تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
ذكر ابراهيم خليل
الرحمن ع
وذكر من كان في عصره من ملوك العجم
إذ كنا قد ذكرنا من بينه وبين نوح من الآباء وتأريخ السنين التي مضت
قبل ذلك وهو ابراهيم بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغوا بن فالغ بن
عابر بن شالخ بن قينان بن ارفخشد بن سام بن نوح.
واختلفوا في الموضع الذي كان منه، والموضع الذي ولد فيه، فقال بعضهم:
كان مولده بالسوس من أرض الأهواز، وقال بعضهم: كان مولده ببابل من أرض
السواد وقال بعضهم: كان بالسواد بناحية كوثى وقال بعضهم:
كان مولده بالوركاء بناحية الزوابي وحدود كسكر، ثم نقله أبوه إلى
الموضع الذي كان به نمرود من ناحية كوثى وقال بعضهم: كان مولده بحران،
ولكن أباه تارخ نقله إلى أرض بابل وقال عامة السلف من أهل العلم: كان
مولد ابراهيم ع في عهد نمرود بن كوش ويقول عامة أهل الأخبار:
كان نمرود عاملا للإزدهاق الذي زعم بعض من زعم ان نوحا ع كان مبعوثا
إليه على أرض بابل وما حولها وأما جماعة من سلف العلماء فإنهم يقولون:
كان ملكا برأسه، واسمه الذي هو اسمه فيما قيل: زرهى بن طهماسلفان.
وقد حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، قال: حَدَّثَنَا
محمد بن إسحاق- فيما ذكر لنا والله أعلم- أن آزر كان رجلا من أهل كوثى،
من قرية بالسواد سواد الكوفة، وكان إذ ذاك ملك المشرق لنمرود الخاطئ،
وكان يقال له الهاصر، وكان ملكه- فيما يزعمون- قد أحاط بمشارق الأرض
ومغاربها، وكان ببابل، قال: وكان ملكه وملك قومه بالمشرق قبل ملك فارس.
قال: ويقال لم يجتمع ملك الأرض ولم يجتمع الناس على ملك واحد إلا
(1/233)
على ثلاثة ملوك: نمرود بن أرغوا، وذي
القرنين، وسليمان بن داود.
وقال بعضهم: نمرود هو الضحاك نفسه.
حدثت عن هشام بن محمد، قال: بلغنا والله أعلم أن الضحاك هو نمرود، وأن
إبراهيم خليل الرحمن ولد في زمانه، وأنه صاحبه الذي أراد إحراقه.
حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن
السدي فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- وَعَنْ مُرَّةَ الهمداني عن ابن مسعود- وعن ناس
من اصحاب النبي ص إِنَّ أَوَّلَ مَلِكٍ مَلَكَ فِي الأَرْضِ شَرْقَهَا
وغربها نمرود بن كنعان ابن كُوشَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ، وَكَانَتِ
الْمُلُوكُ الَّذِينَ مَلَكُوا الأَرْضَ كُلَّهَا أَرْبَعَةً:
نَمْرُودُ، وَسُلَيْمَانُ بن داود، وذو القرنين، وبختنصر: مُؤْمِنَانِ
وَكَافِرَانِ.
وقال ابن إسحاق فيما حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ، عَنْ ابن إسحاق: فلما أراد الله عز وجل أن يبعث ابراهيم ع
خليل الرحمن حجة على قومه ورسولا إلى عباده، ولم يكن فيما بين نوح
وإبراهيم ع من نبي قبله إلا هود وصالح، فلما تقارب زمان إبراهيم الذي
أراد الله تعالى ذكره ما أراد، أتى أصحاب النجوم نمرود، فقالوا له:
تعلم أنا نجد في علمنا أن غلاما يولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم،
يفارق دينكم، ويكسر أوثانكم، في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا فلما
دخلت السنة التي وصف أصحاب النجوم لنمرود، بعث نمرود إلى كل امرأة حبلى
بقريته، فحبسها عنده، إلا ما كان من أم إبراهيم امرأة آزر فإنه لم يعلم
بحبلها، وذلك أنها كانت جارية- حدثه فيما يذكر- لم يعرف الحبل في
بطنها، فجعل لا تلد امرأة غلاما في ذلك الشهر من تلك السنة إلا أمر به
فذبح، فلما وجدت أم إبراهيم الطلق خرجت ليلا إلى مغارة كانت قريبا
منها، فولدت فيها ابراهيم ع، وأصلحت من شأنه ما يصنع بالمولود، ثم سدت
عليه المغارة، ثم رجعت إلى بيتها، ثم كانت تطالعه في المغارة لتنظر ما
فعل، فتجده حيا
(1/234)
يمص إبهامه يزعمون- والله أعلم- أن الله
جعل رزق ابراهيم ع فيها ما يجيئه من مصه، وكان آزر فيما يزعمون قد سأل
أم إبراهيم عن حملها ما فعل، فقالت: ولدت غلاما فمات فصدقها فسكت عنها،
وكان اليوم- فيما يذكرون- على إبراهيم في الشباب كالشهر، والشهر
كالسنة، ولم يمكث ابراهيم ع في المغارة إلا خمسة عشر شهرا، حتى قال
لأمه: أخرجيني أنظر، فأخرجته عشاء، فنظر وتفكر في خلق السموات والأرض،
وقال: إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لربي، ما لي إله غيره ثم
نظر في السماء ورأى كوكبا، فقال: «هذا رَبِّي» ، ثم اتبعه ينظر إليه
ببصره حتى غاب «فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ» ، ثم
اطلع للقمر فرآه بازغا فقال: «هذا رَبِّي» ثم أتبعه ببصره حتى غاب
«فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ
الْقَوْمِ الضَّالِّينَ» فلما دخل عليه النهار وطلعت الشمس رأى عظم
الشمس ورأى شيئا هو أعظم نورا من كل شيء رآه قبل ذلك، فقال: «هذا
رَبِّي هذا أَكْبَرُ، فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي
بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» .
ثم رجع إبراهيم إلى أبيه آزر وقد استقامت وجهته، وعرف ربه وبريء من دين
قومه إلا أنه لم يبادهم بذلك، فأخبره أنه ابنه، فأخبرته أم إبراهيم ع
أنه ابنه، فأخبرته بما كانت صنعت في شأنه، فسر بذلك آزر وفرح فرحا
شديدا، وكان آزر يصنع أصنام قومه التي يعبدون، ثم يعطيها إبراهيم
يبيعها، فيذهب بها إبراهيم ع فيما يذكرون فيقول: من يشتري ما يضره ولا
ينفعه! فلا يشتريها منه أحد، فإذا بارت عليه ذهب بها إلى نهر فصوب فيه
رءوسها، وقال: اشربي- استهزاء بقومه، وبما هم عليه من الضلالة- حتى فشا
عيبه إياها، واستهزاؤه بها في قومه وأهل قريته،
(1/235)
من غير أن يكون ذلك بلغ نمرود الملك ثم إنه
لما بدا لإبراهيم أن يبادي قومه بخلاف ما هم عليه وبأمر الله والدعاء
إليه «نظر نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ» ، يقول الله
عز وجل: «فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ» ، وقوله:
«إِنِّي سَقِيمٌ» اى طعين، او لسقم كانوا يهربون منه إذا سمعوا به،
وإنما يريد إبراهيم أن يخرجوا عنه ليبلغ من أصنامهم الذي يريد فلما
خرجوا عنه خالف إلى أصنامهم التي كانوا يعبدون من دون الله، فقرب لها
طعاما، ثم قال: ألا تأكلون! ما لكم لا تنطقون! تعييرا في شأنها
واستهزاء بها.
وقال في ذلك غير ابن إسحاق، مَا حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قال:
حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، في خبر ذكره عن أَبِي
صَالِحٍ، وَعَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عباس- وعن مرة الهمداني عن
ابن مسعود- وعن اناس من اصحاب النبي ص: كان من شان ابراهيم ع أَنَّهُ
طَلَعَ كَوْكَبٌ عَلَى نُمْرُودَ، فَذَهَبَ بِضَوْءِ الشَّمْسِ
وَالْقَمَرِ، فَفَزِعَ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، فَدَعَا
السَّحَرَةَ وَالْكَهَنَةَ وَالْقَافَّةَ وَالْحَازَّةَ، فَسَأَلَهُمْ
عَنْهُ، فَقَالُوا: يَخْرُجُ مِنْ مُلْكِكَ رَجُلٌ يَكُونُ عَلَى
وَجْهِهِ هَلاكُكَ وَهَلاكُ مُلْكِكَ- وَكَانَ مَسْكَنُهُ بِبَابِلَ
الْكُوفَةَ- فَخَرَجَ مِنْ قَرْيَتِهِ إِلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى، فاخرج
الرجال وترك النساء، وامر الا يُولَدَ مَوْلُودٌ ذَكَرٌ إِلا ذَبَحَهُ،
فَذَبَحَ أَوْلادَهُمْ ثُمَّ إِنَّهُ بَدَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي
الْمَدِينَةِ لَمْ يَأْمَنْ عَلَيْهَا إِلا آزَرَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ،
فَدَعَاهُ فَأَرْسَلَهُ.
فَقَالَ لَهُ انْظُرْ لا تُوَاقِعْ أَهْلَكَ، فَقَالَ لَهُ آزَرُ:
أَنَا أَضِنُّ بِدِينِي مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ
نَظَرَ إِلَى أَهْلِهِ فَلَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ أَنْ وَقَعَ
عَلَيْهَا، فَقَرَّبَهَا إِلَى قَرْيَةٍ بَيْنَ الْكُوفَةِ
وَالْبَصْرَةِ، يُقَالُ لَهَا أُورُ، فَجَعَلَهَا فِي سَرَبٍ، فَكَانَ
يَتَعَاهَدَهَا بالطعام
(1/236)
وَالشَّرَابِ وَمَا يُصْلِحُهَا وَإِنَّ
الْمَلِكَ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الأَمْرُ قَالَ: قَوْلُ سَحَرَةٍ
كَذَّابِينَ.
ارْجِعُوا إِلَى بَلَدِكُمْ، فَرَجَعَوا وَوُلِدَ إِبْرَاهِيمُ فَكَانَ
فِي كُلِّ يَوْمٍ يَمُرُّ كَأَنَّهُ جُمُعَةٌ، وَالْجُمُعَةُ
كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالسَّنَةِ مِنْ سُرْعَةِ شَبَابِهِ،
وَنَسِيَ الْمَلِكُ ذلك، وكبر ابراهيم ولا يَرَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ
الْخَلْقِ غَيْرَهُ وَغَيْرَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَقَالَ أَبُو
إِبْرَاهِيمَ لأَصْحَابِهِ: إِنَّ لِي ابْنًا قَدْ خَبَّأْتُهُ،
أَفَتَخَافُونَ عَلَيْهِ الْمَلِكَ إِنْ أَنَا جِئْتُ بِهِ؟ قَالُوا:
لا، فَأْتِ بِهِ فَانْطَلَقَ فَأَخْرَجَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ الْغُلامُ
مِنَ السَّرَبِ نَظَرَ إِلَى الدَّوَابِّ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ،
فَجَعَلَ يَسْأَلُ أَبَاهُ: مَا هَذَا؟ فَيُخْبِرُهُ عَنِ الْبَعِيرِ
أَنَّهُ بَعِيرٌ، وَعَنِ الْبَقَرَةِ أَنَّهَا بَقَرَةٌ، وَعَنِ
الْفَرَسِ أَنَّهُ فَرَسٌ، وَعَنِ الشَّاةِ أَنَّهَا شَاةٌ، فَقَالَ:
مَا لِهَؤُلاءِ الْخَلْقِ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ رَبٌّ،
وَكَانَ خُرُوجُهُ حِينَ خَرَجَ مِنَ السَّرَبِ بَعْدَ غُرُوبِ
الشَّمْسِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ
بِالْكَوْكَبِ وَهُوَ الْمُشْتَرى، فَقَالَ: «هَذَا رَبِّي» ، فَلَمْ
يَلْبَثْ أَنْ غَابَ، فَقَالَ «لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ» ، أَيْ لا
أُحِبُّ رَبًّا يَغِيبُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَخَرَجَ فِي آخِرِ
الشَّهْرِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَرَ الْقَمَرَ قَبْلَ الْكَوَاكِبِ،
فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ رَأَى الْقَمَرَ بِازِغًا قَدْ طَلَعَ،
فَقَالَ:
«هَذَا رَبِّي، فَلَمَّا أَفَلَ» يَقُولُ: غَابَ، «قالَ لَئِنْ لَمْ
يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ» ،
فَلَمَّا أَصْبَحَ وَرَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً، قالَ: «هَذَا رَبِّي
هَذَا أَكْبَرُ» ، فَلَمَّا غَابَتْ قَالَ اللَّهُ لَهُ: أَسْلِمْ،
قال: قد أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ثم اتى قَوْمَهُ فَدَعَاهُمْ
فَقَالَ: «يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي
وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً»
يَقُولُ مُخْلِصًا: فَجَعَلَ يَدْعُو قَوْمَهُ وَيُنْذِرُهُمْ.
وَكَانَ أَبُوهُ يَصْنَعُ الأَصْنَامَ فَيُعْطِيهَا وَلَدَهُ
فَيَبِيعُونَهَا، وَكَانَ يُعْطِيهِ فَيُنَادِي:
مَنْ يَشْتَرِي مَا يَضُرُّهُ وَلا يَنْفَعُهُ؟ فَيَرْجِعُ إِخْوَتُهُ
وَقَدْ بَاعُوا أَصْنَامَهُمْ، وَيَرْجِعُ إِبْرَاهِيمُ بِأَصْنَامِهِ
كَمَا هِيَ، ثُمَّ دَعَا أَبَاهُ فَقَالَ: «يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ
مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً
» قَالَ: «أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ
تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا» قال: ابدا ثم قَالَ
لَهُ أَبُوهُ:
(1/237)
يَا إِبْرَاهِيمُ، إِنَّ لَنَا عِيدًا لَوْ
قَدْ خَرَجْتَ مَعَنَا لأَعْجَبَكَ دِينُنَا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ
الْعِيدِ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ خَرَجَ مَعَهُمْ إِبْرَاهِيمُ، فَلَمَّا
كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَلْقَى نَفْسَهُ وَقَالَ:
«إِنِّي سَقِيمٌ» ، يَقُولُ: أَشْتَكِي رِجْلِي، فَتَوَطَّئُوا
رِجْلَيْهِ، وَهُوَ صَرِيعٌ، فَلَمَّا مَضَوْا نَادَى فِي آخِرِهِمْ
وَقَدْ بقي ضعفى الناس: «تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ
أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ» فَسَمِعُوهَا مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعَ
إِبْرَاهِيمُ إِلَى بَيْتِ الآلِهَةِ، فَإِذَا هُوَ فِي بَهْوٍ
عَظِيمٍ، مُسْتَقْبِلٌ بَابَ الْبَهْوِ صَنَمٌ عَظِيمٌ إِلَى جَنْبِهِ
أَصْغَرُ مِنْهُ، بَعْضُهَا إِلَى جَنْبِ بَعْضٍ، كُلُّ صَنَمٍ يَلِيهِ
أَصْغَرُ مِنْهُ، حَتَّى بَلَغُوا بَابَ الْبَهْوِ وَإِذَا هُمْ قَدْ
صَنَعُوا طَعَامًا، فَوَضَعُوهُ بَيْنَ يَدَيِ الآلِهَةِ، قَالُوا:
إِذَا كَانَ حِينَ نَرْجِعُ رَجَعْنَا، وَقَدْ بَارَكَتِ الآلِهَةُ فِي
طَعَامِنَا فَأَكَلْنَا فلما نظر اليهم ابراهيم ع، وَإِلَى مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ مِنَ الطَّعَامِ قَالَ: أَلا تَأْكُلُونَ؟ فَلَمَّا لَمْ
تُجِبْهُ قَالَ:
مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ! فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ،
فَأَخَذَ حَدِيدَةً فَبَقَرَ كُلَّ صَنَمٍ فِي حَافَّتَيْهِ، ثُمَّ
عَلَّقَ الْفَأْسَ فِي عُنُقِ الصَّنَمِ الأَكْبَرِ، ثُمَّ خَرَجَ
فَلَمَّا جَاءَ الْقَوْمُ إِلَى طَعَامِهِمْ، وَنَظَرُوا إِلَى
آلِهَتِهِمْ، قَالُوا: «مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ
الظَّالِمِينَ قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ
إِبْراهِيمُ» .
قال أبو جعفر: رجع الحديث إلى حديث ابْنِ إِسْحَاقَ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ الله عز وجل: «ضَرْباً
بِالْيَمِينِ» ثُمَّ جَعَلَ يَكْسِرُهُنَّ بِفَأْسٍ فِي يَدِهِ، حَتَّى
إِذَا بَقِيَ أَعْظَمُ صَنَمٍ مِنْهَا رَبَطَ الْفَأْسَ بِيَدِهِ،
ثُمَّ تَرَكَهُنَّ، فَلَمَّا رَجَعَ قَوْمُهُ رَأَوْا ما صنع بأصنامهم،
فراغهم ذَلِكَ، فَأَعْظَمُوهُ وَقَالُوا: مَنْ فَعَلَ بِآلِهَتِنَا
إِنَّهُ لمن الظالمين ثم ذكروا فقالوا: «قد سَمِعْنا فَتًى
(1/238)
يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ» -
يَعْنُونَ فَتًى يَسُبُّهَا وَيُعِيبُهَا وَيَسْتَهْزِئُ بِهَا، لَمْ
نَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ ذَلِكَ غَيْرَهُ، وَهُوَ الَّذِي نَظُنُّ
صَنَعَ هَذَا بِهَا وَبَلَغَ ذَلِكَ نُمْرُودَ وَأَشْرَافَ قَوْمِهِ،
فَقَالُوا: «فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَشْهَدُونَ» ، اى ما يصنع بِهِ.
فَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، مِنْهُمْ قَتَادَةُ
وَالسُّدِّيُّ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ:
لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ،
وَقَالُوا: كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَعَ
الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ:
قَالَ: فَلَمَّا أُتِي بِهِ فَاجْتَمَعَ لَهُ قَوْمُهُ عِنْدَ
مَلِكِهِمْ نُمْرُودَ، قَالُوا: «أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنا
يَا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ
إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ» ، غَضِبَ مِنْ أَنْ يَعْبُدُوا مَعَهُ هَذِهِ
الصِّغَارُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا، فَكَسَرَهُنَّ، فَارْعَوَوْا
وَرَجَعُوا عَنْهُ فِيمَا ادَّعَوْا عَلَيْهِ مِنْ كَسْرِهِنَّ إِلَى
أَنْفُسِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالُوا: لَقَدْ ظَلَمْنَاهُ وَمَا
نَرَاهُ إِلا كَمَا قَالَ ثُمَّ قَالُوا وَعَرَفُوا أَنَّهَا لا
تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ وَلا تَبْطُشُ: «لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ
يَنْطِقُونَ» ، أَيْ لا يَتَكَلَّمُونَ فَيُخْبِرُونَا:
مَنْ صَنَعَ هَذَا بِهَا، وَمَا تَبْطُشُ بِالأَيْدِي فَنُصَدِّقُكَ،
يَقُولُ اللَّهُ عز وجل:
«ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ
يَنْطِقُونَ» ، أَيْ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ فِي الْحُجَّةِ
عَلَيْهِمْ لإِبْرَاهِيمَ حِينَ جَادَلَهُمْ، فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ
إِبْرَاهِيمُ حِينَ ظَهَرَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ:
«لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ
لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ» .
قَالَ: وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ عِنْدَ ذَلِكَ فِي اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
يَسْتَوْصِفُونَهُ إِيَّاهُ وَيُخْبِرُونَهُ
(1/239)
أَنَّ آلِهَتَهُمْ خَيْرٌ مِمَّا يَعْبُدُ،
فَقَالَ: «أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدانِ» ، إِلَى
قَوْلِهِ: «فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ» ، يَضْرِبُ لَهُمُ الأَمْثَالَ، وَيُصَرِّفُ لَهُمُ
الْعِبَرَ، لِيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يُخَافَ
وَيُعْبَدَ مِمَّا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:
ثُمَّ إِنَّ نُمْرُودَ- فِيمَا يَذْكُرُونَ- قَالَ لإِبْرَاهِيمَ:
أَرَأَيْتَ إِلَهَكَ هَذَا الَّذِي تَعْبُدَ وَتَدْعُو إِلَى عبادته،
وتذكره مِنْ قُدْرَتِهِ الَّتِي تُعَظِّمُهُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ مَا
هُوَ؟ «قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ» ، فَقَالَ
نُمْرُودُ: فَأَنَا «أُحْيِي وَأُمِيتُ» ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:
كَيْفَ تُحْيِي وَتُمِيتُ؟ قَالَ: آخُذُ الرَّجُلَيْنِ قَدِ
اسْتَوْجَبَا الْقَتْلَ فِي حُكْمِي، فَأَقْتُلُ أَحَدَهُمَا فَأَكُونُ
قَدْ أَمَتُّهُ، وَأَعْفُو عَنِ الآخَرِ فَأَتْرُكُهُ فَأَكُونُ قَدْ
أَحْيَيْتُهُ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ عِنْدَ ذَلِكَ: «فَإِنَّ
اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ
الْمَغْرِبِ» ، فَعَرَفَ أَنَّهُ كَمَا يَقُولُ، فَبُهِتَ عِنْدَ
ذَلِكَ نُمْرُودُ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ شَيْئًا، وَعَرَفَ أَنَّهُ
لا يُطِيقُ ذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «فَبُهِتَ الَّذِي
كَفَرَ» ، يَعْنِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّ نُمْرُودَ وَقَوْمَهُ أَجْمَعُوا فِي إِبْرَاهِيمَ
فَقَالُوا: «حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
فاعِلِينَ» .
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن الحسن
بن دِينَارٍ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ:
تَلَوْتُ هَذِهِ الآيَةَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ:
أَتَدْرِي يَا مُجَاهِدُ، من الذى اشار بتحريق ابراهيم ع بِالنَّارِ؟
قَالَ: قُلْتُ: لا، قَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَعْرَابِ فَارِسٍ، قَالَ:
قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهَلْ لِلْفُرْسِ أَعْرَابٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، الْكُرْدُ هُمْ أَعْرَابُ فَارِسَ، فَرَجُلٌ مِنْهُمْ
هُوَ الَّذِي أَشَارَ بِتَحْرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بِالنَّارِ حَدَّثَنِي
يعقوب، قال: حَدَّثَنَا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد في
(1/240)
قوله: «حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا
آلِهَتَكُمْ» قال: قالها رجل من أعراب فارس- يعني الأكراد.
وحدثنا القاسم، قال: حَدَّثَنَا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج،
قال: أخبرني وهب بن سليمان، عن شعيب الجبائي، قال:
ان اسم الذى قال حرقوه هينون، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى
يوم القيامة ثم رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق.
قال: فامر نمرود، بجمع الحطب، فجمعوا له صلاب الحطب من أصناف الخشب،
حتى إن كانت المرأة من قرية إبراهيم- فيما يذكر- لتنذر في بعض ما تطلب
مما تحب ان تدرك: لئن أصابته لتحطبن في نار إبراهيم التي يحرق بها
احتسابا في دينها، حتى إذا أرادوا أن يلقوه فيها قدموه وأشعلوا في كل
ناحية من الحطب الذي جمعوا له، حتى إذا اشتعلت النار، واجتمعوا لقذفه
فيها، صاحت السماء والأرض وما فيها من الخلق إلا الثقلين- فيما يذكرون-
إلى الله عز وجل صيحة واحدة: أي ربنا! إبراهيم ليس في أرضك أحد يعبدك
غيره، يحرق بالنار فيك! فأذن لنا في نصرته، فيذكرون- والله أعلم- أن
الله عز وجل حين قالوا ذلك قال: إن استغاث بشيء منكم أو دعاه فلينصره،
فقد أذنت له في ذلك، فإن لم يدع غيري فأنا وليه، فخلوا بيني وبينه،
فأنا أمنعه، فلما ألقوه فيها قال: «يَا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً
عَلى إِبْراهِيمَ» ، فكانت كما قال الله عز وجل.
وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن
السدي قال «قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ»
،
(1/241)
قَالَ: فَحَبَسُوهُ فِي بَيْتٍ، وَجَمَعُوا
لَهُ حَطَبًا حَتَّى أَنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ لَتَمْرَضُ فَتَقُولُ:
لَئِنْ عَافَانِي اللَّهُ لأَجْمَعَنَّ حَطَبًا لإِبْرَاهِيمَ،
فَلَمَّا جَمَعُوا لَهُ وَأَكْثَرُوا مِنَ الْحَطَبِ حَتَّى إِنْ كَانَ
الطَّيْرُ لَيَمُرُّ بِهَا فَيَحْتَرِقُ مِنْ شِدَّةِ وَهَجِهَا وحرها،
فعمدوا إِلَيْهِ فَرَفَعُوهُ عَلَى رَأْسِ الْبُنْيَانِ، فَرَفَعَ
إِبْرَاهِيمُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَتِ السَّمَاءُ
وَالأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالْمَلائِكَةُ: رَبَّنَا! إِبْرَاهِيمُ
يُحْرَقُ فِيكَ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِهِ، فَإِنْ دَعَاكُمْ
فَأَغِيثُوهُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى
السَّمَاءِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْوَاحِدُ فِي السَّمَاءِ وَأَنَا
الْوَاحِدُ فِي الأَرْضِ، لَيْسَ فِي الأَرْضِ أَحَدٌ يَعْبُدُكَ
غَيْرِي، حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ! فَقَذَفُوهُ فِي
النَّارِ، فَنَادَاهَا فَقَالَ: «يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا
عَلَى ابراهيم» وكان جبرئيل هُوَ الَّذِي نَادَاهَا وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: لَوْ لَمْ يُتْبِعْ بَرْدَهَا سَلامًا لَمَاتَ إِبْرَاهِيمُ
مِنْ بَرْدِهَا، فَلَمْ تَبْقَ يَوْمَئِذٍ نَارٌ فِي الأَرْضِ الا طفئت
وظنت أَنَّهَا تُعْنَى فَلَمَّا طُفِئَتِ النَّارُ نَظَرُوا إِلَى
ابراهيم فإذا هو ورجل آخَرُ مَعَهُ، وَإِذَا رَأْسُ إِبْرَاهِيمَ فِي
حِجْرِهِ يَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ الْعَرَقَ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ
الرجل مَلَكُ الظِّلِّ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ نَارًا وَانْتَفَعَ بِهَا
بَنُو آدَمَ، فَأَخْرَجُوا إِبْرَاهِيمَ، فَأَدْخَلُوهُ عَلَى
الْمَلِكِ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ رجع
الحديث إلى حديث ابن إسحاق.
قال: وَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَلَكَ الظِّلِّ فِي صُورَةِ
إِبْرَاهِيمَ، فَقَعَدَ فِيهَا إِلَى جَنْبِهِ يُؤْنِسُهُ، فَمَكَثَ
نُمْرُودُ أَيَّامًا لا يَشُكُّ إِلا أَنَّ النَّارَ قَدْ أَكَلَتْ
إِبْرَاهِيمَ وَفَرَغَتْ مِنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ فَمَرَّ بِهَا وَهِيَ
تَحْرِقُ مَا جَمَعُوا لَهَا مِنَ الْحَطَبِ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا،
فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ جَالِسًا فِيهَا إِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِثْلُهُ،
فَرَجَعَ مِنْ مَرْكَبِهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ
إِبْرَاهِيمَ حَيًّا فِي النَّارِ، وَلَقَدْ شُبِّهَ عَلَيَّ، ابْنُوا
لِي صَرْحًا يُشْرِفُ بِي عَلَى النَّارِ حَتَّى أَسْتَثْبِتُ،
فَبَنَوْا لَهْ صَرْحًا، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ فَاطَّلَعَ مِنْهُ إِلَى
النَّارِ، فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ جَالِسًا فِيهَا، وَرَأَى الْمَلَكَ
قَاعِدًا إِلَى جَنْبِهِ فِي مِثْلِ صُورَتِهِ، فَنَادَاهُ نُمْرُودُ:
يَا إِبْرَاهِيمُ، كَبِيرٌ إِلَهُكَ الَّذِي بَلَغَتْ قُدْرَتُهُ
وَعِزَّتُهُ أَنْ حَالَ بَيْنَ مَا أَرَى وَبَيْنَكَ، حَتَّى لَمْ
تَضُرَّكَ يَا إِبْرَاهِيمُ، هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا؟
(1/242)
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ تَخْشَى إِنْ
أَقَمْتَ فِيهَا أَنْ تَضُرَّكَ؟ قَالَ: لا، قَالَ:
فَقُمْ وَاخْرُجْ مِنْهَا، فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ يَمْشِي فِيهَا حَتَّى
خَرَجَ مِنْهَا، فَلَمَّا خَرَجَ إِلَيْهِ قَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ،
مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتُ مَعَكَ فِي مِثْلِ صُورَتِكَ قَاعِدًا
إِلَى جَنْبِكَ؟ قَالَ: ذَلِكَ مَلَكُ الظِّلِّ، أَرْسَلَهُ إِلَيَّ
رَبِّي لِيَكُونَ مَعِي فِيهَا لِيُؤْنِسَنِي، وَجَعَلَهَا عَلَيَّ
بَرْدًا وَسَلامًا فَقَالَ نُمْرُودُ- فِيمَا حُدِّثْتُ-: يَا
إِبْرَاهِيمُ، إِنِّي مُقَرِّبٌ إِلَى إِلَهِكَ قُرْبَانًا لِمَا
رَأَيْتُ مِنْ عِزَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلِمَا صَنَعَ بِكَ حِينَ
أَبَيْتَ إِلا عِبَادَتَهُ وَتَوْحِيدِهِ، إِنِّي ذَابِحٌ لَهُ
أَرْبَعَةَ آلافِ بَقَرَةٍ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:
إِذًا لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْكَ مَا كُنْتَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ
دِينِكَ هَذَا حَتَّى تُفَارِقَهُ إِلَى دِينِي! فَقَالَ: يَا
إِبْرَاهِيمُ، لا أَسْتَطِيعُ تَرْكَ مُلْكِي، وَلَكِنِّي سَوْفَ
أَذْبَحُهَا لَهُ، فَذَبَحَهَا نُمْرُودُ، ثُمَّ كَفَّ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ، وَمَنَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا جرير، عن مُغِيرَةَ، عَنِ
الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: إِنَّ
أَحْسَنَ شَيْءٍ قَالَهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ لَمَّا رُفِعَ عَنْهُ
الطَّبَقُ وَهُوَ فِي النَّارِ وَحْدَهُ يَرْشَحُ جَبِينُهُ، فَقَالَ
عِنْدَ ذَلِكَ: نِعْمَ الرَّبُّ رَبُّكَ يَا إِبْرَاهِيمُ.
حَدَّثَنَا القاسم، قال: حَدَّثَنَا الحسين، قال: حَدَّثَنَا معتمر بن
سليمان التيمي، عن بعض أصحابه قال: جاء جبرئيل الى ابراهيم ع وهو يوثق
ويقمط ليلقى في النار، قال: يا إبراهيم، ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا.
حَدَّثَنِي أحمد بن المقدام، قال: حَدَّثَنِي المعتمر، قال: سمعت أبي
قال: حَدَّثَنَا قتادة، عن أبي سليمان، قال: ما أحرقت النار من إبراهيم
إلا وثاقه.
قال أبو جعفر: رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق، قال: واستجاب لإبراهيم ع
رجال من قومه حين رأوا ما صنع الله به على خوف من نمرود
(1/243)
وملئهم، فآمن له لوط- وكان ابن أخيه- وهو
لوط بن هاران بن تارخ، وهاران هو أخو إبراهيم، وكان لهما أخ ثالث يقال
له ناحور بن تارخ، فهاران أبو لوط، وناحور أبو بتويل، وبتويل أبو
لابان، وربقا ابنة بتويل امرأة إسحاق بن إبراهيم أم يعقوب، وليا وراحيل
زوجتا يعقوب ابنتا لابان وآمنت به سارة وهي ابنة عمه، وهي سارة بنت
هاران الأكبر عم إبراهيم، وكانت لها أخت يقال لها ملكا امرأة ناحور.
وقد قيل: إن سارة كانت ابنة ملك حران.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط،
عن السدي، قال: انطلق إبراهيم ولوط قبل الشام، فلقي إبراهيم سارة، وهي
ابنة ملك حران، وقد طعنت على قومها في دينهم، فتزوجها على ألا يغيرها،
ودعا إبراهيم أباه آزر إلى دينه، فقال له: يا أبت لم تعبد ما لا يسمع
ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا! فأبى أبوه الإجابة إلى ما دعاه إليه.
ثم إن إبراهيم ومن كان معه من أصحابه الذين اتبعوا أمره أجمعوا لفراق
قومهم، فقالوا: «إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ» ، أيها المعبودون من دون الله «وَبَدا
بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً» ايها
العابدون «حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ» ثم خرج إبراهيم
مهاجرا إلى ربه وخرج معه لوط مهاجرا، وتزوج سارة ابنة عمه، فخرج بها
معه يلتمس الفرار بدينه، والأمان على عبادة ربه حتى نزل حران، فمكث بها
ما شاء الله أن يمكث، ثم خرج منها مهاجرا حتى قدم مصر، وبها فرعون من
الفراعنة الأولى وكانت سارة من أحسن الناس فيما يقال، وكانت لا تعصي
ابراهيم
(1/244)
شيئا، وبذلك أكرمها الله عز وجل، فلما وصفت
لفرعون ووصف له حسنها وجمالها أرسل إلى إبراهيم، فقال: ما هذه المرأة
التي معك؟ قال: هي أختي، وتخوف إبراهيم إن قال هي امرأتي أن يقتله عنها
فقال لإبراهيم: زينها، ثم أرسلها إلي حتى أنظر إليها، فرجع إبراهيم إلى
سارة وأمرها فتهيأت، ثم أرسلها إليه، فأقبلت حتى دخلت عليه، فلما قعدت
إليه تناولها بيده، فيبست إلى صدره، فلما رأى ذلك فرعون أعظم أمرها،
وقال: ادعى الله ان يطلق عنى، فو الله لا اريبك ولاحسنن إليك، فقالت:
اللهم إن كان صادقا فأطلق يده، فأطلق الله يده، فردها إلى إبراهيم،
ووهب لها هاجر، جارية كانت له قبطية.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، [أَنَّ
رسول الله ص: قال:
لم يكذب ابراهيم ع غَيْرَ ثَلاثٍ: ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ،
قَوْلُهُ: «إِنِّي سَقِيمٌ» ، وقوله: «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا»
وَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ فِي أَرْضِ جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، إِذْ
نَزَلَ مَنْزِلا، فَأَتَى الْجَبَّارَ رَجُلٌ فقال: ان في أرضك- او
قال:
هاهنا- رَجُلا مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَأَرْسَلَ
إِلَيْهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْمَرْأَةُ مِنْكَ؟ قَالَ:
هِيَ أُخْتِي،] قَالَ: اذْهَبْ فَأَرْسِلْ بِهَا إِلَيَّ، فَانْطَلَقَ
إِلَى سَارَّةَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ قَدْ سَأَلَنِي
عَنْكِ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي فلا تكذبيني عنده، فإنك أختي في
كتاب اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الأَرْضِ مُسْلِمٌ غَيْرِي وغيرك،
قال: فانطلق بها وقام ابراهيم ع يُصَلِّي قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَتْ
عَلَيْهِ فَرَآهَا أَهْوَى إليها وذهب يَتَنَاوَلُهَا، فَأُخِذَ
أَخْذًا شَدِيدًا، فَقَالَ:
ادْعِي اللَّهَ ولا أَضُرُّكِ، فَدَعَتْ لَهُ فَأُرْسِلَ فَأَهْوَى
إِلَيْهَا فَذَهَبَ يتناولها، فاخذ أخذ شديدا، فقال: ادعى الله ولا
أَضُرُّكِ، فَدَعَتْ لَهُ فَأُرْسِلَ، ثُمَّ
(1/245)
فَعَلَ ذَلِكَ الثَّالِثَةَ، فَأُخِذَ،
فَذَكَرَ مِثْلَ الْمَرَّتَيْنِ فأرسل قال: فَدَعَا أَدْنَى حُجَّابِهِ
فَقَالَ: إِنَّكَ لَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ، وَلَكِنَّكَ أَتَيْتَنِي
بِشَيْطَانٍ، أَخْرِجْهَا وَأَعْطِهَا هَاجَرَ، فَأُخْرِجَتْ
وَأُعْطِيَتْ هَاجَرَ، فَأَقْبَلَتْ بِهَا، فَلَمَّا أَحَسَّ
إِبْرَاهِيمُ بِمَجِيئِهَا انْفَتَلَ مِنْ صَلاتِهِ، فَقَالَ:
مَهْيَمْ! فَقَالَتْ: كَفَى اللَّهُ كَيْدَ الْفَاجِرِ الْكَافِرِ!
وَأَخْدَمَ هَاجَرَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِذَا
حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ يَقُولُ:
فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بْنُ
إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
قَالَ: [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ: لَمْ يَقُلْ إِبْرَاهِيمُ
شَيْئًا قَطُّ لَمْ يكن الا ثلاثا: قوله «إِنِّي سَقِيمٌ» لم يَكُنْ
بِهِ سَقَمٌ، وَقَوْلُهُ:
«بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا
يَنْطِقُونَ» ، وَقَوْلُهُ لِفِرْعَوْنَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ سَارَّةَ
فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مَعَكَ؟ قَالَ: أُخْتِي، قَالَ: فما
قال ابراهيم ع شَيْئًا قَطُّ لَمْ يَكُنْ إِلا ذَلِكَ] .
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي،
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابن إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: [قال رسول
الله ص: لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا فِي
ثَلاثٍ،] ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي هِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، [أَنَّ
رسول الله ص قَالَ: لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ غَيْرَ ثَلاثٍ:
ثِنْتَيْنِ في ذات الله قوله: «إِنِّي سَقِيمٌ» ، وقوله: «بَلْ
فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا» ، وَقَوْلُهُ فِي سَارَّةَ: هِيَ أُخْتِي]
(1/246)
حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ،
عَنْ أَبِي هريرة قال: ما كذب ابراهيم ع غير ثلاث كذبات:
قوله: «إِنِّي سَقِيمٌ» ، وقوله: «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا» ،
وَإِنَّمَا قَالَهُ مَوْعِظَةً، وَقَوْلُهُ حِينَ سَأَلَهُ الْمَلِكُ
فقال: أختي- لساره- وكانت امراته حدثنى يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي
ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكْذِبْ إِلا ثَلاثَ كَذِبَاتٍ: ثِنْتَانِ فِي
اللَّهِ، وَوَاحِدَةٌ فِي ذَاتِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا الثِّنْتَانِ
فَقَوْلُهُ: «إِنِّي سَقِيمٌ» ، وقوله: «بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ
هذا» وَقِصَّتُهُ فِي سَارَّةَ وَذَكَرَ قِصَّتَهَا وَقِصَّةَ
الْمَلِكِ قال أبو جعفر: رجع الحديث إلى حديث ابن إسحاق.
قال: وَكَانَتْ هَاجَرُ جَارِيَةً ذَاتَ هَيْئَةٍ، فَوَهَبَتْهَا
سَارَّةُ لإِبْرَاهِيمَ، وَقَالَتْ:
إِنِّي أَرَاهَا امْرَأَةً وَضِيئَةً فَخُذْهَا، لَعَلَّ اللَّهَ
يَرْزُقُكَ مِنْهَا وَلَدًا، وَكَانَتْ سَارَّةُ قَدْ مُنِعَتِ
الْوَلَدَ فَلا تَلِدُ لإِبْرَاهِيمَ حَتَّى أَسَنَّتْ، وَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ قَدْ دَعَا اللَّهَ أَنْ يَهَبَ لَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ،
وَأُخِّرَتِ الدَّعْوَةُ حَتَّى كَبُرَ إِبْرَاهِيمُ وَعَقِمَتْ
سَارَّةُ، ثُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وقع على هاجر، فولدت له اسماعيل ع.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ مالك الأنصاري، قال: [قال رسول الله ص: إِذَا فَتَحْتُمْ
مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً
وَرَحِمًا] .
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني ابن إسحاق، قال:
سألت الزهري: ما الرحم التي ذكر رسول الله ص لهم؟ قال:
كانت هاجر أم إسماعيل منهم فيزعمون- والله أعلم- أن سارة حزنت عند ذلك
على ما فاتها من الولد حزنا شديدا، وقد كان إبراهيم خرج من مصر إلى
الشام، وهاب ذلك الملك الذي كان بها، وأشفق من شره حتى قدمها، فنزل
السبع من أرض فلسطين، وهي برية الشام، ونزل لوط بالمؤتفكة، وهي من
(1/247)
السبع على مسيرة يوم وليلة وأقرب من ذلك،
فبعثه الله عز وجل نبيا، وأقام إبراهيم فيما ذكر لي بالسبع، فاحتفر به
بئرا واتخذ به مسجدا، فكان ماء تلك البئر معينا طاهرا، فكانت غنمه
تردها ثم إن أهلها آذوه فيها ببعض الأذى، فخرج منها حتى نزل بناحية من
أرض فلسطين بين الرملة وإيليا، ببلد يقال له قَط- أو قِط- فلما خرج من
بين أظهرهم نضب الماء فذهب.
واتبعه أهل السبع، حتى أدركوه وندموا على ما صنعوا، وقالوا: أخرجنا من
بين أظهرنا رجلا صالحا، فسألوه أن يرجع إليهم، فقال: ما أنا براجع إلى
بلد أخرجت منه، قالوا له: فإن الماء الذي كنت تشرب منه ونشرب معك منه
قد نضب فذهب، فأعطاهم سبع أعنز من غنمه، فقال: اذهبوا بها معكم، فإنكم
لو قد أوردتموها البئر، قد ظهر الماء، حتى يكون معينا طاهرا كما كان،
فاشربوا منها، فلا تغترفن منها امرأة حائض، فخرجوا بالأعنز، فلما وقفت
على البئر ظهر إليها الماء، فكانوا يشربون منها وهي على ذلك، حتى أتت
امرأة طامث، فاغترفت منها، فنكص ماؤها إلى الذي هو عليه اليوم، ثم ثبت.
قال: وكان إبراهيم يضيف من نزل به، وكان الله عز وجل قد أوسع عليه،
وبسط له في الرزق والمال والخدم، فلما أراد الله عز وجل هلاك قوم لوط،
بعث إليه رسله يأمرونه بالخروج من بين أظهرهم، وكانوا قد عملوا من
الفاحشة ما لم يسبقهم به أحد من العالمين، مع تكذيبهم نبيهم، وردهم
عليه ما جاءهم به من النصيحة من ربهم، وأمرت الرسل أن ينزلوا على
إبراهيم، وأن يبشروه وسارة بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فلما نزلوا
على إبراهيم وكان الضيف قد حبس عنه خمس عشرة ليلة حتى شق ذلك عليه-
فيما يذكرون- لا يضيفه أحد، ولا يأتيه، فلما رآهم سر بهم رأى ضيفا لم
يضفه مثلهم حسنا وجمالا، فقال: لا يخدم هؤلاء القوم أحد إلا أنا بيدي،
فخرج إلى أهله، فجاء كما قال الله عز وجل: «بِعِجْلٍ سَمِينٍ» قد حنذه-
والحناذ: الإنضاج يقول الله جل ثناؤه: «جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ» فقربه
إليهم، فأمسكوا أيديهم
(1/248)
عنه، «فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا
تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً» حين لم
يأكلوا من طعامه، «قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ
لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ» ساره «قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ» لما عرفت من أمر الله
عز وجل، ولما تعلم من قوم لوط، فبشروها «بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ
إِسْحاقَ يَعْقُوبَ» بابن، وبابن ابن، فقالت- وصكت وجهها، يقال: ضربت
على جبينها: «يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ» إلى قوله:
«إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» وكانت سارة يومئذ- فيما ذكر لي بعض أهل
العلم- ابنة تسعين سنة، وإبراهيم ابن عشرين ومائة سنة، فلما ذهب عن
إبراهيم الروع وجاءته البشرى بإسحاق ويعقوب ولد من صلب إسحاق وأمن ما
كان يخاف، قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ
إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ» .
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال:
أخبرني وهب بن سليمان، عن شعيب الجبائي، قال: ألقي إبراهيم في النار
وهو ابن ست عشرة سنة، وذبح إسحاق وهو ابن سبع سنين، وولدته سارة وهي
ابنة تسعين سنة، وكان مذبحه من بيت إيليا على ميلين، فلما علمت سارة
بما أراد بإسحاق مرضت يومين، وماتت اليوم الثالث، وقيل:
ماتت سارة وهي ابنة مائة وسبع وعشرين سنة.
حَدَّثَنِي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا
(1/249)
أسباط، عن السدي، قال: بعث الله الملائكة
لتهلك قوم لوط، فأقبلت تمشي في صورة رجال شباب، حتى نزلوا على إبراهيم،
فتضيفوه، فلما رآهم إبراهيم أجلهم، فراغ إلى أهله، فجاء بعجل سمين
فذبحه، ثم شواه في الرضف وهو الحنيذ حين شواه، وأتاهم فقعد معهم، وقامت
سارة تخدمهم، فذلك حين يقول جل ثناؤه: «وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ وَهُوَ
جَالِسٌ» في قراءة ابن مسعود، فلما قربه إليهم قال: ألا تأكلون! قالوا:
يا إبراهيم، إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن، قال: فإن لهذا ثمنا، قالوا:
وما ثمنه؟ قال: تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره، فنظر
جبرئيل إلى ميكائيل، فقال: حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا، «فَلَمَّا رَأى
أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ» يقول: لا يأكلون، «نَكِرَهُمْ
وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً» ، فلما نظرت إليه سارة أنه قد أكرمهم
وقامت هي تخدمهم ضحكت وقالت: عجبا لأضيافنا! هؤلاء إنا نخدمهم بأنفسنا
تكرمة لهم، وهم لا يأكلون طعامنا!
(1/250)
ذكر أمر بناء البيت
. قال: ثم إن الله عز وجل أمر إبراهيم بعد ما ولد له إسماعيل وإسحاق-
فيما ذكر- ببناء بيت له يعبد فيه، ويذكر فلم يدر إبراهيم في أي موضع
يبني، إذ لم يكن بين له ذلك، فضاق بذلك ذرعا، فقال بعض أهل العلم: بعث
الله إليه السكينة لتدله على موضع البيت، فمضت به السكينة، ومع إبراهيم
هاجر زوجته وابنه إسماعيل، وهو طفل صغير.
وقال بعضهم: بل بعث الله اليه جبرئيل ع، حتى دله على موضعه، وبين له ما
ينبغي أن يعمل.
