تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
القول في خلق آدم ع
وكان مما حدث في أيام سلطانه وملكه خلق الله تعالى ذكره أبانا آدم أبا
البشر، وذلك لما أراد جل جلاله أن يطلع ملائكته على ما قد علم من
انطواء إبليس على الكبر ولم يعلمه الملائكة، وأراد إظهار أمره لهم حين
دنا أمره للبوار، وملكه وسلطانه للزوال، فقال عز ذكره لما أراد ذلك
للملائكة: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» ، فأجابوه بأن
قالوا له: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ
الدِّماءَ» ! فروي عن ابْنِ عَبَّاسٍ أن الملائكة قالت ذلك كذلك للذين
قد كانوا عهدوا من أمر الجن الذين كانوا سكان الأرض قبل ذلك، فقالوا
لربهم جل ثناؤه لما قال لهم: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»
أتجعل فيها من يكون فيها مثل الجن الذين كانوا فيها، فكانوا يسفكون
فيها الدماء ويفسدون فيها ويعصونك، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
وَنُقَدِّسُ لك، فقال الرب تعالى ذكره لهم: «إِنِّي أَعْلَمُ ما لا
تَعْلَمُونَ» ، يقول: اعلم ما لا تعلمون من انطواء إبليس على التكبر،
وعزمه على خلافه أمري، وتسويل نفسه له الباطل واغتراره، وأنا مبد ذلك
لكم منه لتروا ذلك منه عيانا.
وقيل أقوال كثيرة في ذلك، قد حكينا منها جملا في كتابنا المسمى:
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، فكرهنا إطالة الكتاب بذكر ذلك في هذا
الموضع.
فلما أراد الله عز وجل أن يخلق آدم ع أمر بتربته أن تؤخذ من الأرض، كما
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا
(1/89)
بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ،
عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ- يَعْنِي
الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِتُرْبَةِ آدَمَ فَرُفِعَتْ، فخلق الله
آدم من طين لا رب- وَاللازِبُ اللَّزِجُ الطَّيِّبُ- مِنْ حَمَإٍ
مَسْنُونٍ، مُنْتِنٍ، قَالَ:
وَإِنَّمَا كَانَ حَمَأً مَسْنُونًا بَعْدَ التُّرَابِ، قَالَ:
فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ بِيَدِهِ.
حَدَّثَنِي مُوسَى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال:
حدثنا أسباط، عن السدي- في خبر ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن
عباس- وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود- وعن ناس من أصحاب النبي ص،
قَالَ: قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ» يعنى من شان ابليس، فبعث
الله جبرئيل ع إِلَى الأَرْضِ لِيَأْتِيَهُ بِطِينٍ مِنْهَا، فَقَالَتِ
الأَرْضُ: إِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ أَنْ تُنْقِصَ مِنِّي شيئا
وتشينى، فَرَجَعَ وَلَمْ يَأْخُذْ، وَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّهَا
عَاذَتْ بِكَ فَأَعَذْتُهَا، فَبَعَثَ مِيكَائِيلَ فَعَاذَتْ مِنْهُ
فاعاذها فرجع، فقال كما قال جبرئيل، فبعث ملك الموت فَعَاذَتْ مِنْهُ،
فَأَعَاذَهَا فَرَجَعَ، فَقَالَ كَمَا قَالَ جبرئيل، فَبَعَثَ مَلَكُ
الْمَوْتِ فَعَاذَتْ مِنْهُ، فَقَالَ: وَأَنَا أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ
أَرْجِعَ، وَلَمْ أُنَفِّذْ أَمْرَهُ، فاخذ مِنْ وَجْهِ الأَرْضِ،
وَخَلَطَ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَأَخَذَ مِنْ
تُرْبَةٍ حَمْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ، فَلِذَلِكَ خَرَجَ بَنُو
آدَمَ مُخْتَلِفِينَ، فَصَعِدَ بِهِ فَبَلَّ التُّرَابَ حَتَّى عَادَ
طِينًا لازِبًا- وَاللازِبُ هُوَ الَّذِي يَلْتَزِقُ بَعْضُهُ
بِبَعْضٍ- ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى تَغَيَّرَ وَأَنْتَنَ، وَذَلِكَ حِينَ
يَقُولُ: «مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*» ، قَالَ: مُنْتِنٌ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ،
عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ رَبُّ الْعِزَّةِ عز وَجَلَّ
إِبْلِيسَ، فَأَخَذَ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ، مِنْ عَذْبِهَا
وَمَلْحِهَا، فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ،
(1/90)
وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ آدَمَ، لأَنَّهُ
خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِبْلِيسُ:
«أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً» ، أَيْ هَذِهِ الطِّينَةُ أَنَا
جِئْتُ بِهَا.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، قَالَ: إِنَّمَا سُمِّيَ آدَمَ لأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ
الأَرْضِ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو
أحمد، قال:
حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: خُلِقَ آدَمُ
مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ فَسُمِّيَ آدَمَ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ
جَدِّهِ، [عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
إِنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الأَرْضِ، فِيهِ الطَّيِّبُ
وَالصَّالِحُ وَالرَّدِيءُ، فَكُلُّ ذَلِكَ أَنْتَ رَاءٍ فِي وَلَدِهِ
الصَّالِحِ وَالرَّدِيءِ] .
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
عُلَيَّةَ، عَنْ عَوْفٍ- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ
وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
قَالَ:
حَدَّثَنَا عَوْفٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ
الثَّقَفِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا عَوْفٌ وحدثني مُحَمَّدُ بْنُ
عُمَارَةَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، عَنْ عَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ- عَنْ
قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ:
[قَالَ رسول الله ص: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ
قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ
الأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ، وَالأَسْوَدُ، وَالأَبْيَضُ،
وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلُ، وَالْحَزْنُ، وَالْخَبِيثُ،
وَالطَّيِّبُ، ثُمَّ بُلَّتْ طِينَتُهُ حَتَّى صَارَتْ طِينًا لازِبًا،
ثُمَّ تُرِكَتْ حَتَّى صَارَتْ حَمَأً مَسْنُونًا، ثُمَّ تُرِكَتْ
حَتَّى صَارَتْ صَلْصَالا
(1/91)
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَلَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ] » .
وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبُطَيْنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: خُلِقَ آدَمُ مِنْ ثَلاثَةٍ: مِنْ
صَلْصَالٍ، وَمِنْ حَمَإٍ، وَمِنْ طِينٍ لازِبٍ فَأَمَّا اللازِبُ
فَالْجَيِّدُ، وَأَمَّا الْحَمَأُ فَالْحَمِئَةُ، وَأَمَّا
الصَّلْصَالُ فَالتُّرَابُ الْمُدَقَّقُ، ويعنى تعالى ذكره بقوله:
«مِنْ صَلْصالٍ*» ، مِنْ طِينٍ يَابِسٍ لَهُ صَلْصَلَةٌ،
وَالصَّلْصَلَةُ: الصَّوْتُ.
وَذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ تعالى ذَكَرَهُ لَمَّا خَمَّرَ طِينَةَ آدَمَ
تَرَكَهَا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَقِيلَ أَرْبَعِينَ عَامًا جَسَدًا
مُلْقًى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ
الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِتُرْبَةِ آدَمَ فَرُفِعَتْ،
فَخُلِقَ آدَمُ مِنْ طِينٍ لازِبٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ قَالَ:
وَإِنَّمَا كَانَ حَمَأً مَسْنُونًا بَعْدَ التُّرَابِ، قَالَ:
فَخَلَقَ مِنْهُ آدَمَ بِيَدِهِ، قَالَ: فَمَكَثَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً
جَسَدًا مُلْقًى، فَكَانَ إِبْلِيسُ يَأْتِيهِ فَيَضْرِبُهُ
بِرِجْلِهِ، فَيُصَلْصِلُ فَيُصَوِّتُ، قَالَ: فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ» ، يَقُولُ:
كَالشَّيْءِ الْمُنْفَرِجِ الَّذِي لَيْسَ بِمُصْمَتٍ، قَالَ: ثُمَّ
يَدْخُلُ فِي فِيهِ وَيَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ، وَيَدْخُلُ فِي دُبُرِهِ
وَيَخْرُجُ مِنْ فِيهِ، ثُمَّ يَقُولُ:
لَسْتَ شَيْئًا لِلصَّلْصَلَةِ، وَلِشَيْءٍ مَا خُلِقْتَ، وَلَئِنْ
سُلِّطْتُ عَلَيْكَ لأُهْلِكَنَّكَ، وَلَئِنْ سُلِّطْتَ عَلَيَّ
لاعصينك
(1/92)
حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن
حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي- في خبر ذكره- عن أبي مالك وعن أبي
صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب
رسول الله ص، قَالَ اللَّهُ لِلْمَلائِكَةِ: «إِنِّي خالِقٌ بَشَراً
مِنْ طِينٍ.
فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ
ساجِدِينَ» ، فَخَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِيَدَيْهِ لِكَيْلا
يَتَكَبَّرُ ابليس عنه ليقول حين يتكبر: تتكبر عَمَّا عَمِلْتُ بِيَدِي
وَلَمْ أَتَكَبَّرْ أَنَا عَنْهُ! فَخَلَقَهُ بَشَرًا، فَكَانَ جَسَدًا
مِنْ طِينٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنْ مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ،
فَمَرَّتْ بِهِ الْمَلائِكَةُ فَفَزِعُوا مِنْهُ لَمَّا رَأَوْهُ،
وَكَانَ أَشَدَّهُمْ فَزَعًا إِبْلِيسَ، فَكَانَ يَمُرُّ بِهِ
فَيَضْرِبُهُ فَيُصَوِّتُ الْجَسَدُ كَمَا يُصَوِّتُ الْفَخَّارُ
تَكُونُ لَهُ صَلْصَلَةٌ، فذلك حين يقول: «مِنْ صَلْصالٍ
كَالْفَخَّارِ» ، وَيَقُولُ: لأَمْرٍ مَا خُلِقْتَ وَدَخَلَ مِنْ فِيهِ
وَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ، فَقَالَ لِلْمَلائِكَةِ: لا تَرْهَبُوا مِنْ
هَذَا، فَإِنَّ رَبَّكُمْ صَمَدٌ وَهَذَا أَجْوَفُ، لَئِنْ سُلِّطْتُ
عَلَيْهِ لأُهْلِكَنَّهُ.
وَحَدَّثَنَا عَنِ الْحَسَنِ بن بلال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عَنْ
سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ
سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: خَمَّرَ اللَّهُ تَعَالَى طينه آدم ع
أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ جَمَعَهُ بِيَدَيْهِ، فَخَرَجَ طِيبُهُ
بِيَمِينِهِ، وَخَبِيثُهُ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَيْهِ
إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى، فَخَلَطَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَمِنْ
ثَمَّ يَخْرُجُ الطَّيِّبُ مِنَ الْخَبِيثِ، وَالْخَبِيثُ مِنَ
الطَّيِّبِ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ:
يُقَالُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، ثُمَّ وَضَعَهُ
يَنْظُرُ إِلَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَبْلَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ
الرُّوحَ، حَتَّى عَادَ صَلْصَالا كَالْفَخَّارِ، وَلَمْ تَمَسَّهُ
نَارٌ، قَالَ: فلما
(1/93)
مَضَى لَهُ مِنَ الْمُدَّةِ مَا مَضَى
وَهُوَ طِينٌ صَلْصَالٌ كَالْفَخَّارِ، وَأَرَادَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ
يَنْفُخَ فِيهِ الرُّوحَ، تَقَدَّمَ إِلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ
لَهُمْ: إِذَا نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ.
فَلَمَّا نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ أَتَتْهُ الرُّوحُ مِنْ قِبَلِ
رَأْسِهِ، فِيمَا ذُكِرَ عَنِ السَّلَفِ قَبْلِنَا أَنَّهُمْ قَالُوهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذلك:
حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن
السدي- في خبر ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة
الهمداني، عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب النبي ص: فَلَمَّا بَلَغَ
الْحِينَ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ
الرُّوحَ قَالَ لِلْمَلائِكَةِ: إِذَا نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي
فَاسْجُدُوا لَهُ، فَلَمَّا نَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ فَدَخَلَ الرُّوحُ،
فِي رَأْسِهِ عَطَسَ، فَقَالَتِ الْمَلائِكَةُ: قُلِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لَهُ: رَحِمَكَ رَبُّكَ فَلَمَّا دَخَلَ الرُّوحُ فِي عَيْنَيْهِ
نَظَرَ إِلَى ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي جَوْفِهِ
اشْتَهَى الطَّعَامَ، فَوَثَبَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الرُّوحُ
رِجْلَيْهِ عَجْلانَ إِلَى ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَذَلِكَ حِينَ
يَقُولُ: «خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» ، «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ
كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ
السَّاجِدِينَ» ، «أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ» ،
فقال الله له: «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ» لِمَا
خَلَقْتُ بِيَدِي، قَالَ:
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ
طِينٍ، قَالَ اللَّهُ لَهُ:
«فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ» - يَعْنِي مَا يَنْبَغِي لَكَ-
«أَنْ تَتَكَبَّرَ
(1/94)
فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ
الصَّاغِرِينَ» ، وَالصّغَارُ الذُّلُّ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ
الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَلَمَّا نَفَخَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ- يَعْنِي فِي آدَمَ- مِنْ رُوحِهِ أَتَتِ
النَّفْخَةُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَجَعَلَ لا يَجْرِي شَيْءٌ مِنْهَا
فِي جَسَدِهِ إِلا صَارَ لَحْمًا وَدَمًا، فَلَمَّا انْتَهَتِ
النَّفْخَةُ إِلَى سُرَّتِهِ نَظَرَ إِلَى جَسَدِهِ فَأَعْجَبَهُ مَا
رَأَى مِنْ حُسْنِهِ، فَذَهَبَ لِيَنْهَضَ فَلَمْ يَقْدِرْ، فَهُوَ
قَوْلُ الله عز وجل «خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» ، قَالَ: ضَجِرًا
لا صَبْرَ لَهُ عَلَى سَرَّاءٍ وَلا ضَرَّاءٍ، قَالَ: فَلَمَّا تَمَّتِ
النَّفْخَةُ فِي جَسَدِهِ عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ، بِإِلْهَامِ اللَّهِ، فَقَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا
آدَمُ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَلائِكَةِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ إِبْلِيسَ
خَاصَّةً دُونَ الْمَلائِكَةِ الَّذِينَ فِي السَّمَوَاتُ: اسْجُدُوا
لآدَمَ، فَسَجَدُوا كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلا إِبْلِيسَ أَبَى
وَاسْتَكْبَرَ، لِمَا كَانَ حَدَّثَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ كبره واغتراره،
فقال: لا اسجد، وَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَأَكْبَرُ سِنًّا، وَأَقْوَى
خَلْقًا، «خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ*» ، يَقُولُ:
إِنَّ النَّارَ أَقْوَى مِنَ الطِّينِ، قَالَ: فَلَمَّا أَبَى
إِبْلِيسُ أَنْ يَسْجُدَ أَبْلَسَهُ اللَّهُ تعالى، أيأسه مِنَ
الْخَيْرِ كُلِّهِ، وَجَعَلَهُ شَيْطَانًا رَجِيمًا عُقُوبَةً
لِمَعْصِيَتِهِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ:
فَيُقَالُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-: إِنَّهُ لَمَّا انْتَهَى الرُّوحُ
إِلَى رَأْسِهِ عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: فَقَالَ
لَهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ رَبُّكَ، وَوَقَعَتِ الْمَلائِكَةُ حِينَ
اسْتَوَى سُجُودًا لَهُ، حِفْظًا لِعَهْدِ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَ
إِلَيْهِمْ، وَطَاعَةً لأَمْرِهِ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ، وَقَامَ عدو
الله ابليس من بينهم، فلم يسجد متكبرا متعظما بغيا وحسدا، فقال:
«يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ»
إِلَى قَوْلِهِ: «لَأَمْلَأَنَ
(1/95)
جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ
مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ» ، قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ اللَّهُ تعالى مِنْ
إِبْلِيسَ وَمُعَاتَبَتِهِ وَأَبَى إِلا الْمَعْصِيَةَ أَوْقَعَ
اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ اللَّعْنَةَ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي
إِيَاسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ، ع قَالَ أَبُو خَالِدٍ: وحدثني
الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صالح، عن ابى هريرة، عن النبي ص قَالَ أَبُو
خَالِدٍ:
وحدثني دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنِ النبي ص قَالَ أَبُو خَالِدٍ: وحدثني ابْنُ أَبِي
ذُبَابٍ الدَّوْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ،
وَيَزِيدُ بْنُ هرمز عن ابى هريرة، [عن النبي ص أَنَّهُ قَالَ: خَلَقَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ،
وَأَمَرَ الْمَلأَ مِنَ الْمَلائِكَةِ فَسَجَدُوا لَهُ، فَجَلَسَ
فَعَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ:
يَرْحَمُكَ رَبُّكَ، ايت أُولَئِكَ الْمَلأَ مِنَ الْمَلائِكَةِ فَقُلْ
لَهُمُ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: السَّلامُ
عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ،
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ
تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ بَيْنَهُمْ فَلَمَّا أَظْهَرَ
إِبْلِيسُ مِنْ نَفْسِهِ مَا كَانَ لَهُ مَخْفِيًّا فِيهَا مِنَ
الْكِبْرِ وَالْمَعْصِيَةِ لِرَبِّهِ، وَكَانَتِ الْمَلائِكَةُ قَدْ
قَالَتْ لِرَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ حِينَ قَالَ لَهُمْ: إِنِّي جاعل في
الأرض خليفة: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ
الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ فَقَالَ
لَهُمْ رَبُّهُمْ:
إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ، تَبَيَّنَ لَهُمْ مَا كَانَ
عَنْهُمْ مُسْتَتِرًا، وَعَلِمُوا أَنَّ فِيهِمْ مَنْ مِنْهُ
الْمَعْصِيَةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْخِلافُ لأَمْرِهِ] .
ثُمَّ عَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَبْلَنَا فِي
الأَسْمَاءِ الَّتِي عُلِّمَهَا آدَمُ: أَخَاصًّا مِنَ الأَسْمَاءِ
علم، اما عَامًّا؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُلِّمَ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ
(1/96)
ذكر من قال ذلك:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا بشر ابن عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ
الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «عَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى
آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» ، وَهِيَ هَذِهِ الأَسْمَاءُ الَّتِي
يَتَعَارَفُ بِهَا النَّاسُ:
إِنْسَانٌ، وَدَابَّةٌ، وَأَرْضٌ، وَسَهْلٌ، وَبَحْرٌ، وَجَبَلٌ،
وَحِمَارٌ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ مِنَ الأُمَمِ وَغَيْرِهَا.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الأَهْوَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «وَعَلَّمَ
آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» ، قَالَ: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ،
حَتَّى الْفَسْوَةِ وَالْفُسَيَّةِ.
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ الْجَرْمِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ
الرَّبِيعِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَعْبَدٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَعَلَّمَ
آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» قَالَ:
عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْهَنَةِ وَالْهُنَيَّةِ،
وَالْفَسْوَةِ وَالضَّرْطَةِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى ابن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ:
«وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» قَالَ: مَا خَلَقَ اللَّهُ
تعالى كُلَّهُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ سفيان، عَنْ
خَصِيفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها»
قَالَ: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ
(1/97)
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، قَالَ: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى الْبَعِيرِ،
وَالْبَقَرَةِ، وَالشَّاةِ.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَعَلَّمَ
آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» ، قَالَ: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ:
هَذَا جَبَلٌ، وَهَذَا بَحْرٌ، وَهَذَا كَذَا، وَهَذَا كَذَا، لِكُلِّ
شَيْءٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ، فَقَالَ: «أَنْبِئُونِي
بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» .
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ،
عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ عَزَّ وجل: و «عَلَّمَ آدَمَ
الْأَسْماءَ كُلَّها» حَتَّى بَلَغَ «إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ» ، قَالَ: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ،
فَأَنْبَأَ كُلَّ صِنْفٍ مِنَ الْخَلْقِ بِاسْمِهِ، وَأَلْجَأَهُ إِلَى
جِنْسِهِ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حدثنا الحسين بن داود،
قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ومبارك، عن
الحسن وأبي بكر، عن الحسن وَقَتَادَةَ، قَالا: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ
شَيْءٍ، هَذِهِ الخيل، وهذه البغال، والإبل، والجن، والوحش، وجعل يسمي
كل شيء برسمه.
وقال آخرون: بل إنما علم اسما خاصا من الأسماء، قالوا: والذي علمه
أسماء الملائكة.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذلك:
(1/98)
حَدَّثَنِي عَبْدَةُ الْمَرْوَزِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي
جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلُهُ تعالى: «وَعَلَّمَ
آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» ، قَالَ: أَسْمَاءُ الْمَلائِكَةِ.
وَقَالَ آخَرُونَ مِثْلَ قَوْلِ هَؤُلاءِ فِي أَنَّ الَّذِي عُلِّمَ
آدَمَ مِنَ الأَسْمَاءِ اسْمًا خَاصًّا مِنَ الأَشْيَاءِ، غَيْرَ
أَنَّهُمْ قَالُوا: الَّذِي عُلِّمَ مِنْ ذَلِكَ أَسْمَاءَ
ذُرِّيَّتِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَعَلَّمَ آدَمَ
الْأَسْماءَ كُلَّها» ، قَالَ: أَسْمَاءَ ذُرِّيَّتِهِ، فَلَمَّا
«عَلَّمَ اللَّهُ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» عَرَضَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ أَهْلَ الأَسْمَاءِ عَلَى الْمَلائِكَةِ، فَقَالَ لَهُمْ:
«أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ، وإنما
قال ذلك عز وجل للملائكة- فيما ذكر- لقولهم إذ قال لهم: «إِنِّي جاعِلٌ
فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» : «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ»
فعرض- بعد ان خلق آدم ع ونفخ فيه الروح، وعلمه أسماء كل شيء- مما خلق
من الخلق- عليهم، فقال لهم:
«أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» أني إن
جعلت منكم خليفتي في الأرض أطعتموني وسبحتموني وقدستموني ولم تعصوني،
وإن جعلته من غيركم أفسد فيها وسفك، فإنكم إن لم تعلموا ما أسماؤهم
وأنتم مشاهدوهم ومعاينوهم، فأنتم بألا تعلموا ما يكون من أمركم- إن
جعلت خليفتي في الأرض منكم، أو من غيركم إن جعلته من غيركم، فهم عن
أبصاركم غُيَّبٌ لا ترونهم ولا تعاينونهم، ولم تخبروا بما هو كائن منكم
ومنهم- أحرى
(1/99)
وهذا قول روي عن جماعة من السلف.
ذكر بعض من روي ذلك عنه:
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ
حماد، قال:
حدثنا أسباط، عن السدي- في خبر ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن
عباس- وعن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود- وعن ناس من اصحاب النبي
ص: «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» أَنَّ بَنِي آدَمَ يُفْسِدُونَ فِي
الأَرْضِ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ
الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
«إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَمْ أَجْعَلْ
فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلالَهُ قَالَ ذَلِكَ
لِلْمَلائِكَةِ لأَنَّهُ جَلَّ جَلالَهُ لَمَّا ابْتَدَأَ فِي خَلْقِ
آدَمَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: لِيَخْلُقُ رَبُّنَا مَا شَاءَ أَنْ
يَخْلُقَ، فَلَنْ يخلق خلقا إلا كنا أعلم منه، وأكرم عليه منه، فلما
خلق آدم ع وَعَلَّمَهُ أَسْمَاءَ كُلَّ شَيْءٍ عَرَضَ الأَشْيَاءَ
الَّتِي علم آدم أسمائها عليهم، فقال لهم: «أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ
هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» فِي قِيلِكُمْ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ
يَخْلُقْ خَلْقًا إِلا كُنْتُمْ أَعْلَمَ مِنْهُ، وَأَكْرَمَ عَلَيْهِ
مِنْهُ.
ذكر من قال ذلك:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قوله: «وَإِذْ قالَ رَبُّكَ
لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، فاستشار
الملائكة في خلق آدم ع ف قالُوا:
«أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» ، وقد
علمت الملائكة من علم الله أنه لا شيء أكره إلى الله عز وجل من سفك
الدماء والفساد في الأرض،
(1/100)
«وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ» ، فَكان في
علم الله عز وجل انه سيكون من تلك الخليقة أنبياء ورسل وقوم صالحون
وساكنو الجنة.
