تاريخ البصروي

سنة سبع وَتِسْعين وثمان ماية
استهلت والخليفة المتَوَكل على الله عبد الْعَزِيز العباسي وَالسُّلْطَان الْملك الاشرف قايتباي والاتابكي ازبك الظَّاهِرِيّ والقضاة بِمصْر الشَّيْخ زَكَرِيَّا الشَّافِعِي وَشرف الدّين الاخميمي الْحَنَفِيّ وشمس الدّين بن التقي الْمَالِكِي وَبدر الدّين السَّعْدِيّ الْحَنْبَلِيّ وَكَاتب السِّرّ الشريف بدر الدّين بن مزهر الانصاري ونائب الشَّام قانصوه اليحياوي الظَّاهِرِيّ والاتابكي جانم ذهب إِلَى مصر وَإِلَى الْآن مَا ولي غَيره والقضاة شهَاب الدّين احْمَد الفرفوري الشَّافِعِي وبرهان الدّين بن القطب الْحَنَفِيّ وَنجم الدّين بن مُفْلِح الْحَنْبَلِيّ وَقَضَاء الْمَالِكِيَّة بعد موت المريني لم يتوله اُحْدُ
الْمحرم مستهله الْجُمُعَة سادس عشريه وصل الْحَاج الشَّامي وحكوا رخصا وَخيرا وَمَاء كثيرا وَالْحَمْد لله صفر مستهله السبت لَيْلَة

(1/150)


ثامنه توفّي صاحبنا الشَّيْخ الْعَلامَة المفنن شمس الدّين مُحَمَّد بن الشَّيْخ عماد الدّين اسماعيل خطيب السَّقِيفَة الشَّافِعِي مولده سنة ارْبَعْ واربعين كَانَ فَقِيها اصوليا نحويا وَله الذِّهْن الْوَقَّاد ذُو الْقُوَّة كالبحر وَكَانَ صَوته جهوريا وَكَانَ متصديا لمساعدة الْفُقَرَاء واصحابه وَغَيرهم على قبائحهم ويستدين وَيطْعم الْفُقَرَاء ويقري الضَّيْف وَالْحَاصِل انه كَانَ يتعب نَفسه ليفرج هم صَاحبه وَمن يَقْصِدهُ وَلم يكن لَهُ فِي هَذَا الْبَاب نَظِير وَكَانَت جنَازَته حافلة واثنى النَّاس عَلَيْهِ خيرا تقدم للصَّلَاة عَلَيْهِ بِجَامِع السَّقِيفَة الشَّيْخ الْقدْوَة تَقِيّ الدّين بن قَاضِي عجلون الشَّافِعِي وَدفن بمقبرة الشَّيْخ رسْلَان رَحمَه الله تَعَالَى عِنْد قبر والدته واهله وَخلف وَالِده وَثَلَاثَة اولاد ذُكُور وَبنت
وَفِيه توفّي الشَّيْخ الْفَاضِل عماد الدّين اسماعيل بن عَامر البصروي الشَّافِعِي من قدماء الطّلبَة فِي الثَّمَانِينَ قَرَأَ على شُيُوخنَا حسن الاستحضار طارح للتكلف وَدفن بمقبرة القبيبات قريب جَامع منجك رَحمَه الله تَعَالَى
سادس عشره توفّي الشَّيْخ مُحَمَّد الصَّفَدِي الشَّافِعِي تلميذ الشَّيْخ شمس الدّين بن سعد كَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ ملازما للتلاوة وَالذكر والاشتغال بالفقه فِي مذْهبه وَكَانَ يَدُور على الارامل والمنقطعين يقْضِي حوائجهم كل يَوْم اِدَّرَكَ الْمَشَايِخ إِلَى ان اضر آخر عمره وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير قريب جَامع جراح قريب الثَّمَانِينَ سنة ربيع الاول مستهله الاحد توفّي السَّيِّد قَاسم نقيب القَاضِي الْمَالِكِي المريني كَانَ من أهل الْخَيْر ملازما للصلوات بالجامع الْأمَوِي الا نَادرا رَحمَه الله تَعَالَى

(1/151)


