التاريخ الصغير "236"، وتاريخ الطبري "1/ 296"، والجرح والتعديل "2/ 62".

(18/34)


وكان ثقة نبيلا.
توفي في شوال سنة خمس وأربعين.
30- أحمد بن عثمان بن عبد النور1 -م. ت. ن- أبو عثمان النَّوْفَليّ البصْريّ، المعروف بأبي الْجَوْزاء عن: أبي داود الطَّيالِسيّ، وقريش بن أنس، وأزهر السّمّان، وغيرهم.
وعنه: م. ت. ن. وأبو بَكْر بْن أبي عاصم، وآخرون.
وكان من نُسّاك أهل البصرة وثقاتهم.
تُوُفّي سنة ستٍّ وأربعين ومائتين.
31- أحمد بن عَمْرو بن عبد الله بن عُمَرو بن السرح2 -م. د. ن. ق- أبو الطاهر الأموي، مولاهم المصريّ الفقيه.
عن: سُفْيان بن عُيَيْنَة، وابن وهْب، وسعيد الآدم.
وعنه: م. د. ن. ق، وطائفة آخرهم أبو بكر بن أبي داود.
وكان من جِلّة العلماء، شرح موطأ ابن وهب.
وتوفي لأربع عشرة خلت من ذي القعدة سنة خمسين.
وتفرَّد عن ابن وهْب بحديث.
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: ثناه أَبُو الْعَلاءِ الْكُوفِيُّ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَالْعَبَّاسُ بْنُ محمد، وَمحمد بْنُ زِيَادِ بْنِ حَبِيبٍ، وَغَيْرُهُمْ قَالُوا: ثنا أَبُو طَاهِرِ بْنُ السَّرْحِ، نا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ، الرَّجُلُ سَيِّدُ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِهَا". هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ3.
32- أحمد بن عيسى بن حسّان4 -خ. م. د. ن. ق-
__________
1 رجال صحيح مسلم "1/ 34" لابن منجويه، والتهذيب "1/ 61".
2 عمل اليوم والليلة "385"، والمراسيل لأبي داود "في أكثر من موضع"، والجرح والتعديل "2/ 15".
3 أخرجه ابن عدي من طريق ابن السرح به كما في الكامل "4/ 204".
4 التاريخ الكبير "2/ 6"، والصغير له "235"، والتهذيب "1/ 65".

(18/35)


أبو عبد الله المصريّ المعروف بابن التُّسْتَريّ.
سمع: ضِمام بن إسماعيل، ومفضَّل بن فَضَالَةَ، وابن وهْب، وبِشْر بن بكر، وأزهر السَّمّان، وغيرهم.
وعنه: الجماعة سوى ت، وأبو زُرْعة، وأبو حاتم، وإبراهيم الحربيّ، ويوسف القاضي، وأبو القاسم البَغَويّ، وأبو يَعْلَى المَوْصِليّ، وآخرون.
قال: أبو داود: سألت ابن مَعِين عنه فحلفَ بالله أنّه كذّاب.
وقال أبو زُرْعة لمّا نظر في صحيح مسلم: يروي عن أحمد بن عيسى في الصّحيح، وما رأيتُ أهل مصر يشكّون في أنّه. وأشارَ إلى لسانه.
وأمّا النَّسائيّ فقال: ليس به بأس.
وقال الخطيب: ما رأيتُ لمن ترك الاحتجاج بحديثه حُجّة.
مات بسامرّاء في صفر سنة ثلاث وأربعين ومائتين. وكان أبوه يّتَّجِر إلى تُسْتَر، فَعُرِف بالتُّسْتَريّ، وهي شُشْتَر.
33- أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ بن الشّهيد الحُسَين الحُسَينيّ1.
سيّد العلويّة وشيخهم. حَبَسه الرشيد عند الفضل بن الربيع مدةً، فهرب وتنقّل واختفى دهرا طويلا، وكبر وضعُف بصَرُه.
مات بالبصرة سنة سبْعٍ وأربعين في رمضان.
34- أحمد بن عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَر ابن الإمام عليّ بن أبي طالب2.
أبو طاهر العلويّ المدنيّ.
عن: أبيه، وابن أبي فُدّيْك.
وعنه: محمد بن منصور بن يزيد الكوفيّ، وأبو يونس المدني، وغيرهما.
__________
1 سير أعلام النبلاء "12/ 72"، وتاريخ الطبري "8/ 275".
2 ميزان الاعتدال "1/ 126، 127"، والجرح والتعديل "2/ 65".

(18/36)


ذكره ابن أبي حاتم، وأبو أحمد الحاكم، ولم يضعّفاه.
له غرائب.
35- الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيَّان بن عبد الله بن أَنَس بن عَوْف بن قاسط بن مازن بن شَيْبان بن ذُهْل بن ثعلبة بن عُكابة بْن صَعْب بْن عليّ بْن بَكْر بْن وائل1.
الإمام أبو عبد الله الشَّيْبانيّ. هكذا نسَبه ولده عبد الله واعتمده أبو بكر الخطيب، وغيره.
وقال ابن أبي حاتم: ثنا صالح بْن أَحْمَد قَالَ: وجدتُ في كتاب أَبِي نسبَهُ؛ فَسَاقه إلى مازن، ثم قال: ابن هُذَيْل بن شيبان بن ثعلبة بن عُكابة.
قلت: قال فيه هُذَيْل بن شَيْبان كما ترى، وهو غَلَط.
وقال البَغَويّ: نا صالح بن أحمد فقال فيه: ذُهْل، بدل: هُذَيْل.
وكذا نقل إبراهيم بن إسحاق الغَسيل، عن صالح. فدلَّ على أنّ الوهْم من ابن أبي حاتم.
وأما قَول عبّاس الدُّوريّ، وأبي بكر بن أبي داود أنّ الإمام أحمد كان من بني ذُهل بن شيبان، فغلَّطهما الخطيب.
وقال: إنّما كان من بني شيبان بن ذُهَل بن ثَعْلَبَة.
قال: وذُهْل بن ثعلبة هو عمّ ذُهْل بن شيبان بن ثعلبة. فينبغي أن يقال فيه: أحمد بن حنبل الذُّهْليّ على الإطلاق.
وقد نسبه البخاري إليهما معًا فقال: الشَّيْبانيّ الذُّهْليّ2.
وأمّا "ابن ماكولا" مع بَصَره بالأنساب فَوَهِم، وقال في سياق نَسَبه: مازن بن ذُهْل بن شَيْبان بن ذهل بن ثعلبة. ولم يتابع عليه.
__________
1 الطبقات لابن سعد "7/ 354"، وتاريخ الطبري "2/ 292"، والثقات "8/ 18"، وتهذيب الكمال "1/ 437-470".
2 راجع التاريخ الكبير "2/ 5".

(18/37)


وقال صالح بن أحمد: قال لي أبي: وُلِدْتُ في ربيع الأول سنة أربع وستّين ومائة1.
قال صالح: وجيء بأبي حُمِل من مرو، فتوفي أبوه محمد شابا ابن ثلاثين سنة، فوليت أبي أمه2.
قال أبي: وكانت قد ثقبت أذني، فكانت أمي تصير فيهما لؤلؤتين. فلما ترعرعت نزعتهما، فكانتا عندها، فدفعتهما إلي، فبعتهما بنحو من ثلاثين درهما3.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وأحمد بن أبي خيثمة إنه ولد في ربيع الآخر.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: طلبتُ الحديث سنة تسعٍ وسبعين، وجاءنا رجل وأنا في مجلس هُشَيْم فقال: مات حمّاد بن زيد4.
فمن شيوخه: هُشَيْم، وسُفْيان بن عُيَيْنَة، وإبراهيم بن سعد، وجرير بن عبد الحميد، ويحيى القطّان، والوليد بن مسلم، وإسماعيل بن عُلَية، وعليّ بن هاشم بن البريد، ومعتمر بن سليمان، وعمّار بن محمد ابن أخت الثَّوريّ، ويحيى بن سُلَيْم الطّائفيّ، وغُنْدر، وبِشْر بن المفضّل، وزياد البكّائيّ، وأبو بكر بن عيّاش، وأبو خالد الأحمر، وعبّاد بن عبّاد المُهَلّبيّ، وعَبّاد بن العوّام، وعبد العزيز بن عبد الصّمد العمِّيّ، وعمر بن عُبَيْد الطّنَافِسِيّ، والمطَّلِب بن زياد، ويحيى بن أبي زائدة، والقاضي أبو يوسف، ووَكِيع، وابن نُمَيْر، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وعبد الرّزَاق، والشافعيّ، وخلْق كثير.
وممّن روى عنه: خ. م. د، ومَنْ بَقي بواسطة؛ وخ. د. أيضا بواسطة، وابناه صالح، وعبد الله، وشيوخه: عبد الرّزّاق، والحَسَن بن موسى الأشيب، والشّافعيّ لكنه قال: الثقة. ولم يُسَمَّه5.
__________
1 تاريخ بغداد "4/ 415".
2 تاريخ دمشق "7/ 222".
3 حلية الأولياء "9/ 163".
4 تاريخ دمشق "7/ 228".
5 تاريخ دمشق "7/ 256".

(18/38)


وأقرانه: عليّ بن المَدِينيّ، ويحيى بن مَعِين، ودُحْيم الشّاميّ، وأحمد بن أبي الحواري، وأحمد بن صالح المصريّ.
ومِنَ القدماء: محمد بن يحيى الذُّهْليّ، وأبَو زُرْعَة، وعبّاس الدُّوريّ، وأبو حاتم، وبَقِيّ بن مَخْلَد، وإبراهيم الحربيّ، وأبو بكر الأثرم، وأبو بكر المّرْوَزيّ، وحرب الكِرمْانيّ، وموسى بن هارون، ومُطَيَّن، وخلْق آخرهم أبو القاسم البَغَويّ.
وقال أبو جعفر بن ذَرِيح العكبري: طلبت أحمد بن حنبل لأسأله عن مسألة، فسلّمت عليه، وكان شيخًا مخضوبًا، طُوالا، أسمر شديد السُّمرة1.
وقال الخطيب: وُلِد أبو عبد الله ببغداد ونشأ بها، وطلب العلم بها، ثمّ رحل إلى الكوفة، والبصْرة، ومكّة، والمدينة، واليمن، والشّام، والجزيرة.
وقال أحمد: مات هُشَيْمٍ سنة ثلاثٍ وثمانين، وخرجت إلى الكوفة في تلك الأيّام، ودخلت البصرة سنة ستٍّ وثمانين. ثمّ دخلتها سنة تسعين، وسمعت من عليّ بن هاشم سنة تسع وسبعين. ثمّ عدت إليه المجلسَ الآخر وقد مات.
وهي السنة الّتي مات فيها مالك2.
وقال: قدِمْنا مكة سنة سبْعٍ وثمانين، وقد مات الفُضَيْل، وفي سنة إحدى وتسعين، وفي سنة ستٍّ. وأقمتُ بمكة سنة سبُعٍ، وخرجنا سنة ثمانٍ. وأقمت سنة تسعٍ وتسعين عند عبد الرّزّاق، وحججت خمس حِجَج، منها ثلاث راجلا.
وأنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهمًا. ولو كان عندي خمسون دِرْهمًا لخرجتُ إلى جرير بن عبد الحميد3.
وقال: رأيت ابن وهْب بمكّة، ولم أكتب عنه.
وقال محمد بن حاتم: ولي جد الإمام أحمد بن حنبل بن هلال: سَرْخَس، وكان من أبناء الدّعوة. فحُدّثت أنّه ضربه المسيب بن زُهير الضبي ببخارى، لكونه شغب الجند4.
__________
1 تاريخ بغداد "4/ 412".
2 حلية الأولياء "9/ 162".
3 تاريخ دمشق "7/ 229، 230".
4 راجع تاريخ بغداد "4/ 415".

(18/39)


وعن عبّاس النَّحْويّ قال: رأيت أحمد بن حنبل حسن الوجه، رَبْعَه، يَخْضِب بالحِنّاء خضابا ليس بالقاني. وفي لحيته شَعِرات سُود. ورأيت ثيابه غلاظا، إلا أنّها بِيض. ورأيتهُ مُعْتَمّا وعليه إزار1.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: ذهبتُ لأسمع من ابن المبارك فلم أُدْرِكْه. وكان قد قدِم فخرج إلى الثَّغر، فلم أسمع منه ولا رأيته.
وقال عارم أبو النُّعْمان: وضع أحمد عندي نَفَقَتَه، فكان يجيء فيأخذ منها حاجته، فقلت له يومًا: يا أبا عبد الله بَلَغَني أنَّك من العرب.
فقال: يا أبا النُّعْمان نحن قوم مساكين.
فلم يزل يدافعني حتّى خرج ولم يقل لي شيئًا2.
وقال صالح: عزم أبي على الخروج إلى مكّة. ورافق يحيى بن معين، فقال أبي: نجح ونمضي إلى الصنعاء إلى عبد الرزاق فمضينا حتّى دخلنا مكّة، فإذا عبد الرّزّاق في الطَّواف، وكان يحيى يعرفه، فطفْنا، ثمّ جئنا إلى عبد الرّزّاق، فسلَّم عليه يحيى وقال: هذا أخوك أحمد بن حنبل.
فقال: حيّاه الله، إنّه لَيَبْلُغُني عنه كلام أُسَرُّ بِهِ. ثبّته الله على ذلك.
ثمّ قام لينصرف، فقال يحيى: ألا نأخذ عليه الموعد.
فأبى أحمد وقال: لم أغير النية في رحلتي إليه. أو كما قال.
ثمّ سافر إلى اليمن لأجله، وسمع منه الكُتُب، وأَكْثَرَ عنه3.
فصل في إقباله على العلم واشتغاله وحِفْظه:
قال الخلال: أنا المَرُّوذِيّ أنّ أبا عبد الله قال له: ما تزوّجت إلا بعد الأربعين.
وعن أحمد الدَّوْرَقيّ، عن أبي عبد الله قال: نحن كتبنا الحديث من ستّة وُجوه وسبعة وُجوه، لم نضبطه، فكيف يضبطه من كتبه من وجه واحد.
__________
1 راجع تاريخ دمشق "7/ 225".
2 انظر المصدر السابق.
3 انظر المصدر السابق.

(18/40)


وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: سمعت أبا زُرْعَة يقول: كان أبوك يحفظ ألف ألف حديث.
فقيل له: وما يُدْريك؟ قال: ذاكَرْتُه فأخذت عليه الأبواب1.
وقال جُنَيْد: سمعت أبا عبد الله يقول: حفظت كلّ شيء سمعته من هُشَيْم، وهُشَيْم حيّ2.
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: قال سعيد بن عَمْرو البَرْدَعيّ: يا أبا زُرْعَة، أنت أحفظ أَمّ أحمد بن حنبل؟ فقال: بل أحمد3.
قلت: وكيف علمت؟ قال: وجدتُ كُتُبَه ليس في أوائل الأجزاء ترجمة أسماء المحدِّثين الذين سمع منهم. فكان يحفظ كلّ جزء ممّن سمعه، وأنا لا أقدر على هذا.
وعن أبي زرعة قال: حرز كُتُب أحمد يوم مات، فبلغت اثنى عشر حملا وعدلا، وما كان ظهر كتابٍ منها: حديث فلان؛ ولا: ثنا فلان.
وكلّ ذلك كان يحفظه عن ظهر قلبه.
وقال الحَسَن بن منبّه: سمعت أبا زُرْعة قال: أخرج إليَّ أبو عبد الله أجزاء كلّها: سُفيان، سُفيان، ليس على حديثٍ منها: ثنا فلان. فظننتها عن رجلٍ واحدٍ، فانتخبْتُ منها. فلمّا قرأ عليّ جعل يقول: ثنا وكيع، ويحيى، وثنا فلان.
فعجبت من ذلك، وجهدت أن أقدر على شيءٍ من هذا، فلم أقدر.
قال المَرُّوذيّ: سمعت أبا عبد الله يقول: كنت أذاكر وَكِيعًا بحديث الثَّوريّ، وكان إذا صلى العِشاء الآخرة خرج من المسجد إلى منزله. فكنت أُذَاكره، فربّما ذكر تسعة عشرة أحاديث، فأحفظها. فإذا دخل قال لي أصحاب الحديث: أَمْلِ علينا. فأُمْلِها عليهم.
وقال الخلال: ثنا أبو إسماعيل التِّرْمِذيّ: سمعت قُتَيْبة بن سعيد يقول: كان وَكِيع إذا كانت العَتْمَة ينصرف معه أحمد بن حنبل، فيقف على الباب فيُذَاكره. فأخذ وَكِيع
__________
1 تاريخ بغداد "4/ 419، 420".
2 راجع: تقدمة المعرفة "595".
3 انظر المصدر السابق.

(18/41)


ليلةً بعضادتي الباب ثمّ قال: يا أبا عبد الله، أريد أن ألقي عليك حديث سُفْيان.
قال: هات.
قال: تحفظ عن سُفْيان، عن سَلَمَةَ بن كُهَيْل كذا؟ قال: نعم. ثنا يحيى.
فيقول: سَلَمَةُ كذا وكذا، فيقول: ثنا عبد الرحمن. فيقول: وعن سَلَمَةَ كذا كذا. فيقول: أنت حدَّثتنا. حتّى يفرغ من سَلَمَةَ، فيقول أحمد: فتحفظ عن سَلَمَةَ كذا وكذا؟ فيقول وكيع: لا. ثمّ يأخذ في حديث شيخ، شيخ.
فلم يزل قائمًا حتّى جاءت الجارية فقالت: قد طلع الكوكب. أو قالت الزُّهْرة. وقال عبد الله: قال لي أبي: خُذْ أيَّ كتاب شئت من كُتُب وَكِيع. فإنْ شئت أن تسألني عن الكلام حتّى أخبرك بالإسناد، وإن شئت بالإسناد، حتّى أخبرك عن الكلام.
وقال الخلال: سمعتُ أبا القاسم بن الخُتَّليّ -وكفاك به- يقول: أكثر النّاس يظنّون أنّ أحمد إذا سُئِل كان عِلْم الدُّنيا بين عينيه.
وقال إبراهيم الحربيّ: رأيت أحمد كأنّ الله جمع له عِلْم الأوّلين والآخرين.
وعن أحمد بن سعيد الرّازيّ قال: ما رأيت أسود أحفَظَ لَحَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا أعْلَم بِفقْهه ومعانيه من أحمد بن حنبل1.
وقال ابن أبي حاتم: ثنا أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كنت أجالس بالعراق أحمد بن حنبل، ويحيى بن مَعين، وأصحابَنَا. وكنا نتذاكر الحديث من طريقين وثلاثة. فيقول يحيى من بينهم: وطريق كذا.
فأقول: أليس قد صحّ هذا بإجماعٍ منّا؟ فيقولون: نعم.
فأقول: ما تفسيره؟ ما فِقْهُهُ؟ فيقفون كلّهم، إلا أحمد بن حنبل2.
وقال الخلال: كان أحمد قد كَتَبَ الرَّأي وحفِظها، ثمّ لم يلتفت إليها.
وقال أحمد بن سِنان: ما رأيت يزيد بن هارون لأحدٍ أشدَّ تعظيمًا منه لأحمد بن حنبل. لا رأيته أكْرَمَ أحدًا مثله. وكان يُقْعده إلى جنبه ويوقره ولا يمازحه.
__________
1 تاريخ بغداد "4/ 419".
2 انظر المصدر السابق.

(18/42)


وقال عبد الرّزّاق: ما رأيت أفقه من أحمد بن حنبل ولا أروع.
وقال إبراهيم بن شماس: سمعت وَكِيعًا يقول: ما قدِم الكوفةَ مثل ذاك الفتى -يعني أحمد؛ وسمعت حفص بن غيَاث يقول ذلك.
وَعَنْ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: مَا نظرتُ إلى أحمد بن حنبل إلا تذكّرت به سُفْيان الثَّوريّ1.
وقال القواريريّ: قال لي يحيى القطّان: ما قدِم عليَّ مثل أَحْمَد بْن حنبل، ويحيى بْن مَعِين2.
وقال أبو اليَمَان: كنت أشبّه أحمد بن حنبل بأرطأة بن المُنْذر.
وقال الهيثم بن جميل: إنْ عاش هذا الفتى سيكون حُجَّة زمانه، يعني أحمد.
وقال قُتَيْبة: خير أهل زماننا ابن المبارك، ثمّ هذا الشّابّ، يعني أحمد بن حنبل.
وقال أبو داود: سمعتُ قُتَيْبة يقول: إذا رأيت الرجل يحبّ أحمد فاعلم أنّه صاحب سنة.
وقال عبد الله بن أحمد بن شَبَّويْه، عن قُتَيْبة: لو أدرك أحمد عصر الثَّوريّ، والأوزاعيّ، ومالك، واللّيث، لكان هو المقدَّم.
فقلت: لقُتَيْبة: تضمُّ أحمدَ إلى التّابعين؟ فقال: إلى كبار التّابعين3.
وسمعت قُتَيْبة يقول: لولا الثَّوريّ لَمَاتَ الورع، ولولا أحمد بن حنبل لأحْدَثوا في الدّين4.
وقال أحمد بن سَلَمَةَ: سمعتُ قُتَيْبَة يقول: أحمد بن حنبل إمام الدّنيا.
وقال العبّاس بن الوليد البَيْروتيّ: ثنا الحارث بن عبّاس قال: قلت لأبي مُسْهِر: هل تعرفُ أحدًا يحفظ على هذه الأمّة أمر دِينها؟ قال: لا أعلمه إلا شاب في ناحية
__________
1 راجع: حلية الأولياء "9/ 169".
2 حلية الأولياء "9/ 165".
3 الجرح والتعديل "2/ 69"، وتاريخ دمشق "7/ 238".
4 تاريخ بغداد "4/ 417".

(18/43)


الشّرق، يعني أحمد بن حنبل1.
وقال المُزَنيّ: قال لي الشّافعيّ: رأيتُ ببغداد شابًا إذا قال: حدَّثنا، قال النّاس كلّهم: صَدَق.
قلت: من هو؟ قال: أحمد بن حنبل.
وقال حَرْمَلَة: سمعت الشّافعيّ يقول: خرجت من بغداد، فما خلَّفت بها رجلا أفضل ولا أعلم ولا أفقه ولا أتقى من أحمد بن حنبل2.
وقال الزَّعْفُرانيّ: قال لي الشّافعيّ: ما رأيت أَعْقَل من أحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي.
وقال محمد بن إسحاق بن راهَوَيْه: سمعتُ أبي يقول: قال لي أحمد بن حنبل: تعالَ حتّى أُرِيكَ رجلا لم تَرَ مثله.
فذهبَ بي إلى الشّافعيّ.
قال أبي: وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل. لولا أحمد وبذْل نفسِهِ لِمَا بذلَها له لذهب الإسلام.
وعن إسحاق قال: أحمد حُجّة بين الله وبين خَلْقه3.
وقال محمد بن عَبْدَوَيْه: سمعت عليَّ بن المَدِينيّ وذكر أحمد بن حنبل فقال: هو أفضل عندي من سعيد بن جُبَيْر في زمانه. لأنّ سعيدًا كان له نُظرَاء، وإنّ هذا ليس له نظير. أو كما قال.
وقال عليّ بن المَدينيّ: إن الله أعَزَّ هذا الدين بأبي بكر الصِّدّيق يوم الرِّدَّةِ، وبأحمد بن حنبل يوم المِحْنَة4.
وقال أبو عُبَيْد: انتهى العِلم إلى أربعة: أحمد بن حنبل وهو أفقههم، وذكر الحكاية.
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 68".
2 تاريخ دمشق "7/ 235".
3 راجع تاريخ دمشق "7/ 235".
4 راجع تاريخ بغداد "4/ 418".

(18/44)


وقال محمد بن نصر الفرّاء: سمعت أبا عُبَيْد يقول: أحمد بن حنبل إمامنا، إنّي لأتزَّين بذِكره.
وقال أبو بكر الأثرم، عن أبي عُبَيْد: ما رأيت رجلا أعلم بالسنة من أحمد.
وقال أحمد بن الحَسَن التِّرْمِذيّ: سمعت الحَسَن بن الربيع يقول: ما شبَّهت أحمد بن حنبل إلا بابن المبارك في سَمْتِه وهيئته.
وقال الطَّبَرانيّ: ثنا محمد بن الحسين الأنماطيّ قال: كنّا في مجلسٍ فيه يحيى بن مَعِين، وأبو خيثمة، وجماعة، فجعلوا يُثْنُون على أحمد بن حنبل فقال رجل: لا تُكثِروا بعض هذا.
فقال يحيى بن مَعِين: وكَثْرة الثّناء على أحمد تُسْتَنْكَر؟ لو جلسنا مجالسنا بالثنّاء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها.
وقال عبّاس، عن ابن مَعِين: ما رأيت مثل أحمد.
وقال جعفر النُّفَيْليّ: كان أحمد من أعلام الدّين1.
وقال المَرُّوذيّ: حضرتُ أبا ثوْر سُئِل عن مسألة فقال: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل شيخنا وإمامُنا فيها كذا وكذا.
وقال إبراهيم الحربيّ: قال ابن مَعِين: ما رأيتُ أحدًا يُحَدِّثُ لله إلا ثلاثة: يَعْلَى بن عُبَيْد، والقَعْنَبيّ، وأحمد بن حنبل.
وقال عبّاس الدُّوريّ: سمعت ابن مَعِين يقول: أرادوا أن أكون مثل أحمد، والله لا أكون مثله أبدًا.
وقال أبو خَيْثَمَة: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، ولا أشدّ قلْبًا منه.
وقال عليّ بن خَشْرَم: سمعت بشْر بن الحارث، وَسُئِلَ عن أحمد بن حنبل فقال: أنا أُسْأل عن أحمد؟ إنّ أحمد أدخل الكِيرَ فخرج ذَهَبًا أحمر2.
رواها جماعة، عن ابن خشرم.
__________
1 تقدمة المعرفة "295".
2 حلية الأولياء "9/ 170"، بنحوه وفيه: "فخرج ذهبة حمراء".

(18/45)


وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قال أصحاب بِشْر بن الحارث حين ضُرب أحمد في المحنة: يا أبا نصر لو أنّك خرجتَ، فقلت: إنّي على قول أحمد بن حنبل.
فقال بِشْر: أتريدون أن أقومَ مقام الأنبياء1؟.
رُوِيَتْ من وجهين عن بِشْر، وزاد أحدهما: قال بِشْر: حفظ الله أحمد من بين يديه ومِن خلفه.
وقال القاسم بن محمد الصّايغ: سمعتُ المَرُّوذيّ يقول: دخلت على ذي النُّون السّجنَ ونحن بالعسكر، فقال: أيّ شيء حال سيّدنا؟، يعني أحمد بن حنبل. وقال إسحاق بن أحمد: سمعتُ أبا زُرْعة يقول: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل في فنون العِلم. وما قام أحدٌ مثل ما قام أحمد به.
وقال ابن أبي حاتم: قالوا لأبي زُرْعة: فإسحاق بن راهَوَيْه؟ قال: أحمد بن حنبل أكبر من إسحاق وأَفْقَه. قد رأيت الشيوخ، فما رأيتُ أحدًا أكمل منه. اجتمع فيه زُهْدٌ وفضلٌ وفقهٌ وأشياءٌ كثيرة.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عليّ بن المَدِينيّ وأحمد بن حنبل أيُّهما أحفظ؟ فقال: كانا في الحِفْظ متقاربَيْن وكان أحمد أفقه.
وقال أبي: إذا رأيت الرجل يحبّ أحمد فاعلم أنّه صاحب سنة2.
وسمعت أبي يقول: رأيت قُتَيْبَة بمكة فقلت لأصحاب الحديث: كيف تغفلون عنه وقد رأيت أحمد بن حنبل في مجلسه؟ فلمّا سمعوا هذا أخذوا نحوه وكتبوا عنه.
وقال محمد بن حمّاد الطِّهْرانيّ: سمعتُ أبا ثَوْر يقول: أحمد بن حنبل أعلم أو أفقه من الثَّوريّ3.
وقال محمد بن يحيى الذُّهْليّ: جعلتُ أَحْمَد بْن حنبل إمامًا فيما بيني وبين الله.
وقال نصر بن عليّ الْجَهْضميّ: كان أحمد أفضل أهل زمانه.
وقال عَمْرو النّاقد: إذا وافَقَني أحمد على حديثٍ لا أبالي من خالفني.
__________
1 انظر المصدر السابق.
2 وانظر تقدمة المعرفة "308".
3 تقدمة المعرفة "299".

(18/46)


وقال محمد بن مِهران الجمّال وذُكِر له أحمد بن حنبل فقال: ما بقى غيره.
وقال الخلال: ثنا صالح بن عليّ الحلبيّ: سمعتُ أبا همّام السَّكُونيّ يقول: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل، ولا رأي أحمد مثلَه1.
وقال محمد بن إسحاق بن خُزَيْمة: سمعت محمد بن سَخْتَوَيْه البَرْذَعيّ يقول: سمعتُ أبا عُمَيْر عيسى بن محمد الرمليّ، وذكر أحمد بن حنبل فقال: رحمه الله، عن الدّنيا ما كان أمُره، وبالماضين ما كان أشبَههُ، وبالصّالحين ما كان أَلْحَقَه. عُرِضَت له الدَنيا فأباها، والبِدَع فنفاها2.
وقال أبو حاتم الرازيّ: كان أبو عُمَيْر بن النّحّاس الرمليّ من عُبّاد المسلمين، فقال لي: كتبتّ عن أحمد بن حنبل شيئًا؟ قلت: نعم.
قال: فأملّ عليَّ.
فأمليتُ عليه شيئًا3.
عن حَجّاج بن الشّاعر قال: ما كنت أحبّ أن أُقتل في سبيل الله ولم أُصَلِّ على أحمد بن حنبل.
وعنه قال: قبَّلتُ يومًا ما بين عينَيْ أحمد بن حنبل وقلت: يا أبا عبد الله بلغتَ مبلغ سُفيان، ومالِك، ولم أظنّ في نفسي أنّي بقيتْ لي غاية. فبلغَ والله في الإمامة أكثر من مبلغهما.
وعن حَجّاج بن الشّاعر قال: ما رأت عيناي روحًا في جسد أفضل من أحمد بن حنبل.
وعن محمد بن نصر المَرْوَزِيّ قال: اجتمعتُ بأحمد بن حنبل وسألته عن مسائل، وكان أكثر حديثًا من إسحاق بن راهَوَيْه وأفقه منه.
وعن محمد بن إبراهيم البُوسَنْجيّ قال: ما رأيت أجمع في كلّ شيءٍ من أحمد بن حنبل ولا أعقل.
__________
1 تاريخ دمشق "7/ 251".
2 تاريخ دمشق "7/ 252".
3 تقدمة المعرفة "298".

(18/47)


وقال محمد بن مسلم بن وَارَةَ: كان أحمد صاحب فِقه، وصاحب حِفْظ، وصاحب معرفة.
وقال أبو عبد الرحمن النَّسائيّ: جمع أحمد بن حنبل المعرفة بالحديث، والفقه، والورع، والزُّهد، والصّبر.
وَقَالَ خَطَّابُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الْحَكَمِ الْوَرَّاقِ: لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ". رَدَدْنَاهُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ1.
وقال أبو داود: كانت مجالس أحمد مجالس الآخرة، لا يُذكر فيها شيءٌ من أمر الدّنيا. ما رأيته ذكر الدّنيا قطّ2.
وقال صالح جَزَرَة: أفقه من أدركت في الحديث أحمد بن حنبل.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ، وذُكِر الشّافعي عنده، فقال: ما استفادَ منّا أكثر ممّا استفدنا منه3.
قال عبد الله: كلّ شيء في كتاب الشّافعيّ: أنا الثقة؛ فهو عن أبي.
وقال الخلال: ثنا أبو بكر المَرُّوذيّ قال: قدِم رجل من الزّهّاد، فأدخلته على أبي عبد الله، وعليه فرو خَلِقٌ، وخُرَيْقَة على رأسه، وهو حافٍ في بردٍ شديد، فسلَّم وقال: يا أبا عبد الله قد جئت من موضعٍ بعيد، وما أردتُ إلا السّلام عليك، وأريد عَبّادان، وأريد إنْ أنا رجعتُ أن أمرَّ بك وأسلّم عليك.
فقال: إن قُدِّر.
فقام الرجلُ وأبو عبد الله قاعد.
قال المَرُّوذيّ: ما رأيت أحدًا قطّ قام من عند أبي عبد الله حتّى يقوم أبو عبد الله له، إلا هذا الرجل.
فقال لي أبو عبد الله: ما ترى ما أشبَهه بالأبدال. أو قال: إنّي لأذكر به الأبدال.
__________
1 راجع تاريخ بغداد "5/ 21"، وتاريخ دمشق "7/ 251".
2 تاريخ دمشق "7/ 252".
3 انظر المصدر السابق.

(18/48)


فأخرج إليه أبو عبد الله أربعة أَرْغِفة مشطورة بكامِخ وقال: لو كان عندنا شيء لَوَاسيناك.
قال الخلال: وأنا المَرُّوذيّ: قلت لأبي عبد الله: ما أكثر الدّاعي لك.
قال: أخاف أن يكون هذا استدراجًا بأيّ شيء هذا.
وقلت لأبي عبد الله: إنّ رجلا قدم من طَرَسُوس وقال لي: إنّا كنّا في بلاد الروم في الغزو، وإذا هدأ اللَّيْلُ ورفعوا أصواتهم بالدّعاء: ادعوا لأبي عبد الله، وكنّا نمدّ المنجنيق ونرمي عنه. ولقد رُمي عنه الحجر والعِلْج1 على الخصن مُتَتَرس بدَرَقَة، فذهبَ برأسه وبالدَّرَقَة. فَتَغَّير وجهه وقال: ليته لا يكون استدراجًا.
فقلتُ: كلا.
قال الخلال: وأخبرني أحمد بن حسين قال: سمعتُ رجلا من خُراسان يقول: عندنا أحمد بن حنبل، يرون أنّه لا يُشبه البَشَر، يظنّون أنّه من الملائكة.
وقال لي رجل: نظرةٌ عندنا من أحمد تَعْدِل عبادةَ سنة.
قال الخلال: وقال المَرُّوذيّ: رأيتُ بعض النّصارى الأطّباء قد خرج من عند أبي عبد الله ومعه راهب، فسمعت الطّبيب يقول: إنّه سألني أن يجيء معي حتى ينظر إلى أبي عبد الله.
وقال المَرُّوذيّ: وأدخلت نصرانيًا على أبي عبد الله يعالجه فقال: يا أبا عبد الله إنّي لأشتهي أن أراك منذ ستّين سنة. ما بقاؤك صلاحُ الإسلام وحدهم، بل للخلْق جميعًا، وليس من أصحابنا أحد إلا وقد رضي بك.
قال المَرُّوذيّ: فقلت لأبي عبد الله: إنّي لأرجو أن يكون يُدعى لك في جميع الأمصار.
فقال: يا أبا بكر، إذا عرف الرجلُ نفسه فما ينفعه كلام النّاس.
وقال عبد الله بن أحمد: خرج أبي إلى طرسوس ساشيا، وحجّ حَجَّتين أو ثلاثًا ماشيًا، وكان أصبر الناس على الوحدة.
__________
1 والعِلْجُ: هو كل جافٍ شديد من الرجال "ج" علوج، وأعلاج.

(18/49)


وبِشْر فيما كان فيه لم يكن يصبر على الوحدة، كان يخرج إلى ذا وإلى ذاك1.
وقال عبّاس الدُّوريّ: حدَّثني علي بن أبي فَزَارَة جارنا قال: كانت أميّ مُقْعَدَة من نحو عشرين سنة، فقالت لي يومًا: اذهب إلى أحمد بن حنبل، فَسَلْهُ أن يدعو لي.
فأتيتُ فدققت عليه وهو في دِهْليزه، فلم يفتح لي وقال: مَن هذا؟ قلت: أنا رجلٌ سألتني أمّي، وهي مُقْعَدَة، أن أسألك أن تدعُوَ الله لها.
فسمعتُ كلامَهُ كلام رجل مُغْضَب فقال: نحن أحوج أن تدعُوَ الله لنا.
فوَّليْت منصرفًا، فخرجتْ عجوزٌ فقالت: إنّي قد تركته يدعو لها.
فجئت إلى بيتنا دققتُ الباب، فخرجت أميّ على رِجْلَيها تمشي وقالت: قد وهبَ الله ليَ العافية2.
رواها ثقتان، عن عبّاس.
وقال عبد الله بن أحمد: كان أبي يُصلّي في كل يوم وليلة ثلاثمائة رَكْعة، فلمّا مرض من تلك الأسواط أضْعَفَتْه، فكان يصلّي كلّ يومٍ وليلة مائة وخمسين رَكْعة3.
وقال عبد الله بن أحمد: ثنا عليّ بن الْجَهْم قال: كان لنا جارٌ فأخرج إلينا كتابًا فقال: أتعرفون هذا الخطّ؟ قلنا: هذا خطّ أحمد بن حنبل، فكيف كتب لك؟ قال: كنا بمكة مقيمين عند سُفْيان بن عُيَيْنَة، ففقدْنا أحمد أيّامًا، ثمّ جِئنا لنسأل عنه، فإذا الباب مردودٌ عليه، وعليه خِلْقان. فقلت: ما خَبَرُك؟ قال: سُرِقت ثيابي.
فقلت له: معي دنانير، فإن شئت صِلةً، وإن شئت قَرْضًا.
فأبى. فقلت: تكتب لي بأجرة؟ قال: نعم.
فأخرجت دينارًا فقال: اشترِ لي ثوبًا واقطعه نصفَين، يعني إزارًا ورداء، وجئني ببقيّة الدينار.
ففعلتُ وجئت بورق، فكتب لي هذا4.
__________
1 حلية الأولياء "9/ 183"، وتاريخ دمشق "7/ 258".
2 حلية الأولياء "9/ 186"، وتاريخ دمشق "7/ 259".
3 حلية الأولياء "9/ 179-181".
4 حلية الأولياء "9/ 177".

(18/50)


وبِشْر فيما كان فيه لم يكن يصبر على الوحدة، كان يخرج إلى ذا وإلى ذاك1.
وقال عبّاس الدُّوريّ: حدَّثني علي بن أبي فَزَارَة جارنا قال: كانت أميّ مُقْعَدَة من نحو عشرين سنة، فقالت لي يومًا: اذهب إلى أحمد بن حنبل، فَسَلْهُ أن يدعو لي.
فأتيتُ فدققت عليه وهو في دِهْليزه، فلم يفتح لي وقال: مَن هذا؟ قلت: أنا رجلٌ سألتني أمّي، وهي مُقْعَدَة، أن أسألك أن تدعُوَ الله لها.
فسمعتُ كلامَهُ كلام رجل مُغْضَب فقال: نحن أحوج أن تدعُوَ الله لنا.
فوَّليْت منصرفًا، فخرجتْ عجوزٌ فقالت: إنّي قد تركته يدعو لها.
فجئت إلى بيتنا دققتُ الباب، فخرجت أميّ على رِجْلَيها تمشي وقالت: قد وهبَ الله ليَ العافية2.
رواها ثقتان، عن عبّاس.
وقال عبد الله بن أحمد: كان أبي يُصلّي في كل يوم وليلة ثلاثمائة رَكْعة، فلمّا مرض من تلك الأسواط أضْعَفَتْه، فكان يصلّي كلّ يومٍ وليلة مائة وخمسين رَكْعة3.
وقال عبد الله بن أحمد: ثنا عليّ بن الْجَهْم قال: كان لنا جارٌ فأخرج إلينا كتابًا فقال: أتعرفون هذا الخطّ؟ قلنا: هذا خطّ أحمد بن حنبل، فكيف كتب لك؟ قال: كنا بمكة مقيمين عند سُفْيان بن عُيَيْنَة، ففقدْنا أحمد أيّامًا، ثمّ جِئنا لنسأل عنه، فإذا الباب مردودٌ عليه، وعليه خِلْقان. فقلت: ما خَبَرُك؟ قال: سُرِقت ثيابي.
فقلت له: معي دنانير، فإن شئت صِلةً، وإن شئت قَرْضًا.
فأبى. فقلت: تكتب لي بأجرة؟ قال: نعم.
فأخرجت دينارًا فقال: اشترِ لي ثوبًا واقطعه نصفَين، يعني إزارًا ورداء، وجئني ببقيّة الدينار.
ففعلتُ وجئت بورق، فكتب لي هذا4.
__________
1 حلية الأولياء "9/ 183"، وتاريخ دمشق "7/ 258".
2 حلية الأولياء "9/ 186"، وتاريخ دمشق "7/ 259".
3 حلية الأولياء "9/ 179-181".
4 حلية الأولياء "9/ 177".

(18/51)


حنبل، فدخل رجلٌ فقال: مَن منكم أحمد بن حنبل؟ فسكتنا، فقال أحمد: هأنذا.
قال: جئت من أربعمائة فَرْسخ بَرّا وبحرًا. كنت ليلة جمعة نائمًا فأتاني آتٍ، فقال لي: تعرف أحمد بن حنبل؟ قلتُ: لا.
قال: فائْتِ بغداد وسَلْ عنه، فإذا رأيته فقل إنّ الخَضِر يقرئُكَ السّلام ويقول: إنّ ساكن السّماء الّذي على عرشه راضٍ عنك، والملائكة راضون عنك بما صبرت نفسك لله.
فصل في آدابه:
قال عبد الله بن أحمد: رأيت أبي يأخذ شعرةٌ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيضعها على فيه يُقبّلها، وأحسب أنّي رأيته يضعها على عينه ويغمسها في الماء ويشربه يستشفى به. ورأيته قد أخذ قَصْعَة النبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فغسّلها في جُبّ الماء، ثمّ شرب فيها. ورأيته يشرب ماء زمزم، يستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه1.
وقال أحمد بن سعيد الدّارمِيّ: كتب إليِّ أحمد بن حنبل: لأبي جعفر أكرمه الله، من أحمد بن حنبل.
وعن سعيد بن يعقوب قال: كتب إليِّ أحمد: من أحمد بن محمد إلى سعيد بن يعقوب، أمّا بعد، فإنّ الّدنيا داء والسّلطان داء، والعالِم طبيب. فإذا رأيتَ الطبيب يجرُ الدّاء إلى نفسه فآحذره، السلام عليك.
وقال عُبَيْد الله بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّهْريّ: حدَّثني أبي قال: مضى عمّي أبو إبراهيم أحمد بن سعْد إِلَى أَحْمَد بْن حنبل، فسلَّم عليه. فَلَمَّا رآه وثب قائمًا وأكرمه.
قال المَرُّوذِيُّ: قَالَ لِي أَحْمَدُ: مَا كَتَبْتُ حَدِيثًا إِلَّا وَقَدْ عَمِلْتُ بِهِ، حَتَّى مَرَّ بِي "أَنّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ وَأَعْطَى أَبَا طَيْبَةَ دِينَارًا"2، فَأَعْطَيْتُ الْحَجَّامَ دِينَارًا حِينَ احْتَجَمْتُ.
وقال ابن أبي حاتم: ذكر عبد الله بن أبي عمر البكْريّ قال: سمعت عبد الملك الميمونيّ يقول: ما أعلم أنّي رأيت أحدًا أنظف ثوبًا ولا أشد تعاهد لنفسه في شاربه
__________
1 وراجع: حلية الأولياء: 9/ 183، 184".
2 "حديث صحيح": أخرجه البخاري "2102"، ومسلم "1577"، ومالك في موطئه "2/ 974".

(18/52)


وشَعر رأسه وشَعر بَدَنه، ولا أنقى ثوبًا وشدّة بياض من أحمد بن حنبل.
وقال الخلال: أخبرني محمد بن الْجُنَيْد أنّ المَرُّوذيّ حدَّثهم قال: كان أبو عبد الله لا يدخل الحمّام. وكان إذا احتاج إلى النَّورة تَنَوّر في البيت1.
وأصلحت له غير مرّة النّورة، واشتريت له جلْدًا ليدِهِ يُدْخِل يَدَه فيه ويتنوَّر.
وقال حنبل: رأيت أبا عبد الله إذا أراد القيام قال لجُلَسائه: إذا شئتم2.
وقال المَرُّوذيّ: رأيت أبا عبد الله قد ألقى لختَّانٍ دِرهَمين في الطّسْت3.
وقال موسى بن هارون: سئل أحمد بن حنبل فقيل له: أين نطلب البُدَلاء؟ فسكت حتّى ظننّا أنّه لا يجيب، ثمّ قال: إنْ لم يكن من أصحاب الحديث فلا أدري.
وقال المَرُّوذيّ: كان الإمام أحمد إذا ذكر الموت خنقَتْه العبرة. وكان يقول: الخوف يمنعني أكْلَ الطّعام والشّراب.
وقال: إذا ذكرتُ الموت هان عليَّ كلُّ شيءٍ من أمرِ الدّنيا. وإنّما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنّها أيام قلائل. ما أعدِلُ بالفقر شيئًا.
وقال: لو وجدتُ السّبيل لخرجت حتّى لا يكون لي ذِكْر.
وقال: أريد أن أكون في بعض تلك الشِّعاب بمكّة، حتى لا أُعْرَف. قد بُليت بالشُّهْرة. إنّي لأتمنّى الموت صباحًا ومساءً.
وقال المَرُّوذيّ: ذُكِر لأحمد أنّ رجلا يريد لقاءه، فقال: أليس قد كره بعضُهم اللّقاء. يتزيَّن لي وأتزيَّن له.
وقال: لقد استرحت. ما جاءني الفرح إلا منذ حلفت أن لا أُحَدِّث، وليتنا نُتْرَك.
الطّريق ما كان عليه بِشْرُ بن الحارث.
وقال المَرُّوذيّ: قلت لأبي عبد الله: إنّ فلانًا قال: لم يزهد أبو عبد الله في الدّراهم وحدها، قد زهد في النّاس.
__________
1 راجع سير أعلام النبلاء "9/ 457".
2 انظر المصدر السابق.
3 انظر المصدر السابق.