قال: وذكر لنا أن ابْنِ عَبَّاسٍ كان يقول: إن الله تعالى لما أخذ في
خلق آدم قالت الملائكة: ما الله تعالى بخالق خلقا أكرم عليه منا، ولا
أعلم منا، فابتلوا بخلق آدم ع- وكل خلق مبتلى، كما ابتليت السموات
والأرض بالطاعة- فقال الله تعالى: «ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً
قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» .
حَدَّثَنَا القاسم، قال: حَدَّثَنَا الحسين بن داود، قال: حَدَّثَنِي
حجاج، عن جرير بن حازم، ومبارك عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة
قالا: قال الله عز وجل للملائكة: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ
خَلِيفَةً» قال لهم: إني فاعل، فعرضوا برأيهم، فعلمهم علما وطوى منهم
علما علمه لا يعلمونه، فقالوا بالعلم الذي علمهم: «أَتَجْعَلُ فِيها
مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» - وقد كانت الملائكة علمت
من علم الله تعالى أنه لا ذنب عند الله تعالى أعظم من سفك الدِّمَاءَ-
«وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ
مَا لا تَعْلَمُونَ» ، فلما أخذ تعالى في خلق آدم ع همست الملائكة فيما
بينهم، فقالوا: ليخلق ربنا عز وجل ما شاء أن يخلق، فلن يخلق خلقا إلا
كنا أعلم منه، وأكرم عليه منه، فلما خلقه ونفخ فيه من روحه أمرهم أن
يسجدوا له لما قالوا، ففضله عليهم، فعلموا أنهم ليسوا بخير منه،
فقالوا:
إن لم نكن خيرا منه، فنحن أعلم منه، لأنا كنا قبله، وخلقت الأمم قبله،
(1/101)
فلما أعجبوا بعلمهم ابتلوا، «فعلم آدَمَ
الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ:
أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» أني لم
أخلق خلقا إلا كنتم أعلم منه، فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين
قالا: ففزع القوم إلى التوبة، وإليها يفزع كل مؤمن، فقالوا:
«سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ
فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ
إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا
تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» لقولهم: ليخلق ربنا ما شاء، فلن
يخلق خلقا أكرم عليه منا، ولا أعلم منا، قال: علمه اسم كل شيء:
هذه الخيل، وهذه البغال، والإبل، والجن، والوحش، وجعل يسمي كل شيء
باسمه، وعرضت عليه أمة أمة، قال: «أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي
أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ
وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» ، قال:
اما ما أبدوا فقولهم: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» ، وأما ما كتموا فقولهم بعضهم لبعض: نحن خير منه
وأعلم.
حَدَّثَنَا عَمَّارُ بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن
أبيه، عن الربيع بن أَنَسٍ: «ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ
فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»
إِلَى قَوْلِهِ: «إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
» ، قَالَ: وَذَلِكَ حِينَ قَالُوا: «أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ
فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» إِلَى قَوْلِهِ «وَنُقَدِّسُ لَكَ» قَالَ:
فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا
بَيْنَهُمْ: لَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تعالى خَلْقًا إِلا كُنَّا نَحْنُ
أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَكْرَمُ عَلَيْهِ، فَأَرَادَ اللَّهُ تعالى أَنْ
يُخْبِرَهُمْ أَنَّهُ قَدْ فَضَّلَ عَلَيْهِمْ آدَمَ، وَعَلَّمَهُ
الأَسْمَاءَ كُلَّهَا، وَقَالَ
(1/102)
لِلْمَلائِكَةِ: «أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ
هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» إِلَى «وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ
وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» ، فَكَانَ الَّذِي أَبْدَوْا حِينَ قالُوا:
«أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ» ،
وَكَانَ الَّذِي كَتَمُوا بَيْنَهُمْ قَوْلُهُمْ: لَنْ يَخْلُقَ
رَبُّنَا خَلْقًا إِلا كُنَّا نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْهُ وَأَكْرَمُ،
فَعَرَفُوا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَضَّلَ عَلَيْهِمْ آدَمَ فِي
الْعِلْمِ وَالْكَرَمِ.
فَلَمَّا ظَهَرَ لِلْمَلائِكَةِ مِنَ اسْتِكْبَارِ إِبْلِيسَ مَا
ظَهَرَ، وَمِنْ خِلافِهِ أَمْرَ رَبِّهِ مَا كَانَ مُسْتَتِرًا
عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ، عَاتَبَهُ رَبُّهُ عَلَى مَا أَظْهَرَ مِنْ
مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ بِتَرْكِهِ السُّجُودَ لآدَمَ، فَأَصَرَّ عَلَى
مَعْصِيَتِهِ، وَأَقَامَ عَلَى غَيِّهِ وَطُغْيَانِهِ- لَعَنَهُ
اللَّهُ- فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَطَرَدَهُ مِنْهَا،
وَسَلَبَهُ مَا كَانَ آتَاهُ مِنْ مُلْكِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا
وَالأَرْضِ، وَعَزَلَهُ عن خزن الجنه فقال له جَلَّ جَلالُهُ:
«فَاخْرُجْ مِنْها» ، يَعْنِي مِنَ الْجَنَّةِ «فَإِنَّكَ رَجِيمٌ
وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ» ، وَهُوَ بَعْدُ
فِي السَّمَاءِ لَمْ يَهْبِطْ إِلَى الارض.
واسكن اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حِينَئِذٍ آدَمَ جَنَّتَهُ، كَمَا حدثني
موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي-
في خبر ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني
عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب رسول الله ص: فَأُخْرِجَ إِبْلِيسُ
مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ لُعِنَ وَأُسْكِنَ آدَمُ الْجَنَّةَ، فَكَانَ
يَمْشِي فِيهَا وَحْشِيًّا لَيْسَ لَهُ زَوْجٌ يَسْكُنُ إِلَيْهَا،
فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ، فَإِذَا عِنْدَ رَأْسِهِ امْرَأَةٌ
قَاعِدَةٌ خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ ضِلْعِهِ، فَسَأَلَهَا: مَا أَنْتِ؟
قَالَتِ: امْرَأَةٌ، قَالَ: وَلِمَ خُلِقْتِ؟ قَالَتْ:
(1/103)
لِتَسْكُنَ إِلَيَّ، قَالَتْ لَهُ
الْمَلائِكَةُ يَنْظُرُونَ مَا بَلَغَ عِلْمُهُ: مَا اسْمُهَا يَا
آدَمُ؟
قَالَ: حَوَّاءُ، قَالُوا: لِمَ سُمِّيَتْ حَوَّاءَ؟ قَالَ: لأَنَّهَا
خُلِقَتْ مِنْ شَيْءٍ حَيٍّ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «يا آدَمُ
اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ
شِئْتُما» .
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما
فرغ الله تعالى من معاتبه ابليس اقبل على آدم ع وقد علمه الأسماء كلها،
فقال: «يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ» إِلَى «وَأَعْلَمُ مَا
تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» ، قال: ثم ألقى السنة على آدم-
فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم- عن عبد
الله بن العباس وغيره، ثم أخذ ضلعا من أضلاعه من شقه الأيسر، ولأم
مكانها لحما، وآدم ع نائم لم يهب من نومته، حتى خلق الله تعالى من ضلعه
تلك زوجه حواء، فسواها امراه ليسكن إليها، فلما كشف عنه السنة وهب من
نومته رآها إلى جنبه، فقال- فيما يزعمون والله أعلم: لحمي ودمي وزوجتي،
فسكن إليها، فلما زوجه الله عز وجل وجعل له سكنا من نفسه، قال له قبلا:
«يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً
حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ
الظَّالِمِينَ» .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
«وَخَلَقَ مِنْها
(1/104)
زَوْجَها» قال: حواء من قصيرى آدم، وهو
ناعم فَاسْتَيْقَظَ فَقَالَ:
أثا بِالنَّبَطِيَّةِ، امْرَأَةٌ.
حَدَّثَنَا المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد مثله.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «وَخَلَقَ
مِنْها زَوْجَها» ، يَعْنِي حَوَّاءَ، خُلِقَتْ مِنْ آدَمَ مِنْ ضِلْعٍ
مِنْ أَضْلاعِهِ
(1/105)
القول في ذكر امتحان
الله تعالى أبانا آدم ع
وابتلائه إياه بما امتحنه به من طاعته، وذكر ركوب آدم معصية ربه بعد
الذي كان أعطاه من كرامته وشريف المنزلة عنده، ومكنه في جنته من رغد
العيش وهنيئه، وما أزال ذلك عنه، فصار من نعيم الجنة ولذيذ رغد العيش
إلى نكد عيش أهل الأرض وعلاج الحراثة والعمل بالمساحي والزراعة فيها.
فلما أسكن الله عز وجل آدم ع وزوجه اطلق لهما ان يأكلا كل ما شاء أكله
من كل ما فيها من ثمارها، غير ثمر شجرة واحدة ابتلاء منه لهما بذلك،
وليمضي قضاء الله فيهما وفي ذريتهما، كما قال عز وجل:
«وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا
مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ
فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ» ، فوسوس لهما الشيطان حتى زين لهما أكل
ما نهاهما ربهما عن أكله من ثمر تلك الشجرة، وحسن لهما معصية الله في
ذلك، حتى أكلا منها، فبدت لهما من سوآتهما ما كان موارى عنهما منها
فكان وصول عدو الله إبليس إلى تزيين ذلك لهما ما ذكر في الخبر الذي
حَدَّثَنِي موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال:
حدثنا أسباط، عن السدي- في خبر ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن
عباس- وعن مرة الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ- وَعَنْ أُنَاسٍ
مِنْ اصحاب النبي ص، قَالَ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
لآدَمَ:
«اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ
شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ
الظَّالِمِينَ» ، أَرَادَ إِبْلِيسُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمَا الجنه
(1/106)
فمنعه الْخَزَنَةُ، فَأَتَى الْحَيَّةَ،
وَهِيَ دَابَّةٌ لَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ، كَأَنَّهَا الْبَعِيرُ،
وَهِيَ كَأَحْسَنِ الدَّوَابِّ فَكَلَّمَهَا أَنْ تُدْخِلَهُ فِي
فَمِهَا حَتَّى تَدْخُلَ بِهِ إِلَى آدَمَ، فَأَدْخَلَتْهُ فِي
فَمِهَا، فَمَرَّتِ الْحَيَّةُ على الخزنه فدخلت وَهُمْ لا
يَعْلَمُونَ، لِمَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الأَمْرِ،
فَكَلَّمَهُ مِنْ فَمِهَا وَلَمْ يُبَالِ كَلامَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ
فَقَالَ: «يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ
لا يَبْلى» ، يَقُولُ: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةٍ إِنْ أَكَلْتَ
مِنْهَا كُنْتَ مَلِكًا مِثْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ
تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ فَلا تَمُوتَانِ أَبَدًا وَحَلَفَ لَهُمَا
بِاللَّهِ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ
بِذَلِكَ أَنْ يُبْدِيَ لَهُمَا مَا تَوَارَى عَنْهُمَا مِنْ
سَوْءَاتِهِمَا بِهَتْكِ لِبَاسِهِمَا، وَكَانَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ
لَهُمَا سَوْءَةً لِمَا كَانَ يَقْرَأُ مِنْ كُتُبِ الْمَلائِكَةِ،
وَلَمْ يَكُنْ آدَمُ يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَكَانَ لِبَاسُهُمَا الظُّفُرَ،
فَأَبَى آدَمُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، فَتَقَدَّمَتْ حَوَّاءُ
فَأَكَلَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا آدَمُ كُلْ، فَإِنِّي قَدْ أَكَلْتُ،
فلم يضرني، فلما اكل بدت لَهُما سَوْآتُهُما، وَطَفِقا يَخْصِفانِ
عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ» .
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن ليث ابن
أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ طَاوُسٍ الْيَمَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى
دَوَابِّ الأَرْضِ: أَيِّهَا تَحْمِلُهُ حَتَّى تدخل بِهِ الْجَنَّةَ
حَتَّى يُكَلِّمَ آدَمَ وَزَوْجَهُ، فَكُلُّ الدَّوَابِّ أَبَى ذَلِكَ
عَلَيْهِ، حَتَّى كَلَّمَ الْحَيَّةَ، فَقَالَ لَهَا: أَمْنَعُكِ مِنْ
بَنِي آدَمَ، فَأَنْتِ فِي ذِمَّتِي إِنْ أَنْتِ أَدْخَلْتِنِي
الْجَنَّةَ، فَجَعَلَتْهُ بَيْنَ نَابَيْنِ مِنْ أَنْيَابِهَا ثُمَّ
دَخَلَتْ بِهِ، فَكَلَّمَهُمَا مِنْ فَمِهَا وَكَانَتْ كَاسِيَةً
تَمْشِي عَلَى أَرْبَعِ قَوَائِمَ، فَأَعْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى
وَجَعَلَهَا تَمْشِي عَلَى بَطْنِهَا، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ:
اقْتُلُوهَا حَيْثُ وَجَدْتُمُوهَا، وَاخْفِرُوا ذِمَّةَ عَدُوِّ
اللَّهِ فِيهَا
(1/107)
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد
الرزاق، قال: أخبرنا عمر بن عبد الرحمن بن مهرب، قال: سمعت وهب بن منبه
يقول:
لما أسكن الله تعالى آدم وزوجته الجنة، ونهاه عن الشجرة، وكانت شجرة
غصونها متشعب بعضها في بعض، وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم، وهي
الثمرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فلما أراد إبليس أن يستزلهما
دخل في جوف الحية، وكان للحية أربع قوائم، كأنها بختية من أحسن دابة
خلقها الله تعالى، فلما دخلت الحيه الجنة خرج من جوفها إبليس، فأخذ من
الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حواء، فقال:
انظري إلى هذه الشجرة، ما أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها! فأخذت
حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم، فقالت: أنظر إلى هذه الشجرة ما
أطيب ريحها، وأطيب طعمها، وأحسن لونها! فأكل منها آدم، فبدت لهما
سوآتهما، فدخل آدم في جوف الشجرة، فناداه ربه: يا آدم، أين أنت؟ قال:
أنا هذا يا رب، قال: ألا تخرج؟ قال: أستحي منك يا رب، قال: ملعونة
الأرض التي خلقت منها لعنة حتى يتحول ثمارها شوكا! قال: ولم يكن في
الجنة ولا في الأرض شجرة كانت أفضل من الطلح والسدر.
ثم قال: يا حواء، أنت التي غررت عبدي، فإنك لا تحملين حملا إلا حملته
كرها، فإذا أردت أن تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا وقال للحية:
أنت التي دخل الملعون في بطنك حتى غر عبدي، ملعونة أنت لعنة حتى تتحول
قوائمك في بطنك، ولا يكن لك رزق إلا التراب، أنت عدوة بني آدم وهم
أعداؤك، حيث لقيت أحدا منهم أخذت بعقبه، وحيث لقيك شدخ رأسك
(1/108)
قيل لوهب: وما كانت الملائكة تأكل؟ قال:
يفعل الله ما يشاء.
حَدَّثَنَا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثني
حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: نهى الله تعالى آدم وحواء أن
يأكلا من شجرة واحدة في الجنة، ويأكلا منها رغدا حيث شاءا، فجاء
الشيطان فدخل في جوف الحية، فكلم حواء، ووسوس إلى آدم فقال: «مَا
نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا
مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما
لَمِنَ النَّاصِحِينَ» قال: فقطعت حواء الشجرة فدميت الشجرة، وسقط
عنهما رياشهما الذي كان عليهما، «وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ
وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ
تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما
عَدُوٌّ مُبِينٌ» لم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا رب أطعمتني حواء،
قال لحواء: لم أطعمته؟ قالت:
أمرتني الحية، قال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس، قال: ملعون
مدحور! أما أنت يا حواء، فكما أدميت الشجرة تدمين في كل هلال، وأما أنت
يا حية، فأقطع قوائمك فتمشين جريا على وجهك، وسيشدخ رأسك من لقيك
بالحجر، اهبطوا بعضكم لبعض عدو.
حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن
الربيع، قال: حَدَّثَنِي محدث أن الشيطان دخل الجنة في صورة دابة ذات
قوائم، فكان يرى أنه البعير، قال: فلعن فسقطت قوائمه فصار حية.
حدثت عن عمار، قال: حَدَّثَنَا عبد الله بن أبي جعفر، عن
(1/109)
أبيه، عن الربيع قال: وحدثني أبو العالية،
قال: إن من الإبل ما كان أولها من الجن قال: فأبيحت له الجنة كلها-
يعنى آدم- الا الشجرة، وقيل لهما: «لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ
فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ» ، قال: فأتى الشيطان حواء فبدأ بها،
فقال: نهيتما عن شيء؟ قالت: نعم، عن هذه الشجرة، فقال:
«ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا
مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ» قال: فبدت حواء فأكلت
منها، ثم أمرت آدم فأكل منها قال: وكانت شجرة، من أكل منها أحدث، قال:
ولا ينبغي أن يكون في الجنة حدث، قال: «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ
عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ» ، قال: فأخرج آدم من
الجنة.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ العلم أن آدم ع حين دخل الجنة ورأى ما
فيها من الكرامة، وما أعطاه الله منها، قال: لو أنا خلدنا! فاغتمز فيها
منه الشيطان لما سمعها منه، فأتاه من قبل الخلد.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
حدثت أن أول ما ابتدأهما به من كيده إياهما أنه ناح عليهما نياحة
أحزنتهما حين سمعاها، فقالا له: ما يبكيك؟ قال: أبكي عليكما،
(1/110)
تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة
والكرامة فوقع ذلك في أنفسهما، ثم أتاهما فوسوس إليهما، فقال: يا آدم
هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟ وقال: «ما نَهاكُما رَبُّكُما
عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا
مِنَ الْخالِدِينَ وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ» ،
أي تكونان ملكين أو تخلدان، أي إن لم تكونا ملكين في نعمة الجنة فلا
تموتان يقول الله عز وجل: «فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ» .
حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله سبحانه
وتعالى: «فَوَسْوَسَ» : وسوس الشيطان إلى حواء في الشجرة حتى اتى بها
إليها، ثم حسنتها في عين آدم، قال: فدعاها آدم لحاجته، قالت:
لا: الا ان تأتي هاهنا، فلما أتى قالت: لا، إلا أن تأكل من هذه الشجرة،
قال: فأكلا منها، فبدت لهما سوءاتهما قال: وذهب آدم هاربا في الجنة،
فناداه ربه: يا آدم، أمني تفر؟ قال: لا يا رب، ولكن حياء منك، قال: يا
آدم، انى اتيت؟ قال: من قبل حواء يا رب، فقال الله عز وجل: فإن لها علي
أن أدميها في كل شهر مرة، كما أدمت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة، وقد
كنت خلقتها حليمة، وأن أجعلها تحمل كرها وتضع كرها، وقد كنت جعلتها
تحمل يسرا وتضع يسرا قال ابن زيد: ولولا البلية التي أصابت حواء لكان
نساء أهل الدنيا لا يحضن، ولكن حليمات، ولكن يحملن يسرا،.
ويضعن يسرا.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الله بن قسيط، عن سعيد بن المسيب،
قال: سمعته يحلف بالله ما يستثني: ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل، ولكن
حواء سقته
(1/111)
الخمر حتى إذا سكر قادته إليها، فأكل منها
فلما واقع آدم وحواء الخطيئة، أخرجهما الله تعالى من الجنه وسلبهما ما
كانا فيه من النعمة والكرامة، وأهبطهما وعدوهما إبليس والحية إلى
الأرض، فقال لهم ربهم: اهبطوا بعضكم لبعض عدو.
وكالذي قلنا في ذلك قال السلف من أهل العلم.
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمن ابن مَهْدِيٍّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ
عَبَّاسٍ يَقُولُ: «اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» ، قَالَ:
آدَمُ وَحَوَّاءُ وَإِبْلِيسُ وَالْحَيَّةُ.
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالا:
حَدَّثَنَا عمرو ابن حَمَّادٍ، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ- فِي
خَبَرٍ ذكره- عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس- وعن مرة
الهمداني، عن ابْنِ مَسْعُودٍ- وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ
الله ص: «اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» ، فَلَعَنَ
الْحَيَّةَ فَقَطَعَ قَوَائِمَهَا، وَتَرَكَهَا تَمْشِي عَلَى
بَطْنِهَا، وَجَعَلَ رِزْقَهَا مِنَ التُّرَابِ، وَأَهْبَطَ إِلَى
الأَرْضِ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ وَالْحَيَّةَ.
حَدَّثَنِي محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى بن
ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله عز وجل:
«اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» ، قال: آدم وحواء وإبليس
والحية
(1/112)
القول في قدر مكث آدم في الجنة ووقت خلق
الله عز وجل إياه ووقت إهباطه إياه من السماء إلى الأرض
قد تظاهرت الاخبار عن رسول الله ص بان الله عز وجل خلق آدم ع يوم
الجمعة، وأنه أخرجه فيه من الجنة، وأهبطه إلى الأرض فيه، وأنه فيه تاب
عليه، وفيه قبضه.
ذكر الأخبار عن رسول الله ص بذلك:
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عن عمرو بن شرحبيل عن سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ
بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ سَعْدِ بن عباده، [عن رسول الله ص، قَالَ: إِنَّ
فِي الْجُمُعَةِ خَمْسَ خِلالٍ: فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ
إِلَى الأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا
يَسْأَلُ الْعَبْدُ فِيهَا رَبَّهُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ
إِيَّاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ إِثْمًا أَوْ قَطِيعَةً، وَفِيهِ: تَقُومُ
السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا جَبَلٍ
وَلا أَرْضٍ وَلا رِيحٍ، إِلا مُشْفِقٌ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، قَالا:
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ
الْمُنْذِرِ، [أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: سَيِّدُ الأَيَّامِ يَوْمُ
الْجُمُعَةِ، وَأَعْظَمُهَا وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ
الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ، وَفِيهِ خَمْسُ خِلالٍ: خَلَقَ اللَّهُ
تَعَالَى فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَهُ فِيهِ إِلَى الأَرْضِ، وَفِيهِ
تَوَفَّى اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ
الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا
وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ
وَلا أَرْضٍ وَلا جِبَالٍ وَلا رِيَاحٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُوَ
مُشْفِقٌ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، أَنْ تَقُومَ فِيهِ السَّاعَةُ] .
وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ
(1/113)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عامر، قال: حدثنا زهير ابن مُحَمَّدٍ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ جَدِّهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، [أَنَّ رَجُلا اتى النبي ص،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ،
مَاذَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ؟ فَقَالَ: فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ
أُهْبِطَ آدَمُ، وَفِيهِ تَوَفَّى آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ
الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، مَا لَمْ
يَسْأَلْ مَأْثَمًا أَوْ قَطِيعَةً، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا
مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا جِبَالٍ وَلا
رِيحٍ إِلا هُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ] .
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي
يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ،
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص:
خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ
خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةُ وَأُخْرِجَ مِنْهَا] .
حَدَّثَنِي بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُوسَى
بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ ص: سَيِّدُ الأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ
آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلا
تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا يَوْمَ الْجُمَعَةِ] .
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ
بْنُ اللَّيْثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ،
أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: [قَالَ رسول الله
ص: لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ عَلَى يَوْمٍ مِثْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ،
فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَفِيهِ
أُعِيدَ فِيهَا] .
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ
وَمُغِيرَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ كُلَيْبٍ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْقَرْثَعِ الضَّبِّيِّ- وَكَانَ الْقَرْثَعُ
(1/114)
مِنَ الْقُرَّاءِ الأَوَّلِينَ- قَالَ:
[قَالَ سَلْمَانُ: قَالَ لي رسول الله ص:
يَا سَلْمَانُ، أَتَدْرِي مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، يَقُولُهَا ثَلاثًا:
يَا سَلْمَانُ، أَتَدْرِي مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ؟ فِيهِ جُمِّعَ
أَبُوكَ، أَوْ أَبُوكُمْ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، عَنْ
يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ
يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ كَعْبًا يَقُولُ: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ
فِيهِ الشَّمْسُ يوم الجمعه، فيه خلق آدم ع، وَفِيهِ دَخَلَ
الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ.