ربيع الآخر مستهله الثُّلَاثَاء لَيْلَة ثَالِثَة توفّي شهَاب الدّين احْمَد بن يحيى الْمصْرِيّ الْحَنَفِيّ نقيب القَاضِي الْمَالِكِي المريني ايضا وَكَانَ من اعيان الموقعين وَكَانَ شَدِيد الْبشر منجمعا على نَفسه وَكَانَ لَهُ جَنَازَة حافلة دفن بمقبرة مَسْجِد النارنج شَرْقي الْمُصَلِّي واثنى النَّاس عَلَيْهِ خيرا رَحمَه الله تَعَالَى
عشريه توفّي شمس الدّين مُحَمَّد الْغَزِّي الْحَنَفِيّ نَائِب الْحَنَفِيّ كَانَ من فضلاء الْحَنَفِيَّة عَارِفًا بِالْقُرْآنِ وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى لَيْلَة سَابِع عشره توفّي شهَاب الدّين احْمَد الاخنائي الشَّافِعِي وَالِد القَاضِي مُحي الدّين نَائِب القَاضِي الشَّافِعِي كَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ ملازما للتلاوة من الاعيان على طَريقَة الاوائل سليم الْفطْرَة مولده سنة ثَلَاث وثمانماية صلي عَلَيْهِ بالجامع الْأمَوِي وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير عِنْد تربة ابْن قَاضِي عجلون
فِي سَابِع عشر ربيع الآخر توفّي الشَّيْخ شمس الدّين خطيب الثابتية وَدفن بِالْبَابِ الصَّغِير قريب سَيِّدي رَحمَه الله
فِي تَاسِع عشره توفّي الشَّيْخ عَلَاء الدّين خطيب كفرسوسيا رَحمَه الله تَعَالَى

(1/152)


ربيع الاول سنة 900 هـ
مستهله الاحد وَهُوَ اول كانون الاول تاسعه لبس الكافل خلعة الشتَاء وَفِي المرسوم التيهؤ لأجل الْعَرَب بِسَبَب الْحَاج وان الامير الْكَبِير بِدِمَشْق يلباي يكون امير الْحَاج فِي هَذِه السّنة الِاثْنَيْنِ سادس عشره توفّي مُحي الدّين بن مُحَمَّد الفرفوري وَهُوَ ابْن عَم القَاضِي الشَّافِعِي عَامل ديوَان الْجَيْش بِدِمَشْق وَخلف بَنَات وَزَوْجَة وَابْن اخ عصبَة كَانَ فِيهِ بر وَصدقَة للْفُقَرَاء وَالصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاء كَانَ اضر فِي آخر عمره من نَحْو ثَلَاث سِنِين صلي عَلَيْهِ بالجامع الْأمَوِي تقدم للصَّلَاة الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ يَعْقُوب الصَّالح وَدفن بمقبرة بَاب شَرْقي بِالْقربِ من قبر سَيِّدي ابي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ وَختم نَائِب القلعة وَصَلَاح الْعَدوي وَكيل السُّلْطَان على موَاضعه وَفِي يَوْم الْجُمُعَة عشريه جاؤوا إِلَى منزله وَمَعَهُمْ

(1/153)