(18/53)


فقال: ومَن أنا حتّى أزهد في النّاس؟ النّاسُ يريدون أن يزهدوا فيَّ.
وسمعت أبا عبد الله يكره للرجل أن ينام بعد العصر، يخاف على عقله.
وسمعته يقول: لا يفلح مشن تعاطى الكلام، ولا يخلو من أن يتجهَّم.
وَسُئِلَ عن القراءة بالألحان فقال: هذه بدعةٌ لا تُسْمع.
وكان قد قارب الثمانين، رحمه الله.
فصل في قوله في أُصول الدين:
قَالَ أَبُو داود: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يقول: الإيمان قولٌ وعمل، يزيد وينقص.
البر كله من الإيمان، والمعاصي تنقص من الإيمان.
وقال إسحاق بن إبراهيم البَغَويّ: سمعتُ أحمد بن حنبل، وَسُئِلَ عمّن يقول: القرآن مخلوق، فقال: كافر.
وقال سَلَمَةُ بن شبيب: سمعت أحمد يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.
وقال أبو إسماعيل التِّرْمِذيّ: سمعت أحمد بن حنبل يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر.
وقال إسماعيل بن الحسن السّرّاج: سألت أحمد عمّن يقول: القرآن مخلوق.
فقال: كافر.
وعمن يقول: لفْظي بالقرآن مخلوق.
فقال: جَهْميّ.
وقال صالح بن أحمد: تناهى إلى أبي أن طالب يحكي أنه يقول: لفظي بالقرآن غير مخلوق. فأخبرت أبي بذلك، فقال: مَن أخبرك؟ قلت: فلان. فقال: ابعث إلى أبي طالب. فَوَجَّهْتُ إليه، فجاء وجاء فوزان، فقال له أبي: أنا قلت لفظي بالقرآن غير مخلوق؟ وغضب وجعل يرعد، فقال: قرأت عليك قُلْ هو الله أحد فقلت لي: ليس هذا بمخلوق.
فقال: فَلِمَ حكيت عنّي أنّي قلت لك: لفْظي بالقرآن غير مخلوق؟ وبَلَغَني أنّكَ وَضَعْتَ ذلك في كتاب، وكتبتَ به إلى قومٍ. فامْحه، واكتبْ إلى القوم أنّي لم أقُلْه

(18/54)


لك. فجعل فَوْزان يعتذر إليه، وانصرف من عنده وهو مرعوب، فعاد أبو طالب، فذكر أنّه قد حَكَّ ذلك من كتابه، وأنّه كتب إلى القوم يخبرهم أنّه وهِمَ على أبي.
قلتُ: الَّذي استقرّ عليه قول أبي عبد الله: أنَّ مَن قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جَهْميّ، ومَن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق، فهو مبتدع.
وقال أحمد بن زَنْجَوَيْه: سمعت أحمد بن حنبل يقول: اللّفظيّة شرٌّ من الْجَهْميّة1.
وقال صالح بن أحمد: سمعت أبي يقول: افترقت الْجَهْميّة على ثلاث فِرَق: فرقة قالوا: القرآن مخلوق.
وفرقة قالوا: القرآن كلام الله تعالى، وسكتوا.
وفرقة قالوا: لفْظُنا بالقرآن مخلوق.
وقال أبي: لا يُصلِّي خلف واقِفيّ، ولا خلْف لفْظيّ.
وقال المَرُّوذيّ: أخبرتُ أبا عبد الله أنّ أبا شُعيب السُّوسيّ الذي كان بالرَّقَّة فرَّق بين ابنتهِ وزوجها لما وقف بالقرآن. فقال: أحسَن، عافاه الله. وَجَعَل يدعو له.
وقد كان أبو شُعيب شاور النُّفَيْليّ، فأمره أن يفرِّق بينهما.
قال المَرُّوذيّ: ولمّا أظهر يعقوب بن شيبة الوقف حذَّر أبو عبد الله عنه، وأمَرَ بهجرانه وهجران من كلّمه.
قلت: ولأبي عبد الله في مسألة اللَّفظ نصوصٌ متعددَة.
وأولَ مَن أظهر اللّفظ الحسين بن عليّ الكرابيسيّ2، وذلك في سنة أربعٍ وثلاثين ومائتين.
وكان الكرابيسيّ من كبار الفقهاء.
__________
1 الجهمية: هم إحدى الفرق الكلامية التي تنسب إلى الإسلام، وهي ذات مفاهيم وآراء عقدية كانت لها آراء خاطئة في مفهوم الإيمان وفي صفات الله تعالى وأسمائه.
2 وراجع ترجمته في الكامل في الضعفاء لابن عدي "2/ 775-777"، وميزان الاعتدال "1/ 544"، والبداية "11/ 2".

(18/55)


وقال المَرُّوذيّ في كتاب "القَصَص": عزم حَسن بن البزّاز، وأبو نصر بن عبد المجيد، وغيرهما على أن يجيئوا بكتاب المدلّسين الّذي وضعه الكرابيسيّ يطعن فيه على الأعمش، وسليمان التَّيْميّ. فمضيتُ إليه في سنة أربعٍ وثلاثينِ فقلت: إنّ كتابك يريدُ قومٌ أن يعرضوه على عبد الله، فأظْهِر أنّك قد ندِمتَ عليه.
فقال: إنّ أبا عبد الله رجلٌ صالح، مثله يوفَّق لإصابة الحقّ. قد رضيتُ أن يُعرض عليه. لقد سألني أبو ثور أنْ أمحوه، فأبيت.
فجيء بالكتاب إلى عبد الله، وهو لا يعلم لمن هو، فعلَّموا على مُسْتَبْشَعات من الكتاب، وموضعٍ فيه وضْع على الأعمش، وفيه: إنْ زعمتم أنّ الحَسَن بن صالح كان يرى السّيف فهذا ابن الزُّبَير قد خَرَج.
فقال أبو عبد الله: هذا أراد نُصْرة الحَسَن بن صالح، فوضع عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد جمع للرّوافض1 أحاديثَ في هذا الكتاب.
فقال أبو نصْر: إنّ فتياننا يختلفون إلى صاحب هذا الكتاب.
فقال: حذروا عنه.
ثم انكشف أمره، فبلغ الكرابيسيّ، فبلغني أنّه قال: سمعت حُسَيْنًا الصّايغ يقول: قال الكرابيسيّ: لأقولنَّ مقالة حتّى يقول أحمد بن حنبل بخلافها فيكفر، فقال: لفْظي بالقرآن مخلوق.
فقلت لأبي عبد الله: إنّ الكرابيسيّ قال: لفْظي بالقرآن مخلوق. وقال أيضًا: أقول: إنّ القرآن كلام الله غير مخلوق من كلّ الجهات، إلا أنّ لفظي بالقرآن مخلوق. ومن لم يقل إنّ لفظي بالقرآن مخلوق فهو كافر.
فقال أبو عبد الله: بل هو الكافر، قاتَلَه الله، وأيُّ شيءٍ قالت الْجَهْميّة إلا هذا؟ قالوا كلام الله، ثمّ قالوا: مخلوق. وما ينفعه وقد نقضَ كلامه إلا خيرُ كلامه الأوّل حين قال: لفظي بالقرآن مخلوق.
ثمّ قال أحمد: ما كان الله لَيدَعَه وهو يقصد إلى التّابعين مثل سليمان الأعمش، وغيره، يتكلَّم فيهم. ماتَ بشر المَرِيسيّ، وخَلفَه حُسين الكرابيسي.
__________
1 الروافض: فرقة من الشيعة تجيز الطعن في الصحابة.

(18/56)


ثم قال: أيش خبر أبي ثَوْر؟ وافقَه على هذا؟ قلت: قد هجره.
قال: قد أحسن.
قلت: إنّي سألت أبا ثَوْر عمن قال: لفْظي بالقرآن مخلوق، فقال: مبتدع.
فغضبَ أبو عبد الله وقال: أيْش مبتدِع؟! هذا كلام جَهْمٍ بعينه. ليس يُفْلح أصحاب الكلام.
وقال عبد الله بن حنبل: سُئِل أبي وأنا أسمع عن اللّفظيّة والواقفة فقال: من كان منهم يُحسن الكلام فهو جَهْميّ.
وقال الحَكَم بن مَعْبَد: حدَّثني أحمد أبو عبد الله الدّوْرقيّ قال: قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول في هؤلاء الذين يقولون: لفْظي بالقرآن مخلوق؟.
فرأيته استوى واجتمع وقال: هذا شرّ من قول الْجَهْميّة. مَن زعم هذا فقد زعم أنّ جبريل تكلَّم بمخلوق، وجاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمخلوق.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الأَسَدِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا طَالِبٍ أَحْمَدَ بْنَ حُمَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قَدْ جَاءَتْ جَهْمِيَّةٌ رَابِعَةٌ.
فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَالَ إِنْسَانٌ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي صَدْرِهِ الْقُرْآنَ، فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ فِي صَدْرِهِ مِنَ الإِلَهِيَّةِ شيء.
فقال: من قال هذا فقد قَالَ مِثْلَ قَوْلِ النَّصَارَى فِي عِيسَى أَنَّ كَلِمَةَ اللَّهِ فِيهِ. مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِ هَذَا قَطُّ.
قُلْتُ: أَهَذِهِ الْجَهْمِيَّةُ.
قَالَ: أَكْبَرُ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ.
ثُمَّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُنْزَعُ الْقُرْآنُ مِنْ صُدُورِكُمْ". قلتُ: الملفوظ كلام الله، وهو غير مخلوق، والتّلفُّظ مخلوق لأنّ التُّلفُّظ من كسْب القارئ، وهو الحركة، والصّوت، وإخراج الحروف، فإنّ ذلك ممّا أحدثه القارئ، ولم يُحْدِث حروف القرآن ولا معانيه، وإنّما أحدث نُطْقُهُ به.

(18/57)


فاللّفظ قَدر مشتَرك بين هذا وهذا، ولذلك لم يجوّز الإمام أحمد: لفْظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق؛ إذ كلّ واحدٍ من الإطلاقيْن مُوهِمٌ. والله أعلم.
وقال أبو بكر الخلال: أخبرني أحمد بن محمد بن مَطَر، وزكريّا بن أبي يحيى، أنّ أبا طالب حدَّثهم أنّه قال لأبي عبد الله: جاءني كتاب من طرسوس أنّ سَرِيّا السَّقَطيّ قال: لمّا خلق الله الحروف سَجَدَتْ إلا الألِف فإنّه قال: لا أسجد حتّى أُومر.
فقال: هذا كُفْر.
فرحم الله الإمام أحمد ما عنده في الدّين محاباة.
قال الخلال: أنبأ محمد بن هارون أنّ إسحاق بن إبراهيم حدَّثهم قال: حضرت رجلا سأل أبا عبد الله فقال: يا أبا عبد الله إجماع المسلمين على الإيمان بالقَدَر خيره وشرّه؟ قال أبو عبد الله: نعم.
قال: ولا نكفّر أحدًا بذنب؟
فقال أبو عبد الله: أسكُتْ، من ترك الصّلاة فقد كفَر، ومَن قَالَ: القرآن مخلوق فهو كافر.
وَقَالَ الْخَلالُ: أَخْبَرَنِي محمد بْنُ سُلَيْمَانَ الْجَوْهَرِيُّ، ثنا عَبْدُوسُ بْنُ مَالِكٍ الْعَطَّارُ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: أُصُولُ السنة عِنْدَنَا التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، وَتَرْكُ الْبِدَعِ وَتَرْكُ الْخُصُومَاتِ، وَالْجُلُوسِ مَعَ أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ، وَتَرْكُ الْمِرَاءَ وَالْجَدَلِ. وَلَيْسَ فِي السنة قِيَاسٌ، وَلا يُضْرَبُ لَهَا الأَمْثَالُ، وَلا تُدْرَكُ بِالْعُقُولِ، وَالْقُرْآَنُ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَإِنَّهُ مِنَ اللَّهِ لَيْسَ بِبَائِنٍ مِنْهُ. وَإِيَّاكَ وَمُنَاظَرَةَ مَنْ أَحْدَثَ فِيهِ، وَمَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ وَقَفَ فِيهِ فَقَالَ: لا أَدْرِي، مَخْلُوقٌ أَوْ لَيْسَ مَخْلُوقٍ، وَإِنَّمَا هُوَ كَلامُ اللَّهِ؛ فَهُوَ صَاحِبُ بِدْعَةٍ. وَالإِيمَانُ بِالرُّؤْيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ1؛ فَإِنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَوَاهُ قَتَادَةُ وَالْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَالْحَدِيثُ عِنْدَنَا عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْكَلامُ فِيهِ بِدْعَةٌ. وَلَكِنْ نُؤَمِّنُ عَلَى مَا جَاءَ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَإِنَّ اللَّهَ يُكَلِّمُ الْعِبَادَ يوم القيامة، ليس بينهم وبينه ترجمان2.
__________
1 رواه مسلم بنحوه "176".
2 "حديث صحيح": أخرجه البخاري "6539"، وأحمد في مسنده "4/ 256-377"، والترمذي "2529"، وابن ماجه "185"، "1843"، وابن أبي عاصم "1/ 269"، والطبراني في الكبير "17/ 82، 83" وغيره.

(18/58)


قال حنبل بن إسحاق: قلت لأبي عبد الله: ما معنى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} ، و {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] .
قال: عِلمُه عِلمُه.
وسمعته يقول: ربُّنا تبارك وتعالى على العرش بلا حَدٍّ ولا صفة.
قلت: معنى قوله بلا صفة أي بلا كيفيّة ولا وصْف.
وقال أبو بكر المَرُّوذيّ: حدَّثني محمد بن إبراهيم القيسيّ قال: قلت لأحمد بن حنبل: يُحكى عن ابن المبارك أنّه قيل له: كيف نعرف ربَّنا؟ قال: في السّماء السّابعة على عرشه.
قال أحمد: هكذا هو عندنا.
وقال صالح بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: من زعم أن أسماء الله مخلوقة فقد كفر.
وقال عبد الله بن أحمد في كتاب الرّدّ على الْجَهْميّة تأليفه: سألت أبي عن قومٍ يقولون: لمّا كلَّم الله موسى لم يتكلَّم بصوت.
فقال أبي: بلى تكلَّم -جلَّ ثناؤه- بصوت. هذه الأحاديث ترويها كما جاءت.
وقال أبي: حديث ابن مسعود: إذا تكلَّم الله سُمِع له صوت كمرِّ السلسلة على الصفوان.
قال: هذه الْجَهْميَّة تنكره، وهؤلاء كُفّار يريدون أن يموّهوا على النّاس.
ثُمَّ قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ: عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ صوته أهل السماء فيخرن سُجَّدًا.
وقال عبد الله. وجدت بخطّ أبي ممّا يُحْتَجّ به على الْجَهْميّة من القرآن: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ} ، {إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} [يس: 82] ، {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ} [آل عمران: 45] ، {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الأنعام: 115] ، {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا

(18/59)


اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النمل: 9] ، {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] ، {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] ، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27] ، {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 38] ، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] ، {يَا مُوسَى، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11] ، {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] ، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] . قلت: وذكر آيات كثيرة في الصّفات، أنا تركت كتابتها هنا.
وقال يعقوب بن إسحاق المطّوّعيّ: سمعت أحمد بن حنبل، وَسُئِلَ عن التفضيل فقال: على حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أبو بكر، وعمر، وعثمان.
وقال صالح بن أحمد: سُئِل أبي، وأنا شاهد، عمّن يُقَدّم عليًا على عثمان يبدع؟ فقال: هذا أهل أن يبع. أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قدَّموا عثمان.
وقال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: قُلْتُ لِأَبِي: مَنْ الرافضيّ؟ قال: الّذي يشتم رَجُلا مِنْ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو يتعرَّض لهم ما أراه على الإسلام.
وقال أبو بكر المَرُّوذيّ: قيل لأبي عبد الله ونحن بالعسكر، وقد جاء بعض رسُل الخليفة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول فيما كان بين عليّ ومعاوية؟ قال: ما أقول فيهم إلا الحُسنَى.
وكلام الإمام أحمد كثير طيّب في أصول الدّين، لا يتّسع هذا الباب لسياقِهِ قد جمعه الخلال في مصَّنفٍ سماه كتاب السنة عن أحمد بن حنبل في ثلاث مجلَّدات، فممّا فيه: أنبا المَرُّوذيّ: سمعتُ أبا عبد الله يقول: مَن تعاطى الكلام لا يُفْلح، من تعاطى الكلام لم يَخْلُ من أن يتجهَّم.
وسمعتُ أبا عبد الله يقول: لست أتكلَّم إلا ما كان من كتاب أو سنة، أو عن الصّحابة والتّابعين. وأمّا غير ذلك فالكلام فيه غير محمود.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَن أحبّ الكلام لم يفلح، لا يؤول أمرُهم إلى خير.
وسمعته يقول: عليكم بالسنة والحديث وإيّاكم والخوض والجدال والمِراء، فإنّه لا يُفْلح من أحبّ الكلام.

(18/60)


وقال لي: لا تجالِسْهم، ولا تكلّم أحدًا منهم.
ثم قال: أدركنا الناس وما يعرفون هذا، ويجانبون أهلَ الكلام.
وسمعته يقول: ما رأيتُ أحدًا طلب الكلام واشتهاه فأفلح لأنه يخرجه إلى أمر عظيم. لقد تكلّموا يومئذٍ بكلام، واحْتَجّوا بشيءٍ ما يَقْوَى قلبي ولا ينطلق لساني أنْ أحكيه.
قال الخلال: أخبرني محمد بن أبي هارون، ثنا أبو الحارث: سمعت أبا عبد الله يقول: قال أيّوب: إذا تمرّق أحدكم لم يَعد.
وقال الخلال: أنا أحمد بن أصرم المُزَنيّ قال: حضرتُ أحمد بن حنبل قال له العبّاس الهَمْدانيّ: إنّي رُبّما رَدَدْت عليهم.
قال أحمد: لا ينبغي الجدال.
ودخل أحمد المسجد وصلّى، فلمّا انفتل قال: أنت عبّاس؟ قال: نعم.
قال: اتقِ الله، ولا ينبغي أن تَنْصب نفسك، وتشتهر بالكلام ولا بوضْع الكُتُب. لو كان هذا خيرًا لتقدَّمنا فيه الصّحابة. لم أرَ شيئًا من هذه في الكُتُب، وهذه كلّها بدعة.
قال: مقبولٌ منك يا أبا عبد الله، استغفر الله وأتوبُ إليه، إنّي لست أطلبهم، ولا أدُقُّ أبوابهم؛ لكنْ أسمعهم يتكلّمون بالكلام، وليس أحدٌ يردّ عليهم فأَغْتَمّ، ولا أصبر حتّى أرُدّ عليهم.
قال: إن جاءك مسترشدٌ فأرشِدْه. قالها مِرارًا.
قال الخلال: أنا محمد بن هارون، ومحمد بن جعفر، أنّ أبا الحارث حدَّثهم قال: سألت أبا عبد الله قلت: إنّ ههُنا مَن يُناظر الْجَهْميَّة يبين خطأهم، ويُدقّق عليهم المسائل، فما ترى؟ قال: لستُ أرى الكلام في شيء من هذه الأهواء، ولا أرى لأحد أن يُنَاظرهم. أليس قال معاوية بن قُرَّةَ: الخصومات تحبط الأعمال. والكلام رديء لا يدعو إلى خير. تجنَّبوا أهل الجدال والكلام، وعليك بالسُّنَن، وما كان عليه أهل العلم قبلكم، فإنّهم كانوا يكرهون الكلام والخوض مع أهل البِدَع. وإنّما السّلامة في تَرْك هذا. لم نؤمر بالجدال والخصومات.

(18/61)


وقال: إذا رأيتم من يحبّ الكلام فاحْذروه.
قال ابن أبي داود: ثنا موسى بن عمران الأصبهانيّ: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لا تجالس أصحاب الكلام، وإنْ ذَبُّوا عن السنة.
وَقَالَ الْمَيْمُونِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: ما زال الكلام عند أهل الخير مذمومًا.
قلت: ذمّ الكلام وتعلّمه قد جاء من طُرُقٍ كثيرة عن الإمام أحمد، وغيره.
فصل في سيرته:
قال الخلال: قلت لزُهَير بن صالح بن أحمد: هل رأيت جدّك؟ قال: نعم، مات وقد دخلت في عشر سنْين. كنّا ندخل إليه كلّ يوم جمعة أنا وإخواتي، وكان بيننا وبينه باب. وكان يكتب لكلّ واحدٍ منا حبَّتين حبَّتين من فِضّةٍ في رقْعة إلى فاميّ1 يعامله، فنأخذ منه الحبَّتين، وتأخذ الأخَوات.
وكان ربّما مررت به وهو قاعد في الشّمس، وظهره مكشوف، وأثر الضَّرْب بَيِّنٌ في ظهره.
وكان لي أخٌ أصغر منّي اسمه عليّ، فأراد أبي أن يختنه، فاتّخذ له طعامًا كثيرًا، ودعا قومًا، فلمّا أراد أن يختنه وجّه إليه جدّي فقال له: بَلَغَني ما أحدَثْته لهذا الأمر، وقد بلغني أنّك أسرفتُ، فابدأ بالفقراء والضُّعفاء فأطْعمْهم.
فلمّا كان من الغد، وحضر الحَجّام2، وحضر أهلنا، فجاء جدّي حتّى جلس في الموضع الّذي فيه الصّبيّ، وأخرج صُرَيْرَة دفعها إلى الحَجّام، وصُرَيْرةً دفعها إلى الصبّيّ، وقام فدخل منزله. فنظر الحَجّام في الصُّرَيْرة فإذا درهم واحدٌ.
وكنّا قد رفعنا كثيرًا مما افْتُرِش، وكان الصبّيّ على مَصْطَبَة مرتفعة على شيء من الثّياب الملوّنة، فلم يُنْكِر ذلك.
وقدِم علينا من خُراسان ابن خالة جدّي، فنزل على أبي، وكان يُكنَّى بأبي أحمد، فدخلت معه إلى جدّي، فجاءت الجارية بطبق خلاف، وعليه خبز وبقل وخل
__________
1 الفامي: هو الصائغ.
2 الحجام: وهو الذي يقوم بعمل الحجامة، والحجامة: هي امتصاص الدم بالمحجم بعد تشريط الجلد.

(18/62)


وملْح. ثم جَاءت بغضارة فوضعتها بين أيدينا، فيها مَصلية، فيها لحم وسَلْق كثير، فجعلنا نأكل وهو يأكل معنا، ويسأل أبا أحمد عمّن بقي من أهلهم بخُراسان في خلال ما يأكل، فربّما استعجم الشّيء على أبي أحمد، فيكلّمه جدّي بالفارسيّة، ويضع القطعة اللّحم بين يديه وبين يديّ. ثمّ رفع الغِضارة1 بيده، فوضعها ناحيةً، ثمّ أخذ طَبَقًا إلى جنْبه، فوضعَه بين أيدينا، فإذا تمرٌ برّيّ، وجوز مُكَسَّر. وجعل يأكل، وفي خلال ذلك يناول أبا أحمد.
وقال عبد الملك الميمونيّ: كثيرا ما كنت أسأل أبا عبد الله عن الشّيء فيقول: لبَّيْك لبَّيْك.
وعن المَرُّوذيّ قال: لم أر الفقير في مجلس أعزَّ منه في مجلس أبي عبد الله. كان مائلا اليهم، مُقْصِرًا عن أهل الدّنيا. وكان فيه حلمٌ، ولم يكن بالعَجُول. وكان كثير التّواضع، تَعْلوه السّكينة والوَقار. إذا جلس في مجلس بعد العصر لا يتكلّم حتى يُسأل. وإذا خرج إلى مسجده لم يتصدّر. يقعد حيث انتهى به المجلس.
وقال الطِّبَرانيّ: ثنا موسى بن هارون: سمعت إسحاق بن راهَوَيْه يقول: لمّا خرج أحمد بن حنبل إلى عبد الرّزّاق انقطعت به النَّفَقَة، فأكرى نفسه من جمّالين إلى أن جاء صنعاء، وعرض عليه أصحابه المواساة، فلم يقبل.
قال الفقيه عليّ بن محمد بن عمر الرّازّي: سمعتُ أبا عمر غلام ثعلب: سمعتُ أَبَا القاسم بْن بشّار الأنْماطيّ: سَمِعْتُ المُزَنيّ: سمعت الشّافعيّ يقول: رأيت ببغداد ثلاث أُعجوبات: رأيت فيها نَبَطيّا يتنحّى عليَّ حتّى كأنّه عربيّ.
ورأيت أعرابيًّا يَلْحن حتّى كأنه نَبَطيّ، ورأيت شابّا وخَطَه الشَّيْب، فإذا قال: حدَّثنا. قال النّاس كلُّهم: صَدَق.
قال المُزَنيّ: فسألته، فقال: الأول الزَّعْفرانيّ والثّاني أبو ثَوْر الكلبيّ وكان لحّانًا، وأمّا الشّابّ فأحمد بن حنبل.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: رأيت أبي حرّج على النَّمل أن يخرج النّمْل من داره. ثم رأيت النَّمْل قد خرجن بعد ذلك نَمْلا سودًا، فلم أرهم بعد ذلك.
__________
1 الغضارة: غضارة العيش: السعة والنعمة.

(18/63)


رواها أحمد بن محمد اللُّنْبانيّ، عنه.
قال أبو الفَرَج بن الْجَوزيّ: لما وقع الغَرَق سنة أربع وخمسين وخمسمائة، غرقت كتبي، وسلِم لي مجلد، فيه ورقتان بخط الإمام أحمد.
ومن نهي أبي عبد الله عن الكلام، قال المَرُّوذيّ: أُخْبِرت قبل موت أبي عبد الله بسنتين أن رجلا كتب كتابًا إلى أبي عبد الله يشاوره في أن يضع كتابًا يشرح فيه الرّدّ على أهل البِدَع، فكتب إليه أبو عبد الله.
قال الخلال: وأخبرني عليّ بن عيسى أنّ حنبلا حدّثهم قال: كتب رجل إلى أبي عبد الله.
قال: وأخبرني محمد بن عليّ الورّاق ثنا صالح بن أحمد قال: كتب رجلٌ إلى أبي يسأله عن مناظرة أهل الكلام والْجُلُوس معهم، فأملى عليّ أبي جواب كتابه: أحسنَ الله عاقبتك، الّذي كنّا نسمع عليه من أدركنا أنّهم كانوا يكرهون الكلام والْجُلُوس مع أهل الزَّيْغ، وإنّما الأمر في التّسليم والانتهاء إلى ما في كتاب الله، لا تَعْدُ ذلك. ولم يزل النّاس يكرهون كلّ مُحْدَث، من وضْعِ كتابٍ، وجلوسٍ مع مبتدع، ليُورد عليه بعض ما يُلْبس عليه في دينه.
وقال المَرُّوذيّ: بَلَغَني أنّ أبا عبد الله أنكر علي وليد الكرابيسيّ مناظرته لأهلِ البِدَعِ.
وقال المَرُّوذيّ: قلت لأبي عبد الله: قد جاءوا بكلام فلان ليُعْرَض عليك.
وأعطيته الرقعة، فكان فيها: والإيمان يزيد وينقص فهو مخلوق، وإنّما قلت إنّه مخلوق على الحركة والفعل لا على القول، فمن قال: الإيمان مخلوق، وأراد القول، فهو كافر.
فلمّا قرأها أحمد وانتهى إلى قوله: الحركة والفعل، غضب، فرمى بها وقال: هذا مثل قول الكرابيسيّ1؛ وإنّما أراد الحركات مخلوقة، إذا قال الإيمان مخلوق، وأي شيء بقي؟ يُفلح أصحابُ الكلام.
قلت: إنّما حطّ عليه أحمد بن حنبل لكونه خاض وأفتى وقسَّم، وفي هذا عبرة وزاجر، والله أعلم. فقد زجر الإمام أحمد كما ترى في قصّة الرقعة التي في الإيمان،
__________
1 تقدمت مصادر ترجمته قريبا.

(18/64)


وهي والله بحثٌ صحيح، وتقسيمٌ مليح. وبعد هذا فقد ذَمّ من أطلق الخَلْق على الإيمان، باعتبار قول العبد لا باعتبار مَقُوله؛ لأنّ ذلك نوعٌ من الكلام، وهو كان يذمّ الكلام وأهله، وإنْ أصابوا، ونهى عن تدقيق النَّظر في أسماء الله وصفاته، مع أن محمد بن نصر المروزي قد سمع إسحاق بن رَاهوَيْه يقول: خلق الله الإيمان والكفر، والخيرَ والشّرّ.
فصل في زوجاته وأولاده:
قال زهير بن صالح بن أحمد: تزوّج جدي بأمّ أبي عبّاسة بنت الفضل من العرب من الرَّبَض، لم يولد له منها غير أبي. ثمّ ماتت.
قال المَرُّوذيّ: سمعتُ أبا عبد الله يقول: أقامت معي أمّ صالح ثلاثين سنة، فما اختلفتُ أنا وهي في كلمة.
وقال زهير: لمّا ماتت عبّاسة تزوّج جدّي بعدها امرأة من العرب، يقال لها رَيْحانة، فولدت له عبد الله وحده.
وقال أبو بكر الخلال: ثنا أحمد بن محمد بن خلف البراثيّ: أخبرني أحمد بن عَبْثَر قال: لمّا ماتت أمّ صالح قال أحمد لامرأة عندهم: اذهبي إلى فلانة ابنة عمّي فاخطبيها لي من نفسها.
قالت: فأتيتها فأجابته.
فلما رَجَعَتْ إليه قال: كانت أختها تسمع كلامك؟ قال: وكانت بعينٍ واحدة.
فقالت له: نعم.
قال: فاذهبي فاخطبي تلك التي بعينٍ واحدة.
فأتتها فأجابته. وهي أم عبد الله ابنه. فأقام معها سبْعًا ثم قالت له: كيف رأيت يابن عمّي؟ أنكرت شيئًا؟ قال: لا، إلا أَنَّ نَعْلِك هذه تصرّ.
فيما تقدّم وهْم من أحمد، رحمه الله، تزوّج بهذه بعد موت أم صالح، وذلك لا يستقيم؛ لأنّ عبد الله وُلد لأحمد، ولأحمد خمسون سنة غير أشهرُ، وكان صالح أكبر من عبد الله بسنوات؛ لأنّه سمع من عفّان، وأبي الوليد.

(18/65)


وذكر أبو يعقوب الهَرَويّ، وغيره أنّ صالحًا ولد سنة ثلاثٍ ومائتين، ولأبيه إذ ذاك تسعٌ وثلاثون سنة. فصالح أكبر من عبد الله بعشر سِنين والله أعلم.
وقال الخلال: حدَّثني محمد بن العبّاس: نا محمد بن عليّ: حدَّثني أبو بكر بن يحيى قال: قال أبو يوسف بن بْختان: لمّا أمرنا عبد الله أن نشتري له الجارية مضيت أنا وفوزان، فتبِعني أبو عبد الله فقال لي: يا أبا يوسف، ويكون لها لحم.
قال زُهير بن صالح: لمّا تُوَفّيت أمّ عبد الله اشترى حُسْن، فولدت منه زينب، ثم الحسن، والحسين توءما، وماتا بالقُرب من ولادتها، ثمّ ولدت الحسن، محمدا، فعاش، ثمّ حَتَّى صارا من السّنّ إلى نحوٍ من الأربعين سنة.
ثمّ ولدت بعدهما سعيدًا.
قال الخلال: وثنا محمد بن عليّ بن يحيى: سمعت حُسْن، أمّ ولد أبي عبد الله تقول: قلت لمولاي: يا مولاي اصرفْ.
فَرْدَ خلْخالي.
قال: وتَطيب نفسك؟ قلت: نعم.
قال: الحمد لله الذي وفَّقك لهذا.
قالت: فأعطيته أبا الحسن بن صالح، فباعه بثمانية دنانير ونصف، وفرَّقها وقت حَمْلي. فلما ولدتُ حَسَنًا أعطى مولاتي كرّامة درهمًا، وهي امرأة كبيرة كانت تخدمهم، وقال لها: اذهبي إلى شجاع القصّاب يشتري لك بهذا رأسًا. فاشتري لنا رأسا، وجاءت به، فأكلنا.
فقال لي: يا حُسْن، ما أملك غير هذا الدِّرهم، وما لكِ عندي غير هذا اليوم.
قالت: وكان إذا لم يكن عند مولاي شيء فرحَ يومَه ذلك. فدخل يومًا فقال لي: أريد أن أحتجم اليوم وليس معي شيء. فجئتُ إلى جَرّة لي فيها غزْل، فبعته بأربعة دراهم، فاشتريت لحمًا بنصف درهم، وأعطى الحجّام درهمًا، واشتريت طِيبًا بِدِرهم.
ولمّا خرج إلى سُرّ مَنْ رأى كنتُ قد غزلت غزْلا ليّنًا، وعملت ثوبًا حسنًا، فلمّا قدِم أخرجته إليه، قال: ما أريده.

(18/66)


فدفعته إلى فَوْزان، فباعه باثنتين وأربعين درهمًا، واشتريت منه قطنًا، فغزلته ثوبًا كبيرًا، فلمّا أعلمته قال: لا تقطعيه دعيه. فكان كَفَنه كفن فيه.
وأخرجت الغليظ فقطعته.
وعن أحمد بن جعفر بن المنادى أنّ أبا عبد الله اشترى جاريةً بثمنٍ يسير، سمّاها رَيْحانة ليتسرّى بها. لم يُتَابع ابن المنادي على هذا.
قال حنبل: وُلد سعيد قبل موت أحمد بنحوٍ من خمسين يومًا.
وقال بعض النّاس: ولي سعيد قضاء الكوفة، ومات سنة ثلاث وثلاثمائة.
وهذا لا يصحّ. فإنّ سعيدًا ولد قبل موت أبيه، ومات قبل موت أخيه عبد الله بدهْر. لأنّ إبراهيم الحربيّ عَزّى عبد الله بأخيه سعيد.
وأمّا الحسن، ومحمد. قال ابن الْجَوْزيّ: فلا نعرف من أخبارهما شيئًا.
وأمّا زينب فكبرت وتزَّوجت. وله بنت اسمها فاطمة، إن صحّ ذلك.
ذِكْرُ المِحْنَة:
ما زال المسلمون على قانون السَّلَف من أنّ القرآن كلام الله تعالى ووحْيه وتنزيله غير مخلوق، حَتَّى نبغت المعتزلة والْجَهْميّة، فقالوا بخلق القرآن، متستّرين بذلك في دولة الرشيد. فروى أحمد بن إبراهيم الدَّورقيّ، عن محمد بن نوح، أنّ هارون الرشيد قال: بَلَغَني أنّ بِشْر بن غياث يقول: القرآن مخلوق. لله عليَّ إنْ أظفرني به لأقتلنّه.
قال الدَّورقيّ: وكان بِشْر مُتَواريًا أيّام الرشيد، فلمّا مات ظهر بِشْر ودعى إلى الضَّلالَةِ.
قلت: ثمّ إن المأمون نظر في الكلام، وباحث المعتزلة، وبقي يقدِّم رِجْلا ويؤخِّر أخرى في دعاء النَّاس إلى القول بخلق القرآن، إلى أنُ قوي عزمه على ذلك في السنة التي مات فيها، كما سُقْناه.
قال صالح بن أحمد بن حنبل: حُمِل أبي، ومحمد بن نوح مقَّيدين، فصرنا معهما إلى الأنبار، فسأل أبو بكر الأحوال أبي فقال: يا أبا عبد الله، إن عُرِضت على السيف تجيب؟.

(18/67)


قال: لا.
ثمّ سُيِّرا، فسمعت أبي يقول: صرنا إلى الرّحْبَة ودخلنا فيها، وذلك في جوف اللّيل، فعَرَض لنا رجلٌ فقال: أيّكم أحمد بن حنبل؟ فقيل له: هذا.
فقال للجمّال: على رسْلك. ثمّ قال: يا هذا، ما عليك أن تُقتل ههُنا وتدخل الجنّة. ثم قال: أسْتَوْدعُك الله، ومضى.
قال أبي: فسألت عنه، فقيل: هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الشِّعْر في البادية، يقال له جابر بن عامر، يُذكر بخير.
وروى أحمد بن أبي الحواري: ثنا إبراهيم بن عبد الله قال: قال أحمد بن حنبل: ما سمعتُ كلمة منذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابيّ كلَّمني بها في رَحْبة طَوْق، قال: يا أحمد، إن يَقْتُلُكَ الحقُّ مُتَّ شَهِيدًا، وإن عشْت عشت حميدًا. فقوي قلبي.
قال صالح بن أحمد: قال أبي: صرنا إلى أذنة، ورحلنا منها في جوف الليل، وفتح لنا بابها، فإذا رجل قد دخل فقال: البشرى، قد مات الرجل، يعني المأمون.
قال أبي: وكنت أدعو الله أن لا أراه.
وقال محمد بن إبراهيم البُوَشْنجيّ: سمعت أحمد بن حنبل يقول: تبيّنت الإجابة في دعوتين: دعوتُ الله أن لا يجمع بيني وبين المأمون، ودعوته أن لا أرى المتوكّل. فلم أر المأمون ومات بالبَذَنْدُون1 وهو نهر الرّوم، وأحمد محبوس بالرَّقَة حتى بويع المعتصم بالروم، ورجَع فردَّ أحمد إلى بغداد.
وأمّا المتوكّل فإنّه لمّا أحضر أحمد دار الخلافة ليحدِّث ولده، قَعَد لَهُ المتوكّل في خَوْخةٍ2 حَتَّى نظر إلى أحمد، ولم يره أحمد.
قال صالح: لما صدر أبي ومحمد بن نوح إلى طرسوس رُدّا في أقيادهما، فلمّا صارا إلى الرّقّة حُملا في سفينة، فلمّا وصلا إلى عانات تُوَفّي محمد، فأطلق عنه قيده، وصلى عليه أبي.
__________
1 البذندون: هي قرية بينها وبين طرسوس يوم من بلاد الثغر: "معجم البلدان 1/ 361، 362".
2 الخوخة: كوة في البيت تُؤدي إليه الضوء. وباب صغير وسط باب كبير نُصب حاجزا بين دارين.

(18/68)


وقال حنبل: قال أبو عبد الله: ما رأيتُ أحدًا على حداثة سِنّهِ وقدر عِلْمه أَقْوَم بأمر الله من محمد بن نوح. وإنّي لأرجو أن يكون قد خُتِم له بخير. قال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله، الله، الله، إنّك لستَ مثلي، أنت رجل يُقْتَدى بك، قد مَدَّ الخلْق أعناقهم إليك لما يكون منك. فاتَّقِ الله واثْبت لأمرِ الله. أو نحو هذا.
فمات وصلَّيت عليه ودفنته. أظنّه قال: بعانة.
قال صالح: وصار أبي إلى بغداد مقيَّدًا، فمكث بالياسريّة أيّامًا، ثمّ حُبِس في دارٍ اكْتُرِيَتْ عند دار عُمارة. ثمّ نُقِل بعد ذلك إلى حبْس العامّة في درب المَوْصِليّة، فقال أبي: كنتُ أصلّي بأهل السّجن وأنا مقيّد. فلمّا كان في رمضان سنة تسع عشرة1 حُوِّلْتُ إلى دار إسحاق بن إبراهيم.
وأمّا حنبل بن إسحاق فقال: حُبس أبو عبد الله في دار عُمارة ببغداد في إسطبلٍ لمحمد بن إبراهيم أخي إسحاق بن إبراهيم، وكان في حبْسٍ ضيّق؛ ومرِض في رمضان، فحُبِس في ذلك الحبْس قليلا، ثم حُوِّل إلى سجن العامّة، فمكث في السّجن نحوًا من ثلاثين شهرًا، فكنّا نأتيه. وقرأ عليَّ كتاب الإرجاء وغيره في الحبْس، فرأيته يصلّي بأهل الحبْس وعليه القيد، فكان يُخْرج رِجْله من حلقة القيد وقت الصّلاة والنّوم.
رَجَعْنَا إِلَى مَا حَكَاهُ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ: لَمَّا حُوِّلَ إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فَكَانَ يُوجَّهُ إِلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ بِرَجُلَيْنِ، أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ رَبَاحٍ، وَالْآخَرُ أَبُو شُعَيْبٍ الْحَجَّامُ، فَلَا يَزَالانِ يُنَاظِرَانِي حَتَّى إِذَا أَرَادَا الانْصِرَافَ دُعِيَ بِقَيدٍ، فَزِيدَ فِي قُيُودِي.
قَالَ: فَصَارَ فِي رِجْلِهِ أَرْبَعَةُ أَقْيَادٍ.
قَالَ أَبِي: فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ دَخَلَ عَلَيَّ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ فَنَاظَرَنِي، فَقُلْتُ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي عِلْمِ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ.
فَقُلْتُ لَهُ: كَفَرْتَ.
فَقَالَ الرَّسُولُ الَّذِي كَانَ يَحْضُرُ مِنْ قِبَلِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: إِنَّ هذا رسول أمير المؤمنين.
__________
1 راجع: حلية الأولياء "9/ 197".

(18/69)


فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ هَذَا قَدْ كَفَرَ.
فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ وَجَّهَ، يَعْنِي الْمُعْتَصَمِ، بِبُغَا الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ الْكَبِيرُ، إِلَى إِسْحَاقَ، فَأَمَرَهُ بِحَمْلِي إِلَيْهِ.
فَأَدُخِلْتُ عَلَى إِسْحَاقَ فَقَالَ: يَا أَحَمْدُ، إِنَّهَا وَاللَّهِ نَفْسُكَ، إِنَّهُ لَا يَقْتُلُكَ بِالسَّيْفِ. إِنَّهُ قَدْ آلَى بِأَنْ لَمْ تُجِبْهُ أَنْ يَضْرِبَكَ ضَرْبًا بَعْدَ ضَرْبٍ، وَأَنْ يَقْتُلَكَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُرَى فِيهِ شَمْسٌ وَلَا قَمَرٌ1. أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3] .
أَفَيَكُونُ مَجْعُولًا إِلَّا مَخْلُوقًا؟ فَقُلْتُ: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5] أَفَخَلَقَهُمْ؟ قَالَ: فَسَكَتَ فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِبَابِ الْبُسْتَانِ أُخْرِجْتُ وَجِيءَ بِدَابَّةٍ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهَا وَعَلَيَّ الْأَقْيَادُ، مَا مَعِي أَحَدٌ يُمْسِكُنِي. فَكِدْتُ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنْ أَخِرَّ عَلَى وَجْهِي لِثِقَلِ الْقُيُودِ. فَجِيءَ بِي إِلَى دَارِ الْمُعْتَصِمِ، فَأُدْخِلْتُ حُجْرَةً، وَأُدْخِلْتُ إِلَى الْبَيْتِ، وَأُقْفِلَ الْبَابُ عَلَيَّ، وَذَلِكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ سِرَاجٌ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَمَسَّحَ لِلصَّلَاةِ، فَمَدَدْتُ يَدَيَّ، فَإِذَا أَنَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَسْتٌ مَوْضُوعٌ، فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَخْرَجْتُ تَكَّتِي مِنْ سَرَاوِيلِي، وَشَدَدْتُ بِهَا الْأَقْيَادَ أَحْمِلُهَا، وَعَطَفْتُ سَرَاوِيلِي. فَجَاءَ رَسُولُ الْمُعْتَصَمِ فَقَالَ: أَجِبْ.
فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَدْخَلَنِي عَلَيْهِ، وَالتَّكَّةُ فِي يَدِي أَحْمِلُ بِهَا الْأَقْيَادَ. وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ، وَابْنُ أَبِي دُؤَادٍ حَاضِرٌ، وَقَدْ جَمَعَ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ لِي، يَعْنِي الْمُعْتَصِمَ: ادْنُهُ، ادْنُهُ. فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِينِي حَتَّى قَرُبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: اجْلِسْ. فَجَلَسْتُ وَقَدْ أَثْقَلَتْنِي الْأَقْيَادُ، فَمَكَثْتُ قَلِيلًا ثُمَّ قُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي فِي الْكَلَامِ؟ فَقَالَ: تَكَلَّمْ.
فَقُلْتُ: إِلَى مَا دَعَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ فَسَكَتَ هُنَيَّةً ثُمَّ قَالَ: إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
فَقُلْتُ: فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ جَدَّكَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلُوهُ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الإيمان؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم.
__________
1 في حلية الأولياء "9/ 197"، "وآن يلقيك".

(18/70)


قَالَ: "شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ محمدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامَةَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُعْطُوا الْخُمْسَ مِنَ الْمَغْنَمِ" 1.
قَالَ أَبِي: قَالَ -يَعْنِي الْمُعْتَصِمَ- لَوْلَا أَنِّي وَجَدْتُكَ فِي يَدِ مَنْ كَانَ قَبْلِي مَا عَرَضْتُ لَكَ.
ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ إِسْحَاقَ، أَلَمْ آمُرْكَ بِرَفْعِ الْمِحْنَةِ؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ إِنَّ فِي هَذَا لَفَرَجًا لِلْمُسْلِمِينَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: نَاظِرُوهُ، كَلِّمْهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَلِّمْهُ.
فَقَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ قُلْتُ لَهُ: مَا تقول في عِلْمِ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ.
فَقَالَ لِي بَعْضُهُمْ: أَلَيْسَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: 16] وَالْقُرْآنُ أَلَيْسَ هُوَ شَيْءٌ؟ فَقُلْتُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25] فَدَمَّرَتْ إِلَّا مَا أَرَادَ اللَّهُ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] أَفَيَكُونُ مُحْدَثٌ إِلَّا مَخْلُوقًا؟
فقلت: قال الله: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1] فَالذِّكْرُ هُوَ الْقُرْآنُ. وَتِلْكَ لَيْسَ فِيهَا أَلِفٌ وَلَامٌ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الذِّكْرَ.
فَقُلْتُ: هَذَا خَطَأٌ، حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الذِّكْرَ" 2.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ جَنَّةٍ وَلَا نَارٍ وَلَا سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ"3.
فَقُلْتُ: إِنَّمَا وَقَع الْخَلْقُ عَلَى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَمْ يَقَعْ على القرآن.
__________
1 "حديث صحيح": أخرجه البخاري "53، 87"، ومسلم "13/ 17"، بنحوه مطولا، وأبو داود "4677"، والترمذي "2611"، وغيرهم.
2 "حديث صحيح": أخرجه البخاري "3191"، "7418".
3 "إسناده منقطع": أخرجه الترمذي "2884"، وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء "9/ 478".