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الآدَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
روح بن عبادة، قَالَ: حَدَّثَنَا زكرياء بن إسحاق، عن عمرو بن دينار،
عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ طَلَعَتْ
فِيهِ شَمْسُهُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الأَيَّامِ: فِيهِ
خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ آدَمَ، خَلَقَهُ عَلَى مِثْلِ
صُورَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ عَطَسَ آدَمُ فَأَلْقَى اللَّهُ تعالى
عَلَيْهِ الْحَمْدَ، فَقَالَ اللَّهُ: يَرْحَمُكَ رَبُّكَ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي كُدَيْنَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ الْقَرْثَعِ، [عَنْ سَلْمَانَ،
قَالَ: قال رسول الله ص: أَتَدْرِي مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ؟
هُوَ يَوْمٌ جُمِّعَ فيه ابوك، او أبوكم آدم ع] .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ،
عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
عَلْقَمَةَ، قَالَ: [قَالَ سَلْمَانُ قَالَ لي رسول الله ص: يَا
سَلْمَانُ، أَتَدْرِي مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ؟ مَرَّتَيْنِ أَوْ
ثَلاثًا، قَالَ: هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي جُمِّعَ فِيهِ أَبُوكُمْ
آدَمُ، أَوْ جُمِّعَ فِيهِ أَبُوكُمْ] .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ
الْقَرْثَعِ، [عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ
(1/115)
رسول الله ص: اتدرى ما الْجُمُعَةِ؟ أَوْ
قَالَ: كَذَا، فِيهَا جُمِّعَ أَبُوكُمْ آدَمُ] .
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ:
أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ
الْقَرْثَعِ، [عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله ص:
أَتَدْرِي مَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فِيهِ جُمِّعَ
أَبُوكَ]
(1/116)
ذكر الوقت الذى فيه خلق آدم ع من يوم
الجمعة والوقت الذي أهبط إلى الأرض
اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ
وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: [قَالَ
رَسُولُ الله ص:
خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ
خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُسْكِنَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ اهبط، وفيه تقوم
الساعة، وفيه ساعه- يقللها- لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ
اللَّهَ تعالى فيها خيرا الا آتاه الله إِيَّاهُ،] فَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ، هِيَ آخِرُ
سَاعَاتِ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ:
«خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا
تَسْتَعْجِلُونِ» .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ
وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَأَسَدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ ابى هريرة، عن
النبي ص نَحْوَهُ، وَذَكَرَ فِيهِ كَلامَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ
بِنَحْوِهِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله عز وجل: «خُلِقَ الْإِنْسانُ
مِنْ عَجَلٍ» ، قَالَ: قَوْلُ آدَمَ حِينَ خُلِقَ بَعْدَ كُلِّ شيء آخر
النهار من يوم الجمعه، خُلِقَ الْخَلْقُ، فَلَمَّا أَحْيَا الرُّوحُ
عَيْنَيْهِ وَلِسَانَهُ وَرَأْسَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ أَسْفَلَهُ، قَالَ:
يَا رَبِّ اسْتَعْجِلْ بِخَلْقِي قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ
(1/117)
حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال:
حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ:
«خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» ، قَالَ: آدَمُ حِينَ خُلِقَ بعد كل
شيء، ثم ذكره نحوه، غير أنه قال في حديثه: استعجل بخلقي، قد غربت
الشمس.
حَدَّثَنِي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:
«خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ» ، قال: على عجل خلق آدم آخر ذلك
اليوم من ذينك اليومين- يريد يوم الجمعة- وخلقه على عجلة وجعله عجولا.
وقد زعم بعضهم أن الله عز وجل أسكن آدم وزوجته الفردوس لساعتين مضتا من
نهار يوم الجمعة، وقيل لثلاث ساعات مضين منه، وأهبطه إلى الأرض لسبع
ساعات مضين من ذلك اليوم، فكان مقدار مكثهما في الجنة خمس ساعات منه
وقيل: كان ذلك ثلاث ساعات وقال بعضهم: اخرج آدم ع من الجنه الساعة
التاسعة أو العاشرة ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
قال أبو جعفر: قرأت على عبدان بن محمد المروزي، قال: حَدَّثَنَا عمار
بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن
أنس عن أبي العالية، قال: أخرج آدم من الجنة للساعة التاسعة أو
العاشرة، فقال لي: نعم، لخمسة أيام مضين من نيسان.
فإن كان قائل هذا القول أراد الله أن تبارك وتعالى أسكن آدم وزوجته
الفردوس لساعتين مضتا من نهار يوم الجمعة من أيام أهل الدنيا التي هي
على
(1/118)
ما هي به اليوم، فلم يبعد قوله من الصواب
في ذلك، لأن الأخبار إذا كانت واردة عن السلف من أهل العلم، بأن آدم
خلق في آخر ساعة من اليوم السادس من الأيام التي مقدار اليوم الواحد
منها ألف سنة من سنيننا فمعلوم أن الساعة الواحدة من ساعات ذلك اليوم
ثلاثة وثمانون عاما من أعوامنا، وقد ذكرنا أن آدم بعد أن خمر ربنا عز
وجل طينته بقي قبل أن ينفخ فيه الروح أربعين عاما، وذلك لا شك أنه عنى
به من أعوامنا وسنيننا، ثم من بعد أن نفخ فيه الروح إلى أن تناهى أمره،
وأسكن الفردوس، وأهبط إلى الأرض- غير مستنكر أن يكون كان مقداره من
سنيننا قدر خمس وثلاثين سنة فإن كان أراد أنه أسكن الفردوس لساعتين
مضتا من نهار يوم الجمعة من الأيام التي مقدار اليوم الواحد منها ألف
سنة من سنيننا، فقد قال غير الحق، وذلك أن جميع من حفظ له قول في ذلك
من أهل العلم، فإنه كان يقول إن آدم نفخ فيه الروح في آخر النهار من
يوم الجمعة قبل غروب الشمس من ذلك اليوم ثم الاخبار عن رسول الله ص
متظاهرة بأن الله تبارك وتعالى أسكنه الجنة فيه، وفيه أهبطه إلى الأرض
فإن كان ذلك صحيحا، فمعلوم أن آخر ساعة من نهار يوم من أيام الآخرة ومن
الأيام التي اليوم الواحد منها مقداره ألف سنة من سنيننا، إنما هي ساعة
بعد مضي إحدى عشرة ساعة، وذلك ساعة من اثنتي عشرة ساعة، وهي ثلاث
وثمانون سنة وأربعة أشهر من سنيننا، فآدم صلوات الله عليه إذ كان الأمر
كذلك، إنما خلق لمضي إحدى عشرة ساعة من نهار يوم الجمعة من الأيام التي
اليوم الواحد منها ألف سنة من سنيننا، فمكث جسدا ملقى لم ينفخ فيه
الروح أربعين عاما من أعوامنا ثم نفخ فيه الروح فكان مكثه في السماء
بعد ذلك ومقامه في الجنة، إلى أن أصاب الخطيئة وأهبط إلى الأرض ثلاثا
وأربعين سنة من سنيننا وأربعة أشهر، وذلك ساعة من ساعات يوم من الأيام
الستة التي خلق الله تعالى فيها الخلق
(1/119)
وَقَدْ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أخبرني أبي، عن أبي صالح،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ بَيْنَ
الصَّلاتَيْنِ: صَلاةِ الظُّهْرِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ، فَأُنْزِلَ إِلَى
الأَرْضِ وَكَانَ مُكْثُهُ فِي الْجَنَّةِ نصف يوم يوم من ايام الآخرة،
وهو خمسمائة سَنَةٍ، مِنْ يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
سَاعَةً، وَالْيَوْمُ أَلْفُ سَنَةٍ مِمَّا يَعُدُّ أَهْلُ الدُّنْيَا،
وَهَذَا أَيْضًا قَوْلٌ خِلافُ مَا وَرَدَتْ به الاخبار عن رسول الله
ص، وَعَنِ السَّلَفِ مِنْ عُلَمَائِنَا.
(1/120)
القول في الموضع الذي أهبط آدم وحواء إليه
من الأرض حين أهبطا إليها
ثم إن الله عز وجل أهبط آدم قبل غروب الشمس من اليوم الذي خلقه فيه-
وذلك يوم الجمعة- من السماء مع زوجته، وأنزل آدم- فيما قال علماء سلف
أمة نبينا ص- بالهند.
ذكر من حضرنا ذكره ممن قال ذلك منهم:
220- حَدَّثَنَا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال:
أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: أهبط الله عز وجل آدم إلى الأرض، وكان
مهبطه بأرض الهند.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: إِنَّ أَوَّلَ مَا أَهْبَطَ
اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ أهبطه بدهنا أَرْضِ الْهِنْدِ.
حدثت عن عمار، قال: حَدَّثَنَا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن
الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: أهبط آدم إلى الهند.
حَدَّثَنِي ابْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بن سلمة، عن عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ
بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
[قال على بن ابى طالب ع: أَطْيَبُ أَرْضٍ فِي الأَرْضِ رِيحًا أَرْضُ
الْهِنْدِ، أُهْبِطَ بِهَا آدَمُ، فَعَلِقَ شَجَرُهَا مِنْ رِيحِ
الْجَنَّةِ] .
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن أبي صالح، عن ابن
عباس، قال: أُهْبِطَ آدَمُ بِالْهِنْدِ، وَحَوَّاءُ بِجِدَّةَ، فَجَاءَ
فِي طَلَبِهَا حَتَّى اجْتَمَعَا، فَازْدَلَفَتْ إِلَيْهِ حَوَّاءُ،
فَلِذَلِكَ
(1/121)
سُمِّيَتِ الْمُزْدَلِفَةَ، وَتَعَارَفَا
بِعَرَفَاتٍ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ عَرَفَاتٍ، وَاجْتَمَعَا بِجَمْعٍ
فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ جَمْعًا قَالَ: وَأُهْبِطَ آدَمُ عَلَى جَبَلٍ
بِالْهِنْدِ يُقَالُ لَهُ بُوذُ.
حدثنا أبو همام، قال: حدثني أبي، قال: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ
خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى بَائِعِ الْقَتِّ، قَالَ: قَالَ لِي
مُجَاهِدٌ: لَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ
آدَمَ نَزَلَ حِينَ نَزَلَ بِالْهِنْدِ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وأما
أهل التوراة فإنهم قالوا: أهبط آدم بالهند على جبل يقال له واسم، عند
وإذ يقال له بهيل بين الدهنج والمندل: بلدين بأرض الهند قالوا:
وأهبطت حواء بجدة من أرض مكة.
وقال آخرون: بل أهبط آدم بسرنديب، على جبل يدعى بوذ، وحواء بجدة من أرض
مكة، وإبليس بميسان، والحية بأصبهان وقد قيل: أهبطت الحية بالبرية،
وإبليس بساحل بحر الأيلة.
وهذا مما لا يوصل إلى علم صحته إلا بخبر يجيء مجيء الحجة، ولا يعلم خبر
في ذلك ورد كذلك، غير ما ورد من خبر هبوط آدم بأرض الهند، فإن ذلك مما
لا يدفع صحته علماء الإسلام وأهل التوراة والإنجيل، والحجة قد ثبتت
بأخبار بعض هؤلاء وذكر أن الجبل الذي اهبط عليه آدم ع ذروته من أقرب
ذرا جبال الأرض إلى السماء، وأن آدم حين أهبط عليه كانت رجلاه عليه
ورأسه في السماء يسمع دعاء الملائكة وتسبيحهم، فكان آدم يأنس بذلك،
وكانت
(1/122)
الملائكة تهابه، فنقص من طول آدم لذلك.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا هشام
بن حسان، عن سوار ختن عطاء، عن عطاء بن أبي رباح، قال: لما أهبط الله
عز وجل آدم من الجنة كان رجلاه في الأرض، ورأسه في السماء، يسمع كلام
أهل السماء ودعاءهم، يأنس إليهم، فهابته الملائكة حتى شكت إلى الله
تعالى في دعائها وفي صلاتها، فخفضه الى الارض، فلما فقد ما كان يسمع
منهم استوحش حتى شكا ذلك إلى الله عز وجل في دعائه وفي صلاته، فوجه إلى
مكة فصار موضع قدمه قرية، وخطوته مفازة، حتى انتهى إلى مكة، وأنزل الله
تعالى ياقوتة من ياقوت الجنة، فكانت على موضع البيت الآن، فلم يزل يطوف
به حتى أنزل الله تعالى الطوفان، فرفعت تلك الياقوتة حتى بعث الله
تعالى ابراهيم الخليل ع فبناه، فذلك قوله تعالى:
«وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ» .
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن
قتادة، قال: وضع الله تعالى البيت مع آدم، فكان رأسه في السماء ورجلاه
في الأرض، فكانت الملائكة تهابه، فنقص إلى ستين ذراعا، فحزن آدم إذ فقد
أصوات الملائكة وتسبيحهم، فشكا ذلك إلى الله، فقال الله: يا آدم، إني
أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي، وتصلي عنده كما يصلى عند
عرشي فانطلق اليه آدم ع، فخرج ومد له في خطوه، فكان بين كل خطوة مفازة،
فلم تزل تلك المفاوز بعد ذلك، فاتى آدم ع البيت، فطاف به ومن بعده من
الأنبياء
(1/123)
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال:
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عن أبي
صالح، عن ابن عباس، قال: لما حط من طول آدم ع إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعًا
أَنْشَأَ يَقُولُ: رَبِّ، كُنْتُ جَارَكَ فِي دَارِكَ، لَيْسَ لِي
رَبٌّ غَيْرُكَ، وَلا رَقِيبٌ دُونَكَ، آكُلُ فِيهَا رَغَدًا،
وَأَسْكُنُ حَيْثُ أَحْبَبْتُ، فَأَهْبَطْتَنِي إِلَى هَذَا الْجَبَلِ
الْمُقَدَّسِ، فَكُنْتُ أَسْمَعُ أَصْوَاتَ الْمَلائِكَةِ، وَأَرَاهُمْ
كَيْفَ يَحُفُّونَ بِعَرْشِكَ، وَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ وَطِيبَهَا،
ثُمَّ أَهْبَطْتَنِي إِلَى الأَرْضِ، وَحَطَطْتَنِي إِلَى سِتِّينَ
ذِرَاعًا، فَقَدِ انْقَطَعَ عَنِّي الصَّوْتُ وَالنَّظَرُ، وَذَهَبَ
عَنِّي رِيحَ الْجَنَّةِ فَأَجَابَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
لِمَعْصِيَتِكَ يَا آدَمُ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ
تَعَالَى عُرْيَ آدَمَ وَحَوَّاءَ أَمَرَهُ أَنْ يَذْبَحَ كَبْشًا مِنَ
الضَّأْنِ مِنَ الثَّمَانِيَةِ الأَزْوَاجِ الَّتِي أَنْزَلَ مِنَ
الْجَنَّةِ، فَأَخَذَ كَبْشًا فَذَبَحَهُ، ثُمَّ أَخَذَ صُوفَهُ
فَغَزَلَتْهُ حَوَّاءُ، وَنَسَجَهُ هُوَ وَحَوَّاءُ، فَنَسَجَ آدَمُ
جُبَّةً لِنَفْسِهِ، وَجَعَلَ لِحَوَّاءَ دِرْعًا وخمارا، فلبسا ذلك،
واوحى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى آدَمَ أَنْ لِي حَرَمًا بِحِيَالِ
عَرْشِي، فَانْطَلِقْ فَابْنِ لِي فِيهِ بَيْتًا، ثم حف به كما رايت
ملائكى يَحُفُّونَ بِعَرْشِي، فَهُنَالِكَ أَسْتَجِيبُ لَكَ
وَلِوَلَدِكَ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي طَاعَتِي، فَقَالَ آدَمُ: أَيْ
رَبِّ، فَكَيْفَ لِي بِذَلِكَ، لَسْتُ أَقْوَى عَلَيْهِ وَلا أَهْتَدِي
لَهُ! فَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا، فَانْطَلَقَ بِهِ نَحْوَ
مَكَّةَ، فَكَانَ آدَمُ إِذَا مَرَّ بِرَوْضَةٍ وَمَكَانٍ يُعْجِبُهُ
قَالَ لِلْمَلَكِ: انْزِلْ بنا هاهنا، فَيَقُولُ لَهُ الْمَلَكُ:
مَكَانَكَ، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَكَانَ كُلُّ مَكَانٍ نَزَلَ بِهِ
صَارَ عُمْرَانًا، وَكُلُّ مَكَانٍ تَعَدَّاهُ صَارَ مَفَاوِزَ
وَقِفَارًا، فَبَنَى الْبَيْتَ مِنْ خَمْسَةِ أَجْبُلٍ: مِنْ طُورِ
سَيْنَاءَ وَطُورِ زَيْتُونٍ وَلِبْنَانَ وَالْجُودِيِّ، وَبَنَى
قَوَاعِدَهُ مِنْ حِرَاءَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَائِهِ خَرَجَ بِهِ
الْمَلَكُ إِلَى عَرَفَاتٍ، فَأَرَاهُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا الَّتِي
تَفْعَلُهَا النَّاسُ الْيَوْمَ، ثُمَّ قَدِمَ بِهِ مَكَّةَ، فَطَافَ
بِالْبَيْتِ أُسْبُوعًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَرْضِ الْهِنْدِ، فَمَاتَ
عَلَى بُوذَ
(1/124)
حدثنا أبو همام، قال: حدثني أبي، قال:
حدثني زياد بن خيثمة، عن أبي يحيى بَائِعِ الْقَتِّ، قَالَ: قَالَ لِي
مُجَاهِدٌ: لَقَدْ حدثنى عبد الله ابن عباس ان آدم ع نَزَلَ حِينَ
نَزَلَ بِالْهِنْدِ، وَلَقَدْ حَجَّ مِنْهَا أَرْبَعِينَ حِجَّةً عَلَى
رِجْلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْحَجَّاجِ، أَلا كَانَ
يَرْكَبُ؟ قَالَ: فَأَيُّ شيء كان يحمله! فو الله إِنَّ خَطْوَهُ
مَسِيرَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ لَيَبْلُغُ
السَّمَاءَ، فَاشْتَكَتِ الْمَلائِكَةُ نَفَسَهُ، فَهَمَزَهُ
الرَّحْمَنُ هَمْزَةً، فَتَطَأْطَأَ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ حَرْبٍ أَبُو مَعْمَرٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عُبَيْدَةَ السُّلَمِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ نَافِعٌ:
سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اوحى الى آدم
ع وَهُوَ بِبِلادِ الْهِنْدِ:
أَنْ حُجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَحَجَّ آدَمُ مِنْ بِلادِ الْهِنْدِ،
فَكَانَ كُلَّمَا وَضَعَ قَدَمَهُ صَارَ قَرْيَةً، وَمَا بَيْنَ
خُطْوَتَيْهِ مَفَازَةً، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ
بِهِ، وَقَضَى الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ إِلَى
بِلادِ الْهِنْدِ فَمَضَى، حَتَّى إِذَا كَانَ بِمَأْزِمَيْ عَرَفَاتٍ،
تَلَقَّتْهُ الْمَلائِكَةُ، فَقَالُوا: بِرَّ حَجَّكَ يَا آدَمُ!
فَدَخَلَهُ مِنْ ذَلِكَ عُجْبٌ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَلائِكَةُ ذَلِكَ
مِنْهُ قَالُوا: يَا آدَمُ، إِنَّا قَدْ حَجَجْنَا هَذَا الْبَيْتَ
قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ بِأَلْفَيْ سَنَةٍ، قَالَ: فَتَقَاصَرَتْ إِلَى
آدَمَ نَفْسُهُ.
وذكر ان آدم ع أُهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ، وَعَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ
مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الأَرْضِ، وَيَبِسَ
الإِكْلِيلُ، تَحَاتَّ وَرَقُهُ فَنَبَتَ مِنْهُ أَنْوَاعُ الطِّيبِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ
عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا جَعَلا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ
الْجَنَّةِ، فَلَمَّا يَبِسَ ذَلِكَ الْوَرَقُ الَّذِي خَصَفَاهُ
عَلَيْهِمَا تَحَاتَّ فَنَبَتَ مِنْ ذَلِكَ الْوَرَقِ انواع الطيب
والله اعلم
(1/125)
وقال آخرون: بل لَمَّا عَلِمَ آدَمُ أَنَّ
اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُهْبِطُهُ إِلَى الأَرْضِ، جَعَلَ لا يَمُرُّ
بِشَجَرَةٍ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَخَذَ غُصْنًا مِنْ
أَغْصَانِهَا، فَهَبَطَ إِلَى الأَرْضِ وَتِلْكَ الأَغْصَانُ مَعَهُ،
فَلَمَّا يَبِسَ وَرَقُهَا تَحَاتَّ، فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلُ الطِّيبِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
232- حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنَا زِيَادُ بن خيثمة، عن أبي يحيى بائع القت قَالَ: قَالَ لِي
مُجَاهِدٌ: لَقَدْ حَدَّثَنِي عَبْدُ الله ابن عَبَّاسٍ، أَنَّ آدَمَ
حِينَ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ كَانَ لا يَمُرُّ بِشَيْءٍ إِلا عَبَثَ
بِهِ، فَقِيلَ لِلْمَلائِكَةِ: دَعُوهُ فَلْيَتَزَوَّدْ مِنْهَا مَا
شَاءَ، فَنَزَلَ حِينَ نَزَلَ بِالْهِنْدِ، وَإِنَّ هَذَا الطِّيبَ
الَّذِي يُجَاءُ بِهِ مِنَ الْهِنْدِ مِمَّا خَرَجَ بِهِ آدَمُ مِنَ
الْجَنَّةِ ذكر من قال: كان على راس آدم ع حين أهبط من الجنة إكليل من
شجر الجنة:
حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن
الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: خرج آدم من الجنة، فخرج منها ومعه
عصا من شجر الجنة، وعلى رأسه تاج أو إكليل من شجر الجنة، قال: فأهبط
إلى الهند، ومنه كل طيب بالهند.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
هبط آدم عليه- يعني على الجبل الذي هبط عليه- ومعه ورق من ورق الجنة،
فبثه في ذلك الجبل، فمنه كان أصل الطيب كله، وكل فاكهة لا توجد إلا
بأرض الهند
(1/126)
وقال آخرون: بل زوده الله من ثمار الجنة،
فثمارنا هذه من تلك الثمار ذِكْرُ من قال ذلك:
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ
وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر، عن عوف، عن قسامة بن زهير، عن الأشعري،
قال:
إن الله تبارك وتعالى لما اخرج آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة، وعلمه
صنعة كل شيء، فثماركم هذه من ثمار الجنة، غير أن هذه تتغير وتلك لا
تتغير.
وقال آخرون: إنما علق بأشجار الهند طيب ريح آدم ع.
ذكر من قال إنما صار الطيب بالهند لأن آدم حين أهبط إليها علق بأشجارها
طيب ريحه:
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ محمد، قال: أخبرني أبي، عن
أبي صالح، عن ابن عباس، قال: نزل آدم ع مَعَهُ رِيحُ الْجَنَّةِ،
فَعَلِقَ بِشَجَرِهَا وَأَوْدِيَتِهَا وَامْتَلأَ ما هنالك طِيبًا،
فَمِنْ ثَمَّ يُؤْتَى بِالطِّيبِ مِنْ رِيحِ الْجَنَّةِ.
وَقَالُوا: أُنْزِلَ مَعَهُ مِنْ طِيبِ الْجَنَّةِ.
وَقَالَ: أُنْزِلَ مَعَهُ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ، وَكَانَ أَشَدَّ
بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ، وَعَصَا مُوسَى، وَكَانَتْ مِنْ آسِ
الْجَنَّةِ، طُولُهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ عَلَى طُولِ مُوسَى، ومر
ولبان، ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ العَلاةُ وَالمِطْرَقَةُ
وَالْكَلْبَتَانِ، فَنَظَرَ آدَمُ
(1/127)
حِينَ أُهْبِطَ عَلَى الْجَبَلِ إِلَى
قَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ نَابِتٍ عَلَى الْجَبَلِ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ
هَذَا، فَجَعَلَ يَكْسِرُ أَشْجَارًا قَدْ عَتِقَتْ وَيَبِسَتْ
بِالمِطْرَقَةِ، ثُمَّ أَوْقَدَ عَلَى ذَلِكَ الْغُصْنُ حَتَّى ذَابَ،
فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ ضَرَبَهُ مُدْيَةً، فَكَانَ يَعْمَلُ بِهَا،
ثُمَّ ضَرَبَ التَّنُّورَ، وَهُوَ الَّذِي وَرِثَهُ نُوحٌ، وَهُوَ
الَّذِي فَارَ بِالْعَذَابِ بِالْهِنْدِ.
وَكَانَ آدَمُ حِينَ هَبَطَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ السَّمَاءُ، فَمِنْ
ثَمَّ صَلِعَ، وَأَوْرَثَ وَلَدَهُ الصَّلَعَ وَنَفَرَتْ مِنْ طُولِهِ
دَوَابُّ الْبَرِّ، فَصَارَتْ وَحْشًا مِنْ يومئذ، وكان آدم ع وَهُوَ
عَلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ قَائِمٌ يَسْمَعُ أَصْوَاتَ الْمَلائِكَةِ،
وَيَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، فَحُطَّ مِنْ طُولِهِ ذَلِكَ إِلَى
سِتِّينَ ذِرَاعًا، فَكَانَ ذَلِكَ طُولُهُ إِلَى أَنْ مَاتَ وَلَمْ
يُجْمَعْ حُسْنُ آدَمَ ع لأحد من ولده الا ليوسف ع.