شُهُود فَحَفَرُوا مَوَاضِع ظانين ان فِيهَا مَالا فَمَا وجدوا شَيْئا وَلَا وجدوا لَهُ غير ثلثماية دِينَار
لَيْلَة عاشره رأى ابراهيم الحديدي صاحبنا فِي النّوم كَأَنَّهُ وانا بالحضرة الشَّرِيفَة وان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهتم للحضور إِلَى دمشق وانه امرني بالذهاب مَعَه انا وَابْني مُحَمَّد جلال الدّين بعد ان ساله ابراهيم هَذَا عَن احاديث هَل هِيَ صَحِيحَة عَنْك يَا رَسُول الله فَقَالَ نعم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَانِي عشريه توفّي مُحَمَّد بن النَّاسِخ الْمُؤَذّن بالجامع الْأمَوِي كَانَ من اهل الْقُرْآن سليم الْفطْرَة رَحمَه الله تَعَالَى صعد على سطحه لاصلاحه فَوَقع فَمَاتَ وَدفن بمقبرة الْبَاب الصَّغِير بجوار مَسْجِد النارنج
ربيع الآخر سنة 900 هـ مستهله الِاثْنَيْنِ الثَّلَاثِينَ من كانون الاول ثالثه اول كانون الثَّانِي الاربعاء سَابِع عشره وصل من نَاحيَة حلب ولد الْحَاجِب الْكَبِير قرقماس متسلما الحجوبية من وَالِده وَنزل فِي بَيت ابْن منجك جوَار الْجَامِع الْأمَوِي لمصاهرة بَينهم
ثَانِي عشريه سَافر محب الدّين كَاتب السِّرّ بِدِمَشْق إِلَى الْقَاهِرَة مَطْلُوبا بِسَبَب شكوى نَصْرَانِيّ عَلَيْهِ بَينهمَا مُنَازعَة
اواخره توفّي الشَّيْخ مُحَمَّد النعسان الرجل الصَّالح توفّي بقرية سعسع كَانَ مواضبا على الْعِبَادَة وَجمع الْفُقَرَاء على الذّكر والاحسان اليهما إيضا كل من مر مِنْهُم نزل عِنْده غَالِبا وَكَانَ من ارباب الْقُلُوب ناهز السّبْعين

(1/154)


وَدفن بالقرية الْمَذْكُورَة وَحكي عَنهُ ان الخدام بالحضرة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة كَانُوا يسمعُونَ صلَاته على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانهم اعلموا بِإِشَارَة من قبل الحضرة الشَّرِيفَة ان هَذَا صَوت فلَان بل وَحكي عَنهُ انه كَانَ اذا رد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته يسمع هَذَا صَوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بقريته وَقد اجْتمعت بِهِ مَرَّات وَذكرت ذَلِك فَمَا أنكر مِنْهُ شَيْئا وَكَانَ لي مِنْهُ حَظّ وافر وَأَرْجُو بركته جمع الله بَيْننَا وَبَينه فِي مُسْتَقر رَحمته بِحَق نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الثُّلَاثَاء تَمَامه نزل بالمصطبة قرقماس الْحَاجِب وصل من نَاحيَة حلب وَكَانَ يَوْمًا كثير الْمَطَر
الاحد ثامن عشريه ختم الدَّرْس بالشامية البرانية
جُمَادَى الاولى سنة 900 هـ مستهله الثُّلَاثَاء الاحد سادسه اول شباط وشكل الْقَمَر يشْعر بِأَن اول الشَّهْر الْعَرَبِيّ الثُّلَاثَاء لَكِن لم يخبر اُحْدُ انه رَآهُ لَيْلَة الثُّلَاثَاء الْخَمِيس ثَانِيه دخل الْحَاجِب الْكَبِير قرقماس الْبَلَد لابسا خلعة الحجوبية وَنزل بِبَيْت الامير جانم الَّذِي هُوَ الْآن بِالْقَاهِرَةِ امير آخور ثَانِي وَحصل من الْحَاجِب بَوَادِر تدل على حسن سيرته الهمه الله تَعَالَى الثَّبَات على ذَلِك واصلحه واصلح جَمِيع وُلَاة الْمُسلمين
الِاثْنَيْنِ ثَالِث عشره وصل اركماس امير الْحَاج من الْقَاهِرَة مَقْبُول الْعذر وَدخل الْبَلَد بخلعة بَقَائِهِ على التقدمة وَدخل ايضا قطج دوادار الكافل من الْقَاهِرَة بخلعة وَالله تَعَالَى يفعل مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد لَا إِلَه الا هُوَ الْخَمِيس سادس عشره ضرب بعض امراء الاتراك شخصا حد شرب الْخمر اعْتِمَادًا على الشَّك بعد ان شهد عِنْده جمَاعَة بِأَنَّهُ رئي سَكرَان فَاعْترضَ عَلَيْهِ بعض الْقُضَاة الشَّافِعِيَّة بِأَن الشَّك لَا يحد بِهِ فأجب التركي

(1/155)


