تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ذكر الأحداث التي كانت في عهد نوح ع
قد ذكرنا اختلاف المختلفين في ديانة القوم الذين ارسل اليهم نوح ع، وأن منهم من يقول: كانوا قد أجمعوا على العمل بما يكرهه الله، من ركوب الفواحش وشرب الخمور والاشتغال بالملاهي عن طاعة الله عز وجل، وأن منهم من يقول: كانوا أهل طاعة بيوراسب، وكان بيوراسب أول من أظهر القول بقول الصابئين، وتبعه على ذلك الذين ارسل اليهم نوح ع، وسأذكر إن شاء الله خبر بيوراسب فيما بعد فأما كتاب الله فإنه ينبئ عنهم أنهم كانوا أهل أوثان، وذلك أن الله عز وجل يقول مخبرا عن نوح: «قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً، وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً» فبعث الله اليهم نوحا مخوفهم بأسه، ومخدرهم سطوته، وداعيا لهم إلى التوبة والمراجعة إلى الحق، والعمل بما أمر الله به رسله وأنزله في صحف آدم وشيث وأخنوخ ونوح يوم ابتعثه الله نبيا إليهم- فيما ذكر- ابن خمسين سنة.
وقيل أيضا ما حَدَّثَنَا به نصر بن علي الجهضمي، قال: حَدَّثَنَا نوح بن قيس، قال: حَدَّثَنَا عون بن أبي شداد، قال: إن الله تبارك وتعالى أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة سنة.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَ الله نوحا اليهم وهو ابن أربعمائة سَنَةٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، ثُمَّ دَعَاهُمْ فِي نُبُوَّتِهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً،

(1/179)


وركب السفينة وهو ابن ستمائه سنه، ثم مكث بعد ذلك ثلاثمائة وَخَمْسِينَ سَنَةً.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ سِرًّا وَجَهْرًا، يَمْضِي قَرْنٌ بَعْدَ قَرْنٍ، فَلا يَسْتَجِيبُونَ لَهُ، حَتَّى مَضَى قُرُونٌ ثَلاثَةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ وَحَالِهِمْ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وجل اهلاكهم دعا عليهم نوح ع فَقَالَ: «رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً» ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالى ذِكْرُهُ أَنْ يَغْرِسَ شَجَرَةً فَغَرَسَهَا، فَعَظُمَتْ وَذَهَبَتْ كُلَّ مَذْهَبٍ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقَطْعِهَا مِنْ بَعْدِ مَا غَرَسَهَا بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَيَتَّخِذَ مِنْهَا سَفِينَةً، كَمَا قَالَ اللَّهُ لَهُ: «وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا» ، فَقَطَعَهَا وَجَعَلَ يَعْمَلُهَا.
وَحَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ الْمَرْوَزِيُّ وَالْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، قال: حدثنى فائد مولى عبيد الله ابن عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عائشة زوج النبي ص اخبرته [ان رسول الله ص قَالَ: لَوْ رَحِمَ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: كَانَ نُوحٌ مَكَثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى كَانَ آخِرَ زَمَانِهِ غَرَسَ شَجَرَةً فَعَظُمَتْ وَذَهَبَتْ كُلَّ مَذْهَبٍ ثُمَّ قَطَعَهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَعْمَلُ سَفِينَةً فَيَمُرُّونَ فَيَسْأَلُونَهُ فَيَقُولُ: أَعْمَلُهَا سَفِينَةً، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ: تَعْمَلُ سَفِينَةً فِي الْبَرِّ فَكَيْفَ تَجْرِي! فَيَقُولُ: سَوْفَ تَعْلَمُونَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا وَفَارَ التَّنُّورُ وَكَثُرَ الْمَاءُ فِي السِّكَكِ خَشِيَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ- وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا- فَخَرَجَتْ إِلَى الْجَبَلِ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ، فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ خَرَجَتْ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَيِ الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ خَرَجَتْ حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ رَقَبَتَهَا رَفَعَتْهُ بِيَدِهَا، حَتَّى ذَهَبَ بِهِ الْمَاءُ، فَلَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَحَدًا لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ] .
حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن الهيثم، عن المسيب بن

(1/180)


شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: قال سلمان الفارسي: عمل نوح السفينة أربعمائة سَنَةٍ، وَأَنْبَتَ السَّاجَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، حَتَّى كَانَ طوله ثلاثمائة ذِرَاعٍ، وَالذِّرَاعُ إِلَى الْمَنْكِبِ.
فَعَمِلَ نُوحٌ بِوَحْيِ اللَّهِ إِلَيْهِ، وَتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ، عَمِلَهَا فَكَانَتْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ طول السفينة ثلاثمائة ذِرَاعٍ، وَعَرْضَهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَطُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاثُونَ ذِرَاعًا، وَبَابُهَا فِي عَرْضِهَا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا مبارك، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ طُولُ سَفِينَةِ نُوحٍ الف ذراع ومائتي ذراع، وعرضها ستمائه ذِرَاعٍ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ الحواريون لعيسى بن مَرْيَمَ: لَوْ بَعَثْتَ لَنَا رَجُلا شَهِدَ السَّفِينَةَ فَحَدَّثَنَا عَنْهَا! فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى كَثِيبٍ مِنْ تُرَابٍ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ بِكَفِّهِ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: هَذَا قَبْرُ حَامِ بْنِ نُوحٍ، قَالَ: فَضَرَبَ الْكَثِيبَ بِعَصَاهُ وَقَالَ: قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ، وَقَدْ شَابَ، فَقَالَ لَهُ عيسى ع: هَكَذَا هَلَكْتَ؟ قَالَ: لا، وَلَكِنِّي مِتُّ وَأَنَا شَابٌّ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّهَا السَّاعَةُ، فَمِنْ ثَمَّ شِبْتُ قَالَ: حَدِّثْنَا عَنْ سَفِينَةِ نُوحٍ، قَالَ:
كَانَ طُولُهَا أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَيْ ذِرَاعٍ وَعَرْضُهَا ستمائه ذِرَاعٍ، وَكَانَتْ ثَلاثَ طَبَقَاتٍ: فَطَبَقَةٌ فِيهَا الدَّوَابُّ وَالْوَحْشُ، وَطَبَقَةٌ فِيهَا الإِنْسُ، وَطَبَقَةٌ فِيهَا الطَّيْرُ، فَلَمَّا كَثُرَ أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ أَنِ اغْمِزْ ذَنَبَ الْفِيلِ، فَغَمَزَ فَوَقَعَ منه خِنْزِيرٌ وَخِنْزِيرَةٌ، فَأَقْبَلا عَلَى الرَّوْثِ، فَلَمَّا وَقَعَ الْفَأْرُ بِخُرَزِ السَّفِينَةِ يَقْرِضُهُ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ أَنِ اضْرِبْ بَيْنَ عَيْنَيِ الأَسَدِ، فَخَرَجَ مِنْ مَنْخَرِهِ سِنَّوْرٌ وَسِنَّوْرَةٌ، فَأَقْبَلا عَلَى الْفَأْرِ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: كَيْفَ عَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْبِلادَ قَدْ غَرِقَتْ؟ قَالَ: بَعَثَ الْغُرَابَ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ، فَلِذَلِكَ لا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ الْحَمَامَةَ، فَجَاءَتْ