وَقِيلَ: إِنَّ مِنَ الثِّمَارِ الَّتِي زَوَّدَ اللَّهُ عز وجل آدم ع
حين اهبط إِلَى الأَرْضِ ثَلاثِينَ نَوْعًا، عَشَرَةً مِنْهَا فِي
الْقُشُورِ وَعَشَرَةً لَهَا نَوَى، وَعَشَرَةً لا قُشُورَ لَهَا وَلا
نَوَى فَأَمَّا الَّتِي فِي الْقُشُورِ مِنْهَا فَالْجَوْزُ،
وَاللَّوْزُ، وَالْفُسْتُقُ، وَالْبُنْدُقُ، وَالْخَشْخَاشُ،
وَالْبَلُّوطُ، والشاهبلوط، وَالرَّانِجُ، وَالرُّمَّانُ، وَالْمَوْزُ
وَأَمَّا الَّتِي لَهَا نَوَى مِنْهَا فَالْخَوْخُ، وَالْمِشْمِشُ،
وَالإِجَّاصُ، وَالرُّطَبُ، وَالْغُبَيْرَاءُ، وَالنَّبَقُ،
وَالزُّعْرُورُ، وَالْعِنَّابُ، وَالْمُقْلُ، وَالشَّاهَلُوجُ وَأَمَّا
الَّتِي لا قُشُورَ لَهَا وَلا نَوَى فَالتُّفَّاحُ، وَالسَّفَرْجَلُ،
وَالْكُمَّثْرَى، وَالْعِنَبُ، وَالتُّوتُ، وَالتِّينُ، وَالأُتْرُجُّ،
وَالْخُرْنُوبُ، وَالْخِيارُ، وَالْبِطِّيخُ.
وَقِيلَ: كَانَ مِمَّا أَخْرَجَ آدَمُ مَعَهُ مِنَ الْجَنَّةِ صُرَّةٌ
مِنْ حِنْطَةٍ، وَقِيلَ: إِنَّ الْحِنْطَةَ انما جاءه بها جبرئيل ع
بَعْدَ أَنْ جَاعَ آدَمُ، وَاسْتَطْعَمَ رَبَّهُ، فَبَعَثَ الله اليه
مع جبرئيل ع بِسَبْعِ حَبَّاتٍ مِنْ حِنْطَةٍ، فَوَضَعَهَا فِي يَدِ
آدم ع، فقال آدم لجبرئيل: ما هذا؟ فقال له جبرئيل: هَذَا الَّذِي
أَخْرَجَكَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَكَانَ وَزْنُ الحبه منها مائه الف درهم
وثمانمائه دِرْهَمٍ، فَقَالَ آدَمُ:
مَا أَصْنَعُ بِهَذَا؟ قَالَ: انْثُرْهُ فِي الأَرْضِ فَفَعَلَ،
فَأَنْبَتَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ سَاعَتِهِ، فَجَرَتْ سُنَّةٌ
فِي وَلَدِهِ الْبَذْرُ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَحَصَدَهُ،
ثُمَّ أَمَرَهُ فَجَمَعَهُ وَفَرَكَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ
يُذْرِيَهُ، ثُمَّ أَتَاهُ بِحَجَرَيْنِ فَوَضَعَ أَحَدَهُمَا عَلَى
الآخر
(1/128)
فَطَحَنَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ
يَعْجِنَهُ، ثُمَّ أَمَرَهُ ان يخبزه مله، وجمع له جبرئيل ع الْحَجَرَ
وَالْحَدِيدَ فَقَدَحَهُ، فَخَرَجَتْ مِنْهُ النَّارُ، فَهُوَ أول من
خبز الملة.
وهذا القول الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ، خِلافُ
مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ عَنْ سَلَفِ أُمَّةِ نبينا ص، وَذَلِكَ
أَنَّ الْمُثَنَّى بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَنَّ إِسْحَاقَ
حَدَّثَهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ
عُمَارَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، وعن سعيد ابن جُبَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتِ الشَّجَرَةَ الَّتِي نَهَى
اللَّهُ عَنْهَا آدَمَ وَزَوْجَتَهُ السُّنْبُلَةُ، فَلَمَّا أَكَلا
مِنْهَا بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا، وَكَانَ الَّذِي وَارَى
عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا أَظْفَارُهُمَا، وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ
عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ، وَرَقِ التِّينِ يُلْصِقَانِ
بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، فَانْطَلَقَ آدَمُ مُوَلِّيًا فِي الْجَنَّةِ،
فَأَخَذَتْ بِرَأْسِهِ شَجَرَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَنَادَاهُ: يَا
آدَمُ، أَمِنِّي تَفِرُّ؟ قَالَ: لا، ولكنى استحيتك يَا رَبِّ، قَالَ:
أَمَا كَانَ لَكَ فِيمَا مَنَحْتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَبَحْتُكَ
مِنْهَا مَنْدُوحَةٌ عَمَّا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ! قَالَ: بَلَى يَا
رَبِّ، وَلَكِنْ وَعِزَّتِكَ مَا حَسِبْتُ أَنَّ أَحَدًا يَحْلِفُ بِكَ
كَاذِبًا، قَالَ- وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
«وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ» - قَالَ:
فَبِعِزَّتِي لأُهْبِطَنَّكَ إِلَى الأَرْضِ، فَلا تَنَالُ الْعَيْشَ
إِلا كَدًّا.
قَالَ: فَأُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَكَانَا يَأْكُلانِ فِيهَا
رَغَدًا، فَأُهْبِطَ إِلَى غَيْرِ رَغَدٍ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ،
فَعُلِّمَ صَنْعَةَ الْحَدِيدِ، وَأُمِرَ بِالْحَرْثِ فَحَرَثَ
وَزَرَعَ ثُمَّ سَقَى، حَتَّى إِذَا بَلَغَ حَصَدَهُ، ثُمَّ دَاسَهُ،
ثُمَّ ذَرَاهُ، ثُمَّ طَحَنَهُ، ثُمَّ عَجَنَهُ، ثُمَّ خَبَزَهُ، ثُمَّ
اكله، فلم يبلغه حَتَّى بَلَغَ مِنْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يبلغ
(1/129)
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن
جعفر، عن سعيد، قال: أهبط إلى آدم ثور احمر، فكان يحدث عليه، ويمسح
العرق عن جبينه، فهو الذي قال الله عز وجل: «فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ
الْجَنَّةِ فَتَشْقى» ، فكان ذلك شقاؤه.
فهذا الذي قاله هؤلاء هو أولى بالصواب، وأشبه بما دل عليه كتاب ربنا عز
وجل، وذلك أن الله عز ذكره لما تقدم إلى آدم وزوجته حواء بالنهي عن
طاعة عدوهما، قال لآدم: «يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ
وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى إِنَّ
لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى.
وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى» ، فكان معلوما أن الشقاء
الذي أعلمه أنه يكون إن أطاع عدوه إبليس، هو مشقة الوصول إلى ما يزيل
الجوع والعري عنه، وذلك هي الأسباب التي بها يصل أولاده إلى الغذاء، من
حراثة وبذر وعلاج وسقي، وغير ذلك من الأسباب الشاقة المؤلمة ولو كان
جبرئيل أتاه بالغذاء الذي يصل إليه ببذره دون سائر المؤن غيره، لم يكن
هناك من الشقاء الذي توعده به ربه على طاعة الشيطان ومعصية الرحمن كبير
خطب، ولكن الأمر كان- والله أعلم- على ما روينا عن ابْنِ عَبَّاسٍ
وغيره.
وقد قيل: إن آدم ع نزل معه السندان، والكلبتان، والميقعة، والمطرقة.
ذِكْرُ من قال ذلك:
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا الحسين، عَنْ عَلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ
عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ثَلاثَةُ أَشْيَاءٍ نَزَلَتْ
مَعَ آدم ع: السِّنْدَانُ، وَالْكَلْبَتَانِ، وَالْمِيقَعَةُ،
وَالْمِطْرَقَةُ
(1/130)
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ فِيمَا
ذُكِرَ أَنْزَلَ آدَمَ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي أَهْبَطَهُ عَلَيْهِ
إِلَى سَفْحِهِ، وَمَلَّكَهُ الأَرْضَ كُلَّهَا، وَجَمِيعَ مَا
عَلَيْهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ وَالْوَحْشِ
وَالطَّيْرِ وغير ذلك، وان آدم ع لَمَّا نَزَلَ مِنْ رَأْسِ ذَلِكَ
الْجَبَلِ، وَفَقَدَ كَلامَ أَهْلِ السَّمَاءِ، وَغَابَتْ عَنْهُ
أَصْوَاتُ الْمَلائِكَةِ، وَنَظَرَ إِلَى سِعَةِ الأَرْضِ
وَبَسْطَتِهَا، وَلَمْ يَرَ فِيهَا أَحَدًا غَيْرَهُ، اسْتَوْحَشَ
فَقَالَ: يَا رَبِّ، أَمَا لأَرْضِكَ هَذِهِ عَامِرٌ يُسَبِّحُكَ
غَيْرِي! فأجيب بما حَدَّثَنِي المثنى بن إبراهيم، قال: أخبرنا إسحاق
بن الحجاج، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثنى عبد الصمد
ابن معقل، أنه سمع وهبا يقول: إن آدم لما أهبط إلى الأرض فرأى سعتها
ولم ير فيها أحدا غيره قال: يا رب، أما لأرضك هذه عامر يسبح بحمدك
ويقدس لك غيري! قال الله: إني سأجعل فيها من ولدك من يسبح بحمدي
ويقدسني، وسأجعل فيها بيوتا ترفع لذكري، ويسبح فيها خلقي، ويذكر فيها
اسمي، وسأجعل من تلك البيوت بيتا أخصه بكرامتي، وأوثره باسمي، وأسميه
بيتي، أنطقه بعظمتي، وعليه وضعت جلالي ثم أنا مع ذلك في كل شيء ومع كل
شيء، أجعل ذلك البيت حرما آمنا يحرم بحرمته من حوله ومن تحته ومن فوقه،
فمن حرمه بحرمتي استوجب بذلك كرامتي، ومن أخاف أهله فيه فقد أخفر ذمتي،
وأباح حرمتي أجعله أول بيت وضع للناس ببطن مكة مباركا، يأتونه شعثا
غبرا على كل ضامر، من كل فج عميق، يرجون بالتلبية رجيجا، ويثجون
بالبكاء ثجيجا، ويعجون بالتكبير عجيجا، فمن اعتمده ولا يريد غيره فقد
وفد إليَّ وزارني وضافني، وحق على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه، وأن
يسعف كلا بحاجته تعمره يا آدم ما كنت حيا، ثم تعمره الأمم والقرون
والأنبياء من ولدك أمة بعد أمة، وقرنا بعد قرن.
ثم أمر آدم ع- فيما ذكر- أن يأتي البيت الحرام الذي اهبط
(1/131)
له إلى الأرض، فيطوف به كما كان يرى
الملائكة تطوف حول عرش الله، وكان ذلك ياقوتة واحدة أو درة واحدة، كما
حدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن
أبان، أن البيت أهبط ياقوتة واحدة أو درة واحدة، حتى إذا أغرق الله قوم
نوح رفعه وبقي أساسه، فبوأه الله عز وجل لإبراهيم فبناه، وقد ذكرت
الأخبار الواردة بذلك فيما مضى قبل.
فذكر ان آدم ع بكى واشتد بكاؤه على خطيئته، وندم عليها، وسأل الله عز
وجل قبول توبته، وغفران خطيئته، فقال في مسألته إياه: ما سأل من ذلك،
كما حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ،
عَنْ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ
رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ» قَالَ: أَيْ رَبِّ، أَلَمْ
تَخْلُقْنِي بِيَدِكَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَيْ رَبِّ، أَلَمْ
تَنْفُخْ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ؟
قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَيْ رَبِّ، أَلَمْ تُسْكِنِّي جَنَّتَكَ؟ قَالَ:
بَلَى، قَالَ: أَيْ رَبِّ، أَلَمْ تَسْبِقْ رَحْمَتُكَ غَضَبَكَ؟
قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ تُبْتُ وَأَصْلَحْتُ أَرَاجِعِي
أَنْتَ إِلَى الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَهُوَ قَوْلُهُ تعالى:
«فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ» .
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زريع،
عن سعيد، عن قتادة، قوله تعالى «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ
كَلِماتٍ» ذكر لنا أنه قال:
يا رب: أرأيت إن أنا تبت وأصلحت! قال: إذا أرجعك إلى الجنة، قال:
وقال الحسن: إنهما قالا: «رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» .
حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حَدَّثَنَا
سفيان وقيس، عن خصيف، عن مجاهد، في قوله عز وجل:
(1/132)
«فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ»
قال: قوله: «رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا
وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» .
حَدَّثَنِي الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا هِشَامُ بْنُ
مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: أَنْزَلَ آدَمُ مَعَهُ حِينَ أُهْبِطَ مِنَ
الْجَنَّةِ الْحَجَرَ الأَسْوَدَ، وَكَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ
الثَّلْجِ، وَبَكَى آدَمُ وَحَوَّاءُ عَلَى مَا فَاتَهُمَا- يَعْنِي
مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ- مِائَتَيْ سَنَةٍ، وَلَمْ يَأْكُلا وَلَمْ
يَشْرَبَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ أَكَلا وَشَرِبَا، وَهُمَا
يَوْمَئِذٍ عَلَى بُوذَ، الْجَبَلِ الَّذِي أُهْبِطَ عَلَيْهِ آدَمُ
وَلَمْ يَقْرَبْ حَوَّاءَ مِائَةَ سَنَةٍ.
حَدَّثَنَا أبو همام، قال: حدثني أبي، قال: حدثني زياد بن خيثمة، عن
أبي يحيى بائع القت، قال: قال لي مجاهد، ونحن جلوس في المسجد: هل ترى
هذا؟ قلت: يا أبا الحجاج، الحجر؟ قال: كذلك تقول؟
قلت: او ليس حجرا! قال: فو الله لحدثني عبد الله بن عباس أنها ياقوتة
بيضاء، خرج بها آدم من الجنة، كان يمسح بها دموعه، وأن آدم لم ترقأ
دموعه منذ خرج من الجنة حتى رجع إليها ألفي سنة، وما قدر منه إبليس على
شيء، فقلت له: يا أبا الحجاج، فمن أي شيء اسود؟ قال: كان الْحُيَّضُ
يلمسنه في الجاهلية فخرج آدم ع من الهند يؤم البيت الذي أمره الله عز
وجل بالمصير إليه، حتى أتاه، فطاف به، ونسك المناسك، فذكر أنه التقى هو
وحواء بعرفات، فتعارفا بها، ثم ازدلف إليها بالمزدلفة، ثم رجع إلى
الهند مع حواء، فاتخذا مغارة يأويان إليها في ليلهما ونهارهما، وأرسل
الله إليهما ملكا يعلمهما ما يلبسانه ويستتران به، فزعموا أن ذلك كان
من جلود الضأن والأنعام والسباع وقال بعضهم: إنما كان ذلك لباس
أولادهما، فأما آدم وحواء فإن لباسهما كان ما كانا خصفا على أنفسهما من
ورق الجنة ثم إن الله عز ذكره مسح ظهر آدم ع بنعمان من عرفة، وأخرج
(1/133)
ذريته، فنثرهم بين يديه كالذر، فأخذ
مواثيقهم، وأشهدهم على أنفسهم:
ألست بربكم؟ قالوا: بلى، كما قال عز وجل: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ
بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى
أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى» .
وَقَدْ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ
بْنُ حَازِمٍ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ سعيد ابن جبير، عن ابن
عباس، [عن النبي ص، قَالَ: أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ
آدَمَ بِنَعْمَانَ- يَعْنِي عَرَفَةَ- فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ
ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ
كَلَّمَهُمْ قِبَلا، وَقَالَ: «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى
شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ» إِلَى قَوْلِهِ: «بِما
فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ] » .
حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا كُلْثُومُ بْنُ جَبْرٍ،
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ
قالُوا بَلى» ، قَالَ: مَسَحَ رَبُّنَا ظَهْرَ آدَمَ، فَخَرَجَتْ كُلُّ
نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هَذِهِ- وَأَشَارَ بِيَدِهِ-
فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ: أَلَسْتُ
بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا:
حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل:
«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ
قالُوا بَلى» ، قَالَ: مَسَحَ ظَهْرَ آدَمَ فَخَرَجَ كُلُّ نَسَمَةٍ
هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِنَعْمَانَ، هَذَا الَّذِي
وَرَاءَ عَرَفَةَ، وَأَخَذَ مِيثَاقَهُمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟
قَالُوا: بَلَى شَهِدْنَا، وَاللَّفْظُ لِحَدِيثِ يَعْقُوبَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ، عن عطاء،
(1/134)
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: أُهْبِطَ آدَمُ حِينَ أُهْبِطَ فَمَسَحَ اللَّهُ
ظَهْرَهُ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا:
بَلَى، ثُمَّ تَلَى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ
ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» ، فَجَفَّ الْقَلَمُ مِنْ يَوْمِئِذٍ
بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عيسى، عن
الأعمش، عن حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ
ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» ، قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ آدَمَ ع أَخَذَ ذُرِّيَّتَهُ مِنْ ظَهْرِهِ مِثْلَ الذَّرِّ،
فَقَبَضَ قَبْضَتَيْنِ، فَقَالَ لأَصْحَابِ الْيَمِينِ: ادْخُلُوا
الْجَنَّةَ بِسَلامٍ، وَقَالَ لِلآخَرِينَ: ادْخُلُوا النَّارَ وَلا
أُبَالِي.
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ
بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي
أُنَيْسَةَ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ،
[أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ عَنْ
هَذِهِ الآية:
«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ» ، فقال عمر: سمعت رسول الله ص قَالَ: إِنَّ اللَّهَ
خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ بِيَمِينِهِ وَاسْتَخْرَجَ
مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ
أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ
فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلنَّارِ
وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتعالى
إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ، حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الجنه
فيدخله الْجَنَّةِ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ
بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ عَمَلِ
أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلُهُ النَّارَ] .
وَقِيلَ: إِنَّهُ أخذ ذريه آدم ع من ظهره بدحنا
(1/135)
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ» قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ مسح
ظهره بدحنا فَأَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ:
أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَيَرَوْنَ يَوْمَئِذٍ،
جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: أَخْرَجَ اللَّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ صُلْبِهِ فِي
السَّمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُهْبِطَهُ إِلَى الأَرْضِ، وَبَعْدَ أَنْ
أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذلك:
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن حماد، عن أسباط، عن السدي: «وَإِذْ
أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى» ،
قال: أخرج الله آدم من الجنة ولم يهبطه من السماء، ثم إنه مسح من آدم
صفحة ظهره اليمنى، فأخرج منه ذرية كهيئة الذر بيضاء مثل اللؤلؤ، فقال
لهم: ادخلوا الجنه برحمتي، ومسح صفحه ظهره اليسرى، فأخرج منه كهيئة
الذر سودا، فقال: ادخلوا النار ولا أبالي فذلك حين يقول: أصحاب اليمين
وأصحاب الشمال ثم أخذ الميثاق فقال: ألست بربكم؟ قالوا بلى، فأعطاه
طائفة طائعين، وطائفة على وجه التقية
(1/136)
ذكر الأحداث التي كانت في عهد آدم ع بعد أن
أهبط إلى الأرض
فكان أول ذلك قتل قابيل بن آدم أخاه هابيل، وأهل العلم يختلفون في اسم
قابيل، فيقول بعضهم: هو قين بن آدم، ويقول بعضهم: هو قايين ابن آدم
ويقول بعضهم: هو قاين ويقول بعضهم: هو قابيل.
واختلفوا أيضا في السبب الذي من أجله قتله:
فقال بعضهم في ذلك مَا حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بن هارون الهمداني، قال:
حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي- في خبر ذكره- عن أبي
مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود- وعن
ناس من أصحاب رسول الله ص، قَالَ: كَانَ لا يُولَدُ لآدَمَ مَوْلُودٌ
إِلا وُلِدَ مَعَهُ جَارِيَةٌ، فَكَانَ يُزَوِّجُ غُلامَ هَذَا البطن
جاريه هذا البطن الآخر ويزوج جاريه هذا البطن غلام هَذَا الْبَطْنِ
الآخَرِ، حَتَّى وُلِدَ لَهُ ابْنَانِ، يُقَالُ لَهُمَا قَابِيلُ
وَهَابِيلُ، وَكَانَ قَابِيلُ صَاحِبَ زَرْعٍ، وَكَانَ هَابِيلُ
صَاحِبَ ضَرْعٍ، وَكَانَ قَابِيلُ أَكْبَرَهُمَا، وَكَانَتْ لَهُ
أُخْتٌ أَحْسَنَ مِنْ أُخْتِ هَابِيلَ، وَإِنَّ هَابِيلَ طَلَبَ أَنْ
يَنْكِحَ أُخْتَ قَابِيلَ، فَأَبَى عَلَيْهِ وَقَالَ: هِيَ أُخْتِي
وُلِدَتْ مَعِي، وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ أُخْتِكَ، وَأَنَا أَحَقُّ أَنْ
أَتَزَوَّجَهَا، فَأَمَرَهُ أَبُوهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا هَابِيلَ،
فَأَبَى وَإِنَّهُمَا قَرَّبَا قُرْبَانًا إِلَى اللَّهِ أَيُّهُمَا
أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ، وَكَانَ
(1/137)
آدَمُ يَوْمَئِذٍ قَدْ غَابَ عَنْهُمَا
وَأَتَى مَكَّةَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ لآدَمَ: يَا آدَمُ،
هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ لِي بَيْتًا فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لا،
قَالَ: فَإِنَّ لِي بَيْتًا بِمَكَّةَ فَأْتِهِ، فَقَالَ آدَمُ
لِلسَّمَاءِ: احْفَظِي وَلَدَيَّ بِالأَمَانَةِ، فَأَبَتْ، وَقَالَ
لِلأَرْضِ فَأَبَتْ، وَقَالَ لِلْجِبَالِ: فَأَبَتْ، فَقَالَ
لِقَابِيلَ، فَقَالَ: نَعَمْ، تَذْهَبُ وَتَرْجِعُ وَتَجِدُ أَهْلَكَ
كَمَا يَسُرُّكَ فَلَمَّا انْطَلَقَ آدَمُ قَرَّبَا قُرْبَانًا،
وَكَانَ قَابِيلُ يَفْخَرُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا
مِنْكَ هِيَ أُخْتِي، وَأَنَا أَكْبَرُ مِنْكَ، وَأَنَا وَصِيُّ
وَالِدِي، فَلَمَّا قَرَّبَا، قَرَّبَ هَابِيلُ جَذَعَةَ سَمِينَةً،
وَقَرَّبَ قَابِيلُ حِزْمَةَ سُنْبُلٍ، فَوَجَدَ فِيهَا سُنْبُلَةً
عَظِيمَةً فَفَرَكَهَا فَأَكَلَهَا، فَنَزَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْ
قُرْبَانَ هَابِيلَ، وَتَرَكَتْ قُرْبَانَ قَابِيلَ، فَغَضِبَ وَقَالَ:
لأَقْتُلَنَّكَ حَتَّى لا تَنْكِحَ أُخْتِي، فَقَالَ هَابِيلُ:
«إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ
إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ
لِأَقْتُلَكَ» ، إِلَى قَوْلِهِ: «فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ
أَخِيهِ» ، فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَرَاغَ الْغُلامُ مِنْهُ فِي
رُءُوسِ الْجِبَالِ، فَأَتَاهُ يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ وَهُوَ يَرْعَى
غَنَمَهُ فِي جَبَلٍ وَهُوَ نَائِمٌ، فَرَفَعَ صَخْرَةً فَشَدَخَ بِهَا
رَأْسَهُ، فَمَاتَ وَتَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ، لا يَعْلَمُ كَيْفَ
يُدْفَنُ، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابَيْنِ أَخَوَيْنِ فَاقْتَتَلا،
فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَحَفَرَ لَهُ ثُمَّ حثا عليه، فلما
رآه قال: «يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ
فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي» ، فَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
«فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ
يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ» فَرَجَعَ آدَمُ فَوَجَدَ ابْنَهُ قَدْ
قَتَلَ أَخَاهُ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
«إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَالْجِبالِ» - إِلَى آخِرِ الآيَةِ- «إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا
» يَعْنِي قَابِيلَ حِينَ حَمَلَ أَمَانَةَ آدَمَ، ثُمَّ لَمْ يَحْفَظْ
لَهُ أَهْلَهُ
(1/138)
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ السَّبَبُ فِي
ذَلِكَ أَنَّ آدَمَ كَانَ يُولَدُ لَهُ مِنْ حَوَّاءَ فِي كُلِّ بَطْنٍ
ذَكَرٌ وَأُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَ الذَّكَرُ منهما زوج منه ولده
الأُنْثَى الَّتِي وُلِدَتْ مَعَ أَخِيهِ الَّذِي وُلِدَ فِي الْبَطْنِ
الآخَرِ، قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ.