بِأَن مذهبي حَنَفِيّ وَمذهب ابي حنيفَة الاخذ بِالشَّكِّ والرائحة
الاربعاء ختامه وصل القَاضِي كَمَال الدّين بن الْخَطِيب وعَلى يَده مرسوم بِطَلَب القَاضِي الشَّافِعِي ومباشري المرستان تَأْكِيدًا لطلبهم الاول وَمن مَعَهم وهم القَاضِي شهَاب الدّين الرَّمْلِيّ الشَّافِعِي نَائِب القَاضِي الشَّافِعِي وامام الْجَامِع الْأمَوِي نِيَابَة عَنهُ بِسَبَب شكوى احْمَد الْحَمَوِيّ شيخ سوق المرستان وَطلب ايضا شهَاب الدّين الشارعي الْمصْرِيّ وعماد الدّين الشَّاهِد بِبَاب القَاضِي بِسَبَب الْمَذْكُور فَإِنَّهُ ادّعى انهما شَهدا عَلَيْهِ فِي وَاقعَة بِالْبَاطِلِ جُمَادَى الْآخِرَة مستهله الاربعاء خَامِس عشريه شهر شباط الْخَمِيس ثَانِيه لبس يلباي امير كَبِير بِدِمَشْق خلعة بأمريية الْحَاج وَقُرِئَ مرسومه القَاضِي بذهابه
الاحد خامسه اول آذار فِيهِ هجم الْعَرَب على خيل الكافل الَّتِي مَعَ التركمان بالدشار وَمَعَهُمْ ذَوَات اهل دمشق واخذوا ذَلِك فتوجهت فرقة من عَسْكَر الكافل إِلَيْهِم وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه لَيْسَ لَهَا من دون الله كاشفة
وَفِيه وصلت الاخبار بِأَن الطولقي الَّذِي كَانَ قَاضِي دمشق الْمَالِكِي تزايد عَلَيْهِ الضّيق فَقَالَ فِي بعض الاوقات لَا بُد لي من اُحْدُ امور ثَلَاثَة اما ان يظْهر الْجُنُون واما ان اقْتُل نَفسِي واما ان اكفر حَتَّى تضرب عنقِي وان اهل الْقَاهِرَة من عُلَمَاء الْمَالِكِيَّة تحركوا لهَذَا الْكَلَام وعزموا على عرضه على المسامع الشَّرِيفَة وانه لَا تقبل تَوْبَته وَلَا بُد من ضرب عُنُقه وانه عزم على الْكفْر وَهُوَ ردة فِي الْحَال نسْأَل الله تَعَالَى ان لَا يمكر بِنَا وان يَقِينا شرور انفسنا برحمته وَاسْتقر الْحَال على عَزله
وَفِيه تَوَاتَرَتْ الاخبار بِأَن الْعَرَب الَّذين اخذوا الْحَاج انحازوا إِلَى

(1/156)