(18/71)


فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَدِيثُ خَبَّابٍ: يَا هَنَتَاهْ، تَقَرَّبَ إلى الله بما استطعت فإنك لن تتقرب إِلَيْهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ.
قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ.
قال صالح بن أحمد: فجعل أحمد بن أبي دُؤَاد ينظر إلى أبي كالمُغْضَب، قال أبي: وكان يتكلَّم هذا، فأردّ عليه، ويتكلَّم هذا، فأردّ عليه، فإذا انقطع الرجل منهم اعترض ابن أبي دُؤاد فيقول: يا أمير المؤمنين هو والله ضالّ مُضِلّ مُبْتَدِع.
فيقول: كلِّموه، ناظروه.
فيكلّمني هذا، فأّرد عليه، ويكلّمني هذا، فأردّ عليه، فإذا انقطعوا يقول لي المعتصم: ويْحك يا أحمد ما تقول؟ فأقول: يا أمير المؤمنين، أعطُوني شيئًا من كتاب الله أو سنة رسول الله حتى أقول به.
فيقول ابن دؤاد: أنت لا تقول إلا ما في كتاب الله أو سنة رسول الله؟ فقلت له: تأوّلت تأويلا، فأنتَ أعلم، وما تأوّلتَ ما يُحْبَس عليه وما يُقَيَّد عليه1.
قال حنبل: قال أبو عبد الله: ولقد احتجّوا عليَّ بشيء ما يقوى قلبي ولا ينطلق لساني أنْ أحكيه. أنكروا الآثار، وما ظننتهم على هذا حتّى سمعتُ مقالتهم، وجعلوا يدعون، يقول الخصم: وكذا وكذا. فاحتججت عليهم بالقرآن بقوله: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42] فذمَّ إبراهيم أباه أنْ عبد ما لا يسمع ولا يُبَصر، أَفَهَذا مُنْكَرٌ عندكم؟.
فقالوا: شبَّه يا أمير المؤمنين، شبَّه يا أمير المؤمنين2.
وقال محمد بن إبراهيم البُوشنْجيّ: حَدَّثَنِي بعض أصحابنا أن ابن أبي دؤاد يقول: يا أمير المؤمنين، والله لئن أجابك لَهُو أحب إليَّ من مائة ألف دينار، ومائة ألف دينار، ويَعُدّ من ذلك ما شاء الله أن يَعُدّ.
فقال المعتصم: والله لئن أجابني لأطلقنّ عنه بيدي، ولأركبنّ إليه بجندي، ولأطأن عقبه3.
__________
1 حلية الأولياء "9/ 197-199".
2 سير أعلام النبلاء "9/ 479".
3 سير أعلام النبلاء "9/ 479"، حلية الأولياء "9/ 201".

(18/72)


ثمّ قال: يا أحمد، والله إنّي عليك لشَفيق، وإنّي لأشفق عليك كشفقتي على هارون ابني. ما تقول؟ فأقول: أعطُوني شيئًا من كتاب الله أو سنة رسوله. فلمّا طال المجلس ضجر وقال: قوموا. وحبسني، يعني عنده، وعبد الرَّحْمَن بْن إسحاق يكلّمني.
فقال المعتصم: ويْحك أجِبْني. وقال: ما أعرفك، ألم تكن تأتينا؟ فقال له عبد الرَّحْمَن بْن إسحاق: يا أمير المؤمنين أعرفه منذ ثلاثين سنة يرى طاعتك والجهاد والحجّ معك.
قال: فيقول: والله إنّه لعالم، وإنّه لَفَقيه، وما يسوءني أن يكون معي يردّ عنّى أهل المِلَل.
ثُمَّ قال لي: ما كنت تعرف صالحًا الرّشيديّ؟ قلت: قد سمعت باسمه.
قال: كان مؤدبي، وكان فِي ذلك الموضع جالسًا، وأشار إلى ناحيةٍ من الدّار، فسألته عن القرآن فخالفني، فأمرت به فوطئ وسُحب.
ثُمَّ قال: يا أحمد أجِبْني إلى شيءٍ لك فِيه أدني مخرج حتّى أطلق عنك بيدي.
قلت: أعطُوني شيئًا من كتاب اللَّه وسنة رسوله.
فطال المجلس وقام، ورُددت إلى الموضع الَّذِي كنتُ فِيهِ، فلمّا كان بعد المغرب وجّه1 إليّ رجلين من أصحاب ابن أبي دؤاد يبيتان عندي ويناظراني ويقيمان معي، حَتَّى إذا كان وقت الإفطار جيء بالطعام، ويجتهدان بي أن أُفِطر، فلا أفعل2.
ووجّه إليَّ المعتصم ابن أبي دؤاد فِي بعض اللّيالي فقال: يقول لك أمير المؤمنين: ما تقول؟ فأردّ عليه نحوًا مما كنت أرد.
فقال ابن أبي دؤاد: والله لقد كتبت اسَمك فِي السَّبْعة، يحيى بْن مَعِين، وغيره، فمحوته. ولقد ساءني أخْذُهم إيّاك. ثُمَّ يقول: إنّ أمير المؤمنين قد حلف أن يضربك ضربًا بعد ضرب، وأن يُلْقيك فِي موضعٍ لا ترى فِيهِ الشّمس، ويقول: إن أجابني جئت إليه حَتَّى أطلق عنه بيدي3.
__________
1 يعني المعتصم.
2 حلية الأولياء "9/ 200"، سير أعلام النبلاء "9/ 479، 480".
3 حلية الأولياء "9/ 201".

(18/73)


وانصرفت، فلمّا أصبح جاء رسوله فأخذ بيدي حَتَّى ذهب بي إليه، فقال لهم: ناظروه وكلَّموه.
فجعلوا يناظرونني، فأردّ عليهم، فإذا جاءوا بشيء من الكلام ممّا ليس فِي الكتاب والسنة قلت: ما أدري ما هذا.
قال: يقولون: يا أمير المؤمنين إذا توهُّمَتْ له الحُجّة علينا ثبت. وإذا كلّمناه بشيءٍ يقول لا أدري ما هذا1.
فقال: ناظروه.
فقال رَجُل: يا أحمد أراك تذكر الحديث وتنتحله.
قلت: فما تقول فِي {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] قال: خصّ اللَّه بها المؤمنين.
قلت: ما تقول إن كان قاتلا أو عبدًا؟ فسكت. وإنّما احتججت عليهم بهذا لأنّهم كانوا يحتجّون بظاهر القرآن، وحيث قال لي: أراك تنتحل الحديث احتججت بالقرآن، يعني. فلم يزالوا كذلك إلى قرب الزّوال فلمّا ضجر قال لهم: قوموا؛ وخلا بي وبعبد الرحمن بْن إسحاق. فلم يزل يكلّمني.
ثُمَّ قال أبي: فقام ودخل، ورُددت إلى الموضع2.
قال: فلمّا كان فِي اللّيلة الثالثة قلت: خليقٌ أن يحدُث غدًا من أمري شيء، فقلت لبعض من كان معي الموكَّل بي: ارتَدْ3 لي خيطًا. فجاءني بخيط، فشددتُ به الأقياد، ورددتُ التّكّة إلى سراويلي مخافةَ أن يحدث من أمري شيء فأتعرّى.
فلمّا كان من الغد فِي اليوم الثّالث وجَّه إليَّ، فأُدْخلت، فإذا الدَّار غاصّة، فجعلت أدخل من موضعٍ إلى موضع، وقوم معهم السّيوف، وقوم معهم السّياط، وغير ذلك. ولم يكن فِي اليومين الماضيين كبيرٌ أحدٍ من هؤلاء. فلمّا انتهيت إليه
__________
1 المصدر السابق.
2 حلية الأولياء "9/ 200، 201".
3 وفي الحلية "9/ 901" "أريد".

(18/74)


قال: اقعد. ثُمَّ قال: ناظِروه، كلِّموه1.
فجعلوا يناظرونني، ويتكلم هذا فأردّ عليه، ويتكلَّم هذا فأردّ عليه، وجعل صوتي يعلو أصواتهم، فجعل بعض مَن على رأسه قائم يوميء إليَّ بيده، فلمّا طال المجلس نحّاني، ثُمَّ خلا بهم. ثُمَّ نحّاهم وردّني إلى عنده فقال: ويْحك يا أحمد، أجبني حَتَّى أطلق عنك بيدي. فرددت عليه نحوًا ممّا كنت أرد، فقال لي: عليك، وذكر اللَّعْن.
وقال: خذوه واسْحبوه واخلعوه.
قال: فَسُحِبْتُ ثُمَّ خلعتُ2.
قال: وقد كان صار إليّ شعرٌ3 مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كُمّ قميصي، فوجّه إليّ إسحاق بْن إبراهيم: ما هذا المصرور فِي كُمّ قميصك؟ قلت: شَعرٌ مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: وسعى بعض القوم إلى القميص ليخرّقه4 عليّ، فقال لهم، يعني المعتصم: لا تخرقوه.
فنزع القميص عنّي.
قال: وظننت أنّه إنما درئ عن القميص الخرقَ بسبب الشَّعْر الَّذِي كان فِيهِ.
قال: وجلس المعتصم على كرسيّ ثُمَّ قال: العُقابين والسِّياط.
فجيء بالعقابين، فَمُدَّت يداي، فقال بعض من حضَر خلفي: خُذْ أي الخشبتين بيديك وشُدّ عليهما. فلم أفهم ما قال، فتخلّعت يداي5.
وقال محمد بْن إبراهيم البُوشَنْجيّ: ذكروا أنّ المعتصم لان فِي أمر أحمد لما عُلّق فِي العُقابين، ورأى ثُبوته وتصميمه وصلابته فِي أمره، حَتَّى أغراه ابن أبي دُؤاد وقال له: إن تركْتَه قيل إنك تركت مذهب المأمون وسخطت قوله.
__________
1 انظر المصدر السابق.
2 راجع: حلية الأولياء "9/ 201".
3 وفي حلية الأولياء "9/ 202": "صار إلي شعرتان ... ".
4 لعله يعني: "ليحرقه".
5 راجع حلية الأولياء "9/ 202".

(18/75)


فهاجه ذلك على ضربه.
قال صالح: قال أبي: لمّا جيء بالسّياط نظرَ إليها المعتصم وقال: ائتوني بغيرها.
ثُمَّ قال للجلادين: تقدَّموا.
فجعل يتقدَّم إليَّ الرجل منهم فيضربني سوطين، فيقول له: شدّ، قطع اللَّه يدك.
ثُمَّ يتنحّى، فيقْدَم الآخر فيضربني سَوْطين وهو يقول فِي كلّ ذلك: شدّ، قطع اللَّه يدك.
فلمّا ضُربتُ تسع عشر سوطًا قام إليَّ، يعني المعتصم، وقال: يا أحمد، علامَ تقتل نفسك؟ إنّي والله عليك لَشَفيق.
قال: فجعل عُجَيْف1 ينْخسني بقائمة سيفه وقال: أتريد أن تغلب هؤلاء كلَّهم.
وجعل بعضهم يقول: ويْلك، الخليفة على رأسك قائم.
وقال بعضهم: يا أميرَ المؤمنين دَمُهُ فِي عُنُقي، اقتُلْه2.
وجعلوا يقولون: يا أمير المؤمنين أنت صائم وأنت فِي الشّمس قائم.
فقال لي: ويْحك يا أحمد ما تقول؟ فأقول: أعطوني شيئًا من كتاب الله أو سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقول به.
فرجع وجلس، وقال للجلاد: تقدَّم وأوجع، قطع اللَّه يدك.
ثُمَّ قام الثانية فجعل يقول: ويْحك يا أحمد أجِبْني.
فجعلوا يُقْبلون عليَّ ويقولون: يا أحمد إمامك على رأسك قائم.
وجعل عبد الرحمن يقول: مَن صنع مِن أصحابك فِي هذا الأمر ما تصنع؟ وجعل المعتصم يقول: ويْحك أجِبْني إلى شيءٍ لك فِيهِ أدنى فرج حَتَّى أطلق عنك بيدي.
فقلت: يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئا من كتاب الله فيرجع.
وقال للجلادين: تقدموا.
__________
1 وفي حلية الأولياء "9/ 202": "وجعل يعجب وينخسني".
2 انظر المصدر السابق.

(18/76)


فجعل الجلاد يتقدَّم ويضربني سَوْطين ويتنحّى، وهو في خلال ذلك يقول: شُدّ، قطع اللَّه يدك.
قال أبي: فذهب عقلي، فأفقت بعد ذلك، فإذا الأقياد قد أُطلقت عنّي.
وقال لي رَجُل ممّن حضر: إنّا كَبَبْناك على وجهك، وطرحنا على ظهرك بارية ودُسْناك1.
قال أبي: فما شعرت بذلك، وأتوني بسَوِيق فقالوا لي: اشرب وتقيأ.
فقلت: لا أُفْطر.
ثُمَّ جيء بي إلى إسحاق بْن إبراهيم، فحضرت صلاة الظُّهر، فتقدَّم ابن سماعة فصلّى، فلمّا انفتل من الصّلاة قال لي: صلّيتَ والدّم يسيل فِي ثوبك؟! 2.
فقلت: قد صلّى عُمَر وجرحه يَثْعَب دمًا.
قال صالح: ثُمَّ خلي عَنْهُ، فصار إلى منزله. وكان مَكْثه فِي السّجن منذ أُخِذ وحُمِل إلى ضُرِب وخُلّي عَنْهُ ثمانية وعشرين شهرًا. ولقد أخبرني أحد الرجلين اللذين كانا معه قال: يابن أخي، رحمة اللَّه على أَبِي عبد الله، والله ما رَأَيْت أحدا يُشْبهه. ولقد جعلت أقول له فِي وقت ما يوجّه إلينا بالطّعام: يا أَبَا عبد الله، أنت صائم وأنت فِي موضع تقيّة3.
ولقد عطش، فقال لصاحب الشراب: ناولني. فناوله قدحًا فِيهِ ماء وثلج، فأخذه ونظر إليه هُنيّة ثُمَّ رده ولم يشرب، فجعلت أعجب من صبره على الجوع والعطش وهو فيما هُوَ فِيهِ من الهَول4.
قال صالح: كنتُ ألتمس وأحتال أن أُوصِل إليه طعامًا أو رغيفًا فِي تلك الأيام، فلم أقدر. وأخبرني رَجُلٌ حضره أنّه تفقّده فِي هذه الأيام الثّلاثة وهم يناظرونه، فما لَحَن فِي كلمة.
__________
1 وفي حلية الأولياء "9/ 203": "وسارية".
2 وفي حلية الأولياء "9/ 203": "والدم يسيل من ضربك".
3 راجع مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي "407".
4 حلية الأولياء "9/ 203".

(18/77)


قال: وما ظننت أنّ أحدًا يكون فِي مثل شجاعته وشدّة قلبه1.
وَقَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: ذهبَ عقلي مرارًا، فكان إذا رُفِع عنّي الضَّرب رجعتُ إلى نفسي. وإذا استرخيت وسقطتُ رُفع الضَّرب. أصابني ذلك مرارا، ورأيته، يعني المعتصم، قاعدًا فِي الشمس بغير مِظَلّة، فسمعته وقد أَفَقْتُ يقول لابن دؤاد: لقد ارتكبتَ فِي أمر هذا الرجل.
فقال: يا أمير المؤمنين إنّه والله كافر مشرك، قد أشرك من غير وجه. فلا يزال به حَتَّى يصرفه عمّا يريد. وقد كان أراد تخليتي بغير ضرب، فلم يدعْه ولا إسحاق بن إبراهيم، عزم حينئذٍ على ضرْبي.
قال حنبل: وبلغني أنّ المعتصم قال لابن أبي دؤاد بعدما ضُرِب أبو عبد الله: كم ضُرِبَ؟ فقال ابن أبي دُؤاد: نيّف وثلاثين أو أربعة وثلاثين سوطًا2.
وقال أبو عبد الله: قال لي إنسان ممّن كان: ثُمَّ ألقينا على صدرك بارية.
أكببناك على وجهك ودُسْناك3.
قال أبو الفضل عُبَيْد الله الزُّهْريّ: قال المَرُّوذيّ: قلت وأحمد بين الهنبادين: يا أستاذ، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] . قال: يا مَرُّوذيّ، أخرج انظُر.
فخرجت إلى رَحْبة دار الخليفة، فرأيت خَلْقًا لا يُحصيهم إلا الله تعالى، والصُّحُف في أيديهم، والأقلام والمحابر. فقال لهم المَرُّوذيّ: أيّ شيء تعملون؟ قالوا: ننتظر ما يقول أحمد فنكتبه.
فدخل إلى أحمد فأخبره، فقال: يا مَرُّوذيّ أضلّ هؤلاء كلُّهم؟ قلت: هذه حكاية منقطعة لا تصحّ4.
قال ابن أبي حاتم: ثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الأسدي قال: لما حمل
__________
1 سير أعلام النبلاء "9/ 482".
2 انظر المصدر السابق.
3 حلية الأولياء "9/ 203".
4 راجع سير أعلام النبلاء "9/ 483"، ومناقب أحمد لابن الجوزي "329، 230".

(18/78)


أحمد ليُضْرَب جاءوا إلى بِشْر بن الحارث فقالوا: قد حُمِل أحمد بن حنبل وحُمِلت السِّياط، وقد وَجَبَ عليك أن تتكلَّم.
فقال: تريدون منّي مقام الأنبياء؟ ليس ذا عندي. حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه1.
وقال الحسن بن محمد بن عثمان الفَسَويّ: حدَّثني داود بن عَرَفة: ثنا ميمون بن الأصْبغ قال: كنت ببغداد، فسمعتُ ضجّة، فقلت: ما هذا؟ قالوا: أحمد يُمتحن.
فأخذت مالاش له خطر، فذهبت به إلى من يُدْخلني إلى المجلس، فأدخلوني، وإذا بالسّيوف قد جُرِّدت، وبالرماح قد رُكِّزت، وبالتِّراس قد صُفِّفت، وبالسِّياط قد طُرِحت2، فألبسوني قِباءً أسود ومنطقة وسيفًا، ووقّفوني حيث أسمع الكلام. فأتى أمير المؤمنين، فجلس على كرسيّ، وأُتِيَ بأحمد بن حنبل، فقال له: وقرابتي من رَسُول اللَّه -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأضربنّك بالسّياط، أو تقول كما أقول.
ثم التفت إلى جلاد فقال: خُذْهُ إليك. فأخذه، فلمّا ضُرِب سوطًا قال: بسم الله. فلمّا ضُرِب الثّاني قَالَ: لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ. فلمّا ضُرِب الثّالث قال: القرآن كلام الله غير مخلوق. فلما ضرب الرابع قال: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51] . فضربه تسعة وعشرين سوطًا. وكانت تكّة أحمد حاشية ثوب، فانقطعت، فنزل السّراويل إلى عانَتِه، فقلت: السّاعة ينهتك.
فرمى بطرْفه إلى السّماء، وحرّك شفتيه، فما كان بأسرع من أن بقي السّراويل لم ينزل. فدخلت عليه بعد سبعة أيّام، فقلت: يا أبا عبد الله رأيتك وقد انحلّ سراويلك، فرفعت رأسك أو أطرافك إلى السّماء، فما قلت؟ قال: قلت: اللهم إنّي أسألك باسمَك الّذي ملأت به العرش إنْ كنت تعلم أنّي علي الصّواب، فلا تَهْتِكْ لي ستْرًا3.
وقال جعفر بن أحمد بن فارس الأصبهانيّ: ثنا أحمد بن أبي عُبَيْد الله قال: قال أحمد بن الفَرَج: حضرت أحمد بن حنبل لمّا ضُرِب، فتقدّم أبو الدن فضربه بضعة
__________
1 راجع المصدر السابق.
2 وفي سير أعلام النبلاء "9/ 483" " ... وبالسياط قد وضعت ... ".
3 "حكاية منكرة": وقاله الذهبي في السير "9/ 484" ولفظه: "هذه حكاية منكرة، أخاف أن يكون داود وضعها".

(18/79)


عشر سَوطًا، فأقبل الدّم من أكتافه، وكان عليه سراويل، فانقطع خيطه، فنزل السراويل، فَلَحظْتُه وقد حرَّك شفتيه، فعاد السّراويل كما كان، فسألته عن ذلك فقال: قلت: إلهي وسيدي، وقفتني هذا الموقف، فتهتكني على رءوس الخَلائِقِ! هذه حكاية لا تصحّ1. ولقد ساق فيها أبو نُعَيْم الحافظ من الخُرافات والكذِب ما يُسْتحى من ذكره.
وأضعف منها ما رواه أبو نُعَيْم في الحلية2: ثنا الحسين بن محمد، نا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم القاضي: حَدَّثَنِي أبو عبد الله الجوهري: حَدَّثَنِي يوسف بن يعقوب: سمعت عليّ بن محمد القُرَشيّ قال: لما قُدِّمَ أحمد ليُضْرب وجُرِّد وبقي في سراويله، فبينا هو يُضرب انحلّ سراويله، فجعل يحرّك شفتيه بشيءٍ، فرأيت يدين خرجتا من تحته وهو يُضرب، فشدَّتا السّراويل. فلمّا فرغوا من الضَّرب قلنا له: ما كنتَ تقول؟ قال: قلت: يا من لا يعلم العرش منه أين هو إلا هو، إن كنتُ على الحق فلا تُبْدِ عورتي.
قلت: هذه مكذوبة ذكرتها للمعرفة. ذكرها البيهقيّ، وما جسر على تضعيفها.
ثُمَّ روى بعدها حكاية في المحنة، عن أبي مسعود البَجَليّ إجازةً، عن ابن جَهْضَم، وهو كَذُوب، عن النّجّاد، عن ابن أبي العوّام الرّياحيّ، فيها من الرَّكاكة والخَرْط ما لا يروج إلا على الْجُهّال. وفيها أنّ مئزره اضطّرب، فحرَّك شفتيه، فما استتمّ الدّعاء حتى رأيت كفّا من ذهب قد خرج من تحت مئزره بقُدرة الله، فصاحت العامّة.
وقال محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة: سمعتُ شاباص التّائب يقول: لقد ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطًا، لو ضربتُه فيلا لَهَدَّتُه.
قال ابن أبي حاتم: نا أبي قال: قال إبراهيم بن الحارث العُباديّ: قال أبو محمد الطُّفاويّ لأحمد: يا أبا عبد الله، أَخْبِرْنِي عما صَنَعوا بك.
قال: لمّا ضُرِبت جاء ذاك الطّويل اللّحية، يعني عُجَيفًا، فضربني بقائم سيفه فقلت: جاء الفرجشن يُضرب عنقي وأستريح. فقال ابن سماعة: يا أمير المؤمنين اضرب عُنقه، ودَمُهُ في رقبتي.
__________
1 "حكاية لا تصح": وقاله الذهبي في السير "9/ 484"، وانظر حلية الأولياء "9/ 206".
2 حلية الأولياء "9/ 195، 196".

(18/80)


قال ابن أبي دُؤاد: لا يا أمير المؤمنين، لا تفعل، فإنّه إن قُتِل أو مات في دارك قال النّاس: صبر حتّى قتل، واتّخذوه إمامًا، وثبتوا على ما هم عليه. ولكن أطِلْقه لساعة، فإنْ مات خارجًا من منزلك شك الناس بأمره1.
قال ابن أبي حاتم: وسمعت أبا زُرْعة يقول: دعي المعتصم بعمّ أحمد بن حنبل ثم قال للنّاس: تعرفونه؟ قالوا: نعم، وهو أحمد بن حنبل.
قال: فانظروا إليه أليس هو صحيح البدن؟ قالوا: نعم.
ولولا أنّه فعل ذلك لكنتُ أخاف أن يقع شيء لا يُقام له.
قال: فلمّا قال: قد سلّمته إليكم صحيح البَدَن. هَدأ النّاس وسكنوا.
قال صالح: صار أبي إلى المنزل ووجّه إليه من السِّحَر من يُبْصر الضَّرْب والجراحات ويعالج منها. فنظر إليه وقال: أنا والله لقد رأيت مَن ضُرِب ألف سوط، ما رأيت ضربًا أشدّ من هذا. لقد جرّ عليه من خلفه ومن قُدّامه.
ثُمَّ أدخل ميلا في بعض تلك الجراحات وقال: لم ينضب. فجعل يأتيه ويعالجه، وكان قد أصاب وجهه غير ضربة؛ ثم مكث يعالجه ما شاء الله. ثم قال: إنّ ههنا شيئًا أريد أن أقطعه. فجاء بحديدة، فجعل يعلق اللّحم بها ويقطعه بسكّين، وهو صابر بحمد الله، فبرئ. ولم يزل يتوجّع من مواضع منه.
وكان أثر الضرب بيّنا في ظهره إلى أن تُوُفّي.
وسمعت أبي يقول: والله لقد أعطيتُ المجهود من نفسي، وودِدْتُ أنّي أنجو مِنْ هَذَا الأَمْرِ كَفَافًا لا عَلَيَّ وَلا لي.
ودخلت على أبي يومًا فقلت له: بَلَغَني أنّ رجلا جاء إلى فضل الأنْماطيّ فقال له: اجعلني في جل إذ لم أقم بنُصْرتك.
فقال فضل: لا جعلت أحدًا في حِلّ.
فتبسّم أبي وسكت. فلمّا كان بعد أيّام قال: مررت بهذه الآية: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] فنظرت في تفسيرها، فإذا هو ما حَدَّثَنِي أبو
__________
1 راجع سير أعلام النبلاء في الموضع السابق.

(18/81)


النُّضْر: ثنا ابن فَضَالَةَ المبارك: حَدَّثَنِي من سمع الحسن يقول: إذا جئت الأُمم بين يدي ربّ العالمين نودوا: ليقُم من أجرُه على الله. فلا يقوم إلا من عفا في الدّنيا.
قال أبي: فجعلت الميت في جل من ضربه إيايّ.
ثُمَّ جعل يقول: وما علي رجل ألا يعذّب الله بسببه أحدًا1.
وقال حنبل بن إسحاق: لمّا أمر المعتصم بتخلية أبي عبد الله خلع عليه مُبطّنة وقميصًا وطيلسانًا وخُفًّا وقَلَنْسُوَة، فبينا نحن على باب الدّار والنّاس في الميدان والدُّرُوب وغيرها، وأُغلقت الأسواق، إذ خرج أبو عبد الله على دابة من دار أبي إسحاق المعتصم، وعليه تلك الثّياب، وابن أبي دُؤاد عن يمينه، وإسحاق بن إبراهيم، يعني نائب بغداد، عن يساره، فلمّا صار في دِهْليز المعتصم قبل أن يخرج قال لهم ابن أبي دُؤاد: اكشفوا رأسه. فكشفوه، يعني الطَّيلسان2 فقط، وذهبوا يأخذون به ناحية الميدان نحو طريق الحبْس. فقال لهم إسحاق: خذوا به ههنا، يريد دِجْلة. فَذُهب به إلى الزَّورق، وحُمِل إلى دار إسحاق، وأقام عنده إلى أن صُلِّيت الظُّهْر. وبعث إلى أبي وإلى جيراننا ومشايخ المحالّ، فجُمِعوا وأدخِلوا عليه، فقال لهم: هذا أحمد بن حنبل إن كان فيكم من يَعرفه، وإلا فلْيعرفه.
وقال ابن سماعة حين دخل للجماعة: هذا أحمد بن حنبل، فإنّ أمير المؤمنين ناظَرَه في أمره، وقد خلّي سبيله، وها هو ذا.
فأُخرج على دابّة لإسحاق بن إبراهيم عند غروب الشّمس، فصار إلى منزله ومعه السّلطان والنّاس، وهو منحني.
فلمّا ذهب لينزل احتضنْتُه ولم أعلم، فوقعت يدي على موضع الضَّرْب فصاح، فنحّيت يدي، فنزل متوكِّئا عليّ، وأغلق الباب ودخلنا معه، ورمى بنفسه على وجهه لا يقدر يتحرّك إلا بجهد، وخلع ما كان عليه، فأمر به فبِيع، وأخذ ثمنه فتصدَّق به. وكان المعتصم أمر إسحاق بن إبراهيم أن لا يقطع عنه خبره، وذلك أنّه تُرِك فيما حُكي لنا عند الإياس منه. وبَلَغَنا أن المعتصم ندم وأُسقط في يده حتى صح. فكان
__________
1 سير أعلام النبلاء "9/ 485".
2 الطيلسان: ضرب من الأوشجة يلبس على الكتف أو يحيط بالبدن، خال من التفصيل والخياطة، أو هو ما يعرف في العامية المصرية بالشال "ج" طيالس وطيالسة.

(18/82)


صاحب خبر إسحاق يأتينا كل يوم يتعرّف خبره حتّى صحّ، وبقَيتْ إبهاماه متخلعَتين تضربان عليه في البرد حتّى يُسَخّن له الماء.
ولمّا أردنا علاجه خِفنا أن يدسّ ابن دُؤاد سُمًّا إلى المعالج، فعملنا الدّواء والمراهم في منزلنا. وسمعته يقول: كلّ من ذكرني في حِلّ إلا مبتدع.
وقد جعلت أبا إسحاق، يعني المعتصم، في حِلّ. ورأيت الله تعالى يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22] وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بكر بالعفو في قصّة مِسْطح1.
قال أبو عبد الله: العفو أفضل، وما ينفعك أن يعذب أخوك المسلم في سبيلك2.
فصل في محنته من الواثق:
قال حنبل: ولم يزل أبو عبد الله بعد أن برئ من مرضه يحضر الجمعة والجماعة ويفتي ويحدِّث حتّى مات المعتصم، وولى ابنه الواثق، فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى ابن أبي دؤاد وأصحابه. فلما اشتد الأمر على أهل بغداد، وأظهرت القُضاة المحنة، وفُرّق بين فضل الأنماطيّ وامرأته، وبين أبي صالح وامرأته، كان أبو عبد الله يشهد الجمعة ويعيد الصّلاة إذا رجع ويقول: الجمعة تؤتي لفضلها، والصّلاة تُعاد خلف من قال بهذه المقالة3.
وجاء نفر إلى أبي عبد الله وقالوا: هذا الأمر قد فشا وتفاقم، ونحن نخافه على أكثر من هذا. وذكروا أنّ ابن أبي دُؤاد أراد أن يأمر المعلّمين بتعليم الصّبيان في الكُتّاب مع القرآن كذا وكذا. فنحن لا نرضى بإمارته.
فمنعهم من ذلك وناظَرَهم. وحكى حنبل قصْده في مناظرتهم وأمرهم بالصَّبْر.
فبينا نحن في أيّام الواثق إذ جاء يعقوب ليلا برسالة إسحاق بن إبراهيم إلى أبي
__________
1 وهو مِسْطَح بْن أُثَاثَة بْن عَبَّاد بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافَ بْنِ قُصَيٍّ الْقُرَشِيُّ الْمُطَّلِبِيُّ، ابن خالة أبي بكر الصديق. وكان مسطح ممن خاض في الإفك على عائشة.
2 سير أعلام النبلاء "9/ 487".
3 سير أعلام النبلاء "9/ 489".

(18/83)


عبد الله: يقول لك الأمير إنّ أمير المؤمنين قد ذكرك، فلا يجتمعنّ إليك أحد، ولا تُسَاكنّي بأرضٍ ولا مدينة أنا فيها. فاذهب حيث شئت من أرض الله.
فاختفى أبو عبد الله بقيّة حياة الواثق. وكانت تلك الفتنة، وقُتل أحمد بن نصر، فلم يزل أبو عبد الله مختفيا في منزله في القرب. ثمّ عاد إلى منزله بعد أشُهر أو سنة لمّا طغى خبره. ولم يزل في البيت مختفيًا لا يخرج إلى الصّلاة ولا غيرها حتّى هلك الواثق.
وعن إبراهيم بن هانئ قال: اختفى أحمد بن حنبل عندي ثلاثة أيام ثم قال: اطلب لي موضعا.
قلت: لا آمن عليك.
قال: افعل. فإذا فعلت أفدتك.
فطلبت له موضعًا، فلمّا خرج قال لي: اختفى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الغار ثلاثة أيّام، ثم تحوّل1.
قلت: أنا أتعجَّب من الحافظ أبي القاسم كيف لم يَسُقِ المحنة ولا شيئًا منها في تاريخ دمشق مع فرط استقصائه، ومع صحّة أسانيدها، ولعلّ له نيّة في تَرْكها.
فصل في حال أبي عبد الله أيّام المتوكّل:
قال حنبل: ولي جعفر المتوكّل فأظهر الله السنة وفرّج عن النّاس، وكان أبو عبد الله يحدِّثنا ويحدِّث أصحابه في أيّام المتوكّل، وسمعته يقول: ما كان النّاس إلى الحديث والعلم أحوج منهم في زماننا2.
ثمّ إنّ المتوكّل ذكره وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم في إخراجه إليه. فجاء رسول إسحاق إلى أبي عبد الله يأمره بالحضور، فمضى أبو عبد الله ثم رجع فسأله أبي عمّا دُعِيَ له فقال: قرأ عليَّ كتاب جعفر يأمرني بالخروج إلى العساكر3.
__________
1 سير أعلام النبلاء "9/ 489".
2 سير أعلام النبلاء "9/ 490".
3 انظر المصدر السابق.

(18/84)


قال: وقال لي إسحاق بن إبراهيم: ما تقول في القرآن؟ فقلت: إنّ أمير المؤمنين قد نهى عن هذا.
فقال: لا تُعِلْم أحدًا أنّي سألتك.
فقلت له: مسألة مسترشد أو مسألة متعنّت؟ قال: بل مسألة مسترشد.
فقلت له: القرآن كلام الله ليس مخلوق، وقد نهى أمير المؤمنين عن هذا.
وخرج إسحاق إلى العساكر، وقدِم ابنه خليفةً له ببغداد، ولم يكن عند أبي عبد الله ما يتجمّل به وينفقه، وكانت عندي مائة درهم، فأتيتْ بها أبي، فذهب بها إليه، فأخذها وأصلح بها ما احتاج إليه، واكْتَرى منها، وخرج ولم يلق محمد بن إسحاق بن إبراهيم، ولا سلَّم عليه. فكتب بذلك محمد إلي أبيه، فحقدها إسحاق عليه، فقال للمتوكّل: يا أمير المؤمنين إنّ أحمد بن حنبل خرج من بغداد ولم يأت محمدا مولاك.
فقال المتوكّل: يرد ولو وطئ بساطي.
وكان أبو عبد الله قد بلغ بُصْرَى، فوجّه إليه رسولا يأمره بالرجوع، فرجع وامتنع من الحديث إلا لولده ولنا. وربّما قرأ علينا في منزلنا.
ثمّ إنّ رافعًا رفع إلى المتوكّل أن أحمد بن حنبل رَبَّصَ علويّا في منزله، وأنّه يريد أن يُخرجه ويُبايع عليه، ولم يكن عندنا عِلْم، فبينا نحن ذات ليلة نيام في الصَّيف سمعنا الْجَلَبة، ورأينا النّيران في دار أبي عبد الله، فأسرعنا، وإذا أبو عبد الله قاعدٌ في إزار، ومظفَّر بن الكلبيّ صاحب الخبر وجماعة معهم. فقرأ صاحب الخبر كتاب المتوكل: وَرَدَ على أمير المؤمنين أنّ عندكم علويًا ربصته لتُبايع عليه وتُظهره. في كلامٍ طويل.
ثمّ قال له مظفَّر: ما تقول؟ قال: ما أعرف من هذا شيئًا، وإنّي لأرى له السَّمع والطّاعة في عُسْرِي ومَنْشَطِي ومكرهي، وآثره لأدعو الله له بالتّسديد والتّوفيق في اللّيل والنّهار. في كلامٍ كثير غير هذا.
وقال ابن الكلبيّ: قد أمرني أمير المؤمنين أن أُحَلِّفك.
قال: فاحلفه بالطّلاق ثلاثًا أن ما عنده طلْبه أمير المؤمنين.

(18/85)


قال: وفتَّشوا منزل أبي عبد الله والسَّرَب والغُرَف والسُّطُوح، وفتُشوا تابوت الكُتُب، وفتّشوا النّساء والمنازل، فلم يروا شيئًا ولم يحسّوا بشيء، وردّ الله الّذين كفروا بغيظهم.
فكتب بذلك إلى المتوكّل، فوقع منه موقعًا حسنًا وعلم أنّ أبا عبد الله مكذوبٌ عليه.
وكان الّذي دس عليه رجل من أهل البِدَع، ولم يَمُتْ حتّى بيَّن الله أمرَهُ للمسلمين، وهو ابن الثَّلجيّ. فلمّا كان بعد أيّام بينا نحن جلوسٌ بباب الدّار إذا يعقوب أحد حُجّاب المتوكّل قد جاء، فاستأذن على أبي عبد الله، فدخل ودخل أبي وأنا، ومع بعض غلمانه بدْرةٌ، على بغْلٍ، ومعه كتاب المتوكّل، فقرأه على أبي عبد الله: إنّه قد صحّ عند أمير المؤمنين برآءة ساحتك، وقد وجّه إليك بهذا المال تستعين به. فأبى أن يقبله وقال: ما لي إليه حاجة.
فقال: يا أبا عبد الله، اقبل من أمير المؤمنين ما أمرك به فإنّ هذا خير لك عنده، فاقبل ولا تردّه. فإنّك إنْ رددته خفت أن يظنّ بك ظَنّ سَوْء.
فحينئذ قبِلَها.
فلمّا خرج قال: يا أَبَا عليّ.
قلت: لبِّيك.
قال: ارفع هذه الإجانة وضعها، يعني البدْرة، تحتها.
فوضعتها وخرجنا. فلما كان اللَّيْلُ إذا أمّ ولد أبي عبد الله تدقّ علينا الحائط، فقلت لها: ما لكِ؟ قالت: مولاي يدعو عمَّه.
فأعلمت أبي، وخرجنا فدخلنا على أبي عبد الله، وذلك في جوف اللّيل.
فقال: يا عمّ، ما أخذني النّوم هذه اللّيلة.
فقال له أبي: ولِمَ؟ قال: لهذا المال.
وجعل يتوجّع لأخْذه، وجعل أبي يُسَكِّنه ويُسَهِّل عليه، وقال: حتّى تُصبح وترى فيه رأيك، فإنّ هذا ليل والنّاس في منازلهم.
فأمسك، وخرجنا. فلمّا كان في السِّحَر وجَّه إلى عَبْدُوس بن مالك، والحَسَن بن

(18/86)


البزّار، فحضرا، وحضر جماعة منهم: هارون الحمّال، وأحمد بن مَنِيع، وابن الدَّوْرقيّ، وأنا، وأبي، وصالح، وعبد الله فجعلنا نكتب من يذكرونه من أهل السنة والصّلاح ببغداد والكوفة، فوجّه منها إلى أبي سعيد الأشجّ، والى أبي كُرَيْب، وإلى من ذُكِر أنّه من أهل العلم والسنة ممّن يعلمون أنّه محتاج.
ففرِّقها كلّها ما بين الخمسين إلى المائة والمائتين، فما في الكيس دِرهم.
ثمّ تصدَّق بالكيس على مسكين.
فلما كان بعد ذلك مات إسحاق بن إبراهيم وابنه محمد، وولي بغداد عبد الله بن إسحاق، فجاء رسوله إلى عبد الله، فذهب إليه، فقرأ عليه كتابَ المتوكّل فقال له: يأمرك بالخروج.
فقال: أنا شيخ ضعيف عليل.
فكتب عبد الله بما ردّ عليه، فورد جواب الكتاب بأنّ أمير المؤمنين يأمره بالخروج. فوجّه عبد الله جنوده، فباتوا على بابنا أيّاما حتّى تهيّأ أبو عبد الله للخروج، فخرج وخرج صالح، وعبد الله، وأبو رُمَيْلة.
قال صالح: كان حُمل أبي إلى المتوكّل سنة سبْعٍ وثلاثين ومائتين، ثم عاش إلى سنة إحدى وأربعين، فكان قلّ يوم يمضي إلا ورسول المتوكًل يأتيه.
قال حنبل في حديثه: وقال أبي ارجع. فرجعت، فأخبرني أبي قال: لما دخلنا إلى العساكر إذا نحن بموكب عظيم مقبل، فلمّا حاذى بنا قالوا: هذا وَصيف. واذا فارس قد أقبل، فقال لأحمد: الأمير وصيف يُقْرئك السلام، ويقول لك: إنّ الله قد أمكنك من عدوّك، يعني ابن أبي دُؤاد، وأمير المؤمنين يقبل منك، فلا تدع شيئًا إلا تكلَّمت به.
فما رد عليه أبو عبد الله شيئًا. وجعلت أنا أدعو لأمير المؤمنين، ودعوتُ لوَصِيف، ومضينا فأنزلنا في دار التّيّاح، ولم يعلم أبو عبد الله، فسأل بعد ذلك: لمن هذه الدار؟ قالوا: هذه دار التّيّاح.
فقال: حوّلوني، اكْتَروا لي.
فلم نزل حتّى اكترينا له دارًا. وكانت تأتينا في كل يوم مائدة فيها ألوان يأمر بها

(18/87)


المتوكّل، والفاكهة والثّلج، وغير ذلك. فما نظر إليها أبو عبد الله، ولا ذاق منها شيئًا. وكانت نفقة المائدة كلّ يوم مائة وعشرين درهمًا.
وكان يحيى بن خاقان، وابنه عُبَيْد الله، وعليّ بن الْجَهْم يأتون أبا عبد الله ويختلفون إليه برسالة المتوكل.
ودامت العِلّةُ بأبي عبد الله وضعُف ضعفًا شديدًا. وكان يواصل، فمكث ثمانية أيّام ولا يأكل ولا يشرب. فلمّا كان في اليوم الثّامن دخلت عليه، وقد كاد أن يُطْفأ، فقلت: يا أبا عبد الله، ابْن الزُّبَيْر كان يواصل سبعة أيّام، وهذا لك اليوم ثمانية أيام.
قال: إنّي مُطِيق.
قلت: بحقّي عليك.
قال: فإنّي أفعل.
فأتيته بسَويق فشرب؛ ووجّه إليه المتوكّل بمالٍ عظيم فردَّه، فقال له عُبَيْد الله بن يحيى: فانّ أمير المؤمنين يأمرك أن تدفعها إلى ولدك وأهلك.
قال: هم مستعفون فردّها عليه.
فأخذها عُبَيْد الله فقسّمها على ولده وأهله.
ثُمَّ أجرى المتوكّل على أهله وولده أربعة آلاف في كلّ شهر، فبعث إليه أبو عبد الله: إنّهم في كفاية، وليست بهم حاجة.
فبعث إليه المتوكل: إنما هذا لوالدك، ما لكَ ولهذا؟ فأمسك أبو عبد الله. فلم يزل يُجْري علينا حتّى مات المتوكّل1.
وجرى بين أبي عبد الله وبين أبي في ذلك كلام كثير، وقال: يا عمُّ، ما بقي من أعمارنا؟ كأنّك بالأمر قد نزل بنا، فالله الله فإنّ أولادنا إنّما يريدون يتأكّلون بنا، وإنّما هي أيام قلائل. لو كُشِفَ للعبد عمّا قد حُجِب عنه لعَرف ما هو عليه من خيرٍ أو شرّ، صبرٌ قليل وثوابٌ طويل، وإنّما هذه فتنة.
قال أبي: فقلت: أرجو أن يؤمنك الله مما تحذر.
__________
1 سير أعلام النبلاء "9/ 493".

(18/88)


قال: فكيف وأنتم لا تتركون طعامهم ولا جوائزهم، لو تركتموها لتركوكم.
وقال: ما ننتظر؟ إنّما هو الموت، فإمّا إلى جنة وإمّا إلى نار؛ فطوبى لمن قدِم على خير.
قال أبي: فقلت له: أليس قد أمرت، ما جاءك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف نفس أن تأخذه.
قال: قد أخذت مرَّةً بلا إشراف نفسي فالثانية والثالثة؛ فما بال نفسك ألم تستشرف؟ فقلت: ألم يأخذ ابن عُمر وابن عبّاس؟ فقال: ما هذا وذاك؟ وقال: لو أعلم أنّ هذا المال يؤخذ من وجهه ولا يكون فيه ظُلم ولا حيف لم أُبَالِ1.
قال حنبل: فلمّا طالت علّة أبي عبد الله كان المتوكّل يبعث بابن ماسَوَيْه المتطبّب فيصف له الأدوية، فلا يتعالج، ودخل المطبّب على المتوكّل فقال: يا أمير المؤمنين، أحمد ليست به عِلّة في بدنه، إنّما هو من قلّة الطّعام والصّيام والعبادة.
فسكت المتوكّل2.
وبلغ أمَّ المتوكّل خبرُ أبي عبد الله، فقالت لابنها: أشتهي أن أرى هذا الرجل.
فوجّه المتوكّل إلى أبي عبد الله يسأله أن يدخل على ابنه المُعَتَزّ ويُسَلِّمَ عليه ويدعو له ويجعله فِي حُجْره. فامتنع أبو عبد الله من ذلك، ثُمَّ أجابَ رجاء أن يُطْلق وينحدر إلى بغداد.
فوجّه إليه المتوكّل خلعة، وأتوه بدابّة يركبها إلى المعتزّ، فامتنع، وكانت عليها مثيرة نُمُور. فقُدِّم إليه بَغْل لرجل من التّجّار فركبه، وجلس المتوكّل مع أمّه فِي مجلسٍ من المكان، وعلى المجلس سَترٌ رقيق. فدخل أبو عبد الله على المعتزّ، ونظر إليه المتوكّل وأمّه، فلمّا رأته قَالَتْ: يا بُنيّ، اللَّه اللَّه فِي هذا الرجل، فليسَ هذا ممّن يريد ما عندكم، ولا المصلحة أن تحبسه عن منزله، فَأذَن له فليذْهب3.
فدخل أبو عبد الله على المعتزّ فقال: السّلام عليكم، وجلسَ ولم يسلّم عليه بالإمرة.
__________
1 انظر المصدر السابق.
2 انظر المصدر السابق.
3 سير أعلام النبلاء "9/ 495".