فَرَغِبَ قَابِيلُ بِتَوْءَمَتِهِ عَنْ هَابِيلَ.
كَمَا حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بن الحسن، قال: حدثنا الحسين، قال:
حدثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ أَرْمِي الْجَمْرَةَ، وَهُوَ متقنع متوكى عَلَى يَدِي،
حَتَّى إِذَا وَازَيْنَا بِمَنْزِلِ سَمُرَةَ الصَّوَّافِ، وَقَفَ
يُحَدِّثُنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نُهِيَ أَنْ تَنْكِحَ
الْمَرْأَةُ أَخَاهَا تَوْءَمَهَا، وَيَنْكِحُهَا غَيْرُهُ مِنْ
إِخْوَتِهَا، وَكَانَ يُولَدُ فِي كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ،
فَوُلِدَتِ امْرَأَةٌ وَسِيمَةٌ وَوُلِدَتِ امْرَأَةٌ قَبِيحَةٌ،
فَقَالَ أَخُو الدَّمِيمَةِ: أَنْكِحْنِي أُخْتَكَ وَأُنْكِحَكَ
أُخْتِي، قَالَ: لا، أَنَا أَحَقُّ بِأُخْتِي، فَقَرَّبَا قُرْبَانًا
فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِبِ الْكَبْشِ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ صَاحِبِ
الزَّرْعِ، فَقَتَلَهُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الْكَبْشُ مَحْبُوسًا
عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى أَخْرَجَهُ فِي فِدَاءِ
إِسْحَاقَ، فَذَبَحَهُ عَلَى هَذَا الصَّفَا، فِي ثَبِيرٍ، عِنْدَ
مَنْزِلِ سَمُرَةَ الصَّوَّافِ، وَهُوَ عَلَى يَمِينِكَ حِينَ تَرْمِي
الْجِمَارَ.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ العلم من أهل الكتاب الأول، أن آدم ع
كان يغشى حواء في الجنة قبل أن تصيب الخطيئة، فحملت له بقين بن آدم
وتوءمته، فلم تجد عليهما وحما ولا وصبا، ولم تجد عليهما طلقا حين
ولدتهما، ولم تر معهما دما لطهر الجنة، فلما أكلا من الشجرة وأصابا
المعصية، وهبطا إلى الأرض واطمأنا بها تغشاها، فحملت بهابيل وتوءمته،
فوجدت عليهما الوحم والوصب، ووجدت حين ولدتهما الطلق ورأت معهما الدم،
وكانت حواء-
(1/139)
فيما يذكرون- لا تحمل إلا توءما ذكرا
وأنثى، فولدت حواء لآدم أربعين ولدا لصلبه من ذكر وأنثى في عشرين بطنا،
وكان الرجل منهم أي أخواته شاء تزوج إلا توءمته التي تولد معه، فإنها
لا تحل له، وذلك أنه لم يكن نساء يومئذ إلا أخواتهم وأمهم حواء.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن بعض
أهل العلم بالكتاب الأول أن آدم أمر ابنه قينا أن ينكح توءمته هابيل،
وأمر هابيل أن ينكح أخته توءمته قينا، فسلم لذلك هابيل ورضي، وأبى ذلك
قين وكره تكرما عن أخت هابيل، ورغب بأخته عن هابيل، وقال، نحن ولادة
الجنة، وهما من ولادة الأرض، وأنا أحق بأختي- ويقول بعض أهل العلم من
أهل الكتاب الأول: بل كانت أخت قين من أحسن الناس، فضن بها عن أخيه،
وأرادها لنفسه- والله أعلم أي ذلك كان- فقال له أبوه: يا بني إنها لا
تحل لك، فأبى قين أن يقبل ذلك من قول أبيه، فقال له أبوه: يا بني، فقرب
قربانا، ويقرب أخوك هابيل قربانا، فأيكما قبل الله قربانه فهو أحق بها،
وكان قين على بذر الأرض، وكان هابيل على رعاية الماشية، فقرب قين قمحا،
وقرب هابيل أبكارا من أبكار غنمه- وبعضهم يقول:
قرب بقره- فأرسل الله جل وعز نارا بيضاء، فأكلت قربان هابيل وتركت
قربان قين وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله الله عز وجل، فلما قبل الله
قربان هابيل- وكان في ذلك القضاء له بأخت قين- غضب قين، وغلب عليه
الكبر واستحوذ عليه الشيطان، فاتبع أخاه هابيل، وهو في ماشيته فقتله،
فهما اللذان قص الله خبرهما في القرآن على محمد ص، فقال:
«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ» يعني أهل الكتاب «نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ
بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً
(1/140)
فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما» إلى آخر
القصة، قال: فلما قتله سقط في يديه، ولم يدر كيف يواريه، وذلك أنه كان-
فيما يزعمون- أول قتيل من بني آدم:
«فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ
يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ
مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي» .
إلى قوله: «ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ
لَمُسْرِفُونَ» قال: ويزعم أهل التوراة أن قينا حين قتل أخاه هابيل،
قال الله له: أين أخوك هابيل؟ قال: ما أدري، ما كنت عليه رقيبا، فقال
الله له: إن صوت دم أخيك ليناديني من الأرض! الآن أنت ملعون من الأرض
التي فتحت فاها، فتلقت دم أخيك من يدك، فإذا أنت عملت في الأرض، فإنها
لا تعود تعطيك حرثها حتى تكون فزعا تائها في الأرض، فقال قين: عظمت
خطيئتي من أن تغفرها، قد اخرجتنى اليوم عن وجه الارض واتوارى من قدامك،
وأكون فزعا تائها في الأرض، وكل من لقيني، قتلني فقال الله عز وجل: ليس
ذلك كذلك، فلا يكون كل من قتل قتيلا يجزى بواحد سبعة، ولكن من قتل قينا
يجزي سبعة، وجعل الله في قين آية لئلا يقتله كل من وجده، وخرج قين من
قدام الله عز وجل من شرقي عدن الجنة.
وقال آخرون في ذلك: إنما كان قتل القاتل منهما أخاه أن الله عز وجل
أمرهما بتقريب قربان، فتقبل قربان أحدهما، ولم يتقبل من الآخر، فبغاه
الذي لم يتقبل قربانه فقتله.
ذكر من قال ذلك:
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر، قال:
حدثنا
(1/141)
عَوْفٌ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: إِنَّ ابْنَيْ آدَمَ اللَّذَيْنِ
قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّل
مِنَ الآخَرِ كَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ حَرْثٍ، وَالآخَرُ صَاحِبَ
غَنَمٍ، وَأَنَّهُمَا أُمِرَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا، وَأَنَّ
صَاحِبَ الْغَنَمِ قَرَّبَ أَكْرَمَ غَنَمِهِ وَأَسْمَنَهَا
وَأَحْسَنَهَا، طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ، وَأَنَّ صَاحِبَ الْحَرْثِ
قرب، شر حرثه: الكوزر وَالزِّوَانَ، غَيْرَ طَيِّبَةٍ بِهَا نَفْسُهُ،
وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَقَبَّلَ قُرْبَانَ صَاحِبِ الْغَنَمِ،
وَلَمْ يَتَقَبَّلْ قُرْبَانَ صَاحِبِ الْحَرْثِ، وَكَانَ مِنْ
قِصَّتِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَقَالَ: أَيْمِ
اللَّهِ، إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ لأَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ، وَلَكِنْ
مَنَعَهُ التَّحَرُّجُ أَنْ يَنْبَسِطَ إِلَى أَخِيهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي،
عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِسْكِينٌ يُتَصَدَّقُ
عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَانُ يُقَرِّبُهُ الرَّجُلُ،
فَبَيْنَا ابْنَا آدَمَ قَاعِدَانِ إِذْ قَالا: لَوْ قَرَّبْنَا
قُرْبَانًا! وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَّبَ قُرْبَانًا فَرَضِيَهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ نَارًا فَأَكَلَتْهُ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ رَضِيَهُ اللَّهُ خَبَتِ النَّارُ، فَقَرَّبَا قُرْبَانًا،
وَكَانَ أَحَدُهُمَا رَاعِيًا وَالآخَرُ حَرَّاثًا، وَإِنَّ صَاحِبَ
الْغَنَمِ قَرَّبَ خَيْرَ غَنَمِهِ وَأَسْمَنَهَا، وَقَرْبَ الآخَرُ
بَعْضَ زَرْعِهِ، فَجَاءَتِ النار فنزلت بينهما فَأَكَلَتِ الشَّاةَ
وَتَرَكَتِ الزَّرْعَ، وَإِنَّ ابْنَ آدَمَ قَالَ لأَخِيهِ: أَتَمْشِي
فِي النَّاسِ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّكَ قَرَّبْتَ قُرْبَانًا
فَتُقُبِّلَ مِنْكَ وَرُدَّ عَلَيَّ قُرْبَانِي! فَلا وَاللَّهِ لا
يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيَّ وَإِلَيْكَ وَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي،
فَقَالَ: لأَقْتُلَنَّكَ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ:
مَا ذَنْبِي! إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ تَكُنْ قِصَّةُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فِي
عَهْدِ آدَمَ، وَلا كَانَ القربان
(1/142)
فِي عَصْرِهِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا كَانَ
هَذَانِ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالُوا: إِنَّ أَوَّلَ
مَيِّتٍ مات في الارض آدم ع، لَمْ يَمُتْ قَبْلَهُ أَحَدٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا سفيان بن وكيع، قال: حَدَّثَنَا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن
الحسن، قال: كان الرجلان اللذان في القرآن قال الله عز وجل فيهما:
«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ» من بني إسرائيل،
ولم يكونا ابني آدم لصلبه، وإنما كان القربان في بني إسرائيل، وكان آدم
أول من مات.
وقال بعضهم: إن آدم غشي حواء بعد مهبطهما إلى الأرض بمائة سنة، فولدت
له قابيل وتوءمته قليما في بطن واحد، ثم هابيل وتوءمته في بطن واحد،
فلما شبوا أراد آدم ع أن يزوج أخت قابيل التي ولدت معه في بطن واحد من
هابيل، فامتنع من ذلك قابيل، وقربا بهذا السبب قربانا فتقبل قربان
هابيل، ولم يتقبل قربان قابيل، فحسده قابيل، فقتله عند عقبه حرى ثم نزل
قابيل من الجبل، آخذا بيد أخته قليما، فهرب بها إلى عدن من أرض اليمن.
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أبي، عن أبي صالح، عن
ابن عباس، قَالَ: لَمَّا قَتَلَ قَابِيلُ أَخَاهُ هَابِيلَ أَخَذَ
بِيَدِ أُخْتِهِ ثُمَّ هَبَطَ بِهَا مِنْ جَبَلِ بُوذَ إِلَى
الْحَضِيضِ، فَقَالَ آدَمُ لِقَابِيلَ: اذْهَبْ فَلا تَزَالُ
مَرْعُوبًا لا تَأْمَنُ مَنْ تَرَاهُ، فَكَانَ لا يَمُرُّ بِهِ أَحَدٌ
مِنْ وَلَدِهِ إِلا رَمَاهُ، فَأَقْبَلَ ابْنٌ لِقَابِيلَ أَعْمَى،
وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ، فَقَالَ لِلأَعْمَى ابْنُهُ:
هَذَا أَبُوكَ قَابِيلُ، فَرَمَى الأَعْمَى أَبَاهُ قَابِيلَ
فَقَتَلَهُ، فَقَالَ ابْنُ الأَعْمَى: قَتَلْتَ
(1/143)
يَا أَبَتَاهُ أَبَاكَ، فَرَفَعَ الأَعْمَى
يَدَهُ، فَلَطَمَ ابْنَهُ فَمَاتَ ابْنُهُ، فَقَالَ الأَعْمَى: وَيْلٌ
لِي! قَتَلْتُ أَبِي بِرَمْيَتِي، وَقَتَلْتُ ابْنِي بِلَطْمَتِي!
وَذُكِرَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ هَابِيلَ قُتِلَ وَلَهُ عِشْرُونَ
سَنَةً، وَأَنَّ قَابِيلَ كَانَ لَهُ يَوْمَ قَتَلَهُ خَمْسٌ
وَعِشْرُونَ سَنَةً.
وَالصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا أَنَّ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ
فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ قتل أخاه من ابنى آدم هو ابن آدَمَ لِصُلْبِهِ،
لِنَقْلِ الْحُجَّةِ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ هَنَّادَ بْنَ
السَّرِيِّ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ
جَمِيعًا عَنِ الأَعْمَشِ.
- وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ
وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَأَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ
مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: [قَالَ النَّبِيُّ ص: مَا مِنْ
نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ
كِفْلٌ مِنْهَا،] وَذَلِكَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مَهْدِيٍّ- وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي-
جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عن النبي ص نَحْوَهُ.
فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ الله ص صِحَّةَ قَوْلِ
مَنْ قَالَ:
إِنَّ اللَّذَيْنِ قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ قِصَّتَهُمَا مِنَ
ابْنَيْ آدَمَ كَانَا ابْنَيْهِ لِصُلْبِهِ، لأَنَّهُ لا شَكَّ
أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ- كَمَا رُوِيَ عَنِ
الْحَسَنِ- لَمْ يَكُنِ الَّذِي وُصِفَ مِنْهُمَا بِأَنَّهُ قَتَلَ
أَخَاهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ، إِذْ كَانَ الْقَتْلَ فِي بَنِي
آدَمَ قَدْ كَانَ قَبْلَ إِسْرَائِيلَ وَوَلَدِهِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى أَنَّهُمَا وَلَدَا
آدَمَ لِصُلْبِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟
(1/144)
قِيلَ: لا خِلافَ بَيْنَ سَلَفِ عُلَمَاءِ
أُمَّتِنَا في ذلك، إذا فَسَدَ قَوْلُ مَنْ قَالَ:
كَانَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَذُكِرَ أَنَّ قَابِيلَ لَمَّا قَتَلَ
أَخَاهُ هابيل بكاه آدم ع فَقَالَ- فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ
بَكَاهُ آدَمُ، فَقَالَ:
تَغَيَّرَتِ الْبِلادُ ومن عليها ... فوجه الأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ
تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي طَعْمٍ وَلَوْنٍ ... وَقَلَّ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ
الْمَلِيحِ
قَالَ: فَأُجِيبَ آدم ع:
أَبَا هَابِيلَ قَدْ قُتِلا جَمِيعًا ... وَصَارَ الْحَيُّ كَالْمَيْتِ
الذَّبِيحِ
وَجَاءَ بِشِرَّةٍ قَدْ كَانَ مِنْهَا ... عَلَى خَوْفٍ فَجَاءَ بِهَا
يَصِيحُ
وَذُكِرَ أَنَّ حواء ولدت لادم ع عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَطْنٍ،
أَوَّلُهُمْ قَابِيلُ وَتَوْءَمَتُهُ قلِيمَا، وَآخِرُهُمْ عَبْدُ
الْمُغِيثِ وَتَوْءَمَتُهُ أَمَةُ الْمُغِيثِ.
وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَذُكِرَ عَنْهُ مَا قَدْ ذَكَرْتُ قَبْلُ،
وَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ مَا وَلَدَتْهُ حَوَّاءُ لآدَمَ لِصُلْبِهِ
أَرْبَعُونَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فِي عِشْرِينَ بَطْنًا، وَقَالَ:
قَدْ بَلَغَنَا أَسْمَاءُ بَعْضِهِمْ وَلَمْ يَبْلُغْنَا بَعْضٌ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
فكان من بلغنا اسمه خمسة عشر رجلا وأربع نسوة، منهم قين وتوءمته،
وهابيل وليوذا وأشوث بنت آدم وتوءمها، وشيث وتوءمته، وحزورة وتوءمها،
على
(1/145)
ثلاثين ومائه سنه من عمره ثم اباد بن آدم
وتوءمته، ثم بالغ بن آدم وتوءمته، ثم أثاثي بن آدم وتوءمته، ثم توبه بن
آدم وتوءمته، ثم بنان ابن آدم وتوءمته، ثم شبوبة بن آدم وتوءمته، ثم
حيان بن آدم وتوءمته، ثم ضرابيس بن آدم وتوءمته، ثم هذر بن آدم
وتوءمته، ثم يحود بن آدم وتوءمته، ثم سندل بن آدم وتوءمته، ثم بارق بن
آدم وتوءمته، كل رجل منهم تولد معه امرأة في بطنه الذي يحمل به فيه.
وقد زعم أكثر علماء الفرس أن جيومرت هو آدم، وزعم بعضهم أنه ابن آدم
لصلبه من حواء.
وقال فيه غيرهم أقوالا كثيرة، يطول بذكر أقوالهم الكتاب، وتركنا ذكر
ذلك إذ كان قصدنا في كتابنا هذا ذكر الملوك وأيامهم، وما قد شرطنا في
كتابنا هذا أنا ذاكروه فيه، ولم يكن ذكر اختلاف المختلفين في نسب ملك
من جنس ما أنشأنا له صنعة الكتاب، فإن ذكرنا من ذلك شيئا فلتعريف من
ذكرنا، ليعرفه من لم يكن به عارفا، فأما ذكر الاختلاف في نسبه فإنه غير
المقصود به في كتابنا هذا.
وقد خالف علماء الفرس فيما قالوا من ذلك آخرون من غيرهم ممن زعم أنه
آدم، ووافق علماء الفرس على اسمه وخالفه في عينه وصفته، فزعم أن
(1/146)
جيومرت الذى زعمت الفرس انه آدم ع انما هو
جامر بن يافث ابن نوح، وأنه كان معمرا سيدا، نزل جبل دنباوند من جبال
طبرستان من أرض المشرق، وتملك بها وبفارس، ثم عظم أمره وأمر ولده، حتى
ملكوا بابل، وملكوا في بعض الأوقات الأقاليم كلها، وأن جيومرت منع من
البلاد ما صار إليه، وابتنى المدن والحصون وعمرها، وأعد السلاح، واتخذ
الخيل، وأنه تجبر في آخر عمره، وتسمى بآدم، وقال: من سماني بغير هذا
الاسم ضربت عنقه، وأنه تزوج ثلاثين امرأة، فكثر منهن نسله، وأن ماري
ابنه وماريانة أخته، ممن كان ولد له في آخر عمره، فأعجب بهما وقدمهما،
فصار الملوك بذلك السبب من نسلهما، وأن ملكه اتسع وعظم.
وإنما ذكرت من أمر جيومرت في هذا الموضع ما ذكرت، لأنه لا تدافع بين
علماء الأمم أن جيومرت هو أبو الفرس من العجم، وإنما اختلفوا فيه:
هل هو آدم أبو البشر على ما قاله الذين ذكرنا قولهم أم هو غيره؟ ثم مع
ذلك فلأن ملكه وملك أولاده لم يزل منتظما على سياق، متسقا بأرض المشرق
وجبالها إلى أن قتل يزدجرد بن شهريار من ولد ولده بمرو- أبعده الله-
أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه، فتأريخ ما مضى من سني العالم على
أعمار ملوكهم أسهل بيانا، وأوضح منارا منه على أعمار ملوك غيرهم من
الأمم، إذ لا تعلم أمة من الأمم الذين ينتسبون الى آدم ع دامت لها
المملكة، واتصل لهم الملك، وكانت لهم ملوك تجمعهم، ورءوس تحامي عنهم من
ناوأهم، وتغالب بهم من عازهم، وتدفع ظالمهم عن مظلومهم، وتحملهم من
الأمور على ما فيه حظهم
(1/147)
على اتصال ودوام ونظام، يأخذ ذلك آخرهم عن
أولهم، وغابرهم عن سالفهم- سواهم، فالتأريخ على أعمار ملوكهم أصح
مخرجا، وأحسن وضوحا.
وأنا ذاكر ما انتهى إلينا من القول في عمر آدم ع وأعمار من كان بعده من
ولده الذين خلفوه في النبوة والملك، على قول من خالف قول الفرس الذين
زعموا أنه جيومرت، وعلى قول من قال: إنه هو جيومرت أبو الفرس، وذاكر ما
اختلفوا فيه من أمرهم إلى الحال التي اجتمعوا عليها، فاتفقوا على من
ملك منهم في زمان بعينه أنه كان هو الملك في ذلك الزمان إِنْ شَاءَ
اللَّهُ، وَلا حول وَلا قوة إلا بالله، ثم سائق ذلك كذلك إلى زماننا
هذا.
ونرجع الآن إلى الزيادة في الإبانة عن خطإ قول من قال: إن أول ميت كان
في أول الارض آدم، وإنكاره الذين قص الله نبأهما في قوله:
«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا
قُرْباناً» ، أن يكونا من صلب آدم من أجل ذلك.
فَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قال: حدثنا عُمَرُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عن سمره بن جندب، [عن
النبي ع قَالَ: كَانَتْ حَوَّاءُ لا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، فَنَذَرَتْ
لِئَنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُسَمِّيَنَّهُ عَبْدَ الْحَارِثِ،
فَعَاشَ لَهَا وَلَدٌ فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، وانما كان ذلك عن
وحى الشيطان] .
وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ دَاوُدَ
بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَتْ حَوَّاءُ تَلِدُ لآدَمَ فَتُعَبِّدُهُمُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
وَتُسَمِّيهِمْ: عَبْدَ اللَّهِ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ،
(1/148)
فيصيبهم الموت، فأتاها ابليس وآدم ع،
فَقَالَ: إِنَّكُمَا لَوْ تُسَمِّيَانَهُ بِغَيْرِ الَّذِي
تُسَمِّيَانَهُ بِهِ لَعَاشَ، فَوَلَدَتْ لَهُ ذَكَرًا، فَسَمَّيَاهُ
عَبْدَ الْحَارِثِ، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ، يَقُولُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
واحِدَةٍ» ، إِلَى قَوْلِهِ: «جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما» الى
آخر الآية حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة،
عن سعيد بن جبير: «فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما» الى
قوله:
«فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» .
قال: ولما حملت حواء في أول ولد ولدته حين أثقلت أتاها إبليس قبل أن
تلد فقال: يا حواء، ما هذا في بطنك؟ فقالت: ما ادرى من؟ فقال:
أين يخرج؟ من أنفك؟ أو من عينك؟ أو من أذنك؟ قالت: لا أدري، قال: أرأيت
إن خرج سليما أمطيعتي أنت فيما آمرك به؟ قالت: نعم، قال:
سميه عبد الحارث- وقد كان يسمى إبليس لعنه الله الحارث- فقالت: نعم، ثم
قالت بعد ذلك لآدم: أتاني آت في النوم فقال لي: كذا وكذا، فقال: ان ذاك
الشيطان فاحذريه، فإنه عدونا الذي أخرجنا من الجنة، ثم أتاها إبليس
لعنه الله فأعاد عليها، فقالت: نعم، فلما وضعته أخرجه الله سليما فسمته
عبد الحارث، فهو قوله: «جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما» الى قوله:
«فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ» .
حَدَّثَنَا ابن وكيع، قال: حَدَّثَنَا جرير وابن فضيل، عن عبد الملك،
عن سعيد بن جبير، قال: قيل له: أشرك آدم؟ قال: اعوذ بالله ان ازعم ان
آدم ع أشرك! ولكن حواء لما أثقلت أتاها إبليس
(1/149)
فقال لها: من أين يخرج هذا؟ من أنفك، أو من
عينك، أو من فيك؟
فقنطها، ثم قال: أرأيت إن خرج سويا- قال ابن وكيع: زاد ابن فضيل:
لم يضرك ولم يقتلك- أتطيعينني؟ قالت: نعم، قال: فسميه عبد الحارث،
ففعلت- زاد جرير: فإنما كان شركه في الاسم.