(1/181)


بِوَرَقِ زَيْتُونٍ بِمِنْقَارِهَا وَطِينٍ بِرِجْلَيْهَا، فَعَلِمَ أَنَّ الْبِلادَ قَدْ غَرِقَتْ قَالَ: فَطَوَّقَهَا الْخُضْرَةَ الَّتِي في عنقها، دعا لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي أَنَسٍ وَأَمَانٍ، فَمِنْ ثَمَّ تَأْلَفُ الْبُيُوتَ قَالَ: فَقَالَتِ الْحَوَارِيُّونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَنْطَلِقْ بِهِ إِلَى أَهْلِنَا، فَيَجْلِسَ مَعَنَا وَيُحَدِّثَنَا؟ قَالَ: كَيْفَ يَتْبَعُكُمْ مَنْ لا رِزْقَ لَهُ؟ قَالَ:
فَقَالَ لَهُ: عُدْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَعَادَ تُرَابًا.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، قَالَ: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: نَجَرَ نُوحٌ السَّفِينَةَ بِجَبَلِ بُوذَ، من ثم تبدى الطوفان قال: وكان طول السفينة ثلاثمائة ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ جَدِّ أَبِي نُوحٍ، وَعَرْضُهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَطُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاثِينَ ذِرَاعًا، وَخَرَجَ مِنْهَا مِنَ الْمَاءِ سِتَّةُ أَذْرُعٍ، وَكَانَتْ مُطَبَّقَةً، وَجُعِلَ لَهَا ثَلاثَةُ أَبْوَابٍ، بَعْضُهَا أَسْفَلُ مِنْ بعض.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عمن لا يتهم، عن عبيد بن عمير الليثي، أنه كان يحدث أنه بلغه أنهم كانوا يبطشون به- يعني قوم نوح بنوح- فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال:
اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
قال ابن إسحاق: حتى إذا تمادوا في المعصية، وعظمت في الأرض منهم الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشأن، واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر النجل بعد النجل، فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله، حتى إن كان الآخر منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا، هكذا مجنونا! لا يقبلون منه شيئا، حتى شكا ذلك من أمرهم نوح إلى الله عز وجل، فقال كما قص الله عز وجل علينا في كتابه: «رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً» إلى آخر القصة، حتى قال: «رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً» ، إلى آخر القصة فلما شكا ذلك منهم نوح إلى الله عز وجل

(1/182)


واستنصره عليهم اوحى الله اليه ان «اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ» فاقبل نوح على عمل الفلك، ولها عن قومه، وجعل يقطع الخشب ويضرب الحديد،، ويهيئ عدة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلا هو، وجعل قومه يمرون به، وهو في ذلك من عمله، فيسخرون منه، ويستهزئون به فيقول: «إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ» قال: ويقولون- فيما بلغني-: يا نوح قد صرت نجارا بعد النبوة! قال: وأعقم الله أرحام النساء فلا يولد لهم.
قال: ويزعم أهل التوراة أن الله عز وجل أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج، وأن يصنعه أزور، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، وأن يجعل طوله ثمانين ذراعا وعرضه خمسين ذراعا، وطوله في السماء ثلاثين ذراعا، وأن يجعله ثلاثة أطباق: سفلا ووسطا وعلوا، وأن يجعل فيه كوا ففعل نوح كما امره الله عز وجل، حتى إذا فرغ منه وقد عهد الله إليه: «إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» وقد جعل التنور آية فيما بينه وبينه، فقال: إذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين واركب فلما فار التنور حمل نوح في الفلك من أمره الله تعالى به- وكانوا قليلا كما قال- وحمل فيها من كل زوجين اثنين مما فيه الروح والشجر، ذكرا وأنثى فحمل فيه بنيه الثلاثة: سام وحام ويافث ونساءهم، وستة أناس ممن كان آمن به فكانوا عشرة نفر: نوح وبنوه وأزواجهم، ثم أدخل ما أمره الله به من الدواب، وتخلف عنه ابنه يام، وكان كافرا

(1/183)


حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عن ابن إسحاق، عن الحسن ابن دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ أَوَّلَ مَا حَمَلَ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ مِنَ الدَّوَابِّ الذرة، وَآخِرَ مَا حَمَلَ الْحِمَارُ فَلَمَّا أَدْخَلَ الْحِمَارَ وَدَخَلَ صَدْرُهُ تَعَلَّقَ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ بِذَنَبِهِ فَلَمْ تَسْتَقِلَّ رِجْلاهُ، فَجَعَلَ نُوحٌ يَقُولُ: وَيْحَكَ! ادْخُلْ، فَيَنْهَضُ فَلا يَسْتَطِيعُ، حَتَّى قَالَ نُوحٌ، وَيْحَكَ! ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ، قَالَ كَلِمَةٌ زَلَّتْ عَنْ لِسَانِهِ، فَلَمَّا قَالَهَا نُوحٌ خَلَّى الشَّيْطَانُ سَبِيلَهُ، فَدَخَلَ وَدَخَلَ الشَّيْطَانُ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ نُوحٌ: مَا أَدْخَلَكَ عَلَيَّ يَا عَدُوَّ اللَّهِ! قَالَ: أَلَمْ تَقُلِ: ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ!، قَالَ: اخْرُجْ عَنِّي يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَقَالَ: مالك بُدٌّ مِنْ أَنْ تَحْمِلَنِي، فَكَانَ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- فِي ظَهْرِ الْفُلْكِ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ وَأَدْخَلَ فِيهِ كُلَّ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي دخل فيها نوح بعد ستمائه سَنَةٍ مِنْ عُمْرِهِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنَ الشَّهْرِ، فَلَمَّا دَخَلَ وَحَمَلَ مَعَهُ مَنْ حمل، تحرك يَنَابِيعُ الْغَوْطِ الأَكْبَرِ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، كَمَا قال الله لنبيه ص: «فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ» فَدَخَلَ نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ الْفُلْكَ وَغَطَّاهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ بِطَبَقَةٍ، فَكَانَ بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الْمَاءَ وَبَيْنَ أَنِ احْتَمَلَ الْمَاءُ الْفُلْكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً ثُمَّ احْتَمَلَ الْمَاءُ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، وَكَثُرَ وَاشْتَدَّ وَارْتَفَعَ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ص.
«وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ» .
وَالدُّسُرُ: الْمَسَامِيرُ، مَسَامِيرُ الْحَدِيدِ فَجَعَلَتِ الْفُلْكُ تَجْرِي بِهِ وَبِمَنْ مَعَهُ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ، وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ الَّذِي هَلَكَ فِيمَنْ هَلَكَ، وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ حِينَ رَأَى نُوحٌ مِنْ صِدْقِ مَوْعُودِ رَبِّهِ مَا رَأَى، فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ» ، وَكَانَ شَقِيًّا قَدْ أُضْمِرَ كُفْرًا، «قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ» ، وَكَانَ عَهَدَ الْجِبَالَ وهي حرز