(18/89)


قال: فسمعت أَبَا عبد الله بعد ذلك ببغداد يقول: لمّا دخلت عليه وجلست قال مؤدِّب الصّبيّ: أصلح اللَّه الأمير، هذا الَّذِي أمَره أميرُ المؤمنين يؤدِّبك ويعلّمك.
فردَّ عليه الغلام وقال: إن علَّمني شيئًا تعلَّمته.
قال أبو عبد الله: فعجبتُ من ذكائه وجوابه على صِغَره. وكان صغيرًا.
قال: ودامت عِلّةُ1 أبي عبد الله وبلغ الخليفة ما هُوَ فِيهِ، وكلَّمه يحيى بْن خاقان أيضًا وأخبره أنّه رَجُل لا يريد الدّنيا. فأذِن له بالانصراف. فجاء عُبَيْد اللَّه ابن يحيى وقت العصر فقال: إنّ أمير المؤمنين قد أذِن لك، وأمرَ أن تُفرش لك حَرّاقة2 تنحدر فيها.
فقال أبو عبد الله: اطلبوا لي زَوْرقًا فأنحدر فِيهِ السّاعة.
فطلبوا له زورقًا فانحدرَ فِيهِ من ساعتِه3.
قال حنبل: فما عِلمْنا بقدومه حَتَّى قيل لي إنّه قد وافى، فاستقبلته بناحية القطيعة، وقد خرج من الزَّورق، فمشيت معه فقال لي: تقدَّم لا يراك النّاس فيعرفوني.
فتقدَّمت بين يديه حَتَّى وصل إلى المنزل، فلمّا دخل ألقى نفسه على قفاه من التعب والعياء. وكان فِي حياته ربما استعار الشّيء من منزلنا ومنزل ولده4.
فلمّا صار إلينا من مال السّلطان ما صار امتنع من ذلك، حَتَّى لقد وُصف له فِي عِلّته قَرْعةٌ تُشْوَى ويؤخذ ماؤها. فلمّا جاءوا بالقَرْعة قال بعض من حضر: اجعلوها فِي تنّور، يعني فِي دار صالح، فإنّهم قد خبزوا. فقال بيده: لا. ومثل هذا كثير5.
وقد ذكر صالح بْن أحمد قصّة خروج أَبِيهِ إلى العساكر ورجوعه، وتفتيش بيوتهم
__________
1 يعني بقوله: "ودامت علة أبي ... " يقصد مرضه.
2 الحراقة: ضرب من السفن فيها مرامي نيران، والحراقة أيضا سفينة خفيفة المر "المعجم الوسيط ص/ 168".
3 سير أعلام النبلاء "9/ 494".
4 سير أعلام النبلاء "9/ 495".
5 انظر المصدر السابق.

(18/90)


على العلويّ، ثُمَّ ورود يعقوب قَرْقَرَة ومعه العشرة آلاف، وأنّ بعضها كان مائتي دينار والباقي دراهم.
قال: فجئت بأجّانة خضراء، فأكببتها1 على البدْرة، فلمّا كان عند المغرب قال: يا صالح خذ هذا صيّرْه عندك.
فصيّرته عند رأسي فوق البيت. فلمّا كان سَحَر إذا هُوَ ينادي: يا صالح.
فقمت وصعدت إليه، فقال: ما نمت. قلت: لِمَ يا أبه؟ فجعل يبكي وقال: سِلمتُ من هؤلاء، حَتَّى إذا كان فِي آخر عمري بُليتُ بهم. وقد عزمتُ عليك أن تفرّق هذا الشيء إذا أصبحت.
فقلت: ذاك إليك.
فلما أصبح جاءه الْحَسَن2 بْن البزّار فقال: جئني يا صالح بميزان. وجِّهوا إلى أبناء المهاجرين والأنصار. ثُمَّ وجِّهْ إلى فلانٍ حَتَّى يفرّق فِي ناحيته، وإلى فلان، حَتَّى فرّقها كلّها، ونحن فِي حالةٍ اللَّه بها عليم.
فجاءني ابنٌ لي فقال: يا أبَه أعطني درهمًا.
فأخرجت قطعةً فأعطيته.
وكتب صاحب البريد إنّه تصدّق بالدّراهم فِي يومه، حَتَّى تصدَّق بالكيس.
قال عليّ بْن الْجَهْم: فقلت: يا أمير المؤمنين قد تصدَّق بها. وعلم النّاس أنّه قد قبلَ منك.
ما يصنع أحمد بالمال وإنّما قُوتُه رغيف؟! قال: فقال لي: صدقت يا عليّ3.
قال صالح: ثُمَّ أُخرج أبي ليلا، ومعنا حُرّاس معهم النّفّاطات، فلمّا أصبح وأضاء الفجر قال لي: صالحُ معك دراهم؟ قلت: نعم.
قال: أعطهم.
__________
1 وفي حلية الأولياء "9/ 207" "فأكفأتها".
2 وفي حلية الأولياء "9/ 207" "الحسين".
3 سير أعلام النبلاء "9/ 495".

(18/91)


فلمّا أصبحنا جعل يعقوب يسير معه، فقال له: يا أَبَا عبد الله1، ابن الثّلجي بَلَغَني أنّه كان يذكرك.
فقال له: يا أَبَا يوسف سلِ اللَّه العافية.
فقال له: يا أَبَا عبد الله تريد أن نؤدّي عنك رسالةً إلى أمير المؤمنين؟ فسكت.
فقال: إنّ عبد الله بْن إسحاق أخبرني أنّ الوابصيّ قال له إنّي أشهد عليه أنّه قال: إنّ أحمد يعبُد ماني.
فقال: يا أَبَا يوسف يكفي اللَّه.
فغضب يعقوب والتفتَ إليَّ فقال: ما رَأَيْت أعجب ممّا نَحْنُ فِيهِ، أسأله أن يطلق لي كلمةً أخبر أمير المؤمنين، فلا يفعل.
قال: ووجّه يعقوب إلى المتوكّل بما عمل، ودخلنا العسكر وأبي منكِّس الرأس، ورأسه مُغَطّى، فقال له يعقوب: اكشف رأسك يا أَبَا عبد الله، فكشفه.
ثُمَّ جاء وصيف يريد الدّار، ووجّه إليه بعدما جاز بيحيى بْن هَرْثَمَة فقال: يُقرئك أمير المؤمنين السّلام ويقول: الحمد لله الَّذِي لم يُشْمت بك أهل البِدَع. قد علمتَ ما كان من حال ابن أبي دُؤاد، فينبغي أن تتكلَّم بما يحبّ اللَّه. ومضى يحيى وأنزل أبي دار إيتاخ. فجاء عليّ بْن الْجَهْم وقال: قد أمرَ لكم أمير المؤمنين بعشرة آلاف مكان تلك الّتي فرَّقتها، وأمرَ أن لا يُعلم شيخكم بذلك فيغتَمّ. ثُمَّ جاءه محمد بْن معاوية فقال: إنّ أمير المؤمنين يُكثر من ذِكْرِك ويقول: يقيم ههنا يُحَدِّث.
فقال: أَنَا ضعيف2.
ثُمَّ صار إليه يحيى بْن خاقان فقال: يا أَبَا عبد الله قد أمر أمير المؤمنين أن أصير إليك لتركب إلى ابنه أبي عبد الله، يعني المعتز3.
__________
1 راجع حلية الأولياء "9/ 208".
2 حلية الأولياء "9/ 208".
3 راجع: سير أعلام النبلاء "9/ 496".

(18/92)


ثُمَّ قال لي: قد أمرني أمير المؤمنين أن يُجْرى عليك وعلى قراباتك أربعة آلاف درهم، ففرقها عليهم.
ثم دعا يحيى من الغد فقال: يا أَبَا عبد الله تركب؟ فقال: ذاك إليكم.
ولبس إزاره وخُفّه. وكان خفه له عنده نحو من خمسة عشر عامًا، قد رُقّع برقاع عدّة. فأشار يحيى أن يلبس قَلَنْسُوَة.
قلت: ما له قَلَنْسُوَة.
إلى أن قال: فدخل دار المعتزّ، وكان قاعدًا على دُكّان فِي الدّار، فلمّا صعِد الدُّكّان قعد فقال له يحيى: يا أَبَا عبد الله إنّ أمير المؤمنين جاء بك ليُسرّ بقربك، ويُصيّر أَبَا عبد الله ابنه فِي حُجْرك. فأخبرني بعضُ الخدم أنّ المتوكّل كان قاعدًا وراء سترٍ. فلمّا دخل أبي الدّار قال لأمه: يا أمَه نارت الدّار.
ثُمَّ جاء خادم بمنديل، فأخذ يحيى المنديل، وذكر قصّةً فِي إلباسه القميص والطَّيْلسان والقَلَنْسُوَة وهو لا يحرّك يده. ثُمَّ انصرف1. وكانوا قد تحدّثوا أنّه يخلع عليه سوادًا. فلمّا صار إلى الدّار نزع الثّياب، ثُمَّ جعل يبكي وقال: سلمت من هؤلاء منذ ستّين سنة، حَتَّى إذا كان فِي آخر عمري بُليتُ بهم. ما أحسبني سلمتُ من دخولي على هذا الغلام، فكيف بمن يجب عليَّ نُصْحه من وقت تقع عيني عليه، إلى أن أخرج من عنده. يا صالح وجّه بهذه الثّياب إلى بغداد تباع ويُتصدَّق بثمنها، ولا يشتري أحد منكم منها شيئًا.
فوجَهتُ بها إلى يعقوب بْن بُخْتان2، فباعها وصرف ثمنها، وبقيت عندي القَلَنْسُوة. قال: ومكث خمسة عشر يوما يفطر في ثلاثةٍ على تمر سَويق، ثُمَّ جعل بعد ذلك يُفطر ليلةً على رغيف، وليلة لا يُفْطر. وكان إذا جيء بالمائدة توضع بالدِّهْليز لئلا يراها، فيأكل مَن حَضَر. فكان إذا أجهده الحَرُّ بَلَّ خرقةً فيضعها على صدره. وفي كلّ يوم يوجّه إليه بابن ماسَوَيْه فينظر إليه ويقول: يا أَبَا عبد الله أَنَا أميل إليك وإلى أصحابك، وما بك علة إلا الضعف وقلة الزاد3.
__________
1 سير أعلام النبلاء "9/ 496".
2 وفي حلية الأولياء "9/ 210" "التختكان".
3 وفي حلية الأولياء "9/ 210" "وقلة البر".

(18/93)


إلى أن قال: وجعل يعقوب وغِياث يصيران إليه ويقولان له: يقول لك أمير المؤمنين: ما تقول فِي ابن أبي دُؤاد وفي حاله؟ فلا يجيب فِي ذلك بشيء.
وجعل يعقوب ويحيى يخبراه بما يحدث فِي أمر ابن أبي دُؤاد فِي كلّ يوم، ثُمَّ أحْدِر إلى بغداد بعدما أشهد عليه ببيع ضياعه1.
وكان ربّما صار إليه يحيى بْن خاقان وهو يصلّي، فيجلس فِي الدِّهْليز حَتَّى يفرغ2.
وأمر المتوكل أن يشترى لنا دار فقال: أَبَا صالح. قلت: لبَّيْك. قال: لئن أقررت لهم بشراء دار لتكوننّ القطيعة بيني وبينكم. إنّما يريدون أن يصيّروا هذا البلد لي مأوى ومسكنًا.
فلم نزل ندفع بشراء الدّار حتّى اندفع3.
وجَعَلَتْ رُسُل المتوكّل تأتيه يسألونه عَنْ خبره، ويصيرون إليه فيقولون: هُوَ ضعيف. وفي خلال ذلك يقولون: يا أَبَا عبد الله لا بدّ من أن يراك4.
وجاءه يعقوب فقال: يا أَبَا عبد الله، أمير المؤمنين مشتاق إليك ويقول: أنظر يومًا تصير فِيهِ أيّ يوم هُوَ حَتَّى أعرفه.
فقال: ذاك إليكم.
فقال: يوم الأربعاء يوم خال.
وخرج يعقوب، فلمّا كان من الغد جاء يعقوب فقال: البُشْرَى يا أَبَا عبد الله، أميرُ المؤمنين يقرأ عليك السّلام ويقول: قد أعفيتك عن لبس السّواد والرُّكُوب إلى وُلاة العهود وإلى الدّار. فإنْ شئت فالْبس القُطْن، وإن شئت فالْبس الصّوف.
فجعل يحمد اللَّه على ذلك.
__________
1 حلية الأولياء "9/ 210".
2 وفي سير أعلام النبلاء "9/ 211" "حتى يفرغ من الصلاة".
3 حلية الأولياء "9/ 210، 211".
4 انظر المصدر السابق.

(18/94)


ثُمَّ قال يعقوب: إنّ لي ابنًا وأنا به مُعْجَب، وإنّ له من قلبي موقعًا، فأحبّ أن تحدّثه بأحاديث.
فسكت، فلمّا خرج قال: أتراه لا يرى ما أَنَا فِيهِ1؟! وكان يختم من جمعة إلى جمعة. فإذا ختم دعا فيدعو ونُؤَمِّن، فلمّا كان غداة الجمعة وجَّه إليَّ والى أخي، فلما ختم جعل يدعو ونحن نُؤَمِّن، فلمّا فرغ جعل يقول: أستخير اللَّه مرّات. فجعلت أقول ما يريد. ثُمَّ قال: إنّي أعطي اللَّه عهدًا، إن عهده كان مسئولا. وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] إنّي لا أحدّث حديث تمامٍ أبدًا حَتَّى ألقى اللَّه، ولا أستثني منكم أحدًا.
فخرجنا وجاء عليّ بْن الْجَهْم، فأخبرناه فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وأخبر المتوكّل بذلك وقال: إنّما يريدون أن أُحدِّث ويكون هذا البلد حبْسي. وإنما كان سبب الَّذِين أقاموا بهذا البلد لما أُعطوا فقبلوا وأُمِروا فحدَّثوا2.
وجعل أبي يقول: والله لقد تمنّيت الموت فِي الأمرِ الَّذِي كان، وإنّي لأتمنّى الموت فِي هذا، وذلك أن هذا، وذلك أن فتنة الدّنيا، وذاك كان فتنة الدّين.
ثُمَّ جعل يضمّ أصابعه ويقول: لو كان نفسي فِي يدي لأرسلتها. ثُمَّ يفتح أصابعه3.
وكان المتوكّل كلّ يوم يوجّه فِي كلّ وقت "من" يسأله عن حاله، وكان فِي خلال ذلك يأمر لنا بالمال ويقول: يوصل إليهم، ولا يُعلم شيخهم فيغتمّ. ما يريد منهم إن كان هُوَ لا يريد الدّنيا، فلِمَ يمنعهم؟ وقالوا للمتوكّل: إنّه لا يأكل من طعامك، ولا يجلس على فراشك، ويحرّم الَّذِي تشرب. فقال لهم: لو نشر المعتصم وقال فِيهِ شيئًا لم أقبلْ منه4.
قال صالح: ثُمَّ انحدرتُ إلى بغداد، وخلَّفتُ عبد الله عنده، فإذا عبد الله قد قدِم، وجاء بثيابي الّتي كانت عنده. فقلت: ما جاء بك؟ فقال: قال لي: انحدر،
__________
1 سير أعلام النبلاء "9/ 497".
2 حلية الأولياء "9/ 211".
3 سير أعلام النبلاء "9/ 497".
4 حلية الأولياء "9/ 212".

(18/95)


وقل لصالح لا يخرج، فأنتم كنتم آفتي. والله، لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أخرجت واحدا منكم معي. لولاكم لمن كانت توضع هذه المائدة؟ ولمن كان تُفرش هذه الفُرُش ويجري هذا الإجراء؟ فكتبت إليه أُعْلِمُه ما قال لي عبد الله، فكتب إليَّ بخطه: أحسنَ اللَّه عاقبتك، ودفع عنك كلّ مكروه ومحذور، الَّذِي حملني على الكتاب إليك الَّذِي قلت لعبد اللَّه: لا يأتيني منكم أحدٌ رجاء أن ينقطع ذِكْري ويَخْمُل. إذا كنتم هنا فشا ذِكْري. وكان يجتمع إليكم قوم ينقلون أخبارنا، ولم يكن إلا خيرًا1. فإن أقمتَ فلم تأتني أنتَ ولا أخوك فهو رضائي، ولا تجعل فِي نفسك إلا خيرًا، والسّلام عليك ورحمة اللَّه2.
قال: ولمّا خرجنا من العساكر رُفعت المائدة والفرش وكلّ ما أقيم لنا.
ثُمَّ ذكر صالح كتاب وصيّته ثُمَّ قال: وبعث إليه المتوكّل بألف دينار ليقسمها، فجاء عليّ بْن الْجَهْم فِي جوف اللّيل، فأخبره أنه يهيّئ له حرّاقة لينحدر فيها. ثُمَّ جاء عُبَيْد اللَّه ومعه ألف دينار وقال: إنّ أمير المؤمنين قد أذِن لك، وقد أمر لك بهذه.
قال: قد أعفاني أمير المؤمنين ممّا أكره، فردّها.
وقال: أَنَا رقيق على البرد، والظّهر أرفق بي. فكتب له جواز، وكتب إلى محمد بْن عبد الله فِي برِّه وتَعَاهُده، فقدِم علينا3.
ثُمَّ قال بعد قليل: يا صالح. قلت: لبَّيْك.
قال: أحبّ أن تدع هذا الرزق، فإنّما تأخذونه بسببي.
فسكتُّ، فقال: ما لك؟ قلت: أكره أن أعطيك بلساني وأخالف إلى غيره، وليس في القوم أكثر عيالا مني ولا أعذر. وقد كنت أشكو إليك وتقول. أمرك منعقد بأمري، ولعلّ اللَّه أن يحلّ عنّي هذه العُقْدة. وقد كنت تدعو لي. فأرجو أن يكون اللَّه قد استجاب لك.
فقال: والله لا تفعل.
فقلت: لا.
__________
1 راجع حلية الأولياء "9/ 212".
2 سير أعلام النبلاء "9/ 498".
3 حلية الأولياء "9/ 213".

(18/96)


فقال: لِمَ فعل اللَّه بك وفعل؟ 1 ثُمَّ ذكر قصّة فِي دخول عبد الله، وقوله له وجوابه له، ثُمَّ دخول عمّه عليه وإنكاره الأخذ، إلى أن قال: فهجَرنا وسدَّ بيننا وبينه، وتحامي منازلنا أن يدخل منّا إلى منزله شيء. ثُمَّ أُخْبِرَ بأخذ عمّه فقال: نافقني، وكذَبَني. ثُمَّ هجره وترك الصّلاة فِي المسجدٍ، وخرج إلى مسجد خارج يصلّي فِيهِ2.
ثُمَّ ذكر قصّة دعائه صالحًا ومعاقبته فِي ذِكْره، ثُمَّ فِي كتابته إلى يحيى بْن خاقان ليترك معاوية وأولاده. وبلغ الخبر إلى المتوكّل، فأمر بحمل ما اجتمع لهم فِي عشرة أشهر، وهو أربعون ألف درهم إليهم. وإنه أُخْبِر بذلك، فسكت قليلا وضرب بذقنه على صدره، ثُمَّ رفع رأسه فقال: ما حيلتي إن أردت أمرًا وأراد اللَّه أمرا؟!.
قال أبو الفضل صالح: كان رسول المتوكّل يأتي أبي يبلّغه السّلام، ويسأله عن حاله، نفضة حَتَّى نُدَثّره، ثُمَّ يقول: والله، لو أنّ نفْسي بيدي لأرسلتها وجاء رسول المتوكّل إلى أبي يقول: لو سلم أحد من النّاس سلمتَ.
رَفَع رَجُلٌ إليَّ أن علويّا قدِم من خُراسان، وأنّك وجَّهت إليه من يلقاه، وقد حبست الرجل وأردتُ ضربه فكرهتُ أن تغتمّ فَمُرْ فِيهِ.
قال: هذا باطل، يُخْلى سبيله3.
ثُمَّ ذكر قصّة فِي قُدوم المتوكّل بغداد، وإشارته على صالح بأن لا يذهب إليهم، ثُمَّ فِي مجيء يحيى بْن خاقان من عند المتوكّل، وما كان من احترامه ومجيئه بألف دينار ليفرّقها، وقوله: قد أعفاني أمير المؤمنين من كلّ ما أكره4.
وفي توجيه محمد بْن عبد الله بْن طاهر ليحضره وامتناعه من حضوره وقوله: أَنَا رَجُل لم أخالط السلطان، وقد أعفاني أمير المؤمنين ممّا أكره. وهذا ممّا أكره.
قال: وكان قد أدمن الصّوم لما قدم، وجعل لا يأكل الدَّسِم. وكان قبل ذلك يُشْتَري له الشحم بدرهم، فيأكل منه شهرًا، فترك أكل الشحم وأدمن الصوم والعمل،
__________
1 حلية الأولياء "9/ 213".
2 حلية الأولياء "9/ 214"، وسير أعلام النبلاء "9/ 498".
3 حلية الأولياء "9/ 215"، وسير أعلام النبلاء "499".
4 سير أعلام النبلاء "9/ 499".

(18/97)


فتوهّمت أنّه قد كان جعل على نفسه إن سلم أن يفعل ذلك.
وقال الخلال أبو بكر: حَدَّثَنِي محمد بْن الْحُسَيْن أن أَبَا بَكْر المَرُّوذيّ حَدَّثَهم: كان أبو عبد الله بالعساكر يقول: أنظر هَلْ تجد لي ماء الباقِلاء1.
فكنت ربّما بللت خبزه بالماء فيأكله بالملح. وربّما أنّه منذ دخلنا العساكر إلى أن خرجنا ما ذاق طبخًا ولا دَسَمًا.
وعن المَرُّوذيّ قال: أنبهني أبو عبد الله ذات ليلة وكان قد واصل، فإذا هو قاعد فقال: هوذا يُدَارُ بي من الجوع، فأطعمني شيئًا، فجئته بأقلّ من رغيف، فأكله وقال: لولا أنّي أخاف العون على نفسي ما أكلت.
وكان يقوم من فراشه إلى المخرج، فيقعد يستريح من الضَّعف من الجوع حَتَّى أنْ كنت لأبلّ الخرقة فيلقِها على وجهه لترجع إليه نَفْسُه، حَتَّى وأوصى من الضعف من غير مرض، فسمعته يقول عند وصيّته ونحن بالعساكر، وأشهد على وصيّته: هذا ما أوصى به أحمد بْن محمد، أوصى أنّه يشهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، وأنّ محمدا عبده ورسوله، وذكر ما يأتي2.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: مكث أبي بالعسكر عند الخليفة ستّة عشر يومًا، ما ذاق شيئًا إلا مقدار رُبع سَوِيق، ورأيت ما فِي عينيه قد دخلا فِي حَدَقتيه3.
وقال صالح بْن أحمد: وأوصى أبي بالعساكر هذه الوصيّة: بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم هذا ما أوصى به أحمد بْن محمد بْن حنبل: أوصي أنه يشهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، وأنّ محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودِين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون.
وأوصى مَن أطاعه من أهله وقرابته أن يعبدوا اللَّه فِي العابدين، ويحمدوه فِي الحامدين، وأن ينصحوا لجماعة المسلمين. وأوصي أنّي قد رضيتُ بالله ربّا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيّا. وأوصي أن لعبد اللَّه بْن محمد المعروف بفوزان علي نحوا من
__________
1 وفي السير "9/ 499": "هل تجد ماء باقلي".
والباقلي: يعني بها الفول.
2 سير أعلام النبلاء "9/ 499".
3 حلية الأولياء "9/ 179" بنحوه.

(18/98)


خمسين دينارا، وهو مصدّق فيما قال، فَيُقْضَى ما له عليَّ مِن غلّة الدّار إن شاء اللَّه، فإذا استوفى أُعطِيَ ولدُ صالح وعبد اللَّه ابني أحمد بْن محمد بْن حنبل، كلَّ ذَكَرٍ وأنثى عشرة دراهم بعد وفاء مال أبي محمد.
شهد أبو يوسف، وصالح، وعبد الله بْن أحمد.
أُنْبِئْتُ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ الْحَدَّادَ، أنا أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ1، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: كَتَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى إِلَى أَبِي يُخْبِرُهُ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكَ فَأَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرِ الْقُرْآنِ، لَا مَسْأَلَةَ امْتِحَانٍ، وَلَكِنْ مَسْأَلَةَ مَعْرِفَةٍ وَتَبْصِرَةٍ.
فَأَمْلَى عَلَيَّ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى وَحْدِي مَا مَعِي أَحَدٌ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَحْسَنَ اللَّهُ عَاقِبَتَكَ أَبَا الْحَسَنِ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَدَفَعَ عَنْكَ مَكَارِهَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بِرَحْمَتِهِ. قَدْ كَتَبْتُ إِلَيْكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ بِالَّذِي سَأَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَمْرِ الْقُرْآنِ بِمَا حَضَرَنِي. وَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُدِيمَ تَوْفِيقَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِي خَوْضٍ مِنَ الْبَاطِلِ وَاخْتِلافٍ شَدِيدٍ يَنْغَمِسُونَ فِيهِ، حَتَّى أَفْضَتِ الْخِلافَةُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَنَفَى الله بأمير الْمُؤْمِنِينَ كُلَّ بِدْعَةٍ، وَانْجَلَى عَنِ النَّاسِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الذُّلِّ وَضِيقِ الْمَجَالِسِ، فَصَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَذَهَبَ بِهِ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَوَقَعَ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَوْقِعًا عَظِيمًا، وَدَعُوا اللَّهَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ يَزِيدَ فِي نِيَّتِهِ، وَأَنْ يُعِينَهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ. فَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لا تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُوقِعُ الشَّكَّ فِي قُلُوبِكُمْ.
وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ نَفَرًا كَانُوا جُلُوسًا بِبَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ كَذَا؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ كَذَا؟ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ كأنما فقئ في وجهه حَبُّ الرُّمَّانِ وَقَالَ: "أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَنْ تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ إِنَّمَا ضَلَّتِ الأُمَمُ قَبْلَكُمْ فِي مِثْلِ هَذَا. إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِمَّا ههنا في شيء. انظروا الذي أمرتم فَاعْمَلُوا بِهِ، وَانْظُرُوا الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ، فَانْتَهُوا عنه" 2.
__________
1 أبو نعيم في حلية الأولياء "9/ 216-219".
2 أخرجه أحمد في مسنده "2/ 118"، وابن ماجه "85"، وقال البوصيري في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

(18/99)


وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مِرَاءٌ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ" 1.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَهْمٍ، رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا تُمَارُوا فِي الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّ مِرَاءً فِيهِ كُفرٌ" 2. وقال ابن عَبَّاس: قدِم على عُمَر بْن الخطاب رجل، فجعل عُمَر يسأله عن النّاس، فقال: يا أمير المؤمنين قد قرأ القرآن منهم كذا وكذا.
فقال ابن عَبَّاس: فقلتُ: والله ما أحبّ أن يتسارعوا يومهم هذا فِي القرآن هذه المسارعة.
قال: فَزَبَرَني عُمَر وقال: مَهْ.
فانطلقت إلى منزلي مكتئبًا حزينًا، فبينا أَنَا كذلك إذ أتاني رَجُل فقال: أجِبْ أمير المؤمنين. فخرجت فإذا هُوَ بالباب ينتظرني، فأخذ بيدي، فخلا بي وقال: ما الَّذِي كرهت؟ قلت: يا أمير المؤمنين متى يتسارعوا هذه المسارعة يحتقُوا، ومتى ما يحتقوا يختصموا، ومتى ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا.
قال: لله أبوك، والله إن كنتُ لأكتُمها النّاس حَتَّى جئتَ بها3.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ: "هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي" 4. وَرُوِيَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّكُمْ لَنْ تَرْجِعُوا إِلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ، يَعْنِي الْقُرْآنَ"5. وَرُوِيَ عن ابن مَسْعُود أنّه قال: جرّدوا القرآن ولا تكتبوا فِيهِ شيئًا إلا كلام الله عز وجل6.
__________
1 "صحيح": أخرجه أحمد في مسنده "2/ 286"، وأبو داود "4603"، والحاكم في مستدركه "2/ 223"، وصححه ووافقه الذهبي، وانظر صحيح الجامع الصغير وزيادته "6687" للألباني.
2 "إسناده صحيح": أخرجه أحمد في المسند "4/ 170".
3 سير أعلام النبلاء "9/ 501".
4 "صحيح": أخرجه أبو داود "7434"، والترمذي "2926"، وابن ماجه "201".
5 "ضعيف": أخرجه الترمذي "2912".
6 سير أعلام النبلاء "9/ 501".

(18/100)


وَرُوِيَ عن عُمَر بْن الخطّاب أنّه قال: إنّ هذا القرآن كلام اللَّه، فضعوه مواضعه1.
وقال رجل للحسن الْبَصْرِيّ: يا أَبَا سَعِيد، إنّي إذا قرأت كتاب اللَّه وتدبّرته كدت أن آيس، وينقطع رجائي.
فقال: إنّ القرآن كلام اللَّه، وأعمال ابن آدم إلى الضَّعف والتّقصير، فاعمل وأَبْشِر2.
وقال فَرْوة بْن نَوْفل الأشجعيّ: كنتُ جارا لخَبّاب، وهو مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرجتُ معه يومًا من المسجد وهو آخذ بيدي فقال: يا هَنَاه، تقرَّب إلى الله بما استطعت، فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحبُّ إليه من كلامه3.
وقال رَجُل للحَكَم بْن عُتَيْبَةَ: ما يحمل أهل الأهواء على هذا؟ قال: الخصومات4.
وقال معاوية بن قرد -وكان أَبُوهُ ممّن أتى النَّبِيّ -صلى اللَّه عليه وسلم: إيّاكم وهذه الخصومات فإنّما تُحبط الأعمال5.
وقال أبو قِلابة -وكان قد أدرك غيرَ واحدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تُجالسوا أهل الأهواء، وقال: أصحاب الخصومات، فَإِنِّي لا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي ضَلالَتِهِمْ، ويُلْبِسوا عليكم بعضَ ما تعرفون6.
ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بْن سِيرِينَ فقالا: يا أَبَا بَكْر نحدّثك بحديث؟ قال: لا.
قالا: فنقرأ عليك آية؟ قال: لا، لَتَقومان عنّي أو لأقومَنّهُ. فقاما.
فقال بعض القوم: يا أَبَا بَكْر، وما عليك أن يقرأا عليك آية؟ قال: إني خشيت
__________
1 انظر السابق.
2 انظر السابق.
3 انظر السابق.
4 سير أعلام النبلاء "9/ 501".
5 انظر المصدر السابق.
6 ومن قول أبي قلابة ذكره في سير أعلام النبلاء "9/ 502".

(18/101)


أن يقرأا عليّ آية فَيُحَرِّفانها، فيقرّ ذلك فِي قلبي، ولو أعلم أنّي أكون مثلي السّاعة لتركتهما1.
وقال رَجُل من أهل البِدَع لأيوب السّختيانيّ: يا أَبَا بَكْر أسألك عن كلمةٍ، فولى وهو يقول بيده: ولا نصف كلمة.
وقال ابن طاوس لابن له يكلمه رَجُل من أهل البدع: يا بني، أدخل إصبعيك فِي أذنيك حَتَّى لا تسمع ما يقول. ثم اشدد اشدد.
وقال عمر بْن عبد العزيز: من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل.
وقال إبراهيم النخعي: إن القوم لم يدخر عنهم شيء خبئ لكم لفضل عندكم.
وكان الْحَسَن رحمه اللَّه يقول: شر داء خالط قلبا، يعني: الأهواء.
وقال حذيفة بْن اليمان: اتقوا اللَّه، وخذوا طريق من كان قبلكم، والله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموه يمينا وشمالا فقد ضللتم ضلالا بعيدا، أو قال: مبينا2.
قال أبي: وإنما تركت ذكر الأسانيد لما تقدم من اليمين التي قد حلفت بها مما قد علمه أمير المؤمنين. لولا ذاك ذكرتها بأسانيدها. وقد قال اللَّه تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] . وقال: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54] ، فأخبر بالخلق.
ثم قال: {وَالْأَمْرُ} فأخبر أن الأمر غير الخلق.
وقال عز وجل: {الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: 1-4] فأخبر أن القرآن من علمه.
وقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} [البقرة: 120] . ووقال: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا
__________
1 حلية الأولياء "9/ 218".
2 سير أعلام النبلاء "9/ 502".

(18/102)


جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 145] . وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} [الرعد: 37] . فالقرآن من علم اللَّه. وفي هذه الآيات دليل على الَّذِي جاءه هُوَ القرآن، لقوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة: 145] .
وقد رُوِيَ عن غيرِ واحد ممّن مضى من سَلَفنا أنّهم كانوا يقولون: القرآن كلام اللَّه غير مخلوق. وهو الَّذِي أذهب إليه. لستُ بصاحب كلام، ولا أرى الكلام فِي شيء من هذا، إلا ما كان فِي كتاب اللَّه، أو فِي حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو عن أصحابه، أو عن التابعين. فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود1.
قلت: رُواة هذه الرسالة عن أحمد أئمة أثبات، أشهدُ بالله أنّه أملاها على ولده. وأمّا غيرها من الرسائل المنسوبة إليه كرسالة الإصْطَخريّ ففيها نَظَر. والله أعلم2.
ذكر مرضه رحمه اللَّه:
قال ابنه عبد الله: سَمِعتُ أبي يقول: استكملت سَبْعا وسبعين سنة، فَحُمَّ من ليلته، ومات يوم العاشر.
وقال صالح: لمّا كان فِي أوّل يوم من ربيع الأوّل من سنة إحدى وأربعين ومائتين. حُمَّ أبي ليلة الأربعاء، وبات وهو محموم يتنفّس نَفَسًا شديدًا، وكنتُ قد عرفتُ علته. وكنتُ أمرّضُه إذا اعتلّ. فقلت له: يا أبه، على ما أفطرتَ البارحة؟ قال: على ماء باقلاء3.
ثُمَّ أراد القيام فقال: خُذْ بيدي. فأخذت بيده، فلمّا صار إلى الخلاء ضعفت رِجلاه حَتَّى توكّأ علي. وكان يختلف إليه غير متطبب، كلهم مسلمون، فوصف له متطبّب قَرْعة تُشْوى ويُسقى ماؤها، وهذا يوم الثلاثاء وتُوُفّي يوم الجمعة، فقال: يا صالح. قلت: لَبَّيْك.
قال: لا تُشْوى فِي منزلك ولا في منزل أخيك.
__________
1 حلية الأولياء "9/ 219".
2 طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى "1/ 24-36".
3 حلية الأولياء "9/ 220".

(18/103)


وصار الفتح بْن سهل إلى الباب ليَعُوده فحجبه، وأتى ابن علي بْن الجعد فحجبه، وكثُر النّاس، فقال: أي شيء ترى؟ قلت: تأذن لهم فيدعون لك1.
قال: أستخير اللَّه تعالى.
فجعلوا يدخون عليه أفواجًا حَتَّى تمتلئ الدّار، فيسألونه ويدعون له ثُمَّ يخرجون، ويدخل فوج آخر. وكثُر الناس، فامتلأ الشارع، وأغلقنا الباب الزقاق، وجاء رَجُل من جيراننا قد خضب، فقال أبي: إني لأرى الرجل يحيى شيئا من السنة فأفرح به2.
وكان له فِي خُرَيْقة قُطَيْعات، فإذا أراد الشّيء أعطينا مَن يشتري له.
وقال لي يوم الثّلاثاء: أنظر في خريقتي شيء.
فنظرت، فإذ فيها درهم، فقال: وجّه اقتضِ بعض السُّكّان.
فوجّهتُ فأعطيت شيئًا، فقال وجّه فاشتر تمرًا وكفّر عنّي كفّارة يمين، وبقي ثلاثة دراهم أو نحو ذلك، فأخبرته فقال: الحمد لله. وقال: اقرأ عليّ الوصيّة.
فقرأتها عليه فأقَرَّها. وكنتُ أنام إلى جنْبه، فإذا أراد حاجة حرّكني فأناوله.
وجعل يحرّك لسانَه ولم يئن إلا فِي اللّيلة التي تُوُفّي فيها. ولم يزل يصلّي قائمًا، أَمْسكه فيركع ويسجد، وأرفعه فِي ركوعه3.
واجتَمَعَتْ عليه أوجاع الحصْر وغير ذلك، ولم يزل عقله ثابتًا، فلمّا كان يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلةً خَلَت من ربيع الأوّل لساعتين من النّهار تُوُفّي4.
وقال المَرُّوذيّ: مرض أبو عبد الله ليلة الأربعاء لليلتين خَلَتا من ربيع الأول، مرض تسعة أيّام، وكان رُبّما أذن للنّاس، فيدخلون عليه أفواجا يسلمون عليه، ويرد عليهم بيده.
__________
1 سير أعلام النبلاء "9/ 533".
2 المصدر السابق.
3 انظر السابق.
4 انظر السابق.

(18/104)


وتَسَامَعَ الناس وكثروا، وسمع السلطان بكثرة الناس، فوكل السلطان ببابه وبباب الزُّقاق الرابطة وأصحاب الأخبار. ثُمَّ أغلق باب الزقاق، فكان النّاس فِي الشّوارع والمساجد، حَتَّى تعطل بعض الباعة، وحيل بينهم وبين الباعة والشراء1.
وكان الرجل إذا أراد أن يدخل إليه ربّما دخل من بعض الدُّور وطُرُز الحاكة، وربّما تسلّق.
وجاء أصحاب الأخبار فقعدوا على الأبواب.
وجاءه حاجب ابن طاهر فقال: إنّ الأمير يُقرئك السّلام وهو يشتهي أن يراك. فقال: هذا ممّا أكره، وأمير المؤمنين أعفاني مما أكره2.
وأصحاب الخير يكتبون بخبره إلى العساكر، والبُرُدُ3 تختلف كلّ يوم.
وجاء بنو هاشم فدخلوا عليه وجعلوا يبكون عليه؛ وجاء قوم من الفضاة وغيرهم، فلم يؤذن لهم.
ودخل عليه شيخ فقال: أذكُرْ وقوفك بين يدي اللَّه. فشهق أبو عبد الله وسالت دموعه على خديه.
فلمّا كان قبل وفاته بيوم أو بيومين قال: ادعوا لي الصّبيان بلسانٍ ثقيل.
فجعلوا ينضمّون إليه، وجعل يشمّهم ويمسح بيده على رءوسهم وعينه تدمع.
وأدخلت الطّسْت تحته، فرأيت بَوْلَهُ دمًا عبيطًا ليس فِيهِ بول، فقلت للطّبيب فقال: هذا رَجُل قد فتَّت الحُزْن والغَمُّ جَوْفَه4.
واشتدّت علته يوم الخميس ووضّأته فقال: خلال الأصابع. فلما كانت ليلة الجمعة، ثقل، وقبض صدرا، فصاح الناس، وعلت الأصوات بالبكاء، حَتَّى كأن الدنيا قد ارتجت، وامتلأت السكك والشوارع5.
__________
1 سير أعلام النبلاء "9/ 533".
2 وانظر المصدر السابق.
3 البرد: مفردها بريد.
4 سير أعلام النبلاء "9/ 534".
5 انظر السابق.

(18/105)


وقال أبو بَكْر الخلال: أخبرني عصمة بْن عصام: ثنا حنبل قال: أعطى ولد الفضل بْن إبراهيم أَبَا عبد الله وهو فِي الحبس ثلاث شعرات وقال: هذه مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأوصى عند موته أن يجعل على كل عين شعرة، وشعرة على لسانه1.
ففعل به ذلك عند موته.
وقال حنبل: تُوُفّي يوم الجمعة في ربيع الأوّل.
وقال مُطّيَّن: في ثاني عشر ربيع الأوّل.
وكذلك قال عبد الله بن أحمد، وعبّاس الدُّوريّ.
وقال البخاريّ: مرض أحمد بن حنبل لليلتين خَلَتَا من ربيع الأوّل، ومات يوم الجمعة لاثنتي عشرة خَلَت من ربيع الأوّل.
قلت: غلِط ابنُ قانع، وغيره، فقالوا في ربيع الآخر، فلُيعرف ذلك.
وقال الخلال: ثنا المَرُّوذيّ قال: أُخرجت الجنازة بعد منصرف النّاس من الجمعة2.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، ثنا هشام بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ" 3. وقال صالح: وجه ابن طاهر، يعني نائب بغداد، بحاجبه مظفّر، ومَعه غلامين معهما مناديل، فيها ثياب وطيب فقالوا: الأمير يُقرئك السّلام ويقول: قد فعلتُ ما لو كان أمير المؤمنين حاضره كان يفعل ذلك.
فقلت: أقرِئ الأمير السّلام وقل له: إنّ أمير المؤمنين قد كان أعفاه فِي حياته مِمَّا كان يكره، ولا أحبّ أن أُتْبعه بعد موته بما كان يكره فِي حياته. فعاد.
وقال: يكون شعاره، فأعدت عليه مثل ذلك4.
__________
1 انظر السابق.
2 سير أعلام النبلاء "9/ 434".
3 "صحيح": أخرجه أحمد في المسند "6593"، والترمذي "1074".
4 سير أعلام النبلاء "9/ 534".

(18/106)


وقد كان غَزَلت له الجارية ثوبًا عشاريًا قُوّم بثمانية وعشرين درهمًا ليقطع منه قميصين، فقطعنا له لفافتين، وأخذ منه فوزان لُفافَة أخرى، فأدرجناه فِي ثلاث لفائف، واشترينا له حَنُوطًا، وفُرغ من غسله، وكفّناه. وحضر نحوَ مائة من بني هاشم ونحن نكفنه، وجعلوا يقبّلون جبهته حَتَّى رفعناه على السّرير.
وقال عبد الله بْن أحمد: صلّى على أَبِي مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْنُ عَبْد اللَّه بْن طاهر، غَلبنا على الصّلاة عليه. وقد كُنَّا صلّينا عليه نَحْنُ والهاشميّون فِي الدّار.
وقال صالح: وجّه ابن طاهر: مَن يصلّي عليه؟ قلت: أَنَا.
فلمّا صرنا إلى الصّحراء إذا ابن طاهر واقف، فخطا إلينا خطوات وعزَّانا ووضع السّرير. فلمّا انتظرت هُنَيَّةً تقدّمتُ وجعلتُ أسوّى صفوفَ النّاس، فجاءني ابن طاهر فقبض هذا على يدي، ومحمد بْن نصر على يدي وقالوا: الأمير.
فما نعتهم فَنَحِّيَاني وصلّى، ولم يعلم النّاسُ بذلك. فلمّا كان من الغد علم النّاسُ، فجعلوا يجيئون ويصلُّون على القبر. ومكث النّاسُ ما شاء اللَّه يأتون فيصلُّون على القبر1.
وقال عُبَيْد اللَّه بْن يحيى بْن خاقان: سمعت المتوكل يقول لمحمد بْن عبد الله: طوبى لك يا محمد، صليت على أحمد بْن حنبل، رحمة اللَّه عليه2.
وقال أبو بَكْر الخلال: سمعتُ عَبْد الوهّاب الورّاق يقول: ما بَلَغَنَا أن جَمْعًا فِي الجاهليّة والإسلام مثله، حَتَّى بَلَغَنَا أنّ الموضع مُسح وحُزِر على الصّحيح، فإذا هُوَ نحوٌ من ألف ألف، وحزرنا على القُبُور نحوًا من ستّين ألف امْرَأَة.
وفتح النّاسُ أبواب المنازل فِي الشّوارع والدُّرُوب ينادون: مَن أراد الوضوء؟.
وروي عبد الله بْن إسحاق البَغَويّ أَنْ بنَان بْن أحمد القَصَبانيّ أخبره أنّه حضر جنازة أحمد، فكانت الصُّفوف من الميدان إلى قنطرة باب القطيعة، وحزر من حضرها من الرجال ثمانمائة ألف، ومن النساء ألف امْرَأَة.
ونظروا فيمن صلّى العصر فِي مسجد الرصافة فكانوا نيفا وعشرين ألفا.
__________
1 سير أعلام النبلاء "9/ 535".
2 انظر المصدر السابق.

(18/107)


وقال مُوسَى بْن هارون الحافظ: يقال إنّ أحمد لما مات، مُسِحت الأمكنة المبسوطة الّتي وقف النّاسُ للصّلاة عليها، فحُزر مقادير النّاس بالمساحة على التقدير ستّمائة ألف وأكثر، سوى ما كان فِي الأطراف والحوالي والسُّطُوح والمواضع المتفرّقة أكثر من ألف ألف.
وقال جَعْفَر بْن محمد بْن الْحُسَيْن النَّيْسابوريّ: حَدَّثَنِي فتح بْن الحَجّاج قال: سمعتُ فِي دار الأمير محمد بْن عَبْد الله بْن طاهر أنّ الأمير بعث عشرين رجلا يحزروا كم صلّى على أحمد بْن حنبل، فحُزروا فبلغ ألف ألف وثمانين ألفًا، سوى من كان فِي السُّفُن فِي الماء1.
ورواها خشنام بْن سَعِيد فقال: بلغوا ألف ألف وثلاثمائة ألف.
وقال ابن حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: بلغني أن المتوكّل أمَر أن يُمسح الموضع الَّذِي وقف عليه الناس حيث صَلَّى على أحمد، فبلغ مقام ألفي ألف وخمسمائة ألف2.
وقال البيهقيّ: بَلَغَني عن البَغَوَيّ أنّ محمد بْن عبد الله بْن طاهر أمر أن تُحْزَر الخلق الَّذِي فِي جنازة أحمد، فاتفقوا على سبعمائة ألف.
وقال أبو هَمّام الوليد بْن شجاع: حضرت جنازة شَرِيك، وجنازة أبي بَكْر بْن عيّاش، ورأيت حضور النّاس، فما رَأَيْتُ جمعًا قط يشبه هذا. يعني في جنازة أحمد.
وقال أبو عبد الرحمن السُّلَميّ: حضرت جنازة أبي الفتح القوّاس مع الدّارّقُطْنيّ، فلمّا نظر إلى الْجَمْع قال: سمعتُ أَبَا سهل بْن زياد: سمعتُ عبد الله بْن أحمد بْن حنبل: سمعت أبي يقول: قولوا لأهل البِدَع: بيننا وبينكم الجنائز.
وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنِي أبو بَكْر محمد بْن الْعَبَّاس الْمَكِّيّ: سمعت الوَرْكانيّ جار أحمد بْن حنبل يقول: يوم مات أحمد بْن حنبل وقع المأتم والنَّوْح فِي أربعة أصناف: المسلمين واليهود والنّصارى والمجوس. وأسَلَمَ يوم مات عشرون ألفًا من اليهود والنصارى والمجوس3.
__________
1 انظر سير أعلام النبلاء "9/ 536".
2 تقدمة المعرفة "312".
3 تاريخ بغداد "4/ 423"، وحلية الأولياء "9/ 180".