نَاحيَة اذرعات وَجعلُوا لَهُم سوقا يبيعون فِيهَا مَا اخذوه وَيخرج خلائق من دمشق يشْتَرونَ مِنْهُم ذَلِك مَعَ علم اركان الدولة بذلك اللَّهُمَّ قرب الْفرج بِمُحَمد وَصَحبه
ثامنه توفّي شهَاب الدّين النابلسي الْعَنْبَري من طلبة الشَّافِعِيَّة رفقائنا كَانَ يحفظ الْقُرْآن وَله طلب فِي الْعلم لكنه اشغلته الْمَعيشَة رَحمَه الله تَعَالَى وَفِيه توفّي نَاصِر الدّين مُحَمَّد خَادِم المرحوم القَاضِي محب الدّين رَحمَه الله تَعَالَى
الْخَمِيس تاسعه سَافر القَاضِي صَلَاح الدّين الْعَدوي إِلَى الْقَاهِرَة وصحبته الاسلمي الَّذِي كَانَ سَافر فِي الْعَام الْمَاضِي مطلوبين بِسَبَب شكاوى عَلَيْهِمَا واخوف مَا اخاف على الْعَدوي دُعَاء الْفُقَهَاء والفقراء عَلَيْهِ بِسَبَب الشامية البرانية وَغَيرهَا فقد منع الْمُسْتَحقّين حُقُوقهم
يَوْم الْجُمُعَة دخل إِلَى دمشق زرافة وَوَقع الْكَلَام مَعَ بعض الْفُضَلَاء فِي امْر حلهَا وان الشَّيْخ مُحي الدّين النَّوَوِيّ ذكر فِي شرح الْمهْدي انه حرَام وان بعض الاصحاب قَالَ انها مُتَوَلّدَة من مَأْكُول وَغَيره هَذَا كَلَامه وان الاذرعي قَالَ ان هَذَا غير الْمَنْقُول ثمَّ نقل عَن القَاضِي حُسَيْن وَالْغَزالِيّ وَابْن الْقطَّان وَغَيرهم الْحل وَنقل عَن بَعضهم انها مُتَوَلّدَة من الْفرس وَالْبَقر والضبع وان الْجَوْهَرِي قَالَ انها جمل الْوَحْش وَقَالَ انه لم ير لَهَا ذكر فِي كَلَام اصحاب الائمة الثَّلَاثَة وان قواعدهم تَقْتَضِي الْحل وان ابا الْخطاب الْحَنْبَلِيّ قَالَ بتحريمها ولعلي اجده من التَّنْبِيه كالنواوي وان صَاحب التَّنْبِيه اعْترض عَلَيْهِ من اتى بعده ثمَّ قَالَ وَالصَّحِيح ان الصَّوَاب الْحل وَنقل عَن ابْن الرّفْعَة ان بَعضهم قَالَ زراقة بِالْقَافِ وَلَيْسَ بِشَيْء وَالزَّاي مِنْهَا فِيهَا الضَّم وَالْفَتْح انْتهى واصله للسبكي وَسبق إِلَى تَرْجِيح الْحل ابْن الرّفْعَة ايضا والدميري مَعَهم فِي تَرْجِيح الْحل
لَيْلَة الْخَمِيس ثَالِث عشريه توفّي شهَاب الدّين الشارعي الشَّاهِد فِي

(1/157)


ابواب الْقُضَاة وَدفن بتربة بَاب الفراديس كتب وَصيته يَوْم الثُّلَاثَاء وَدَار بهَا على النَّاس وَيَوْم الاربعاء بعد الصَّلَاة اسْتمرّ إِلَى عشيته فِي بَاب القَاضِي الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى
رَجَب مستهله الْجُمُعَة سَابِع عشري آذار الِاثْنَيْنِ رابعه سلخ آذار سَافر إِلَى الْقَاهِرَة الشَّيْخ شهَاب الدّين المحوجب الشَّافِعِي كتب الله سَلَامَته وانجح قَصده فانه بسمة خير
السبت تاسعه سَافر عبد الْقَادِر الْعَدوي وَمُحَمّد بن شعْبَان وقاسم البواب بالمرستان وَمُحَمّد الجابي النقاش وَمُحَمّد بن عبد الرَّزَّاق وَمُحَمّد ابْن الْمُؤَيد وهم وهم من المطلوبين بِسَبَب المرستان إِلَى الْقَاهِرَة وصحبتهم سعد الدّين القاصد فِي ذَلِك ثمَّ يَوْم الاحد عاشره سَافر القَاضِي نجم الدّين الخيضري فِي ذَلِك ايضا بعد ان كَانَ عزم على ان يُسَافر بعد ذَلِك صُحْبَة القَاضِي الشَّافِعِي فَمَا رَضِي القاصد

(1/158)