(1/184)


مِنَ الأَمْطَارِ إِذَا كَانَتْ، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ كما كان يكون، قال نوح: «لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ» .
وَكَثُرَ الْمَاءُ وَطَغَى، وَارْتَفَعَ فَوْقَ الْجِبَالِ- كما يزعم أَهْلُ التَّوْرَاةِ- خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَبَادَ مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحُ أَوْ شَجَرٍ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الْخَلائِقِ إِلا نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، وَإِلا عوجُ بْنُ عنقٍ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ- فَكَانَ بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الطُّوفَانَ وَبَيْنَ أَنْ غَاضَ الْمَاءُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قَالَ: أَرْسَلَ اللَّهُ الْمَطَرَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَأَقْبَلَتِ الْوُحُوشُ حِينَ أَصَابَهَا الْمَطَرُ وَالدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ كُلُّهَا إِلَى نُوحٍ، وَسُخِّرَتْ لَهُ، فَحَمَلَ مِنْهَا كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ» ، وَحَمَلَ مَعَهُ جَسَدَ آدَمَ، فَجَعَلَهُ حَاجِزًا بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، فَرَكِبُوا فِيهَا لِعَشْرِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ، وَخَرَجُوا مِنْهَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَلِذَلِكَ صَامَ مَنْ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأُخْرِجَ الْمَاءُ نِصْفَيْنِ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ» ، يقول: منصب، «وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً» ، يَقُولُ: شَقَقْنَا الأَرْضَ، «فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ» فَصَارَ الْمَاءُ نِصْفَيْنِ: نِصْفٌ مِنَ السَّمَاءِ وَنِصْفٌ مِنَ الأَرْضِ، وَارْتَفَعَ الْمَاءُ عَلَى أَطْوَلِ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَسَارَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ، فَطَافَتْ بِهِمُ الأَرْضَ كُلَّهَا فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ لا تَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ، حَتَّى أَتَتِ الْحَرَمَ فَلَمْ تَدْخُلْهُ، وَدَارَتْ بِالْحَرَمِ أُسْبُوعًا، وَرُفِعَ البيت الذى بناه آدم ع، رُفِعَ مِنَ الْغَرَقِ، - وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَالْحَجَرُ الأَسْوَدُ- عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، فَلَمَّا دَارَتْ بِالْحَرَمِ ذَهَبَتْ فِي الأَرْضِ تَسِيرُ بِهِمْ، حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى الْجُودِيِّ- وَهُوَ جَبَلٌ بِالْحَضِيضِ مِنْ

(1/185)


أَرْضِ الْمَوْصِلِ- فَاسْتَقَرَّتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِتَمَامِ السَّبْعِ، فَقِيلَ بَعْدَ السَّبْعَةِ الأَشْهُرِ:
«بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ، فلما استقرت عَلَى الْجُودِيِّ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ» ، يَقُولُ: أَنْشِفِي مَاءَكِ الَّذِي خَرَجَ مِنْكِ، «وَيا سَماءُ أَقْلِعِي» ، يقول:
احبسى ماءك، «وَغِيضَ الْماءُ» نَشَّفَتْهُ الأَرْضُ، فَصَارَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ هَذِهِ الْبُحُورَ الَّتِي تَرَوْنَ فِي الأَرْضِ، فَآخِرُ مَا بَقِيَ مِنَ الطُّوفَانِ فِي الأَرْضِ مَاءٌ بِحَسْمَى بَقِيَ فِي الأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً بَعْدَ الطُّوفَانِ ثُمَّ ذَهَبَ.
وَكَانَ التَّنُّورُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ آيَةَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ فَوَرَانَ الْمَاءِ مِنْهُ تَنُّورًا كَانَ لِحَوَّاءَ من حِجَارَةً، وَصَارَ إِلَى نُوحٍ.
حَدَّثَنِي يعقوب بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنَا هشيم، عن أبي محمد، عن الحسن، قال: كان تنورا من حجارة، كان لحواء حتى صار إلى نوح، قال: فقيل له: إذا رأيت الماء يفور من التنور، فاركب أنت وأصحابك.
وقد اختلف في المكان الذي كان به التنور الذي جعل الله فوران مائه آية، ما بينه وبين نوح، فقال بعضهم: كان بالهند.
ذِكْرُ مَنْ قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنِ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ الْخَزَّازِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي: «وَفارَ التَّنُّورُ» قَالَ:
فَارَ بِالْهِنْدِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:

(1/186)


حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: نَبَعَ الْمَاءُ فِي التَّنُّورِ، فَعَلِمَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْهُ، قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنِ السَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ: مَا فَارَ التَّنُّورُ إِلا مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِ مَنْ رَكِبَ الْفُلْكَ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
كَانُوا ثَمَانِينَ نَفْسًا.
ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَهِيكٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ ثَمَانُونَ رَجُلا، أَحَدُهُمْ جُرْهُمٌ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ:
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَمَلَ نُوحٌ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانِينَ إِنْسَانًا.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: كَانُوا ثَمَانِينَ- يَعْنِي الْقَلِيلَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
«وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» .
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرني هشام، قال:
أخبرني أبي، عن أبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَمَلَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ بَنِيهِ: سَامَ، وَحَامَ، وَيَافِثَ وَكَنَائِنَهُ، نِسَاءَ بَنِيهِ هَؤُلاءِ، وَثَلاثَةَ وَسَبْعِينَ مِنْ بَنِي شِيثٍ، مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، فَكَانُوا ثَمَانِينَ فِي السفينة

(1/187)


وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ كَانُوا ثَمَانِيَةَ أَنْفُسٍ ذِكْرُ من قال ذلك:
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قال: ذكر لنا أنه لَمْ يَتِمَّ فِي السَّفِينَةِ إِلا نُوحٌ وَامْرَأَتُهُ وَثَلاثَةٌ بَنِيهِ، وَنِسَاؤُهُمْ، فَجَمِيعُهُمْ ثَمَانِيَةٌ.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن عبد الملك ابن أبي غنية، عن أبيه، عن الحكم: «وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» ، قَالَ: نُوحٌ، وَثَلاثَةُ بَنِيهِ، وَأَرْبَعُ كَنَائِنِهِ.
حَدَّثَنَا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قَالَ:
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حُدِّثْتُ أَنَّ نُوحًا حَمَلَ مَعَهُ بَنِيهِ الثَّلاثَةَ وَثَلاثَ نِسْوَةٍ لِبَنِيهِ، وَامْرَأَةَ نُوحٍ، فَهُمْ ثَمَانِيَةٌ بِأَزْوَاجِهِمْ، وَأَسْمَاءُ بَنِيهِ: يَافِثُ، وَحَامُ، وَسَامُ.
فَأَصَابَ حَامُ امْرَأَتَهُ فِي السَّفِينَةِ، فَدَعَا نُوحٌ أَنْ تُغَيَّرَ نُطْفَتُهُ، فَجَاءَ بِالسُّودَانِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانُوا سَبْعَةَ أَنْفُسٍ.
ذكر من قَالَ ذلك:
حدثني الحارث، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الاعمش: «وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» ، قَالَ: كَانُوا سَبْعَةً: نُوحٌ، وَثَلاثُ كَنَائِنَ، وَثَلاثَةُ بَنِينَ لَهُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: كَانُوا عَشَرَةً سِوَى نِسَائِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:

(1/188)


حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال:
حمل بنيه الثلاثة: سام، وحام، ويافث ونساءهم، وستة أناسي ممن كان آمن به، فكانوا عشرة نفر بنوح وبنيه وأزواجهم وأرسل الله تبارك وتعالى الطوفان لمضي ستمائه سنة من عمر نوح- فيما ذكره أهل العلم من أهل الكتاب وغيرهم- ولتتمة ألفي سنة ومائتي سنة وست وخمسين سنة من لدن اهبط آدم إلى الأرض.
وقيل: إن الله عز وجل أرسل الطوفان لثلاث عشرة خلت من آب، وإن نوحا أقام في الفلك إلى أن غاض الماء، واستوت الفلك على جبل الجودي بقردى، في اليوم السابع عشر من الشهر السادس فلما خرج نوح منها اتخذ بناحية قردى من أرض الجزيرة موضعا، وابتنى هناك قرية سماها ثمانين، لأنه كان بنى فيها بيتا لكل إنسان ممن آمن معه وهم ثمانون، فهي إلى اليوم تسمى سوق ثمانين.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: هبط نوح ع إِلَى قَرْيَةٍ، فَبَنَى كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَيْتًا، فَسُمِّيَتْ سُوقَ ثَمَانِينَ، فَغَرِقَ بَنُو قَابِيلَ كُلُّهُمْ، وَمَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى آدَمَ مِنَ الآبَاءِ كَانُوا عَلَى الإِسْلامِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَصَارَ هُوَ وَأَهْلُهُ فِيهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّهُ لا يُعِيدُ الطُّوفَانَ إِلَى الأَرْضِ أَبَدًا.
وَقَدْ حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا المحاربى، عن عثمان

(1/189)


ابن مَطَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْغَفُورِ، عن ابيه، قال: [قال رسول الله ص: فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ رَكِبَ نُوحٌ السَّفِينَةَ، فَصَامَ هُوَ وَجَمِيعُ مَنْ مَعَهُ، وَجَرَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَانْتَهَى ذَلِكَ إِلَى الْمُحَرَّمِ، فَأَرْسَتِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَصَامَ نُوحٌ، وَأَمَرَ جَمِيعَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْوَحْشِ وَالدَّوَابِّ فَصَامُوا شُكْرًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ] .
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: كَانَتِ السَّفِينَةُ أَعْلاهَا الطَّيْرُ، وَوَسَطُهَا النَّاسُ، وَأَسْفَلُهَا السِّبَاعُ.
وَكَانَ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاثِينَ ذِرَاعًا، وَدُفِعَتْ مِنْ عَيْنِ وَرْدَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ، وَأَرْسَتْ عَلَى الْجُودِيِّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَمَرَّتْ بِالْبَيْتِ، فَطَافَتْ بِهِ سَبْعًا، وَقَدْ رَفَعَهُ اللَّهُ مِنَ الْغَرَقِ، ثُمَّ جَاءَتِ الْيَمَنَ، ثُمَّ رَجَعَتْ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حدثنا حجاج، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هَبَطَ نُوحٌ مِنَ السَّفِينَةِ يَوْمَ الْعَاشِرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُفْطِرًا فَلْيَصُمْ.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا- يَعْنِي الْفُلْكَ- اسْتَقَلَّتْ بِهِمْ فِي عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَبٍ، فَكَانَتْ فِي الْمَاءِ خَمْسِينَ وَمِائَةَ يَوْمٍ، وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى الْجُودِيِّ شَهْرًا، وَأَهْبَطَ بِهِمْ فِي عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ.
حَدَّثَنَا القاسم، قال: حَدَّثَنَا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: ما كان زمان نوح شبر من الأرض إلا إنسان يدعيه

(1/190)


ثم عاش نوح بعد الطوفان فيما حَدَّثَنِي نصر بن علي الجهضمي، قال:
أخبرنا نوح بن قيس، قال: حَدَّثَنَا عون بن أبي شداد، قال: عاش- يعني نوحا- بعد ذلك- يعني بعد الألف سنة إلا خمسين عاما التي لبثها في قومه- ثلاثمائة وخمسين سنة.
وأما ابن إسحاق، فإن ابن حميد حَدَّثَنَا، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عنه، قال: وعمر نوح- فيما يزعم أهل التوراة- بعد ان اهبط من الفلك ثلاثمائة سنة وثمانيا وأربعين سنة، قال: فكان جميع عمر نوح ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم قبضه الله عز وجل إليه.
وقيل: إن ساما ولد لنوح قبل الطوفان بثمان وتسعين سنة وقال بعض أهل التوراة: لم يكن التناسل، ولا ولد لنوح ولد إلا بعد الطوفان، وبعد خروج نوح من الفلك.
قالوا: إنما الذين كانوا معه في الفلك قوم كانوا آمنوا به واتبعوه، غير أنهم بادوا وهلكوا، فلم يبق لهم عقب، وإنما الذين هم اليوم في الدنيا من بني آدم ولد نوح وذريته دون سائر ولد آدم، كما قال الله عز وجل:
«وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» .
وقيل: إنه كان لنوح قبل الطوفان ابنان هلكا جميعا، كان أحدهما يقال له كنعان، قالوا: وهو الذي غرق في الطوفان، والآخر منهما يقال له عابر، مات قبل الطوفان.
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أخبرني هشام، قال:
أخبرني أبي، عن أبي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وُلِدَ لِنُوحٍ سَامُ، وَفِي وَلَدِهِ بَيَاضٌ وَأُدْمَةٌ، وَحَامُ وَفِي وَلَدِهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ قَلِيلٌ، وَيَافثُ وَفِيهِمُ الشُّقْرَةُ وَالْحُمْرَةُ، وَكَنْعَانُ وَهُوَ الَّذِي غَرِقَ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهِ يَامَ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ:
إِنَّمَا هام عَمُّنَا يَامُ، وَأُمُّ هَؤُلاءِ وَاحِدَةٌ

(1/191)