حَدَّثَنَا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال:
حَدَّثَنَا أسباط، عن السدي: فولدت- يعني حواء- غلاما، فأتاها إبليس
فقال: سموه عبدي، وإلا قتلته، قال له آدم: قد أطعتك وأخرجتني من الجنة
فأبى أن يطيعه، فسماه عبد الرحمن، فسلط عليه إبليس لعنه الله فقتله،
فحملت بآخر فلما ولدته، قال: سميه عبدى والا قتلته، قال له آدم ع: قد
أطعتك فأخرجتني من الجنة فأبى فسماه صالحا، فقتله، فلما كان الثالث قال
لهما: فإذ غلبتموني فسموه عبد الحارث، وكان اسم إبليس الحارث، - وإنما
سمى ابليس حين ابلس تحير- فذلك حين يقول الله عز وجل: «جَعَلا لَهُ
شُرَكاءَ فِيما آتاهُما» - يعني في الأسماء.
فهؤلاء الذين ذكرت الرواية عنهم بما ذكرت، من أنه مات لآدم وحواء أولاد
قبلهما، ومن لم نذكر أقوالهم ممن عددهم أكثر من عدد من ذكرت قوله
والرواية عنه، قالوا خلاف قول الحسن الذي روي عنه أنه قال: أول من مات
آدم ع.
وكان آدم مع ما كان الله عز وجل قد أعطاه من ملك الأرض والسلطان فيها
قد نبأه، وجعله رسولا إلى ولده، وأنزل عليه إحدى وعشرين صحيفة كتبها
آدم ع بخطه، علمه إياها جبرئيل ع.
وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمَاضِي بْنُ
مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ،
عَنْ
(1/150)
أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، [عَنْ
أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله ص جالس
وحده، فجلست اليه فقال لي: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّ لِلْمَسْجِدِ
تَحِيَّةً وَإِنَّ تَحِيَّتَهُ رَكْعَتَانِ، فَقُمْ فَارْكَعْهُمَا،
فَلَمَّا رَكَعْتُهُمَا جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّكَ أَمَرْتَنِي بِالصَّلاةِ فَمَا الصَّلاةُ؟ قَالَ:
خَيْرُ مَوْضُوعٍ، اسْتُكْثِرَ أَوِ اسْتُقِلَّ، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةً
طَوِيلَةً قَالَ فِيهَا: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمِ
الأَنْبِيَاءُ؟ قَالَ: مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ
أَلْفًا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمِ الْمُرْسَلُ مِنْ
ذلك؟ قال: ثلاثمائة وَثَلاثَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا، يَعْنِي
كَثِيرًا طَيِّبًا، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ كَانَ
أَوَّلَهُمْ؟ قَالَ: آدَمُ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
وَآدَمُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ،
وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، ثُمَّ سَوَّاهُ قُبُلا] .
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، قال: حدثنى محمد
ابن إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، [عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:
قُلْتُ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَنَبِيًّا كَانَ آدَمُ؟ قَالَ: نَعَمْ،
كَانَ نَبِيًّا، كَلَّمَهُ اللَّهُ قُبُلا] .
وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى آدَمَ
تَحْرِيمُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَحُرُوفُ
الْمُعْجَمِ فِي إِحْدَى وعشرين ورقه
(1/151)
ذكر ولادة حواء شيثا
ولما مضى لآدم ص من عمره مائة وثلاثون سنة، وذلك بعد قتل قابيل هابيل
بخمس سنين، ولدت له حواء ابنه شيثا، فذكر أهل التوراة أن شيثا ولد فردا
بغير توءم، وتفسير شيث عندهم هبة الله، ومعناه أنه خلف من هابيل.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ
سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أبي، عن أبي
صالح، عن ابن عباس، قَالَ: وَلَدَتْ حَوَّاءُ لآدَمَ شِيثًا وَأُخْتَهُ
عَزْوَرَا، فَسُمِّيَ هَبَةُ اللَّهِ، اشْتُقَّ لَهُ مِنْ هَابِيلَ،
قال لها جبرئيل حِينَ وَلَدَتْهُ: هَذَا هِبَةُ اللَّهِ بَدَلُ
هَابِيلَ، وهو بالعربية شث، وبالسريانية شَاثَ، وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ
شِيثُ، وَإِلَيْهِ أَوْصَى آدَمُ، وَكَانَ آدَمُ يَوْمَ وُلِدَ لَهُ
شِيثُ ابْنُ ثَلاثِينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ آدَمَ الْوَفَاةُ-
فِيمَا يَذْكُرُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ- دَعَا ابْنَهُ شِيثًا فَعَهِدَ
إِلَيْهِ عَهْدَهُ، وَعَلَّمَهُ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ،
وَأَعْلَمَهُ عِبَادَةَ الْخَلْقِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْهُنَّ،
فَأَخْبَرَهُ أَنَّ لِكُلِّ سَاعَةٍ صِنْفًا مِنَ الْخَلْقِ فِيهَا
عِبَادَتُهُ وَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ إِنَّ الطُّوفَانَ سَيَكُونُ
فِي الأَرْضِ يَلْبَثُ فِيهَا سَبْعَ سِنِينَ وَكَتَبَ وَصِيَّتَهُ،
فَكَانَ شيث- فيما ذكر- وصى ابيه آدم ع، وَصَارَتِ الرِّيَاسَةُ مِنْ
بَعْدِ وَفَاةِ آدَمَ لِشِيثٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِيمَا
رُوِيَ عَنْ رَسُولِ الله ص خَمْسِينَ صَحِيفَةً.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَاضِي بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي
إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، [عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ
(1/152)
كِتَابٍ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟
قَالَ: مِائَةُ كتاب واربعه كتب، انزل الله على شيث خَمْسِينَ
صَحِيفَةً] .
وَإِلَى شِيثَ أَنْسَابُ بَنِي آدَمَ كُلِّهِمُ الْيَوْمَ، وَذَلِكَ
أَنَّ نَسْلَ سَائِرِ وَلَدِ آدَمَ غَيْرَ نَسْلِ شِيثَ، انْقَرَضُوا
وَبَادُوا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَأَنْسَابُ النَّاسِ
كُلِّهِمُ الْيَوْمَ الى شيث ع.
وَأَمَّا الْفُرْسُ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ جِيُومِرْتَ هُوَ آدم،
فإنهم قالوا: ولد لجيومرت ابنه ميشى، وتزوج ميشى اخته ميشانه فولدت له
سيامك بن ميشى، وسيامى ابنه ميشى، فولد لسيامك بن ميشى بن جيومرت
افرواك، وديس، وبراسب، واجوب، وأوراش بنو سيامك، وأفرى، ودذى، وبرى
وأوراشى بنات سيامك، أمهم جميعا سيامى بنت ميشى، وَهِيَ أُخْتُ
أَبِيهِمْ.
وَذَكَرُوا أَنَّ الأَرْضَ كُلَّهَا سَبْعَةُ أَقَالِيمَ، فَأَرْضُ
بَابِلَ وَمَا يوصلُ إِلَيْهِ مِمَّا يَأْتِيهِ النَّاسُ بَرًّا أَوْ
بَحْرًا فَهُوَ إِقْلِيمٌ وَاحِدٌ، وَسُكَّانُهُ نَسْلُ وَلَدِ أفرواك
بْنِ سيامكَ وَأَعْقَابُهُمْ، وَأَمَّا الأَقَالِيمُ السِّتَّةُ
الْبَاقِيَةِ الَّتِي لا يوصلُ إِلَيْهَا الْيَوْمَ بَرًّا أَوْ
بَحْرًا فَنَسْلُ سَائِرِ وَلَدِ سيامكَ، مِنْ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ.
فَوُلِدَ لأفرواك بْنِ سيامك مِنْ أَفْرَى بِنْتِ سيامِكَ هُوشنكُ
بيشدَاذَ الْمَلِكُ، وَهُوَ الَّذِي خَلَفَ جَدَّهُ جيومرتَ فِي
الْمُلْكِ، وَأَوَّلُ مَنْ جُمِعَ لَهُ مُلْكُ الأَقَالِيمِ
السَّبْعَةِ، وَسَنَذْكُرُ أَخْبَارَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا
انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَزْعُمُ أَنَّ أوشهنجَ
هَذَا، هُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ مِنْ حَوَّاءَ.
وَأَمَّا هِشَامٌ الْكَلْبِيُّ فَإِنَّهُ فِيمَا حَدَّثْتُ عَنْهُ
قَالَ: بَلَغَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَوَّلَ مَلِكٍ مَلَكَ الأَرْضَ
أوشهنقُ بْنُ عَابرِ بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح قال:
(1/153)
وَالْفُرْسُ تَدَّعِيهِ وَتَزْعُمُ أَنَّهُ
كَانَ بَعْدَ وَفَاةِ آدَمَ بِمِائَتَيْ سَنَةٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا
كَانَ هَذَا الْمَلِكُ فِيمَا بَلَغَنَا بَعْدَ نُوحٍ بِمِائَتَيْ
سَنَةٍ، فَصَيَّرَهُ أَهْلُ فَارِسَ بَعْدَ آدَمَ بِمِائَتَيْ سَنَةٍ،
وَلَمْ يَعْرِفُوا مَا كَانَ قَبْلَ نُوحٍ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هِشَامٌ قَوْلٌ لا وَجْهَ لَهُ، لأَنَّ
هوشهنكَ الْمِلكَ فِي أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَنْسَابِ الْفُرْسِ
أَشْهَرُ مِنَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ فِي أَهْلِ الإِسْلامِ،
وَكُلُّ قَوْمٍ فَهُمْ بِآبَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ وَمَآثِرِهِمْ
أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي كُلِّ أَمْرٍ
الْتَبَسَ إِلَى أَهْلِهِ.
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ نَسَّابَةُ الْفُرْسِ أَنَّ أوشهنجَ بيشداذَ
الْمَلِكَ هَذَا هُوَ مهلائيلُ، وَأَنَّ أَبَاهُ فرواكَ هُوَ قينانُ
أَبُو مهلائيلَ، وَأَنَّ سيامكَ هُوَ أنوشُ ابو قينان، وان ميشى هُوَ
شيثَ أَبُو أنوشَ، وَأَنَّ جيومرتَ هُوَ آدم ص.
فَإِنْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا قَالَ، فَلا شَكَّ أَنَّ أوشهنجَ كَانَ
فِي زَمَانِ آدَمَ رَجُلا، وذلك ان مهلائيل فيما ذكر في الكتاب
الأُوَلِ كَانَتْ وِلادَةُ أُمِّهِ دينةَ ابنةِ براكيلَ ابن محويل بن
خنوخ بن قين بن آدم إِيَّاهُ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ عُمْرِ آدَمَ ص
ثلاثمائة سَنَةٍ وَخَمْسٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً، فَقَدْ كَانَ لَهُ حين
وفاه آدم ستمائه سنه وخمسين سِنِينَ، عَلَى حِسَابِ مَا رُوِيَ عَنْ
رَسُولِ الله ص فِي عُمْرِ آدَمَ أَنَّهُ كَانَ عُمْرُهُ أَلْفَ
سَنَةٍ.
وَقَدْ زَعَمَتْ عُلَمَاءُ الْفُرْسِ أَنَّ مَلِكَ أوشهنجَ هَذَا كَانَ
أَرْبَعِينَ سَنَةً فَإِنْ كَانَ الأَمْرُ فِي هَذَا الْمَلِكِ
كَالَّذِي قَالَهُ النَّسَّابَةُ الَّذِي ذَكَرْتُ عَنْهُ مَا ذَكَرْتُ
فَلَمْ يَبْعُدْ مَنْ قَالَ: إِنَّ مُلْكَهُ كَانَ بَعْدَ وَفَاةِ آدم
ص بمائتي سنه
(1/154)
ذكر وفاه آدم ع
اختلف في مدة عمره، وابن كم كان يوم قبضه الله عز وجل إليه.
فأما الاخبار عن رسول الله ص فإنها واردة بما حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي
إِيَاسٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سلمه، عن ابى هريرة عن
النبي ص- قَالَ أَبُو خَالِدٍ: وحدثني الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صالح عن
ابى هريرة عن النبي ص قَالَ أَبُو خَالِدٍ: وحدثني دَاوُدُ بْنُ أَبِي
هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبي ص قَالَ
أَبُو خَالِدٍ: وحدثني ابْنُ أَبِي ذُبَابٍ الدَّوْسِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ وَيَزِيدُ بْنُ هرمز، عن ابى هريرة،
[عن النبي ص- أَنَّهُ قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ بِيَدِهِ وَنَفَخَ
فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَهُ، فَجَلَسَ
فَعَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ لَهُ ربه: يرحمك ربك،
ايت أُولَئِكَ الْمَلأَ مِنَ الْمَلائِكَةِ فَقُلْ لَهُمُ: السَّلامُ
عليكم، فأتاهم فقال لهم: السلام عليكم قالوا لَهُ: وَعَلَيْكَ
السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ
لَهُ: هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ
قَبَضَ لَهُ يَدَيْهِ، فَقَالَ له: خُذْ وَاخْتَرْ، قَالَ:
اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، فَفَتَحَهَا
لَهُ، فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ كُلِّهِمْ، فَإِذَا
كُلُّ رَجُلٍ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ أَجَلُهُ، وَإِذَا آدَمُ قَدْ كُتِبَ
لَهُ عُمْرُ أَلْفِ سَنَةٍ، وَإِذَا قَوْمٌ عَلَيْهِمِ النُّورُ،
فَقَالَ: يَا رَبِّ، مَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ عَلَيْهِمِ النُّورُ،
فَقَالَ: هَؤُلاءِ الأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ الَّذِينَ أُرْسِلُ إِلَى
عِبَادِي، وَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ هُوَ أَضْوَءُهُمْ نُورًا، وَلَمْ
يُكْتَبْ لَهُ مِنَ الْعُمْرِ إِلا اربعون سنه، فقال: يا رب، ما بال
هذا، من اضوئهم نُورًا وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُ مِنَ الْعُمْرِ إِلا
أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ فَقَالَ:
ذَاكَ مَا كُتِبَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، انْقُصْ لَهُ مِنْ عُمْرِي
ستين سنه فقال رسول الله ص: فَلَمَّا أَسْكَنَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ
ثُمَّ أُهْبِطَ إِلَى الأَرْضِ كَانَ يَعُدُّ
(1/155)
أَيَّامَهُ، فَلَمَّا أَتَاهُ مَلَكُ
الْمَوْتِ لِيَقْبِضَهُ قَالَ لَهُ آدَمُ: عَجِلْتَ عَلَيَّ يَا مَلَكَ
الْمَوْتِ! فَقَالَ: مَا فَعَلْتُ، فَقَالَ: قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِي
سِتُّونَ سَنَةً، فَقَالَ لَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ:
مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِكَ شَيْءٌ، قَدْ سَأَلْتَ رَبَّكَ أَنْ
يَكْتُبَهُ لابْنِكَ دَاوُدَ، فَقَالَ:
مَا فعلت فقال: رسول الله ص: فَنَسِيَ آدَمُ، فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ،
وَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ، فَيَوْمَئِذٍ وَضَعَ اللَّهُ
الْكِتَابَ، وَأَمَرَ بِالشُّهُودِ] .
حَدَّثَنِي ابْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ
يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: [لَمَّا نَزَلَتْ
«آيَةُ الدين» قال رسول الله ص: ان أول من جحد آدم ع ثَلاثَ مَرَّاتٍ،
وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَهُ مَسَحَ ظَهْرَهُ
فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ ذَارٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَجَعَلَ
يَعْرِضُهُمْ عَلَى آدَمَ، فَرَأَى فِيهِمْ رَجُلا يَزْهَرُ، فَقَالَ:
أَيْ رَبِّ، أَيُّ نَبِيٍّ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ،
قَالَ: أَيْ رَبِّ، كَمْ عُمْرُهُ؟ قَالَ: سِتُّونَ سَنَةً، قَالَ:
أَيْ رَبِّ، زِدْهُ فِي عُمْرِهِ، قَالَ: لا، إِلا أَنْ تَزِيدَهُ
أَنْتَ مِنْ عُمْرِكَ، وَكَانَ عُمْرُ آدَمَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَوَهَبَ
لَهُ مِنْ عُمْرِهِ أَرْبَعِينَ عَامًا، فَكَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
بِذَلِكَ كِتَابًا وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةَ، فَلَمَّا
احْتُضِرَ آدَمُ أَتَتْهُ الْمَلائِكَةُ لِتَقْبِضَ رُوحَهُ، قَالَ:
إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً، قَالُوا:
إِنَّكَ قَدْ وَهَبْتَهَا لابْنِكَ دَاوُدَ، قَالَ: مَا فَعَلْتُ وَلا
وَهَبْتُ لَهُ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْكِتَابَ،
وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةَ شُهُودًا، فَأَكْمَلَ لآدَمَ أَلْفَ
سَنَةٍ، وَأَكْمَلَ لِدَاوُدَ مِائَةَ سَنَةٍ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ عز
وجل: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ» إِلَى قَوْلِهِ: «قالُوا بَلى شَهِدْنا» ، قَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ مَسَحَ
ظَهْرَهُ، وَأَخْرَجَ ذُرِّيَّتَهُ
(1/156)
كُلَّهُمْ كَهَيْئَةِ الذَّرِّ،
فَأَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ،
وَجَعَلَ مَعَ بَعْضِهِمُ النُّورَ وَأَنَّهُ قَالَ لآدَمَ: هَؤُلاءِ
ذُرِّيَّتُكَ أُخِذَ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقُ:
أَنِّي أَنَا رَبُّهُمْ لِئَلا يُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، وَعَلَيَّ
رِزْقُهُمْ قَالَ آدَمُ: فَمَنْ هَذَا الَّذِي مَعَهُ النُّورُ؟ قَالَ:
هُوَ دَاوُدُ، قَالَ: يَا رَبِّ، كَمْ كَتَبْتَ لَهُ مِنَ الأَجَلِ؟
قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً، قَالَ: كَمْ كَتَبْتَ لِي؟ قَالَ: أَلْفَ
سَنَةٍ، وَقَدْ كَتَبْتُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ: كَمْ يُعَمَّرُ،
وَكَمْ يَلْبَثُ، قَالَ: يَا رَبِّ زِدْهُ، قَالَ: هَذَا الْكِتَابُ
مَوْضُوعٌ فَأَعْطِهِ إِنْ شِئْتَ مِنْ عُمْرِكَ، قَالَ: نَعَمْ،
وَقَدْ جَفَّ الْقَلَمُ عَنْ سَائِرِ بَنِي آدَمَ، فَكُتِبَ لَهُ مِنْ
أَجَلِ آدَمَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَصَارَ أَجَلُهُ مِائَةَ سنه، فلما
عمر تسعمائة سَنَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةً جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ،
فَلَمَّا ان رآه آدم قال:
ما لك؟ قَالَ لَهُ: قَدِ اسْتَوْفَيْتَ أَجَلَكَ، قَالَ لَهُ آدم: انما
عمرت تسعمائة سنه وستين سنه، وبقي لي أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَلَمَّا
قَالَ ذَلِكَ لِلْمَلَكِ، قَالَ الْمَلَكُ:
قَدْ أَخْبَرَنِي بِهَا رَبِّي، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ
فَسَلْهُ، فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى رَبِّهِ فقال:
مَالَكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ رَجَعْتُ إِلَيْكَ لِمَا كُنْتُ أَعْلَمُ
مِنْ تَكْرِمَتِكَ إِيَّاهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ارْجِعْ
فَأَخْبِرْهُ، أَنَّهُ قَدْ أَعْطَى ابْنَهُ دَاوُدَ أَرْبَعِينَ
سَنَةً.
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر، قال:
حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: «وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ» ، قال: أخرجهم
من ظهر آدم، وجعل لآدم عمر ألف سنة، قال: فعرضوا على آدم، فرأى رجلا من
ذريته له نور، فأعجبه فسأله عنه فقال: هو داود، وقد جعل عمره ستين سنة،
فجعل له من عمره اربعين سنه، فلما احتضر آدم ع جعل يخاصمهم في الأربعين
السنه، فقيل له: إنك قد أعطيتها داود، قال: فجعل يخاصمهم
(1/157)
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن
جعفر، عن سعيد، في قوله عز وجل: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي
آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» قال: أخرج ذريته من ظهره في
صورة كهيئة الذر، فعرضهم على آدم بأسمائهم وأسماء آبائهم وآجالهم، قال:
فعرض عليه روح داود في نور ساطع، فقال: من هذا؟ قال: هذا من ذريتك، نبي
خلقته، قال: كم عمره؟
قال: ستون سنة، قال: زيدوه من عمرى اربعين سنه، قال: والأقلام رطبه
تجرى، واثبتت لداود ع الأربعون، وكان عمر آدم ألف سنة، فلما استكملها
إلا الأربعين سنة بعث إليه ملك الموت قال: يا آدم أمرت أن أقبضك، قال:
ألم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: فرجع ملك الموت إلى ربه عز وجل فقال:
إن آدم يدعي من عمره أربعين سنة، قال: أخبر آدم أنه جعلها لابنه داود
والأقلام رطبه، واثبتت لداود الاربعون.
حَدَّثَنَا ابن وكيع، قال: حَدَّثَنَا أبو داود، عن يعقوب، عن جعفر، عن
سعيد، بنحوه وذكر ان آدم ع مرض قبل موته أحد عشر يوما، وأوصى الى ابنه
شيث ع وكتب وصيته، ثم دفع كتاب وصيته إلى شيث، وأمره أن يخفيه من قابيل
وولده، لأن قابيل قد كان قتل هابيل حسدا منه حين خصه آدم بالعلم،
فاستخفى شيث وولده بما عندهم من العلم، ولم يكن عند قابيل وولده علم
ينتفعون به ويزعم اهل التوراة ان عمر آدم ع كله كان تسعمائة سنة.
وثلاثين سنة.
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أخبرني
هشام ابن محمد، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: كَانَ عُمْرُ آدَمَ تسعمائة سَنَةٍ وَسِتًّا وَثَلاثِينَ
سَنَةً، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(1/158)
والاخبار الوارده عن رسول الله ص والعلماء
من سلفنا ما قد ذكرت، ورسول الله ص كان أعلم الخلق بذلك.
وقد ذكرت الأخبار الواردة عنه أنه قال: كان عمره ألف سنة، وأنه بعد ما
جعل لابنه داود من ذلك ما جعل له، أكمل الله له عدة ما كان أعطاه من
العمر قبل أن يهب لداود ما وهب له من ذلك، ولعل ما كان جعل من ذلك آدم
ع لداود ع لم يحسب في عمر آدم في التوراة، فقيل: كان عمره تسعمائة
وثلاثين سنة.
فإن قال قائل: فإن الأمر وإن كان كذلك، فإن آدم إنما كان جعل لابنه
داود من عمره أربعين سنة، فكان ينبغى ان يكون في التوراة تسعمائة سنة
وستون، ليوافق ذلك ما جاءت به الاخبار عن رسول الله ص.
قيل: قد روينا عن رسول الله ص في ذلك أن الذي كان جعل آدم لابنه داود
من عمره ستون سنة، وذلك في رواية لأبي هريرة عنه، وقد ذكرناها قبل فإن
يكن ذلك كذلك، فالذي زعموا أنه في التوراة من الخبر عن مدة حياه آدم ع
موافق لما روينا عن رسول الله ص في ذلك.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، أنه قال:
لما كتب آدم الوصية مات صلوات الله عليه، واجتمعت عليه الملائكة من أجل
أنه كان صفي الرحمن، فقبرته الملائكة، وشيث وإخوته في مشارق الفردوس،
عند قرية هي أول قرية كانت في الأرض، وكسفت عليه الشمس والقمر سبعة
أيام ولياليهن، فلما اجتمعت عليه الملائكة وجمع الوصية، جعلها في
معراج، ومعها القرن الذي أخرج أبونا آدم من الفردوس، لكيلا يغفل عن ذكر
الله عز وجل.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ
يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، قال: سمعته يقول: بلغنى ان آدم ع
حين
(1/159)
مَاتَ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِ بِكَفَنِهِ
وَحَنُوطِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ وَلِيَتِ الْمَلائِكَةُ قَبْرَهُ
وَدَفْنَهُ حَتَّى غَيَّبُوهُ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ
أَسْلَمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنِ
الْحَسَنِ، [عَنِ النبي ص قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ آدَمُ غَسَّلَتْهُ
الْمَلائِكَةُ بِالْمَاءِ وِتْرًا، وَأَلْحَدُوا لَهُ، وَقَالَتْ:
هَذِهِ سُنَّةُ آدَمَ فِي وَلَدِهِ] .