رَمَضَان سنة تسع ماية
مستهله الِاثْنَيْنِ سادس عشري ايار
اجْتمع قَاضِي الْقُضَاة الْحَنَفِيّ محب الدّين بن القصيف وقاضي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ نجم الدّين بن مُفْلِح وَحضر مَعَهُمَا القَاضِي سراج الدّين بن الصَّيْرَفِي الشَّافِعِي نَائِب القَاضِي الشَّافِعِي ابْن فرفور لكَون مستخلفه غَائِبا بِالْقَاهِرَةِ الْآن وَحضر شخص رأى الْهلَال لَيْلَة الِاثْنَيْنِ بَين العشائين بالجامع الْأمَوِي فاتفق الْحَاضِرُونَ على ان سراج الدّين يسمع شَهَادَته فَقَالَ لَا اسمعها الا بِدَعْوَى دين مُؤَجل باستهلال شهر رَمَضَان فأقاموا مُدعيًا ومدعى عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ فَادّعى بمبلغ عينه انه مُؤَجل بمستهل شهر رَمَضَان هَذِه السّنة وَقد اسْتهلّ وَحل فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ يثبت مَا يَدعِيهِ فَشهد الشَّاهِد بِرُؤْيَة الْهلَال هَذِه اللَّيْلَة فَطلب التَّزْكِيَة فَزكِّي فَصرحَ بالثبوت وَحكم بِالدّينِ وَهَذَا خطأ من وُجُوه احدها طلبه مُدعيًا فِيمَا هُوَ حق الله تَعَالَى لَيْسَ بِشَرْط بل قَالَ بعض اصحابنا انه لَا يسمع فِيهِ الدَّعْوَى وَهَذَا حرَام عَلَيْهِ سَمَاعه وَقد صرح الشَّيْخَانِ وَغَيرهمَا بَان من جملَة مَا تسمع فِيهِ شَهَادَة الْحِسْبَة الْهلَال ثَانِيهَا اقامة هَذِه الدَّعْوَى الَّتِي هِيَ كذب وَهَذَا حرَام عَلَيْهِ سَمَاعه حَيْثُ علم انه لَا حَقِيقَة لَهُ ثَالِثهَا الالزام بِالدّينِ بِنَاء على شَهَادَة الْوَاحِد بَاطِل لَان مَذْهَبنَا اذا صَحَّ الْعَمَل بقول الْوَاحِد مَحَله فِي الصَّوْم فَقَط اما

(1/159)


فِي حُلُول الدّين وَنَحْوه فَلَا بُد من النّصاب
رَابِعهَا ان قَول الْمُدعى عَلَيْهِ فِي جَوَاب الْمُدَّعِي شهد الشَّهْر جَوَابا صَحِيحا وَلَا يجوز سَماع الْبَيِّنَة حَتَّى يُنكر اَوْ يعْتَرف فَيَنْقَطِع النزاع
خَامِسهَا ان الدّين لم يتَعَرَّض لأصل الْمُدعى عَلَيْهِمَا ايضا بإنكار وَلَا اعْتِرَاف وبنوا سَماع الْبَيِّنَة الَّتِي هِيَ الْوَاحِد فِي الصَّوْم على قَوْله يثبت وَشهد بِرُؤْيَة الْهلَال وَمَا تعرض للدّين وليتأمل المتصف ان هَذِه وَاقعَة بِحَضْرَة الجم الْغَفِير من الْخَاص وَالْعَام فَكيف بأفراد الدَّعَاوَى الَّتِي يسْتَقلّ الْوَاحِد من هَؤُلَاءِ بالحكم فِيهَا وَالْحَال ان هَذَا القَاضِي فِي حُدُود الثَّمَانِينَ سنة فَالْحَمْد لله على كل حَال والقاضيان لم يتعرضا لظنهما ان مثل هَذَا عِنْده فِي مذْهبه سَائِغ ثمَّ تحرر ان قَاضِي الْقُضَاة الْحَنْبَلِيّ انكر فِي الْمجْلس اقامة الدَّعْوَى افتعالا
اوله سَافر القَاضِي رَضِي الدّين الْغَزِّي إِلَى الْقَاهِرَة بِسَبَب الطّلب سادسه مستهل حزيران وصل القَاضِي رَضِي الدّين رَاجعا إِلَى دمشق بمرسوم لأجل المرستان لِئَلَّا يتعطل بعد ان كَانَ وصل إِلَى مرج بني عَامر
حادي عشره توفّي محب الدّين مُحَمَّد ايوب نَائِب القَاضِي الشَّافِعِي السبت ثَالِث عشره ضحوة النَّهَار توفّي الشَّيْخ الْقدْوَة الْعَلامَة الْمُحدث اللّغَوِيّ العابد الزَّاهِد الْفَرد الْجَامِع برهَان الدّين ابراهيم التاجي الشَّافِعِي جَاوز التسعين وَصلى عَلَيْهِ شمس الدّين بن البزة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير قبال قبر سَيِّدي مُعَاوِيَة من جِهَة الغرب فاصل بَينه وَبَين قَبره الطَّرِيق وَكَانَت جنَازَته هائلة حضرها الْخَاص من أهل الْبَلَد وَالْعَام وَلم