فَأَمَّا الْمَجُوسُ فَإِنَّهُمْ لا يَعْرِفُونَ الطُّوفَانَ، وَيَقُولُونَ: لَمْ يَزَلِ الْمُلْكُ فِينَا مِنْ عَهْدِ جُيومَرْتَ، وَقَالُوا: جُيومَرْتَ هُوَ آدَمُ يَتَوَارَثُهُ آخِرُ عَنْ أَوَّلَ إِلَى عَهْدِ فَيْرُوزَ بْنِ يَزْدجردَ بْنِ شَهْرَيَارَ، قَالُوا: وَلَوْ كَانَ لِذَلِكَ صِحَّةٌ كَانَ نَسَبُ الْقَوْمِ قَدِ انْقَطَعَ، وَمُلْكُ الْقَوْمِ قَدِ اضْمَحَلَّ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُقِرُّ بِالطُّوفَانِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ فِي إِقْلِيمِ بَابِلَ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، وَأَنَّ مَسَاكِنَ وَلَدِ جيومرتَ كَانَتْ بِالْمَشْرِقِ، فَلَمْ يَصِلْ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ الطُّوفَانِ بِخِلافِ مَا قَالُوا، فَقَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: «وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ. وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ. وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» ، فَأَخْبَرَ عَزَّ ذِكْرُهُ أَنَّ ذُرِّيَّةَ نُوحٍ هُمُ الْبَاقُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ اخْتِلافَ النَّاسَ فِي جُيومَرْتَ وَمَنْ يُخَالِفُ الْفُرْسَ فِي عَيْنِهِ، ومن هو، ومن نسبه الى نوح ع.
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَثْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، [عَنِ النبي ص في قوله: «وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» قَالَ: سَامُ وَحَامُ وَيَافِثُ] .
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة، في قوله: «وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» ، قَالَ: فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ.
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» .
يَقُولُ: لَمْ يَبْقَ إِلا ذُرِّيَّةَ نُوحٍ.
وروي عن علي بن مجاهد، عن ابن إسحاق، عن الزهري. وعن محمد بن

(1/192)


صالح، عن الشعبي قالا: لما هبط آدم من الجنة، وانتشر ولده أرخ بنوه من هبوط آدم، فكان ذلك التاريخ حتى بعث الله نوحا فارخوا ببعث نوح، حتى كان الغرق، فهلك من هلك ممن كان على وجه الأرض. فلما هبط نوح وذريته وكل من كان في السفينة إلى الأرض قسم الأرض بين ولده أثلاثا: فجعل لسام وسطا من الأرض، ففيها بيت المقدس، والنيل، والفرات، ودجلة، وسيحان، وجيحان، وفيشون، وذلك ما بين فيشون إلى شرقي النيل، وما بين منخر ريح الجنوب إلى منخر الشمال. وجعل لجام قسمه غربي النيل، فما وراءه إلى منخر ريح الدبور. وجعل قسم يافث في فيشون فما وراءه إلى منخر ريح الصبا، فكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم، ومن نار إبراهيم إلى مبعث يوسف، ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى، ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان، ومن ملك سليمان إلى مبعث عيسى بن مريم، ومن مبعث عيسى بن مريم الى ان بعث رسول ص.
وهذا الذي ذكر عن الشعبي من التاريخ ينبغي أن يكون على تاريخ اليهود، فأما أهل الإسلام فإنهم لم يؤرخوا إلا من الهجرة، ولم يكونوا يؤرخون بشيء من قبل ذلك، غير أن قريشا كانوا- فيما ذكر- يؤرخون قبل الإسلام بعام الفيل، وكان سائر العرب يؤرخون بأيامهم المذكورة، كتاريخهم بيوم جبلة، وبالكلاب الاول، والكلاب الثانى.
وكانت النصارى تؤرخ بعهد الإسكندر ذي القرنين، وأحسبهم على ذلك من التاريخ إلى اليوم.
وأما الفرس فإنهم كانوا يؤرخون بملوكهم، وهم اليوم فيما أعلم يؤرخون بعهد يزدجرد بن شهريار، لأنه كان آخر من كان من ملوكهم له ملك بابل والمشرق

(1/193)


ذكر بيوراسب، وهو الازدهاق
والعرب تسميه الضحاك، فتجعل الحرف الذي بين السين والزاي في الفارسية ضادا، والهاء حاء، والقاف كافا، وإياه عنى حبيب بن أوس بقوله:
ما نال ما قد نال فرعون ولا ... هامان في الدنيا ولا قارون
بل كان كالضحاك في سطواته ... بالعالمين، وأنت أفريدون
وهو الذي افتخر بادعائه أنه منهم الحسن بن هانئ في قوله:
وكان منا الضحاك يعبده ... الخابل والجن في مساربها
قال: واليمن تدعيه.
حُدِّثْتُ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ- فيما ذكر من أمر الضحاك هذا- قال: والعجم تدعي الضحاك وتزعم أن جما كان زوج أخته من بعض أشراف أهل بيته، وملكه على اليمن، فولدت له الضحاك.
قال: واليمن تدعيه، وتزعم أنه من أنفسها، وأنه الضحاك بن علوان بن عبيد بن عويج، وأنه ملك على مصر أخاه سنان بن علوان بن عبيد بن عويج، وهو أول الفراعنة، وأنه كان ملك مصر حين قدمها إبراهيم خليل الرحمن ع.
وأما الفرس فإنها تنسب الازدهاق هذا غير النسبة التي ذكر هشام عن أهل اليمن، وتذكر أنه بيوراسب بن ارونداسب بن زينكاو بن ويروشك

(1/194)


ابن تاز بن فرواك بن سيامك بن مشا بن جيومرت.
ومنهم من ينسبه هذه النسبة، غير أنه يخالف النطق بأسماء آبائه فيقول:
هو الضحاك بن اندرماسب بن زنجدار بن وندريسج بن تاج بن فرياك بن ساهمك بن تاذي بن جيومرت.
والمجوس تزعم ان تاج هذا هو أبو العرب، ويزعمون أن أم الضحاك كانت ودك بنت ويونجهان، وأنه قتل أباه تقربا بقتله إلى الشياطين، وأنه كان كثير المقام ببابل، وكان له ابنان يقال لأحدهما: سرهوار، وللآخر نفوار.
وقد ذكر عن الشعبي أنه كان يقول: هو قرشت مسخه الله ازدهاق.
ذكر الرواية عنه بِذَلِكَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بن الفضل، عن يحيى بن العلاء، عن القاسم بن سلمان، عن الشعبي، قال: أبجد، وهوز، وحطي، وكلمن، وسعفص، وقرشت، كانوا ملوكا جبابرة، فتفكر قرشت يوما، فقال:
تبارك الله أحسن الخالقين! فمسخه الله فجعله أجدهاق، وله سبعة

(1/195)