ذكر من قال: الذي بعثه الله إليه لذلك السكينة:
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ:
[أَنَّ رَجُلا قَامَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: أَلا
تُخْبِرُنِي عَنِ الْبَيْتِ، أَهُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ فِي
الأَرْضِ؟ فَقَالَ: لا، وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ فِي
الْبركَةِ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا، وَإِنْ
شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ كَيْفَ بُنِيَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ
أَوْحَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَنِ ابْنِ لِي بَيْتًا فِي الأَرْضِ،
فَضَاقَ إِبْرَاهِيمُ بِذَلِكَ ذَرْعًا، فَأَرْسَلَ عَزَّ وَجَلَّ
السَّكِينَةَ، وَهِيَ رِيحٌ خَجُوجٌ وَلَهَا رَأْسَانِ، فَاتَّبَعَ
أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مَكَّةَ فَتَطَوَّتْ
عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ كَتَطَوِّي الْحَيَّةِ، وَأَمَرَ
إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَبْنِي حَيْثُ تَسْتَقِرُّ السَّكِينَةُ، فَبَنَى
إِبْرَاهِيمُ وَبَقِيَ حَجَرٌ، فَذَهَبَ الْغُلامُ يَبْنِي شيئا، فقال
ابراهيم: أَبْغِنِي حَجَرًا كَمَا آمُرُكَ، فَانْطَلَقَ الْغُلامُ
يَلْتَمِسُ لَهُ حَجَرًا، فَأَتَاهُ بِهِ، فَوَجَدَهُ قَدْ رَكَّبَ
الْحَجَرَ الأَسْوَدَ فِي مَكَانِهِ، فَقَالَ: يَا أَبَتِ، مَنْ
أَتَاكَ بِهَذَا الْحَجَرِ؟ فَقَالَ: أَتَانِي بِهِ مَنْ لَمْ
يَتَّكِلْ عَلَى بِنَائِكَ، أَتَانِي بِهِ جبرئيل مِنَ السَّمَاءِ
فَأَتَمَّاهُ]
(1/251)
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ وَابْنُ
الْمُثَنَّى، قَالا: حَدَّثَنَا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق،
عن حارثة بن مضرب، [عن على ع قَالَ: لَمَّا أُمِرَ إِبْرَاهِيمُ
بِبِنَاءِ الْبَيْتِ خَرَجَ مَعَهُ إِسْمَاعِيلُ وَهَاجَرُ، فَلَمَّا
قَدِمَ مَكَّةَ رَأَى عَلَى رَأْسِهِ فِي مَوْضِعِ الْبَيْتِ مِثْلَ
الْغَمَامَةِ فِيهِ مِثْلُ الرَّأْسِ، فَكَلَّمَهُ، وَقَالَ: يَا
إِبْرَاهِيمُ، ابْنِ عَلَى ظِلِّي- أَوْ عَلَى قَدْرِي- وَلا تَزِدْ
وَلا تَنْقُصْ، فَلَمَّا بَنَى خَرَجَ وَخَلَفَ إِسْمَاعِيلَ
وَهَاجَرَ، فَقَالَتْ هَاجَرُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، إِلَى مَنْ
تَكِلُنَا؟ قَالَ:
إِلَى اللَّهِ، قَالَتِ: انْطَلِقْ فَإِنَّهُ لا يُضَيِّعُنَا، قَالَ:
فَعَطِشَ إِسْمَاعِيلُ عَطَشًا شديدا، فصعدت هاجر الصَّفَا، فَنَظَرَتْ
فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ
شَيْئًا، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى الصَّفَا، فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ
شَيْئًا، حَتَّى فَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَقَالَتْ: يَا
إِسْمَاعِيلُ، مُتْ حَيْثُ لا أَرَاكَ فَأَتَتْهُ وَهُوَ يَفْحَصُ
بِرِجْلِهِ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَادَاهَا جَبْرَائِيلُ، فَقَالَ: مَنْ
أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا هَاجَرُ، أُمُّ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
إِلَى مَنْ وَكَلَكُمَا؟ قَالَتْ: وَكَلَنَا إِلَى اللَّهِ، قَالَ:
وَكَلَكُمَا إِلَى كَافٍ، قَالَ: فَفَحَصَ الْغُلامُ الأَرْضَ
بِإِصْبَعِهِ، فَنَبَعَتْ زَمْزَمُ، فَجَعَلَتْ تَحْبِسُ الْمَاءَ،
فَقَالَ: دَعِيهِ، فَإِنَّهَا رِوَاءٌ] .
حَدَّثَنِي مُوسَى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا عهد الله إلى
إبراهيم وإسماعيل: أن طهرا بيتي للطائفين، انطلق إبراهيم حتى أتى مكة،
فقام هو واسماعيل، وأخذ المعاول لا يدريان أين البيت، فبعث الله عز وجل
ريحا يقال لها ريح الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية، فكنست لهما ما
حول الكعبة عن أساس البيت الأول، واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا
الأساس، فذلك حين يقول عز وجل: «وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ
الْبَيْتِ»
(1/252)
وَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حدثني محمد بن إسحاق، عن الحسن بن
عُمَارَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خَالِدِ بن عرعرة، [عن على
ابن ابى طالب ع أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ
إِبْرَاهِيمَ بِعِمَارَةِ الْبَيْتِ وَالأَذَانِ بِالْحَجِّ فِي
النَّاسِ خَرَجَ مِنَ الشَّامِ وَمَعَهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ، وَأُمُّ
إِسْمَاعِيلَ هاجر، وبعث الله معه السكينة، وهي رِيحٌ لَهَا لِسَانٌ
تَكَلَّمُ بِهِ، يَغْدُو مَعَهَا إِبْرَاهِيمُ إِذَا غَدَتْ، وَيَرُوحُ
مَعَهَا إِذَا رَاحَتْ، حَتَّى انْتَهَتْ بِهِ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا
أَتَتْ مَوْضِعَ الْبَيْتِ اسْتَدَارَتْ بِهِ، ثُمَّ قَالَتْ
لإِبْرَاهِيمَ: ابْنِ عَلَيَّ، ابْنِ عَلَيَّ، ابْنِ عَلَيَّ، فَوَضَعَ
إِبْرَاهِيمُ الأَسَاسَ وَرَفَعَ الْبَيْتَ هُوَ وَإِسْمَاعِيلُ،
حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى مَوْضِعِ الرُّكْنِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ
لإِسْمَاعِيلَ: يَا بُنَيَّ، ابْغِ لِي حَجَرًا أَجْعَلُهُ عَلَمًا
لِلنَّاسِ، فَجَاءَهُ بِحَجَرٍ، فَلَمْ يَرْضَهُ وَقَالَ: ابْغِنِي
غَيْرَ هَذَا، فَذَهَبَ إِسْمَاعِيلُ لِيَلْتَمِسَ لَهُ حَجَرًا،
فَجَاءَهُ وَقَدْ أُتِيَ بِالرُّكْنِ، فَوَضَعَهُ فِي مَوْضِعِهِ،
فَقَالَ: يَا أَبَتِ، مَنْ جَاءَكَ بِهَذَا الْحَجَرِ؟ قَالَ: مَنْ
لَمْ يَكِلْنِي إِلَيْكَ يَا بُنَيَّ] .
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الَّذِي خَرَجَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ من الشام
لدلالته على موضع البيت جبرئيل ع، وَقَالُوا: كَانَ إِخْرَاجُهُ
هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ إِلَى مَكَّةَ لِمَا كَانَ مِنْ غَيْرَةِ
سَارَّةَ بِسَبَبِ وِلادَةِ هَاجَرَ مِنْهُ إِسْمَاعِيلَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن
السدي بالإسناد الذي قد ذكرناه أن سارة قالت لإبراهيم: تسر هاجر، فقد
أذنت لك فوطئها، فحملت بإسماعيل، ثم إنه وقع على سارة فحملت بإسحاق،
فلما ولدته وكبر اقتتل هو وإسماعيل، فغضبت سارة
(1/253)
على أم إسماعيل، وغارت عليها، فأخرجتها، ثم
إنها دعتها فأدخلتها ثم غضبت أيضا فأخرجتها ثم أدخلتها، وحلفت لتقطعن
منها بضعة، فقالت:
أقطع أنفها، أقطع أذنها، فيشينها ذلك، ثم قالت: لا بل أخفضها، فقطعت
ذلك منها، فاتخذت هاجر عند ذلك ذيلا تعفي به عن الدم، فلذلك خفضت
النساء، واتخذت ذيولا، ثم قالت: لا تساكني في بلد وأوحى الله إلى
إبراهيم أن يأتي مكة، وليس يومئذ بمكة بيت، فذهب بها إلى مكة وابنها
فوضعهما، وقالت له هاجر: إلى من تركتنا هاهنا؟ ثم ذكر خبرها، وخبر
ابنها.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
حَدَّثَنَا عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد وغيره من أهل العلم أن الله
عز وجل لما بوأ لإبراهيم مكان البيت ومعالم الحرم، فخرج وخرج معه
جبرئيل، يقال: كان لا يمر بقرية إلا قال: بهذه امرت يا جبرئيل: فيقول:
جبرئيل:
امضه، حتى قدم به مكة، وهي إذ ذاك عصاه سلم وسمر، وبها أناس يقال لهم
العماليق، خارج مكة وما حولها، والبيت يومئذ ربوة حمراء مدره، فقال
ابراهيم لجبرئيل: اهاهنا أمرت أن أضعهما؟ قال: نعم، فعمد بهما إلى موضع
الحجر، فأنزلهما فيه، وأمر هاجر أم إسماعيل أن تتخذ فيه عريشا فقال:
«رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ
عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ» إلى- «لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» ثم
انصرف إلى أهله بالشام وتركهما عند البيت، قال: فظمئ إسماعيل ظمأ
شديدا، فالتمست له أمه ماء فلم تجده، فاستسمعت: هل تسمع صوتا؟ لتلتمس
له شرابا، فسمعت كالصوت عند الصفا، فأقبلت حتى قامت عليه فلم تر شيئا،
ثم سمعت صوتا نحو المروة،
(1/254)
فأقبلت حتى قامت عليه فلم تر شيئا، ويقال:
بل قامت على الصفا تدعو الله وتستغيثه لإسماعيل، ثم عمدت إلى المروة
ففعلت ذلك ثم إنها سمعت أصوات سباع الوادي نحو إسماعيل حيث تركته،
فأقبلت إليه تشتد، فوجدته يفحص الماء بيده من عين قد انفجرت من تحت
يده، فشرب منها، وجاءتها أم إسماعيل فجعلتها حسيا، ثم استقت منها في
قربتها تذخره لإسماعيل، فلولا الذي فعلت ما زالت زمزم معينا طاهرا
ماؤها أبدا قال مجاهد: ولم نزل نسمع أن زمزم هزمه جبرئيل بعقبه
لإسماعيل حين ظمئ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنُ
بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ،
عَنْ أَيُّوبَ، قَالَ: نُبِّئْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ
حَدَّثَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ لَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ
مِنْ نِسَاءِ الْعَرَبِ جَرَّ الذُّيُولِ لَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
لَمَّا فَرَّتْ مِنْ سَارَةَ أَرْخَتْ ذَيْلَهَا لِتُعْفِيَ أَثَرَهَا،
فَجَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَمَعَهَا إِسْمَاعِيلُ حَتَّى انْتَهَى
بِهِمَا إِلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ، فَوَضَعَهُمَا ثُمَّ رَجَعَ،
فَاتَّبَعَتْهُ فَقَالَتْ: إِلَى أَيِّ شَيْءٍ تَكِلُنَا؟ إِلَى
طَعَامٍ تَكِلُنَا؟ إِلَى شَرَابٍ تَكِلُنَا؟ لا يَرُدُّ عَلَيْهَا
شَيْئًا، فَقَالَتْ:
آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذًا لا
يُضَيِّعُنَا، قَالَ: فَرَجَعَتْ وَمَضَى حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى
ثَنِيَّةِ كُدَاءٍ، أَقْبَلَ عَلَى الْوَادِي فَقَالَ: «رَبَّنا إِنِّي
أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ
الْمُحَرَّمِ» الآيَةَ قَالَ: وَمَعَ الإِنْسَانَةِ شَنَّةٌ فِيهَا
مَاءٌ، فَنَفِذَ الْمَاءُ، فَعَطِشَتْ فَانْقَطَعَ لَبَنُهَا، فَعَطِشَ
الصَّبِيُّ فَنَظَرَتْ: أَيُّ الْجِبَالِ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ،
فَصَعِدَتِ الصَّفَا فَتَسَمَّعَتْ:
هَلْ تَسْمَعُ صَوْتًا، أَوْ تَرَى أَنِيسًا؟ فَلَمْ تَسْمَعْ شَيْئًا
فَانْحَدَرَتْ، فَلَمَّا
(1/255)
أَتَتْ عَلَى الْوَادِي سَعَتْ- وَمَا
تُرِيدُ السَّعْيَ- كَالإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ الَّذِي يَسْعَى وَمَا
يُرِيدُ السَّعْيَ، فَنَظَرَتْ أَيُّ الْجِبَالِ أَدْنَى إِلَى
الأَرْضِ، فَصَعِدَتِ الْمَرْوَةَ، فَتَسَمَّعَتْ: هَلْ تَسْمَعُ
صَوْتًا أَوْ تَرَى أَنِيسًا؟ فَسَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ
كَالإِنْسَانِ الَّذِي يُكَذِّبُ سَمِعَهُ: صَهٍ! حَتَّى
اسْتَيْقَنَتْ، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَنِي صَوْتَكَ فَأَغِثْنِي،
فَقَدْ هَلَكْتُ وَهَلَكَ مَنْ مَعِي، فَجَاءَ الْمَلَكُ بِهَا حَتَّى
انْتَهَى بِهَا إِلَى مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَضَرَبَ بِقَدَمِهِ
فَفَارَتْ عَيْنًا، فَعَجِلَتِ الإِنْسَانَةُ تُفْرِغُ فِي شَنَّتِهَا،
[فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: رَحِمَ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ،
لَوْلا أَنَّهَا عَجَّلَتْ لَكَانَتْ زَمْزَمَ عَيْنًا مَعِينًا] .
وَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لا تَخَافِي الظَّمَأَ عَلَى أَهْلِ هَذَا
الْبَلَدِ، فإنها عين يشرب ضيفان الله منها، وَقَالَ: إِنَّ أَبَا
هَذَا الْغُلامِ سَيَجِيءُ فَيَبْنِيَانِ لِلَّهِ بَيْتًا هَذَا
مَوْضِعُهُ.
قَالَ: وَمَرَّتْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ تُرِيدُ الشَّامَ، فَرَأَوُا
الطَّيْرَ عَلَى الْجَبَلِ، فَقَالُوا:
إِنَّ هَذَا الطَّيْرَ لَعَائِفٌ عَلَى مَاءٍ، فَهَلْ عَلِمْتُمْ
بِهَذَا الْوَادِي مِنْ مَاءٍ؟ فَقَالُوا: لا، فَأَشْرَفُوا فَإِذَا
هُمْ بِالإِنْسَانَةِ، فَأَتَوْهَا فَطَلَبُوا إِلَيْهَا أَنْ
يَنْزِلُوا مَعَهَا، فَأَذِنَتْ لَهُمْ، قَالَ: وَأَتَى عَلَيْهَا مَا
يَأْتِي عَلَى هَؤُلاءِ النَّاسِ مِنَ الْمَوْتِ، فَمَاتَتْ
وَتَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ امْرَأَةً مِنْهُمْ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ
فَسَأَلَ عَنْ مَنْزِلِ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى دُلَّ عَلَيْهِ فَلَمْ
يَجِدْهُ، وَوَجَدَ امْرَأَةً لَهُ فَظَّةً غَلِيظَةً، فَقَالَ لَهَا:
إِذَا جَاءَ زوجك فقولي له: جاء هاهنا شَيْخٌ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا
وَكَذَا، وَإِنَّهُ يَقُولُ لَكَ: إِنِّي لا أَرْضَى لَكَ عَتَبَةَ
بَابِكَ فحولها، وانطلق فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَتْهُ
فَقَالَ: ذَلِكَ أَبِي، وَأَنْتِ عَتَبَةُ بَابِي فَطَلَّقَهَا،
وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى منهم، وجاء ابراهيم حتى
(1/256)
انْتَهَى إِلَى مَنْزِلِ إِسْمَاعِيلَ
فَلَمْ يَجِدْهُ وَوَجَدَ امْرَأَةً لَهُ سَهْلَةً طَلِيقَةً فَقَالَ
لَهَا:
أَيْنَ انْطَلَقَ زَوْجُكِ؟ فَقَالَتِ: انْطَلَقَ إِلَى الصَّيْدِ،
قَالَ: فَمَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتِ:
اللَّحْمُ وَالْمَاءُ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي
لَحْمِهِمْ وَمَائِهِمْ، ثَلاثًا وَقَالَ لها: إذا جاء زوجك فاخبريه،
قولي له جاء هاهنا شَيْخٌ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَكَذَا، وَإِنَّهُ
يَقُولُ لَكَ: قَدْ رَضِيتُ لَكَ عَتَبَةَ بَابِكَ، فَأَثْبِتْهَا،
فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَتْهُ، قَالَ: ثُمَّ جَاءَ
الثَّالِثَةَ، فَرَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بن
السائب، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ
إِبْرَاهِيمُ نَبِيُّ اللَّهِ بِإِسْمَاعِيلَ وَهَاجَرَ فَوَضَعَهُمَا
بِمَكَّةَ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فلما مضى نادته هاجر: يا ابراهيم،
انما أَسْأَلُكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ: مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تَضَعَنِي
بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا زَرْعٌ وَلا ضَرْعٌ وَلا أَنِيسٌ وَلا مَاءٌ
وَلا زَادٌ؟ قَالَ: رَبِّي أَمَرَنِي، قَالَتْ: فَإِنَّهُ لَنْ
يُضَيِّعَنَا، قَالَ: فَلَمَّا قَفَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: «رَبَّنا
إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَما نُعْلِنُ» يَعْنِي مِنَ الْحُزْنِ
«وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي
السَّماءِ» فَلَمَّا ظَمِئَ إِسْمَاعِيلُ جَعَلَ يَدْحَصُ الأَرْضَ
بِعَقِبِهِ فَذَهَبَتْ هَاجَرُ حَتَّى عَلَتِ الصَّفَا، وَالْوَادِي
يَوْمَئِذٍ لأخ- يعنى عمبق- فَصَعِدَتِ الصَّفَا، فَأَشْرَفَتْ
لِتَنْظُرَ: هَلْ تَرَى شَيْئًا؟ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَانْحَدَرَتْ
فَبَلَغَتِ الْوَادِي، فَسَعَتْ فِيهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْهُ،
فَأَتَتِ الْمَرْوَةَ فَصَعِدَتْ فَاسْتَشْرَفَتْ: هَلْ تَرَى شَيْئًا؟
فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ
جَاءَتْ مِنَ الْمَرْوَةِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ، وَهُوَ يَدْحَصُ
الأَرْضَ بِعَقِبِهِ، وَقَدْ نَبَعَتِ الْعَيْنُ
(1/257)
وَهِيَ زَمْزَمُ، فَجَعَلَتْ تَفْحَصُ
الأَرْضَ بِيَدِهَا عَنِ الْمَاءِ، وَكُلَّمَا اجْتَمَعَ مَاءٌ
أَخَذَتْهُ بِقَدَحِهَا، فَأَفْرَغَتْهُ في سقائها، قال: [فقال النبي
ص:
يَرْحَمُهَا اللَّهُ! لَوْ تَرَكَتْهَا لَكَانَتْ عَيْنًا سَائِحَةً
تَجْرِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ] .
قَالَ: وَكَانَتْ جُرْهُمُ يَوْمَئِذٍ بِوَادٍ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ،
قَالَ: وَلَزِمَتِ الطَّيْرُ الْوَادِي حِينَ رَأَتِ الْمَاءَ،
فَلَمَّا رَأَتْ جُرْهُمُ الطَّيْرَ لَزِمَتِ الْوَادِي، قَالُوا مَا
لَزِمَتْهُ إِلا وَفِيهِ مَاءٌ، فَجَاءُوا إِلَى هَاجَرَ، فَقَالُوا:
لو شئت كنا معك وآنسناك والماء ماؤك، قَالَتْ: نَعَمْ! فَكَانُوا
مَعَهَا حَتَّى شَبَّ إِسْمَاعِيلُ وَمَاتَتْ هَاجَرُ، فَتَزَوَّجَ
إِسْمَاعِيلُ امْرَأَةً مِنْ جُرْهُمَ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَ
إِبْرَاهِيمُ سَارَّةَ أَنْ يَأْتِيَ هَاجَرَ، فأذنت له، وشرطت عليه
الا يَنْزِلَ، وَقَدِمَ إِبْرَاهِيمُ- وَقَدْ مَاتَتْ هَاجَرُ- إِلَى
بَيْتِ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟
قَالَتْ: ليس هاهنا، ذَهَبَ يَتَصَيَّدُ، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ
يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ فَيَتَصَيَّدُ ثُمَّ يَرْجِعُ، فَقَالَ
إِبْرَاهِيمُ:
هَلْ عِنْدَكِ ضِيَافَةٌ؟ هَلْ عِنْدَكِ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ؟
قَالَتْ: لَيْسَ عِنْدِي وَمَا عِنْدِي أَحَدٌ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ:
إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَأَقْرِئِيهِ السَّلامَ، وَقُولِي لَهُ:
فَلْيُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، وَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَجَاءَ
إِسْمَاعِيلُ، فَوَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: هَلْ
جَاءَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: جَاءَنِي شَيْخٌ صِفَتُهُ كَذَا- وَكَذَا
كَالْمُسْتَخِفَّةِ بِشَأْنِهِ- قَالَ: فَمَا قَالَ لَكِ؟ قَالَتْ:
قَالَ لِي: أَقْرِئِي زَوْجَكِ السَّلامَ، وَقُولِي لَهُ:
فَلْيُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ أُخْرَى،
فَلَبِثَ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ
اسْتَأْذَنَ سَارَّةَ أَنْ يَزُورَ إِسْمَاعِيلَ، فَأَذِنَتْ لَهُ
وَاشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَلا يَنْزِلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى
انْتَهَى إِلَى بَابِ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: أَيْنَ
صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ:
ذَهَبَ يَتَصَيَّدُ وَهُوَ يَجِيءُ الآنَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ،
فَانْزِلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ! قَالَ لَهَا: هَلْ عِنْدَكِ ضِيَافَةٌ؟
قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكِ خُبْزٌ أَوْ بُرٌّ أَوْ شَعِيرٌ
أَوْ تَمْرٌ؟
قَالَ: فَجَاءَتْ بِاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ، فَدَعَا لَهُمَا
بِالْبَرَكَةِ، فَلَوْ جَاءَتْ يَوْمَئِذٍ بِخُبْزٍ
(1/258)
او بر او شعير او تمر لكانت اكثر ارض الله
برا وشعيرا وتمرا، فَقَالَتِ:
انْزِلْ حَتَّى أَغْسِلَ رَأْسَكَ، فَلَمْ يَنْزِلْ، فَجَاءَتْهُ
بِالْمَقَامِ فَوَضَعَتْهُ عَنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ، فَوَضَعَ قَدَمَهُ
عَلَيْهِ فَبَقِيَ أَثَرُ قَدَمِهِ عَلَيْهِ، فَغَسَلَتْ شِقَّ
رَأْسِهِ الأَيْمَنَ، ثُمَّ حَوَّلَتِ الْمَقَامَ إِلَى شقه الأيسر،
فغسلت شِقِّهِ الأَيْسَرِ، فَقَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ
فَأَقْرِئِيهِ السَّلامَ، وَقُولِي لَهُ: قَدِ اسْتَقَامَتْ عَتَبَةُ
بَابِكَ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ وَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ، فَقَالَ
لامْرَأَتِهِ: هَلْ جَاءَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، شَيْخٌ أَحْسَنُ
النَّاسِ وَجْهًا وَأَطْيَبَهُمْ رِيحًا، فَقَالَ لِي: كَذَا وَكَذَا،
وَقُلْتُ لَهُ: كَذَا وَكَذَا، وَغَسَلْتُ رَأْسَهُ، وَهَذَا مَوْضِعُ
قَدَمَيْهِ عَلَى الْمَقَامِ، قَالَ: وَمَا قَالَ لَكِ؟ قَالَتْ: قَالَ
لِي: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَأَقْرِئِيهِ السَّلامَ، وَقُولِي لَهُ:
قَدِ اسْتَقَامَتْ عَتَبَةُ بَابِكَ، قَالَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ،
فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ وَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ، فَبَنَاهُ هُوَ واسماعيل، فلما بنياه
قيل: «أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ» ، فجعل لا يمر بقوم الا قال:
يا ايها النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ بُنِيَ لَكُمْ بَيْتٌ فَحُجُّوهُ،
فَجَعَلَ لا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ، لا صَخْرَةٌ وَلا شَجَرَةٌ وَلا شَيْءٌ
إِلا قَالَ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لبيك قال: وَكَانَ بَيْنَ قَوْلِهِ:
«رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ
عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ» ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ
وَإِسْحاقَ» كَذَا وَكَذَا عَامًا، لَمْ يَحْفَظْ عَطَاءٌ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كَثِيرَ بْنَ
كَثِيرٍ يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: جَاءَ- يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ- فَوَجَدَ إِسْمَاعِيلَ يُصْلِحُ
نَبْلا لَهُ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا
إِسْمَاعِيلُ، إِنَّ رَبَّكَ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ
بَيْتًا، فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ: فَأَطِعْ رَبَّكَ فِيمَا
أَمَرَكَ، فَقَالَ ابراهيم:
(1/259)
قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ
قَالَ: إِذًا أَفْعَلُ، قَالَ: فَقَامَ مَعَهُ، فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ
يَبْنِيهِ وَإِسمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَيَقُولانِ:
«رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ،
فَلَمَّا ارْتَفَعَ الْبُنْيَانُ وَضَعُفَ الشَّيْخُ عَنْ رَفْعِ
الْحِجَارَةِ قَامَ عَلَى حَجَرٍ، وَهُوَ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ،
فَجَعَلَ يُنَاوِلُهُ وَيَقُولانِ: «تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» .
فَلَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ الَّذِي أَمَرَهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبِنَائِهِ، أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُؤَذِّنَ
فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَقَالَ لَهُ: «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ
كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ- فِيمَا ذَكَرَ لَنَا- مَا
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ
قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَالَ: لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ، قِيلَ
لَهُ: أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ: يَا رَبِّ، وَمَا
يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قال: اذن وعلى البلاغ، فنادى ابراهيم: يا ايها
النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ،
قَالَ: فَسَمِعَهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ: أَفَلا تَرَى
النَّاسَ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ يُلَبُّونَ! حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ
بْنِ غَزْوَانَ الضَّبِّيُّ، عَنْ عَطَاءِ بن السائب، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَنَى إِبْرَاهِيمُ
الْبَيْتَ أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ: أَنْ أَذِّنْ فِي
النَّاسِ بِالْحَجِّ، قَالَ:
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ قَدِ اتَّخَذَ بَيْتًا،
وَأَمَرَكُمْ أَنْ تَحُجُّوهُ، فَاسْتَجَابَ لَهُ مَا سَمِعَهُ مِنْ
شَيْءٍ، مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ أَكَمَةٍ أَوْ تُرَابٍ أَوْ
شَيْءٍ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ! حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ واضح، قال: حدثنا الحسين ابن وَاقِدٍ،
عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،
قَوْلَهُ: «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ» ، قال: قام ابراهيم ع
خليل الله على الحجر فنادى:
(1/260)
يا ايها النَّاسُ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْحَجَّ، فَأَسْمَعَ مَنْ فِي أَصْلابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ
النِّسَاءِ، فَأَجَابَهُ مَنْ آمَنَ مِمَّنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ
أَنْ يَحُجَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ
لَبَّيْكَ! حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سفيان، عن سلمة، عن مجاهد، قال: قيل
لإبراهيم: أذن في الناس بالحج، فقال:
يا رب، كيف أقول؟ قال: قل: لبيك اللهم لبيك، قال: فكانت أول التلبية.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عمر
ابن عبد الله بن عروة، أن عبد الله بن الزبير قال لعبيد بن عمير
الليثي: كيف بلغك أن إبراهيم دعا إلى الحج؟ قال: بلغني أنه لما رفع هو
وإسماعيل قواعد البيت، وانتهى إلى ما أراد الله من ذلك، وحضر الحج
استقبل اليمن، فدعا إلى الله وإلى حج بيته فأجيب: أن لبيك اللهم لبيك!
ثم استقبل المشرق فدعا إلى الله وإلى حج بيته فأجيب: أن لبيك اللهم! ثم
إلى المغرب فدعا إلى الله وإلى حج بيته، فأجيب: أن لبيك اللهم لبيك! ثم
إلى الشام فدعا إلى الله عز وجل وإلى حج بيته فأجيب أن لبيك اللهم
لبيك، ثم خرج بإسماعيل وهو معه يوم التروية، فنزل به منى ومن معه من
المسلمين، فصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة، ثم بات بهم
حتى أصبح، فصلى بهم صلاة الفجر، ثم غدا بهم إلى عرفة، فقال بهم هنالك،
حتى إذا مالت الشمس جمع بين الصلاتين: الظهر والعصر، ثم راح بهم إلى
الموقف من عرفة، فوقف بهم على الأراك، وهو الموقف من عرفة الذي يقف
عليه الإمام يريه ويعلمه، فلما غربت الشمس دفع به وبمن معه حتى أتى
المزدلفة، فجمع فيها بين الصلاتين:
المغرب والعشاء الآخرة، ثم بات بها وبمن معه، حتى إذا طلع الفجر صلى
بهم صلاة الغداة، ثم وقف به على قزح من المزدلفة فيمن معه، وهو الموقف
(1/261)
الذي يقف به الإمام حتى إذا أسفر دفع به
وبمن معه يريه ويعلمه كيف يصنع، حتى رمى الجمرة الكبرى، وأراه المنحر
من منى، ثم نحر وحلق، ثم أفاض به من منى ليريه كيف يطوف، ثم عاد به إلى
منى ليريه كيف يرمي الجمار، حتى فرغ له من الحج وأذن به في الناس.
قال أبو جعفر: وقد روى عن رسول الله ص وعن بعض اصحابه ان جبرئيل هو
الذي كان يري إبراهيم المناسك إذا حج ذكر الرواية بذلك عن رسول الله:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
موسى- وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الأَحْمَسِيُّ، قال:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى- قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ أَبِي مليكة، عن عبد الله بن عمرو، [عن
النبي ص قال:
اتى جبرئيل إِبْرَاهِيمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَرَاحَ بِهِ إِلَى
مِنًى، فَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ
وَالْعِشَاءَ الآخِرَةَ وَالْفَجْرَ بِمِنًى، ثُمَّ غَدَا بِهِ إِلَى
عَرَفَاتٍ، فَأَنْزَلَهُ الأَرَاكَ- أَوْ حَيْثُ يَنْزِلُ النَّاسُ-
فَصَلَّى بِهِ الصَّلاتَيْنِ جَمِيعًا: الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، ثُمَّ
وَقَفَ بِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ كَأَعْجَلِ مَا يُصَلِّي أَحَدٌ مِنَ
النَّاسِ الْمَغْرِبَ، أَفَاضَ حَتَّى أَتَى بِهِ جَمْعًا، فَصَلَّى
بِهِ الصَّلاتَيْنِ جَمِيعًا: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ أَقَامَ
حَتَّى إِذَا كَانَ كَأَعْجَلِ مَا يُصَلِّي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ
الْفَجْرَ صَلَّى بِهِ، ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى إِذَا كَانَ كَأَبْطَأ مَا
يُصَلِّي أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْفَجْرَ أَفَاضَ بِهِ إِلَى
مِنًى، فَرَمَى الْجَمْرَةَ، ثُمَّ ذَبَحَ وَحَلَقَ، ثُمَّ أَفَاضَ
إِلَى الْبَيْتِ، ثُمَّ أَوْحَى الله عز وجل الى محمد ص: «أَنِ
اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ]
» .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص نحوه
(1/262)
ثم إن الله تعالى ذكره ابتلى خليله ابراهيم
ع بذبح ابنه.
واختلف السلف من علماء أمة نبينا ص في الذي أمر إبراهيم بذبحه من
ابنيه، فقال بعضهم: هو إسحاق بن إبراهيم، وقال بعضهم: هو إسماعيل بن
إبراهيم، وقد روي عن رسول الله ص كلا القولين، لو كان فيهما صحيح لم
نعده إلى غيره، غير أن الدليل من القرآن على صحة الرواية التي رويت عنه
ص أنه قال: هو إسحاق أوضح وأبين منه على صحة الأخرى.
والرواية التي رويت عنه أنه قال: هو إسحاق حَدَّثَنَا بِهَا أَبُو
كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنِ الحسن بن
دينار، عن علي بن زيد بْنِ جُدْعَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ
بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنِ [النبي
ص فِي حَدِيثٍ ذُكِرَ فِيهِ: «وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» قَالَ:
هُوَ إِسْحَاقُ] .
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ أَصْلَحَ
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعَبَّاسِ
غَيْرُ مرفوع الى رسول الله ص.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ
الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بن عبد
المطلب: «وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» قَالَ: هُوَ إِسْحَاقُ
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ أَنَّهُ هُوَ
إِسْمَاعِيلُ، فَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ الرَّازِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْخَطَّابِيُّ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُتْبِيِّ مِنْ وَلَدِ عُتْبَةَ بْنِ
أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
سَعِيدٍ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، قَالَ: كُنَّا عند معاويه
(1/263)
ابن أَبِي سُفْيَانَ، فَذَكَرُوا
الذَّبِيحَ: إِسْمَاعِيلَ أَوْ إِسْحَاقَ؟ فَقَالَ: عَلَى الْخَبِيرِ
سَقَطْتُمْ، كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ الله ص، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، عُدَّ على مما أفاء الله عليك يا بن الذبيحين،
فضحك رسول الله ص، فَقِيلَ لَهُ: [وَمَا الذَّبِيحَانِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ لَمَّا أَمَرَ بِحَفْرِ
زَمْزَمَ نَذَرَ لِلَّهِ: لِئَنْ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهَا
لَيَذْبَحَنَّ أَحَدَ وَلَدِهِ، قَالَ: فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى
عَبْدِ اللَّهِ، فَمَنَعَهُ أَخْوَالُهُ وَقَالُوا: افْدِ ابْنَكَ
بِمِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ، فَفَدَاهُ بِمِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ
وَإِسْمَاعِيلُ الثَّانِي] .
وَنَذْكُرُ الآنَ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ إِنَّهُ إِسْحَاقُ، وَمَنْ
قَالَ إِنَّهُ إِسْمَاعِيلُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ هُوَ إِسْحَاقُ:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ
مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ
الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: «وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عظيم»
قَالَ: هُوَ إِسْحَاقُ.
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الطَّحَّانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ دَاوُدَ ابن أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ إِبْرَاهِيمُ
هُوَ إِسْحَاقُ.
حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ،
قَالَ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الذَّبِيحُ هُوَ إِسْحَاقُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ،
عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَفَدَيْناهُ
بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» قَالَ: هُوَ إِسْحَاقُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر،
قال: حدثنا شعبة، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، قَالَ:
افْتَخَرَ رَجُلٌ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَنَا فُلانُ ابْنُ
فُلانِ ابْنِ الأَشْيَاخِ الْكِرَامِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ
يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إسحاق، ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله
(1/264)
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا إبراهيم بن
المختار، قال: حدثنا محمد ابن إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ جَارِيَةَ
الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ كَعْبٍ، فِي قَوْلِهِ:
«وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» قَالَ:
مِنَ ابْنِهِ إِسْحَاقَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، قَالَ: حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الله بن أبي بكر، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ
الْعَلاءِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيِّ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ، أَنَّ الَّذِي أُمِرَ
بِذَبْحِهِ إِبْرَاهِيمُ مِنَ ابْنَيْهِ إِسْحَاقَ.
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِي
سُفْيَانَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيَّ، أَخْبَرَهُ
أَنَّ كَعْبًا قَالَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: أَلا أُخْبِرُكَ عَنْ
إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّبِيِّ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
بَلَى، قَالَ كَعْبٌ: لَمَّا أُرِيَ إِبْرَاهِيمُ ذَبْحَ إِسْحَاقَ،
قَالَ الشَّيْطَانُ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ أَفْتِنْ عِنْدَ هَذَا آلَ
إِبْرَاهِيمَ لا أَفْتِنْ أَحَدًا مِنْهُمْ أَبَدًا، فَتَمَثَّلَ
الشَّيْطَانُ لَهُمْ رَجُلا يَعْرِفُونَهُ، فَأَقْبَلَ حَتَّى إِذَا
خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْحَاقَ لِيَذْبَحَهُ دَخَلَ عَلَى سَارَّةَ
امْرَأَةِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ أَصْبَحَ إِبْرَاهِيمُ
غَادِيًا بِإِسْحَاقَ؟ قَالَتْ: غَدَا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، قَالَ
الشَّيْطَانُ: لا وَاللَّهِ مَا لِذَلِكَ غَدَا بِهِ، قَالَتْ
سَارَّةُ: فَلِمَ غَدَا بِهِ؟
قَالَ: غَدَا بِهِ لِيَذْبَحَهُ، قَالَتْ سَارَّةُ: لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ
شَيْءٌ، لَمْ يَكُنْ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ، قَالَ الشَّيْطَانُ: بَلَى
وَاللَّهِ، قَالَتْ سَارَّةُ: فَلِمَ يَذْبَحُهُ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ
رَبَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَتْ ساره: فهذا حسن بِأَنْ يُطِيعَ
رَبَّهُ إِنْ كَانَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ.
فَخَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنْ عِنْدِ سَارَّةَ حَتَّى أَدْرَكَ إِسْحَاقَ
وَهُوَ يَمْشِي عَلَى أَثَرِ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ أَصْبَحَ
أَبُوكَ غَادِيًا بِكَ؟ قَالَ: غَدَا بِي لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، قَالَ
الشَّيْطَانُ: لا وَاللَّهِ، مَا غَدَا بِكَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ،
وَلَكِنَّهُ غَدَا بِكَ لِيَذْبَحَكَ
(1/265)
قَالَ إِسْحَاقُ: مَا كَانَ أَبِي
لِيَذْبَحَنِي، قَالَ: بَلَى، قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ
رَبَّهُ امره بذلك، قال إسحاق: فو الله لِئَنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ
لَيُطِيعَنَّهُ، فَتَرَكَهُ الشَّيْطَانُ وَأَسْرَعَ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: أَيْنَ أَصْبَحْتَ غَادِيًا بِابْنِكَ؟ قَالَ:
غَدَوْتُ بِهِ لِبَعْضِ حَاجَتِي، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا غَدَوْتَ
بِهِ إِلا لِتَذْبَحَهُ، قَالَ: لِمَ أَذْبَحُهُ؟
قَالَ: زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ أَمَرَكَ بذلك، قال: فو الله لِئَنْ
كَانَ أَمَرَنِي رَبِّي لأَفْعَلَنَّ، قَالَ: فَلَمَّا أَخَذَ
إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ لِيَذْبَحَهُ وَسَلَّمَ إِسْحَاقُ أَعْفَاهُ
اللَّهُ، وَفَدَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لإِسْحَاقَ:
قُمْ أَيْ بُنَيَّ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْفَاكَ، فَأَوْحَى اللَّهُ
إِلَى إِسْحَاقَ: إِنِّي أُعْطِيكَ دَعْوَةً أَسْتَجِيبُ لَكَ فِيهَا،
قَالَ إِسْحَاقُ: اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَدْعُوكَ أَنْ تَسْتَجِيبَ لِي:
أَيُّمَا عَبْدٍ لَقِيَكَ من الأولين والآخرين لا يشرك بك شَيْئًا
فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ.
حَدَّثَنِي عمرو بن علي، قال، حَدَّثَنَا أبو عاصم، قال: حَدَّثَنَا
سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، قال:
[قال موسى: يا رب، يقولون يا إله ابراهيم وإسحاق ويعقوب، فيم قالوا
ذلك؟ قال:
إن إبراهيم لم يعدل بي شيئا قط إلا اختارني عليه، وإن إسحاق جاد لي
بالذبح وهو بغير ذلك أجود، وإن يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظن] .
حَدَّثَنَا ابن بشار، قال: حَدَّثَنَا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن زيد
ابن أسلم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه قال: [قال موسى: أي رب
بم أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما أعطيتهم؟ فذكر نحوه] .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ، قَالَ: هُوَ
إِسْحَاقُ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي
الْهُذَيْلِ، قَالَ: الذَّبِيحُ هُوَ إِسْحَاقُ.
حَدَّثَنَا أبو كريب، قال: حَدَّثَنَا سفيان بن عقبة، عن حمزة الزيات،
عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، قال: قال يوسف للملك في وجهه ترغب
(1/266)
أن تأكل معي، وأنا والله يوسف بن يعقوب نبي
الله بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله! حَدَّثَنَا أبو كريب،
قال: حَدَّثَنَا وكيع، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ابن أبي الهذيل، قال:
قال يوسف للملك، فذكر نحوه.
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا
أسباط، عن السدي، في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس-
وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب النبي ص، ان ابراهيم
ع أُرِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: أَوْفِ نَذْرَكَ الَّذِي
نَذَرْتَ: إِنْ رَزَقَكَ اللَّهُ غُلامًا مِنْ سَارَّةَ أَنْ
تَذْبَحَهُ.
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا
زَكَرِيَّاءُ وَشُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَسْرُوقٍ فِي
قَوْلِهِ: «وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» قَالَ:
هُوَ إِسْحَاقُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ هُوَ إِسْمَاعِيلُ:
حَدَّثَنَا أبو كريب وإسحاق بن إِبْرَاهِيمَ بن حبيب بن الشهيد، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ ثُوَيْرٍ،
عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ،، قَالَ:
الذَّبِيحُ إِسْمَاعِيلُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا بَيَانٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
«وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» ، قَالَ: إِسْمَاعِيلُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ
السُّكَّرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
(1/267)
قَالَ: إِنَّ الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ
إِبْرَاهِيمُ إِسْمَاعِيلُ.
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ
زَيْدٍ، عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ
مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ، يَعْنِي:
«وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» .
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
هُوَ إِسْمَاعِيلُ.
وحدثني بِهِ يَعْقُوبُ مَرَّةً أُخْرَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
عُلَيَّةَ، قَالَ: سُئِلَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ: أَيُّ ابْنَيْ
إِبْرَاهِيمَ أُمِرَ بِذَبْحِهِ؟ فَزَعَمَ أَنَّ الشَّعْبِيَّ قَالَ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جعفر،
قال: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي، فَدَاهُ اللَّهُ بِذِبْحٍ
عَظِيمٍ، قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ.
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ:
«وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» ، قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ.
وحدثني يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ:، حَدَّثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ
أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ:
الْمُفَدَّى إِسْمَاعِيلُ، وَزَعَمَتِ الْيَهُودُ أَنَّهُ إِسْحَاقُ،
وَكَذَبَتِ الْيَهُودُ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ
يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الَّذِي فَدَاهُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ
حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ
(1/268)
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ
عَامِرٍ، قَالَ: الَّذِي أَرَادَ إِبْرَاهِيمُ ذَبْحَهُ إِسْمَاعِيلُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى،
قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هذه الآية
«وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» ، قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ، قَالَ:
وَكَانَ قَرْنَا الْكَبْشِ مَنُوطَيْنِ بِالْكَعْبَةِ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: الذَّبِيحُ
إِسْمَاعِيلُ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ
قَرْنَيِ الْكَبْشِ فِي الْكَعْبَةِ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ
مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ،
عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قَالَ: هُوَ
إِسْمَاعِيلُ.
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هشم، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ:
«وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» ، قَالَ: هُوَ إِسْمَاعِيلُ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: سمعت
محمد بن كعب القرظي وهو يقول: إن الذي أمر الله عز وجل إبراهيم بذبحه
من ابنيه إسماعيل، وإنا لنجد ذلك في كتاب الله عز وجل في قصة الخبر عن
إبراهيم وما أمر به من ذبح ابنه، أنه إسماعيل، وذلك أن الله عز وجل
يقول حين فرغ من قصة المذبوح من ابني إبراهيم قال: «وَبَشَّرْناهُ
بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ» ويقول: «فَبَشَّرْناها
بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ
(1/269)
يَعْقُوبَ» ، يقول: بابن وابن ابن، فلم يكن
يأمره بذبح إسحاق، وله فيه من الله من الموعود ما وعده، وما الذي أمر
بذبحه إلا إسماعيل حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، قال:
حدثنا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ بن
فروة الأسلمي، عن محمد بن كعب القرظي، أنه حدثهم أنه ذكر ذلك لعمر بن
عبد العزيز، وهو خليفة إذ كان معه بالشام، فقال له عمر: ان هذا لشيء ما
كنت أنظر فيه، وإني لأراه كما قلت، ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام
كان يهوديا فأسلم، فحسن إسلامه، وكان يرى أنه من علماء اليهود فسأله
عمر بن عبد العزيز عن ذلك قال محمد بن كعب القرظي: وأنا عند عمر بن عبد
العزيز، فقال له عمر: أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟
فقال: إسماعيل، والله يا أمير المؤمنين، إن يهود لتعلم بذلك، ولكنهم
يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه،
والفضل الذي ذكره الله منه لصبره على ما أمر به، فهم يجحدون ذلك،
ويزعمون أنه إسحاق، لأن إسحاق أبوهم.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الحسن بن
دينار وعمرو بن عبيد، عن الحسن بن أبي الحسن البصري، أنه كان لا يشك في
ذلك أن الذي أمر بذبحه من ابني إبراهيم إسماعيل.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: قال محمد بن إسحاق: سمعت
محمد بن كعب القرظي يقول ذلك كثيرا.
وأما الدلالة من القرآن التي قلنا إنها على أن ذلك إسحاق أصح، فقوله
تعالى مخبرا عن دعاء خليله إبراهيم حين فارق قومه مهاجرا إلى ربه الى
الشام مع زوجته
(1/270)
ساره، فقال: «إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي
سَيَهْدِينِ. رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ» ، وذلك قبل أن يعرف
هاجر، وقبل أن تصير له أم إسماعيل، ثم أتبع ذلك ربنا عز وجل الخبر عن
إجابته دعاءه، وتبشيره إياه بغلام حليم، ثم عن رؤيا إبراهيم أنه يذبح
ذلك الغلام حين بلغ معه السعى، ولا يعلم في كتاب ذكر لتبشير ابراهيم
بولد ذكر إلا بإسحاق، وذلك قوله: «وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ
فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ» وقوله:
«فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ
عَلِيمٍ. فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها
وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ» ثم ذلك كذلك في كل موضع ذكر فيه تبشير
إبراهيم بغلام، فإنما ذكر تبشير الله إياه به من زوجته سارة، فالواجب
أن يكون ذلك في قوله: «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ» نظير ما في
سائر سور القرآن من تبشيره اياه به من زوجته سارة.
وأما اعتلال من اعتل بأن الله لم يكن يأمر إبراهيم بذبح إسحاق، وقد
أتته البشارة من الله قبل ولادته بولادته وولادة يعقوب منه من بعده،
فإنها علة غير موجبة صحة ما قال، وذلك أن الله إنما أمر إبراهيم بذبح
إسحاق بعد إدراك إسحاق السعي وجائز أن يكون يعقوب ولد له قبل أن يؤمر
أبوه بذبحه، وكذلك لا وجه لاعتلال من اعتل في ذلك بقرن الكبش أنه رآه
معلقا في الكعبة، وذلك أنه غير مستحيل أن يكون حمل من الشام إلى الكعبة
فعلق هنالك
ذكر الخبر عن صفه فعل ابراهيم وابنه الذي أمر بذبحه فيما كان أمر به من
ذلك والسبب الذي من أجله أمر إبراهيم بذبحه
والسبب في أمر الله عز وجل ابراهيم بذبح ابنه الذي أمره بذبحه فيما ذكر
أنه إذ فارق قومه هاربا بدينه مهاجرا إلى ربه متوجها إلى الشام من أرض
العراق دعا الله أن يهب له ولدا ذكرا صالحا من سارة فقال:
«رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ» يعنى بذلك ولدا صالحا من الصالحين
كما أخبر الله تعالى عنه فقال: «وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي
سَيَهْدِينِ. رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ» فلما نزل به أضيافه
من الملائكة الذين كانوا أرسلوا إلى المؤتفكة قوم لوط بشروه بغلام حليم
عن أمر الله تعالى إياهم بتبشيره، فقال إبراهيم إذ بشر به: هو إذا لله
ذبيح فلما ولد الغلام وبلغ السعي قيل له:
أوف بنذرك الذي نذرت لله.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ
حَمَّادٍ، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي
صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني، عن عَبْدِ اللَّهِ- وَعَنْ نَاسٍ
مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: قَالَ جبرئيل ع لِسَارَّةَ: أَبْشِرِي بِوَلَدٍ اسْمُهُ
إِسْحَاقَ، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ، فَضَرَبَتْ جَبِينَهَا
عَجَبًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: «فَصَكَّتْ وَجْهَها» وَقَالَتْ:
«أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ
عَجِيبٌ. قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ
وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ
(1/271)
الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»
قَالَتْ سَارَّةُ لِجَبْرَائِيلَ: مَا آيَةُ ذَلِكَ؟
فَأَخَذَ بِيَدِهِ عُودًا يَابِسًا فَلَوَاهُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ
فَاهْتَزَّ أَخْضَرَ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: هُوَ إِذًا لِلَّهِ
ذَبِيحٌ، فَلَمَّا كَبَرَ إِسْحَاقُ أُتِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّوْمِ
فَقِيلَ لَهُ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ الَّذِي نَذَرْتَ، إِنْ رَزَقَكَ
اللَّهُ غُلامًا مِنْ سَارَّةَ أَنْ تَذْبَحَهُ فَقَالَ لإِسْحَاقَ:
انْطَلِقْ فَقَرَّبَ قُرْبَانًا إِلَى اللَّهِ وَأَخَذَ سِكِّينًا
وَحَبْلا، ثُمَّ انْطَلَقَ مَعَهُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ بِهِ بَيْنَ
الْجِبَالِ قَالَ لَهُ الْغُلامُ: يَا أَبَتِ، أَيْنَ قُرْبَانُكَ؟
قَالَ: يَا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى
قَالَ: يَا أَبَتِ افْعَلْ ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من
الصَّابِرِينَ، قَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: اشْدُدْ ربَاطِي حَتَّى لا
أَضْطَرِبَ وَاكْفِفْ عَنْ ثِيَابِكَ حَتَّى لا يَنْتَضِحَ عَلَيْهَا
مِنْ دَمِي شَيْءٌ فَتَرَاهُ سَارَّةُ فَتَحْزَنَ، وَأَسْرِعْ مَرَّ
السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِي لِيَكُونَ أَهْوَنَ لِلْمَوْتِ عَلَيَّ،
وَإِذَا أَتَيْتَ سَارَّةَ فَاقْرَأْ عليها السلام فاقبل عليه ابراهيم
ع يُقَبِّلُهُ وَقَدْ رَبَطَهُ وَهُوَ يَبْكِي، وَإِسْحَاقُ يَبْكِي،
حَتَّى اسْتَنْقَعَ الدُّمُوعَ تَحْتَ خَدِّ إِسْحَاقَ، ثُمَّ إِنَّهُ
جَرَّ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ فَلَمْ يَحُكَّ السِّكِّينُ،
وَضَرَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَفِيحَةً مِنْ نَحَاسٍ عَلَى حَلْقِ
إِسْحَاقَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ضَرَبَ بِهِ عَلَى جَبِينِهِ،
وَحَزَّ فِي قَفَاهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
«فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ» يَقُولُ: سَلِّمَا لِلَّهِ
الأَمْرَ، فَنُودِيَ: يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا
بِالْحَقِّ الْتَفَتَ، فَإِذَا بِكَبْشٍ، فَأَخَذَهُ وَخَلَّى عَنِ
ابْنِهِ، فَأَكَبَّ عَلَى ابْنِهِ يُقَبِّلُهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا
بُنَيَّ الْيَوْمَ وُهِبْتَ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
«وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» فَرَجَعَ إِلَى سَارَّةَ
فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، فَجَزِعَتْ سَارَّةُ وَقَالَتْ: يَا
إِبْرَاهِيمُ، أَرَدْتَ أَنْ تَذْبَحَ ابْنِي وَلا تُعْلِمْنِي!