(1/160)


يخلف مثله فِي جمعه للعلوم ونهضته فِي الْعِبَادَة وَصَبره على التقلل من الدُّنْيَا رَحمَه الله تَعَالَى وَظهر وقف كتبه من سنة سبع وَتِسْعين وثمانماية على طلبة الْعلم وان النّظر فِيهَا لشمس الدّين بن البزة واضاف اليه قبل مَوته جمَاعَة مِنْهُم شَيخنَا الْقدْوَة شهَاب الدّين المحوجب وَالله يلطف وَيُدبر وَيخْتم لنا بِخَير آمين
يَوْم الْجُمُعَة عاشره اغلق نَائِب قلعة دمشق ابواب القلعة ونصبوا على نواحي القلعة المجانيق واستدعوا القلعية للرمي على الكافل والكافل جَالس فِي الاسطبل لَا يَتَحَرَّك من بكرَة إِلَى وَقت الصَّلَاة وَخرج إِلَى الصَّلَاة مَاشِيا وَمَعَهُ رجلَانِ فصلى بِمَسْجِد بِرَأْس جسر الزلابية ثمَّ رَجَعَ واغلقت الاسواق واضطربت الْبَلَد وَحط الْحَال على ان سَبَب ذَلِك نزاع حصل بَين قطج دوادار الكافل وَبَين خازندار نَائِب القلعة فَاجْتمع الامراء بعد الصَّلَاة واخذوا نَائِب القلعة إِلَى الكافل فألبسه خلعة ولنقيب القلعة خلعة وَسكن الْحَال ثَانِي عشريه دقَّتْ البشائر لوصول الْخَبَر بِأَن السُّلْطَان كَانَ قد مرض ثمَّ تعافى وَنُودِيَ بالزينة فزينوا الاسواق وَاسْتمرّ ذَلِك إِلَى تَاسِع عشريه وَرفعُوا الزِّينَة فعشيته جَاءَ المرسوم بالزينة فجددوا ايضا نسْأَل الله حسن الْعَافِيَة
تَاسِع عشريه كَانَ ختم مُسْند الشَّافِعِي بِجَامِع نَخْلَة بكرَة النَّهَار بالايوان الشمالي بِقِرَاءَة الشَّيْخ عِيسَى الغرابي وَحضر الْفُضَلَاء وَوَقع الْكَلَام فِي امْر الانصار ومآثرهم وذريتهم الْمَوْجُودين الْآن بِالْقَاهِرَةِ وَكَانَ مَجْلِسا حافلا نسْأَل الله تَعَالَى الاخلاص وَالْقَبُول بِحَق نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْحَمْد لله الَّذِي بنعمته تتمّ الصَّالِحَات لَيْلَة الثَّلَاثِينَ حصل قبل الْعشَاء حريق تَحت القلعة استوعب جسر الزلابية وسوق النحاسين غربيه إِلَى تربة

(1/161)


ارغون شاه وَمن الشرق إِلَى مَسْجِد النَّخْلَة واستوعب فِي الْعرض سوق اللَّحْم وَمَا اصابه من الْبيُوت فَلَا قُوَّة الا بِاللَّه يفعل مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد بفضله وَكَرمه لَا راد لأَمره وَلَا معقب لحكمه

(1/162)


شَوَّال سنة تسعماية
مستهله الاربعاء يَوْم عيد الْفطر خطب بالجامع الْأمَوِي سراج الدّين بن الصَّيْرَفِي نَائِب القَاضِي الشَّافِعِي خَامِس عشري حزيران
يَوْم الْجُمُعَة ثالثه خطب بالجامع الْأمَوِي ابْن الصَّيْرَفِي فَحصل لَهُ فِي آخر الْخطْبَة الثَّانِيَة اغماء وَصعد اليه بعض جماعته فمسكوه وَهُوَ مطروح فِي درج الْمِنْبَر وَصلى الْجُمُعَة بِالنَّاسِ شخص يُسمى ابْن ام الْحسن بواب دَار الحَدِيث الاشرفية ثمَّ عقب الصَّلَاة اسْتَيْقَظَ وَذهب بِهِ إِلَى منزله
وَفِيه قيل انه وصل مرسوم بِالْقَبْضِ على شهَاب الدّين احْمَد بري وَوَضعه بالقلعة فغيب وَمَا وجدوه وَمَا تحرر السَّبَب فِي ذَلِك وَالله يهدي الْمُسلمين الاربعاء ثامنه سَافر القَاضِي رَضِي الدّين وابو الْفضل الذَّهَبِيّ إِلَى الْقَاهِرَة وسافر مَعَهم فواز الَّذِي كَانَ مبَاشر الْعمَّال نِيَابَة عَن القَاضِي نجم الدّين الخيضري فسبحان الفعال لما يُرِيد
الْخَمِيس سادس عشره توفّي قطب الدّين الْحلَبِي كَانَ من التُّجَّار وَله ترداد إِلَى الْحُكَّام وَكَانَ فِيهِ تعلق على وظائف الْحَنَفِيَّة الركنية بالصالحية