أرؤس، فهو الذي بدنباوند، وجميع أهل الأخبار من العرب والعجم تزعم أنه ملك الأقاليم كلها، وأنه كان ساحرا فاجرا.
وحدثت عن هشام بن محمد، قال: ملك الضحاك بعد جم- فيما يزعمون، والله أعلم- ألف سنة، ونزل السواد في قرية يقال لها نرس في ناحية طريق الكوفة، وملك الأرض كلها، وسار بالجور والعسف، وبسط يده في القتل، وكان أول من سن الصلب والقطع، وأول من وضع العشور، وضرب الدراهم، وأول من تغنى وغني له، قال: ويقال إنه خرج في منكبه سلعتان فكانتا تضربان عليه، فيشتد عليه الوجع حتى يطليهما بدماغ إنسان، فكان يقتل لذلك في كل يوم رجلين ويطلي سلعتيه بدماغيهما، فإذا فعل ذلك سكن ما يجد، فخرج عليه رجل من أهل بابل فاعتقد لواء، واجتمع إليه بشر كثير، فلما بلغ الضحاك خبره راعه، فبعث إليه: ما أمرك؟
وما تريد؟ قال: ألست تزعم أنك ملك الدنيا، وأن الدنيا لك! قال: بلى، قال: فليكن كلبك على الدنيا، ولا يكونن علينا خاصة، فإنك إنما تقتلنا دون الناس فأجابه الضحاك إلى ذلك، وأمر بالرجلين اللذين كان يقتلهما في كل يوم أن يقسما على الناس جميعا، ولا يخص بهما مكان دون مكان قال: فبلغنا أن أهل أصبهان من ولد ذلك الرجل الذي رفع اللواء، وأن ذلك اللواء لم يزل محفوظا عند ملوك فارس في خزائنهم، وكان فيما بلغنا جلد أسد، فألبسه ملوك فارس الذهب والديباج تيمنا به.
قال: وبلغنا أن الضحاك هو نمرود، وان ابراهيم خليل الرحمن ص

(1/196)


ولد في زمانه، وأنه صاحبه الذي أراد إحراقه.
قال: وبلغنا أن أفريدون- هو من نسل جم الملك الذي كان من قبل الضحاك، ويزعمون أنه التاسع من ولده، وكان مولده بدنباوند، خرج حتى ورد منزل الضحاك وهو عنه غائب بالهند، فحوى على منزله وما فيه، فبلغ الضحاك ذلك، فأقبل وقد سلبه الله قوته، وذهبت دولته، فوثب به أفريدون فأوثقه وصيره بجبال دنباوند، فالعجم تزعم أنه إلى اليوم موثق في الحديد يعذب هناك.
وذكر غير هشام أن الضحاك لم يكن غائبا عن مسكنه، ولكن افريدون ابن أثفيان جاء إلى مسكن له في حصن يدعى زرنج ماه. مهروز مهر، فنكح امرأتين له: تسمى إحداهما: أروناز والأخرى سنوار. فوهل بيوراسب لما عاين ذلك، وخر مدلها لا يعقل، فضرب أفريدون هامته بجرز له ملتوي الرأس، فزاده ذلك وهلا وعزوب عقل، ثم توجه به أفريدون إلى جبل دنباوند، وشده هنالك وثاقا، وامر الناس باتخاذ. مهر ماه مهر روز. - وهو المهرجان اليوم الذي أوثق فيه بيوراسب- عيدا، وعلا أفريدون سرير الملك.
وذكر عن الضحاك أنه قال يوم ملك وعقد عليه التاج: نحن ملوك الدنيا، المالكون لما فيها.
والفرس تزعم أن الملك لم يكن إلا للبطن الذى منه اوشهنج وجم وطهمورث، وان الضحاك كان غاصبا وأنه غصب أهل الأرض بسحره وخبثه، وهول عليهم بالحيتين اللتين كانتا على منكبيه، وأنه بنى بأرض بابل مدينة

(1/197)


سماها حوب، وجعل النبط أصحابه وبطانته، فلقي الناس منه كل جهد، وذبح الصبيان.
ويقول كثير من أهل الكتب: إن الذي كان على منكبيه كان لحمتين طويلتين ناتئتين على منكبيه، كل واحدة منهما كرأس الثعبان، وأنه كان بخبثه ومكره يسترهما بالثياب ويذكر على طريق التهويل أنهما حيتان يقتضيانه الطعام، وكانتا تتحركان تحت ثوبه إذا جاع كما يتحرك العضو من الإنسان عند التهابه بالجوع والغضب ومن الناس من يقول: كان ذلك حيتين، وقد ذكرت ما روي عن الشعبي في ذلك، والله أعلم بحقيقته وصحته.
وذكر بعض أهل العلم بأنساب الفرس وأمورهم أن الناس لم يزالوا من بيوراسب هذا في جهد شديد، حتى إذا أراد الله إهلاكه وثب به رجل من العامة من أهل أصبهان يقال له كابي، بسبب ابنين كانا له أخذهما رسل بيوراسب بسبب الحيتين اللتين كانتا على منكبيه. وقيل: إنه لما بلغ الجزع من كابي هذا على ولده أخذ عصا كانت بيده، فعلق بأطرافها جرابا كان معه، ثم نصب ذلك العلم، ودعا الناس إلى مجاهدة بيوراسب ومحاربته، فأسرع إلى إجابته خلق كثير، لما كانوا فيه معه من البلاء وفنون الجور، فلما غلب كابي تفاءل الناس بذلك العلم، فعظموا أمره، وزادوا فيه حتى صار عند ملوك العجم علمهم الأكبر الذي يتبركون به، وسموه درفش كابيان، فكانوا لا يسيرونه إلا في الأمور العظام، ولا يرفع إلا لأولاد الملوك إذا وجهوا في الأمور العظام.
وكان من خبر كابي أنه شخص عن أصبهان بمن تبعه والتف إليه في طريقه، فلما قرب من الضحاك وأشرف عليه، قذف في قلب الضحاك

(1/198)


منه الرعب، فهرب عن منازله، وخلى مكانه، وانفتح للأعاجم فيه ما أرادوا، فاجتمعوا إلى كابي وتناظروا، فأعلمهم كابي أنه لا يتعرض للملك، لأنه ليس من أهله، وأمرهم أن يملكوا بعض ولد جم، لأنه ابن الملك الاكبر او شهنق بن فرواك الذي رسم الملك، وسبق إلى القيام به، وكان أفريدون بن أثفيان مستخفيا في بعض النواحي من الضحاك، فوافى كابي ومن كان معه، فاستبشر القوم بموافاته، وذلك أنه كان مرشحا للملك برواية كانت لهم في ذلك، فملكوه، وصار كابي والوجوه لأفريدون أعوانا على أمره، فلما ملك وأحكم ما احتاج إليه من أمر الملك، واحتوى على منازل الضحاك، أتبعه فأسره بدنباوند في جبالها.
وبعض المجوس تزعم أنه جعله أسيرا حبيسا في تلك الجبال، موكلا به قوم من الجن.
ومنهم من يقول: إنه قتله، وزعموا أنه لم يسمع من أمور الضحاك شيء يستحسن غير شيء واحد، وهو أن بليته لما اشتدت ودام جوره وطالت أيامه، عظم على الناس ما لقوا منه، فتراسل الوجوه في أمره، فأجمعوا على المصير إلى بابه، فوافى بابه الوجوه والعظماء من الكور والنواحي، فتناظروا في الدخول عليه والتظلم اليه، والتاتى لاستعطافه، فاتفقوا على أن يقدموا للخطاب عنهم كابي الأصبهاني، فلما صاروا إلى بابه أعلم بمكانهم، فأذن لهم، فدخلوا وكابي متقدم لهم، فمثل بين يديه، وأمسك عن السلام، ثم قال: أيها الملك، أي السلام أسلم عليك؟ أسلام من يملك هذه الأقاليم كلها، أم سلام من يملك هذا الإقليم الواحد؟ يعني بابل، فقال له الضحاك: بل سلام من يملك هذه الأقاليم كلها، لأني ملك الأرض. فقال له الأصبهاني: فإذا كنت تملك الأقاليم كلها، وكانت يدك تنالها أجمع، فما بالنا قد خصصنا بمؤنتك