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن
الحسن ابن ذَكْوَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: إِنَّ
أَبَاكُمْ آدَمَ كَانَ طُوَالا كَالنَّخْلَةِ السَّحُوقِ، سِتِّينَ
ذِرَاعًا، كَثِيرَ الشَّعْرِ، مُوَارَى الْعَوْرَةِ، وَأَنَّهُ لَمَّا
أَصَابَ الْخَطِيئَةَ بَدَتْ لَهُ سَوْءَتُهُ فَخَرَجَ هَارِبًا فِي
الْجَنَّةِ فَتَلَقَّاهُ شَجَرَةٌ، فَأَخَذَتْ بِنَاصِيَتِهِ،
وَنَادَاهُ رَبُّهُ: أَفِرَارًا مِنِّي يَا آدَمُ! قَالَ: لا وَاللَّهِ
يَا رَبِّ وَلَكِنْ حَيَاءً مِنْكَ مما قد جَنَيْتُ، فَأَهْبَطَهُ
اللَّهُ إِلَى الأَرْضِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بَعَثَ
اللَّهُ إِلَيْهِ بِحَنُوطِهِ وَكَفَنِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا
رَأَتْ حَوَّاءُ الْمَلائِكَةَ ذَهَبَتْ لِتَدْخُلَ دونهم اليه، فقال:
خلى عَنِّي وَعَنْ رُسُلِ رَبِّي، فَإِنِّي مَا لَقِيتُ مَا لَقِيتُ
إِلا مِنْكِ، وَلا أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلا فِيكِ فَلَمَّا
قُبِضَ غَسَّلُوهُ بِالسِّدْرِ وَالْمَاءِ وِتْرًا، وَكَفَّنُوهُ فِي
وِتْرٍ مِنَ الثِّيَابِ، ثُمَّ لَحَدُوا لَهُ فَدَفَنُوهُ،] ثُمَّ
قَالُوا: هَذِهِ سُنَّةُ وَلَدِ آدَمَ مِنْ بَعْدِهِ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
قَالَ أَبِي: - وَزَعَمَ قَتَادَةُ عَنْ صَاحِبٍ لَهُ حَدَّثَ عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: [قال رسول الله ص: كَانَ آدَمُ رَجُلا
طُوَّالا كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ] .
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أخبرني أبي،
عن أبي صالح، عن ابن عباس قال:
(1/160)
لما مات آدم ع قال شيث لجبرئيل صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِمَا: صَلِّ عَلَى آدَمَ، قَالَ: تَقَدَّمْ أَنْتَ
فَصَلِّ عَلَى أَبِيكَ، وَكَبِّرْ عَلَيْهِ ثَلاثِينَ تَكْبِيرَةً،
فَأَمَّا خَمْسٌ فَهِيَ الصَّلاةُ، وَأَمَّا خمس وعشرون فتفضيلا لادم
ص.
وقد اختلف في موضع قبر آدم ع، فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ مَا قَدْ مَضَى
ذِكْرُهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: دُفِنَ بِمَكَّةَ فِي
غَارِ أَبِي قُبَيْسٍ، وَهُوَ غَارٌ يُقَالُ لَهُ غَارُ الْكَنْزِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذلك، مَا حَدَّثَنِي بِهِ
الْحَارِثُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ:
أَخْبَرَنَا أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قَالَ: لَمَّا خَرَجَ نُوحٌ
مِنَ السَّفِينَةِ دَفَنَ آدم ع بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُنَا
الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ، فَكَرِهْنَا إِعَادَتَهُ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ،
قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هشام بن محمد،
قال: أخبرني أبي، عن أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَاتَ
آدم ع عَلَى بُوذَ- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يَعْنِي الْجَبَلَ الَّذِي
أُهْبِطَ عَلَيْهِ- وَذَكَرَ أَنَّ حَوَّاءَ عَاشَتْ بَعْدَهُ سَنَةً
ثُمَّ مَاتَتْ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، فَدُفِنَتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي
الْغَارِ الَّذِي ذَكَرْتُ، وَأَنَّهُمَا لَمْ يَزَالا مَدْفُونَيْنِ
فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، حَتَّى كَانَ الطُّوفَانُ، فَاسْتَخْرَجَهُمَا
نُوحٌ، وَجَعَلَهُمَا فِي تَابُوتٍ، ثُمَّ حَمَلَهُمَا مَعَهُ فِي
السَّفِينَةِ، فَلَمَّا غَاضَتِ الأَرْضُ الْمَاءَ رَدَّهُمَا إِلَى
مَكَانِهِمَا الَّذِي كَانَا فِيهِ قَبْلَ الطُّوفَانِ، وَكَانَتْ
حَوَّاءُ قَدْ غَزَلَتْ- فيما ذكر-
(1/161)
وَنَسَجَتْ وَعَجَنَتْ وَخَبَزَتْ،
وَعَمِلَتْ أَعْمَالَ النِّسَاءِ كُلَّهَا.
ونرجع الآن إلى قصة قابيل وخبره وأخبار ولده وأخبار شيث وخبر ولده- إذ
كنا قد أتينا من ذكر آدم وعدوه إبليس وذكر أخبارهما، وما صنع الله
بإبليس إذ تجبر وتعظم وطغى على ربه عز وجل فأشر وبطر نعمته التي أنعمها
الله عليه، وتمادى في جهله وغيه، وسأل ربه النظرة، فأنظره إلى يوم
الوقت المعلوم، وما صنع الله بآدم صلوات الله عليه إذ خطئ ونسي عهد
الله من تعجيل عقوبته له على خطيئته، ثم تغمده إياه بفضله ورحمته، إذ
تاب إليه من زلته فتاب عليه وهداه، وأنقذه من الضلالة والردى- حتى نأتي
على ذكر من سلك سبيل كل واحد منهما، من تباع آدم ع على منهاجه وشيعة
إبليس والمقتدين به في ضلالته، إن شاء الله، وما كان من صنع الله تبارك
وتعالى بكل فريق منهم.
فاما شيث ع فقد ذكرنا بعض أمره، وأنه كان وصي ابيه آدم ع في مخلفيه بعد
مضيه لسبيله، وما أنزل الله عليه من الصحف.
وقيل: إنه لم يزل مقيما بمكة يحج ويعتمر إلى أن مات، وإنه كان جمع ما
أنزل الله عز وجل عليه من الصحف إلى صحف ابيه آدم ع، وعمل بما فيها،
وإنه بنى الكعبة بالحجارة والطين.
وأما السلف من علمائنا فإنهم قالوا: لم تزل القبة التي جعل الله لآدم
في مكان البيت إلى أيام الطوفان، وإنما رفعها الله عز وجل حين أرسل
الطوفان.
وقيل: ان شيثا لما مرض أوصى ابنه أنوش ومات، فدفن مع أبويه في غار أبي
قبيس، وكان مولده لمضي مائتي سنة وخمس وثلاثين سنة، من عمر آدم
(1/162)
ع وكانت وفاته وقد أتت له تسعمائة سنة
واثنتا عشرة سنة.
وولد لشيث أنوش، بعد ان مضى من عمره ستمائه سنه وخمس سنين، فيما يزعم
أهل التوراة.
وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا حَدَّثَنَا ابْنُ
حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، عنه: نكح شيث بن
آدم أخته حزورة ابنة آدم، فولدت له يانش بن شيث، ونعمة ابنة شيث، وشيث
يومئذ ابن مائة سنة وخمس سنين، فعاش بعد ما ولد له يانش ثمانمائه سنة
وسبع سنين.
وقام أنوش بعد مضي أبيه شيث لسبيله بسياسة الملك، وتدبير من تحت يديه
من رعيته مقام أبيه شيث، ولم يزل- فيما ذكر- على منهاج أبيه، لا يوقف
منه على تغيير ولا تبديل وكان جميع عمر أنوش- فيما ذكر أهل التوراة-
تسعمائة سنة وخمس سنين.
حَدَّثَنِي الحارث، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
هِشَامٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قَالَ: وَلَدَ شِيثٌ
انُوشَ وَنَفَرًا كَثِيرًا، وَإِلَيْهِ أَوْصَى شِيثٌ، ثُمَّ وُلِدَ
لأُنُوشَ بْنِ شِيثِ بْنِ آدَمَ ابْنُهُ قَيْنَانُ مِنْ أُخْتِهِ
نِعْمَةَ ابْنَةِ شِيثٍ بَعْدَ مُضِيِّ تِسْعِينَ سَنَةً مِنْ عمر
انوش، ومن عمر آدم ثلاثمائة سَنَةٍ وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا حَدَّثَنَا ابن حميد،
قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق: نكح يانش بن شيث أخته نعمة ابنه
شيث، فولدت له قينان، ويانش يومئذ ابن تسعين سنة، فعاش يانش بعد ما ولد
له قينان ثمانمائه سنة وخمس عشرة سنة، وولد له بنون وبنات، فكان كل ما
عاش يانش تسعمائة سنة وخمس سنين ثم نكح قينان بن يانش- وهو ابن
(1/163)
سبعين سنة- دينة ابنة براكيل بن محويل بن
خنوح بن قين بن آدم.
فولدت له مهلائيل بن قينان، فعاش قينان بعد ما ولد له مهلائيل ثمانمائه
سنة وأربعين سنة، فكان كل ما عاش قينان تسعمائة سنة وعشر سنين.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قَالَ: وَلَدَ أَنُوشُ
قِينَانَ، وَنَفَرًا كَثِيرًا، وَإِلَيْهِ الْوَصِيَّةُ، فَوَلَدَ
قِينَانُ مَهْلائِيلَ وَنَفَرًا مَعَهُ، وَإِلَيْهِ الْوَصِيَّةُ،
فَوَلَدَ مَهْلائِيلُ يردَ- وَهُوَ الْياردَ- وَنَفَرًا مَعَهُ،
وَإِلَيْهِ الْوَصِيَّةُ، فَوَلَدَ يردُ أَخنوخَ وَهُوَ ادريس النبي ص
ونفرا معه، فولد اخنوخ متوشلخَ وَنَفَرًا مَعَهُ وَإِلَيْهِ
الْوَصِيَّةُ، فَوَلَدَ متوشلخُ لمكَ وَنَفَرًا مَعَهُ وَإِلَيْهِ
الْوَصِيَّةُ.
وَأَمَّا التَّوْرَاةُ فَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ
فِيهَا أَنَّ مَوْلِدَ مهلائيلَ بَعْدَ أَنْ مَضَتْ مِنْ عُمْرِ آدم
ثلاثمائة سَنَةٍ وَخَمْسٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً، وَمِنْ عُمْرِ قينانَ
سبعون سنه.
ونكح مهلائيل بْنُ قَينانَ- وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً،
فيما حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق- خالته
سمعن ابنة براكيل ابن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم، فولدت له يرد بن
مهلائيل، فعاش مهلائيل بعد ما ولد له يرد ثمانمائه سنة وثلاثين سنة،
فولد له بنون وبنات، فكان كل ما عاش مهلائيل ثمانمائه سنة وخمسا وتسعين
سنة، ثم مات.
وأما في التوراة فإنه ذكر أن فيها أن يرد ولد لمهلائيل بعد ما مضى من
عمر آدم أربعمائة سنة وستون سنة، وأنه كان على منهاج أبيه قينان، غير
أن الأحداث بدت في زمانه
(1/164)
ذكر الأحداث التي كانت في أيام بني آدم من
لدن ملك شيث بن آدم إلى أيام يرد
ذكر أن قابيل لما قتل هابيل، وهرب من أبيه آدم إلى اليمن، أتاه إبليس،
فقال له: إن هابيل إنما قبل قربانه وأكلته النار، لأنه كان يخدم النار
ويعبدها، فانصب أنت أيضا نارا تكون لك ولعقبك فبنى بيت نار، فهو أول من
نصب النار وعبدها.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: إن
قينا نكح أخته أشوث بنت آدم، فولدت له رجلا وامرأة: خنوخ بن قين، وعذب
بنت قين، فنكح خنوخ بن قين أخته عذب بنت قين، فولدت له ثلاثة نفر
وامرأة: عيرد بن خنوخ ومحويل بن خنوخ وأنوشيل بن خنوخ، وموليث بنت
خنوخ، فنكح أنوشيل بن خنوخ موليث ابنة خنوخ، فولدت لانوشيل رجلا اسمه
لامك، فنكح لامك امرأتين: اسم إحداهما عدى واسم الاخرى صلى، فولدت له
عدى تولين بن لامك، فكان أول من سكن القباب، واقتنى المال، وتوبيش،
وكان أول من ضرب بالونج والصنج، وولدت رجلا اسمه توبلقين، فكان أول من
عمل النحاس والحديد، وكان أولادهم جبابرة وفراعنة، وكانوا قد أعطوا
بسطة في الخلق، كان الرجل فيما يزعمون يكون ثلاثين ذراعا قال: ثم انقرض
ولد قين، ولم يتركوا عقبا إلا قليلا، وذرية آدم كلهم جهلت أنسابهم
وانقطع نسلهم، إلا ما كان من شيث بن آدم، فمنه كان النسل، وأنساب الناس
اليوم كلهم إليه دون أبيه آدم، فهو أبو البشر، إلا ما كان من أبيه
وإخوته ممن لم يترك عقبا
(1/165)
قال: ويقول أهل التوراة: بل نكح قين أشوث،
فولدت له خنوخ، فولد لخنوخ عيرد، فولد عيرد محويل، فولد محويل انوشيل،
فولد انوشيل، لامك، فنكح لامك عدى وصلى، فولدتا له من سميت والله أعلم.
فلم يذكر ابن إسحاق من أمر قابيل وعقبه إلا ما حكيت.
وأما غيره من أهل العلم بالتوراة فإنه ذكر أن الذي اتخذ الملاهي من ولد
قايين رجل يقال له توبال، اتخذ في زمان مهلائيل بن قينان آلات اللهو من
المزامير والطبول والعيدان والطنابير والمعازف، فانهمك ولد قايين في
اللهو، وتناهى خبرهم إلى من بالجبل من نسل شيث، فهم منهم مائة رجل
بالنزول إليهم، وبمخالفة ما أوصاهم به آباؤهم، وبلغ ذلك يارد، فوعظهم
ونهاهم، فأبوا إلا تماديا، ونزلوا إلى ولد قايين، فأعجبوا بما رأوا
منهم، فلما أرادوا الرجوع حيل بينهم وبين ذلك لدعوة سبقت من آبائهم،
فلما أبطئوا بمواضعهم، ظن من كان في نفسه زيغ ممن كان بالجبل انهم
أقاموا اعتباطا، فتساللوا ينزلون عن الجبل، ورأوا اللهو فأعجبهم،
ووافقوا نساء من ولد قايين متسرعات إليهم، وصرن معهم، وانهمكوا في
الطغيان، وفشت الفاحشة وشرب الخمر.
قال أبو جعفر: وهذا القول غير بعيد من الحق، وذلك أنه قول قد روي عن
جماعة من سلف علماء أمة نبينا ص نحو منه، وإن لم يكونوا بينوا زمان من
حدث ذلك في ملكه، سوى ذكرهم أن ذلك كان فيما بين آدم ونوح ص.
ذكر من روي ذلك عنه:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ- يَعْنِي ابْنَ أَبِي
الْفُرَاتِ- قَالَ: حَدَّثَنَا عَلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، عَنْ
عِكْرِمَةَ،
(1/166)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ تَلا هَذِهِ
الآيَةَ: «وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى» .
قَالَ: كَانَتْ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَإِدْرِيسَ، وَكَانَتْ أَلْفَ
سَنَةٍ، وَإِنَّ بَطْنَيْنِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ، كَانَ أَحَدُهُمَا
يَسْكُنُ السَّهْلَ، وَالآخَرُ يَسْكُنُ الْجَبَلَ، وَكَانَ رِجَالُ
الْجَبَلِ صِبَاحًا وَفِي النِّسَاءِ دَمَامَةٌ، وَكَانَ نِسَاءُ
السَّهْلِ صِبَاحًا وَفِي الرِّجَالِ دَمَامَةٌ، وَإِنَّ إِبْلِيسَ
أَتَى رَجُلا مِنْ أَهْلِ السَّهْلِ فِي صُورَةِ غُلامٍ فَآجَرَ
نَفْسَهُ مِنْهُ، وَكَانَ يَخْدِمُهُ، وَاتَّخَذَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ
اللَّهُ شَيْئًا مِثْلَ الَّذِي يَزْمِرُ فِيهِ الرِّعَاءُ، فَجَاءَ
فِيهِ بِصَوْتٍ لَمْ يَسْمَعِ النَّاسُ مِثْلَهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ
حَوْلَهُمْ، فَانْتَابُوهُمْ يَسْمَعُونَ إِلَيْهِ، وَاتَّخَذُوا
عِيدًا يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِي السَّنَةِ، فَتَتَبَرَّجُ
النِّسَاءُ لِلرِّجَالِ، قَالَ: وَيَنْزِلُ الرِّجَالُ لَهُنَّ وَإِنَّ
رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْجَبَلِ هَجَمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي عِيدِهِمْ
ذَلِكَ، فَرَأَى النِّسَاءَ وَصَبَاحَتَهُنَّ، فَأَتَى أَصْحَابَهُ
فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ، فتحولوا اليهن، فَنَزَلُوا عَلَيْهِنَّ،
فَظَهَرَتِ الْفَاحِشَةُ فِيهِنَّ، فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ:
«وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى» .
حَدَّثَنَا ابن وكيع، قال: حَدَّثَنَا ابن أبي غنية، عن أبيه، عن
الحكم:
«وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى» ، قال: كان بين
آدم ونوح ثمانمائه سنة، وكان نساؤهم أقبح ما يكون من النساء، ورجالهم
حسان، فكانت المرأة تريد الرجل على نفسها، فأنزلت هذه الآية: «وَلا
تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى» .
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال:
أخبرني أبي، عن أبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمْ يَمُتْ
آدَمُ حَتَّى بَلَغَ وَلَدُهُ وَوَلَدُ وَلَدِهِ أَرْبَعِينَ ألفا ببوذ
(1/167)
وَرَأَى آدَمُ فِيهِمُ الزِّنَا وَشُرْبَ
الْخَمْرِ وَالْفَسَادَ، فَأَوْصَى أَلا يُنَاكِحُ بَنُو شِيثٍ بَنِي
قَابِيلَ، فَجَعَلَ بَنُو شِيثٍ آدَمَ فِي مَغَارَةٍ، وَجَعَلُوا
عَلَيْهِ حَافِظًا، لا يَقْرُبُهُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي قابيل، وَكَانَ
الَّذِينَ يَأْتُونَهُ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ مِنْ بَنِي شِيثٍ،
فَقَالَ مِائَةٌ مِنْ بَنِي شِيثٍ صَبَاحٍ: لَوْ نَظَرْنَا إِلَى مَا
فَعَلَ بَنُو عَمِّنَا! يَعْنُونَ بَنِي قَابِيلَ.
فَهَبَطَتِ الْمِائَةُ إِلَى نِسَاءِ صَبَاحٍ مِنْ بَنِي قَابِيلَ،
فَاحْتَبَسَ النِّسَاءُ الرِّجَالَ، ثُمَّ مَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ
ثُمَّ قَالَ مِائَةٌ آخَرُونَ: لَوْ نَظَرْنَا مَا فَعَلَ إِخْوَتُنَا!
فَهَبَطُوا مِنَ الْجَبَلِ إِلَيْهِمْ، فَاحْتَبَسَهَمُ النِّسَاءُ
ثُمَّ هَبَطَ بَنُو شِيثَ كُلُّهُمْ، فَجَاءَتِ الْمَعْصِيَةُ،
وَتَنَاكَحُوا واختلطوا، وكثر بنو قابيل حتى ملئوا الأَرْضَ، وَهُمُ
الَّذِينَ غَرَقُوا أَيَّامَ نُوحٍ.
وَأَمَّا نَسَّابُو الْفُرْسِ فَقَدْ ذَكَرْتُ مَا قَالُوا فِي
مهلائِيلَ بْنِ قينانَ، وَأَنَّهُ هُوَ أوشهنجَ الَّذِي مَلَكَ
الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ، وَبَيَّنْتُ قَوْلَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي
ذَلِكَ مِنْ نَسَّابِي الْعَرَبِ.
فَإِنْ كَانَ الأَمْرُ فِيهِ كَالَّذِي قَالَهُ نَسَّابُو الْفُرْسِ،
فَإِنَّيِ حدثت عن هشام ابن مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، أَنَّهُ هُوَ
أَوَّلُ مَنْ قَطَعَ الشَّجَرَ، وَبَنَى الْبِنَاءَ، وَأَوَّلُ مَنِ
اسْتَخْرَجَ الْمَعَادِنَ وَفَطَنَ النَّاسُ لَهَا، وَأَمَرَ أَهْلَ
زَمَانِهِ بِاتِّخَاذِ الْمَسَاجِدَ، وَبَنَى مَدِينَتَيْنِ كَانَتَا
أَوَّلَ مَا بُنِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنَ الْمَدَائِنِ، وَهُمَا
مَدِينَةُ بَابِلَ الَّتِي بِسَوَادِ الْكُوفَةِ، وَمَدِينَةُ السُّوسِ
وَكَانَ مُلْكُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ أَوَّلُ مَنِ اسْتَنْبَطَ
الْحَدِيدَ فِي مُلْكِهِ، فَاتَّخَذَ مِنْهُ الأَدَوَاتَ
لِلصِّنَاعَاتِ، وَقَدَّرَ الْمِيَاهَ فِي مَوَاضِعِ الْمَنَاقِعِ،
وَحَضَّ النَّاسَ عَلَى الْحِرَاثَةِ وَالزِّرَاعَة وَالْحَصَادِ
وَاعْتِمَالِ الأَعْمَالِ، وَأَمَرَ بِقَتْلِ السِّبَاعِ الضَّارِيَةِ،
وَاتِّخَاذِ الْمَلابِسِ
(1/168)
من جلودها والمفارش، وبذبح البقر والغنم
والوحش وَالأَكْلِ مِنْ لُحُومِهَا، وَأَنَّ مُلْكَهُ كَانَ
أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَنَّهُ بَنَى مَدِينَةَ الريِّ قَالُوا: وَهِيَ
أَوَّلُ مَدِينَةٍ بُنِيَتْ بَعْدَ مَدِينَةِ جُيومرْتَ الَّتِي كَانَ
يَسْكُنُهَا بِدَنبَاوَنْدَ مِنْ طَبَرِسْتَانَ.
وَقَالَتِ الْفُرْسُ: إِنَّ أوشهنْجَ هَذَا وُلِدَ مَلِكًا، وَكَانَ
فَاضِلا محمودا في سيرته وسياسه رَعِيَّتَهُ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ
أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الأَحْكَامَ وَالْحُدُودَ، وَكَانَ مُلَقَّبًا
بِذَلِكَ، يُدْعَى فيشداذَ وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوَّلُ مَنْ
حَكَمَ بِالْعَدْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ فَاشَ مَعْنَاهُ أَوَّلُ، وَأَنَّ
دَاذَ عَدْلٌ وَقَضَاءٌ، وَذَكَرُوا أَنَّهُ نَزَلَ الْهِنْدَ،
وَتَنَقَّلَ فِي الْبِلادِ، فَلَمَّا اسْتَقَامَ أَمْرُهُ
وَاسْتَوْثَقَ لَهُ الْمُلْكُ عَقَدَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجًا، وَخَطَبَ
خُطْبَةً، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: إِنَّهُ وَرِثَ الْمُلْكَ عَنْ
جَدِّهِ جيومرتَ، وَإِنَّهُ عَذَابٌ وَنَقْمَةٌ عَلَى مَرَدَةِ
الإِنْسِ وَالشَّيَاطِينِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ قَهَرَ إِبْلِيسَ
وَجُنُودَهُ، وَمَنَعَهُمُ الاخْتِلاطَ بِالنَّاسِ، وَكَتَبَ
عَلَيْهِمْ كِتَابًا فِي طِرْسٍ أَبْيَضَ أخذ عليهم فيه المواثيق الا
يَعْرِضُوا لأَحَدٍ مِنَ الإِنْسِ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ،
وَقَتَلَ مَرَدَتَهُمْ وَجَمَاعَةً مِنَ الْغِيلانِ، فَهَرَبُوا مِنْ
خوفه الى المفاوز والجبال والأدوية، وَأَنَّهُ مَلَكَ الأَقَالِيمَ
كُلَّهَا، وَأَنَّهُ كَانَ بَيْنَ مَوْتِ جيومرتَ إِلَى مَوْلِدِ
أوشهنجَ وَمُلْكِهِ مِائتا سنه.
وَثَلاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً.