(1/163)


وَغَيرهَا وَصَارَ لَهُ نظر عَلَيْهَا فَلَمَّا توفى تقرر فِيهَا القَاضِي الْحَنَفِيّ وَالسَّيِّد الْموقع وَابْن القَاضِي الشَّافِعِي السبت ثامن عشره توجه الْحَاج وَلم يخرج من دمشق اُحْدُ الا بعض تجار وانما جَاءَ من النَّاحِيَة الشمالية فرقة يسيرَة وَفرْقَة اخرى من اهل الرّوم وَتوجه من الْعَسْكَر فَوق المايتين باللبس الْكَامِل واميرهم يلباي امير كَبِير وَتوجه القَاضِي مَحْمُود بن قَاضِي اذرعات قَاضِي الركب احسن الله الْعَاقِبَة
الثُّلَاثَاء حادي عشريه وصل كتاب من بعض الاصحاب من الْقَاهِرَة بِأَنا نتوجه وصعب عَليّ ذَلِك وَهُوَ مِمَّن لَا يُمكن مُخَالفَته فتوجهت يَوْم السبت خَامِس عشريه ووصلت إِلَى عزة صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس سلخه وَاتفقَ وُصُول شيخ الاسلام كَمَال الدّين بن ابي شرِيف الشَّافِعِي بَارك الله فِي عمره عشيته وَمَعَهُ قُضَاة بَيت الْمُقَدّس بِسَبَب اخْتِلَاف حصل بَين كافل غَزَّة وَبَيت الْمُقَدّس
ثمَّ وصل الْخَبَر من الْقَاهِرَة إِلَى غَزَّة فِي هَذَا الْيَوْم بِأَن القَاضِي كَاتب السِّرّ الشريف بِالْقَاهِرَةِ الْمقر البدري بن مزهر سدد الله اقواله واحواله توجه إِلَى الْحجاز الشريف حَاجا وصحبته من خرجت اشارته الْكَرِيمَة بالتوجه للقاهرة واشار الشَّيْخ كَمَال الدّين بِالرُّجُوعِ مَعَه إِلَى بَيت الْمُقَدّس وانشرح الصَّدْر لذَلِك وَكَانَ النُّزُول بغزة فِي الْجَامِع الَّذِي عمره الامام الاعظم

(1/164)


بهَا وَكَانَ مَعَ الشَّيْخ جمَاعَة من فضلاء بَيت الْمُقَدّس واحسن سَيِّدي الْعَلامَة جلال الدّين وشيخها الْعَلامَة شمس الدّين بن ابي اللطف فَحكى لي مسَائِل فِي الْفِقْه مشكلة
سَابِع عشريه دَخَلنَا مسافرين إِلَى جلجوليا واجتمعنا بالشيخ الْقدْوَة الْعَظِيم الشهَاب مُحَمَّد الغزاوي تلميد الشَّيْخ الرباني الْجَامِع للعلوم شهَاب الدّين احْمَد بن رسْلَان الرَّمْلِيّ الشَّافِعِي وَهَذَا الشَّيْخ مُحَمَّد على طَريقَة عَظِيمَة من مُلَازمَة الذّكر وَالْعِبَادَة واطعام الواردين والتوسعة على خلق الله تَعَالَى جعل الله فِي حَيَاته الْبركَة آمين

(1/165)