(1/199)


وتحاملك وإساءتك من بين أهل الأقاليم! وكيف لم تقسم أمر كذا وكذا بيننا وبين الأقاليم؟ وعدد عليه أشياء كان يمكنه تخفيفها عنهم، وجرد له الصدق والقول في ذلك، فقدح في قلب الضحاك قوله، وعمل فيه حتى انخزل وأقر بالإساءة، وتألف القوم ووعدهم ما يحبون، وأمرهم بالانصراف لينزلوا ويتدعوا، ثم يعودوا ليقضي حوائجهم، ثم ينصرفوا إلى بلادهم.
وزعموا أن أمه ودك كانت شرا منه وأردى، وأنها كانت في وقت معاتبة القوم إياه بالقرب منه تتعرف ما يقولونه، فتغتاظ وتنكره، فلما خرج القوم دخلت مستشيطة منكرة على الضحاك احتماله القوم، وقالت له: قد بلغني كل ما كان وجرأة هؤلاء القوم عليك حتى قرعوك بكذا، وأسمعوك كذا، أفلا دمرت عليهم ودمدمتهم، أو قطعت أيديهم! فلما أكثرت على الضحاك قال لها مع عتوه: يا هذه، إنك لم تفكري في شيء إلا وقد سبقت اليه، الا ان القوم بدهونى بالحق، وقرعونى به، فلما هممت بالسطوة بهم والوثوب عليهم تخيل الحق فمثل بيني وبينهم بمنزلة الجبل، فما أمكنني فيهم شيء ثم سكتها وأخرجها، ثم جلس لأهل النواحي بعد أيام، فوفى لهم بما وعدهم، وردهم وقد لان لهم، وقضى أكثر حوائجهم، ولا يعرف للضحاك- فيما ذكر- فعلة استحسنت منه غير هذه.
وقد ذكر أن عمر الأجدهاق هذا كان ألف سنه، وان ملكه منها كان ستمائه سنة، وأنه كان في باقي عمره شبيها بالملك لقدرته ونفوذ أمره وقال

(1/200)


بعضهم: إنه ملك ألف سنة وكان عمره ألف سنة ومائة سنة، إلى أن خرج عليه أفريدون فقهره وقتله.
وقال بعض علماء الفرس: لا نعلم أحدا كان أطول عمرا- ممن لم يذكر عمره في التوراة- من الضحاك هذا، ومن جامر بن يافث بن نوح أبي الفرس، فإنه ذكر أن عمره كان ألف سنة.
وإنما ذكرنا خبر بيوراسب في هذا الموضع، لأن بعضهم زعم أن نوحا ع كان في زمانه، وأنه إنما كان أرسل إليه وإلى من كان في مملكته، ممن دان بطاعته واتبعه على ما كان عليه من العتو والتمرد على الله، فذكرنا إحسان الله وأياديه عند نوح ع بطاعته ربه وصبره على ما لقي منه من الأذى والمكروه في عاجل الدنيا، بأن نجاه ومن آمن معه واتبعه من قومه، وجعل ذريته هم الباقين في الدنيا، وأبقى له ذكره بالثناء الجميل، مع ما ذخر له عنده في الآجل من النعيم المقيم والعيش الهنيء، وإهلاكه الآخرين بمعصيتهم إياه وتمردهم عليه، وخلافهم أمره، فسلبهم ما كانوا فيه من النعيم، وجعلهم عبرة وعظة للغابرين، مع ما ذخر لهم عنده في الآجل من العذاب الأليم.
ونرجع الآن إلى ذكر نوح ع والخبر عنه وعن ذريته، إذ كانوا هم الباقين اليوم كما أخبر الله عنهم، وكان الآخرون الذين بعث نوح إليهم خلا ولده ونسله قد بادوا وذريتهم، فلم يبق منهم ولا من أعقابهم أحد.
[قد ذكرنا قبل عن رسول الله ص أنه قال في قول الله عز وجل: «وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ» : إنهم سام، وحام، ويافث] .
حَدَّثَنِي محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حَدَّثَنَا عبد الصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه، يقول: إن سام بن نوح أبو العرب وفارس والروم، وإن حام أبو السودان، وأن يافث ابو الترك وابو يأجوج وماجوج، وهو بنو عم الترك

(1/201)


وقيل: كانت زوجة يافث أربسيسة بنت مرازيل بن الدرمسيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم ع، فولدت له سبعة نفر وامرأة.
فممن ولدت له من الذكور جومر بن يافث وهو- فيما حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق- أبو يأجوج ومأجوج، ومارح بن يافث ووائل بن يافث، وحوان بن يافث، وتوبيل بن يافث، وهوشل بن يافث، وترس بن يافث، وشبكة بنت يافث قال: فمن بني يافث كانت يأجوج ومأجوج والصقالبة والترك فيما يزعمون وكانت امرأة حام بن نوح نحلب بنت مارب بن الدرمسيل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم فولدت له ثلاثة نفر: كوش بن حام بن نوح، وقوط بن حام بن نوح، وكنعان بن حام فنكح كوش بن حام بن نوح قرنبيل ابنة بتاويل بن ترس بن يافث، فولدت له الحبشة والسند والهند فيما يزعمون ونكح قوط بن حام بن نوح بخت ابنه بتاويل ابن ترس بن يافث بن نوح، فولدت له القبط- قبط مصر- فيما يزعمون ونكح كنعان بن حام بن نوح ارتيل ابنة بتاويل بن ترس بن يافث بن نوح، فولدت له الأساود: نوبة، وفزان، والزنج، والزغاوة، وأجناس السودان كلها.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، في الحديث قال: ويزعم أهل التوراة أن ذلك لم يكن الا عن دعوة دعاها نوح على ابنه حام، وذلك أن نوحا نام فانكشف عن عورته، فرآها حام فلم يغطها، ورآها سام ويافث فألقيا عليها ثوبا فواريا عورته، فلما هب من نومته علم ما صنع حام وسام ويافث، فقال: ملعون كنعان بن حام، عبيدا يكونون لأخوته، وقال: يبارك الله ربي في سام، ويكون حام عبد أخويه، ويقرض الله يافث، ويحل في مساكن حام، ويكون كنعان عبدا لهم قال: وكانت امراه سام

(1/202)