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال:
كان إبراهيم فيما يقال إذا زارها- يعني هاجر- حمل على البراق يغدو من
(1/273)
الشام، فيقبل بمكة، ويروح من مكة، فيبيت
عند أهله بالشام، حتى إذا بلغ معه السعي، وأخذ بنفسه ورجاه لما كان
يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته أري في المنام أن يذبحه.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق عن بعض أهل
العلم أن إبراهيم حين أمر بذبح ابنه قال له: يا بني خذ الحبل والمدية،
ثم انطلق بنا إلى هذا الشعب ليحطب أهلك منه، قبل أن يذكر له شيئا مما
أمر به.
فلما وجه إلى الشعب اعترضه عدو الله إبليس ليصده عن أمر الله في صورة
رجل، فقال: أين تريد أيها الشيخ؟ قال: أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه،
فقال: والله إني لأرى الشيطان قد جاءك في منامك، فأمرك بذبح بنيك هذا،
فأنت تريد ذبحه، فعرفه إبراهيم، فقال: إليك عني، أي عدو الله، فو الله
لأمضين لأمر ربي فيه، فلما يئس عدو الله إبليس من إبراهيم اعترض
إسماعيل وهو وراء إبراهيم يحمل الحبل والشفرة، فقال له: يا غلام هل
تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال: يحطب أهلنا من هذا الشعب، قال: والله ما
يريد إلا أن يذبحك، قال: لم؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك، قال:
فليفعل ما أمره به ربه، فسمعا وطاعة فلما امتنع منه الغلام ذهب إلى
هاجر أم إسماعيل وهي في منزلها، فقال لها: يا أم إسماعيل، هل تدرين أين
ذهب إبراهيم بإسماعيل؟ قالت: ذهب به يحطبنا من هذا الشعب، قال: ما ذهب
به إلا ليذبحه، قالت: كلا هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك، قال:
إنه يزعم أن الله أمره بذلك، قالت: إن كان ربه أمره بذلك فتسليما لأمر
الله فرجع عدو الله بغيظه لم يصب من آل ابراهيم شيئا مما اراد، وقد
امتنع منه إبراهيم وآل إبراهيم بعون الله، وأجمعوا لأمر الله بالسمع
والطاعة،
(1/274)
فلما خلا إبراهيم بابنه في- الشعب وهو فيما
يزعمون شعب ثبير- قال له: «يا بُنَيَّ، إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ
أَنِّي أَذْبَحُكَ قالَ: يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ، سَتَجِدُنِي
إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ» .
قال ابن حميد: قال سلمة: قال محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم: إن
إسماعيل قال له عند ذلك: يا أبت إن أردت ذبحي فاشدد رباطي لا يصبك مني
شيء فينقص أجري، فإن الموت شديد، وإني لا آمن أن اضطرب عنده إذا وجدت
مسه، واشحذ شفرتك حتى تجهز علي فتريحني، وإذا أنت أضجعتني لتذبحني
فكبني لوجهي على جبيني ولا تضجعني لشقي، فإني أخشى إن أنت نظرت في وجهي
أن تدركك رقة تحول بينك وبين أمر الله في، وإن رأيت أن ترد قميصي على
أمي فإنه عسى أن يكون هذا أسلى لها عني، فافعل قال: يقول له إبراهيم:
نعم العون أنت يا بني على أمر الله قال: فربطه كما أمره إسماعيل
فأوثقه، ثم شحذ شفرته ثم تله للجبين واتقى النظر في وجهه، ثم أدخل
الشفرة لحلقه فقلبها الله لقفاها في يده، ثم اجتذبها إليه ليفرغ منه،
فنودي: أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، هذه ذبيحتك فداء لابنك فاذبحها
دونه، يقول الله عز وجل، «فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ» ،
وإنما تتل الذبائح على خدودها، فكان مما صدق عندنا هذا الحديث عن
إسماعيل في إشارته على أبيه بما أشار إذ قال: كبني على وجهي قوله:
«وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ.
وَنادَيْناهُ أَنْ يَا إِبْراهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا
كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ. وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ
عَظِيمٍ» .
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ
الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ، عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
خَرَجَ عَلَيْهِ كَبْشٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَدْ رَعَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ
أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، فَأَرْسَلَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَهُ فَاتَّبَعَ
الْكَبْشَ، فَأَخْرَجَهُ إِلَى الْجَمْرَةِ الأُولَى فَرَمَاهُ
بِسَبْعِ حصيات،
(1/275)
فَأَفْلَتَهُ عِنْدَهُ، فَجَاءَ
الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى، فَأَخْرَجَهُ عِنْدَهَا، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ
حَصَيَاتٍ، ثُمَّ أَفْلَتَهُ فَأَدْرَكَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ
الْكُبْرَى، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَأَخْرَجَهُ عِنْدَهَا،
ثُمَّ أَخَذَهُ فَأَتَى بِهِ الْمَنْحَرَ مِنْ مِنًى فذبحه، فو الذى
نَفْسُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ كَانَ أَوَّلَ الإِسْلامِ،
وَإِنَّ رَأْسَ الْكَبْشِ لَمُعَلَّقٌ بِقَرْنَيْهِ فِي مِيزَابِ
الْكَعْبَةِ، وَقَدْ وَخُشَ- يَعْنِي قَدْ يَبُسَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي
الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا
أُمِرَ بِالْمَنَاسِكِ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَسْعَى
فَسَابَقَهُ، فَسَبَقَهُ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ ذهب به جبرئيل ع إِلَى
جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، فَعَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ
حَصَيَاتٍ، حَتَّى ذَهَبَ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ
الْوُسْطَى، فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ، ثُمَّ
تَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَعَلَى إِسْمَاعِيلَ قَمِيصٌ أَبْيَضُ، فَقَالَ
لَهُ: يَا أَبَتِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي ثَوْبٌ تُكَفِّنَنِي فِيهِ غَيْرَ
هَذَا فَاخْلَعْهُ عنى، فاكفني فيه، فالتفت ابراهيم ع فَإِذَا هُوَ
بِكَبْشٍ أَعْيَنَ أَبْيَضَ أَقْرَنَ فَذَبَحَهُ، فَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَتْبَعُ هَذَا الضَّرْبَ مِنَ
الْكِبَاشِ.
حَدَّثَنِي محمد بن عمرو، قال: حَدَّثَنِي أبو عاصم، قال: حَدَّثَنَا
عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال، حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: «وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ» ، قال: وضع وجهه
للأرض قال: لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني، فلا تجهز علي،
اربط يدي إلى رقبتي، ثم ضع وجهي للأرض.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ
سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الطفيل، [عن على ع: «وَفَدَيْناهُ
بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» ، قَالَ:
كَبْشٌ أَبْيَضُ أَقْرَنُ أَعْيَنُ مَرْبُوطٌ بِسَمَرٍ في ثبير]
(1/276)
حدثني يونس، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» ،
قَالَ: كَبْشٌ.
قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: ذُبِحَ بِالْمَقَامِ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ: ذُبِحَ بِمِنًى فِي الْمَنْحَرِ.
حدثنا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال: الكبش الذى ذبحه ابراهيم ع هُوَ
الْكَبْشُ الَّذِي قَرَّبَهُ ابْنُ آدَمَ فَتُقُبِّلَ مِنْهُ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ:
«وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» ، قَالَ: كَانَ الْكَبْشُ الَّذِي
ذَبَحَهُ إِبْرَاهِيمُ رُعِيَ فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً،
وَكَانَ كَبْشًا أَمْلَحَ، صُوفُهُ مِثْلُ الْعِهْنِ الأَحْمَرِ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ
هِشَامٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ
عباس: «وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ» ، قَالَ:
كَانَ وَعْلا.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو ابن
عبيد، عن الحسن أنه كان يقول: ما فدي إسماعيل إلا بتيس كان من الأروى،
أهبط عليه من ثبير، وما يقول الله: «وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ»
لذبيحته فقط، ولكنه الذبح على دينه، فتلك السنة إلى يوم القيامة،
فاعلموا أن الذبيحة تدفع ميتة السوء، فضحوا عباد الله.
وقد قال أمية بن أبي الصلت في السبب الذي من أجله أمر إبراهيم بذبح
ابنه شعرا، ويحقق بقيله ما قال في ذلك الرواية التي رويناها عن السدي،
وأن ذلك كان من إبراهيم عن نذر كان منه، فأمره الله بالوفاء به، فقال:
ولإبراهيم الموفي بالنذر ... احتسابا وحامل الاجزال
(1/277)
بكره لم يكن ليصبر عنه ... أو يراه في معشر
اقيال
أي بني إني نذرتك ... لله شحيطا فاصبر فدى لك خالي
واشدد الصفد لا أحيد عن السكين ... حيد الأسير ذي الأغلال
وله مدية تخايل في اللحم ... جذام حنية كالهلال
بينما يخلع السرابيل عنه ... فكه ربه بكبش جلال
فخذن ذا فأرسل ابنك إني ... للذي قد فعلتما غير قال
والد يتقي وآخر مولود ... فطارا منه بسمع فعال
ربما تجزع النفوس من الأمر ... له فرجة كحل العقال
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ واضح، قال:
حدثنا الحسين- يعني ابن واقد- عن زيد، عن عكرمه: قوله عز وجل:
«فَلَمَّا أَسْلَما» :
قال: أسلما جميعا لأمر الله، رضي الغلام بالذبح ورضي الأب بأن يذبحه.
قال: يا أبت اقذفني للوجه كيلا تنظر إلي فترحمني، وأنظر أنا إلى الشفرة
فأجزع، ولكن أدخل الشفرة من تحتي، وامض لأمر الله، فذلك قوله تعالى:
«فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ» ، فلما فعل ذلك ناديناه
«أَنْ يَا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ»
ذكر ابتلاء الله ابراهيم بكلمات
وكان ممن امتحن الله به ابراهيم ع وابتلاه به- بعد ابتلائه إياه بما
كان من أمره وأمر نمرود بن كوش، ومحاولته إحراقه بالنار وابتلائه بما
كان من أمره إياه بذبح ابنه، بعد أن بلغ معه السعي ورجا نفعه ومعونته
على ما يقربه من ربه عز وجل ورفعه القواعد من البيت، ونسكه المناسك-
ابتلاؤه جل جلاله بالكلمات التي أخبر الله عنه أنه ابتلاه بهن فقال:
«وَإِذِ ابْتَلى
(1/278)
إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ» وقد اختلف السلف من علماء الأمة في هذه الكلمات التي
ابتلاه الله بهن فأتمهن، فقال بعضهم: ذلك ثلاثون سهما، وهي شرائع
الإسلام ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ في قوله تعالى: «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِماتٍ» ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُبْتَلَ أَحَدٌ بهذا
الدين فأقامه الا ابراهيم ع، ابْتَلاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِكَلِمَاتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ، قَالَ: فَكَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْبَرَاءَةَ
فَقَالَ: «وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى» : عَشْرٌ مِنْهَا فِي
الأَحْزَابِ، وَعَشْرٌ مِنْهَا فِي بَرَاءَةَ، وَعَشْرٌ مِنْهَا فِي
الْمُؤْمِنِينَ، وَسَأَلَ سَائِلٌ، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الإِسْلامَ
ثَلاثُونَ سَهْمًا.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
خَالِدٌ الطَّحَّانُ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا ابْتُلِيَ أَحَدٌ بِهَذَا الدِّينِ فقام به كله
غير ابراهيم ع، ابْتُلِيَ بِالإِسْلامِ فَأَتَمَّهُ، فَكَتَبَ اللَّهُ
لَهُ الْبَرَاءَةَ فقال: «وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى» ، فَذَكَرَ
عَشْرًا فِي بَرَاءَةَ «التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ»
وعشرا في الأحزاب: «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ» وعشرا في
سوره المؤمنين إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَالَّذِينَ هُمْ عَلى
صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ» ، وَعَشْرًا فِي سَأَلَ سائِلٌ:
«وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ»
(1/279)
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ
الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ،
عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الإِسْلامُ ثَلاثُونَ
سَهْمًا، وَمَا ابْتُلِيَ أَحَدٌ بِهَذَا الدِّينِ فَأَقَامَهُ إِلا
إِبْرَاهِيمُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى»
، فَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ عَشْرُ خِصَالٍ مِنْ سُنَنِ الإِسْلامِ،
خَمْسٌ مِنْهُنَّ فِي الرَّأْسِ، وَخَمْسٌ فِي الْجَسَدِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا
مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
«وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ» ، قَالَ: ابْتَلاهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالطَّهَارَةِ: خَمْسٍ فِي الرَّأْسِ وَخَمْسٍ
فِي الْجَسَدِ، فِي الرَّأْسِ قَصُّ الشَّارِبِ، وَالْمَضْمَضَةُ،
وَالاسْتِنْشَاقُ، وَالسِّوَاكُ، وَفَرْقُ الرَّأْسِ وَفِي الْجَسَدِ
تَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَالْخِتَانُ، وَنَتْفُ
الإِبِطِ، وَغَسْلُ أَثَرِ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ بِالْمَاءِ.
حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ
مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي
بَزَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ
يَذْكُرْ أَثَرَ الْبَوْلِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو هلال، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ في
قوله تعالى: «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ» ، قال:
ابتلاه بالختان، وحلق العانة، وغسل القبل والدبر، والسواك، وقص الشارب،
وتقليم الأظفار، ونتف الإبط قال أبو هلال: ونسيت خصلة.
حَدَّثَنِي عبدان المروزي، قال: حَدَّثَنَا عمار بن الحسن، قال: حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن مطر، عن أبي الجلد، قال: ابتلى
(1/280)
ابراهيم ع بعشره أشياء هن في الإنسان سنة:
المضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، والسواك، ونتف الإبط، وتقليم
الأظفار، وغسل البراجم، والختان، وحلق العانة، وغسل الدبر والفرج.
وقال آخرون نحو قول هؤلاء، غير أنهم قالوا: ست من العشر في جسد
الإنسان، وأربع منهن في المشاعر ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ،
عَنِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ حَنَشٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ
عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ» ، قَالَ: سِتٌّ فِي الإِنْسَانِ وَأَرْبَعٌ فِي
الْمَشَاعِرِ، فَالَّتِي فِي الإِنْسَانِ: حَلْقُ الْعَانَةِ،
وَالْخِتَانُ، وَنَتْفُ الإِبِطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ
الشَّارِبِ، وَالْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَرْبَعٌ فِي
الْمَشَاعِرِ:
الطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصفاء والمروة، ورمى الجمار،
والإفاضة.
وقال آخرون: بل ذلك قوله: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً» ،
وَمَنَاسِكُ الْحَجِّ.
ذكر من قال ذلك:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قال:
سمعت اسماعيل ابن أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: قَوْلُهُ:
«وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ» ،
مِنْهُنَّ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً وَآيَاتُ النُّسُكِ
حَدَّثَنِي أبو السائب، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ:
سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بن أبي خالد، عن أبي صالح، مولى أم هانئ في
قوله: «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ» ، قال: منهن
«إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً» ، ومنهن آيات النسك
(1/281)
«وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ
مِنَ الْبَيْتِ» .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عاصم،
قال: حدثنى عيسى ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: «وَإِذِ ابْتَلى
إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ» قال: قال الله
لإبراهيم: إني مبتليك بأمر فما هو؟ قال: تجعلني للناس إماما، قال: نعم،
«قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» ،
قال:
تجعل البيت مثابة للناس، قال: نعم، قال: وتجعل هذا البلد أمنا، قال:
نعم، قال: وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، قال:
نعم، قال: وترينا مناسكنا وتتوب علينا، قال: نعم، قال: وترزق أهله من
الثمرات من آمن منهم؟ قال: نعم.
حَدَّثَنِي القاسم، قال: حَدَّثَنَا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن
جريج، عن مجاهد بنحوه قال ابن جريج: فاجتمع على هذا القول مجاهد
وعكرمة.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ،
عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «وَإِذِ ابْتَلى
إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ» ، قَالَ: ابْتُلِيَ
بِالآيَاتِ الَّتِي بَعْدَهَا: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً
قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» .
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نَجِيحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِ
عِكْرِمَةُ، قَالَ: فَعَرَضْتُهُ عَلَى مُجَاهِدٍ فَلَمْ يُنْكِرْهُ.
حَدَّثَنِي موسى بْنُ هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: الْكَلِمَاتُ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِنَّ
إِبْرَاهِيمُ: «رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ
(1/282)
أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنا
وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً
لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ
الرَّحِيمُ رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ» .
حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه،
عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِماتٍ» قال:
الكلمات: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً» ، وَقَوْلِهِ: «وَإِذْ
جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً» ، وقوله:
«وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى» وقوله: «وَعَهِدْنا
إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ» الآيَةَ، وَقَوْلِهِ: «وَإِذْ
يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ» الآيَةَ قَالَ
فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِنَّ
إِبْرَاهِيمُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى:
«وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ» ،
قال: منهن «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً» ، وَمِنْهُنَّ:
«وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ» ،
وَمِنْهُنَّ الآيَاتُ فِي شَأْنِ الْمَنْسَكِ وَالْمَقَامِ الَّذِي
جُعِلَ لإِبْرَاهِيمَ، وَالرِّزْقُ الَّذِي رَزَقَ سَاكِنَ الْبَيْتِ،
ومحمد ص بُعِثَ فِي ذُرِّيَّتِهِمَا.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ مَنَاسِكُ الْحَجِّ خَاصَّةً.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ نَبْهَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِماتٍ» قَالَ: مَنَاسِكُ الْحَجِّ
(1/283)
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان ابْنِ
عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِماتٍ» قَالَ: هِيَ الْمَنَاسِكُ.
حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِنَّ
إِبْرَاهِيمُ هي المناسك.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الأَهْوَازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قوله:
«وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ» ،
قَالَ: مَنَاسِكُ الْحَجِّ.
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحِمَّانِيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ.
حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن
قتادة، قال: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ابْتَلاهُ بِالْمَنَاسِكِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ ابْتَلاهُ بِأُمُورٍ مِنْهُنَّ الْخِتَانُ.
ذِكْرُ مَنْ قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ
رَبُّهُ بِكَلِماتٍ» ، قَالَ: مِنْهُنَّ الْخِتَانُ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ ابن أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ
الشَّعْبِيَّ يَقُولُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابو احمد،
قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ
الشَّعْبِيَّ- وَسَأَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ قَوْلِهِ
(1/284)
عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِذِ ابْتَلى
إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ» - قَالَ: مِنْهُنَّ الْخِتَانُ يَا
أَبَا إِسْحَاقَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ الْخِلالُ السِّتُّ: الْكَوْكَبُ،
وَالْقَمَرُ، وَالشَّمْسُ، وَالنَّارُ، وَالْهَجْرَةُ، وَالْخِتَانُ،
الَّتِي ابْتُلِيَ بِهِنَّ أَجْمَعُ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
علية، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ:
قُلْتُ لِلْحَسَنِ: «وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ» ، قَالَ: ابْتَلاهُ بِالْكَوْكَبِ فَرَضِيَ عَنْهُ،
وَابْتَلاهُ بِالْقَمَرِ فَرَضِيَ عَنْهُ، وَابْتَلاهُ بِالشَّمْسِ
فَرَضِيَ عَنْهُ، وَابْتَلاهُ بِالنَّارِ فَرَضِيَ عَنْهُ، وَابْتَلاهُ
بِالْهِجْرَةِ، وَابْتَلاهُ بِالْخِتَانِ.
حدثنا بشر، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول: إن الله ابتلاه بأمر
فصبر عليه، ابتلاه بالكوكب والشمس والقمر، فأحسن في ذلك، وعرف أن ربه
دائم لا يزول، فوجه وجهه للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما كان من
المشركين، وابتلاه بالهجرة فخرج من بلاده وقومه حتى لحق بالشام مهاجرا
إلى الله تعالى، ثم ابتلاه بالنار قبل الهجرة فصبر على ذلك، وابتلاه
بذبح ابنه وبالختان، فصبر على ذلك.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا
مَعْمَرٌ، عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «وَإِذِ
ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ» ، قال: ابتلاه بذبح ولده،
وبالنار وبالكوكب، وَبِالشَّمْسِ، وَبِالْقَمَرِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ عَنِ الْحَسَنِ: «وَإِذِ ابْتَلى
إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ» ، قَالَ: ابْتَلاهُ بِالْكَوْكَبِ،
وَبِالشَّمْسِ وَبِالْقَمَرِ، فَوَجَدَهُ صَابِرًا
(1/285)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ
الْمُخْتَارِ، قَالَ: حَدَّثَنِي غَسَّانُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ- وَهُوَ ابْنُ ثَوْبَانَ- عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ ثَمَانِينَ سنه
بالقدوم] .
وقد روى عن النبي ص في الكلمات التي ابتلي بهن إبراهيم خبران:
أحدهما: ما حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ
بْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ
الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي امامه، قال:
[قال رسول الله ص: «وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى» قَالَ: أَتَدْرُونَ
مَا وَفَّى؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: وَفَّى
عَمَلَ يَوْمِهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي النَّهَارِ] .
والآخر منهما ما حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ، عَنْ
سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
[كان النبي ص يَقُولُ: أَلا أُخْبِرُكُمْ لِمَ سَمَّى اللَّهُ
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ «الَّذِي وَفَّى» ؟ لأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
كُلَّمَا أَصْبَحَ وَكُلَّمَا أَمْسَى: «فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ
تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ» حَتَّى خَتَمَ الآيَةَ] .
فَلَمَّا عَرَفَ اللَّهُ تعالى مِنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّبْرَ عَلَى
كُلِّ مَا ابْتَلاهُ بِهِ، وَالْقِيَامَ بِكُلِّ مَا أَلْزَمَهُ مِنْ
فَرَائِضِهِ، وَإِيثَارَهُ طَاعَتَهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهَا،
اتَّخَذَهُ خَلِيلا، وَجَعَلَهُ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ خَلْقِهِ
إِمَامًا، وَاصْطَفَاهُ إِلَى خَلْقِهِ رَسُولا، وَجَعَلَ فِي
ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَالرِّسَالَةَ، وَخَصَّهُمْ
بِالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، وَالْحِكَمِ الْبَالِغَةِ، وَجَعَلَ
مِنْهُمُ الأَعْلامَ وَالْقَادَةَ وَالرُّؤَسَاءَ وَالسَّادَةَ،
كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ نَجِيبٌ خَلَفَهُ سَيِّدٌ رَفِيعٌ، وَأَبْقَى
لَهُمْ ذِكْرًا فِي الآخَرِينَ، فَالأُمَمُ كُلُّهَا تَتَوَلاهُ
وَتُثْنِي عَلَيْهِ، وَتَقُولُ بِفَضْلِهِ إِكْرَامًا مِنَ اللَّهِ
لَهُ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا، وَمَا ادخر له في الآخرة من الكرامة
(1/286)
أجل وأعظم من أن يحيط به وصف واصف
امر نمرود بن كوش بن كنعان
ونرجع الآن إلى الخبر عن عدو الله وعدو إبراهيم الذي كذب بما جاء به من
عند الله، ورد عليه النصيحة التي نصحها له جهلا منه، واغترارا بحلم
الله تعالى عنه، نمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح، وما آل إليه
أمره في عاجل دنياه حين تمرد على ربه، مع إملاء الله إياه، وتركه تعجيل
العذاب له على كفره به، ومحاولته إحراق خليله بالنار حين دعاه إلى
توحيد الله والبراءة من الآلهة والأوثان، وأن نمرود لما تطاول عتوه
وتمرده على ربه مع إملاء الله تعالى له- فيما ذكر- أربعمائة عام، لا
تزيده حجج الله التي يحتج بها عليه، وعبره التي يريها إياه إلا تماديا
في غيه، عذبه الله- فيما ذكر- في عاجل دنياه قدر إملائه إياه من المدة
بأضعف خلقه، وذلك بعوضة سلطها عليه توغلت في خياشيمه فمكث أربعمائة سنه
يعذب بها في حياته الدنيا.