(18/108)


وفي لفظٍ عن ابن أبي حاتم: عشرة آلاف1.
وهي حكاية مُنْكَرَة لا أعلم رواها أحد إلا هذا الوَرْكانيّ، ولا عَنْهُ إلا محمد بْن الْعَبَّاس، تفرّد بها ابن أبي حاتم، والعقل يحيل أن يقع مثل هذا الحادث فِي بغداد ولا يرويه جماعة تتوفّر هِمَمُهُم، ودَوَاعيهم على نقل ما هُوَ دون ذلك بكثير. وكيف يقع مثل هذا الأمر الكبير ولا يذكره المَرُّوذيّ، ولا صالح بْن أحمد، ولا عبد الله بْن أحمد بْن حنبل الّذين حكوا من أخبار أبي عبد الله جُزَيْئات كثيرة لا حاجة إلى ذكرها. فوالله لو أسلم يوم موته عشرة أَنَفسٍ لكان عظيمًا، ولكان ينبغي أن يرويه نحو من عشرة أنفس.
وقد تركت كثيرًا من الحكايات، إمّا لضَعْفها، وإمّا لعدم الحاجة إليها، وإما لطولها.
ثُمَّ انكشف لي كذب الحكاية بأنّ أَبَا زُرعة قال: كان الوَرْكانيّ، يعني محمد بْن جَعْفَر، جار أحمد بْن حنبل وكان يرضاه2.
وقال ابنُ سعد، وعبد اللَّه بْن أحمد، وموسى بْن هارون، مات الوَرْكانيّ فِي رمضان سنة ثمانٍ وعشرين ومائتين. فظهر لك بهذا أنّه مات قبل أحمد بدهرٍ، وكيف يحكى يوم جنازة أحمد، رحمه اللَّه؟ قال صالح بْن أحمد: جاء كتاب المتوكّل بعد أيّام من موت أَبِي إلى ابن طاهر يأمره بتعزيتنا، ويأمر بحمل الكُتُب. فحملتها وقلتُ: إنّها لنا سماع، فتكون فِي أيدينا وتُنَسَخ عندنا.
فقال: أقول لأمير المؤمنين.
فلم نزل ندافع الأمير، ولم تخرج عن أيدينا، والحمد لله.
وقد جمع مناقب أبي عبد الله غير واحد، منهم أبو بَكْر البَيْهقيّ فِي مجلّد، ومنهم أبو إسماعيل الْأَنْصَارِيّ فِي مُجَيْلد، ومنهم أبو الفَرَج بْن الْجَوْزيّ فِي مجلد، والله تعالى يرضى عنه ويرحمه.
__________
1 انظر الحلية في الموضع السابق.
2 سير أعلام النبلاء "9/ 537".

(18/109)


36- أحمد بن الزُّبَيْر الأطرابُلُسيّ1.
عَنْ: زيد بْن يحيى بْن عُبّيْد، ومؤمّل بن إسماعيل.
وعنه: ابن زياد النَّيْسابوريّ، ومحمد أخو خَيْثَمَة، وعبد الرحمن بن أبي حاتم وقال: صدوق.
37- أَحْمَد بن عَبْد اللَّه بن عَبْد الصَّمَد بن عليّ الهاشميّ العبّاسيّ.
أبو العَبَر الشاعر المُفْلِق.......
قيل إنّه هجا آل أبي طالب فقتله رجل كوفيّ بكلام استحلّ به دمه.
وله شِعْر فائق من عهد الأمين وإلى أَيام المتوكّل. ثمّ أخذ في الحمق والمجون. وكان من أذكياء العالم، حتّى قيل: لم يكن في الدنيا صناعة إلا وهو يعلمها ويعلمها بيده.
قُتِل سنة خمسين.
38- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم بن نافع بن أبي بَزّة2.
أبو الحسن المخزوميّ مولاهم البَزّي المكّيّ المقرئ. مؤذن المسجد الحرام أربعين سنة.
والبزّة: بالشَّدّة.
قال الْبُخَارِيّ: اسم أبي بَزّة بشّار مَوْلَى عبد الله بْن السّائب المخزومي، أصله من همذان. أسلم على يد السّائب بن صَيْفيّ.
قلت: وُلد سنة سبعين ومائة، وقرأ على: عِكْرمة بْن سُلَيْمَان مَوْلَى بني شَيبة، وأبي الإخريط وهُب بْن واضح: وأحمد مَوْلَى عبد العزيز بْن أبي، وعبد اللَّه بْن زياد مَوْلَى عُبَيْد بْن عُمَير الَّليْثيّ، عن أحدهم، عن إسماعيل القِسط، وغيره، عن ابن كثير إمام أهل مكّة نفسِه، قرأ عليه بعد أن أتقن القرآن على صاحبَيْه شِبْل بْن عَبّاد، ومعروف بن مشكان.
__________
1 تهذيب تاريخ دمشق "2/ 50، 81".
2 ميزان الاعتدال "1/ 144، 145"، والبداية "11/ 86".

(18/110)


كذا رُوِيَ عَنْهُ أبو الإخريط.
قرأ عليه: أبو ربيعة محمد بْن إسحاق الرَّبعيّ، وإسحاق بْن أحمد الخزاعي، وأحمد بْن فَرَج، والحَسَن بْن الْحُبَابِ، وغيرهم.
وكان شيخ الحرم وقارئه فِي زمانه، مع الدّين والورع والعبادة. وقد تفرَّد بحديثٍ مسَلَسَلٍ فِي التّكبير من {وَالضُّحَى} [الضحى: 1] .
رَوَاهُ عَنْهُ: الحسن بْن مَخْلَد، ومحمد بْن يوسف بْن مُوسَى، والحسن بْن الْعَبَّاس الرّازيّ، ويحيى بْن محمد بْن صاعد، وجماعة.
وقع لي عاليًا، وهو حديث مُنْكر.
قال أبو حاتم: لا أُحَدِّث عَنْهُ، فإنّه روى عن عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ حديثًا منكرًا؛ وهو ضعيف الحديث. قلت: وذكره أبو جَعْفَر العُقَيْليّ فِي كتاب الضّعفاء فقال: مُنْكر الحديث، يوصل الأحاديث1.
ثنا خَالِدُ بْنُ مَنْصُورٍ: نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم: ثنا الربيع بْنُ صَبِيحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الدِّيكُ الأَبْيَضُ الأَفْرَقُ حَبِيبِي وَحَبِيبُ حَبِيبِي جِبْرِيلُ، يَحْرُسُ سِتَّةَ عَشَرَ بَيْتًا"2. قُلْتُ: مَا هَذَا الْحَدِيثُ بِبَعِيدٍ عَنِ الْوَضْعِ.
وعاش ثمانين سنة. وتُوُفّي بمكة خمسين ومائتين.
وقد روى عَنْهُ الْبُخَارِيّ فِي تاريخه، وآخرون.
سمع من: مالك بْن سَعِيد، ومؤمّل بْن إسماعيل، وسليمان بْن حرب، وأبي عبد الرحمن المقرئ، وعُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى.
39- أحمد بن محمد بن علقمة بن رافع بن عمر بن صبح بن عون3.
__________
1 الضعفاء للعقيلي "2/ 127، 155".
2 موضوع: وانظر الضعفاء الكبير للعقيلي، والموضوعات لابن الجوزي "3/ 6"، القيسراني في التذكرة "1057".
3 تهذيب الكمال "1/ 482، 483"، ومعرفة القراء الكبار "1/ 178، 179"، والتهذيب "1/ 79".

(18/111)


أبو الحَسَن المكّيّ المقرئ النّبّال القوّاس.
سمع من: مسلم بن خالد الزَّنْجيّ، وغيره.
وقرأ القرآن على أبي الإخريط وهْب بن واضح.
قرأ عليه: قُنْبُل، وأحمد بن يزيد الحُلْوانيّ، وغير واحد.
وحدَّث عنه: بَقِيّ بن مَخْلَد، ومحمد بن عليّ الصّائغ، ومُطَيَّن، وعليّ بن أحمد بن بِسطام، وغيرهم.
تُوُفّي سنة خمسٍ وأربعين بمكة.
قال ابن مجاهد: قال لي قَنْبَل: قال لي القوّاس: إِلْقَ هذا الرجل البَزّيّ فَقُلْ له: ليس هذا الحرف من قراءتنا، يعني {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم: 17] مخفَّفًا.
قال: فلقيته فأخبرته فقال: قد رجعت. ثُمَّ أتى إليه من الغد.
قال قنبل: سمعت القواس يقول: نَحْنُ نقف حيث انقطع البعض، إلا في ثلاث نتعمد الوقف عليها: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 7] ، {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} [الأنعام: 109] في الأنعام، {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103] .
قال الدّانيّ: تُوُفّي القُواس سنة أربعين ومائتين، فُيحَرَّر.
40- أحمد بن محمد بن عيسى1.
أبو جعفر السَّكُونيّ البغداديّ.
عن: أبي بكر بن عيّاش، وأبي يوسف القاضي.
روى عنه: محمد بن مَخْلَد، وغيره.
وهو من الضُّعَفاء.
41- أحمد بن محمد بن نيزك2 -ت- أبو جعفر البغدادي المعروف بالطوسي.
__________
1 تاريخ بغداد "5/ 59"، وميزان الاعتدال "1/ 148".
2 تاريخ بغداد "5/ 108"، والمعجم المشتمل "59"، وميزان الاعتدال "1/ 151".

(18/112)


عن: رَوْح بن عُبادة، والأسود شاذان، وغيرهما.
وعنه: ت، وأَبُو بَكْر بْن أَبِي الدُّنيا، وأبو حامد الحضرمي.
توفي سنة ثمان وأربعين.
42- أحمد بْن محمد بْن يحيى بْن الْمُبَارَك1.
أبو جعفر العدوي اليزيدي المقرئ.
من كبار ندماء المأمون وشعرائه.
سمع: أبا زيد الأنصاري صاحب العربيّة، وأباه.
وقرأ على جدّه فيما أظنّ.
روى عنه: أخواه الفضل وعُبَيد الله، وابن أخيه محمد بن العبّاس، وعَوْن بن محمد الكِنْديّ، ومحمد بن عبد الملك الزّيّات.
له ذِكْرٌ في تاريخ دمشق.
43- أحمد بن مُصَرِّف بن عَمْرو الياميّ2 -ن- كوفي محدث.
روى عن: أبي أُسامة، ومحمد بن بشير، وزيد بن الحُباب، وطبقتهم.
وعنه: ن. في السُّنَن، والحكيم التِّرْمِذيّ محمد بن عليّ، ومحمد بن عمر بن يوسف النَّسائيّ، وغيرهم.
قال ابن حِبّان في كتاب الثّقات: مستقيم الحديث.
44- أحمد بن منيع بن عبد الرحمن3 -ع- أبو جعفر البغوي الحافظ الأصم المروروذي الأصل نزيل بغداد؛ وصاحب المُسْنَد المشهور.
سمع: هُشَيْما، وعَبّاد بن العوّام، وابن عُيَيْنَة، ومروان بن شجاع، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد الله بن المبارك، وطبقتهم.
__________
1 تاريخ بغداد "5/ 117"، وبغية الوعاة "1/ 169".
2 التهذيب "1/ 80"، وخلاصة تذهيب التهذيب "12".
3 التاريخ الكبير للبخاري "2/ 6"، والصغير له "235"، والجرح "2/ 77"، والتهذيب "1/ 84".

(18/113)


وعنه: الجماعة، لكن خ. بواسطة، وسِبْطه أبو القاسم البَغَويّ، وعبد الله بن ناجية، وابن صاعد، وخلق.
قال البَغَويّ: أُخْبِرتُ عن أحمد بْن منيع أنّه قال: أَنَا من نحو أربعين سنة أختم فِي كل ثلاث.
قال صالح جَزَرَة، وغيره: ثقة.
وقال البَغَويّ: تُوُفّي جدّي في شَوَّال سنة أربعٍ وأربعينٍ، وكان مولده هُوَ وأبو خَيْثَمة سنة ستين ومائة.
45- أحمد بن ناصح1 -ن- أبو عبد الله، نزيل الثَّغْر.
عن: عبد العزيز الدَّراوَرْديّ، وأبي بكر بن عيّاش.
وعنه: ن، ومحمد بن سُفْيان المُصِّيصيّ الصفار، وغيره.
لم يذكره ابن أبي حاتم.
46- أحمد بن نصر بن زياد2.
أبو عبد الله القرشي النيسابوري المقرئ الزاهد.
عن: عبد الله بن نمير، وابن أبي فديك، وأبي أسامة، والنضر بن شميل، وجماعة.
سمع منه: أبو نعيم أحد شيوخه.
وحدث عنه: ت. ن، وسلمة بن شَبِيب، وابن خزيمة، وأبو عروبة الحراني، وخلق.
وكان كثير الرحلة إلى الشام، والعراق، ومصر.
ورحل إلى أبي عبيد على كبر السن متفقها، فأخذ عنه، وكان يفتي على مذهبه، وعليه تفقه ابن خزيمة قبل أن يرحل. وكان ثقة نبيلا مأمونا صاحب سنة.
__________
1 التهذيب "1/ 85"، والكاشف "1/ 29".
2 التهذيب "1/ 85"، وطبقات الحفاظ "237".

(18/114)


تُوُفّي سنة خمس وأربعين1.
قال الحاكم: كان فقيه أهل الحديث في عصره، كثير الحديث والرحلة، رحمه الله.
47- أحمد بن نصر2.
أبو بكر العتكي السَّمَرْقَنْديّ.
ذكره ابن حِبّان في الثقات وقال: كان رجلا صالحا مجتهدا في العبادة، قمع أهلَ البِدَع في أيّام المحنة، وقام بما ينبغي.
يروى عن: ابن عُيَيْنَة، وأبي ضمرة.
وعنه: عبد الله بن عبد الرحمن الدَّارِميّ، وأهل سَمَرْقَنْد.
تُوُفّي سنة خمس وأربعين.
48- أحمد بن هشام بن بِهْرام المدائنيّ3.
عن: أبي معاوية، ووَكِيع.
وعنه: ابن صاعد، وأبو بَكْر بْن أَبِي داود.
وكان ثقة، قاله الخطيب.
49- أحمد بن يحيى بن إسحاق.
أبو الحسين الرَّاوَنْديّ.
قال المسعوديّ: تُوُفّي سنة خمسين ومائتين، عن أربعين سنة.
قال: وله من الكُتُب مائة وأربعة عشر كتابا.
قلت: غلط المسعودي، بل بقي إلى قريب الثلاثمائة.
50- أحمد بن يحيى بن وزير بن سليمان بن مهاجر4 -ن- أبو عبد الله
__________
1 المعجم المشتمل "61/ رقم 91".
2 الثقات لابن حبان "8/ 22"، والأنساب "8/ 390" لابن السمعاني.
3 تاريخ بغداد "5/ 197، 198"، ورسالة الغفران "461".
4 المعرفة والتاريخ "1/ 536، 2/ 625"، والتهذيب "1/ 89"، وخلاصة تذهيب التهذيب "14".

(18/115)


التجيبي، مولاهم المصريّ الحافظ النَّحْويّ، أحد الأئمّة.
روى عن: عَبْد الله بْن وهْب، وشُعَيب بْن اللَّيْث، وأَصْبَغ بن الفَرجَ، وخلْق سواهم.
وعنه: ن. وقال ثقة، والحسين بن يعقوب المصريّ، وأبو بكر بن أبي داود، وآخرون.
وُلِد سنة إحدى وسبعين ومائة.
قال أبو عمر الكِنْديّ: كان فقيها من أصحاب ابن وهْب. كان أعلم أهل زمانه بالشِّعْر والغريب وأيّام النّاس. وكان يتقبّل، فانكسر عليه خَراجٌ، فسجنه أحمد بن محمد بن مدبّر، فمات في حبّسه في شوّال سنة خمسين، رحمه الله.
51- أحمد بن يعقوب بن صالح البلْخيّ1.
عن: أبي مقاتل حفص بن سَلْم.
تُوُفيّ في رمضان سنة سْبعٍ وأربعين.
52- أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث2 بن زُرَارَةُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ -ع- الفقيه أبو مصعب الزهري العوفي، قاضي المدينة.
وُلِد سنة خمسين ومائة، ولزِم مالكا وتفقَّه عليه، وسمع منه الموطّأ.
وسمع من: العُطّاف بن خالد، ويوسف بن الماجشون، وإبراهيم بن سعد، وعبد العزيز الدَّرَاوَرْديّ، ومحمد بن إبراهيم بن دينار، وطائفة.
وعنه: الجماعة، لكن ن. بواسطة، وبَقِيّ بن مَخْلَد، وأبو زُرْعة الرّازيّ، ومُطَيَّن، وخلْق آخرهم موتا إبراهيم بن عبد الصَّمد الهاشميّ.
ذكره الزُّبَير بن بكّار فقال: هو فقيه أهل المدينة غير مدافَع.
تُوُفّي في رمضان سنة اثنتين وأربعين على القضاء، وله اثنتان وتسعون سنة.
__________
1 لسان الميزان "1/ 327"، والمغني في الضعفاء "1/ 63".
2 الجرح والتعديل "2/ 43"، والعبر "1/ 436"، والتهذيب "1/ 20، 21".

(18/116)


قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: ثنا عبد الله بْن محمد بْن الفضل الصَّيْداويّ قال: أتى قوم أَبَا مُصْعَب الزُّهْرِيّ فقالوا: إنّ قِبَلَنا ببغداد رَجُلٌ يقول: لفظه بالقرآن مخلوق. فقال: هذا كلامُ خبيثٍ نبَطَيّ.
وقال أبو محمد بْن حزم: آخر ما رُوِيَ عن مالك موطأ أبي مصعب وموطأ أبي حذافة. وفي هذين الموطأين نحوٌ من مائة حديث زائدة، وهي آخر ما روى عن مالك. فهذا دليل على أنه كان يزيد فِي الموطأ أحاديث بلغته فيما بعد، أو كان أغفلها ثُمَّ أَثْبَتَها. وهكذا يكون العُلماء رحمهم اللَّه.
قلت: أمّا أبو حُذافة فهو أحمد بْن إسماعيل السَّهْميّ الْمَدَنِيّ، سيأتي فِي الطبقة الآتية. وقد سمعتُ مُوَطّأ أبي مُصَعَب على ابن عساكر، بإجازته من المؤيد، وبين المؤَيَّد، وبين أبي مُصْعَب أربعةُ أنفس، وهذا فِي غاية العُلُوّ، ولله الحمد.
قال الدارقطني: أبو مصعب ثقة فِي الموطأ. وقدمه علي يحيى بْن بكير.
وقال أبو عُمَر بْن عَبْد البَرّ: قال الزُّبَيْر بْن بكار: كان أبو مُصْعَب على شَرِطة عُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن عبد الله الهاشميّ عامل المأمون على المدينة، وولي القضاء. ومات وهو فقيه أهل المدينة غير مدافَع.
قال أبو زُرْعة، وأبو حاتم: صدوق.
قال ابن عَبْد البَرّ: مات سنة إحدى وأربعين ومائتين.
قلت: ما علمتُ فِيهِ جرحةً، ولا ذكر إلا فِي الثّقات.
لكنْ قال أحمد بْن أبي خيثمة: لا تكتب عن مُصْعَب، واكتب عمَّن شئت.
قال ابن الذَّهَبيّ: أراه نهاه عن الأخْذ عَنْهُ، لكونه على القضاء، والله أعلم.
وقد ذكره ابن عساكر فِي النُّبْل فقال فِيهِ: أحمد بْن أبي بكر زرارة.
فقد أَخْبَرَنَا ابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ أَبِي رَوْح: أَنَا زاهر، أَنَا الكَنْجَروديّ، أَنَا أبو أحمد الحاكم، أَنَا أَبُو عَبْد اللَّه محمد بْن إِبْرَاهِيم بْن زياد الطَّيَالِسِيُّ: ثنا أبو مصعب أحمد بْن أبي بَكْر الزُّهْرِيّ، وسألناه عن اسم أبيه فقال: لا نعرف له اسمًا.
53- أحمد بن أبي سُرَيج الصّبّاح النَّهْشَليّ1 -خ. د. ن- وقيل أحمد بن
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 56"، وتاريخ بغداد "4/ 205"، والتهذيب "1/ 44".

(18/117)


عمر بن الصّبّاح، أبو جعفر الرّازيّ البغدادي.
قرأ القرآن على أبي الحَسَن الكِسائيّ، وأقرأه.
وسمع: شُعَيب بن حرب، وأبا معاوية الضّرير، وابن عُلَيّة، ووَكِيعا، وجماعة.
وعنه: خ. د. ن، وأبو بكر بن أبي داود، وأهل الرِّيّ.
وقرأ عليه: العبّاس بن الفضل الرّازيّ.
وقال النَّسائيّ: ثقة.
وروى عنه أيضا: أبو زُرْعة، وأبو حاتم.
وقال أبو حاتم: صدوق.
54- أحمد بن أبي عبيد الله السليمي البصري الوراق1 -ت. ن- اسم أبيه بِشْر.
عن: يزيد بن زريع، وسلم بن قتيبة، وعمر المقدمي.
وعنه: ت. ن، وقال: ن. ثقة؛ والحسن بن عُلَيْل.
55- إبراهيم بن الحارث الأنصاريّ2.
أبو إسحاق العُباديّ. ومن ولد عُباده بن الصّامت.
بغداديُّ جليل نزل طَرَسُوس مُرابِطا.
كان الإمام أحمد بن حنبل يحترمه ويعظّمه، وكان هو يُفْتي بحضرة أبي عبد الله فيُعجبه ويقول: جزاك الله يا أبا إسحاق خيرا.
روى عن: مُصْعَب الزُّبَيْريّ، وجماعة.
وأكبر شيخ له عليّ بن عاصم.
روى عنه: أبو بكر الأثرم، وحرب بْن إِسْمَاعِيل الكرماني، وأبو بَكْر بْن أبي داود.
__________
1 التهذيب "1/ 60"، وخلاصة التذهيب "9".
2 تاريخ بغداد "6/ 55، 56"، وتهذيب التهذيب "1/ 113".

(18/118)


56- إبراهيم بن الحسين بن خالد1.
الفقيه أبو إسحاق الأندلسيّ القُرْطُبيّ المالكيّ.
رحل وحجّ ولقي مُطَرِّف بن عبد الله، وعليّ بن مَعْبَد، وعبد الله بن هشام، وغيرهم.
وصنَّف تفسيرا للقرآن، وكان بصيرا بالفقه.
ولي أحكام الشرطة ببلده.
ومات في رمضان سنة تسعٍ وأربعين.
57- إبراهيم بن حمزة الرَّمْليّ البّزاز2 -د- عن: ضمرة بن ربيعة، وزيد بن أبي الزّرقاء.
وعنه: د، وعَبْدان الأهوازيّ، وأبو بكر بن أبي داود.
58- إبراهيم بن خالد المروزي الجرميهني3.
الحافظ المعروف بالبطيطي.
بلغنا عن بُنْدار أنه قال: حُفّاظ الدّنيا أربعة، وكلُّهم غلماني: إبراهيم الجرميهني، وأبو زرعة، والدّارميّ.
مات سنة خمسين.
59- إبراهيم بن زياد البغداديّ الصّائغ4.
عن: سُفْيان بن عُيَيْنَة، وابن عُلَيَّة.
وعنه: أبو حاتم الرازيّ، وابن صاعد، وداود بن سليمان، وغيرهم.
وكان ثقة.
__________
1 وتاريخ علماء الأندلس "1/ 8" لابن الفرضي، وجذوة المقتبس "153" للحميدي.
2 تهذيب الكمال "2/ 76"، والتهذيب "1/ 34".
3 الجرح والتعديل "2/ 97"، واللباب لابن الأثير "1/ 273".
4 الجرح والتعديل "2/ 100".

(18/119)


أمّا:
60- إبراهيم بن زياد البغداديّ الخيّاط1.
عن شريك، وجماعة، فشيخ أقدام من هذا. كتب عنه أبو حاتم أيضا.
61- إبراهيم بن سعد الجوهري2 -د. ت. ن. ق- أبو إسحاق البغدادي. طبريّ الأصل، صاحب حديث.
سمع: سُفْيان بن عُيَيْنَة، وعبد الوهّاب الثّقفيّ، وابن فُضَيْل، ووَكِيعا، وأبا ضَمْرة، وأبا أُسامة، وأبا معاوية، وطائفة.
وعنه: الجماعة سوى البخاريّ، وأبو الْجَهْم المَشْغَرانيّ، وابن جَوْصا، وأبو طاهر الحسن بن فِيل، وأبو عَرُوبة الحَرَّانيّ، ومحمد بن عليّ الحكيم التِّرْمِذيّ ويحيى بن صاعد، وخلق.
وروى النَّسائيّ في كتاب، خصائص علي -رضي الله عنه، عن زكريّا السِّجْزِيّ، عنه، وقال: هو ثقة.
وقال عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر بْن خاقان السُّلَميّ: سَأَلت إبراهيم بْن سَعِيد الْجُوهريّ، عن حديث لأبي بكر الصديق فقال لجاريته: أخرجي لي الجزء الثالث والعشرين من مسند أبي بكر.
فقالت له: لا يصحّ لأبي بَكْر خمسون حديثًا، من أَيْنَ ثلاثة وعشرون جزءًا؟ فقال: كلّ حديث لا يكون عندي من مائة وجهٍ، فأنا فِيهِ يتيم.
قال الخطيب: كان مكثرًا ثقة ثبتًا، صنَّف المُسْنَد.
وقال إبراهيم الهَرَويّ: كان أبوه ثقة محتشمًا نبيلا، حجّ مرةً، فحجّ معه أربعمائة نفس، منهم هُشَيْمٌ، وإسماعيل بْن عيّاش، وكنتُ أنا منهم.
اختلف في موت إبراهيم، فقيل: سنة أربع، وقيل سنة سبْعٍ، وقيل: سنة تسعٍ وأربعين، وقيل: سنة ثلاثٍ وخمسين.
مات بعَيْن زَرْبَة مُرابَطا، رحمه الله. وكان حَجّاج بن الشّاعر يليّنه بلا حُجّة.
__________
1 تاريخ بغداد "6/ 76"، والجرح والتعديل "2/ 101".
2 الجرح والتعديل "2/ 104"، وتهذيب تاريخ دمشق "2/ 213"، والتهذيب "1/ 123-125".

(18/120)


62- إبراهيم بن سفيان الزبادي1.
اللُّغَويّ النَّحْويّ، أحد أئمّة العربيّة بالعراق.
أخذ عن: الأصمعيّ، وغيره.
وهو من ولد زياد بن أبيه أمير الكوفة. ذكره يعقوب بن السكّيت فقال: هو نسيج وحده.
قلت: وقد ذكره الوزير ابن القفطي في تاريخ النُّحاة.
63- إبراهيم بْن سلام2.
أبو إسحاق الْمَكِّيّ، مَوْلَى بْني هاشم.
روى عن: الدَّرَاوَرْديّ، والفُضَيل، وسعيد بن سالم القدّاح، ويحيى بن سليم.
وعنه: أبو الأحوص العكبري، وابن صاعد، وابن خزيمة.
قال أبو أحمد الحاكم: ربما روى ما لا أصل له.
64- إبراهيم بن العبّاس بن محمد بن صُول3.
مولى يزيد بن المهلَّب بن أبي صُفْرة، أبو إسحاق الصُّوليّ البغداديّ الأديب، أحد الشّعراء المشهورين والكُتّاب المذكورين.
له ديوان مشهور؛ وكان جدّه صول المجوسيّ ملك جُرْجان، فأسلم على يد يزيد.
سمع الصُّوليّ من: عليّ بن موسى الرضا.
روى عنه: أبو العبّاس ثعلب، وغيره.
وكان موصوفا بالبلاغة والبراعة والنَّظْم والشِّعْر.
قال دِعْبِل الخُزاعيّ: لو تكسّب إبراهيم بْن الْعَبَّاس بالشِّعْر لَتَرَكَنَا فِي غير شيء.
ومن نثْره عن الخليفة: أما بعد، فإن أمير المؤمنين.
__________
1 كشف الظنون "501، 1427، 1467"، والفهرس "58"، وبغية الوعاة "181".
2 ميزان الاعتدال "1/ 36"، ولسان الميزان "1/ 64".
3 تاريخ بغداد "6/ 117، 118"، مرآة الجنان "2/ 143".

(18/121)


أناةً فإنْ لم تُغْن أعقَب بعدها ... وعبدًا فإن لم يُغْن أغنت عزائمه
والسلام.
تُوُفّي في شَعْبان سنة ثلاث وأربعين بسامَرّاء.
65- إبراهيم بن عبد الله المَرْوَزِيّ الخلال1 -ن.
عن: عبد الله بن المبارك.
وعنه: ن، والحَسَن بْن سُفْيان، وعبد اللَّه بْن محمد المَرْوَزيّ.
وثقة ابن حبان.
وتوفي سنة إحدى وأربعين.
66- إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي2 -ت. ق.
أبو إسحاق الحافظ، نزيل بغداد.
سمع: إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّناد، وهُشَيما وعبد العزيز الدَّرَاوَرْديّ، وطبقتهم.
وعنه: ت. ق، وابن أَبِي الدُّنيا، وجعفر الفريابي، وأبو يعلى الموصلي، وأحمد بن فرج المقرئ، وأحمد بن الحسين الصوفي، وموسى بن هارون، وخلق سواهم.
وكان صالحا زاهدا متعففا دائم الصيام، إلا أن يدعوه أحد فيُفْطِر.
وكان من أعلم النّاس بحديث هُشَيْم، وأثبتهم فيه.
قَالَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ: نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا إِسْمَاعِيلُ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لا عَدْوَى وَلا هَامَةَ وَلا نَوَّ وَلا صَفَرَ" 3 نَوٌّ: مِنَ الأَنْوَاءِ.
__________
1 التهذيب "1/ 132"، والكاشف "1/ 39"، والثقات "8/ 75".
2 تاريخ بغداد "6/ 118-120"، وميزان الاعتدال "1/ 39".
3 "صحيح": أخرجه مسلم "2220"، وأبو داود "3912".

(18/122)


قال صالح جَزَرَة عَنْهُ: ما مِن حديث هُشَيْمٌ إلا وقد سمعه عشرين مرّة وأكثر، وكنت أُوقفه. كنت سمعت منه مع سَعِيد الجوهريّ والد إبراهيم.
قال صالح: أعلم الناس بحديث هُشَيْمٌ: عَمْرو بْن عون، وإبراهيم بن عبد الله الهَرَويّ.
وقال ابن مَعِين: أصحاب هُشَيْمٌ محمد بْن الصّبّاح الدُّولابيّ، وإبراهيم الهَرَويّ، وإبراهيم أحسنهما.
وقال أبو دَاوُد: إبراهيم بْن عبد الله الهَرَويّ ضعيف.
وقال النَّسائيّ: لَيْسَ بالقويّ.
تُوُفّي فِي رمضان سنة أربعٍ وأربعين، عن بضع وتسعين سنة.
67- إبراهيم بن عبد الله بن خالد المِصِّيصيّ1.
عن: وَكِيع بن الجرّاح، والحارث بن عطيّة، وحَجّاج الأعور.
وعنه: عُبَيْد بن الهيثم الحلبيّ، وعلي بن موسى الرَّبعيّ.
ضعّفه ابن حِبّان، وغيره. وله عجائب.
68- إبراهيم بن عبد الله بن صَفْوان النَّصْريّ الدّمشقيّ الحمّاد2.
عمّ الحافظ أبي زُرْعة.
روى عن: ابن وهْب، وضَمْرة بن ربيعة، والهيثم بن عِمران.
روى عنه: أبو زُرْعة، وولده محمود بن أبي زُرْعة، وسليمان بن محمد الخُزاعيّ، وآخرون.
69- إبراهيم بن عبد الله بن المُنذر الباهليّ الصَّنْعانيّ3 -ت- روى عن: وَكِيع، وَيَعْلَى بن عُبَيْد، والمقرئ، وعبد الرّزّاق.
وعنه: ت، ومحمد بن إسماعيل السلمي الترمذي.
__________
1 ميزان الاعتدال "1/ 40"، والضعفاء والمتروكين لابن الجوزي "1/ 40"، ولسان الميزان "1/ 71".
2 تهذيب تاريخ دمشق "2/ 226".
3 التهذيب "1/ 137"، والكاشف "1/ 41".

(18/123)


70- إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي الفياض1.
أبو إسحاق البرقي الفقيه.
يروى عن: ابن وهْب، وأشهب.
أخذ النّاس عنه بمصر.
ومات سنة خمس وأربعين.
قال ابن يونس: له مناكير.
71- إبراهيم بن عَوْن بن راشد2.
أبو إسحاق السَّعديّ الأصبهانيّ المَدِينيّ.
سمع: ابن عُيَيْنَة، وَوَكِيعا، وعُبَيْد الله بن موسى.
وعنه: محمد بن أحمد الأبْهَريّ، ومحمد بن أحمد بن يزيد.
قال أبو نُعَيْم الحافظ: كان من خيار النّاس.
72- إبراهيم بن عيسى الأصبهانيّ الزّاهد3.
صاحب معروف الكَرْخيّ.
روى عن: شَبّابة بن سَوّار، وأبي داود الطَّيالِسيّ.
وعنه: أحمد بن محمد البزّاز.
قال أبو الشّيخ: كان خيرا عابدا فاضلا، لم يكن بإصبهان في زمانه مثله.
ومن دعائه: اللهم إنْ كُنت مُدْخِلي النار فعظم خلقي فيها حتى لا يكون لأمّة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ- فيها موضعًا.
ومن الرُّواة عَنْهُ: النَّضْر بن هشام.
توفي سنة سبع وأربعين.
__________
1 لسان الميزان "1/ 76"، والأنساب لابن السمعاني "2/ 159".
2 ذكر في طبقات المحدثين بإصبهان لأبي الشيخ "2/ 277-279".
3 الجرح والتعديل "2/ 117"، وحلية الأولياء "10/ 393".

(18/124)


وقيل: إن أَبَا الْعَبَّاس بْن مسروق رَأَى هذا يمشى على الماء.
73- إبراهيم بن محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب التَّميميّ1.
أمير القيروان، وابن أمرائها؛ أبو أحمد.
كان حسن السّيرة، كثير العطاء، ميمون الطَّلْعة.
بنى بإفريقيّة حصونا كثيرة منيعة، واشترى العبيد والسّلاح. وأمِنت البلاد في أيّامه.
مات في ذي القعدة سنة تسعٍ وأربعين. وبعده ولي زيادة الله ابنه.
74- إبرهيم بن محمد بن عبد الله2 -د. ن- أبو إسحاق التيمي المعمري. قاضي البصْرة.
ثقة.
عن: ابن عُيَيْنَة، ويحيى القطّان، وابن داود الخُرَيْبيّ.
وعنه: د. ن، وأبو حامد الحضرميّ، وابن دُرَيْد، وأبو رَوْق الهِزّانيّ.
تُوُفّي في ذي الحجّة سنة خمسين.
وكان من كبار العلماء.
75- إبراهيم بن محمد بن يوسف بن سرج الفريابي3 -ق- نزيل القدس. ما هو بابن صاحب الثَّوريّ.
سمع: الوليد بن مسلم، وضّمرة بن ربيعة، وأيّوب بن سُوَيْد.
وعنه: ق، وأبو بكر بن أبي عاصم، والفِرْيابيّ، وابن قُتَيْبة العسقلانيّ، وبِقَيّ بْن مَخْلَد، وخلْق.
قَالَ أَبُو حاتم: صدوق.
__________
1 الوافي بالوفيات "6/ 104، 2535".
2 التقريب "1/ 56"، وتاريخ بغداد "6/ 151"، والثقات "4/ 5".
3 الجرح والتعديل "2/ 131"، والمعجم المشتمل "69" لابن عساكر.

(18/125)


76- إبراهيم بن المستمرّ1.
أبو إسحاق البصْريّ العُرُوقيّ.
عن: أبيه، وأبي داود، وأبي عامر العَقَديّ، وجماعة.
وعنه: د. ن. ق، وأبو عيسى التِّرْمِذيّ في الشّمائل، وأبو بكر بن خُزَيْمة، وخلق كثير.
وكان أحد الثّقات.
77- إبراهيم بن مكتوم المَصَاحِفيّ2.
حدَّث بالبصرة في هذا الوقت عن: أبي داود الطَّيالِسيّ، وعبد الصّمد بْن عَبْد الوارث.
وعنه: ابن صاعد، وأبو رَوْق الهِزّانيّ.
وكان صدوقا.
78- إبراهيم بن هارون البلخي العابد3 -ن- عن: حامد بن إسماعيل، وداود بن الجّراح.
وعنه: ن، والتِّرْمِذيّ في شمائله، ومحمد بن عليّ التِّرْمِذيّ الحكيم، ومحمد بن عليّ بن طرْخان.
79- إبراهيم بن هاشم بن عُبَيْد الله.
أبو إسحاق بن أبي صالح الثَّقفيّ المَرْوَزيّ، قاضي نَيْسابور.
عن: النَّضْر بن شُمَيْل، ورَوْح بن عُبادة.
وكان قَدَريّا.
روى عنه جماعة.
مات سنة ست وأربعين.
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 2/ 140"، والتهذيب "1/ 164".
2 الجرح والتعديل "2/ 139"، والثقات "8/ 84".
3 التهذيب "1/ 176"، وخلاصة تذهيب "23".

(18/126)


80- إبراهيم بن الإمام يحيى بن المبارك اليَزِيديّ1.
العلامة أبو إسحاق. بصْريّ نزل بغداد. وكان رأسا في الأدب.
سمع من: الأنصاريّ، والأصمعيّ.
وله مصنَّف يَفتخر به اليزيديّون، وهو ما اختلف معناه واتفق لفظه، نحو من سبعمائة ورقة.
يرويه عنه: عبد الرحمن بن عبد المؤمن، وجماعة.
81- إبراهيم بن يوسف الحضْرميّ الكِنْديّ الكوفيّ الصَّيْرفيّ2.
عن: حفص بن غِياث، وأبي بكر بن عيّاش.
وعنه: ابن صاعد، وقاسم المطِّرز، وعليّ التّابعيّ.
وثّقة ابن حِبّان.
مات سنة تسعٍ وأربعين.
82- أزهر بن مروان الرَّقاشيّ البصري النواء3 -ت. ق- يلقب فريخ.
عن: حمّاد بن زيد، وعبد الوارث، والحارث بن نبهان، ومحمد بن سواء.
وعنه: ت. ق، وعبدان، وأبو بكر بن أبي عاصم، وموسى بن هارون.
تُوُفّي سنة ثلاثٍ وأربعين.
83- إسحاق بن أبي إسرائيل إبراهيم بن كامَجْر المَرْوَزِيّ4 -د. ن- نزيل بغداد أبو يعقوب الحافظ.
عن: شَرِيك، وحمّاد بن زيد، وكثير بن عبد الله الأيْليّ، وخلْق.
ورأى زائدة.
وعنه: د، ون. بواسطة، وهارون الحمّال، والبخاريّ في كتاب الأدب، وابن
__________
1 تاريخ بغداد "6/ 209، 210"، الأغاني "18/ 17".
2 الجرح والتعديل "2/ 148"، وميزان الاعتدال "1/ 76"، وخلاصة تذهيب التهذيب "24".
3 أخبار القضاة "1/ 68" لوكيع، والتهذيب "1/ 205".
4 الطبقات لابن سعد "7/ 353"، والجرح والتعديل "2/ 210"، والتهذيب "1/ 223".

(18/127)


ناجية، وأبو بكر أحمد بن عليّ المَرْوَزيّ، وأبو يَعْلَى المَوْصليّ، وأحمد بن القاسم أخو أبي اللّيث الفرائضيّ، وأبو العبّاس السّرّاج، وخلْق.
وروى قراءة عليّ بن ضمرة الكِسائيّ، عنه. وقرأه ابن عامر، عن الوليد بن مَسْلَمَة، عن الذّماريّ، عنه.
قَالَ أحمد بن زُهير، عن ابن مَعِين: ثقة1.
وقال عثمان الدّارِميّ، عن ابن مَعِين: ثقة2.
ثُمَّ قال عثمان: لم يكن عثمان أظهر الوقف حين سَأَلت ابن مَعِين عَنْهُ.
وقال أبو القاسم البَغَويّ: كان ثقة مأمونًا، إلا أنّه كان قليل العقل.
وقال صالح جَزَرَة: صدوق، إلا أنّه كان يقول: القرآن كلام اللَّه، ويقف3.
وقال السّرّاج: سمعتُ إسحاق بْن أَبِي إسرائيل يقول: هؤلاء الصِّبيان يقولون: كلام اللَّه غير مخلوق. ألا قَالُوا كلام اللَّه وسكتوا. ويشير إلى دار أحمد بْن حنبل.
قال إسحاق بْن دَاوُد: قال أحمد بْن حنبل: تجَّهمَ ابن أبي إسرائيل بعد تسعين سنة. فقال محمد بْن يحيى الْمَكِّيّ: ذكرتُ لأبي عبد الله إسحاقَ بْنَ أبي إسرائيل فقال: ذاك أحمق.
وقال إسحاق بْن إبراهيم بْن هانئ: سمعتُ أَبَا عبد الله أحمد بْن حنبل، ذَكَر ابن أبي إسرائيل فقال: بعد طلبه للحديث وَكَثْرة سماعه شكَّ، فصار ضالا شكَّاكًا.
وقال أبو حاتم الرّازّي4: كتبتُ عَنْهُ فوقفَ فِي القرآن، فوقفنا عَنْ حديثه.
وقد تركه النّاس حَتَّى كنت أمُرُّ بمسجده وهو وحيد لا يقربه أحد، بعد أن كان النّاس إليه عُنقًا واحدا.
قال شاهين بْن السَّمِيدَع العَبْديّ: سمعت أحمد بن جنبل يقول: إسحاق بن أبي
__________
1 تاريخ بغداد "6/ 358".
2 انظر المصدر السابق.
3 تاريخ بغداد "6/ 360".
4 الجرح والتعديل "2/ 210".

(18/128)


إسرائيل واقفي مشئوم، إلا أنّه صاحب حديثٍ كيس1.
وقال زكريا الساجي: وتركوا إسحاق بن أبي إسرائيل لموضع الوقف، كان صدوقًا.
وقال الْحُسَيْن بْن إسماعيل الفارسيّ: سَأَلت عَبْدُوس بْن عبد الله النَّيسابوريّ عن إسحاق بْن أبي إسرائيل فقال: كان حافظًا جدًا ولم يكن مثله فِي الحفظ والورع.
فقلت: كان يُتَّهم بالوقف؟ قال: نعم.
وقال أحمد بْن أبي خيثمة: قال لي مُصْعَب الزُّبَيريّ: نَاظَرَني إسحاق بْن أبي إسرائيل فقال: لا أقول كذا ولا أقول غير ذا، يعني فِي القرآن. فناظَرْتُه فقال: لم أقل فِي الشّك ولكنّي أسكت كما سكت القومُ قبلي.
وقال مُوسَى بْن هارون: مولده سنة خمسين ومائة.
وقال الْبُخَارِيّ، وأحمد بْن عُبَيْد اللَّه الثقفي، وابن قانع: مات سنة خمسٍ وأربعين ومائتين2.
زاد ابن قانع: فِي شعبان.
وقال البَغَويّ، وعليّ بن أحمد بن النَّضْر: مات سنة ست.
زاد البَغَويّ: في شَعْبان بسامرّاء.
وقع لي من عوالي ابن أبي إسرائيل.
84- إسحاق بن إبراهيم بن داود البصْريّ السَّوّاق3 -ق- عن: يحيى القطّان، وعبد الرحمن بن مهديّ، وأبي عاصم.
وعنه: ق، والفضل بن الحسن الأهوازيّ، وعبد الرحمن بن محمد بن حماد الطهراني.
85- إسحاق بن الأخيل الحلبي4.
__________
1 تاريخ بغداد "6/ 359، 360".
2 الثقات لابن حبان "8/ 117".
3 تهذيب التهذيب "1/ 213"، والمعجم المشتمل "73".
4 الجرح والتعديل "2/ 213".

(18/129)


عن: مبشر بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيُّ، وجماعة.
وعنه: أبو بكر بن أبي داود.
86- إسحاق بْن مُوسَى بْن عَبْد اللَّه بْن مُوسَى بْن عَبْد الله بن يزيد الأنصاري الخطمي1 -د. ت. ن. ق.
أبو موسى المدني الفقيه، نزيل سامرّاء. ثمّ قاضي نيسابور.
سمع: ابن عُيَيْنَة، وعبد السّلام بن حرب، ومعن بن عيسى، وجماعة.
وكان فاضلا صاحب سنة.
ذكره أبو حاتم الرازيّ وأطنبَ في الثّناء عليه وروى عنه، وبَقِيّ بن مَخْلَد، والفِرْيابيّ، وابن خُزَيْمة، وابنه موسى بن إسحاق الخطْميّ.
قيل: إنّه تُوُفيّ بجوسية مِن أعمال حمص سنة أربع وأربعين.
وثّقه النَّسائيّ.
وكثيرًا ما يقول التِّرْمِذيّ: ثنا الْأَنْصَارِيّ. وهو هذا.
وقد تفرد بحديث رواه عنه النسائي، وابن ناجية، وطائفة. قال: ثنا معن، نا مالك، عن عبد الله بْن إدريس، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أبيه: قال: بعث عُمَر إلى عبد الله بْن مَسْعُود، وإلى أبي الدَّرْداء، وإلى أبي مَسْعُود فقال: ما هذا الحديث الَّذِي تُكْثِرون عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فحبسهم فِي المدينة حَتَّى استُشْهِد.
87- إسحاق بن يوسف الْجُرْجانيّ الدَّيْلَمانيّ2.
سمع: ابن عُيَيْنَة، وحفص بن عمر العَدَنيّ.
وعنه: ابنه عبد الله، وعقيل بن يحيى.
وثّقة أبو نُعَيْم الأصبهانيّ.
ومات سنة خمسٍ وأربعين.
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 235"، والتهذيب "1/ 251"، والبداية والنهاية "1/ 251".
2 أخبار إصبهان لأبي نعيم "1/ 216".

(18/130)


88- إسماعيل بن بَهْرام الوشّاء الخزّاز الخَبْذَعيّ1 الكوفيّ.
سمع: عبد العزيز الدراوردي، ومعلَّى بن هلال، وعبيد الله الأشجعي.
وعنه: ق، وبقيّ بن مَخْلَد، وأبو داود السجستاني، ومطَيَّن، والحسن بن سفيان.
قال أبو حاتم: صدوق.
وقال غيره: مات سنة إحدى وأربعين.
89- إسماعيل بن تَوْبة الثَّقَفيّ الرّازيّ2.
نزيل قزوين، أحد الثِّقات الرّحّالة.
سمع: فُضَيْل بن عِياض، وإسماعيل بن جعفر، وخلف بن خليفة، وهشيم بن بشير.
وعنه: ق، والحسن بن إسحاق التُّسْتَريّ، وعبد الله بن وهب الدينوري، وأهل قزوين.
قال أبو حاتم: صدوق.
توفي سنة سبع وأربعين.
90- إسماعيل بن حفص3.
أبو بكر الأبلي البصري القطان.
سمع: معتمر بن سليمان، وأبا بكر عياش، وطبقتهما.
وعنه: ن. ق، وأبو بكر بن عاصم، وعَبْدان، وابن خُزَيْمَة، وجماعة.
91- إسماعيل بن خزيمة بن المغيرة السلمي النيسابوري.
سمع من: عبد الرزاق، وغيره.
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 161"، وتاريخ جرجان للسهمي "367"، وميزان الاعتدال "1/ 224".
2 الجرح والتعديل "2/ 162"، والتهذيب "1/ 286".
3 تهذيب الكمال "3/ 62، 63"، وميزان الاعتدال "1/ 227".

