تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ذكر الأخبار الواردة بأن إبليس كان له ملك السماء الدنيا والأرض وما بين ذلك
حدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ أَشْرَافِ الْمَلائِكَةِ وَأَكْرَمِهِمْ قَبِيلَةً، وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَانِ، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ الأَرْضِ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن صالح مولى التوءمه وَشَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ- أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ مِنَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلَةً مِنَ الْجِنِّ وَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْهَا، وَكَانَ يَسُوسُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
حَدَّثَنَا مُوسَى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ص جعل ابليس على سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجِنَّ لأَنَّهُمْ خُزَّانُ الْجَنَّةِ، وَكَانَ إِبْلِيسُ مَعَ مُلْكِهِ خَازِنًا.
حَدَّثَنِي عَبْدَانُ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سمعت الضحاك ابن مُزَاحِمٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ» ، قَالَ: كَانَ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ إِبْلِيسَ كان من اشرف الملائكة واكرمهم

(1/81)


قَبِيلَةً، وَكَانَ خَازِنًا عَلَى الْجِنَانِ، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَكَانَ لَهُ سُلْطَانُ الأَرْضِ.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ مُجَاهِدٍ أَبُو الأَزْهَرِ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ مِنَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلا يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، فَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْهُمْ، وَكَانَ يَسُوسُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَعَصَى، فَمَسَخَهُ اللَّهُ شَيْطَانًا رجيما

(1/82)


ذكر الخبر عن غمط عدو الله نعمة ربه واستكباره عليه وادعائه الربوبية
حَدَّثَنَا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: «وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ» قال: قال، ابن جريج:
من يقل من الملائكة إني إله من دونه، فلم يقله إلا إبليس، دعا إلى عباده نفسه، فنزلت هذه الآية في إبليس.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: «وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ» ، وإنما كانت هذه الآية خاصة لعدو الله إبليس لما قال ما قال، لعنه الله وجعله رجيما، فقال: «فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ» .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: «وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ» ، قال: هي خاصة لإبليس

(1/83)


القول في الأحداث التي كانت في أيام ملك ابليس وسلطانه والسبب الذي به هلك وادعى الربوبية
فمن الأحداث التي كانت في ملك عدو الله- إذ كان لله مطيعا- ما ذكر لنا عن ابْنِ عَبَّاسٍ في الخبر الذي حَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنْ حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْمَلائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ: الْجِنُّ خُلِقُوا مِنْ نَارِ السَّمُومِ مِنْ بَيْنَ الْمَلائِكَةِ، قَالَ: وَكَانَ اسْمُهُ الْحَارِثَ، قَالَ: وَكَانَ خَازِنًا مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ، قَالَ: وَخُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ مِنْ نُورٍ غَيْرَ هَذَا الْحَيِّ، قَالَ: وَخُلِقَتِ الْجِنُّ الَّذِينَ ذُكِرُوا في القرآن من مارج من نار، وَهُوَ لِسَانُ النَّارِ الَّذِي يَكُونُ فِي طَرْفِهَا إِذَا أُلْهِبَتْ، قَالَ: وَخُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ طِينٍ، فَأَوَّلُ مَنْ سَكَنَ الأَرْضَ الْجِنُّ فَأَفْسَدُوا فِيهَا وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ، وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ إِبْلِيسَ فِي جُنْدٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ وهم هَذَا الْحَيُّ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، فَقَتَلَهُمْ ابليس ومن معه حي أَلْحَقَهُمْ بِجَزَائِرِ الْبُحُورِ وَأَطْرَافِ الْجِبَالِ، فَلَمَّا فَعَلَ إِبْلِيسُ ذَلِكَ اغْتَرَّ فِي نَفْسِهِ، وَقَالَ: قَدْ صَنَعْتُ شَيْئًا لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ، قَالَ: فَاطَّلَعَ الله على ذلك من قبله، وَلَمْ تَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ.
حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الحجاج، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمَلائِكَةَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، وَخَلَقَ الْجِنَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، قَالَ:
فَكَفَرَ قَوْمٌ مِنَ الْجِنِّ، فَكَانَتِ الْمَلائِكَةُ تهبط اليهم في الارض فتقتلهم فَكَانَتِ الدِّمَاءُ وَكَانَ الْفَسَادُ فِي الأَرْضِ

(1/84)


ذكر السبب الذي به هلك عدو الله وسولت له نفسه من أجله الاستكبار على ربه عز وجل
اختلف السلف من الصحابة والتابعين في ذلك، وقد ذكرنا أحد الأقوال التي رويت في ذلك عن ابْنِ عَبَّاسٍ، وذلك ما ذكر الضحاك عنه، أنه لما قتل الجن الذين عصوا الله، وأفسدوا في الأرض وشردهم، أعجبته نفسه ورأى في نفسه أن له بذلك من الفضيلة ما ليس لغيره.
والقول الثاني من الأقوال المروية في ذلك عن ابْنِ عَبَّاسٍ، أنه كان ملك سماء الدنيا وسائسها، وسائس ما بينها وبين الأرض، وخازن الجنة، مع اجتهاده في العبادة، فأعجب بنفسه، ورأى أن له بذلك الفضل، فاستكبر على ربه عز وجل.
ذكر الرواية عنه بذلك:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْهَمْدَانِيُّ، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب النبي ص، قال: لَمَّا فَرَغَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِ مَا أَحَبَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ، فَجَعَلَ إِبْلِيسَ عَلَى مُلْكِ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَكَانَ مِنْ قَبِيلَةٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، وَإِنَّمَا سُمُّوا الْجِنَّ لأَنَّهُمْ خُزَّانُ الْجَنَّةِ، وَكَانَ إِبْلِيسُ مَعَ مُلْكِهِ خَازِنًا، فَوَقَعَ فِي صَدْرِهِ كِبْرٌ، وَقَالَ: مَا أَعْطَانِي اللَّهُ هَذَا إِلا لِمَزِيَّةٍ، هَكَذَا حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ

(1/85)


وحدثني بِهِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حَمَّادٍ، قَالَ:
لِمَزِيَّةٍ لِي عَلَى الْمَلائِكَةِ فَلَمَّا وَقَعَ ذَلِكَ الْكِبْرُ فِي نَفْسِهِ اطَّلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ اللَّهُ لِلْمَلائِكَةِ: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» .
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ خَلادِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ الْمَعْصِيَةَ مِنَ الْمَلائِكَةِ اسْمُهُ عَزَازِيلُ، وَكَانَ مِنْ سُكَّانِ الأَرْضِ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ الْمَلائِكَةِ اجْتِهَادًا، وَأَكْثَرِهِمْ عِلْمًا، فَذَلِكَ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الْكِبْرِ، وَكَانَ مِنْ حَيٍّ يُسَمُّونَ جِنًّا.
وَحَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ خَلادِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ طَاوُسٍ- أَوْ مُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجَّاجِ- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ بِنَحْوِهِ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: كَانَ مَلَكًا مِنَ الْمَلائِكَةِ اسْمُهُ عَزَازِيلُ، وَكَانَ مِنْ سُكَّانِ الأَرْضِ وَعُمَّارِهَا، وَكَانَ سُكَّانُ الأَرْضِ فِيهِمْ يُسَمُّونَ الْجِنَّ مِنْ بَيْنِ الْمَلائِكَةِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قال: حدثنا شيبان، قال: حدثنا سلام ابن مِسْكِينٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: كَانَ إِبْلِيسُ رَئِيسَ مَلائِكَةِ سَمَاءِ الدُّنْيَا.
والقول الثالث من الأقوال المروية عنه أنه كان يقول: السبب في ذلك أنه كان من بقايا خلق خلقهم الله عز وجل، فأمرهم بأمر فأبوا طاعته.
ذكر الرواية عنه بذلك:

(1/86)


حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ شَبِيبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقًا فَقَالَ: اسْجُدُوا لآدَمَ، فَقَالُوا: لا نَفْعَلُ، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَارًا تَحْرِقُهُمْ، ثُمَّ خَلَقَ خَلْقًا آخَرَ فَقَالَ: إِنِّي خَالِقُ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَاسْجُدُوا لآدَمَ، فَأَبَوْا، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُمْ، قَالَ: ثُمَّ خَلَقَ هَؤُلاءِ فَقَالَ: الا تسجدوا لادم! قالوا: نعم، قال: وَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَبَوْا أَنْ يَسْجُدُوا لآدَمَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ بَقَايَا الْجِنِّ الَّذِينَ كَانُوا فِي الأَرْضِ، فَسَفَكُوا فِيهَا الدِّمَاءَ، وَأَفْسَدُوا فِيهَا، وَعَصَوْا رَبَّهُمْ، فَقَاتَلَتْهُمُ الْمَلائِكَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قال ذلك:
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو سعيد اليحمدي إسماعيل بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنِي سوار بن الجعد اليحمدي، عن شهر بن حوشب، قوله: «كانَ مِنَ الْجِنِّ» ، قال:
كان إبليس من الجن الذين طردتهم الملائكة، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء.
حَدَّثَنِي علي بن الحسن، قال: حَدَّثَنِي أبو نصر أحمد بن محمد الخلال، قال: حَدَّثَنِي سنيد بن داود، قال: حَدَّثَنَا هشيم، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، عن موسى بن نمير وعثمان بن سعيد بن كامل، عن سعد ابن مسعود، قال: كانت الملائكة تقاتل الجن فسبي إبليس، وكان صغيرا، وكان مع الملائكة يتعبد معهم، فلما أمروا أن يسجدوا لآدم سجدوا وأبى إبليس، فلذلك قال الله عز وجل: «إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ»

(1/87)


قال ابو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال كما قال الله عز وجل: «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ» ، وجائز أن يكون فسوقه عن أمر ربه كان من أجل أنه كان من الجن، وجائز أن يكون من أجل إعجابه بنفسه لشدة اجتهاده كان في عبادة ربه، وكثرة علمه، وما كان أوتي من ملك السماء الدنيا والأرض وخزن الجنان وجائز أن يكون كان لغير ذلك من الأمور، ولا يدرك علم ذلك إلا بخبر تقوم به الحجة، ولا خبر في ذلك عندنا كذلك، والاختلاف في أمره على ما حكينا ورويناه.
وقد قيل: إن سبب هلاكه كان من أجل أن الأرض كان فيها قبل آدم الجن، فبعث الله إبليس قاضيا يقضي بينهم، فلم يزل يقضي بينهم بالحق ألف سنة حتى سمي حكما، وسماه الله به، وأوحى إليه اسمه، فعند ذلك دخله الكبر، فتعظم وتكبر، وألقى بين الذين كان الله بعثه إليهم حكما البأس والعداوة والبغضاء، فاقتتلوا عند ذلك في الأرض ألفي سنة فيما زعموا، حتى إن خيولهم تخوض في دمائهم، قالوا: وذلك قول الله تبارك وتعالى: «أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ» ، وقول الملائكة: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» ! فبعث الله تعالى عند ذلك نارا فأحرقتهم قالوا:
فلما رأى إبليس ما نزل بقومه من العذاب عرج إلى السماء، فأقام عند الملائكة يعبد الله في السماء مجتهدا لم يعبده شيء من خلقه مثل عبادته، فلم يزل مجتهدا في العبادة حتى خلق الله آدم، فكان من امره ومعصيته ربه ما كان

(1/88)