ذكر الأخبار الواردة عنه بما ذكرت من جهله وما أحل الله به من نقمته:
حَدَّثَنِي الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر،
عن زيد بن أسلم، أن أول جبار كان في الأرض نمرود، وكان الناس يخرجون
فيمتارون من عنده الطعام، فخرج إبراهيم يمتار مع من يمتار، فإذا مر به
ناس قال: من ربكم؟ قالوا: أنت، حتى مر به إبراهيم، قال:
من ربك؟ قال: «رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي
وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ
(1/287)
فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ
الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ»
قال: فرده بغير طعام، قال: فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب أعفر،
فقال: هلا آخذ من هذا فآتي به أهلي فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم! فأخذ
منه، فأتى أهله قال: فوضع متاعه ثم نام، فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته
فإذا هي بأجود طعام رآه أحد، فصنعت له منه، فقربته إليه- وكان عهد أهله
ليس عندهم طعام- فقال: من أين هذا؟ قالت: من الطعام الذي جئت به، فعلم
أن الله قد رزقه، فحمد الله.
ثم بعث الله إلى الجبار ملكا: أن آمن بي وأتركك على ملكك، قال:
فهل رب غيري؟ فجاءه الثانية فقال له ذلك، فأبى عليه، ثم أتاه الثالثة
فأبى عليه، فقال له الملك: اجمع جموعك إلى ثلاثة أيام، فجمع الجبار
جموعه.
فأمر الله الملك، ففتح عليهم بابا من البعوض، فطلعت الشمس فلم يروها من
كثرتها، فبعثها الله عليهم، فأكلت لحومهم وشربت دماءهم، فلم يبق إلا
العظام، والملك كما هو لم يصبه من ذلك شيء، فبعث الله عليه بعوضة فدخلت
في منخره، فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به من
جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه وكان جبارا أربعمائة عام، فعذبه الله
أربعمائة سنة كملكه وأماته الله، وهو الذي بنى صرحا إلى السماء، فأتى
الله بنيانه من القواعد، وهو الذي قال الله: «فَأَتَى اللَّهُ
بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ» حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو
بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي
صالح، عن ابن عباس- وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ
(1/288)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَمَرَ الَّذِي
حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ بِإِبْرَاهِيمَ، فَأُخْرِجَ- يَعْنِي
مِنْ مَدِينَتِهِ- قَالَ: فَأُخْرِجَ فَلَقِيَ لُوطًا عَلَى بَابِ
الْمَدِينَةِ- وَهُوَ ابْنُ أَخِيهِ- فَدَعَاهُ فَآمَنَ بِهِ، وَقَالَ:
«إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي» ، وَحَلَفَ نُمْرُودُ أَنْ يَطْلُبَ
إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ، فَأَخَذَ أَرْبَعَةَ أَفْرُخٍ مِنْ فرَاخِ
النُّسُورِ، فَرَبَّاهُنَّ بِاللَّحْمِ وَالْخَمْرِ، حَتَّى إِذَا
كَبُرْنَ وَغَلُظْنَ وَاسْتَعْلَجْنَ، قَرَنَهُنَّ بِتَابُوتٍ،
وَقَعَدَ فِي ذَلِكَ التَّابُوتِ، ثُمَّ رَفَعَ رِجْلا مِنْ لَحْمٍ
لَهُنَّ، فَطِرْنَ بِهِ، حَتَّى إِذَا ذَهَبْنَ فِي السَّمَاءِ
أَشْرَفَ يَنْظُرُ إِلَى الأَرْضِ، فَرَأَى الْجِبَالَ تَدُبُّ
كَدَبِيبِ النَّمْلِ، ثُمَّ رَفَعَ لَهُنَّ اللَّحْمَ، ثُمَّ نَظَرَ
فَرَأَى الأَرْضَ مُحِيطًا بِهَا بَحْرٌ كَأَنَّهَا فَلْكَةٌ فِي
مَاءٍ، ثُمَّ رَفَعَ طَوِيلا فَوَقَعَ فِي ظُلْمَةٍ، فَلَمْ يَرَ مَا
فَوْقَهُ وَلَمْ يَرَ مَا تَحْتَهُ، فَفَزِعَ فَأَلْقَى اللَّحْمَ
فَاتَّبَعَتْهُ مُنْقَضَّاتٍ، فَلَمَّا نَظَرَتِ الْجِبَالُ
إِلَيْهِنَّ وَقَدْ أَقْبَلْنَ مُنْقَضَّاتٍ وَسَمِعْنَ حَفِيفَهُنَّ
فَزِعَتِ الْجِبَالُ، وَكَادَتْ أَنْ تَزُولَ مِنْ أَمْكِنَتِهَا
وَلَمْ يَفْعَلْنَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَقَدْ مَكَرُوا
مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ
لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ» ، وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ:
«وَإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ» فَكَانَ طَيَرَانُهُنَّ بِهِ مِنْ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ، وَوُقُوعُهُنَّ فِي جَبَلِ الدُّخَانِ، فَلَمَّا رَأَى
أَنَّهُ لا يُطِيقُ شَيْئًا أَخَذَ فِي بِنَاءِ الصَّرْحِ، فَبَنَى
حَتَّى إِذَا أَسْنَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ارْتَقَى فَوْقَهُ يَنْظُرَ-
بِزَعْمِهِ- إِلَى إِلَهِ إِبْرَاهِيمَ، فَأَحْدَثَ وَلَمْ يَكُنْ
يُحْدِثُ، وَأَخَذَ اللَّهُ بُنْيَانَهُ مِنَ الْقَوَاعِدِ: «فَخَرَّ
عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ
حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ» ، يقول: مِنْ مَأْمَنِهِمْ، وَأَخَذَهُمْ مِنْ
أَسَاسِ الصَّرْحِ، فَتَنَقَّضَ بهم ثم سقط فَتَبَلْبَلَتْ أَلْسُنُ
النَّاسِ مِنْ يَوْمِئِذٍ مِنَ الْفَزَعِ، فَتَكَلَّمُوا بِثَلاثَةٍ
وَسَبْعِينَ لِسَانًا، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ بَابِلَ، وَإِنَّمَا كَانَ
لِسَانُ النَّاسِ قَبْلَ ذَلِكَ السِّرْيَانِيَّةَ
(1/289)
حَدَّثَنَا ابن وكيع، قال: حَدَّثَنَا أبو
داود الحفري، عن يعقوب، عن حفص بن حميد- أو جعفر- عن سعيد بن جبير:
«وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ» ، قال: نمرود
صاحب النسور، أمر بتابوت فجعل وجعل معه رجلا ثم أمر بالنسور فاحتملته،
فلما صعد قال لصاحبه: أي شيء ترى؟ قال: أرى الماء والجزيرة- يعني
الدنيا- ثم صعد وقال لصاحبه: أي شيء ترى؟ قال: ما نزداد من السماء إلا
بعدا، قال: اهبط، وقال غيره:
نودي: أيها الطاغية، أين تريد؟ فسمعت الجبال حفيف النسور، وكانت ترى
أنه أمر من السماء فكادت تزول، فهو قوله تعالى: «وَإِنْ كانَ
مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ» .
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دَانِيلٍ، [ان عليا ع قَالَ فِي
هَذِهِ الآيَةِ: «وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ»
، قَالَ: أَخَذَ ذَلِكَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ
نِسْرَيْنِ صَغِيرَيْنِ، فَرَبَّاهُمَا حَتَّى اسْتَغْلَظَا
وَاسْتَعْلَجَا فَشَبَّا، قَالَ: فَأَوْثَقَ رِجْلَ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا بِوَتَرٍ إِلَى تَابُوتٍ، وَجَوَّعَهُمَا وَقَعَدَ هُوَ
وَرَجُلٌ آخَرَ فِي التَّابُوتِ، قَالَ: وَرَفَعَ فِي التَّابُوتِ
عَصًا عَلَى رَأْسِهِ اللَّحْمُ، فَطَارَا، وَجَعَلَ يَقُولُ
لِصَاحِبِهِ: انْظُرْ مَاذَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى كَذَا وَكَذَا،
حَتَّى قَالَ: أَرَى الدُّنْيَا كَأَنَّهَا ذُبَابٌ، فَقَالَ: صَوِّبْ،
فَصَوَّبَهَا، فَهَبِطَا قَالَ:
فَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ
مِنْهُ الْجِبالُ» قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ:
وَلِذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَإِنْ كَادَ
مَكْرُهُمْ] » .
فَهَذَا مَا ذُكِرَ مِنْ خَبَرِ نَمْرُودَ بْنِ كُوشِ بْنِ كَنْعَانَ
وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ: إِنَّ نَمْرُودَ بْنَ كُوشِ بْنِ كَنْعَانَ
هَذَا مَلَكَ مَشْرِقَ الأَرْضِ وَمَغْرِبِهَا، وَهَذَا قَوْلٌ
يَدْفَعُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِسِيَرِ الْمُلُوكِ وَأَخْبَارِ
الْمَاضِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ
(1/290)
لا يَدْفَعُونَ وَلا يُنْكِرُونَ أَنَ
مَوْلِدَ إِبْرَاهِيمَ كان في عهد الضحاك بن اندرماسب الذي قد ذكرنا
بعض أخباره فيما مضى، وأن ملك شرق الأرض وغربها يومئذ كان الضحاك وقد
قال بعض من أشكل عليه أمر نمرود ممن عرف زمان الضحاك وأسبابه فلم يدر
كيف الأمر في ذلك مع سماعه ما انتهى إليه من الأخبار عمن روي عنه أنه
قال: ملك الأرض كافران ومؤمنان، فأما الكافران فنمرود وبختنصر، وأما
المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين وقول القائلين من أهل الأخبار إن
الضحاك كان هو ملك شرق الأرض وغربها في عهد إبراهيم نمرود: هو الضحاك
وليس الأمر في ذلك عند أهل العلم بأخبار الأوائل، والمعرفة بالأمور
السوالف، كالذي ظن، لأن نسب نمرود في النبط معروف، ونسب الضحاك في عجم
الفرس مشهور، ولكن ذوي العلم بأخبار الماضين وأهل المعرفة بامور
السافلين من الأمم ذكروا أن الضحاك كان ضم إلى نمرود السواد وما اتصل
به يمنة ويسرة، وجعله وولده عماله على ذلك، وكان هو يتنقل في البلاد،
وكان وطنه الذي هو وطنه ووطن أجداده دنباوند، من جبال طبرستان، وهنالك
رمى به أفريدون حين ظفر به وقهره موثقا بالحديد وكذلك بختنصر كان
أصبهبذ ما بين الأهواز إلى أرض الروم من غربي دجلة من قبل لهراسب، وذلك
أن لهراسب كان مشتغلا بقتال الترك، مقيما بإزائهم ببلخ، وهو بناها-
فيما قيل- لما تطاول مكثه هنالك لحرب الترك، فظن من لم يكن عالما بأمور
القوم بتطاول مدة ولايتهم أمر الناحية لمن ولوا له أنهم كانوا هم
الملوك ولم يدع أحد من أهل العلم بأمور الأوائل وأخبار الملوك الماضية
وأيام الناس فيما نعلمه أن أحدا من النبط كان ملكا برأسه على شبر من
الارض، فكيف يملك شرق الأرض وغربها! ولكن العلماء من أهل الكتاب وأهل
المعرفة بأخبار الماضين ومن قد عانى النظر في كتب التأريخات، يزعمون أن
ولاية نمرود إقليم بابل من قبل الازدهاق بيوراسب دامت أربعمائة سنة، ثم
لرجل من نسله من بعد هلاك نمرود، يقال
(1/291)
له نبط بن قعود مائة سنة، ثم لداوص بن نبط
من بعد نبط ثمانين سنة، ثم من بعد داوص بن نبط لبالش بن داوص مائة
وعشرين سنة، ثم لنمرود بن بالش من بعد بالش سنة وأشهرا فذلك سبعمائة
سنة وسنة وأشهر، وذلك كله في أيام الضحاك، فلما ملك أفريدون وقهر
الازدهاق قتل نمرود بن بالش وشرد النبط وطردهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة،
لما كان منهم من معاونتهم بيوراسب على أموره، وعمل نمرود وولده له.
وقد زعم بعض أهل العلم أن بيوراسب قد كان قبل هلاكه تنكر لهم.
وتغير عما كان لهم عليه
. ذكر لوط بن هاران وقومه
ونعود الآن إلى ذكر الخبر عن بقية الاحداث التي كانت في ايام ابراهيم
ص.
وكان من الكائن أيام حياته من ذلك ما كان من أمر لوط بن هاران ابن
تارخ، ابن أخي ابراهيم ع وأمر قومه من سدوم وكان من أمره فيما ذكر أنه
شخص من أرض بابل مع عمه إبراهيم خليل الرحمن، مؤمنا به، متبعا له على
دينه، مهاجرا إلى الشام، ومعهما سارة بنت ناحور.
وبعضهم يقول: هي ساره بنت هيبال بن ناحور وشخص معهم- فيما قيل- تارخ
أبو إبراهيم مخالفا لإبراهيم في دينه، مقيما على كفره حتى صاروا إلى
حران، فمات تارخ وهو آزر أبو إبراهيم بحران على كفره وشخص إبراهيم ولوط
وسارة إلى الشام، ثم مضوا إلى مصر، فوجدوا بها فرعونا من فراعنتها، ذكر
أنه كان سنان بن علوان بن عبيد بن عويج بن عملاق بن لاوذ ابن سام بن
نوح وقد قيل إن فرعون مصر يومئذ كان أخا للضحاك، كان
(1/292)
الضحاك وجهه إليها عاملا عليها من قبله-
وقد ذكرت بعض قصته مع إبراهيم فيما مضى قبل- ثم رجعوا عودا على بدئهم
إلى الشام وذكر أن إبراهيم نزل فلسطين، وأنزل ابن أخيه لوطا الأردن،
وأن الله تعالى أرسل لوطا إلى أهل سدوم، وكانوا أهل كفر بالله وركوب
فاحشة، كما أخبر الله عن قوم لوط: «إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ
مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أَإِنَّكُمْ
لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي
نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» .
وكان قطعهم السبيل- فيما ذكر- إتيانهم الفاحشة إلى من ورد بلدهم.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابن
وهب، قال: قال ابن زيد في قوله تعالى: «وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ» ،
قال: السبيل طريق المسافر إذا مر بهم، وهو ابن السبيل قطعوا به وعملوا
به ذلك العمل الخبيث.
وأما إتيانهم ما كانوا يأتونه من المنكر في ناديهم، فإن أهل العلم
اختلفوا فيه، فقال بعضهم: كانوا يحذفون من مر بهم.
وقال بعضهم: كانوا يتضارطون في مجالسهم.
وقال بعضهم: كان بعضهم ينكح بعضا فيها.
ذكر من قال كانوا يحذفون من مر بهم:
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ واضح، قال:
حدثنا عمر ابن ابى زائده، قال: سمعت عكرمة يقول في قوله: «وَتَأْتُونَ
فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» ، قال: كانوا يؤذون أهل الطريق، يحذفون من
مر بهم
(1/293)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ عمر بن ابى زائده، قال: سمعت عكرمة، قال:
الحذف.
حَدَّثَنَا مُوسَى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا
أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس-
وعن مرة الهمداني عن ابْنِ مَسْعُودٍ- وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ الله ص: «وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» ، قَالَ:
كَانُوا كُلَّ مَنْ مَرَّ بِهِمْ حَذَفُوهُ، وَهُوَ الْمُنْكَرُ.
ذَكَرَ مَنْ قَالَ: كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ الطُّفَاوِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ
غُطَيْفٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بن مصعب، عن عروه ابن
الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَتَأْتُونَ فِي
نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» ، قَالَتِ:
الضُّرَاطُ ذِكْرُ مَنْ قَالَ كَانَ يَأْتِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي
مَجَالِسِهِمْ:
حَدَّثَنَا ابن وكيع وابن حميد، قالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ
مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: «وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ
الْمُنْكَرَ» ، قَالَ: كَانَ بَعْضُهُمْ يَأْتِي بَعْضًا فِي
مَجَالِسِهِمْ.
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ اللَّيْثِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ،
عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:
«وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» ، قَالَ: كَانَ يُجَامِعُ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْمَجَالِسِ.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ
مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
(1/294)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ،
قَالَ: كَانُوا يُجَامِعُونَ الرِّجَالَ فِي مَجَالِسِهِمْ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا
عيسى.
وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي
نجيح، عن مجاهد: «وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» ، قَالَ:
الْمَجَالِسُ، وَالْمُنْكَرُ إِتْيَانُهُمُ الرِّجَالَ.
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:
«وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» ، قَالَ: كَانُوا يَأْتُونَ
الْفَاحِشَةَ فِي نَادِيهِمْ.
حَدَّثَنِي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله:
«وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» قال: ناديهم المجالس، والمنكر
عملهم الخبيث الذي كانوا يعملونه، كانوا يعترضون الراكب فيأخذونه
فيركبونه، وقرأ: «أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ»
وقرأ: «مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ» .
وقد حَدَّثَنَا ابن وكيع، قال: حَدَّثَنَا إسماعيل بن علية، عن ابن أبي
نجيح، عن عمرو بن دينار: قوله: «مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ
الْعالَمِينَ» ، ما نزا ذكر على ذكر حتى كان قوم لوط.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: عنى بالمنكر
الذي كانوا يأتونه في ناديهم في هذا الموضع حذفهم من مر بهم وسخريتهم
منه، للخبر الوارد بذلك عن رسول الله ص، الَّذِي حَدَّثَنَاهُ أَبُو
كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ
حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ أَبِي
صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ
(1/295)
[عن رسول الله ص فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
«وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» ، قَالَ: كَانُوا يَحْذِفُونَ
أَهْلَ الطَّرِيقِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، وَهُوَ الْمُنْكَرُ الَّذِي
كَانُوا يَأْتُونَهُ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا أَبُو يُونُسَ الْقُشَيْرِيُّ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ،
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، [عَنْ أم هانئ، قالت: سالت النبي ص عن قوله:
«وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ» ، قَالَ: كَانُوا يَحْذِفُونَ
أَهْلَ الطَّرِيقِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ] حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِي صَغِيرَةَ،
قَالَ: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ بَاذَامَ أَبِي صَالِحٍ،
مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قالت:
سالت النبي ص عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: «وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ
الْمُنْكَرَ» ، فَقَالَ: كَانُوا يَجْلِسُونَ بِالطَّرِيقِ
فَيَحْذِفُونَ أَبْنَاءَ السَّبِيلِ ويسخرون منهم، فكان لوط ع
يَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَيَنْهَاهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ
إِيَّاهُ عَنِ الأُمُورِ الَّتِي كَرِهَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ
مِنْ قَطْعِ السَّبِيلِ وَرُكُوبِ الْفَوَاحِشِ وَإِتْيَانِ الذُّكُورِ
فِي الأَدْبَارِ، وَيَتَوَعَّدُهُمْ- عَلَى إِصْرَارِهِمْ عَلَى مَا
كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ مِنْ ذَلِكَ وَتَرَكِهِمُ التَّوْبَةَ
مِنْهُ- الْعَذَابُ الأَلِيمُ فَلا يَزْجُرُهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَعِيدُهُ
وَلا يَزِيدُهُمْ وَعْظُهُ إِلا تَمَادِيًا وعتوا واستعجالا لعذاب
الله، إِنْكَارًا مِنْهُمْ وَعِيدَهُ، وَيَقُولُونَ لَهُ: «ائْتِنا
بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» ، حَتَّى سَأَلَ
لُوطٌ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النُّصْرَةَ عَلَيْهِمْ لَمَّا تَطَاوَلَ
عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَأَمْرُهُمْ وَتَمَادِيهِمْ فِي غَيِّهِمْ،
فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَرَادَ خِزْيَهُمْ
وَهَلاكَهُمْ وَنُصْرَةَ رَسُولِهِ لُوطٍ عَلَيْهِمْ جبرئيل ع
وَمَلَكَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمَلَكَيْنِ الآخَرَيْنِ كَانَ أَحَدُهُمَا
مِيكَائِيلَ وَالآخَرُ إِسْرَافِيلَ
(1/296)
فَأَقْبَلُوا- فِيمَا ذُكِرَ- مُشَاةً فِي
صُورَةِ رِجَالٍ شَبَابٍ.
ذكر بعض من قال ذلك: حَدَّثَنَا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن
حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك وعن أبي
صالح، عن ابن عباس- وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود- وعن ناس من أصحاب
النبي ص: بعث الله الملائكة لتهلك قوم لوط، فأقبلت تمشي في صورة رجال
شباب، حتى نزلوا عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَتَضَيَّفُوهُ، فَكَانَ مِنْ
أَمْرِهِمْ وَأَمْرِ إِبْرَاهِيمَ مَا قَدْ مَضَى ذِكْرُنَا إِيَّاهُ
فِي خَبَرِ إِبْرَاهِيمَ وَسَارَّةَ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
الروع جاءته البشرى، واطلعته الرُّسُلُ عَلَى مَا جَاءُوا لَهُ،
وَأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُمْ لِهَلاكِ قَوْمِ لُوطٍ نَاظَرَهُمْ
إِبْرَاهِيمُ وَحَاجَّهُمْ في ذلك كما اخبر الله عنه فقال:
«فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى
يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ» .
وَكَانَ جِدَالُهُ إِيَّاهُمْ فِي ذَلِكَ- فِيمَا بَلَغَنا- مَا
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يعقوب القمي، قال: حَدَّثَنَا جعفر، عن سعيد «يُجادِلُنا
فِي قَوْمِ لُوطٍ» قال: لما جاءه جبرئيل ومن معه، قالوا لإبراهيم:
«إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا
ظالِمِينَ» قال لهم ابراهيم: اتهلكون قريه فيها أربعمائة مؤمن؟ قالوا:
لا، قال: أفتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن؟ قالوا:
لا، قال: أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن؟ قالوا: لا، قال: أفتهلكون
قرية فيها مائة مؤمن؟ قالوا: لا، قال: أفتهلكون قرية فيها أربعون
مؤمنا؟
قالوا: لا، قال: أفتهلكون قرية فيها أربعة عشر مؤمنا؟ قالوا: لا، وكان
ابراهيم يعدهم أربعة عشر بامرأة لوط، فسكت عنهم، واطمأنت نفسه
(1/297)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ، عَنِ الأعمش، عن المنهال، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ الْمَلَكُ
لإِبْرَاهِيمَ: إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةٌ يُصَلُّونَ رُفِعَ عَنْهُمُ
الْعَذَابُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد
بن ثور، عن معمر، عن قتادة: «يجادلنا في قوم لوط» قال: بلغنا أنه قال
لهم يومئذ: أرأيتم إن كان فيهم خمسون من المسلمين؟ قالوا: ان كان فيهم
خمسون لن نعذبهم، قال: وأربعون؟ قالوا: وأربعون، قال: وثلاثون؟ قالوا:
وثلاثون، حتى بلغ عشرة، قالوا: وإن كانوا عشرة؟ قال: ما من قوم لا يكون
فيهم عشرة فيهم خير، فلما علم إبراهيم حال قوم لوط بخبر الرسل قال
للرسل:
«إِنَّ فِيها لُوطاً» إشفاقا منه عليه، فقالت الرسل: «نَحْنُ أَعْلَمُ
بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ
مِنَ الْغابِرِينَ» .