(18/131)


وعنه: ابن أخيه أبو بكر بن إسحاق، ومحمد بن ياسين بن النضر.
وكان ثقة.
92- إسماعيل بن زياد البلخي الأزدي1.
عن: ضمرة بن ربيعة، وغيره.
مات سنة ست وأربعين.
93- إسماعيل بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ2.
أبو عبد الله، وأبو الحسن القرشي العبدري الرقي الفقيه المعروف بالسكري. قاضي دمشق.
روى عن: عُبَيْد الله بن عَمْرو، وأبي المَلِيح الحَسَن بن عمر، وَيَعْلَى بن الأشدق، وابن المبارك، وأبي إسحاق الفزاري، وبقية، وعيسى بن يونس، وجماعة.
وعنه: ق، وأبو يَعْلَى المَوْصِليّ، ومحمد بن هشام بن ملاس، ومحمد بن محمد الباغَنْديّ، وآخرون.
وثقة الدَّارَقُطْنيّ.
وقال أبو حاتم: صدوق.
قال ابن الفَيْض الدّمشقيّ: ولّي أحمد بْن أبي دؤاد على قضاء دمشق إسماعيل بْن عبد الله السكري في سنة ثلاث وثلاثين، فأقام قاضيا إلى أن وَلِيَ القضاء للمتوكّل يحيى بْن أكثم، فعزل إسماعيل محمد بْن هاشم بْن ميسرة3.
قلت: لم يذكره ابن عساكر فِي شيوخ النُّبْل، وذكر بدله سميّه: إسماعيل بْن عبد الله بْن زرارة الرقي، وقال: رُوِيَ عَنْهُ ق، وروي ن. عن رجلٍ، عَنْهُ.
قال لنا الحافظ أبو الحجاج: رُوِيَ ق. خمسة أحاديث قال فيها: ثنا إسماعيل بْن عبد الله الرقي، وإنما هُوَ السكري لا ابن زرارة. لأن ابن زرارة مات سنة تسع
__________
1 التاريخ الكبير "1/ 355"، وميزان الاعتدال "1/ 231".
2 الجرح والتعديل "2/ 181"، والتهذيب "1/ 307"، والميزان "1/ 136".
3 تهذيب الكمال "3/ 116".

(18/132)


وعشرين، وإنما رحل بعد الثلاثين1.
قال إبراهيم بْن أيّوب الحَوْرانيّ: قلت لإسماعيل بْن عبد الله القاضي: بَلَغَني أنّك كنت صوفيّا، مَن أَكَلَ من جُرابك كِسْرةً افتخر بها.
فقال: حَسْبُنا اللَّه ونِعْمَ الوكيل2.
وقال أبو الحَسَن علي بن الحسن بن علاة الحرّانيّ: مات إسماعيل بن عبد الله السُّكّريّ بعد الأربعين، وكان يُرمَى بالتّجهُّم.
94- إسماعيل بن عَمرو.
أبو محمد المصريّ الفقيه، صاحب أشهب.
يروى عن: ابن وهْب، وعبد الملك بن الماجِشُون، وغيرهما.
وروى عنه جماعة آخرهم عبد الحَكَم بن أحمد الصّدَفيّ.
تُوُفّي في رجب سنة ثمان وأربعين، قاله ابن يونس.
95- إسماعيل بن الفضل3.
أبو إبراهيم الشّالَنْجيّ، قاضي جُرْجان.
روى عن: إسماعيل بن جعفر، وسُفْيان بن عُيَيْنَة، وجماعة.
وعنه: أحمد بن مُعَاذ السُّلَميّ، وابن مُجَاشِع السّخْتيانيّ، وأهل جُرجان.
تُوُفّي سنة ست وأربعين.
96- إسماعيل بن مسعود4 -ن- أخو الصَّلْت بن مسعود الْجَحْدَرِيّ البصْريّ.
عن: يزيد بن زُرَيْع، ومعتمر بن سليمان التَّيْميّ، وبشْر بن المفضّل.
وعنه: ن، والفِرْيابيّ، ومحمد بن جرير، وجماعة.
__________
1 انظر المصدر السابق.
2 تهذيب تاريخ دمشق "3/ 26".
3 الأنساب لابن السمعاني "7/ 260".
4 الجرح والتعديل "2/ 200"، والتهذيب "1/ 331".

(18/133)


قال النَّسائيّ: ثقة.
وتُوُفّي سنة ثمانٍ وأربعين.
97- إسماعيل بن موسى الفَزَاريّ1 -د. ت. ق- ابنُ ابنةِ إسماعيل السُّدّيّ. أبو محمد، وقيل: أبو إسحاق.
كوفيّ، ثقة، شيعيّ متوالي.
سمع: عمر بن شاكر، ومالك بن أنس، وشَرِيك بن عَبْد الله، وعبد الرَّحْمَن بن أَبِي الزّناد، وجماعة.
وعنه: د. ت. ق، وأبو عَرُوبة الحرّانيّ، وابن خُزَيْمَة، وطائفة كبيرة وأما ابن أبي حاتم فقال: سمعتُ أبي يقول: سَأَلْتُهُ عن قرابته من السُّدّيّ، فأنكر أن يكون ابن ابنته، وإذا قرابته منه بعيدة2.
قال أبو حاتم: صدوق. سمعته يقول: سمَّتني أمّي باسم السُّديّ.
قلت: توفي سنة خمس وأربعين، وشيخه عُمَر بْن شاكر يروي عن أنس بن مالك. وقبل: إنّه كان يغلو ويسُبّ.
قال عَبْدان الأهوازيّ: أنكر علينا أبو بَكْر بْن أبي شَيبة أو هناد ذهابنا إلى إسماعيل بن موسى. وقال: أيش عملتم عند هذا الفاسق الَّذِي يشتم السَّلَف؟ رواها ابن عديّ عَنْهُ وقال: أوصَلَ عن مالك حديثين، وتفرَّد عن شَريك بأحاديث. وإنَّما أنكر غُلُوَّه فِي التَّشَيُّع.
وقال عليّ بْن محمد بْن كاس الحنفيّ القاضي، وهو ثقة: ثنا عليّ بْن جَعْفَر الرُّمانيّ، نا إسماعيل ابن بِنْت السُّدّيّ قال: كنتُ فِي مجلس مالك، فَسُئِلَ عن فريضةٍ، فأجاب بقول زيد. فقلت: ما قال فيها علي وابن مَسْعُود.
فأومأ إلى الحجبة، فلما هموا بي عدوت وأعجزتهم، فقالوا: ما نصنع بكتبه ومحبرته؟ قال: اطلبوه برفق.
__________
1 التهذيب "1/ 335"، والجرح "2/ 196".
2 الجرح "2/ 196".

(18/134)


فجاءوا إلي، فجئت معهم، فقال مالك: من أين أنت؟ قلت: كوفي.
قال: فأين خلفت الأدب؟ قلت: إنما ذاكرتك لأستفيد.
فقال: إن عليا وعبد الله لا يُنْكَر فضلُهُما، وأهل بلدنا على قول زَيْدُ بْن ثابت. وإذا كنتَ بين قومٍ فلا تبدأهم بما لا يعرفون، فيبدو لك منهم ما تركه.
98- إسماعيل بن يوسف1.
أبو عليّ الدَّيْلميّ الزّاهد الحافظ.
روى شيئا عن: مجاهد بن موسى.
وأخذ عن: أحمد بن حنبل.
وكان شابا يتوقَّد ذكاءً، لم يشتهر لموته صغيرا.
قال الدّارَقُطْنيّ: هو بغداديّ، زاهد ورِع، فاضل، ثقة.
قلت: وكان يسهر في طاحون بثلاث دراهم.
كتب عَنْهُ: الْحَسَن بْن أبي العنبر، والعبّاس بْن يوسف الشَّكليّ.
قال أبو الحُسَين بن المنادي: ذُكِر لي أنّه كان يحفظ أربعين ألف حديث، وكان مشهورا بالزُّهد. وكان مَكْسَبُه من المُساهَرَة في الأَرْحاء، رحمه الله.
وقد رآه محمد بن مخلد العطار.
99- أصْبَغُ بنُ دِحْية الصَّدفيّ المصريّ2.
عن: رِشْدين بن سعد، وعبد الله بن وهْب.
وعنه: ابنه جَرْوَل.
تُوُفّي سنة خمس وأربعين ومائتين.
__________
1 تاريخ بغداد "6/ 274-276"، وطبقات الحنابلة "1/ 107، 108" لأبي يعلى، والوافي بالوفيات "9/ 245".
2 ميزان الاعتدال "1/ 270"، والمغني في الضعفاء "1/ 92".

(18/135)


100- أيوب بن محمد ب أيوب الهاشمي البصري1 -ق- المعروف بالقلب.
عن: عبد الواحد بن زياد، وعبد القاهر بن السَّرِيّ، وأبي عَوَانة.
وعنه: ق، وابن أبي الدُّنيا، والحسن بن سفيان، وزكريا الساجي، وعلي بن سعيد بن بشير الرازي.
101- أيوب بن عافية بن أيوب البصري.
يروي عن: ابن وهْب، ووالده عافية.
تُوُفّي في شَعْبان سنة ستٍ وأربعين. قاله ابن يونس.
102- أيّوب بن عليّ بن الهيصم بن أيّوب بن مسلم2.
الكِنانيّ الفلسطينيّ.
سمع: زياد بن سيّار.
وعنه: سليمان بن محمد بن الفضل، وأبو بكر بن أبي داود، وأحمد بن جوصا، وآخرون.
قال أبو حاتم: شيخ.
وجده الأعلى مُسْلِم هُوَ أخو أبي قُرْصافة من أبيه.
103- أيّوب بن محمد بن زياد بن فروخ3 -د. ن- أبو سليمان الرقي الوازن. مولى بني هاشم.
سمع: أبا إسحاق الفَزَاريّ، ومعّمر بن سليمان، ومروان بن معاوية، وابن عُلَيَّة.
وعنه: د. ن، وأبو عَرُوبة، وأبو بكر بن أبي داود، وأهل الجزيرة.
وكان يزن القطن.
وثقه النسائي، وغيره.
مات في ذي القعدة سنة تسعٍ وأربعين ومائتين.
__________
1 تهذيب الكمال "3/ 489"، والتهذيب "1/ 410".
2 الجرح والتعديل "2/ 252".
3 المعرفة والتاريخ "2/ 457"، ومروج الذهب "3067"، والتهذيب "1/ 411".

(18/136)


"حرف الباء":
104- بَرَكَةُ بن محمد الحلبيّ1.
أبو سعيد الأنصاريّ.
عن: مروان بن معاوية، ويوسف بن أسباط، وعليّ بن بكّار، ومبشّر بن إسماعيل.
وعنه: أبو نَشِيط محمد بن هارون، وأبو الحسين عَبْد اللَّه بْن محمد بْن يونس السّمْنانيّ، وموسى بن محمد الأنطاكيّ، وأحمد بن زكريّا البصْريّ شاذان، وعمر بن محمد الهمدانيّ، وآخرون.
قال الدَّارَقُطْنيّ: كذّاب يضع الحديث.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أَبَا الْحُسَيْن السّمْنانيّ يقول: نظر صالح بْن الأشرس فِي بعض حديثي، عن بركة فقال: ليس هذا بركة، هذا عقوبة.
105- بِسْطام بن جعفر الأزْديّ المَوْصِليّ2.
عن: مالك، وحمّاد بن زيد، وإبراهيم بن أبي يحيى.
وعنه: أحمد بن حمدون، وإبراهيم بن عليّ المَوْصِليّان.
تُوُفّي سنة اثنتين وأربعين.
106- بِشْر بن بشّار البغداديّ3.
عن: يزيد بن هارون، وداود بن المحبّر.
وعنه: ابن أبي الدُّنيا، والحسن بن الحُباب، وأبو العبّاس السراج، وغيرهم.
107- بشر بن معاذ العقدي4 -ت. ن. ق- أبو سهل البصري الضرير.
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 433"، والميزان "1/ 303".
2 الثقات لابن حبان "8/ 155".
3 تاريخ بغداد "7/ 84" "3519".
4 الجرح والتعديل "2/ 368"، والتهذيب "1/ 458".

(18/137)


عن: إبْرَاهِيم بْن عَبْد العزيز بْن عَبْد الملك بْن أبي محذورة الْجُمَحيّ، وأبي عَوَانة، ومرحوم بن عبد العزيز العطّار، وعبد الواحد بن زياد، وحمّاد بن زيد، وهُشَيْم، ومعتمر، وطائفة.
وعنه: ت. ن. ق، وأبو بكر البزّار، وعمر بن محمد بن بُجَير، والقاسم المطرِّز، وابن خزيمة، وآخرون.
وثقة ابن حبان وقال: مات سنة خمس وأربعين أو في حدودها.
قلت: كان من أبناء التسعين.
108- بشر بن هلال1 -م. ع- أبو محمد النميري البصري الصواف.
عن: جعفر بن سليمان الضُّبَعيّ، وعبد الوارث، ويزيد بن زُرَيْع، وعليّ بن مُسْهِر، وداود بن الزِّبْرَقان.
وعنه: ع. سوى البخاريّ، وبَقِيّ بن مَخْلَد، وإسحاق المَنْجنيقيّ، وعَبْدان الأهوازيّ، ومحمد بن عليّ الحكيم، وابن خُزَيْمَة، وآخرون.
قال أبو حاتم: محلُّه الصِّدق. وكان أيقظ من بِشْر بن مُعَاذ.
وقال ابن أبي عاصم: مات سنة سبعٍ وأربعين.
109- بُغا الكبير2.
أبو موسى التّركيّ، أحد قُوّاد المتوكّل وأكبرهم.
كان موصوفا بالشّجاعة والإقدام، وله همّة عالية وهيبَة، وَوَقْعٌ في النُّفوس.
وله فتوحات ووقعات.
وكان مملوكا للحَسَن بن سهل الوزير. وكان يحمق ويجهل في رأيه، وقد باشر عدّة حروب وما جُرح قطّ. وكان فيه دِين وإسلام.
طال عمره وعاش نحوا من ستّين سنة، وتوفي سنة ثمان وأربعين.
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 369"، ورجال صحيح مسلم "1/ 87" لابن منجويه، والتهذيب "1/ 462".
2 تاريخ الطبري "8/ 609"، دول الإسلام "1/ 149".

(18/138)


110- بكْر بن محمد بن عديّ بن حبيب1.
أبو عثمان المازنيّ البصْريّ النَّحْويّ، وهو بكنيته أشهر.
أخذ عن: أبي عبيدة، والأصمعي.
وصنف التصانيف المشهورة في العربية والتصريف.
روى عنه: الحارث بن أبي أسامة، وأبو عمران موسى بن سهل الجوني، وأبو العباس محمد بن يزيد المبرد.
ولزمه المبرد وأكثر عنه.
وقد دخل على الواثق فوصله بجملة.
توفي سنة سبع، أو ثمان وأربعين.
وكان المبرد يقول: لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان الْمَازِنِيِّ.
قال المبرّد: قال أبو عثمان الْمَازِنِيِّ: قرأ علي رَجُل كتاب سيبويه فِي مدة طويلة، فلما بلغ أخره قال: أما إنّي ما فهمتُ منه حرفًا، وأمّا أنت فجزاك اللَّه خيرًا.
وقال الْمَازِنِيِّ: قرأت القرآن على يعقوب، فلما ختمت رمى إلي بخاتمه وقال: خذه، ليس لك مثل.
وكان الْمَازِنِيِّ ذا دينٍ وورع. قيل: إنّ يهوديًا أتاه ليقرأ عليه كتاب سِيبَوَيْه وبذل له مائة دينار، فامتنع وقال: هذا الكتاب يشتمل على ثلاثمائة آية ونيّف، ولستُ أمكِّنُ منه ذِمِّيّا.
وقال بكّار بْن قُتَيْبَةَ القاضي: ما رَأَيْت، نحْويّا يشبه الفقهاء إلا حبان بن هلال، والمازني.
وقال المبرّد: كان الْمَازِنِيِّ إذا ناظر أهل الكلام لم يستعِن بشيء من النَّحْو، وإذا ناظَره النُّحاة لم يستعن بشيءٍ من الكلام.
وعن الْمَازِنِيّ قال: حضرت مجلس المتوكّل، وحضر يعقوب بْن السِّكّيت، فقال: تكلَّما فِي مسألة.
__________
1 مشاهير علماء الأمصار "153"، ومعجم الأدباء "2/ 380"، والبداية "10/ 302"، والتهذيب "12/ 178".

(18/139)


فقلت: تكلَّما فِي مسألة.
فقلت ليعقوب: ما وزن نَكْتَل؟ فقال: نفعل.
قلت: اتَّئِدْ.
ففكّر وقال: نفتعل.
قلت: نكتل أربعة أحرف، ونفتعل خمسة.
فسكت.
فقال المتوكّل: ما الجواب؟ قلت: وزنها فِي الأصل نفتعِل لأنّها نكتيل، فلمّا تحرّك حرف العِلَّة، وانفتح ما قبله، وقُلِب ألفا، فصارت نكتال، ثُمَّ حُذِفت الألف للجزْم، فبقيت نَكْتَلْ.
فقال المتوكلْ: هذا هُوَ الحقّ.
فلمّا خرجنا قال يعقوب: بَالغْتَ اليوم فِي أذاي.
قلت: لم أقصدك بسوء1.
وقيل: إن جاريةً غنَّت الواثق:
أَظَلُومٌ إنّ مُصابكم رجلا ... أهدى السّلام تحيّةً ظلْمٌ
فقال بعض الحاضرين: رجل، بالرفع.
فقالت: هكذا لقنني الْمَازِنِيِّ.
فطلبه الواثق فقال: إن معناه إن إصابتكم رجلا كقوله إن ضربك زَيْدا فالرجل مفعول، وظلم هُوَ الخبر.
قال: فأعطاني الواثق ألف دينار.
111- بكر بن النّطّاح2.
من أعيان الشعراء. كان في هذا الزمان.
__________
1 وفيات الأعيان "6/ 397، 398" في ترجمة "ابن السكيت".
2 الأغاني "19/ 39-52"، وحياة الحيوان "3/ 196"، وتاريخ بغداد "7/ 90، 91"، وفوات الوفيات "1/ 146-148".

(18/140)


"حرف التاء":
112- تميم بن المنتصر بن تميم بن الصلت1 -د. ن. ق- أبو عبد الله الهاشمي مولى ابن عبّاس، أبو عبد الله الواسطيّ.
عن: سُفْيان بن عُيَيْنَة، وإسحاق الأزرق، ومحمد بن يزيد الواسطيّ، وأبي هَمّام بن الزّبْرقان، ويزيد بن هارون، وطائفة.
وعنه: سِبْطاه: أسْلَم بن سهل الحافظ بَحْشَل، وخليل بن أبي دانة، ود. ن. ق، وبَقِيّ بن مَخْلَد، وجعفر الفِرْيابيّ، ومحمد بن جرير الطبري، ومحمود بن محمد الواسطي، وآخرون.
وكان محدثا ثقة.
مات سنة أربع وأربعين.
"حرف الجيم":
113- جابر بن كردي الواسطي2.
عن: يزيد بْن هارون، وسعيد بْن عامر الضُّبَعيّ.
وعنه: محمد بن جرير، وابن صاعد.
قال النسائي: لا بأس به.
114- الجارود بن معاذ السلمي الترمذي3 -ت. ن- أبو معاذ، وأبو داود.
عَنْ: جرير بْن عَبْد الحميد، وسُفْيَان بْن عُيَيْنَة، وأبي خالد الأحمر، والفضل بن موسى السِّينانيّ، والوليد بن مسلم، ووَكِيع، و ... وطائفة.
وعنه: ت. ن، وابنه محمد بن الجارود، ومحمد بن عليّ الحكيم التِّرْمِذيّ، وأحمد بن عليّ الأبّار، ومحمود بن محمد المَرْوَزِيّ، وطائفة.
قال النسائي: ثقة.
__________
1 تاريخ الطبري "1/ 15، 16"، والتهذيب "1/ 514".
2 تاريخ بغداد "7/ 238"، والتهذيب "2/ 44".
3 التهذيب "2/ 53"، والثقات "8/ 166".

(18/141)


قال ابن عساكر: مات سنة أربع وأربعين.
115- جبارة بن المغلس1 -ق- أبو محمد الحماني الكوفي.
عن: شبيب بن شبّة، وأبي بكر النَّهْشَليّ، وأبي شَيْبة إبراهيم بن عثمان العبْسيّ، وعبد الأعلى بن أبي المُسَاوِر، وعُبَيْد بن وسيم الجمّال، وقيس بن الربيع، وأبي عَوَانَة، وطائفة.
وعنه: ق، وابن أخيه أحمد بن الصلت الحِمّانيّ، وبَقِيّ بن مَخْلَد، والحسين بن إدريس الهَرَويّ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ومطين، ومحمد بْن عثمان بْن أَبِي شيبة، والحَسَن بن سُفْيان، وأبو يَعْلَى المَوْصِليّ، والحسين بن بحر البَيْرُوذِيّ، وعَبْدان، وطائفة.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: عرضت على أبي أحاديث سمعتها من جبارة فأنكر بعضها وقال: هذه موضوعة.
وقال البخاريّ: مضطّرب الحديث.
وقال أبو معين الحسين بن الحسن الرازي عن ابن مَعِين: كذّاب.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ: ما هو ممّن يكذب. كان يوضع له الحديث فيُحدّث به.
قال البخاريّ: مات بالكوفة سنة إحدى وأربعين.
وقال مُوسَى بْن هارون: وقد قارب الأربعين.
116- الجرّاح بن عبد الله بن الفَرَج التُّجَيْبيّ2.
مولاهم المصريّ.
سمع من: ابن وهْب مع يونس بن عبد الأعلى.
قَالَ ابن يونس: تُوُفِّيَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ.
__________
1 الطبقات لابن سعد "6/ 415"، والنجوم الزاهرة "2/ 306"، وشذرات الذهب "2/ 98".
2 المعرفة والتاريخ "1/ 593" للفسوي.

(18/142)


117- الجرّاح بن مَخْلَد العِجْليّ البصْريّ القزّاز1 -ت- عن: مُعّاذ بن هشام، ورَوْح بن عُبَادة، وأبي داود الطَّيالِسيّ، ووهْب بن جرير، وسَلْم بن قُتَيْبَة، وجماعة.
وعنه: ت، وأبو داود في كتاب القَدر، والبخاريّ في التاريخ، وأبو بكر بن أبي عاصم، وأبو بكر بن أبي داود، وابن صاعد، ومحمد بن الحسين بن مكرم، وأبو عروبة، وعبدان، وآخرون.
وكان ثقة.
118- جعفر المتوكّل على الله2.
أمير المؤمنين أبو الفضل بْن المعتصم بالله أَبِي إِسْحَاق محمد بْن هارون الرشيد القرشي العبّاسيّ البغداديّ.
وُلِدَ سنة خمسٍ ومائتين، وبُويع فِي ذي الحجّة سنة اثنتين وثلاثين بعد الواثق. وقيل: بل وُلِدَ سنة سبْعٍ ومائتين.
حكي عن: أبيه، ويحيى بْن أكثم.
وعنه: علي بن الجهم الشاعر، وغيره.
وكان أسمر، مليح العينين، نحيف الجسم، خفيف العارضين، إلى القصر أقرب3. وأمه أمّ ولد اسمها: شُجاع.
قال خليفة: استخلف المتوكّل، فأظهر السنة، وعمل بها فِي مجلسه، وكتب إلى الآفاق برفع المحنة وإظهار السنة، وَبَسَطَها ونصر أهلها، يعني محنة خلْق القرآن. وقد قدِم دمشق فِي صفر سنة أربعٍ وأربعين وعزم على المُقام بها وأعجبته، ونقل دواوين المُلْك إليها. وأمر بالبناء بها. وأمر للأتراك بما أرضاهم من الأموال، وبنى قصرا كبيرًا بدَارَيّا من جهة المزة.
__________
1 الجرح والتعديل "2/ 524"، والثقات "8/ 164".
2 المعارف "393" لابن قتيبة، وتاريخ بغداد "7/ 165-172"، والروض المعطار للحميري "17، 112"، ومرآة الجنان "2/ 154"، وذم الهوى "268" لابن الجوزي.
3 راجع تاريخ بغداد "7/ 172".

(18/143)


قال عليّ بْن الْجَهْم: كانت للمتوكّل جُمّة إلى شحمة أُذُنَيه كأبيه وعمّه.
وقال ابن أبي الدّنيا: أمّ المتوكّل أم ولد اسمُها شجاع1.
وقال الفَسَويّ: بُويع له لستٍّ بقين من ذي الحجّة. خرج من دمشق المتوكّل بعد إقامة شهرين وأيّام، ورجع إلى سامرّاء دار ملكه على طريق الفُرات، وعرّج من الأنبار.
وقيل: إنّ إسرائيل بْن زكريّا الطبيب نعتَ له دمشق، وأنها توافق مزاجَه وتُذْهِبُ عَنْهُ العِلَل التي تَعْرِض له فِي الصَّيْف بالعراق.
وقال خليفة: حجّ المتوكّل بالنّاس قبل الخلافة فِي سنة سبْعٍ وعشرين.
وكان إبراهيم بْن محمد التيَّمِيُّ قاضي البصرة يقول: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق يوم الردة، وعمر بْن عبد العزيز فِي ردّ مظالم بني أُميّة، والمتوكّل فِي مَحْو البِدَع وإظهار السنة2.
وقال يزيد بْن محمد المهلَّبيّ: قال لي المتوكّل: يا مُهَلَّبيّ، إنّ الخلفاء كانت تتصعَّب على النّاس ليطيعوهم، وأنا ألين لهم ليحبّوني ويُطيعوني3.
وحكى الأعسم أنّ عليّ بْن الْجَهْم دخل على المتوكّل وبيده دِرَّتان يقلِّبهما، فأنشده قصيدةً له يقول فِيها:
وإذا مررت ببئر عر ... وة فاسْقني من مائها
قال: فَدَحَا إليَّ بالدرّة، فقلَّبتها، فقال: تستنقص بها! وهي والله خيرٌ من مائة ألف.
قلت: لا والله، ولكنّي فكّرت فِي أبياتٍ أعملها آخذ بها الأخرى.
فقال: قُلْ.
فقلت:
بِسُرّ مَن رَأَى إمامٌ عدل ... تغرف من بحره البحار
__________
1 تاريخ بغداد "7/ 166".
2 تاريخ بغداد "7/ 170".
3 الإنباء في تاريخ الخلفاء "117"، وتاريخ الخلفاء للسيوطي "352".

(18/144)


يُرْجَى ويُخْشَى لكلّ خَطْب ... كأنّه جنّةٌ ونارُ
المُلْكُ فِيهِ وفي بنيه ... ما اختلف اللّيل والنهارُ
يداه فِي الْجُود صرّتان ... عليه كِلتاهما تغارُ
لم تأتِ منه اليمينُ شيئًا ... إلا أتت مثلَها اليسارُ1
قال: فدحا التي فِي يساره وقال: خُذْها، لَا بارَكَ اللَّه لك فِيها.
قَالَ الخطيب أبو بَكْر: ورُويت هذه الأبيات للبُحْتَريّ فِي المتوكّل2.
وعن مروان بْن أبي الْجَنُوب أنّه مدح المتوكّل، فأمر له بمائة ألفٍ وعشرين ألفًا، وبخمسين ثوبًا.
وقال علي بْن الْجَهْم: كان المتوكّل مشغوفًا بقبيحةٍ لا يصبر عَنْها، فوقفت له يومًا وقد كَتَبَتْ على خدّها بالغالية جَعْفَر. فتأمّلها ثُمَّ أنشأ يقول:
وكاتبةٍ فِي الخد بالمِسْك جعفرًا ... بنفسي مَحَطُّ المِسْكِ من حيثُ أثَّرا
لَئِنْ أَوْدَعَتْ سطرًا من المِسْك خدَّها ... لقد أَوْدَعَتْ قلبي من الحبّ أَسْطُرا3
قد ورد عن المتوكّل شيء من الحديث.
ويقال: إنّه سلَّم عليه بالخلافة ثمانيةٌ كلّ واحدٍ منهم أَبُوهُ خليفة: مَنْصُورٌ بْن المهديّ، والعبّاس بْن الهادي، وأبو أحمد بْن الرشيد، وعبد اللَّه بْن الأمين، وموسى بْن المأمون، وأحمد بْن المعتصم، ومحمد بْن الواثق، وابنه المنتصر ابن المتوكّل.
وكان جوادًا ممدحًا؛ ويقال: ما أعطى خليفةٌ شاعرًا ما أعطى المتوكّل.
وفيه يقول مروان بن أبي الجنوب:
فأمْسِك نَدَى كفّيك عنّي ولا تزد ... فقد خفت أن أطعنى وأن أتجبّرا
فقال: لا أُمْسِك حَتَّى يُغرقك جودي.
__________
1 تاريخ بغداد "7/ 167".
2 انظر السابق.
3 راجع الأغاني "19/ 311"، والنجوم الزاهرة "2/ 325".

(18/145)


وقد بايع بولاية العهد ولَده المنتصر، ثُمَّ إنّه أراد أن يعزله ويولّي المعتزّ أخاه لمحبّته لأمّه قبيحة، فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد، فأبى. وكان يُحضِره مجالس العامّة، ويحطّ منزلته ويتهدّده، ويشتمه ويتوعَّده.
واتّفق أن التُّرْك انحرفوا عن المتوكّل لكونه صادَر وصِيفًا وبُغا، وجرت أمور، فاتّفق الأتراك مع المنتصر على قتل أَبِيهِ. فدخل عليه خمسةٌ فِي جوف اللّيل وهو فِي مجلس لَهْوه فِي خامس شوّال، فقتلوه سنة سبَعٍ وأربعين.
وورد أنّ بعضهم رآه فِي النّومِ، فَقَالَ لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ: غُفِر لي بقليل من السنة أَحْيَيَتُها1.
وقد كان المتوكّل منهمكًا فِي اللَّذّات والشُّرْب، فلعلّه رُحِمَ بالسنة، ولم يصحّ عَنْهُ النَّصْب2.
قال المسعوديّ: ثنا ابن عَرَفَة النَّحْويّ، ثنا المبرّد قال: قال المتوكّل لأبي الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر الصّادق: ما يقول ولدُ أبيك فِي الْعَبَّاس؟ قال: ما تقولُ يا أمير المؤمنين فِي رَجُلٍ فَرَض اللَّه طاعة نبيّه على خلُقه، وافترض طاعته على نبيّه.
وكان قد سُعي بأبي الْحَسَن إلى المتوكًل، وإنّ فِي منزله سلاحًا وكتبًا من أهل قُمّ، ومِن نيّته التَّوَثُّب. فكبس بيته ليلا، فوُجِد فِي بيتٍ عليه مدرّعة صوف، متوجّه إلى ربّه يقوم بآيات. فَأُخِذ كهيئته إلى المتوكل وهو يشرب، فأعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس فقال: ما خامر لحمي ودمي قطّ، فاعفِني منه.
فأعفاه وقال: أنشِدْني شِعْرًا. فأنشده.
باتوا على قُلَل الأجبالَ تحرسهم ... غُلْبُ الرجال ولم تنفعهم الْقُللُ3
الأبيات.
فبكى لله المتوكّل طويلا، وأمَر برفع الشّراب، وقال: يا أَبَا الْحَسَن لقد ليَّنت هنا
__________
1 تاريخ بغداد "7/ 170".
2 النصب: مصطلح يعرف به الجماعة الذين تعصبوا على الإمام علي -رضي الله عنه- يعني بهم من انتصبوا لعداوة الإمام علي وشيعته.
3 الشاهد في مروج الذهب "4/ 94" بنحوه.

(18/146)


قلوبًا قاسية. أعليك دَيْنٌ؟ قال: نعم، أربعة آلاف دينار.
فأمر له وردّه مكرَّمًا.
وحكى المسعوديّ أنّ بُغا الصّغير دعا بباغِر التُّركيّ، وكان باغر أهوج مِقْدامًا، فكلَّمه واختبره فِي أشياء، فوجده مُسارِعًا إليها، فقال: يا باغر هذا المنتصر قد صحّ عندي أنّه عامِلٌ على قتْلي، وأريد أن تقتله، فكيف قلبك؟ ففكّر طويلا ثُمَّ قال: هذا لا شيء، كيف نقتله وأبوه، يعني المتوكّل، باقٍ، إذا يقتلكم أَبُوهُ.
قال: فما الرأي عندك؟ قال: نبدأ بالأب.
قال: ويْحك، وتفعل؟ قال: نعم، وهو الصّواب.
قال: انظر ما تقول.
وردّد عليه، فوجده ثابتًا، ثُمَّ قال له: فادخل أنت على أثري فإن قتلتُه وإلا فاقتُلْني وضَعْ سيفَك عليَّ وقُلْ: أراد أن يقتل مولاه.
فتمّ التّدبير لبُغا فِي قتل المتوكّل.
حدَّث البُحْتُريّ قال: اجتمعنا فِي مجلس المتوكّل، فَذُكِر له سيف هِنْديّ، فبعث إلى اليمن فاشْتُرَى له بعشرة آلاف وأُتي به فأعجبه، ثُمَّ قال للفتح: ابغِني غلامًا أدفع إليه هذا السّيف لا يفارقْني به.
فأقبل باغر التُّرْكيّ، فقال الفتح بْن خاقان: هذا موصوف بالشّجاعة والبسالة فدفع المتوكّل إليه السِّيف وزاد فِي أرزاقه، فوالله ما انتضى ذلك السّيف إلى ليلة ضَرَبَه بها باغر. فلقد رَأَيْت من المتوكّل فِي اللّيلة التي قُتِل فيها عَجَبًا.
تذاكَرْنا الكِبْر، فأخذ يذمُّه ويتبرّأ منه. ثُمَّ سجد وعفَّر وجهه بالتّراب، ونثر من التّراب على رأسه ولِحْيَته وقال: إنّما أَنَا عَبْدٌ.
فتطيّرت له من التّراب. ثُمَّ جلس للشُّرْب، وعمل فِيهِ النّبيذ، وَغَنَّى صوتًا أعجبّه فبكى، فتطيّرت من بكائه. فإنّا فِي ذلك إذ بَعَثَتْ إليه قبيحة بخلُعة استَعْمَلَتْها له دُرَاعة حمراء خَزّ، ومُطْرَف خَزّ، فلبِسها، ثُمَّ جذب المطرف فخرقه من طرفه إلى طرفه وقلعه وقال: اذهبوا ليكون كَفَني.
فقلت: إنّا لله، انقضت والله المدّة، وسكر المتوكّل سكرًا شديدًا، ومضى من

(18/147)


اللّيل ثلاثُ ساعات، إذ أقبلَ باغر ومعه عشرة نفر من الأتراك تبرق أسيافهم فهجموا علينا، وقصدوا المتوكّل. وصعِد منهم واحدٌ إلى السّرير، فصاح الفتح: ويلكم مولاكم. وتهارب الغلْمان والْجُلَساء والنُّدَماء على وجوههم، وبقي الفتح وحده، فما رَأَيْت أقوى نَفْسًا منه، بقي يمانعهم، فسمعتُ صيحة المتوكّل وقد ضربه باغَر بالسّيف المذكور على عاتقه، فَقَدَّه إلى خاصِرته، وضربه آخرٌ بالسّيف، فأخرجه من ظهره، وهو صابر لا يزول، ثُمَّ طرح نفسه على المتوكّل، فماتا فلُفّا فِي بساطٍ، وطُرِحا ناحية، فلم يزالا فِي ليلتهما وعامّة النهار، ثُمَّ دُفِنا معًا.
وكان بُغا الصغير قد استوحش من المتوكّل لكلامٍ لَحِقَه منه. وكان المنتصر يتألف الأتراك لا سيّما مَن يبعده أَبُوهُ1.
قال المسعوديّ: ونُقِل فِي قِتْلته غير ما ذكرنا.
قال: وأنفق المتوكّل على الهارونيّ والْجَوْسَق والْجَعْفَريّ أكثر من مائتي ألف ألف دِرهم.
ويقال: إنه كان له أربعة آلاف سرية وطئ الجميع؛ ومات وفي بيت المال أربعة آلاف ألف دينار، وسبعة آلاف دِرهم. ولا يُعلمُ أحدٌ متقدّم فِي جِدٍّ أو هَزْل إلا وقد حظي بدولته، ووصل إليه نصيب وافرٌ مِن المال2.
ذكر محمد بْن أبي عَوْن قال: حضرت مجلس المتوكّل وعنده محمد بْن عبد الله بْن طاهر، فغمز المتوكّل مملوكًا مليحًا أن يسقى الْحُسَيْن بْن الضّحّاك الخليع كأسًا ويحييه بتُفّاحة عنبر. فأنشأ الخليع يقول:
وكالدرة البيضاء حيا بعنبر ... من الورد يسعى قرائط كالوردِ
له عَبَثاتٌ عند كلّ تحيّة ... بعينيه تستدعي الخَليَّ إلى الوجْدِ
تمّنيتُ أن أُسْقَى بكفّيه شُرْبةً ... تُذَكّرُني ما قد نسِيتُ من العهد
سقى اللَّه دَهْرًا لم أبِتْ فِيهِ ساعةً ... من الدَّهْرِ إلا من حبيبٍ على وعد
__________
1 ورد هذا الخبر في مروج الذهب "4/ 118-121".
2 مروج الذهب "4/ 122" وما بعدها.

(18/148)


فقال المتوكل: أحسنت والله؛ يعطى لكل بيت ألف دينار1.
ولما قتل رثته الشعراء، فمن ذلك قول يزيد المهلبي:
جاءت مَنيته والعينُ هاجعة ... هلا أَتَتْهُ المَنَايا والقنا قِصَدُ
خليفة لم يَنَلْ ما ناله أحدٌ ... ولم يُصَغْ مثله روحٌ ولا جَسَدٌ2
قال علي بْن الجهم: أهدى ابن طاهر إلى المتوكل وصائف عدة فيها محبوبة، وكانت عالمة بصنوف من العلم عوادة، فحلت من المتوكل محلا يفوق الوصف. فلما قتل ضمت إلى بغا الكبير، فدخلت عليه يوما للمنادمة، فأمر بهتك الستر، وأمر القيان، فأقبلن يرفلن فِي الحلى والحلل. وأقبلت محبوبة فِي ثياب بيض، فجلست منكسرة، فقال: غن. فاعتلت. فأقسم عليها. وأمر بالعود فوضع فِي حجرها، فغنت ارتجالا على العود:
أي عيش عيلذ لي ... لا أرى فِيهِ جعفرا
ملِك قد رَأَيُتُه ... فِي نجيعٍ معُفرا
كل مَن كان ذا خبـ ... ـال وسُقْمٍ فقد بَرَا
غير محبوبة التي ... لو ترى الموتُ يُشترا
لاشترته بما حَوَتْهُ يداها لتُقْبرا
فغضب وأمر بها فسحبت، فكان آخر العهد بها3.
وبويع المنتصر بالله ابن المتوكل صبيحتئذ بالقصر الجعفري، وسنه ثلاث وعشرون سنة.
119- الجمّاز اسمه محمد بن عَمْرو الشّاعر النّديم4. من أهل البصرة.
__________
1 انظر المصدر السابق.
2 مروج الذهب "4/ 124".
3 مروج الذهب "4/ 127".
4 تاريخ الطبري "9/ 189"، والأذكياء لابن الجوزي "134، 141، 152"، ووفيات الأعيان "2/ 351".

(18/149)


عُمِّر دهرا، وكان يقول: أَنَا أسنُّ من أبي نُوَاس1.
طلبه المتوكلّ، فلمّا حضر قال: إني أريد أن استبرئك.
فقال: بحَيْضةٍ يا أمير المؤمنين أم بحَيْضَتَين؟ ثُمَّ عبث به ابن خاقان، فقال: إنّ أميرَ المؤمنين قد عزم على أن يولّيك جزيرةَ القرود.
قال: أَفَعَلَيْكَ سمعٌ وطاعة2؟.
ومرَّ مع رفيقٍ له المغرب، فرآهما إمامٌ فشرعَ يقيم الصّلاة، فقال: اصبر، أما نَهْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ تلّقي الْجَلب3.
وحضر عند أمير سِماطًا، فبقي يحوّل إليه زبادي فارغة وناقصة فقال: أيّها الأمير نَحْنُ اليومُ عصبة ربّما فضل لنا شيء، وربّما حوّله أهلُ السّهام.
"حرف الحاء":
120- الحارث بن أسد المُحَاسِبيّ4.
أبو عبد الله البغداديّ الصّوفيّ الزّاهد، العارف، صاحب المصنَّفات في أحوال القوم.
روى عن: يزيد بن هارون، وغيره5.
وعنه: أبو العبّاس بن مسروق، وأحمد بن القاسم أخو أبي اللَّيْث، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبّار الصُّوفيّ، والْجُنيد رحمه الله، وإسماعيل بن إسحاق السّرّاج، وأبو عليّ بن خيْران الفقيه واسمه حسين.
قال الخطيب: وله كُتُب كثيرة فِي الزُّهد، وأصول الديانة، والرد على المعتزلة والرافضة6.
__________
1 تاريخ بغداد "3/ 125".
2 انظر المصدر السابق.
3 انظر المصدر السابق.
4 تاريخ بغداد "8/ 211-216"، والزهد للبيهقي "149"، والأعلام "2/ 153".
5 سير أعلام النبلاء "10/ 100".
6 انظر المصدر السابق.

(18/150)


قال الْجُنَيْد: مات والدُ الحارث يوم مات، وإنّ الحارث لَمُحْتَاجٌ إلى دانِق، وخلّف مالا كثيرا، فما أخذ منه الحارث حبة وقال: أهلُ ملَّتين لا يتوارثان. وكان أَبُوهُ واقفيّا1، يعني يقف في القرآن لا يقول: مخلوق، ولا غير مخلوق2.
وقال أبو الْحَسَن بْن مُقْسِم: سمعت أَبَا عليّ بْن خيران الفقيه يقول: رَأَيْت الحارث بْن أسد بباب الطّاق متعلّقا بأبيه، والنّاس قد اجتمعوا عليه يقول له: طلّق أمي، فإنّك على دينٍ وهي على غيره3.
وقال أبو نُعَيّم: أنبأنا الخلدي: سمعت الجندي يقول: كان الحارث يجيء إلى منزلنا فيقول: اخرج معنا نُصْحِر.
فأقول: تُخْرجني من عُزْلتي وأمْني على نفسي إلى الطُّرُقات والآفات ورؤية الشَّهَوات؟ فيقول: أخرج معي ولا خوف عليك.
فأخرج معه. فكأنّ الطريق فارغ من كلّ شيء، لا نرى شيئًا نكرهه. فإذا حصلتُ معه فِي المكان الَّذِي يجلس فِيهِ يقول: سَلْني.
فأقول: ما عندي سؤال.
ثُمَّ تَنْثَالُ عليَّ السؤالات، فأسأله فيجيبني للوقت، ثُمَّ يمضي فيعملها كُتُبًا.
وكان يقول لي: كم تقول عُزْلتي أُنسي، لو أنّ نصف الخلق تقرّبوا منّي ما وجدتُ بهم أُنْسًا، ولو أنّ النّصف الآخر نأى عنّي ما استوحشت لبُعْدِهم.
واجتاز بي الحارث يومًا، وكان كثير الضّرّ، فرأيتُ على وجهه زيادة الضّرّ من الجوع. فقلت: يا عمُّ، لو دخَلْتَ إلينا؟ قال: أوَ تَفعَل؟
قلت: نعم، وتَسُرّني بذلك.
فدخلتُ بين يديه، وعمدت إلى بيت عمّي، وكان لا يخلو من أطْعِمة فاخرة، فجئت بأنواع من الطّعام، فأخذ لُقْمةً، فرأيته يلوكها ولا يَزْدَرِدها. فوثب وخرج وما كلَّمني. فلمّا كان من الغد لقيته فقلت: يا عمّ، سَرَرْتني، ثم نغصت علي. قال: يا
__________
1 "الواقفية": هم الذين يقفون في مسألة خلق القرآن، فلا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق.
2 سير أعلام النبلاء "10/ 100".
3 انظر المصدر السابق.

(18/151)


بُنيّ أمّا الفاقة فكانت شديدة، وقد اجتهدتُ أن أنال من الطّعام، ولكن بيني وبين اللَّه علامة، إذا لم يكن الطّعام رَضيّا ارتفع إلى أنفي منه زَفْرة1، فلم تقبلْه نفسي؛ فقد رميت بتلك اللُّقْمة فِي دِهْليزكم2.
وقال ابن مسروق: قال حارث المحاسبيّ: لكلّ شيء جوهر، وجوهر الإنسان العقل، وجوهر العقل التَّوفيق.
قال: وسمعت الحارث يقول: ثلاثة أشياء عزيزة: حُسن الوجه مع الصيانة، وحُسن الخَلْق مع الدِّيانة، وحُسن الإخاءِ مع الأمانة3.
ومن كلامه: تَرْكُ الدُّنيا مع ذِكرها صفة الزّاهدين. وتَرْكها مع نسيانها صفة العارفين4.
وقد كان الحارث كبير الشّأن قليل المِثْل، لكنّه دخل في شيء يسير من الكلام، فنقموه عليه.
قال أحمد بْن إسحاق الصِبْغيّ الفقيه: سمعت إسماعيل بْن إسحاق السّرّاج يقول: قال لي أحمد بْن حنبل:
يبلغني أنّ الحارث هذا يُكِثر الكَوْن عندك، فلو أحضرتَه منزلَكَ وأجلستني من حيث لا يراني، فأَسْمَع كلامَهُ.
فقصدت الحارث، وسألته أن يحضرنا تلك اللّيلة، وأن يُحضِر أصحابَه.
فقال: فيهم كثرة، فلا تُزِدْهم على الكُسْبِ والتَّمر.
فأتيت أَبَا عبد الله فأعلمته، فحضر إلى غرفةٍ واجتهد فِي وِرْده، وحضر الحارث وأصحابه فأكلوا، ثُمَّ صلُّوا العتمة، ولم يصلُّوا بعدها، وقعدوا بين يدي الحارث لا ينطقون إلى قرب نصف اللّيل. ثُمَّ ابتدأ رَجُل منهم، فسأل عن مسألة، فأخذ الحارث فِي الكلام، وأصحابه يستمعون وكأن على رءوسهم الطَّير، فمنهم مَن يبكي، ومنهم مَن يحنّ، ومنهم من يزعق، وهو في كلامه.
__________
1 وفي تهذيب الكمال "5/ 211": "زفورة".
2 حلية الأولياء "10/ 74"، و"صفة الصفوة" "2/ 368".
3 صفة الصفوة "2/ 367".
4 الزهد الكبير "149، 312" للبيهقي.