وَذَكَرُوا أَنَّ إِبْلِيسَ وَجُنُودَهُ فَرِحُوا بِمَوْتِ أوشهنْجَ،
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ دَخَلُوا بِمَوْتِهِ مَسَاكِنَ بَنِي آدَمَ،
وَنَزَلُوا إِلَيْهِمْ مِنَ الْجِبَالِ وَالأَوْدِيَةِ.
وَنَرْجِعُ الآنَ إِلَى ذِكْرِ يردَ- وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ هُوَ
يَاردَ- فَوُلِدَ يردُ لمهلائِيلَ مِنْ خالته سمعن ابنة براكيل بن
محويل بن خنوخَ بْنِ قينَ، بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ عمر آدم أربعمائة
وَسِتُّونَ سَنَةً، فَكَانَ وَصِيَّ أَبِيهِ وَخَلِيفَتِهِ فِيمَا
كَانَ وَالِدُ مهلائِيلَ أَوْصَى إِلَى مهلائيلَ، وَاسْتَخْلَفَهُ
عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَكَانَتْ وِلادَةُ أُمِّهِ إِيَّاهُ
بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ عُمْرِ أَبِيهِ مهلائيلَ- فِيمَا ذَكَرُوا-
خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً، فَقَامَ مِنْ بَعْدِ مَهْلِكِ أَبِيهِ مِنْ
وَصِيَّةِ أَجْدَادِهِ وَآبَائِهِ بِمَا كَانُوا يَقُومُونَ بِهِ
أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ.
ثُمَّ نَكَحَ يَردُ- فيما حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة،
عن ابن
(1/169)
إسحاق، وهو ابن مائة سنة واثنتين وستين
سنة- بركنا ابنة الدرمسيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم فولدت له
أخنوخ بن يرد- وأخنوخ إدريس النبي، وكان أول بني آدم أعطي النبوة- فيما
زعم ابن إسحاق- وخط بالقلم، عاش يرد بعد ما ولد له اخنوخ ثمانمائه سنة،
وولد له بنون وبنات، فكان كل ما عاش يرد تسعمائة سنة واثنتين وستين سنة
ثم مات.
وقال غيره من أهل التوراة: ولد ليرد أخنوخ- وهو إدريس- فنبأه الله عز
وجل، وقد مضى من عمر آدم ستمائه سنة واثنتان وعشرون سنة، وأنزل عليه
ثلاثون صحيفة وهو أول من خط بعد آدم وجاهد في سبيل الله، وقطع الثياب
وخاطها، وأول من سبى من ولد قابيل، فاسترق منهم، وكان وصي والده يرد
فيما كان آباؤه أوصوا به إليه، وفيما أوصى به بعضهم بعضا، وذلك كله من
فعله في حياه آدم.
قال: وتوفى آدم ع بعد ان مضى من عمر اخنوخ ثلاثمائة سنه وثماني سنين،
تتمه تسعمائة وثلاثين سنة التي ذكرنا أنها عمر آدم قال:
ودعا أخنوخ قومه ووعظهم، وأمرهم بطاعة الله عز وجل ومعصية الشيطان،
وألا يلابسوا ولد قابيل، فلم يقبلوا منه، وكانت العصابة بعد العصابة من
ولد شيث تنزل إلى ولد قايين.
قال: وفي التوراة: إن الله تبارك وتعالى رفع ادريس بعد ثلاثمائة سنة
وخمس وستين سنة مضت من عمره، وبعد خمسمائة سنة وسبع وعشرين سنة مضت من
عمر ابيه، فعاش أبوه بعد ارتفاعه أربعمائة وخمسا وثلاثين سنه تمام
تسعمائة واثنتين وستين سنه، وكان عمر يارد تسعمائة واثنتين وستين سنة،
وولد أخنوخ وقد مضت من عمر يارد مائة واثنتان وستون سنة.
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال:
أخبرني أبي، عن أبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي زَمَانِ
يَرْدَ عُمِلَتِ الأَصْنَامُ، وَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ عَنِ الإِسْلامِ.
وَقَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ،
قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ:
(1/170)
حَدَّثَنِي الْمَاضِي بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ
أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي
إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، [عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ:
قَالَ لي رسول الله ص: يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرْبَعَةٌ- يَعْنِي مِنَ
الرُّسُلِ- سريانيون: آدم، وشيث، ونوح، واخنوخ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ
خَطَّ بِالْقَلَمِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَخْنُوخَ
ثَلاثِينَ صَحِيفَةً] .
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِدْرِيسَ إِلَى
جَمِيعِ أَهْلِ الأَرْضِ فِي زَمَانِهِ، وَجَمَعَ لَهُ عِلْمَ
الْمَاضِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ زَادَهُ مَعَ ذَلِكَ
ثَلاثِينَ صَحِيفَةً، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
«إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى»
وَقَالَ: يَعْنِي بِالصُّحُفِ الأُولَى الصُّحُفَ الَّتِي أُنْزِلَتْ
على ابن آدم هبه الله وادريس ع.
وقال بعضهم: ملك بيوراسب في عهد إدريس، وقد كان وقع إليه كلام من كلام
آدم صلوات الله عليه، فاتخذه في ذلك الزمان سحرا، وكان بيوراسب يعمل
به، وكان إذا أراد شيئا من جميع مملكته أو أعجبته دابة أو امرأة نفخ
بقصبة كانت له من ذهب، وكان يجيء إليه كل شيء يريده، فمن ثم تنفخ
اليهود في الشبورات.
وأما الفرس فإنهم قالوا: ملك بعد موت أوشهنج طهمورث بن ويونجهان ابن
خبانداذ بن خيايذار بن اوشهنج.
وقد اختلف في نسب طهمورث الى اوشهنج، فنسبه بعضهم النسبه التي ذكرت
وقال بعض نسابه الفرس: هو طهمورث بن ايونكهان بن أنكهد ابن اسكهد بن
اوشهنج
(1/171)
وقال هشام بن محمد الكلبي- فيما حدثت عنه:
ذكر أهل العلم أن أول ملوك بابل طهمورث، قال: وبلغنا- والله أعلم- أن
الله أعطاه من القوة ما خضع له إبليس وشياطينه، وأنه كان مطيعا لله،
وكان ملكه أربعين سنه واما الفرس فإنها تزعم ان طهمورث ملك الأقاليم
كلها، وعقد على رأسه تاجا، وقال يوم ملك: نحن دافعون بعون الله عن
خليقته المردة الفسدة.
وكان محمودا في ملكه، حدبا على رعيته، وأنه ابتنى سابور من فارس
ونزلها، وتنقل في البلدان، وأنه وثب بإبليس حتى ركبه، فطاف عليه في
أداني الأرض وأقاصيها، وأفزعه ومردة أصحابه حتى تطايروا وتفرقوا، وأنه
أول من اتخذ الصوف والشعر للباس والفرش، وأول من اتخذ زينة الملوك من
الخيل والبغال والحمير، وأمر باتخاذ الكلاب لحفظ المواشي وحراستها من
السباع والجوارح للصيد، وكتب بالفارسيه، وان بيوراسب ظهر في أول سنة من
ملكه، ودعا إلى ملة الصابئين.
ثم رجعنا إلى ذكر اخنوخ، وهو ادريس ع.
ثم نكح- فيما حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ، عن ابن إسحاق: أخنوخ بن يرد هدانة- ويقال: أدانة- ابنة باويل
ابن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم، وهو ابن خمس وستين سنة، فولدت له
متوشلخ بن أخنوخ، فعاش بعد ما ولد له متوشلخ ثلاثمائة سنة، وولد له
بنون وبنات، فكان كل ما عاش اخنوخ ثلاثمائة سنة وخمسا وستين سنة ثم
مات.
وأما غيره من أهل التوراة فإنه قال فيما ذكر عن التوراة: ولد لاخنوخ
بعد ستمائه سنة وسبع وثمانين سنة خلت من عمر آدم متوشلخ، فاستخلفه
(1/172)
أخنوخ على أمر الله، وأوصاه وأهل بيته قبل
أن يرفع، وأعلمهم أن الله عز وجل سيعذب ولد قايين ومن خالطهم ومال
إليهم، ونهاهم عن مخالطتهم، وذكر أنه كان أول من ركب الخيل، لأنه اقتفى
رسم أبيه في الجهاد، وسلك في أيامه في العمل بطاعة الله طريق آبائه
وكان عمر اخنوخ الى ان رفع ثلاثمائة سنة وخمسا وستين سنة وولد له
متوشلخ بعد ما مضى من عمره خمس وستون سنة.
ثم نكح- فيما حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ
عَنْ ابن إسحاق- متوشلخ بن أخنوخ عربا ابنة عزرائيل بن أنوشيل بن خنوخ
بن قين بن آدم، وهو ابن مائة سنة وسبع وثلاثين سنة فولدت له لمك بن
متوشلخ، فعاش بعد ما ولد له لمك سبعمائة سنة، فولد له بنون وبنات، وكان
كل ما عاش متوشلخ تسعمائة سنة وتسع عشرة سنة ثم مات ونكح لمك بن متوشلخ
بن اخنوخ بتنوس ابنة براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم ع، وهو ابن
مائة سنة وسبع وثمانين سنة فولدت له نوحا النبي ص، فعاش لمك بعد ما ولد
له نوح خمسمائة سنه وخمسا وتسعين سنة، وولد له بنون وبنات، فكان كل ما
عاش سبعمائة سنة وثمانين سنة، ثم مات ونكح نوح ابن لمك عمذرة ابنة
براكيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم، وهو ابن خمسمائة سنه، فولدت له
بينه: سام، وحام، ويافث، بني نوح وقال أهل التوراة: ولد لمتوشلخ بعد
ثمانمائه سنة وأربع وسبعين سنة من عمر آدم لملك، فأقام على ما كان عليه
آباؤه: من طاعة الله وحفظ عهوده.
قالوا: فلما حضرت متوشلخ الوفاة استخلف لملك على أمره، وأوصاه بمثل ما
كان آباؤه يوصون به قالوا: وكان لمك يعظ قومه، وينهاهم عن النزول إلى
ولد قايين فلا يتعظون، حتى نزل جميع من كان في الجبل إلى ولد قايين
(1/173)
وقيل: إنه كان لمتوشلخ ابن آخر غير لمك،
يقال له صابئ- وقيل:
إن الصابئين به سموا صابئين- وكان عمر متوشلخ تسعمائة وستين سنة، وكان
مولد لمك بعد أن مضى من عمر متوشلخ مائة وسبع وثمانون سنة.
ثم ولد لمك نوحا بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة، وذلك لألف سنة
وست وخمسين سنة مضت من يوم أهبط الله عز وجل آدم إلى مولد نوح ع، فلما
أدرك نوح قال له لمك: قد علمت أنه لم يبق في هذا الموضع غيرنا، فلا
تستوحش ولا تتبع الأمة الخاطئة، فكان نوح يدعو إلى ربه، ويعظ قومه
فيستخفون به، فأوحى الله عز وجل إليه أنه قد أمهلهم، فأنظرهم ليراجعوا
ويتوبوا مدة، فانقضت المدة قبل أن يتوبوا وينيبوا.
وقال آخرون غير من ذكرت قوله: كان نوح في عهد بيوراسب، وكان قومه
يعبدون الأصنام، فدعاهم الى الله جل وعز تسعمائة وستة وخمسين سنة، كلما
مضى قرن تبعهم قرن، على ملة واحدة من الكفر، حتى أنزل الله عليهم
العذاب فأفناهم.
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حدثني
هشام، قال:
أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَلَدَ متوشلخُ
لمكَ وَنَفَرًا مَعَهُ، وَإِلَيْهِ الْوَصِيَّةُ، فَوَلَدَ لَمكُ
نُوحًا، وَكَانَ لِلمكَ يَوْمَ وُلِدَ نُوحٌ اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ
سَنَةً، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانُ يَنْهَى عَنْ
مُنْكَرٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نُوحًا، وَهُوَ ابن أربعمائة
سَنَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، ثُمَّ دَعَاهُمْ فِي نُبُوَّتِهِ مائه
وعشرين سنه، ثم امره بصنعه السفينة فصنعها وركبها وهو ابن ستمائه
سَنَةٍ، وَغَرِقَ مَنْ غَرِقَ، ثُمَّ مَكَثَ بَعْدَ السفينة ثلاثمائه
سَنَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً.
وَأَمَّا عُلَمَاءُ الْفُرْسِ فَإِنَّهُمْ قالوا: ملك بعد طهمورث جم
الشيذَ- وَالشِّيذُ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمُ الشُّعَاعُ، لَقَّبُوهُ
بِذَلِكَ فِيمَا زَعَمُوا لِجَمَالِهِ- وَهُوَ جمُ بْنُ ويونجهان، وهو
أخو طهمورث وَقِيلَ إِنَّهُ مَلَكَ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ كُلَّهَا،
وَسُخِّرَ لَهُ مَا فِيهَا مِنَ
(1/174)
الْجِنِّ وَالإِنْسِ، وَعُقِدَ عَلَى
رَأْسِهِ التَّاجُ وَقَالَ حِينَ قَعَدَ فِي مُلْكِهِ: إِنَّ اللَّهَ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَكْمَلَ بَهَاءَنَا وَأَحْسَنَ
تَأْيِيدَنَا، وَسَنُوسِعُ رَعِيَّتَنَا خَيْرًا وَإِنَّهُ ابْتَدَعَ
صَنْعَةَ السُّيُوفِ وَالسِّلاحِ، وَدَلَّ عَلَى صَنْعَةِ الإِبْرِيسمِ
وَالْقَزِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا يغزل، وامر بِنَسْجِ الثِّيَابِ
وَصَبْغِهَا، وَنَحْتِ السُّرُوجِ وَالأَكُفِّ وَتَذْلِيلِ الدَّوَابِّ
بِهَا.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ تَوَارَى بَعْدَ ما مضى من ملكه ستمائه
سَنَةٍ وَسِتُّ عَشَرَةَ سَنَةً وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَخَلَتِ
الْبِلادُ مِنْهُ سَنَةً، وَأَنَّهُ أَمَرَ لِمُضِيِّ سَنَةٍ مِنْ
مُلْكِهِ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ مِنْهُ بِصَنْعَةِ السُّيُوفِ
وَالدُّرُوعِ وَالْبِيضِ وَسَائِرِ صُنُوفِ الأَسْلِحَةِ وَآلَةِ
الصُّنَّاعِ مِنَ الْحَدِيدِ وَمِنْ سَنَةِ خَمْسِينَ مِنْ مُلْكِهِ
إِلَى سَنَةِ مِائَةٍ بِغَزْلِ الإِبْرِيسمِ وَالْقَزِّ وَالْقُطْنِ
وَالْكَتَّانِ وَكُلِّ مَا يُسْتَطَاعُ غَزْلُهُ وَحِيَاكَةِ ذَلِكَ
وَصِبْغَتِهِ أَلْوَانًا وَتَقْطِيعِهِ أَنْوَاعًا وَلُبْسِهِ وَمِنْ
سَنَةِ مِائَةٍ إِلَى سَنَةِ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ صَنَّفَ النَّاسَ
أَرْبَعَ طَبَقَاتٍ:
طَبَقَةَ مُقَاتِلَةٍ، وَطَبَقَةُ فُقَهَاءٍ، وطبقه كتابا وَصُنَّاعًا
وَحَرَّاثِينَ، وَاتَّخَذَ طَبَقَةً مِنْهُمْ خَدَمًا، وَأَمَرَ كُلَّ
طَبَقَةٍ مِنْ تِلْكَ الطَّبَقَاتِ بِلُزُومِ الْعَمَلِ الَّذِي
أَلْزَمَهَا إِيَّاهُ وَمِنْ سَنَةِ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ إِلَى سَنَةِ
خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ حَارَبَ الشَّيَاطِينَ وَالْجِنَّ
وَأَثْخَنَهُمْ وَأَذَلَّهُمْ وَسُخِّرُوا لَهُ وَانْقَادُوا لأَمْرِهِ
وَمِنْ سَنَةِ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ إِلَى سَنَةِ سِتِّ عَشْرَةَ
وثلاثمائة وَكَّلَ الشَّيَاطِينَ بِقَطْعِ الْحِجَارَةَ وَالصُّخُورَ
مِنَ الْجِبَالِ، وَعَمَلِ الرُّخَامِ وَالْجَصِّ وَالْكِلْسِ،
وَالْبِنَاءِ بِذَلِكَ، وَبِالطِّينِ الْبنيَانِ وَالْحَمَّامَاتِ،
وَصَنْعَةِ النُّورَةِ، وَالنَّقْلِ مِنَ الْبِحَارِ وَالْجِبَالِ
وَالْمَعَادِنِ وَالْفلَوَاتِ كُلُّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ،
وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَسَائِرِ مَا يُذَابُ مِنَ الْجَوَاهِرِ،
وَأَنْوَاعِ الطِّيبِ وَالأَدْوِيَةِ فَنَفَذُوا فِي كُلِّ ذَلِكَ
لأَمْرِهِ ثُمَّ أَمَرَ فَصُنِعَتْ لَهُ عَجَلَةٌ مِنْ زُجَاجٍ،
فَصَفَّدَ فِيهَا الشَّيَاطِينَ وَرَكِبَهَا، وَأَقْبَلَ عَلَيْهَا فِي
الْهَوَاءِ مِنْ بَلَدِهِ، مِنْ دنباونْدَ إِلَى بَابِلَ فِي يَوْمٍ
وَاحِدٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ هرمز از فروردين ماه، فَاتَّخَذَ النَّاسُ
لِلأُعْجُوبَةِ الَّتِي رَأَوْا مِنْ اجرائه ما اجرى على تلك الحال
نوروز، وَأَمَرَهُمْ بِاتِّخَاذِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ
بَعْدَهُ عِيدًا، وَالتَّنَعُّمِ وَالتَّلَذُّذِ فِيهَا، وَكَتَبَ
إِلَى النَّاسِ اليوم السادس، وهو خرداذ روز يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ قَدْ
سَارَ فِيهِمْ بِسِيرَةٍ ارْتَضَاهَا اللَّهُ، فَكَانَ مِنْ جَزَائِهِ
(1/175)
إِيَّاهُ عَلَيْهَا أَنْ جَنَّبَهُمُ
الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَالأَسْقَامَ والهرم والحسد، فمكث الناس
ثلاثمائة سنه بعد الثلثمائه وَالسِّتَّ عَشَرَةَ سَنَةً الَّتِي خَلَتْ
مِنْ مُلْكِهِ، لا يُصِيبُهُمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ جل
وعز جَنَّبَهُمْ إِيَّاهُ.
ثُمَّ إِنَّ جما بَطَرَ بَعْدَ ذلك نعمه الله عنده، وجمع الانس والجن،
فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ وَلِيُّهُمْ وَمَالِكُهُمْ وَالدَّافِعُ
بِقُوَّتِهِ عَنْهُمُ الأَسْقَامَ وَالْهَرَمَ وَالْمَوْتَ، وَجَحَدَ
إِحْسَانَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ، وَتَمَادَى فِي غَيِّهِ
فَلَمْ يَحْرِ أَحَدٌ مِمَّنْ حَضَرَهُ لَهُ جَوَابًا، وَفَقَدَ
مَكَانَهُ بهاءه وعزه، وَتَخَلَّتْ عَنْهُ الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ
كَانَ اللَّهُ أَمَرَهُمْ بسياسة امره، فأحس بذلك بيوراسب الذى يسمى
الضحاك فابتدر الى جم لينتهسه فهرب منه، ثم ظفر به بيوراسب بعد ذلك،
فامتلخ امعاءه واسترطها، وَنَشَرَهُ بِمِنْشَارٍ.
وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْفُرْسِ: إِنَّ جمًّا لَمْ يَزَلْ
مَحْمُودَ السِّيرَةِ إِلَى أَنْ بَقِيَ مِنْ مُلْكِهِ مِائَةُ سَنَةٍ
فَخَلَّطَ حِينَئِذٍ، وَادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، فَلَمَّا فَعَلَ
ذَلِكَ اضْطَرَبَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، وَوَثَبَ عَلَيْهِ أَخُوهُ
اسفتورُ وَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ، وَكَانَ فِي
تَوَارِيهِ مَلِكًا يَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، ثُمَّ
خَرَجَ عَلَيْهِ بيوراسب فَغَلَبَهُ عَلَى مُلْكِهِ، وَنَشَرَهُ
بِالْمِنْشَارِ.
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ ان ملك جم كان سبعمائة سَنَةٍ وَسِتَّ عَشْرَةَ
سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
وقد ذكرت عن وهب بن منبه، عن ملك من ملوك الماضين قصة شبيهة بقصة جم
شاذ الملك، ولولا أن تاريخه خلاف تاريخ جم لقلت إنها قصة جم
(1/176)
وذلك ما حَدَّثَنِي محمد بن سهل بن عسكر،
قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن معقل، عن
وهب بن منبه، أنه قال: إن رجلا ملك وهو فتى شاب، فقال: إني لأجد للملك
لذة وطعما، فلا أدري: أكذلك كل الناس أم أنا وجدته من بينهم؟ فقيل له:
بل الملك كذلك، فقال: ما الذي يقيمه لي؟ فقيل له: يقيمه لك أن تطيع
الله فلا تعصيه فدعا ناسا من خيار من كان في ملكه فقال لهم:
كونوا بحضرتي في مجلسي، فما رأيتم أنه طاعة لله عز وجل فأمروني أن أعمل
به، وما رأيتم أنه معصية لله فازجروني عنه أنزجر، ففعل ذلك هو وهم،
واستقام له ملكه بذلك أربعمائة سنة مطيعا لله عز وجل ثم إن إبليس انتبه
لذلك فقال:
تركت رجلا يعبد الله ملكا أربعمائة سنة! فجاء فدخل عليه فتمثل له برجل،
ففزع منه الملك، فقال: من أنت؟ قال إبليس: لا ترع، ولكن أخبرني من أنت؟
قال الملك: أنا رجل من بني آدم، فقال له إبليس: لو كنت من بني آدم لقد
مت كما يموت بنو آدم، ألم تر كم قد مات من الناس وذهب من القرون! لو
كنت منهم لقد مت كما ماتوا، ولكنك إله، فادع الناس إلى عبادتك فدخل ذلك
في قلبه ثم صعد المنبر، فخطب الناس فقال: أيها الناس، إني قد كنت أخفيت
عنكم أمرا بان لي إظهاره، لكم تعلمون أني ملكتكم منذ أربعمائة سنة، ولو
كنت من بني آدم لقد مت كما ماتوا، ولكني إله فاعبدوني فأرعش مكانه،
وأوحى الله إلى بعض من كان معه فقال:
أخبره أني قد استقمت له ما استقام لي، فإذا تحول عن طاعتي إلى معصيتي
فلم يستقم لي، فبعزتي حلفت لأسلطن عليه بخت ناصر، فليضربن عنقه،
وليأخذن ما في خزائنه وكان في ذلك الزمان لا يسخط الله على أحد إلا سلط
عليه بخت ناصر، فلم يتحول الملك عن قوله، حتى سلط الله عليه بخت ناصر،
فضرب عنقه، وأوقر من خزائنه سبعين سفينة ذهبا.
قال أبو جعفر: ولكن بين بخت ناصر وجم دهر طويل، إلا أن يكون الضحاك كان
يدعى في ذلك الزمان بخت ناصر
(1/177)
وأما هشام بن الكلبي فإني حدثت عنه انه
قال: ملك بعد طهمورث جم، وكان أصبح أهل زمانه وجها، وأعظمهم جسما، قال:
فذكروا انه غبر ستمائه سنة وتسع عشرة سنة مطيعا لله مستعليا أمره
مستوثقة له البلاد ثم إنه طغى وبغى، فسلط الله عليه الضحاك، فسار إليه
في مائتي ألف، فهرب جم منه مائة سنة، ثم إن الضحاك ظفر به فنشره بمنشار
قال: فكان جميع ملك جم، منذ ملك الى ان قتل سبعمائة وتسع عشرة سنة.
وقد روي عن جماعة من السلف أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون، كلهم على
ملة الحق، وأن الكفر بالله إنما حدث في القرن الذين بعث اليهم نوح ع،
وقالوا: إن أول نبي أرسله الله إلى قوم بالإنذار والدعاء الى توحيده
نوح ع.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ بين نوح وآدم ع عَشَرَةُ قُرُونٍ،
كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْحَقِّ، فَاخْتَلَفُوا، فَبَعَثَ
اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ
هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً
فَاخْتَلَفُوا» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يحيى، قال: أخبرنا عبد
الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلَهُ عَزَّ
وَجَلَّ: «كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً» ، قَالَ: كَانُوا عَلَى
الْهُدَى جَمِيعًا فَاخْتَلَفُوا، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، فَكَانَ أَوَّلَ نَبِيٍّ بعث نوح ع
(1/178)
|