ثم مضت رسل الله نحو أهل سدوم، قرية قوم لوط، فلما انتهوا إليها ذكر
أنهم لقوا لوطا في أرض له يعمل فيها، وقيل إنهم لقوا عند نهرها ابنة
لوط تستقي الماء.
ذكر من قال لقوا لوطا:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ لَمَّا
جَاءَتِ الرُّسُلُ لُوطًا أَتَوْهُ وَهُوَ فِي أَرْضٍ لَهُ يَعْمَلُ
فِيهَا، وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ: لا تُهْلِكُوهُمْ
حَتَّى يشهد عليهم لوط، قال: فاتوه فقالوا: انا مضيفوك اللَّيْلَةَ
فَانْطَلَقَ بِهِمْ فَلَمَّا مَشَى سَاعَةً الْتَفَتَ فَقَالَ: أَمَا
تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ وَاللَّهِ مَا
أَعْلَمُ عَلَى ظَهْرِ
(1/298)
الأَرْضِ أُنَاسًا أَخْبَثَ مِنْهُمْ
قَالَ: فَمَضَى مَعَهُمْ ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ مِثْلَ مَا قَالَ،
فَانْطَلَقَ بِهِمْ، فَلَمَّا بَصُرَتْ بِهِمْ عَجُوزُ السُّوءِ
امْرَأَتُهُ انْطَلَقَتْ فَأَنْذَرَتْهُمْ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بشير،
قال: حدثنا عمرو ابن قيس الملائي، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، قال: أتت
الملائكة لوطا وهو في مزرعة له، وقال الله تعالى للملائكة: إن شهد لوط
عليهم أربع شهادات، فقد أذنت لكم في هلكتهم، فقالوا: يا لوط، إنا نريد
أن نضيفك الليلة، قال: وما بلغكم أمرهم؟ قالوا: وما أمرهم؟ فقال: أشهد
بالله إنها لشر قرية في الأرض عملا، يقول ذلك أربع مرات، فشهد عليهم
لوط أربع شهادات، فدخلوا معه منزله
. ذكر من قال إنما لقيت الرسل أول ما لقيت حين دنت من سدوم ابنة لوط
دون لوط:
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا
أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس-
وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب النبي ص، قَالَ:
لَمَّا خَرَجَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ نَحْوَ
قَرْيَةِ لُوطٍ، فَأَتَوْهَا نِصْفَ النَّهَارِ، فَلَمَّا بَلَغُوا
نَهْرَ سَدُومَ لَقُوا ابْنَةَ لُوطٍ تَسْتَقِي مِنَ الْمَاءِ
لأَهْلِهَا- وَكَانَتْ لَهُ ابْنَتَانِ: اسْمُ الْكُبْرَى رِيثَا
وَاسْمُ الصُّغْرَى رعزِيَا- فَقَالُوا
(1/299)
لَهَا: يَا جَارِيَةُ، هَلْ مِنْ مَنْزِلٍ؟
قَالَتْ: نَعَمْ، فَمَكَانَكُمْ لا تَدْخُلُوا حَتَّى آتِيكُمْ،
فَرَقَّتْ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِهَا، فَأَتَتْ أَبَاهَا، فَقَالَتْ:
يَا أَبَتَاهُ، أَرَادَكَ فِتْيَانٌ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، مَا
رَأَيْتُ وُجُوهَ قَوْمٍ هِيَ أَحْسَنُ مِنْهُمْ، لا يَأْخُذُهُمْ
قَوْمُكَ فَيَفْضَحُوهُمْ- وَقَدْ كَانَ قَوْمُهُ نَهَوْهُ أَنْ
يُضَيِّفَ رَجُلا- فَقَالُوا لَهُ: خَلِّ عَنَّا فَلْنُضِفِ
الرِّجَالَ، فَجَاءَ بِهِمْ فَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ إِلا أَهْلَ بَيْتِ
لُوطٍ، فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْ قَوْمَهَا فَقَالَتْ:
إِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ رِجَالا مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُمْ وَمِثْلَ
وُجُوهِهِمْ حُسْنًا قَطُّ، فجاءه قومه يهرعون اليه.
قال ابو جعفر: فَلَمَّا أَتَوْهُ قَالَ لَهُمْ لُوطٌ: يَا قَوْمِ اتقوا
الله «وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ» ،
هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ مِمَّا تُرِيدُونَ.
فَقَالُوا لَهُ: أَوَلَمْ نَنْهَكَ أَنْ تُضَيِّفَ الرِّجَالَ! لَقَدْ
عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ، وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ
مَا نُرِيدُ! فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا عَرَضَهُ
عَلَيْهِمْ قَالَ:
«لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ» يقول
ع:
لَوْ أَنَّ لِي أَنْصَارًا يَنْصُرُونَنِي عَلَيْكُمْ أَوْ عَشِيرَةً
تَمْنَعُنِي مِنْكُمْ، لَحُلْتُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَا جِئْتُمْ
تُرِيدُونَهُ مِنْ أَضْيَافِي! حَدَّثَنِي المثنى، قال: حدثنا إسحاق بن
الحجاج، قال: حدثنا إسماعيل ابن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بن
معقل، أنه سمع وهبا يقول:
قال لوط لهم: «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ
شَدِيدٍ» ، فوجد عليه الرسل وقالوا: إن ركنك لشديد فلما يئس لوط من
إجابتهم إياه إلى شيء مما دعاهم إليه وضاق بهم ذرعا، قالت الرسل له
حينئذ: «يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ
أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ
(1/300)
إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ» ، فذكر
أن لوطا لما علم أن أضيافه رسل الله، وأنها أرسلت بهلاك قومه قال لهم:
أهلكوهم الساعة.
ذكر من روى ذلك عنه أنه قاله من أهل العلم:
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال:
مضت الرسل من عند إبراهيم إلى لوط، فلما أتوا لوطا وكان من امرهم ما
ذكر الله قال جبرئيل للوط: يا لوط، إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ
الْقَرْيَةِ، إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ فقال لهم لوط: اهلكوهم
الساعة، فقال جبرئيل ع:
«إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ» فانزلت
على لوط: «أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ» .
قال: وأمره أن يسري بأهله بقطع من الليل ولا يلتفت منهم أحد إلا
امرأته، قال: فسار فلما كانت الساعة التي أهلكوا فيها ادخل جبرئيل
جناحه في أرضهم فقلعها ورفعها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة، ونباح
الكلاب، فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل، قال: وسمعت
امراه لوط الهده فقالت: وا قوماه! فأدركها حجر فقتلها.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر
بن عطية، قال: كان لوط أخذ على امرأته ألا تذيع شيئا من سر أضيافه،
قال: فلما دخل عليه جبرئيل ومن معه ورأتهم في صورة لم تر مثلها قط
انطلقت تسعى إلى قومها، فأتت النادي فقالت بيدها هكذا، فأقبلوا يهرعون
مشيا بين الهرولة والجمز، فلما انتهوا إلى لوط قال لهم لوط ما قال الله
تعالى في كتابه قال جبرئيل: يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ
يَصِلُوا إِلَيْكَ، قال: فقال بيده، فطمس أعينهم، قال: فجعلوا
يطلبونهم، يلتمسون الحيطان وهم لا يبصرون
(1/301)
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ
حُذَيْفَةَ، قَالَ: لَمَّا بَصُرَتْ بِهِمْ- يَعْنِي بِالرُّسُلِ-
عَجُوزُ السُّوءِ، امْرَأَتُهُ، انْطَلَقَتْ فَأَنْذَرَتْهُمْ
فَقَالَتْ: قَدْ تَضَيَّفَ لُوطًا قَوْمٌ مَا رَأَيْتُ قَوْمًا
أَحْسَنَ مِنْهُمْ وُجُوهًا- قَالَ: وَلا أَعْلَمُهُ إِلا قَالَتْ:
وَأَشَدَّ بَيَاضًا وَأَطْيَبَ رِيحًا مِنْهُمْ- قَالَ: فَأَتَوْهُ
«يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ» ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ،
فَأَصْفَقَ لُوطٌ الْبَابَ.
قَالَ: فَجَعَلُوا يُعَالِجُونَهُ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَ جبرئيل
رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ، فَصَفَقَهُمْ
بِجَنَاحِهِ، فَتَرَكَهُمْ عُمْيَانًا يَتَرَدَّدُونَ فِي أَخْبَثِ
لَيْلَةٍ أَتَتْ عَلَيْهِمْ قَطُّ، فَأَخْبَرُوهُ إِنَّا رُسُلُ
رَبِّكَ، فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ:
وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَتْ مَعَ لُوطٍ حِينَ خَرَجَ مِنَ
الْقَرْيَةِ امْرَأَتُهُ، ثُمَّ سَمِعَتِ الصَّوْتَ فَالْتَفَتَتْ،
فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا حَجَرًا فَأَهْلَكَهَا.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بشير،
قال: حدثنا عمرو ابن قيس الملائي، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، قال:
انطلقت امرأته- يعني امرأة لوط- حين رأتهم- يعني حين رأت الرسل- إلى
قومها فقالت:
إنه قد ضافه الليلة قوم ما رأيت مثلهم قط أحسن وجوها، ولا أطيب ريحا.
فجاءوا يهرعون إليه فبادرهم لوط إلى أن يزحمهم على الباب فقال:
«هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ» ، فقالوا: «أَوَلَمْ
نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ» ، فدخلوا على الملائكة فتناولتهم
الملائكة، فطمست أعينهم فقالوا: يا لوط جئتنا بقوم سحرة، سحرونا كما
أنت حتى نصبح قال: فاحتمل جبرئيل قريات لوط الأربع، في كل قرية مائة
ألف، فرفعهم على جناحه بين السماء والأرض حتى سمع أهل السماء الدنيا
أصوات ديكتهم ثم قلبهم، فجعل الله عاليها سافلها
(1/302)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ وَحَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ،
جَمِيعًا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةَ:
لَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ ذَهَبَتْ عَجُوزُهُ، عَجُوزُ السُّوءِ،
فَأَتَتْ قَوْمَهَا فَقَالَتْ: قَدْ تَضَيَّفَ لُوطًا اللَّيْلَةَ
قَوْمٌ مَا رايت قوما قط احسن وجوها منهم، قال: فَجَاءُوا يُهْرَعُونَ
إِلَيْهِ، فَقَامَ مَلَكٌ فَلَزَّ الْبَابَ- يقول:
فسده- فاستأذن جبرئيل في عقوبتهم، فاذن له، فضربهم جبرئيل بِجَنَاحِهِ،
فَتَرَكَهُمْ عُمْيَانًا، فَبَاتُوا بِشَرِّ لَيْلَةٍ، ثُمَّ قَالُوا:
إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ، فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ
بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا
امْرَأَتَكَ، قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتًا،
فَالْتَفَتَتْ فَأَصَابَهَا حَجَرٌ وَهِيَ شَاذَّةٌ مِنَ الْقَوْمِ
مَعْلُومٌ مَكَانُهَا.
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا
أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس-
وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود- وعن ناس من اصحاب النبي ص: لَمَّا
قَالَ لُوطٌ: «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ
شَدِيدٍ» ، بَسَطَ حينئذ جبرئيل جَنَاحَهُ فَفَقَأَ أَعْيُنَهُمْ،
وَخَرَجُوا يَدُوسُ بَعْضُهُمْ فِي آثَارِ بَعْضٍ عُمْيَانًا،
يَقُولُونَ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ! فَإِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ أَسْحَرَ
قَوْمٍ فِي الأَرْضِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَلَقَدْ راوَدُوهُ
عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ» وَقَالُوا لِلُوطٍ: «إِنَّا
رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ
مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ» ، يَقُولُ: سِرْ
بِهِمْ فَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ، فَأَخْرَجَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى
إِلَى الشَّامِ وَقَالَ لُوطٌ: أَهْلِكُوهُمُ السَّاعَةَ، فَقَالُوا:
إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ إِلا بِالصُّبْحِ، أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ!
فَلَمَّا أَنْ كَانَ السَّحَرُ خَرَجَ لُوطٌ وَأَهْلُهُ مَعَهُ إِلا
امْرَأَتَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «إِلَّا آلَ لُوطٍ
نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ»
(1/303)
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إسماعيل بن عبد الكريم، قال:
حدثني عبد الصَّمَدِ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ:
كَانَ أَهْلُ سَدُومَ الَّذِينَ فِيهِمْ لُوطٌ قَوْمَ سُوءٍ قَدِ
اسْتَغْنَوْا عَنِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ
ذَلِكَ مِنْهُمْ بَعَثَ الْمَلائِكَةَ لِيُعَذِّبُوهُمْ، فَأَتَوْا
إِبْرَاهِيمَ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَهُ
اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، فَلَمَّا بَشَّرُوا سَارَّةَ
بِالْوَلَدِ قَامُوا، وَقَامَ مَعَهُمْ إِبْرَاهِيمُ يَمْشِي، فَقَالَ:
أَخْبِرُونِي لِمَ بُعِثْتُمْ؟ وَمَا خَطْبُكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّا
أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ سَدُومَ لِنُدَمِّرَهَا فَإِنَّهُمْ قَوْمُ
سُوءٍ، قَدِ اسْتَغْنَوْا بِالرِّجَالِ عَنِ النِّسَاءِ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهِمْ خَمْسُونَ رَجُلا
صَالِحًا؟ قَالُوا: إِذًا لا نُعَذِّبُهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ يَنْقُصُ
حَتَّى قَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ، قَالُوا: فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ بَيْتٌ
صَالِحٌ، قَالَ: فَلُوطٌ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، قَالُوا: إِنَّ
امْرَأَتَهُ هَوَاهَا مَعَهُمْ، فَلَمَّا يَئِسَ إِبْرَاهِيمُ
انْصَرَفَ وَمَضَوْا إِلَى أَهْلِ سَدُومَ فَدَخَلُوا عَلَى لُوطٍ،
فَلَمَّا رَأَتْهُمُ امْرَأَتُهُ أَعْجَبَهَا حُسْنُهُمْ
وَجَمَالُهُمْ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَنَّهُ قَدْ
نَزَلَ بِنَا قَوْمٌ لَمْ نَرَ قَوْمًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُمْ وَلا
أَجْمَلَ، فَتَسَامَعُوا بِذَلِكَ، فَغَشَوْا دَارَ لُوطٍ مِنْ كُلِّ
نَاحِيَةٍ، وَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِمُ الْجُدْرَانَ، فَلَقِيَهُمْ لُوطٌ
فَقَالَ: يَا قوم لا تفضحون فِي ضَيْفِي وَأَنَا أُزَوِّجْكُمْ
بَنَاتِي فَهُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ، فَقَالُوا: لَوْ كُنَّا نُرِيدُ
بَنَاتِكَ لَقَدْ عَرَفْنَا مَكَانَهُنَّ، فَقَالَ:
لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قوة أو آوي إلى ركن شديد فوجد عَلَيْهِ
الرُّسُلُ فَقَالُوا: إِنَّ رُكْنَكَ لَشَدِيدٌ، وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ
عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ، فَمَسَحَ أَحَدُهُمْ أَعْيُنَهُمْ بجناحه،
فَطَمَسَ أَبْصَارَهُمْ، فَقَالُوا: سُحِرْنَا، انْصَرِفُوا بِنَا
حَتَّى نَرْجِعْ إِلَيْهِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا قَدْ قَصَّ
اللَّهُ تعالى فِي الْقُرْآنِ، فَأَدْخَلَ مِيكَائِيلُ وهو صاحب العذاب
جناحيه حَتَّى بَلَغَ أَسْفَلَ الأَرْضِينَ، فَقَلَبَهَا فَنَزَلَتْ
حِجَارَةٌ من السماء، فتتبعت مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي
الْقَرْيَةِ حَيْثُ كَانُوا فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، وَنَجَّى لُوطًا
وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ.
حَدَّثَنَا أبو كريب، قال: حَدَّثَنَا جابر بن نوح، قال: حَدَّثَنَا
الأعمش، عن مجاهد، قال: أخذ جبرئيل قوم لوط من سرحهم ودورهم، حملهم
بمواشيهم وأمتعتهم، حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم كفاها
(1/304)
وحدثنا أبو كريب مرة أخرى، عن مجاهد، فقال:
ادخل جبرئيل جناحيه تحت الأرض السفلى من قوم لوط، ثم أخذهم بالجناح
الأيمن، وأخذهم من سرحهم ومواشيهم ثم رفعها.
حَدَّثَنِي المثنى، قال: حَدَّثَنَا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كان يقول: «فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا
عالِيَها سافِلَها» ، قال: لما أصبحوا غدا جبرئيل على قريتهم ففتقها من
أركانها ثم أدخل جناحيه، ثم حملها على خوافي جناحيه.
حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حَدَّثَنَا شبل، قال:
وحدثني هذا ابن أبي نجيح، عن إبراهيم بن أبي بكر، قال: ولم يسمعه ابن
أبي نجيح من مجاهد قال: فحملها على خوافي جناحيه بما فيها، ثم صعد بها
إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم قلبها، فكان أول ما سقط
منها شرافها، فذلك قوله تعالى: «فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا محمد بن ثور، عن معمر، عن
قتادة، قال: بلغنا ان جبرئيل ع أخذ بعروة القرية الوسطى ثم ألوى بها
إلى السماء، حتى سمع أهل السماء ضواغي كلابهم، ثم دمر بعضها على بعض،
فجعل عاليها سافلها، ثم أتبعتهم الحجارة قال قتادة: وبلغنا أنهم كانوا
أربعة آلاف ألف.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قال:
حَدَّثَنَا سعيد، عن
(1/305)
قتادة، قال: وذكر لنا ان جبرئيل أخذ
بعروتها الوسطى، ثم ألوى بها إلى جو السماء حتى سمعت الملائكة ضواغي
كلابهم ثم دمر بعضها على بعض، ثم أتبع شذان القوم صخرا، قال: وهي ثلاث
قرى يقال لها سدوم، وهي بين المدينة والشام، قال: وذكر لنا أنه كان
فيها أربعة آلاف ألف، قال:
وذكر لنا إن إبراهيم كان يشرف ثم يقول: سدوم يوما هالك حدثني موسى بن
هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي بالإسناد
الذي قد ذكرناه: لما أصبحوا- يعني قوم لوط- نزل جبرئيل ع واقتلع الأرض
من سبع أرضين، فحملها حتى بلغ بها السماء الدنيا، حتى سمع أهل السماء
نباح كلابهم وأصوات ديوكهم، ثم قلبها فقتلهم، فذلك حين يقول:
«والمؤتفكه اهوى» ، المنقلبه حين اهوى بها جبرئيل ع الارض فاقتلعها
بجناحيه، فمن لم يمت حين اسقط الأرض أمطر الله تعالى عليه وهو تحت
الأرض الحجارة، ومن كان منهم شاذا في الأرض، وهو قول الله تعالى:
«فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ
سِجِّيلٍ» ، ثم تتبعهم في القرى، فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر
فيقتله، فذلك قوله تعالى: «وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ
سِجِّيلٍ» .
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنِي ابن إسحاق، قال:
حَدَّثَنِي محمد بن كعب القرظي، قال: حدثت أن الله تعالى بعث جبرئيل
إلى المؤتفكة قرية قوم لوط التي كان لوط فيهم، فاحتملها بجناحيه ثم
اصعد بها حتى إن أهل السماء الدنيا ليسمعون نابحة كلابها وأصوات
دجاجها، ثم كفأها على وجهها ثم أتبعها الله عز وجل بالحجارة، يقول الله
تعالى:
(1/306)
«فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها
وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ» ، فأهلكها الله تعالى
وما حولها من المؤتفكات، وكن خمس قريات: صبعة، وصعرة، وعمرة، ودوما،
وسدوم هي القرية العظمى، ونجى الله تعالى لوطا ومن معه من أهله، إلا
امرأته كانت فيمن هلك
(1/307)
ذكر وفاة سارة بنت هاران، وهاجر أم اسماعيل
وذكر ازواج ابراهيم ع وولده
قد ذكرنا فيما مضى قبل ما قيل في مقدار عمر سارة أم إسحاق، فأما موضع
وفاتها فإنه لا يدفع أهل العلم من العرب والعجم أنها كانت بالشام.
وقيل: إنها ماتت بقرية الجبابرة من أرض كنعان في حبرون، فدفنت في مزرعة
اشتراها إبراهيم وقيل إن هاجر عاشت بعد سارة مدة فأما الخبر فبغير ذلك
ورد حَدَّثَنِي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال:
حَدَّثَنَا أسباط، عن السدي، بالإسناد الذي قد ذكرناه قبل.
ثم إن إبراهيم اشتاق إلى إسماعيل، فقال لسارة: ائذني لي أنطلق إلى ابني
فأنظر إليه، فأخذت عليه عهدا ألا ينزل حتى يأتيها، فركب البراق، ثم
أقبل وقد ماتت أم إسماعيل، وتزوج اسماعيل امراه من جرهم.
وان ابراهيم ع كثر ماله ومواشيه وكان سبب ذلك فيما حَدَّثَنَا به موسى
بن هارون، قال: حَدَّثَنَا عمرو بن حماد، قال:
حدثنا أسباط، عن السدي بالإسناد الذي قد ذكرناه قبل، أن ابراهيم ع
احتاج- وقد كان له صديق يعطيه ويأتيه- فقالت له ساره:
لو اتيت خلتك فأصبت لنا منه طعاما! فركب حمارا له، ثم أتاه، فلما أتاه
تغيب منه، واستحيا إبراهيم أن يرجع إلى أهله خائبا، فمر على بطحاء،
فملأ منها خرجه، ثم أرسل الحمار إلى أهله، فأقبل الحمار وعليه حنطة
جيده، ونام ابراهيم ع فاستيقظ، وجاء إلى أهله، فوجد سارة قد جعلت له
طعاما، فقالت: ألا تأكل؟ فقال: وهل من شيء؟
فقالت: نعم من الحنطة التي جئت بها من عند خليلك، فقال: صدقت
(1/308)
من عند خليلي جئت بها، فزرعها فنبتت له،
وزكا زرعه وهلكت زروع الناس، فكان أصل ماله منها، فكان الناس يأتونه
فيسألونه فيقول: من قال: لا إله إلا الله فليدخل فليأخذ، فمنهم من قال
فاخذ، ومنهم من أبى فرجع، وذلك قوله تعالى: «فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ
بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً» فلما
كثر مال إبراهيم ومواشيه احتاج إلى السعة في المسكن والمرعى، وكان
مسكنه ما بين قرية مدين- فيما قيل- والحجاز إلى أرض الشام، وكان ابن
أخيه لوط نازلا معه، فقاسم ماله لوطا، فأعطى لوطا شطره فيما قيل، وخيره
مسكنا يسكنه ومنزلا ينزله غير المنزل الذي هو به نازل، فاختار لوط
ناحية الأردن فصار إليها، وأقام إبراهيم ع بمكانه، فصار ذلك فيما قيل
سببا لآثاره بمكة وإسكانه إياها إسماعيل، وكان ربما دخل أمصار الشام.
ولما ماتت سارة بنت هاران زوجة إبراهيم تزوج إبراهيم بعدها- فيما
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق- قطورا بنت
يقطن، امرأة من الكنعانيين، فولدت له ستة نفر: يقسان بن إبراهيم،
وزمران بن إبراهيم، ومديان بن إبراهيم، ويسبق بن إبراهيم، وسوح بن
إبراهيم، وبسر بن إبراهيم، فكان جميع بني إبراهيم ثمانية بإسماعيل
وإسحاق، وكان اسماعيل يكره أكبر ولده قال: فنكح يقسان بن إبراهيم رعوة
بنت زمر بن يقطن بن لوذان بن جرهم بن يقطن بن عابر، فولدت له البربر
ولفها وولد زمران بن إبراهيم المزامير الذين لا يعقلون وولد لمديان أهل
مدين قوم شعيب بن ميكائيل النبي، فهو وقومه من ولده بعثه الله عز وجل
اليهم نبيا.
حدثني الحارث بْن محمد، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا
(1/309)
هشام بن محمد بن السائب، عن أبيه، قال: كان
أبو إبراهيم من أهل حران، فأصابته سنة من السنين، فأتى هرمز جرد
بالاهواز، ومعه امراته أم ابراهيم، واسمها توتا بنت كرينا بن كوثى، من
بني أرفخشد بن سام بن نوح.
وحدثني الحارث، قال: حدثنا مُحَمَّد بن سعد، قال: حدثنا محمد بن عمر
الأسلمي عن غير واحد من أهل العلم قال: اسمها أنموتا من ولد أفراهم بن
أرغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح وكان بعضهم
يقول: اسمها انمتلي بنت يكفور.