(18/152)


فصعدتُ الغرفة لأتعرَّف حال أبي عبد الله، فوجدته قد بكى حَتَّى غُشِي عليه، فانصرفتُ إليهم. ولم تزل تلك حالهم حَتَّى أصبحوا فقاموا وتفرّقوا، فصعدت إلى أَبِي عبد الله وهو متغيّر الحال، فقلت: كيف رَأَيْت هؤلاء يا أَبَا عبد الله؟ فقال: ما أعلم أنّي رَأَيْت مثل هؤلاء القوم، ولا سمعت فِي علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل، ومع هذا فلا أرى لك صُحْبتهم. ثُمَّ قام وخرج.
رواها أبو عبد الله الحاكم، عن الصِبْغيّ1.
وقال سَعِيد بْن عمرو البَرْدعيّ: شهدتُ أَبَا زُرْعة، وَسُئِلَ عن الحارث المُحَاسبيّ وكُتُبه، فقالَّ: إيّاك وهذه الكُتُب، هذه كُتُب بِدَعٍ وضَلالات. عليك بالأثر، فإنّك تجد فِيهِ ما يُغْنيك عن هذه الكُتُب.
قيل له: هذه الكُتْب عِبْرة.
قال: مَن لم يكن له فِي كتاب اللَّه عِبْرة، فليس له فِي هذه الكُتُب عِبْرة.
بَلَغَكم أنّ مالكًا، والثَّوريّ، والأوزاعيّ، صنَّفوا هذه الكُتُب فِي الخطرات والوساوس؟ ما أسرع النّاس للبِدَع2.
وقال أبو سَعِيد بْن الأعرابيّ فِي طبقات النُّسّاك: كان الحارث قد كتب الحديث وتفقّه، وعرف مذاهب النُّسّاك وآثارهم وأخبارهم. وكان من العلم بموضع، لولا أنّه تكلَّم فِي مسألة اللَّفْظ ومسألة الْإِيمَان، صحِبَه جماعة، وكان الْحَسَن المسوحيّ مِن أسنِّهم3.
وقال أبو القاسم النَّصْراباذيّ: بَلَغَني أنّ الحارث تكلَّم فِي شيءٍ من الكلام، فهجَره أحمد بن حنبل، فاختفى في الدار ببغداد ومات فيها. ولم يُصَلِّ عليه إلا أربعةُ نَفَر. ومات سنة ثلاثٍ وأربعين.
قال الْحُسَيْن بْن عبد الله الخِرَقيّ: سَأَلت المَرُّوذيّ عن ما أنكَر أبو عبد الله على المُحَاسبيّ فقال: قلت لأبي عبد الله: قد خرج المُحاسبيّ إلى الكوفة فكتب الحديث وقال: أَنَا أتوب مِن جميع ما أنكر عليّ أبو عبد الله.
__________
1 طبقات الشافعية الكبرى "2/ 39، 40"، للسبكي.
2 تاريخ بغداد "8/ 215".
3 وفيات الأعيان "2/ 58".

(18/153)


فقال: ليس لحارث توبة. يشهدون عليه بالشّيء ويجحد؛ إنّما التَّوبة لمن اعترف. فأمّا من شُهِد عليه وجَحَد فليس له توبة.
ثُمَّ قال: احذروا عن حارث بالآفة إلا.....
فقلت: إنّ أَبَا بَكْر بْن حَمَّاد قال لي إنّ الحارث مرَّ به ومعه أبو حفص الخصّاف.
قال: فقلت له: يا أَبَا عبد الله، تقول إنّ كلام اللَّه بصوت.
فقال لأبي حفص: أجِبْه.
فقال أبو حفص: مَتَى قلت بصوتٍ احتجتَ أن تقول بكذا وكذا.
فقلت للحارث: إيش تقول أنت؟ قال: قد أجابك أبو حفص.
فقال: أبو عبد الله أحمد بْن حنبل: أَنَا من اليوم أُحذّر عن حارث.
حَدَّثَنَي الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ صَوْتَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ.
قلت: وبعد هذا فرحِم اللَّه الحارث، وأين مثل الحارث؟
الحارث بْن أسد الهْمداني الْمَصْرِيّ.
يأتي فِي الطبقة الآتية.
121- الحارث بن أسد بن عبد الله1.
قاضي سِنْجار.
روى عن: مروان بن محمد.
وعنه: إبراهيم بن رحمون، وطلحة بن بكر السّنْجاريّان.
ذكره شيخنا المزّي للتمييز، ولا أعلم متى كان.
وقد مر:
الحارث بْن أسد العَتَكيّ فِي عشَرٍ ومائتين.
__________
1 تهذيب التهذيب "2/ 136"، وخلاصة تذهيب التهذيب "67".

(18/154)


والحارث بْن أسد الإفريقيّ الفقيه صاحب مالك، سنة ثمانٍ ومائتين.
122- الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف1 -د. ن- قاضي الدّيار المصرية أبو عَمْرو الفقيه، مولى زبّان بن عبد العزيز بن مروان الأُمويّ.
سأل اللَّيْث بن سعد عن مسألة، وتفقَّه بابن وهْب، وابن القاسم، وروى عنهما.
وعن: سُفْيان بن عُيَيْنَة، وأشهب، ويوسف بن عَمْرو الفارسيّ، وبِشْر بن عمر الزهراني، وجماعة.
وعنه: د. ن، وابنه أحمد بن الحارث، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبو يعلى المَوْصِليّ، وعليّ بن الحَسَن بن قُديد، ومحمد بن زبّان بن حبيب، وأبو بكر بن أبي داود، وعبد الله بن محمد بن يونس السّمْنانيّ، وآخرون.
سُئِل عنه أحمد بن حنبل فقال فيه قولا جميلا2.
وقال ابن مَعِين: لا بأس به3.
ونقل عليّ بْن الحسين بن حبان، عن أبيه قال: قال أبو زكريّا: الحارثُ بْن مِسكين خيرٌ من أصْبغ بْن الفَرَج وأفضل.
وقال النَّسائيّ: ثقة مأمون4.
وقال أبو بَكْر الخطيب: كان فقيهًا ثبتًا؛ حمله المأمون إلى بغداد وسجنه فِي المحنة، فلم يُجِبْ. فلم يزل محبوسًا ببغداد إلى أن وليَ المتوكّل فأطلقه، فحدَّث ببغداد ورجع إلى مصر. وكتب إليه المتوكّل بقضاء مصر. فلم يزل يتولاه من سنة سبْعٍ وثلاثين إلى أن استعفى من القضاء، فَصُرِف عَنْهُ سنة خمسٍ وأربعين ومائتين.
قال بحر بْن نصر: عرفتُ الحارث أيّام ابن وهْب على طريقة زهادة وورع وصدق حتى مات.
__________
1 التاريخ الصغير "537" للبخاري، طبقات الفقهاء "154" للشيرازي، وتذكرة الحفاظ "2/ 514"، والتهذيب "2/ 156-158"، والبداية "11/ 7".
2 تاريخ بغداد "8/ 216، 217".
3 انظر المصدر السابق.
4 انظر المصدر السابق.

(18/155)


قلت: كان مع تبحُّره فِي العلم، قَوَّالا بالحق، عديم النّظير.
قال يوسف بْن يزيد القراطيسيّ: قدِم المأمون مصر وبها مَن يتظلَّم من إبراهيم بْن تميم، وأحمد بْن أسباط عاملَيْ مصر، فجلس الفضل بْن مروان فِي الجامع، واجتمع الأعيان: فأُحْضِر الحارث بْن مِسكين ليولِّي القضاء، فبينا الفضل يكلِّمه إذْ قال المتظلِّم: سَلْهُ أصلحكَ اللَّه عن ابن تميم وابن أسباط.
فقال: ليس لِذا حضَر.
قال: أصلحك اللَّه سَلْهُ.
فقال له الفضل: ما تقول فيهما؟ قال: ظالمين غاشمين.
فاضطرب المسجد، فقام الفضل فأعلم المأمون وقال: خفت على نفسي من ثورة النّاس مع الحارث.
فطلبَه المأمون، فابتدأه بالأمثال، ثُمَّ قال: ما تقول فِي هذين الرجُلَين.
قال: ظالِمَيْن غاشِمَيْن.
قال: هَلْ ظلماك بشيء؟ قال: لا.
قال: فعاملتها؟ قال: لا.
قال: فكيف شهدت عليهما؟ قال: كما شهدت أنّك أمير المؤمنين، ولم أرك إلا السّاعة.
قال: اخرج من هذه البلاد، وبعْ قليلك وكثيرك.
وحبسه فِي خيمة، ثُمَّ انحدر إلى البَشَرُود فأحْدَرَه معه، فلمّا فتح البَشَرُود أحضر الحارث، ثُمَّ سأله عن المسألةِ الّتي سأله عَنْهَا بمصر، فردَّ الجواب بعينه.
قال: فما تقول فِي خروجنا هذا؟ قال: أخبرني ابن القاسم، عن مالك أنّ الرشيد كتب إليه يسأله عن قتالهم.
فقال: إنْ كانوا خرجوا عن ظُلْمٍ من السّلطان فلا يحلّ قتالهم، وإن كانوا إنّما شقّوا العَصَا فقِتالهم حلال.

(18/156)


فقال له: أنت تَيْس، ومالك أتَيْس منك. ارحل عن مصر.
فقال: يا أمير المؤمنين إلى الثُّغُور؟ قال: الحق بمدينة السّلام1.
وروي دَاوُد بْن أبي صالح الحرّانيّ، عن أبيه قال: لما أُحضِر الحارث مجلس المأمون جعل المأمون يقول: يا ساعي. يردِّدُها.
قال: يا أمير المؤمنين إن أذنتَ لي فِي الكلام تكلَّمت.
قال: تكلَّم.
قال: والله ما أَنَا بساعي، ولكنّي أُحْضِرْتُ فسمعتُ، وأطعتُ حين دُعيت، ثُمَّ سُئِلتُ عن أمرٍ فاستعفيتُ، فلم أُعْفَ ثلاثًا، فكان الحقُّ آثرُ عندي من غيره.
فقال المأمون: هذا رَجُلٌ أراد أن يُرفع له عَلَمٌ ببلده، خذه إليك2.
وقال أحمد بْن المؤدِّب: خرج المأمون وأخرج بالحارث سنة سبع عشرة ومائتين. وخرجت امْرَأَةُ الحارث فحجَّت وذهبت إليه إلى العراق3.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: قال لي أبي دُؤاد: يا أَبَا عبد الله لقد مكرَ حارثكم لله عزّ وجلّ وحَلَّ مقامَ الأنبياء.
وكان ابن أبي دُؤاد إذا ذكره أعظمه جدّا.
قال القراطيسيّ: فأقام الحارث ببغداد ستّة عشرة سنة، وأطلقه الواثق فِي أخر أيّامه، فنزل إلى مصر.
قال ابن قُدْيد: أتاه فِي سنة سبْعٍ وثلاثين كتاب ولاية القضاء وهو بالإسكندريّة فامتنع، فلم يزل به إخوانه حَتَّى قبِل وقدِم مصر. فجلس للحكم، وأخرج أصحاب أبي حنيفة، والشّافعيّ مِن المسجد وأمَرَ بنزع حُصْرهم من العُمد، وقطعَ عامّة المؤذّنين من الأذان، وأصلح سقف المسجد، وبنى السقاية، ولا عن بين رجل وامرأته، ومنع
__________
1 سير أعلام النبلاء "10/ 66".
2 سير أعلام النبلاء "10/ 66".
3 انظر المصدر السابق.

(18/157)


النّداء على الجنائز، وضربَ الحدّ فِي سبّ عَائِشَةَ رضي الله عَنْهَا، وقتل ساحرين1.
رُوِيَ عن الْحَسَن بْن عبد العزيز الْجَرَويّ أن رجلا كان مُسْرفًا على نفسه، فمات، فرُئي فِي النّوم، فقال: إن اللَّه تعالى غفر لي بحضور الحارث بْن مسكين جنازتي، وإنه استشفع لي عند ربّي2.
وُلِد الحارث سنة أربعٍ وخمسين ومائة، وتُوُفّي لثلاثٍ بقين مِن ربيع الأول سنة خمسين.
123- حامد بن المساور الأصبهانيّ شاذة3.
مؤذن الجامع.
سمع: أزهر السّمّان، وسليمان بن حرب.
وعنه: أحمد بن محمود بن صبيح، وغيره.
تُوُفّي سنة خمسين.
124- حامد بن يحيى بن هاني4 -د- أبو عبد الله البلخي، نزيل طَرَسُوس.
عن: أيّوب بن النّجّار، وسُفْيان بن عُيَيْنَة، ومروان الفَزَاريّ، وأبي النَّضْر، ومحمد بن مَعْن الغِفاريّ، وغيرهم.
وعنه: د، وأحمد بن العبّاس بن الوليد بن مَزْيد البيروتيّ، وأحمد بن يحيى بن الوزير المصري، وجعفر الفريابي، ومحمد بن يزيد الدمشقي، وجماعة.
قال أبو حاتم: صدوق.
وقال مطين: توفي سنة اثنتين وأربعين.
__________
1 انظر المصدر السابق.
2 انظر المصدر السابق.
3 ذكر أخبار إصبهان لأبي نعيم "1/ 293".
4 التهذيب "2/ 169، 170"، والجرح والتعديل "3/ 301".

(18/158)


125- حجاج بن يوسف بن مروان الموصلي المقرئ.
وليس بابن الشاعر. ذاك يأتي في الطبقة الأخرى.
سمع: جَعْفَر بْن عون، وَيَعْلَى بْن عُبَيْد.
وعنه: حسين بن عبد الحميد الموصلي.
ومات سنة خمس وأربعين.
126- حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران1 -م. ق. ن.
أبو حفص التجيبي، مولى بني رُمَيلة المصريّ الحافظ، صاحب الشافعيّ.
كان مِن أروى الناس عن ابن وهْب.
وروى عن: الشّافعيّ، وأيّوب بْن سُوَيْد الرَّمْليّ، وبشر بْن بَكْر التِّنِّيسيّ، وسعيد بن أبي مريم، وجماعة.
وعنه: م. ق. ون، عن أحمد بن الهيثم، عنه، وحفيده أحمد بن طاهر، وأبو عبد الرحمن أحمد بن عثمان النَّسائيّ.
وأبو يعقوب إسحاق بن موسى النَّيْسابوريّ، وبَقِيّ بن مَخْلَد، والحَسَن بن سُفْيان، ومحمد بن أحمد بن عثمان المَدِينيّ، ومحمد بن الحسن بن قُتَيْبَة العسقلانيّ، وخلْق.
قال أبو حاتم: لا يُحْتَجّ به.
وقال عَبَّاس، عن يحيى بْن مَعِين: قال: شيخٌ بمصر يقال له حَرْمَلَة، كان أعلَمَ النّاس بابن وهْب.
وقال ابن عديّ: سَأَلت عبد الله بْن محمد بْن إبراهيم الفَرْهَاذاني فقال: حَرْمَلَة ضعيف2.
وقال أبو عُمَر الكِنْديّ: كان فقيهًا؛ لم يكن بمصر أحد أكتب عن ابن وهب منه.
__________
1 التاريخ الكبير "3/ 69"، والجرح "3/ 274"، ومعجم البلدان "3/ 888"، والميزان "6/ 226".
2 الكامل في الضعفاء "2/ 263" لابن عدي.

(18/159)


وذلك لأنّ ابن وهْب أقام فِي منزلهم سنة وأشهر مُستخفيًا من عبّاد، إذْ طلبه ليولّيه القضاء بمصر.
أخبرني بذلك يحيى بْن أبي معاوية.
وأخبرني أبو سَلَمة، وأبو دُجَانَة قالا: سمعنا حرملة يقول: عادني ابن وهْب من الرَّمَد وقال: يا أَبَا حفص، إنّه لا يُعاد من الرَّمَد، ولكنّك من أهلي.
وعن أحمد بْن صالح الْمَصْرِيّ قال: صنَّف ابن وهب مائة ألف وعشرين ألف حديث، عند بعض الناس منها النصف -يعني نفس- وعند بعض الناس الكل، يعني حرملة1.
وقال محمد بْن مُوسَى: وحديث ابن وهْب كلّه عند حرملة، إلا حديثين.
قال ابن عديّ: وقد تبحّرت حديث حرملة وفتّشته الكثير، فلم أجد في حديثه ما يجب أن يُضَعَّف من أجله. ورجلٌ تَوَارَى ابنُ وهْب عندهم ويكون حديثه كلّه عنده، فليس ببعيدٍ أن يُغرب على غيره2.
وقال هارون بن سعيد أشهب ونظر إلى حرملة فقال: هذا خيرُ أهلِ المسجد.
وقال ابن يونس: وُلِد سنة ست وستين ومائة، ومات لتسعٍ بقين من شوال سنة ثلاث وأربعين.
قال: وكان أملى النّاس بما حدَّث به ابن وهْب.
قلت: لم يرحل حرملة، ولا عنده عن أحدٍ من الحجازيّين.
127- الحسن بن أحمد بن أبي شُعيب عبد الله بن مسلم3 -م. ت- أبو مسلم الحراني مولى بني أُميّة. كان جدُّه مسلم مولى عُمَر بْن عَبْد العزيز.
رَوى عَنْ جدَّه، ومحمد بن سلمة، ومسكين بن بكير.
__________
1 انظر المصدر السابق.
2 انظر المصدر السابق.
3 الجرح "3/ 2، 4"، والمراسيل "358" لأبي داود، وتاريخ بغداد "7/ 266"، والتهذيب "2/ 254".

(18/160)


وعنه: م. ت، وأبو داود في المراسيل، وابنه أبو شُعَيب عبد الله بن الحسن، والدَّارميّ، وأبو بَكْر بْن أَبِي دَاوُد، ويحيى بْن صاعد، وأبو العباس السراج، ومحمد بن الحسين بن مُكْرَم، وآخرون.
وثّقة ابن حِبّان، وغيره.
وقال موسى بن هارون: مات بِسُرّ من رأى سنة خمسين ومائتين.
128- الحسن بن إسحاق1 -خ. ن- أبو علي الليثي مولاهم المَرْوَزِيّ الشّاعر حَسْنَوَيْه.
عن: النَّضْر بن شُمَيْل، ورَوْح بن عُبادة، وأبي عاصم، وجماعة.
وعنه: خ. ن، وأبو الدَّرْداء عبد العزيز بن منيب، وعَبْدان الأهوازيّ.
قال النسائي: شاعر ثقة.
وقال البخاري: مات يوم النحر سنة إحدى وأربعين.
129- الحسن بن إسماعيل بن سليمان بن مجالد2 -ن- أبو سعيد الكلبي المجالدي المصيصي.
عن: إبراهيم بن سَعْد، وهُشَيْم، وفُضّيْل بن عِياض، وعبد الله بن إدريس، والمطَّلِب بن زياد، وجماعة.
وعنه: ن، وأبو بكر بن أبي عاصم، ومحمد بن هارون الحضْرميّ، وأبو يَعْلَى المَوْصِليّ.
قال النَّسائيّ: ثقة.
130- الحسن بن أيّوب المدائنيّ3.
عن: عبد الوهاب الثّقفيّ، وأبي عبد الصّمد العمّيّ.
وعنه: أبو عبد الله المحاملي.
__________
1 التاريخ الكبير "3/ 285"، والتهذيب "2/ 255".
2 تهذيب الكمال "6/ 56-58"، والتهذيب "2/ 255".
3 تاريخ بغداد "7/ 286، 287، 3787".

(18/161)


131- الحسن بن بِشْر بن القاسم1.
أبو عليّ السُّلَميّ النَّيْسابوريّ الفقيه، قاضي نَيْسابور ومفتي أهل الرأي ببلده.
رحل وسمع: سُفْيان بن عُيَيْنَة، ووَكِيعا، وأبا معاوية.
ودخل الديار المصرية بعد ذلك فسمع من: عبد الله بن صالح، وسعيد بن عُفَير.
روى عنه: أَبُو يحيى البزاز، وإِبْرَاهِيم بْن محمد بْن سُفْيان، وجماعة.
قال إبراهيم بْن محمد بن مزيد: سمعت الْحَسَن بْن بِشْر يذكر أحمد بْن حنبل فقال: لقد أعجبني مذهبه وحيّرني قوله للحديث.
تُوُفّي سنة أربعٍ وأربعين.
132- الحَسَن بن بكر المروزي2 -ت- أبو علي، نزيل مكّة.
عن: إسحاق بن منصور السَّلُوليّ، وَمُعَلَّى بن منصور، والنَّضْر بن شُمَيْل، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد.
وعنه: ت، وأحمد بن محمد بن عبّاد الجوهريّ البغدادي، وزكريا بن يحيى المقدسي، وجماعة.
133- الحسن بن الجنيد البلخي ثم البغدادي3.
عن: عيسى بن يونس، ووكيع، وجماعة.
وعنه: ابن أبي الدنيا، وقاسم المطرز، وسعيد أخو زبير الحافظ.
توفي سنة سبع وأربعين.
134- الحسن بن حماد بن كسيب4 -د. ن. ق- أبو علي الحضرمي البغدادي، سجادة.
__________
1 تهذيب التهذيب "2/ 256، 257"، والتقريب "1/ 165".
2 الجرح والتعديل "3/ 3"، والتهذيب "2/ 257"، والكاشف "1/ 159".
3 تاريخ الطبري "7/ 466"، والجرح والتعديل "3/ 4".
4 التهذيب "2/ 272"، والنجوم الزاهرة "2/ 306"، ومعجم البلدان "1/ 534"، وتاريخ بغداد "7/ 295".

(18/162)


عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش، وعبد الرَّحْمَن المُحَاربيّ، ومحمد بن فُضَيْل، وحفص بن غِياث، وأبي خالد الأحمر، وعليّ بن هاشم بن البريد، وطائفة.
وعنه: د. ق، ون. بواسطة، وأحمد بن الحسن الصوفي، وأبو يعلى الموصلي، وأحمد بن الحسين الصُّوفيّ، وأبو القاسم البَغَويّ، وعليّ بن زاطِيا، وأبو لَبِيد السَّرْخسيّ، ويحيى بن صاعد، وخلْق سواهم.
قال الْحَسَن بْن الصّبّاح البزّاز: قيل لأحمد بْن حنبل إنّ سجّادة سُئِل عن رَجُلٍ قال لامرأته: أنتِ طالق ثلاثًا إن كلَّمتُ زنديقًا، فكلم رجلا يقول القرآن مخلوق، فقال سجّادة: طلقت امرأته.
فقال أحمد: ما أبعد1.
وقال علي بْن فيروز: سَأَلت سجّادة عن رَجُلٍ حلف بالطّلاق لا يكلِّم كافرًا، فكلَّم مَن يقول القرآن مخلوق، قال: طلقت امرأته.
وقال أبو عليّ عبد الرحمن بْن يحيى بْن خاقان: سَأَلتُ أحمد بْن حنبل عن سجّادة فقال: صاحبُ سنة وما بلغني عَنْهُ إلا خير.
أخبرونا عن الفتح، عن ابن أبي شريك، وأن ابن النَّقُّور أخبرهم، نا أبو القاسم ابن الوزير، أَنَا ابن صاعد، ثنا الْحَسَن بْن حماد سجادة وعبد الله بن الوضاح اللؤلؤي قالا: ثنا أبو مالك الْجَنْبيّ، فذكر حديثًا فِي الحدود. رَوَاهُ النَّسائيّ، عن عثمان بْن خُرّزَاد، عن سجّادة.
تُوُفّي في رجب سنة إحدى وأربعين، وكان مِن جِلّة العلماء ببغداد.
135- الحَسَن بن خَلَف بن شاذان بن زياد2 -خ- أبو علي الواسطي البزاز، وقد نُسِب إلى جدَّه.
حدَّث ببغداد عن: إسحاق الأزرق، ويحيى القطّان، وابن مهديّ، وعبد الوهّاب الثّقفيّ، وأبي معاوية، وغيرهم.
وعنه: خ. حديثا، وأحمد بن عَمْرو البزّار، وعلي بن العباس المقانعي، وعمر
__________
1 تاريخ بغداد "7/ 296".
2 الكنى والأسماء "74" لمسلم، والميزان "1/ 486".

(18/163)


ابن محمد بن بُجَيْر، وابن صاعد، والقاسم بن المَحَامِليّ، وآخرون.
وثقة الخطيب، وغيره.
تُوُفّي سنة ستٍّ وأربعين.
136- الحسن بن داود بن محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير1 -ن. ق- أبو محمد التيمي المنكدري.
عن: عبد الرّزاق، وابن عُيَيْنَة، وأبي ضَمْرة، ومحمد بن أبي فُدَيك.
وعنه: ن. ق. وأبو عَرُوبة الحرّانيّ، وزكريّا السّاجيّ، وابن صاعد، وأبو حامد محمد بن هارون، وجماعة.
وقال محمد بن عبد الرحيم البزاز: جلس إلينا المنكدري، فسألته في أي سنة كتب عن المعتمر، فقال: فِي سنة كذا.
فنظرنا فإذا هُوَ قد كتب عن المعتمر ابن خمسٍ سنين.
قال البخاريّ: يتكلّمون فيه.
وقال ابن عديّ: أرجو أنّه لا بأس به.
وقال ابن حِبّان: إنّه من الثّقات.
قال البخاريّ: مات سنة سبعٍ وأربعين.
137- الحَسَن بنُ رجاء بن أبي الضّحّاك2.
الأديب أبو عليّ الجرجرائيّ الكاتب البليغ والشّاعر المُفْلِق.
أخذ عن: أبي محلّمٍ، وبكر بن النّطّاح.
روى عنه المبرّد كثيرا.
قلّده المأمون كُوَر الجبل، وضمّ إليه الأمير أَبَا دُلَف.
قال الْحَسَن بْن رجاء: قال المأمون: النّاس على أربعة أقْسَام: زراعة، وصناعة، وتجارة، وإمارة، فمن خرج عن هذه الأشياء فهو كل علينا.
__________
1 الجرح والتعديل "3/ 12"، والتهذيب "2/ 274"، والميزان "1/ 486".
2 تهذيب تاريخ دمشق "4/ 175-179"، ومروج الذهب "2838"، ووفيات البحتري "30".

(18/164)


قال المبرد: أنشدني ابن رجاء لنفسه:
قد يصبر الحُرُّ على السَّيْف ... ولا يرى الصَّبرَ على الحَيْف
ويُؤثرُ الموتَ على حالةٍ ... يَعْجَزُ فيها عن قِرى الضَّيْف
قيل: كان ابن رجاء جوادا شاعرًا، يذهب بنفسه، ويُفْرط فِي الصَّلَف.
مات على حرب فارس وغيرها سنة أربعٍ وأربعين ومائتين.
138- الحَسَن بن زُرَيْق1.
أبو عليّ الطُّهَويّ.
عَنْ: أَبِي بَكْر بْن عَيَّاش، وسُفْيان بْن عُيَيْنَة.
وعنه: موسى بن إسحاق الأنصاريّ، ومُطَيِّن، ويعقوب الفَسَويّ، وعبد الله بن ريعان البَجَليّ.
محلُّه الصدق.
139- الحَسَن بن شبيب بن راشد2.
أبو عليّ البغداديّ المؤدب.
عن: شَرِيك بن عبد الله، وهُشَيْم، وخَلَف بن خليفة، وأبي يوسف القاضي.
وعنه: أبو يَعْلَى المَوْصِليّ، والهَيْثَم بن خَلَف، ويحيى بن صاعد، والقاضي المَحَامِليّ، وآخرون.
قال ابن عديّ: حدَّث بالبواطيل، وأوصل أحاديث مُرْسَلَة.
وقال الدَّارَقُطْنيّ: ليس بالقويّ، وهو إخباريّ يُعْتَبَر به.
140- الحَسَن بن شجاع بن رجاء3 -ت- أبو علي البلخي الحافظ، أحد الأئمة.
__________
1 المجروحين "1/ 240"، والميزان "1/ 491"، والجرح والتعديل "3/ 15".
2 الثقات "8/ 172"، والميزان "1/ 495-496"، وتاريخ بغداد "7/ 328".
3 التهذيب "2/ 282"، وشذرات الذهب "2/ 104"، والثقات "8/ 178".

(18/165)


سمع: مكّيّ بن إبراهيم، وعُبَيْد الله بن موسى، وأبا نُعَيْم، ومحمد بن الصَّلْت، وأبا مُسْهِر، وسعيد بن أبي مريم، ويحيى بن يحيى النَّيْسابوريّ، وأبا الوليد، وخلْقا بالشّام، والعراق، وخُراسان، ومصر، والنّواحي.
ومات كهلا.
رَوَى عَنْهُ: أبو زُرْعة الرّازيّ، والبخاريّ وهو رفيقه. وقد روى فِي الصّحيح1 فقال: ثنا الْحَسَن بْن إسماعيل بْن الخليل، فقيل إنّه هُوَ.
وروى التِّرْمِذيّ2، عن رَجُلٍ، عَنْهُ، وأحمد بْن عليّ الأبّار، ومحمد بْن إسحاق الثّقفيّ، ومحمد بْن زكريّا البَلْخيّ.
قال الْحَسَن بْن حَمَّاد الصَّغانيّ: سمعت قُتَيْبَةَ يقول: فُرسان خُراسان أربعة، فَذَكر هذا، والبخاريّ، والدّارميّ، وزكريّا بْن يحيى اللُّؤلُؤيّ.
رواها أيضًا نصر بْن زكريّا، عن قُتَيْبَةَ.
وكان الْحَسَن بْن شجاع إمامًا عارفًا بالأبواب لا يُجارى.
قال محمد بْن عُمَر بْن الأشعث البَيْكَنْديّ: سمعتُ عبد الله بْن أحمد بْن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: انتهى الحفظ إلى أربعة من خُراسان: أبو زُرْعة، والبخاريّ، وعبد اللَّه بْن عبد الرحمن السَّمَرْقَنْديّ، والحَسَن بْن شجاع البلْخيّ.
قال البَيْكَنْديّ: فقلتُ لمحمد بْن عَقِيل: لِمَ لَمْ يشتهر الْحَسَن كما اشتهر هؤلاء؟ قال: لأنّه لم يُمَتّع بالعُمْر.
وقال محمد بن جعفر البلْخيّ: مات لنصف شوّال سنة أربعٍ وأربعين وله إخْوة: محمد، وهو أكبرهم، وأبو رجاء أحمد، وأبو شيخ، رحمهم اللَّه.
وعاش الحَسَن تسْعًا وأربعين سنة.
قلت: وهو من قال تُوَفّي سنة ستٍّ وستّين ومائتين.
141- الحسن بن الصباح بن محمد3 -خ. د. ت.
__________
1 في تفسير سورة الزمر، الجمع بين رجال الصحيحين "1/ 84".
2 في تفسير سورة الزمر "3240" كما في السنن.
3 التاريخ الكبير "2/ 295"، والمعرفة والتاريخ "2/ 789، 3/ 393"، والتهذيب "2/ 289".

(18/166)


أبو علي الواسطي، ثم البغدادي البزار، أحد الأئّمة.
عن: إسحاق الأزرق، وسُفْيان بن عُيَيْنَة، ومبشّر بن إسماعيل، وأبي معاوية، وشَبابة بن سَوّار، ومَعْن بن عيسى، وشُعَيب بن حرب، وحَجّاج الأعور، وخلْق.
وعنه: خ. د. ت، وأبو بكر بن أبي عاصم، وأبو يعلى، والفريابي، الحسن بن سُفْيان، وعمر بن بحر، وابن صاعد، وخلْق آخرهم المَحَامِليّ.
قال أبو حاتم: صدوق. وكانت له جلالة عجيبة ببغداد. كان أحمد بن حنبل يرفع من قدره ويُجِلّه.
وقال ابن الإمام أحمد، عن أبيه: ما يأتي على ابن البزّار يومٌ إلا وهو يعمل خيرًا. ولقد كُنَّا نختلف إلى فُلان، فكنّا نقعد نتذاكر إلى خروج الشَّيْخ، وابن البزّار قائم يصلّي1.
وقال أبو الْعَبَّاس السرّاجّ: سمعتُ الْحَسَن بْن الصّبّاح يقول: أدخِلتُ على المأمون ثلاث مرّات. رُفع إليه أول مرّةٍ أنّه يأمر بالمعروف، وكان المأمون يَنْهَى أن يأمر أحدٌ بمعروفٍ، فأخذتُ فأُدْخِلْتُ عليه، فقال لي: أنت الْحَسَن البزّار؟ قلت: نعم.
قال: وتأمر بالمعروف؟ قلت: لا، ولكني أنْهَى عن المُنْكر.
قال: فرفعني على ظهر رَجُل، وضربني خمس دِرَر، وخلّى سبيلي.
وأُدْخِلتُ عليه المرّة الثانية، رُفِع إليه أنّي أشتم عليّا -رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، فأُدْخِلْتُ، فقال: تشتم عليّا؟ فقلت: صلّى اللَّه على مولاي وسيّدي عليّ، يا أمير المؤمنين أَنَا لا أشتم يزيد لأنّه ابن عمّك، فكيف أشتم مولاي وسيّدي؟! قال: خلّوا سبيله.
وذهبتُ مرّةً إلى أرض الروم إلى بذندون، فدفعت إل أَشْناس، فلمّا مات خلّى سبيلي.
مات في ربيع الآخر سنة تسعٍ وأربعين.
وعند ابن اللّتّي حديثٌ عالٍ من روايته موافقة للبخاريّ.
142- الحسن بن عثمان بن حماد2.
__________
1 تاريخ بغداد "7/ 331".
2 الجرح والتعديل "3/ 25"، والبداية "1/ 344"، والعبر "1/ 437".

(18/167)


أبو حسان الزّياديّ البغداديّ القاضي.
ولى قضاء الشّرقيّة في إمرة المتوكّل. وكان رئيسا محتشما جوادا.
سمع: إبراهيم بن سعد، وإسماعيل بن جعفر، وهُشَيْما، وجرير بن عبد الحميد، وشُعَيب بن صَفْوان، ويحيى بن أبي زائدة، والوليد بن مسلم، والواقديّ، وطائفة.
وعنه: ابن أبي الدُّنيا، وإسحاق الحربيّ، ومحمد بن محمد الباغَنْديّ، وأحمد بن الحسين الصُّوفيّ، وسليمان بن داود الطُّوسيّ، وغيرهم.
قال سُلَيْمَان الطوسي: سمعتُ أَبَا حسّان يقول: أَنَا أعمل فِي التّاريخ من ستّين سنة1.
وسُئل أحمد بْن حنبل، عن أبي حسّان فقال: كان مع ابن أبي دُؤاد، وكان من خاصّته، ولا أعرف رأيه اليوم.
وعن إسحاق الحربيّ قال: حدَّثني أبو حسّان الزّياديّ أنّه رَأَى ربّ العِزّة فِي النّوم فقال: رأيتُ نورا عظيما لا أُحْسِن أصِفَه. ورأيتُ شخصًا خُيِّل إليِّ أنّه النّبي -صلى اللَّه عليه وسلَّم- وكأنّه يشفع إلى ربّه فِي رجلٍ من أمَّتِهِ، وسمعتُ قائلا يقول: ألم يكفك أني أنزلت عليك في سورة الرَّعْد {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: 6] . ثُمَّ انتبهت2.
قلت: والزّيادي نَسَبه إلى أحد أجداده؛ لكونه تزوّج من أمّ ولد لزياد بْن أَبِيهِ.
قال الخطيب: كان أبو حسّان أحد العلماء الأفاضل الثّقات. ولي قضاء الشرقّية، وكان كريما مفضالا.
قال يوسف بْن البُهْلُول الأزرق: حَدَّثَنِي يعقوب بْن شَيْبة قال: أَظَلَّ العيدُ رجلا وعنده مائة دينار، لا يملك سواها، فكتب إليه أخ من إخوانه يستدعي منه نفقةً، فأنفذ إليه المائة دينار. فلم تلبث الصُّرَّة عنده إلا يسيرًا حَتَّى وردت عليه رُقْعة مِن بعض إخوانه يذكر فيها إضاقة فِي هذا العيد، فوجّه إليه بالصرة بعينها.
__________
1 تاريخ بغداد "7/ 357".
2 تاريخ بغداد "7/ 357، 358".

(18/168)


فبقى الأوّل لا شيء عنده، فاَتفَقَ أنّه كتب إلى الثّالث، وهو صديقه، يذكر حاله، فأرسل إليه الصُّرّة بخَتْمها، فَعَرَفها وركب إليه وقال: ما شأن هذه؟ فأخبره الخبر.
فركِب إلى الَّذِي أرسلها، وشرحوا القصّة، ثُمَّ فتحوها واقتسموها. قال ابن البُهْلُول: الثلاثة: يعقوب بْن شَيْبة، وأبو حسّان الزّياديّ، وآخر نَسَبه الراوي. إسنادها صحيح1.
تُوُفّي أبو حسّان في رجب سنة اثنتين وأربعين، وكان مِن كبار أصحاب الواقديّ، وعاش تسعا وثمانين سنة2.
143- الحَسَن بن عليّ بن الْجَعْد بن عُبَيْد الجوهريّ3.
قاضي مدينة المنصور.
كان سَرِيّا محتشما، ذا مُروءة. ولي القضاء فِي حياة أبيه سنة ثمانٍ وعشرين.
سئل الإمام أحمد عنه فقال: بلغني أنه رجع عن التهجم.
قال طلحة بن محمد الشّاهد: تُوُفّي هو وأبو حسّان الزياديّ في وقتٍ واحد، وكلُّ واحد منهما، قاضٍ، أحدهما على المدينة، والآخر على الشّرقيّة في سنة اثنتين وأربعين ومائتين.
وفي ذلك يقول ابن أبي حكيم:
سُرَّ بالكرْخ والمدينة قومٌ ... مات فِي جُمعةٍ لهم قاضيان
لَهْفَ نفْسي على الزّيادي منهم ... ثُمَّ لهفي على فَتَى الفِتْيانِ
144- الحَسَن بن عليّ بن محمد الهذلي الحلواني الخلال الريحاني4 -ع. سوى ن- أبو محمد الحافظ نزيل مكّة.
عن: وَكِيع، وأبي معاوية، ومُعّاذ بن هشام، وأزهر السّمّان، وأبي أسامة، وزيد
__________
1 تهذيب تاريخ دمشق "4/ 196".
2 وراجع: تاريخ بغداد "7/ 361".
3 الكامل في التاريخ "7/ 82"، والبداية "10/ 343".
4 المعارف لابن قتيبة "456"، والتهذيب "2/ 302-304"، والجرح والتعديل "3/ 21".

(18/169)


ابن الحُباب، وعبد الرّزّاق، وعبد الصّمد بن عبد الوارث، ويزيد بن هارون، وخلق.
ولم يلحق ابن عُيَيْنَة.
وعنه: ع. إلا النَّسائيّ، وأبو بكر بن أبي عاصم، وعبد الله بن صالح البخاريّ، ومُطَيَّن، ومحمد بن إسحاق السّرّاج، ومحمد بن المجدَّر، ويحيى بن الحَسَن النّسّابة العَلَويّ، وآخرون.
قال يعقوب بن شَيْبة: كان ثبتا ثقة متقنا.
وقال أبو داود: كان عالما بالرجال، ولا يَستعمل علمَه.
تُوُفّي الحُلْوانيّ في ذي الحجّة سنة اثنتين وأربعين.
قال إبراهيم بْن أورمة الحافظ: بقي اليوم فِي الدّنيا ثلاثة: محمد بْن يحيى بخُراسان، وابن الفُرات بإصبهان، والحَسَن بْن عليّ الحُلوانيّ بمكّة.
145- الْحَسَنُ بن قَزَعَة بن عُبَيْد1 -د. ن. ق- مولى بني هاشم، وأبو عليّ، ويقال أبو محمد البصْريّ الحلقانيّ.
عن: معتمر بن سليمان، وفُضَيْل بن عِياض، وعبّاد بن عبّاد، وفُضَيْل بن سليمان، ومَسَلَمَة بن علْقمة، وخالد بن الحارث، وحُصَيْن بن نُمَيْر.
وعنه: د. ن. ق، وأحمد بن عمرو البزّار، وأبو يعلى، وبقي بن مخلد، وزكريا الساجي، وعمر بن محمد بن بُجَيْر، وابن خُزَيْمَة، ومحمد بن جرير، وخلق سواهم.
قال أبو حاتم: صدوق.
ووثقه ابن حبان.
توفي قريبا من سنة خمسين.
146- الحسن بن مدرك2 -خ. ن. ق- أبو علي البصري الطحان الحافظ.
عن: عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، ويحيى بن حماد.
__________
1 الجرح والتعديل "3/ 34"، والتهذيب "2/ 316".
2 التهذيب "2/ 321، 322"، وهدي الساري "397"، والميزان "1/ 522"، والجرح والتعديل "3/ 38، 39".

(18/170)


وعنه: خ. ن. ق. وبَقِيّ بن مَخْلَد، ومحمد بن هارون الرّويانيّ، ويحيى بن صاعد، وابن أبي داود، وآخرون.
ومات كَهْلا.
147- الحَسَن بن يحيى بن كثير العنَبريّ1.
عن: عبد الرزاق، ومحمد بن كثير المصيصي، ووالده.
وعنه: ن. في النُّبْل.
وأمّا المِزّيّ فقال: لم أقف على روايته عَنْهُ.
وابن أبي الدّنيا، وأبو بَكْر بْن أبي دَاوُد.
148- الحَسَن بن يحيى بن هشام الرزي البصري2 -د- أبو علي.
عن: النَّضْر بن شُمَيْل، والخُرَيْبيّ، ويحيى بن حمّاد، وَيَعْلَى بن عُمَيْر، وبِشْر بن عُمَر الزّهْرانيّ، وطائفة.
وعنه: د، وأحمد بن عَمْرو البزّار، وأبو عروبة الحراني، ومحمد بن هارون الرماني، وطائفة.
وكان ثقة حافظا.
149- الحسين بن بشر بن القاسم بن حماد3.
أبو محمد السلمي النيسابوري الفقيه، مفتي البلد، وأخو القاضي أبي علي.
سمع: ... ، وأبا أسامة، ويزيد بن هارون، وحفص بن عبد الرحمن، وطائفة.
وعنه: ابنا ياسين، وإبراهيم بن محمد بن سفيان، وجعفر بن سهل.
توفي سنة أربع وأربعين.
150- الحسين بن حريث بن الحسن بن ثابت بن قطبة4 -ع. إلا ق-
__________
1 تهذيب التهذيب "2/ 325"، والميزان "1/ 525".
2 التهذيب "2/ 325"، وخلاصة تذهيب "81".
3 الجرح والتعديل "3/ 48".
4 التاريخ الكبير "2/ 393"، والتهذيب "2/ 333"، والنجوم الزاهرة "2/ 31"، والكاشف "1/ 169".

(18/171)


أبو عمّار المَرْوَزِيّ، مولى عِمران بن حُصَين الخُزاعيّ. كذا نَسَبَه جماعة.
وقال ابن حِبّان: الْحُسَيْن بْن حرَيْث مَوْلَى الحَسَنِ بْن ثابت بْن قُطْبة، مَوْلَى عِمْرَانَ بْن حُصَيْن.
سمع: ابن المبارك، والفضل بن موسى السِّينانيّ، وفُضَيْل بن عِياض، وجرير بن عبد الحميد، وابن عُيَيْنَة، وعبد العزيز بن أبي خازم، والدَّرَاوَرْدِيّ، وطائفة.
وعنه: ع. إلا ابن ماجة، وأبو زُرْعة الرّازيّ، وأبو القاسم البَغَويّ، والحَسَن بن سُفْيان، ومحمد بن هارون الحضرميّ، وابن صاعد، وإبراهيم بن محمد بن مَتُّوَيه، وابن خُزَيْمَة، وخلْق.
وثقة النَّسائيّ.
قال أبو بَكْر بْن خزيمة: رَأَيْته فِي المنام بعد وفاته عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعليه ثياب بيض وعمامة خضراء، وهو يقرأ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80] فأجابه مجيبٌ من موضع القبر: حقّا قلت يا زينَ أركان الْجِنان.
تُوُفّي بقَرمِيسين منصرِفا من الحجّ سنة أربعٍ وأربعين.
151- الحسين بن الحَسَن بن حرب1 -ت. ق- أبو عبد الله السلمي المروزي، صاحب ابن المبارك.
جاور بمكّة.
وروى عن: ابن المبارك، وسُفْيان بن عُيَيْنَة، والفضل بن موسى السِّينانيّ، ومعتمر بن سليمان، ويزيد بن زريع، وهشيم، والوليد بن مسلم، وطائفة.
وعنه: ت. ق، وبَقِيّ بن مَخْلَد، وداود الظّاهريّ، وعمر بن بجير، ويحيى بن صاعد، وجعفر بن أحمد بن فارس، وخلق آخرهم إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي.
قَالَ أَبُو حاتم: صدوق.
وقال ابْن حِبّان: مات سنة ست وأربعين.
__________
1 تهذيب التهذيب "2/ 334"، ومعجم البلدان "2/ 638".

(18/172)


152- الحسين بن سلمة الأزدي اليحمدي البصري الطحان1 -ت. ق- عن: عبد الرحمن بن مهديّ، وسَلْم بن قُتَيْبَة، ويوسف بن يعقوب السَّدُوسيّ، وجماعة.
وعنه: ت. ق، ومحمد بن يحيى بن منده، وعبدان الأهوازي، وابن أبي دؤاد، وابن خزيمة، وابن صاعد، وجماعة.
قال الدارقطني: ثقة.
153- الحسين بن الضحاك2.
أبو علي البصري الشاعر المعروف بالخليع.
أقام ببغداد مدة ينادم الخلفاء. وله مع أبي نواس أخبار معروفة.
وكان ظريفا ماجنا خفيف الروح. له يد طولى في فنون الشعر، وبلغ سنا عالية وعمر.
ورأى العز والحشمة، وسمي الخليع لكثرة مجونه في شعره.
توفي سنة خمسين ومائتين، عن بضعٍ وتسعين سنة.
ومن شعره قوله:
إنَّ عطف الأديب فِي بلد الغُربة ... جودٌ على ذوي الآداب
أَنَا فِي ذِمّة السّحاب وأظمأ ... إنّ هذا لوَصْمَةٌ فِي السَّحاب
154- الحسين بن عبد الرحمن3.
أبو عبد الله الاحتياطيّ المقرئ.
قرأ القرآن على أبي بكر بن عيّاش. وطال عُمره، وتصدَّر للإقراء.
قرأ عليه: عليّ بن أحمد المكّيّ، وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الكِلابيّ.
وطريقه فِي المصباح والكامل.
__________
1 الجرح والتعديل "3/ 54"، والتهذيب "2/ 340"، والكاشف "1/ 170".
2 الأغاني "7/ 146-226"، ومعجم الأدباء "10/ 2305"، والنجوم الزاهرة "2/ 233".
3 الكامل في الضعفاء "2/ 746، 747" لابن عدي، وميزان الاعتدال "1/ 502".