حَدَّثَنِي الحارث، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سعد، قال: أخبرنا هشام
بن محمد، عن أبيه، قال: نهر كوثى كراه كرينا جد إبراهيم من قبل أمه،
وكان أبوه على أصنام الملك نمرود فولد إبراهيم بهرمزجرد، ثم انتفل إلى
كوثى من أرض بابل، فلما بلغ إبراهيم وخالف قومه، دعاهم إلى عبادة الله،
وبلغ ذلك الملك نمرود فحبسه في السجن سبع سنين، ثم بنى له الحير بجص،
وأوقد له الحطب الجزل، وألقى إبراهيم فيه، فقال: حسبي الله ونعم
الوكيل! فخرج منها سليما لم يكلم.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حدثنا مُحَمَّد بن سعد، قال: حدثنا هشام
بن محمد، عن أبيه، عن أبي صالح، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا
هَرَبَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ كُوثَى، وَخَرَجَ مِنَ النَّارِ وَلِسَانُهُ
يَوْمَئِذٍ سِرْيَانِيٌّ، فَلَمَّا عَبَرَ الْفُرَاتَ مِنْ حَرَّانَ
غَيَّرَ اللَّهُ لِسَانَهُ فَقِيلَ: عِبْرَانِيٌّ، أَيْ حَيْثُ عَبَرَ
الْفُرَاتَ وَبَعَثَ نَمْرُودُ فِي أَثَرِهِ، وَقَالَ: لا تَدَعُوا
أَحَدًا يَتَكَلَّمُ بِالسِّرْيَانِيَّةِ إِلا جِئْتُمُونِي بِهِ،
فلقوا ابراهيم ع فَتَكَلَّمَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، فَتَرَكُوهُ وَلَمْ
يَعْرِفُوا لُغَتَهُ.
حَدَّثَنِي الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا هشام، عن ابيه
قال: فهاجر إبراهيم من بابل إلى الشام فجاءته سارة، فوهبت له نفسها
(1/310)
فتزوجها، وخرجت معه وهو يومئذ ابن سبع
وثلاثين سنة، فأتى حران، فأقام بها زمانا، ثم أتى الأردن فأقام بها
زمانا، ثم خرج إلى مصر فأقام بها زمانا، ثم رجع إلى الشام فنزل السبع
أرض بين إيليا وفلسطين واحتفر بئرا، وبنى مسجدا ثم إن بعض أهل البلد
آذاه فتحول من عندهم، فنزل منزلا بين الرملة وإيليا، فاحتفر به بئرا
اقام به، وكان قد وسع عليه في المال والخدم، وهو أول من أضاف الضيف،
وأول من ثرد الثريد، وأول من رأى الشيب.
قال: وولد لإبراهيم ع إسماعيل وهو أكبر ولده- وأمه هاجر وهي قبطية،
وإسحاق، وكان ضرير البصر، وأمه سارة ابنة بتويل بن ناخور بن ساروع بن
أرغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح- ومدن، ومدين،
ويقسان، وزمران، واسبق، وسوح، وأمهم قنطورا بنت مقطور من العرب العاربة
فأما يقسان فلحق بنوه بمكة، وأقام مدن ومدين بأرض مدين، فسميت به، ومضى
سائرهم في البلاد وقالوا لإبراهيم: يا أبانا أنزلت إسماعيل وإسحاق معك،
وأمرتنا أن ننزل أرض الغربة والوحشة! فقال: بذلك أمرت، قال:
فعلمهم اسما من أسماء الله تبارك وتعالى، فكانوا يستسقون به ويستنصرون،
فمنهم من نزل خراسان، فجاءتهم الخزر فقالوا: ينبغي للذي علمكم هذا أن
يكون خير أهل الأرض، أو ملك الأرض، قال: فسموا ملوكهم خاقان.
قال أبو جعفر: ويقال في يسبق: يسباق، وفي سوح: ساح.
وقال بعضهم: تزوج إبراهيم بعد سارة امرأتين من العرب، إحداهما قنطورا
بنت يقطان، فولدت له ستة بنين، وهم الذين ذكرنا، والأخرى منهما حجور
بنت أرهير، فولدت له خمسة بنين: كيسان، وشورخ، واميم، ولوطان، ونافس
(1/311)
ذكر وفاه ابراهيم ع
فلما أراد الله تبارك وتعالى قبض روح ابراهيم ص، أرسل إليه ملك الموت
في صورة شيخ هرم.
فحدثني موسى بن هارون، قال: حَدَّثَنَا عمرو بن حماد، قال: حدثنا
أسباط، عن السدي بالإسناد الذي ذكرته قبل: كان إبراهيم كثير الطعام
يطعم الناس، ويضيفهم، فبينا هو يطعم الناس إذا هو بشيخ كبير يمشي في
الحره، فبعث إليه بحمار، فركبه حتى إذا أتاه أطعمه، فجعل الشيخ يأخذ
اللقمة يريد أن يدخلها فاه، فيدخلها عينه وأذنه ثم يدخلها فاه، فإذا
دخلت جوفه خرجت من دبره وكان إبراهيم قد سأل ربه عز وجل ألا يقبض روحه
حتى يكون هو الذي يسأله الموت، فقال للشيخ حين رأى من حاله ما رأى:
ما بالك يا شيخ تصنع هذا؟ قال: يا إبراهيم، الكبر، قال: ابن كم أنت؟
فزاد على عمر إبراهيم سنتين، فقال إبراهيم: إنما بيني وبينك سنتان،
فإذا بلغت ذلك صرت مثلك! قال: نعم، قال إبراهيم: اللهم اقبضني إليك قبل
ذلك، فقام الشيخ فقبض روحه، وكان ملك الموت.
ولما مات ابراهيم ع- وكان موته وهو ابن مائتي سنة، وقيل ابن مائة وخمس
وسبعين سنة- دفن عند قبر ساره في مزرعه حبرون.
وكان مما أنزل الله تعالى على إبراهيم ع من الصحف فيما قيل عشر صحائف،
كَذَلِكَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ،
قَالَ:
أَخْبَرَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي
الْمَاضِي بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ
بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي
ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: قلت: [يا رسول الله، كم كتاب أنزله
اللَّهُ؟ قَالَ: مِائَةَ كِتَابٍ وَأَرْبَعَ
(1/312)
كُتُبٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
عَلَى آدَمَ ع عَشْرُ صَحَائِفَ، وَعَلَى شِيثٍ خَمْسِينَ صَحِيفَةٍ،
وَأَنْزَلَ عَلَى أَخْنُوخَ ثَلاثِينَ صَحِيفَةً، وَأَنْزَلَ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ عَشْرَ صَحَائِفَ، وَأَنْزَلَ جَلَّ وَعَزَّ التَّوْرَاةَ
وَالإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَمَا كَانَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: كَانَتْ أَمْثَالا
كُلُّهَا] .
أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُسَلَّطُ الْمُبْتَلَى الْمَغْرُورُ، إِنِّي
لَمْ أَبْعَثُكَ لِتَجْمَعَ الدُّنْيَا بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ،
وَلَكِنْ بَعَثْتُكَ لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنِّي
لا أَرُدُّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ.
وَكَانَتْ فِيهَا أَمْثَالٌ: وَعَلَى الْعَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ
مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ، سَاعَةٌ
يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُفَكِّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ فِيمَا
قَدَّمَ وَأَخَّرَ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ
الْحَلالِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَعَلَى الْعَاقِلِ أَلا
يَكُونَ ظَاعِنًا إِلا فِي ثَلاثٍ: تَزَوُّدٍ لِمَعَادِهِ، وَمَرَمَّةٍ
لِمَعَاشِهِ، وَلَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ
يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ، مُقْبِلا عَلَى شَأْنِهِ، حَافِظًا
لِلِسَانِهِ وَمَنْ حَسِبَ كَلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلامُهُ إِلا
فِيمَا يَعْنِيهِ.
وَكَانَ لإِبْرَاهِيمَ- فِيمَا ذُكِرَ- أَخَوَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا
هَارَانَ- وَهُوَ أَبُو لُوطٍ، وَقِيلَ إِنَّ هَارَانَ هُوَ الَّذِي
بَنَى مَدِينَةِ حَرَّانَ، وَإِلَيْهِ نسبت- وَالآخَرُ مِنْهُمَا
نَاحورا وَهُوَ أَبُو بتويل وَبتويل هو ابو لابان وَرفقا ابْنَةُ
بتويل، وَرفقا امْرَأَةُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أُمُّ يَعْقُوبَ
ابْنَةُ بتويل، وَلِيَا وَرَاحِيلَ امرأتا يعقوب ابنتا لابان
(1/313)
ذكر خبر ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل
الرحمن ع
قد مضى ذكرنا سبب مصير إبراهيم بابنه إسماعيل، وأمه هاجر إلى مكة
وإسكانه إياهما بها ولما كبر إسماعيل تزوج امرأة من جرهم، فكان من
أمرها ما قد تقدم ذكره، ثم طلقها بأمر أبيه إبراهيم بذلك، ثم تزوج أخرى
يقال لها السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي، وهي التي قال لها إبراهيم
إذ قدم مكة، وهي زوجة إسماعيل: قولي لزوجك إذا جاء: قد رضيت لك عتبة
بابك.
فحدثنا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ولد
لإسماعيل ابن إبراهيم اثنا عشر رجلا، وأمهم السيدة بنت مضاض بن عمرو
الجرهمي:
نابت بن إسماعيل، وقيدر بن إسماعيل، وأدبيل بن إسماعيل، ومبشا بن
إسماعيل، ومسمع بن إسماعيل، ودما بن إسماعيل، وماس بن إسماعيل، وأدد بن
إسماعيل، ووطور بن إسماعيل، ونفيس بن إسماعيل، وطما بن إسماعيل،
وقيدمان بن إسماعيل.
قال: وكان عمر إسماعيل فيما يزعمون ثلاثين ومائة سنة، ومن نابت وقيدر
نشر الله العرب، ونبأ الله عز وجل إسماعيل، فبعثه إلى العماليق- فيما
قيل- وقبائل اليمن.
وقد ينطق أسماء أولاد إسماعيل بغير الألفاظ التي ذكرت عن ابن إسحاق،
فيقول بعضهم في قيدر:، قيدار، وفي ادبيل: ادبال، وفي مبشا: مبشام، وفي
دما: ذوما ومسا، وحداد، وتيم، ويطور، ونافس، وقادمن وقيل: إن إسماعيل
لما حضرته الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق وزوج ابنته من العيص بن إسحاق،
وعاش إسماعيل فيما ذكر مائة وسبعا وثلاثين سنة، ودفن في الحجر عند قبر
أمه هاجر
(1/314)
حَدَّثَنِي عبدة بن عبد الله الصفار، قال:
حَدَّثَنَا خالد بن عبد الرحمن المخزومي، عن مبارك بن حسان صاحب
الأنماط، عن عمر بن عبد العزيز، قال: شكا إسماعيل إلى ربه تبارك وتعالى
حر مكة فأوحى الله تعالى إليه: إني فاتح لك بابا من الجنة يجري عليك
روحها إلى يوم القيامة، وفي ذلك المكان تدفن.
ونرجع الآن إلى:
(1/315)
ذكر إسحاق بن ابراهيم ع وذكر نسائه وأولاده
إذ كان التأريخ غير متصل على سياق معروف لأمة بعد الفرس غيرهم، وذلك أن
الفرس كان ملكهم متصلا دائما من عهد جيومرت الذي قد وصفت شأنه وخبره،
إلى أن زال عنهم بخير أمه اخرجت للناس، أمه نبينا محمد ص وكانت النبوة
والملك متصلين بالشام ونواحيها لولد إسرائيل بن إسحاق إلى أن زال ذلك
عنهم بالفرس والروم بعد يحيى بن زكرياء وبعد عيسى بن مريم ع وسنذكر إذا
نحن انتهينا إلى الخبر عن يحيى وعيسى ع سبب زوال ذلك عنهم إن شاء الله.
فأما سائر الأمم غير الفرس، فإنه غير ممكن الوصول إلى علم التأريخ بهم،
إذ لم يكن لهم ملك متصل في قديم الأيام وحديثه إلا ما لا يمكن معه سياق
التأريخ عليه وعلى أعمار ملوكهم، إلا ما ذكرنا من ولد يعقوب إلى الوقت
الذي ذكرت، فإن ذلك وإن كانت مدته انقطعت بزواله عنهم، فإن قدر مدة
زواله عنهم إلى غايتنا هذه معلوم مبلغه وقد كان لليمن ملوك لهم ملك،
غير أنه كان غير متصل، وإنما كان يكون منهم الواحد بعد الواحد، وبين
الأول والآخر فترات طويلة، لا يقف على مبلغها العلماء، لقلة عنايتهم
كانت بها، ومبلغ عمر الاول منهم والآخر، إذا لم يكن من الأمر الدائم،
فإن دام منه شيء فإنما يدوم لمن دام له منهم بأنه عامل لغيره في الموضع
الذي هو به لا يملكه بنفسه، وذلك كدوامه لآل نصر بن ربيعة بن الحارث بن
مالك ابن عمرو بن نمارة بن لخم، فإنهم كانوا على فرج ثغر العرب للفرس
من الحيرة إلى حد اليمن طولا وإلى حدود الشام وما اتصل بذلك عرضا، فلم
يزل ذلك دائما لهم من عهد أردشير بابكان إلى أن قتل كسرى ابرويز بن
هرمز بن انوشروان النعمان بن المنذر، فنقل عنهم ما كان إليهم من العمل
على ثغر العرب إلى إياس بن قبيصة الطائي
(1/316)
فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن
إسحاق، قال: نكح إسحاق بن إبراهيم رفقا بنت بتويل بن إلياس، فولدت له
عيص بن إسحاق، ويعقوب ابن إسحاق، يزعمون أنهما كانا توءمين وأن عيصا
كان أكبرهما ثم نكح عيص بن إسحاق ابنه عمه بسمة ابنه إسماعيل بن
إبراهيم، فولدت له الروم بن عيص، فكل بني الأصفر من ولده قال: وبعض
الناس يزعم أن الأشبان من ولده، ولا أدري أمن ابنة إسماعيل أم لا.
ونكح يعقوب بن إسحاق- وهو إسرائيل- ابنة خاله ليا ابنة لبان بن بتويل
بن إلياس، فولدت له روبيل بن يعقوب، وكان اكبر ولده، وشمعون ابن يعقوب،
ولاوى بن يعقوب، ويهوذا بن يعقوب، وزبالون بن يعقوب، ويسحر بن يعقوب،
ودينة ابنه يعقوب وقد قيل في يسحر إن اسمه يشحر ثم توفيت ليا بنت لبان
فخلف يعقوب على أختها راحيل بنت لبان بن بتويل بن إلياس، فولدت له يوسف
بن يعقوب، وبنيامين بن يعقوب- وهو بالعربية شداد- وولد له من سريتين،
اسم إحداهما زلفة، واسم الأخرى بلهة، أربعة نفر: دان بن يعقوب، ونفثالى
بن يعقوب، وجاد بن يعقوب، وأشر بن يعقوب، فكان بنو يعقوب اثني عشر
رجلا.
وقد قال بعض أهل التوراة إن رفقا زوجة إسحاق هي ابنة ناهر بن آزر عم
إسحاق، وإنها ولدت له ابنيه عيصا ويعقوب في بطن واحد، وإن إسحاق أمر
ابنه يعقوب ألا ينكح امرأة من الكنعانيين، وأمره أن ينكح امرأة من بنات
خاله لبان بن ناهر، وأن يعقوب لما أراد النكاح مضى إلى خاله لبان ابن
ناهر خاطبا، فأدركه الليل في بعض الطريق، فبات متوسدا حجرا، فرأى فيما
يرى النائم أن سلما منصوبا إلى باب من أبواب السماء عند رأسه،
والملائكة تنزل وتعرج فيه، وأن يعقوب صار إلى خاله فخطب إليه ابنته
راحيل، وكانت له ابنتان: ليا وهي الكبرى، وراحيل وهي الصغرى، فقال له:
هل من مال أزوجك عليه؟ فقال يعقوب: لا، إلا أني أخدمك أجيرا حتى تستوفي
صداق
(1/317)
ابنتك، قال: فإن صداقها أن تخدمني سبع حجج
قال يعقوب: فزوجني راحيل وهي شرطي، ولها أخدمك، فقال له خاله: ذلك بيني
وبينك، فرعى له يعقوب سبع سنين، فلما وفى له شرطه دفع إليه ابنته
الكبرى ليا، وأدخلها عليه ليلا، فلما أصبح وجد غير ما شرط، فجاءه يعقوب
وهو في نادي قومه فقال له: غررتني وخدعتني واستحللت عملي سبع سنين،
ودلست علي غير امرأتي، فقال له خاله: يا بن أختي، أردت أن تدخل على
خالك العار والسبة، وهو خالك ووالدك، ومتى رأيت الناس يزوجون الصغرى
قبل الكبرى! فهلم فاخدمني سبع حجج أخرى، فأزوجك أختها- وكان الناس
يومئذ يجمعون بين الأختين إلى أن بعث موسى ع وأنزل عليه التوراة- فرعى
له سبعا، فدفع إليه راحيل، فولدت له ليا أربعة أسباط: روبيل، ويهوذا،
وشمعان، ولاوي وولدت له راحيل يوسف وأخاه بنيامين وأخوات لهما، وكان
لابان دفع إلى ابنتيه حين جهزهما إلى يعقوب أمتين فوهبتا الأمتين
ليعقوب، فولدت كل واحدة منهما له ثلاثة رهط من الأسباط، وفارق يعقوب
خاله، وعاد حتى نازل أخاه عيصا وقال بعضهم: ولد ليعقوب دان ونفثالي من
زلفة جارية راحيل، وذلك أنها وهبتها له وسألته أن يطلب منها الولد حين
تأخر الولد عنها وان ليا وهبت جاريتها بلهه ليعقوب منافسة لراحيل في
جاريتها، وسألته أن يطلب منها الولد، فولدت له جاد، وأشير، ثم ولد له
من راحيل بعد اليأس يوسف وبنيامين، فانصرف يعقوب بولده هؤلاء وامرأتيه
المذكورتين إلى منزل أبيه من فلسطين على خوف شديد من أخيه العيص، فلم
ير منه إلا خيرا، وكان العيص فيما ذكر لحق بعمه إسماعيل، فتزوج إليه
ابنته بسمة وحملها إلى الشام، فولدت له عدة أولاد فكثروا حتى غلبوا
الكنعانيين بالشام، وصاروا إلى البحر وناحية الإسكندرية ثم إلى الروم
وكان العيص فيما ذكر يسمى آدم لأدمته قال: ولذلك سمي ولده
(1/318)
ولد الأصفر، وكانت ولادة رفقا بنت بتويل
لإسحاق بن إبراهيم ابنيه العيص ويعقوب- بعد أن خلا من عمر إسحاق ستون
سنة- توءمين في بطن واحد، والعيص المتقدم منهما خروجا من بطن أمه، فكان
إسحاق فيما ذكر يختص العيص، وكانت رفقا أمهما تميل إلى يعقوب، فزعموا
أن يعقوب ختل العيص في قربان قرباه بأمر أبيهما إسحاق بعد ما كبرت سن
إسحاق، وضعف بصره، فصار أكثر دعاء إسحاق ليعقوب، وتوجهت البركة نحوه
بدعاء أبيه إسحاق له، فغاظ ذلك العيص وتوعده بالقتل، فخرج يعقوب هاربا
منه إلى خاله لابان ببابل، فوصله لابان وزوجه ابنتيه ليا وراحيل،
وانصرف بهما وبجاريتيهما وأولاده الأسباط الاثني عشر وأختهم دينا إلى
الشام إلى منزل آبائه، وتألف أخاه العيص حتى نزل له البلاد وتنقل في
الشام، حتى صار إلى السواحل ثم عبر إلى الروم فأوطنها، وصار الملوك من
ولده وهم اليونانية- فيما زعم هذا القائل.
حَدَّثَنَا الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حَدَّثَنَا أبي، قال:
أخبرنا أسباط، عن السدي، قال: تزوج إسحاق امرأة فحملت بغلامين في بطن،
فلما أرادت أن تضعهما اقتتل الغلامان في بطنها، فأراد يعقوب أن يخرج
قبل عيص، فقال عيص: والله لئن خرجت قبلي لأعترضن في بطن أمي ولأقتلنها،
فتأخر يعقوب، وخرج عيص قبله، وأخذ يعقوب بعقب عيص، فخرج فسمي عيصا لأنه
عصى، فخرج قبل يعقوب، وسمي يعقوب لأنه خرج آخذا بعقب عيص، وكان يعقوب
أكبرهما في البطن، ولكن عيصا خرج قبله، وكبر الغلامان، فكان عيص أحبهما
إلى أبيه، وكان يعقوب أحبهما إلى أمه، وكان عيص صاحب صيد، فلما كبر
إسحاق
(1/319)
وعمي، قال لعيص: يا بني أطعمني لحم صيد
واقترب مني أدع لك بدعاء دعا لي به أبي، وكان عيص رجلا أشعر، وكان
يعقوب رجلا أجرد، فخرج عيص يطلب الصيد، وسمعت أمه الكلام فقالت ليعقوب:
يا بني، اذهب إلى الغنم فاذبح منها شاة ثم اشوه، والبس جلده وقدمه إلى
أبيك، وقل له: أنا ابنك عيص، ففعل ذلك يعقوب، فلما جاء قال: يا أبتاه
كل، قال:
من أنت؟ قال: أنا ابنك عيص، قال: فمسه، فقال: المس مس عيص، والريح ريح
يعقوب، قالت أمه: هو ابنك عيص فادع له، قال: قدم طعامك، فقدمه فأكل
منه، ثم قال: ادن مني، فدنا منه، فدعا له أن يجعل في ذريته الأنبياء
والملوك، وقام يعقوب، وجاء عيص فقال: قد جئتك بالصيد الذي أمرتني به،
فقال: يا بني قد سبقك أخوك يعقوب، فغضب عيص وقال:
والله لأقتلنه، قال: يا بني قد بقيت لك دعوة، فهلم أدع لك بها، فدعا له
فقال: تكون ذريتك عددا كثيرا كالتراب ولا يملكهم أحد غيرهم، وقالت أم
يعقوب ليعقوب: الحق بخالك فكن عنده خشية أن يقتلك عيص، فانطلق إلى
خاله، فكان يسري بالليل ويكمن بالنهار، ولذلك سمي إسرائيل، وهو سري
الله، فأتى خاله وقال عيص: أما إذ غلبتني على الدعوى فلا تغلبني على
القبر، أن أدفن عند آبائي: إبراهيم وإسحاق، فقال: لئن فعلت لتدفنن معه.
ثم ان يعقوب ع هوى ابنة خاله- وكانت له ابنتان- فخطب إلى أبيهما الصغرى
منهما، فأنكحها إياه على أن يرعى غنمه إلى أجل مسمى، فلما انقضى الأجل
زف إليه أختها ليا، قال يعقوب: إنما أردت راحيل، فقال له خاله: إنا لا
ينكح فينا الصغير قبل الكبير، ولكن ارع لنا أيضا وأنكحها، ففعل فلما
انقضى الأجل زوجه راحيل أيضا، فجمع يعقوب بينهما، فذلك قول الله:
«وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ» .
يقول: جمع يعقوب بين ليا وراحيل، فحملت ليا فولدت يهوذا،
(1/320)
وروبيل، وشمعون وولدت راحيل يوسف،
وبنيامين، وماتت راحيل في نفاسها ببنيامين، يقول: من وجع النفاس الذى
ماتت فيه.
وقطع خال يعقوب ليعقوب قطيعا من الغنم، فأراد الرجوع إلى بيت المقدس،
فلما ارتحلوا لم يكن له نفقة، فقالت امرأة يعقوب ليوسف: خذ من أصنام
أبي لعلنا نستنفق منه فأخذ، وكان الغلامان في حجر يعقوب، فأحبهما وعطف
عليهما ليتمهما من أمهما، وكان أحب الخلق اليه يوسف ع، فلما قدموا أرض
الشام، قال يعقوب لراع من الرعاة: إن أتاكم أحد يسألكم:
من أنتم؟ فقولوا: نحن ليعقوب عبد عيص، فلقيهم عيص فقال: من أنتم؟
قالوا: نحن ليعقوب عبد عيص، فكف عيص عن يعقوب، ونزل يعقوب بالشام، فكان
همه يوسف وأخوه، فحسده إخوته لما رأوا من حب أبيه له، ورأى يوسف في
المنام كأن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم ساجدين له، فحدث أباه بها
فقال: «يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا
لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ»
(1/321)
|