(18/173)


كنّاه أبو أحمد الحاكم: أَبَا عليّ، وقال: سمع: سفيان بن عيينة، وابن وهب.
روى عنه: القاسم بن يحيى بن نصر المخرمي، وأبو عروبة الحراني، وجعفر بن محمد الخصيبن وغيرهم.
لم أر فيه جرحا.
وَقَدْ تَفَرَّدَ الْخَصِيبُ الْمَذْكُورُ عَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ الأَوْدِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "زَيِّنُوا مَجَالِسَكُمْ بِالصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وَبِذِكْرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ".
هذا غريب موقوف1.
155- الحسين بن عليّ بن يزيد.
أبو عليّ الكرابيسيّ البغداديّ الفقيه2.
سمع: إسحاق الأزرق، ومَعْن بن عيسى، ويعقوب بن إبراهيم، والشّافعيّ وتفقَّهَ به، ويزيد بن هارون.
وعنه: عُبَيْد بن محمد بن خلف البزاز، ومحمد بن عليّ فُسْتُقَة.
وكان فقيها فصيحا ذكيّا صاحب تصَّانيف في الفِقْه والأصول تدلَّ على تبحُّره.
قال الخطيب أبو بَكْر: حديث الكرابيسيّ يعزّ جدا. وذلك أن أحمد بْن حنبل كان يتكلم فِيهِ بسبب مسألة اللفظ. وكان هُوَ أيضًا يتكلم فِي أحمد، فتجنب الناس الأخذ عَنْهُ لهذا السبب. ولما بلغ يحيى بْن مَعِين أنه يتكلم فِي أحمد قال: ما أحوجه إلى أن يضرب. ثُمَّ لعنه.
قال أبو الطيب الماوردي، فيما رَوَاهُ أبو بَكْر بْن شاذان، عن عبد الله بْن إسماعيل بْن برهان عَنْهُ، قال: جاء رَجُل إلى الْحُسَيْن الكرابيسيّ فقال: ما تقول فِي القرآن؟ قال: كلام اللَّه غير مخلوق.
قال الرجل: فما تقول فِي لفظي بالقرآن؟ قال حسين: لفظك به مخلوق.
__________
1 وأورده ابن القيم في جلاء الأفهام "ص/ 248"، والهندي في الكنز وعزاه لابن عساكر.
2 وفيات الأعيان "6/ 393"، والعبر "1/ 450"، وخلاصة تذهيب التهذيب "84".

(18/174)


فمضى الرجل إلى أحمد بْن حنبل فعرّفه ذلك، فأنكره وقال: هذه بدعة.
فرجع إلى حُسَيْنِ فعرَّفه إنكار أبي عبد الله، فقال له حُسَيْنِ: تَلَفُّظُك بالقرآن غير مخلوق.
فرجع إلى أحمد فعرُّفه رجوع حُسَيْنِ وأنّه قال: تَلَفُّظُك بالقرآن غير مخلوق. فأنكر أحمد ذلك أيضًا وقال: هذا أيضًا بدعة.
فرجع إلى حُسَيْنِ فعرَّفه إنكار أبي عبد الله أيضًا فقال: إيش نعمل بهذا الصبي؟ إن قُلْنَا مخلوق، قال: بدعة، وإنْ قُلْنَا: غير مخلوق، قال: بدعة؟ فبلغ ذلك أَبَا عبد الله، فغضب له أصحابُه، فتكلّموا فِي حُسَيْنِ الكرابيسيّ1.
وقال الفضل بْن زياد: سَأَلت أَبَا عبد الله، عن الكرابيسيّ، وما أظهر، فَكَلَح وجهه ثُمَّ أطرق، ثُمَّ قال: هذا قد أظهر رأي جَهْم. قال اللَّه تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] فممّن يسمع؟ إنّما جاء بلاؤهم من هذه الكُتُب التي وضعوها. تركوا آثَارَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ، وأقبلوا على هذه الكتب2.
وقال ابن عديّ: سمعت محمد بْن عبد الله الصَّيرفيّ الشّافعيّ يقول لهم، يعني التّلامذة: اعتبِروا بهذين: حُسَيْنِ الكرابيسيّ، وأبو ثور. فالحسين فِي علمه وحِفْظه، وأبو ثور لا يعشُرُه فِي علمه، فتكلَّم فِيهِ أحمد بْن حنبل فِي باب اللّفظ فسقط، وأثنى على أَبِي ثور، فارتفع للزومه السنة.
تُوُفّي سنة ثمانٍ، وقيل: سنة خمسٍ وأربعين ومائتين.
وقال أبو جَعْفَر محمد بْن الْحُسَيْن بْن هارون المَوْصِليّ: سَأَلت أَبَا عبد الله أحمد بْن حنبل. قلت: أَنَا رَجُل من أهلِ المَوْصلِ، والغالب على بلدنا الْجَهْميّة، وقد وقعت مسألة الكرابيسيّ نُطْقي بالقرآن مخلوق. فقال: إيّاك وهذا الكرابيسيّ، لا تكلِّمْهُ، ولا تكلم من يكلمه.
__________
1 تاريخ بغداد "8/ 65".
2 تاريخ بغداد "8/ 66".

(18/175)


قلتُ: وهذا القول وما يتشعّب منه يرجع إلى قول جَهْم؟ قال: هذا كلّه من قول جَهْم1.
156- الحسين بن عليّ بن جعفر بن زياد الأحمر الكوفيّ2 -د- عن: جدَّه جعفر الأحمر، ويحيى بن زكريّا بن أبي زائدة، وداود بن الربيع.
وعنه: د، وأحمد بن محمد بن الهيثم الدَّوريّ الدقاق، وأحمد بن عمرو البزاز، وعبد الله بن أحمد بن سوادة.
وسمع منه النسائي، وما أظنه روى عنه شيئا.
157- الحسين بن علي بن يزيد الصدائي الأكفاني3 -ت- البغدادي.
عن: أبيه، ووَكِيع، وعبد الله بن نُمَيْر، والوليد بن القاسم بن الوليد الهمْدانيّ، وعليّ بن عاصم، وجماعة.
وعنه: ت، وأبو بكر بن أبي عاصم، والنَّسائيّ في اليوم واللّيلة، وعبد الله بن ناجية، وعَبْدان، ومحمد بن جرير، وابن صاعد، والمَحَامِليّ، وآخرون.
وكان عبدا صالحا نبيلا.
قال عبد الرحمن بن خِراش: عدل، ثقة4.
كان حجّاج بن الشاعر يمدحه يقول: هو من الأبدال.
وقال البَغَويّ: مات في رمضان سنة ستّ.
158- الحسين بن عيسى بن حمران5 -خ. م. د. ن- أبو علي الطائي البسطامي الدامغاني نزيل نَيْسابور.
سمع: ابن عُيَيْنَة، ووَكِيعا، وأبا أسامة، وابن أبي فُدَيْك، ومَعْن بن عيسى، ويزيد بن هارون، وجماعة.
__________
1 الكامل في الضعفاء "2/ 775" لابن عدي.
2 المصدر السابق "2/ 776".
3 الجرح والتعديل "3/ 56"، والتهذيب "2/ 359".
4 تاريخ بغداد "8/ 67، 68".
5 التاريخ الكبير "2/ 393"، والجرح والتعديل "3/ 60"، والتهذيب "2/ 363".

(18/176)


الفهرس العام للكتاب:
الموضوع رقم الصفحة
الطبقة الخامسة والعشرون:
"أحداث سنة إحدى وأربعين ومائتين":
3 الوفيات في هذه السنة.
3 وثوب أهل حمص على واليهم.
3 تناثر الكواكب.
3 غارة الروم على عين زربة.
3 غارة البجاة في مصر.
"أحداث سنة اثنتين وأربعين ومائتين":
4 المتوفون هذه السنة.
4 خبر زلازل عدة.
5 مسير جبل باليمن.
5 صياح الطائر بحلب.
5 خروج الروم إلى آمد والجزيرة.
5 الحج هذا الموسم.
"أحداث سنة ثلاث وأربعين ومائتين":
5 المتوفون هذه السنة.
5 عزم المتوكل كل السكنى بدمشق.
6 الحج هذا الموسم.
"أحداث سنة أربع وأربعين ومائتين":
6 المتوفون هذه السنة.
6 فتح حصن للروم.
6 نفي طبيب المتوكل.
7 اتفاق الأعياد.

(18/381)


"أحداث سنة خمس وأربعين ومائتين":
7 المتوفون هذه السنة.
7 عموم الزلازل في البلاد.
7 بناء الماحوزة.
8 غارة الروم على سميساط.
"أحداث سنة ست وأربعين ومائتين":
8 المتوفون هذه السنة.
8 غزو المسلمين الروم.
8 تحول المتوكل إلى الماحوزة.
8 المطر ببلخ.
8 الحج هذا الموسم.
"أحداث سنة سبع وأربعين ومائتين":
9 المتوفون هذه السنة.
9 بيعة المنتصر بالله.
"أحداث سنة ثمان وأربعين ومائتين":
9 المتوفون هذه السنة.
9 وقوع الوحشة بين وصيف التركي والوزير.
10 خلع المعتز والمؤيد من العهد.
10 مقتل محمد الخارجي.
11 استيلاء الصفار على خُراسان.
11 مقتل المنتصر بالله.
11 بيعة المستعين بالله.
12 فتنة الغوغاء.
12 نفي ابن الخصيب إلى أقريطش.
12 تولية ابن طاهر العراق.
12 وفاة طاهر بن عبد الله.
12 موت بُغا الكبير.
13 حبس المعتز والمؤيد.

(18/382)


13 الفتنة بين أهل حمص وعاملهم.
13 العقد لأوتامش على مصر والمغرب.
13 غزوة الصائفة.
13 نفي ابن خاقان.
"أحداث سنة تسع وأربعين ومائتين":
13 المتوفون هذه السنة.
14 شغب الجند ببغداد.
14 مقتل أوتامش.
14 عزْل جعفر بن عبد الواحد عن القضاء.
14 خبر الزلزلة في الري.
"أحداث سنة خمسين ومائتين":
14 المتوفون هذه السنة.
15 مقتل يحيى بن عمر في المصافّ بالكوفة.
15 استيلاء الحسن بن زيد على آمل.
15 العقد للعباس على العراق.
15 نفي جعفر بن عبد الواحد.
15 وثوب أهل حمص بعاملهم.

(18/383)


تراجم رجال هَذِهِ الطبقة:
"حرف الألف":
16 1- أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بن كثير الدورقي.
16 2- أحمد بن أبان القرشي.
16 3- أحمد بن إبراهيم بن مهران البوشجني.
17 4- أحمد بن إدريس الجلاب.
17 5- أحمد بن إسحاق بن الحصين.
20 6- أحمد بن إسحاق الأهوازي البزاز.
20 7- أحمد بن أسد بن سامان.
20 8- أحمد بن بجير البزاز.
20 9- أحمد بن بكار بن أبي ميمونة.
21 10- أحمد بن ثابت الجحدري.
21 11- أحمد بن ثابت الرازي.
21 12- أحمد بن الحسن بن جنيدب.
21 13- أحمد بن الحسن بن خراش.
22 14- أحمد بن الحسن الكندي البغدادي.
22 15- أحمد بن حميد الجرجاني.
22 16- أحمد بن حميد الفقيه.
22 17- أحمد بن خالد البغدادي الخلال.
23 18- أحمد بن الخصيب الجرجرائي الكاتب.
23 19- أحمد بن الخليل البغدادي البزاز.
24 20- أحمد بن سعيد بن إبراهيم الحافظ.
24 21- أحمد بن سعيد بن يعقوب الكندي.
24 22- أحمد بن صاعد الصوري الزاهد.
25 23- أحمد بن صالح الطبري.
30 24- أحمد بن صالح المكي.
30 25- أحمد بن عبد الله بن الحكم.
30 - أحمد بن عاصم الأنطاكي.

(18/384)


30 26- أحمد بن أبي الحواري عبد الله بن ميمون.
33 - حكاية عجيبة لا أعلم صحتها.
33 27- أحمد بن عبد الله بن خالد بن موسى.
34 28- أحمد بن عبد الرحمن بن بكّار بن عبد الملك.
34 29- أحمد بن عبدة بن موسى الضبي.
35 30- أحمد بن عثمان بن عبد النور.
35 31- أحمد بن عَمْرو بن عبد الله بن عُمَرو بن السرح.
35 32- أحمد بن عيسى بن حسان.
36 33- أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ بن الشهيد.
36 34- أحمد بن عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَر.
37 35- الإمام أحمد بن محمد بن حنبل.
40 - فصل في إقباله على العلم واشتغاله به.
52 - فصل في آدابه.
54 - فصل في قوله في أصول الدين.
62 - فصل في سيرته.
65 - فصل في زوجاته وأولاده.
67 - ذكر المحنة.
83 - فصل في محنته من الواثق.
84 - فصل في حال أبي عبد الله أيّام المتوكل.
103 - ذكر مرضه رحمه الله.
110 36- أحمد بن الزبير الأطرابلسي.
110 37- أَحْمَد بن عَبْد اللَّه بن عَبْد الصَّمَد الهاشمي.
110 38- أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن القاسم.
111 39- أحمد بن محمد بن علقمة النبال.
112 40- أحمد بن محمد بن عيسى السكوني.
112 41- أحمد بن محمد بن نيزك.
113 42- أحمد بن محمد بن يحيى بن المبارك.
113 43- أحمد بن مصرف بن عمرو اليامي.

(18/385)


113 44- أحمد بن منيع بن عبد الرحمن البغوي.
114 45- أحمد بن ناصر.
114 46- أحمد بن نصر بن زياد.
115 47- أحمد بن نصر العتكي.
115 48- أحمد بن هشام بن بهرام.
115 49- أحمد بن يحيى بن إسحاق الراوندي.
115 50- أحمد بن يحيى بن وزير التجيبي.
116 51- أحمد بن يعقوب بن صالح البلخي.
116 52- أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث.
117 53- أحمد بن أبي سريج الصباح.
118 54- أحمد بن أبي عبيد الله السليمي.
118 55- إبراهيم بن الحارث الأنصاري.
119 56- إبراهيم بن الحسين بن خالد.
119 57- إبراهيم بن حمزة الرملي.
119 58- إبراهيم بن خالد المروزي.
119 59- إبراهيم بن زياد البغدادي الصائغ.
120 60- إبراهيم بن زياد البغدادي الخياط.
120 61- إبراهيم بن سعيد الجوهري.
121 62- إبراهيم بن سفيان الزيادي.
121 63- إبراهيم بن سلام المكي.
121 64- إبراهيم بن العبّاس بن محمد بن صُول.
122 65- إبراهيم بن عبد الله المروزي الخلال.
122 66- إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي.
123 67- إبراهيم بن عبد الله بن خالد المِصِّيصيّ.
123 68- إبراهيم بن عبد الله بن صَفْوان النَّصْريّ.
123 69- إبراهيم بن عبد الله بن المُنذر الباهليّ.
124 70- إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي الفياض.
124 71- إبراهيم بن عون بن راشد.

(18/386)


124 72- إبراهيم بن عيسى الأصبهاني.
125 73- إبراهيم بن محمد بن الأغلب.
125 74- إبراهيم بن محمد بن عبد الله المعمري.
125 75- إبراهيم بن محمد بن يوسف بن سرج.
126 76- إبراهيم بن المستمر العروقي.
126 77- إبراهيم بن مكتوم المصاحفي.
126 78- إبراهيم بن هارون البلخي العابد.
126 79- إبراهيم بن هاشم بن عبيد الله.
127 80- إبراهيم بن الإمام يحيى بن المبارك.
127 81- إبراهيم بن يوسف الحضرمي الكندي.
127 82- أزهر بن مروان الرقاشي النواء.
127 83- إسحاق بن إبراهيم بن داود البصْريّ السَّوّاق.
129 84- إسحاق بن الأخيل الحلبي.
129 85- إسحاق بن موسى بن عبد الله الخطمي.
130 86- إسحاق بن يوسف الجرجاني الديلماني.
130 87- إسماعيل بن بهرام الوشاء الخزار.
131 88- إسماعيل بن توبة الثقفي.
131 89- إسماعيل بن حفص الأبلي.
131 90- إسماعيل بن خزيمة بن المغيرة.
131 91- إسماعيل بن زياد البلخي الأزدي.
132 92- إسماعيل بن عبد الله بن خالد العبدري.
132 93- إسماعيل بن عمرو المصري.
133 94- إسماعيل بن الفضل الشالنجي.
133 95- إسماعيل بن مسعود الجحدري.
133 96- إسماعيل بن موسى الفزاري.
134 97- إسماعيل بن يوسف الديلمي.
135 98- أصبغ بن دحية الصدفي.

(18/387)


136 100- أيوب بن محمد بن أيوب الهاشمي.
136 101- أيوب بن عافية بن أيوب البصري.
136 102- أيوب بن علي بن الهيصم.
136 103- أيّوب بن محمد بن زياد بن فرُّوخ.
"حرف الباء":
137 104- بركة بن محمد الحلبي.
137 105- بسطام بن جعفر الأزدري الموصلي.
137 106- بشر بن بشار البغدادي.
137 107- بشر بن معاذ العقدي.
138 108- بشر بن هلال النميري.
138 109- بغا الكبير.
139 110- بكْر بن محمد بن عديّ بن حبيب.
140 111- بكر بن النطاح.
"حرف الثاء":
141 112- تميم بن المنتصر بن تميم.
"حرف الجيم":
141 113- جابر بن كردي الواسطي.
141 114- الجارود بن معاذ السلمي.
142 115- جبارة بن المغلس.
142 116- الجراح بن عبد الله بن الفرج.
143 117- الجراح بن مخلد العجلي.
143 118- جعفر المتوكل على الله.
149 119- الجماز.
"حرف الحاء":
150 120- الحارث بن أسد المحاسبي.
154 - الحارث بن أسد الهمداني.
154 121- الحارث بن أسد بن عبد الله.
154 - الحارث بن أسد العتكي.

(18/388)


155 - الحارث بن أسد الإفريقي.
155 122- الحارث بن مسكين بن محمد.
158 123- حامد بن المساور الإصبهاني "شاذة".
158 124- حامد بن يحيى بن هاني.
159 125- حجاج بن يوسف بن مروان الموصلي.
159 126- حرملة بن يحيى بن عبد الله.
160 127- الحسن بن أحمد بن أبي شعيب.
161 128- الحسن بن إسحاق الليثي.
161 129- الحسن بن إسماعيل بن سليمان المجالدي.
161 130- الحسن بن أيوب المدائني.
162 131- الحسن بن بشر بن القاسم.
162 132- الحسن بن بكر المروزي.
162 133- الحسن بن الجنيد البلخي.
162 134- الحسن بن حماد بن كسيب.
163 135- الحسن بن خلف بن شاذان.
164 136- الحسن بن داود بن محمد بن المنكدر.
164 137- الحسن بن رجاء بن أبي الضحاك.
165 138- الحسن بن الحسن بن زريق الطهوي.
165 139- الحسن بن الحسن بن شبيب بن راشد.
165 140- الحسن بن شجاع بن رجاء البلخي.
166 141- الحسن بن الصباح بن محمد.
167 142- الحسن بن عثمان بن حماد الزيادي.
169 143- الحسن بن علي بن الجعد.
169 144- الحسن بن علي بن محمد الهُذلي.
170 145- الحسن بن قزعة بن عُبيد.
170 146- الحسن بن مدرك الطحان.
171 147- الحسن بن يحيى بن كثير.
171 148- الحسن بن يحيى بن هشام الرازي.

(18/389)


171 149- الحسين بن بشر بن القاسم بن حماد.
171 150- الحسين بن حريث بن الحسن بن ثابت.
172 151- الحسين بن الحسن بن حرب.
173 152- الحسين بن سلمة الأزدي.
173 153- الحسين بن الضحاك الشاعر "الخليع".
173 154- الحسين بن عبد الرحمن الاحتياطي.
174 155- الحسين بن علي بن يزيد الكرابيسي.
176 156- الحسين بن عليّ بن جعفر بن زياد الأحمر.
176 157- الحسين بن علي بن يزيد الصدائي.
176 158- الحسين بن عيسى بن حمران.
17 159- الحسين بن الفضل بن أبي حديرة.
177 160- الحسين بن المبارك الطبراني.
177 161- الحسين بن محمد بن أيوب السعدي.
178 162- الحسين بن محمد بن جعفر البلخي.
178 163- الحسين بن معاذ البصري.
178 164- الحسين بن عدي الأيلي.
178 165- الحسين بن يزيد الكوفي الطحان.
179 166- حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهيب.
180 167- حفص بن عمر المهرقاني.
180 168- حماد بن إسماعيل بن علية.
181 169- حميد بن مسعدة الباهلي.
181 170- حُمَيْد بن هشام بن حُمَيْد بن خليفة.
"حرف الخاء":
181 171- خالد بن عبد السلام بن خالد.
182 172- خالد بن عقبة بن خالد السكوني.
182 173- خالد بن يوسف بن خالد بن عمر.
183 174- خازم بن خزيمة البخاري.
183 175- الخضر بن زياد بن المغيرة الموصلي.

(18/390)


183 176- خلاد بن أسلم البغدادي.
183 177- الخليل بن عمرو البغوي.
"حرف الدال":
184 178- دعيل بن علي بن رزين الشاعر.
188 179- دهثم بن خلف الرملي.
"حرف الذال":
188 180- ذو النون المصري الزاهد.
"حرف الراء":
192 181- راشد بن سعيد المقدسي.
193 182- رباح بن جراح العبدي.
193 183- الربيع بن نافع الحلبي.
194 184- رجاء بن محمد العذري.
194 185- رجاء بن مرجى.
195 186- روح بن حاتم البغدادي.
195 187- روح بن عصام بن يزيد.
"حرف الزاي":
195 188- زكريّا بن يحيى بن صالح.
196 189- زياد بن عبد الرحمن النيسابوري.
196 190- زياد الله بن إبراهيم بن محمد.
196 191- زيد بن بشر بن زيد.
197 192- زيد بن الحريش الأهوازي.
197 193- زيد بن سنان الأسدي.
197 194- زيد بن أبي موسى المروزي.
"حرف السين":
198 195- سختويه بن الجنيد.
198 196- سعيد بن العباس الرازي.
198 197- سعيد بن عبد الرحمن المخزومي.
198 198- سعيد بن عثمان الكريزي.

(18/391)


199 199- سعيد بن الفرج البلخي.
199 200- سعيد بن وهب الأصبهاني.
199 201- سعيد بن يحيى بن الأزهر.
199 202- سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان.
200 203- سعيد بن يعقوب الطالقاني.
200 204- سفيان بن زياد الرصافي.
200 205- سفيان بن محمد المصيصي.
201 206- سفيان وكيع بن الجراح.
201 207- سلمة بن لكلاعي.
202 208- سلمة بن شبيب المسمعي.
202 209- سليمان بن أبي شيخ.
203 210- سليمان بن عُبيد الله بن عَمْرو الغَيْلانيّ.
203 211- سليمان بن عمر بن خالد بن الأقطع.
203 212- سليمان بن يوسف بن صالح العقيلي.
204 213- سهل بن صالح الأنطاكي.
204 214- سوار بن عبد الله بن سوار.
"حرف الشين":
205 215- شجاع فتاة المعتصم.
205 216- شعيب بن سهل الرازي.
206 217- شيبة بن الوليد بن سعيد.
"حرف الصاد":
206 218- صالح بن حرب.
206 219- صالح بن مسمار السلمي.
206 220- صالح بن عدي النميري.
207 221- صالح بن محمد بن يحيى القطان.
207 222- صُهيب بن عاصم القيسي.
"حرف الضاد":
207 223- الضحاك بن حجوة المنبجي.

(18/392)


"حرف الطّاء":
208 224- طاهر بْن عَبْد اللَّه بْن طاهر المصعبي.
208 225- الطيب بن إسماعيل الذهلي.
"حرف العين":
209 226- عامر بن أسيد بن واضح.
209 227- عامر بن سيار.
209 228- عامر بن عمر الموصلي.
210 229- عباد بن زياد الأسدي.
210 230- عباد بن يعقوب الرواجني.
212 231- عبادة المخنث.
212 232- العباس بن عبد العظيم بن إسماعيل.
213 233- العباس بن الوليد بن صبح.
213 234- عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان.
215 235- عبد الله بن أحمد بن حَرب البغداديّ.
216 236- عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه بن يونس.
216 237- عبد الله بن جابر الأموي.
216 238- عبد الله بن خالد اللؤلؤي.
216 239- عبد الله بن خالد الأزدي البخاري.
217 240- عبد الله بن ذؤاب الموصلي.
217 241- عبد الله بن سليمان بن يوسف البعلبكي.
217 242- عبد الله بن الصباح الهاشمي.
218 243- عبد الله بن عامر بن براد.
218 244- عبد الله بن عبد الجبّار بن نُضَيْر.
218 245- عبد الله بن عمران العابدي المخزومي.
218 246- عبد الله بن عمران الأسدي.
219 247- عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي.
219 248- عبد الله بن محمد بن رُمح بن المهاجر.
220 249- عبد الله بن محمد بن يحيى الخشاب الرملي.

(18/393)


220 250- عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَى الطرطوسي.
220 251- عبد الله بن محمد بن داود الأصبهاني.
220 252- عبد الله بن مسلم بن رُشيد.
221 253- عبد الله بن معاوية بن موسى الجُمحي.
222 254- عبد الله بن منير المروزي.
222 255- عبد الله بن نصر الأصم.
223 256- عبد الله بن الوضاح بن سعيد الأودي.
223 257- عبد الله بن يحيى بن سعد المُراديّ.
223 258- عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى بن هلال.
224 259- عبد الأول بن موسى بن إسماعيل.
224 260- عبد الجبّار بن العلاء بن عبد الجبّار.
224 261- عبد الحميد بن بيان الواسطي العطار.
225 262- عبد الحميد بن صُبيح العنبري.
225 263- عبد الخالق بن منصور القشيري.
225 264- عبد الرحمن بن إبراهيم بن عَمْرو بن ميمون.
226 265- عبد الرحمن بن أيوب بن سعيد السكوني.
227 266- عبد الرحمن بن الأسود الهاشمي.
227 267- عبد الرحمن بن زبان.
228 268- عبد الرحمن بن برد التجيبي.
228 269- عبد الرحمن بن عبد الوهاب العمي.
228 270- عبد الرحمن بن عُبَيْد الله بن حكيم الأسدي.
228 271- عبد الرحمن بن عمر بن يزيد الزهري.
229 272- عبد الرحمن بن محمد بن سلام الطرسوسي.
230 273- عبد الرحمن بن مسروق.
230 274- عبد الرحمن بن واقد بن مسلم.
231 275- عبد الرحمن بن يونس بن محمد السّرّاج.
231 276- عبد السّلام بن عبد الحميد بن سُوَيْد.

(18/394)


231 278- عبد السّلام بن عبد الرحمن بن صَخْر.
232 279- عبد الصّمد بن سليمان بن أبي مطر.
232 280- عبد الصمد بن الفضل بن خالد.
232 281- عبد الصمد بن موسى بن محمد الهاشميّ.
233 282- عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير.
233 283- عبد الكريم بن الحارث بن مسكين.
233 284- عبد الملك بن شُعيب بن الليث.
234 285- عبد الملك بن عبد ربه الطائي.
234 286- عبد الملك بن مروان بن قارظ.
234 287- عبد الواحد بن يحيى بن خالد الغافقي المعروف بسوادة.
235 288- عبد الوهاب بن زكريا الأصبهاني.
235 289- عبد الوهاب بن الضحاك العرضي.
235 290- عبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي.
236 291- عبد الوهاب بن فليح المكي.
237 292- عبد بن حميد بن مضر.
238 293- عبد ربه بن خالد النميري.
238 294- عبدة بن عبد الرحيم المروزي.
239 295- عبيد الله بن إدريس النرسي.
239 296- عبيد الله بن الجهم البصري الأنماطي.
239 297- عبيد الله بن حفص بن عمر.
240 298- عبيد الله بن سعيد بن يحيى.
240 299- عُبَيْد الله بن عبد الله بن المُنْكَدِر.
240 300- عبيد بن أسباط بن محمد القرشي.
241 301- عبيد بن إسماعيل القرشي.
241 302- عبيد بن هشام الحلبي.
242 303- عبدوس بن مالك العطار.
242 304- عُتْبة بن عبد الله بن عُتْبة اليَحْمَديّ.
242 305- عتاب بن ورقاء الشاعر.

(18/395)


243 306- عثمان بن إسماعيل بن عمران.
243 307- عثمان بن أيوب بن أبي الصلت القُرطبي.
243 308- عذرة بن مصعب القدري.
244 309- عسكرين الحصين النخشبي.
245 310- عصابة الجرجرئي.
246 311- عصمة بن الفضل النميري.
246 312- عقبة بن قبيصة بن عقبة.
246 313- عقبة بن مكرم العمي.
247 314- علكدة بن نوح بن اليسع الرعيني.
247 315- علي بن الأزهر بن عبد ربه.
247 316- علي بن بكار بن هارون المصيصي.
247 317- علي بن جميل الرقي.
248 318- علي بن الجهم بن بدر.
249 319- علي بن حجر السعدي.
251 320- علي بن الحسن الكوفي اللائي.
251 321- علي بن الحسن الكوفي.
251 322- علي بن الحسن بن السماك.
251 323- علي بن سعيد بن مسروق.
252 324- علي بن عيسى بن يزيد الكراجكي.
252 325- علي بن الفضل القيسي الكرابيسي.
252 326- علي بن ميمون الرقي.
253 327- عليّ بن نصر بن عليّ بن نصر الجهضمي.
253 328- علي بن الهيثم البغدادي.
253 329- علي بن يونس بن أبان الأصبهاني.
254 330- علي بن أبي علي الأنصاري.
254 331- عمار بن الحسن بن بشير.
254 332- عمار بن طالوت بن عباد.
254 333- عمارة بن عقيل.

(18/396)


255 334- عمران بن خالد بن يزيد.
255 335- عمران بن محمد المولي الخيزراني.
255 336- عمران بن موسى الليثي القزاز.
256 337- عمران بن موسى الطرسوسي.
256 338- عمر بن إسماعيل بن مجالد الهمذاني.
256 339- عمر بن حفص بن صبيح الشيباني.
257 340- عمر بن حفص بن عمر بن سعد الحمصي.
257 341- عمر بن حفص الدمشقي الخياط.
257 342- عمر بن محمد بن الحسن بن التل.
258 343- عمر بن يزيد السياري.
258 344- عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظ.
261 345- عمرو بن سواد بن الأسود العامري.
262 346- عمرو بن سهل الرازي.
262 347- عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد.
262 348- عمرو بن علي بن بحر بن كنيز.
264 349- عمرو بن عيسى الضُبعي.
264 350- عمرو بن قتيبة.
264 351- عمرو بن مالك الراسبي.
265 - النكري.
265 352- عمرو بن محمد بن عمرو بن ربيعة.
265 353- عمرو بن منصور النسائي.
265 354- عمرو بن هشام بن بزين.
266 355- عمرو بن يزيد الجرمي.
266 356- عنبسة بن إسحاق بن شمر الضبي.
266 357- العلاء بن مسلمة البغدادي.
266 358- عيسى بن حماد بن رغبة.
267 359- عيسى بن شاذان البصري القطان.
267 360- عيسى بن صبيح.

(18/397)


268 361- عيسى بن أبي عيسى السليحي.
268 362- عيسى بن المساور البغدادي.
268 363- عيسى بن مهران الرازي.
268 364- عيسى بن يوسف بن عيسى بن الطّبّاع.
"حرف الغين":
269 365- غياث بن جعفر الرحبي.
"حرف الفاء":
269 366- الفتح بن خاقان الأمير.
271 367- فتح بن عمرو التميمي.
271 368- فرج بن مرزوق.
271 369- فضالة بن الفضل الكوفي الطهوي.
272 370- الفضل بن إسحاق الدوري.
272 371- الفضل بن أبي حسان البكائي.
272 372- الفضل بن السكين القطيعي.
272 373- الفضل بن الصباح.
273 374- الفضل البكائي.
273 375- الفضل بن مروان الوزير.
"حرف القاف":
274 376- القاسم بن بِشْر بن معروف البغدادي.
274 377- القاسم بن زكريا بن دينار.
274 378- القاسم بن عثمان الجوعي.
276 379- القاسم بن عيسى الطائي.
"حرف الكاف":
276 380- كثير بن عُبيد المذحجي.
"حرف اللام":
277 381- اللَّيث بن سعد بن نَجِيح المصري.
"حرف الميم":
277 382- محمد بن آدم بن سليمان المصيصي.

(18/398)


278 383- محمد بن أبان بن وزير البلخي.
278 384- محمد بن إبراهيم بن حدران.
278 385- محمد بن إبراهيم بن سليمان الأسباطي.
279 386- محمد بن إبراهيم بن العلاء الدمشي.
279 387- محمد بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي.
279 388- محمد بن إبراهيم بن يحيى بن أبي سكينة.
280 389- محمد بن أحمد بن الجراح الجوزجاني.
280 390- محمد بن أحمد بن الحجاج الرقي.
280 391- محمد بن أحمد بن نافع العبدي.
281 392- محمد بن أبي يعقوب إسحاق بن منصور.
281 393- محمد بن أسد بن أبي الحارث.
285 394- محمد بن أسلم بن سالم الطوسي.
286 395- محمد بن إسماعيل الرماني.
286 396- محمد بن إسماعيل بن أبي ضرار.
286 397- محمد بن الأغلب بن إبراهيم.
286 398- محمد بن " ... " بن مساور.
286 399- محمد بن بشر بن النجم.
286 400- محمد بن بكر بن خالد.
287 401- محمد بن المنتصر بالله.
287 402- محمد بن المنتصر بالله.
289 403- محمد بن جعفر السمناني.
290 404- محمد بن حاتم بن سليمان الزمي.
290 - محمد بن حاتم السمين.
290 405- محمد بن حاتم بن بزيع البصري.
290 406- محمد بن الحارث بن راشد "صدرة".
291 407- محمد بن الحارث الرافقي البزاز.
291 408- محمد بن الحارث الليثي.
291 409- محمد بن أبي الليث الحارث بن عبد الله.

(18/399)


291 410- محمد بن حبيب.
292 411- محمد بن الحجاج بن رشدين.
292 412- محمد بن " ... " ميسرة.
292 413- محمد بن حماد الأبيوردي.
293 414- محمد بن حميد بن حيان.
294 415- محمد بن خالد بن خداش.
294 416- محمد بن خلف بن طارق.
295 417- محمد بن خليفة البصري.
295 418- محمد بن الخليل البلاطي.
295 419- محمد بن أبي خُنيس الخولاني.
295 420- محمد بن داود بن صبيح.
295 421- محمد بن داود بن سفيان المصيصي.
296 422- محمد بن رافع بن أبي زيد سابور.
298 423- محمد بن الربيع.
298 424- محمد بن رجاء بن السندي.
298 425- محمد بن رزق الله الكلوذاني.
298 426- محمد بن رمح بن المهاجر.
299 427- محمد بن روح بن عمران.
299 428- محمد بن زاهر بن حرب النسائي.
299 429- محمد بن زنبور المكي.
300 430- محمد بن أبي السري.
300 431- محمد بن سعيد بن حماد.
300 432- محمد بن سعيد بن كثير بن عُفير.
301 433- محمد بن سعيد بن يزيد التستري.
301 434- محمد بن سعيد بن عبد الملك بن أبي قفيز.
301 435- محمد بن سُفْيان بن أبي الزّرد الأُبُلّيّ.
301 436- محمد بن سلمة المرادي.
302 437- محمد بن سليمان بن حبيب.

(18/400)


303 438- محمد بن سوار الأزدي.
303 439- محمد بن شجاع.
303 440- محمد بن صدقة الحمصي.
303 441- محمد بن طريف البجلي.
304 442- محمد بن عباد بن موسى البغدادي.
304 443- محمد بن عباد بن آدم الهذلي.
304 444- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيُّ.
305 445- محمد بن عبد الله بن بَزِيع البصْريّ.
305 446- مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرحيم بْن سعيه.
306 447- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عقيل.
306 448- محمد بن عبد الله بن بكر الخُزَاعيّ.
307 449- محمد بن عبد الله بن حفص بن هشام.
307 450- محمد بن عبد الله بن أبي حُماد الطرسوسي.
307 451- محمد بن عبد الله بن حسن الجرجاني.
307 452- محمد بن عبد الأعلى الصنعاني.
308 453- محمد بن عبد الرحمن بن حكيم بن سهم.
308 454- محمد بن عبد الصمد بن داود الحراني.
308 455- محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة.
309 456- محمد بْن عَبْد المُلْك بْن أَبِي الشَّوارب.
309 457- محمد بن عُبَيْد بن محمد بن واقد المحاربي.
310 458- محمد بن عُبَيْد بن محمد بن ثَعْلَبَة.
310 - محمد بن عبيد المدني.
310 459- محمد بن عبيد بن عبد الملك الأسدي.
311 460- محمد بن عثمان بن خالد العثماني.
311 461- محمد بن عثمان بن بحر.
311 462- محمد بن عصام بن يزيد بن عجلان.
312 463- محمد بن عُقبة بن هرم السدوسي.
312 464- محمد بن عُكاشة الكرماني.

(18/401)


313 465- محمد بن العلاء بن كريب.
314 466- محمد بن عليّ بن الحَسَن بن شقيق.
315 467- محمد بن علي بن حمزة المروزي.
315 468- محمد بن علي بن حمزة العلوي.
315 469- محمد بن علي بن حمزة الأنصاري.
315 470- محمد بن علي بن حمزة الأنطاكي.
315 471- محمد بن عمران بن أيوب الأصبهاني.
316 472- محمد بن عمران بن زياد الضبي.
316 473- محمد بن عمر بن علي بن عطاء المقدمي.
316 474- محمد بن عمر بن حرب بن سنان القرشي.
317 475- محمد بن عمرو بن العباس الباهلي.
317 476- محمد بن عمرو بن الحكم الهروي.
317 477- محمد بن " ... ".
317 478- محمد بن أبي عون البغدادي.
318 479- محمد بن عيسى بن زياد.
318 480- محمد بن أبي غالب القومسي.
318 481- محمد بن أبي غالب صاحب هشيم.
319 482- محمد بن فراس البصري.
319 483- محمد بن قُدامة بن أعين.
319 484- محمد بن الإمام بن أبي عبد الله محمد بن إدريس.
320 485- محمد بن محمد بن مرزوق الباهلي.
320 486- محمد بن محمد بن النُّعْمان بن شِبْل.
320 487- محمد بن مرداس الأنصاري.
320 488- محمد بن مرداس الأنصاري "آخر".
321 489- محمد بن مرزوق الباهلي.
321 490- محمد بن مسعدة البزاز.
321 491- محمد بن مسعود بن يوسف العجمي.
322 492- محمد بن مسكين اليمامي.

(18/402)


322 493- محمد بن مصفى بن بهلول.
323 494- محمد بن معروف القرشي.
323 495- محمد بن مقاتل الرازي.
323 - محمد بن مقاتل المروزي.
324 496- محمد بن موسى بن نُقيع.
324 497- محمد بن موسى بن عمران.
324 498- محمد بن أبي معشر نجيح السندي.
325 499- محمد بن النضر الزبيري.
325 500- محمد بن النعمان بن عبد السلام.
326 501- محمد بن هارون الرشيد.
326 502- محمد بن هارون الوراق.
327 503- محمد بن هشام بن عوف السعدي.
327 504- محمد بن الهيثم بن خالد البجلي.
328 505- محمد بن الهيثم الكوفي المقرئ.
328 506- محمد بن الوزير المصري.
329 507- محمد بن الوزير بن الحكم.
329 - محمد بن وزير الواسطي.
329 508- محمد بن الوليد الأموي.
329 509- محمد بن وهب بن أبي كريمة.
330 510- محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني.
330 511- محمد بن يحيى بن عبدويه.
331 512- محمد بن يحيى بن فياض.
331 513- محمد بن يزيد البغدادي الأدمي.
311 514- محمد بن يزيد بن سابق الهروي.
332 515- محمد بن يزيد بن محمد العجلي.
333 516- محمد بن يزيد الواسطي.
333 517- محمد بن يعقوب الأسدي.
333 518- محمد بن يونس المخزومي.

(18/403)


334 519- مالك بن سعد بن عُبادة.
334 520- مجاهد بن موسى بن فروخ.
335 521- محمود بن خالد بن يزيد السلمي.
335 522- محمود بن خداش الطالقاني.
336 523- مخارق بن ميسرة.
336 524- مخلد بن عمرو بن لبيد.
336 525- مخلد بن مالك بن جابر الرازي.
337 526- مخلد بن مالك بن شيبان.
337 527- مخلد بن محمد الزهراني.
337 528- مروان بن أبي الجنوب.
338 529- مسعود بن جويرية بن داود.
338 530- المسيب بن واضح بن سرحان.
339 531- مشرف بن أبان البغدادي.
339 532- مصعب بن عبد الله بن مصعب.
339 533- معاوية بن عبد الرحمن الرحبي.
340 534- معلى بن سلام الدمشقي الرفاء.
340 535- المغيرة بن عبد الرحمن الأسدي.
340 536- المفضل بن غسان الغلابي.
341 537- مقدم بن يحيى بن عطاء المقدمي.
341 538- مكي بن عبد الله بن مهاجر الرعيني.
341 539- منخل بن منصور الجهني.
342 540- المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن.
342 541- موسى بن حزام الترمذي.
342 542- موسى بن عبد الملك الأصبهاني.
342 543- موسى بن قريش التميمي.
343 544- محمد بن سعيد بن حيان.
343 545- موسى بن عبد الرحمن بن القاسم الضَّبّيّ.
343 546- موسى بن علي الهمداني البخاري.

(18/404)


343 547- موسى بن مروان البغدادي.
344 548- موسى بن ناصح البغدادي.
"حرف النّون":
344 549- نجاح بن سَلَمَةَ بن نجاح الوزير.
344 550- نصر بن الحسين بن صالح بن غَزْوان.
344 551- نصر بن خزيمة بن علقمة.
345 552- نصر بن عبد الرحمن بن بكّار الكوفيّ.
345 553- نصر بن عليّ بن نصر بن عليّ بن صُهبان.
347 554- نصر بن محمد بن سليمان الحمصي.
347 555- نُصير بن الفرج الأسلمي.
347 556- نُصير بن يزيد الحنفي.
348 557- النضر بن طاهر.
348 558- نهار بن عثمان.
348 559- نوح بن حبيب القُومسي.
"حرف الهاء":
349 560- هارون بن حاتم الكوفي.
350 561- هارون بن زيد بن أبي الزرقاء.
350 562- هارون بن سفيان المستملي.
350 563- هارون بن عبد الله بن مروان "الحمال".
351 564- هارون بن عيسى الكوفي.
351 565- هارون بن فراس السجستاني.
351 566- هارون بن محمد بن بكار بن بلال.
351 567- هارون بن موسى بن حيان التميمي.
352 568- هاشم بن محمد بن يزيد بن يَعْلَى.
352 569- هاشم بن ناجية السلماني.
352 570- هاني بن المتوكل بن إسحاق.
353 571- هاني بن النضر الأزدي.
353 572- هدية بن عبد الوهاب.

(18/405)


353 573- هشام بن خالد الدمشقي.
354 574- هشام بن عبيد الله الكلبي.
354 575- هشام بن عمار بن نصير.
359 576- هلال بن بشر المزني.
360 577- هلال بن يحيى البصري.
360 578- هناد بن السرى بن مُصعب.
361 579- الهيثم بن مروان بن الهيثم.
"حرف الواو":
362 580- واصل بن عبد الأعلى الكوفي.
362 581- الوليد بن شجاع بن الوليد.
363 582- الوليد بن عمرو بن السُكين.
363 583- وهب بن بيان الواسطي.
363 584- وهب الله بن رزق المصري.
363 585- وهب بن حفص البجلي.
"حرف الياء":
364 586- يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن.
370 587- يحيى بن جعفر بن أعين البيكندي.
370 588- يحيى بن الحارث الإخميمي.
370 589- يحيى بن حبيب بن عربي.
371 590- يحيى بن حكم الأندلسي.
371 591- يحيى بن خلف الباهلي.
371 592- يحيى بن داود الواسطي.
372 593- يحيى بن درست بن زياد.
372 594- يحيى بن سليمان بن نضلة.
372 595- يحيى بن طلحة اليربوعي.
372 596- يحيى بن عبد الرحيم بن محمد الخشرمي.
373 597- يحيى بن عبد الغفار الكتبي.
373 598- يحيى بن محمد بن قيس الأنصاري.

(18/406)


373 599- يحيى بن مخلد المقسمي.
373 600- يحيى بن واقد الطائي.
374 601- يحيى بن يزيد بن ضماد.
374 602- يزيد بن سعيد الإسكندراني.
374 603- يزيد بن عبد الله بن رزيق.
375 604- يعقوب بن إسحاق بن السكيت.
376 605- يعقوب بن إسماعيل بن حماد.
377 606- يعقوب بن حميد بن كاسب المدني.
377 607- يعقوب بن ماهان البناء.
377 608- يمان بن عيسى.
378 609- يوسف بن إبراهيم بن شبيب الفرساني.
378 610- يوسف بن حماد المعنى.
378 611- يوسف بن حماد الإستراباذي.
379 612- يوسف بن سلمان الباهلي.
379 613- عيسى بن دينار المروزي.
379 - يوسف بن عيسى بن ماهان.
"الكنى":
379 614- أبو أيوب الخياط.
379 615- أبو بكر بن نافع البصري.
380 616- أبو بكر بن النضر بن أبي النضر هاشم.
380 - أبو تراب النخشبي.
380 617- أبو حُصَيْن بْن يحيى بْن سُلَيْمَان الرّازيّ.
380 - أبو هفان الشاعر.
380 - أبو زيد البسطامي.
381 فهرس الموضوعات.

(18/407)