ابن نوح صليب ابنه بتاويل بن محويل بن خنوخ بن قين بن آدم، فولدت له نفرا: أرفخشد بن سام، وأشوذ بن سام، ولاوذ بن سام، وعويلم بن سام، وكان لسام إرم بن سام، قال: ولا أدري إرم لأم أرفخشد وإخوته أم لا؟
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: أخبرني أبي، عن أبي صالح، عن ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا ضَاقَتْ بِوَلَدِ نُوحٍ سُوقُ ثَمَانِينَ تَحَوَّلُوا إِلَى بَابِلَ فَبَنُوهَا، وَهِيَ بَيْنَ الْفُرَاتِ وَالصَّرَاةِ، وَكَانَتِ اثْنَيْ عَشْرَ فَرْسَخًا فِي اثْنَيْ عَشْرَ فَرْسَخًا، وَكَانَ بَابُهَا مَوْضِعَ دَوَرَانِ الْيَوْمِ، فَوْقَ جِسْرِ الْكُوفَةِ يُسْرَةً إِذَا عَبَرْتَ، فَكَثُرُوا بِهَا حَتَّى بَلَغُوا مِائَةَ أَلْفٍ، وَهُمْ عَلَى الإِسْلامِ.
وَرَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَنَكَحَ لاوذُ بْنُ سَامَ بْنِ نُوحٍ شبكةَ ابْنَةَ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ فَارِسَ وَجُرْجَانَ وَأَجْنَاسَ فَارِسَ، وَوُلِدَ لِلاوِذَ مَعَ الْفُرْسِ طسمُ وَعِمْلِيقُ، وَلا أَدْرِي أَهُوَ لأُمِّ الْفُرْسِ أَمْ لا؟ فَعِمْلِيقُ أَبُو الْعَمَالِيقِ كُلِّهِمْ أُمَمٍ تَفَرَّقَتْ فِي الْبِلادِ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَأَهْلُ عُمَانَ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ مِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ كَانَتِ الْجَبَابِرَةُ بِالشَّامِ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ الْكَنْعَانِيُّونَ، وَمِنْهُمْ كَانَتِ الْفَرَاعِنَةُ بِمِصْرَ، وَكَانَ أَهْلُ الْبَحْرَيْنِ وَأَهْلُ عُمَانَ مِنْهُمْ أمه يسمون جاسم، وكان ساكنى الْمَدِينَةَ مِنْهُمْ، بَنُو هفٍّ وَسَعْدِ بْنِ هَزَّانَ، وَبَنُو مَطَرٍ، وَبَنُو الأَزْرَقِ وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْهُمْ بُدَيْلٌ وَرَاحِلٌ وَغِفَارٌ، وَأَهْلُ تَيْمَاءَ مِنْهُمْ وَكَانَ مَلِكُ الْحِجَازِ مِنْهُمْ بِتَيْمَاءَ اسْمُهُ الأَرْقَمُ، وَكَانُوا سَاكِنِي نَجْدٍ مَعَ ذَلِكَ وَكَانَ سَاكِنِي الطَّائِفِ بَنُو عَبْدِ بْنِ ضَخْمٍ، حَيٌّ مِنْ عَبْسٍ الأَوَّلُ.
قَالَ: وَكَانَ بَنُو أُمَيْمِ بْنِ لاوِذَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ أَهْلَ وبار بِأَرْضِ الرمل،

(1/203)


رَمْلِ عَالِجٍ، وَكَانُوا قَدْ كَثُرُوا بِهَا وَرَبَلُوا، فَأَصَابَتْهُمْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَقْمَةٌ مِنْ مَعْصِيَةٍ أَصَابُوهَا، فَهَلَكُوا وَبَقِيَتْ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ، وَهُمُ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ النَّسْنَاسُ.
قَالَ: وَكَانَ طسمُ بْنُ لاوِذَ سَاكِنَ الْيَمَامَةِ وَمَا حَوْلَهَا، قَدْ كَثُرُوا بِهَا وَرَبَلُوا إِلَى الْبَحْرَيْنِ، فَكَانَتْ طسمُ وَالْعَمَالِيقُ وَأُمَيْمُ وَجَاسِمُ قَوْمًا عَرَبًا، لِسَانُهُمُ الَّذِي جُبِلُوا عَلَيْهِ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ وَكَانَتْ فَارِسُ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ بِبِلادِ فَارِسَ، يَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا اللِّسَانِ الْفَارِسِيِّ.
قَالَ: وَوَلَدُ إرَمَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ عوصُ بْنُ إِرمَ، وَغَاثِرُ بْنُ إِرمَ، وَحويلُ بْنُ إرمَ فَوَلَدُ عوصِ بْنِ إرمَ غَاثِرُ بْنُ عوصٍ، وَعَادُ بْنُ عوصٍ، وَعُبَيْلُ ابن عوصٍ وَوَلَدُ غَاثِرِ بْنِ إرمَ ثَمُودُ بْنُ غَاثِرٍ، وَجُدَيْسُ بْنُ غَاثِرٍ وَكَانُوا قَوْمًا عَرَبًا يَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا اللِّسَانِ الْمُضَرِيِّ، فَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ لِهَذِهِ الأُمَمِ: الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ، لأَنَّهُ لِسَانُهُمُ الَّذِي جُبِلُوا عَلَيْهِ، وَيَقُولُونَ لِبَنِي إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ:
الْعَرَبُ الْمُتَعَرِّبَةُ، لأَنَّهُمْ إِنَّمَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِ هَذِهِ الأُمَمِ حِينَ سَكَنُوا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
فَعَادٌ وَثَمُودُ وَالْعَمَالِيقُ وَأُمَيْمٌ وَجَاسِمٌ وَجُدَيْسٌ وَطَسمٌ هُمُ الْعَرَبُ، فكانت عاد بهذه الرمل الى حضر موت وَالْيَمَنِ كُلِّهِ، وَكَانَتْ ثَمُودُ بِالْحَجَرِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ إِلَى وَادِي الْقُرَى وَمَا حَوْلَهُ، وَلَحِقَتْ جُدَيْسٌ بِطسمٍ، فَكَانُوا مَعَهُمْ بِالْيَمَامَةِ وَمَا حَوْلَهَا إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَاسْمُ الْيَمَامَةِ إِذْ ذَاكَ جَوٌّ، وَسَكَنَتْ جَاسِمٌ عُمَانَ فَكَانُوا بِهَا.
وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ إِسْحَاقَ: إِنَّ نُوحًا دَعَا لِسَامَ بِأَنْ يَكُونَ الأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ مِنْ وَلَدِهِ، وَدَعَا لِيَافِثَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُلُوكُ مِنْ وَلَدِهِ، وَبَدَأَ بِالدُّعَاءِ لِيَافِثَ وَقَدَّمَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى سَامَ، وَدَعَا عَلَى حَامَ بِأَنْ يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَيَكُونُ وَلَدُهُ عَبِيدًا لِوَلَدِ سَامَ وَيَافِثَ.
قَالَ: وَذُكِرَ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ رَقَّ عَلَى حَامَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَدَعَا لَهُ بِأَنْ يُرْزَقَ الرَّأْفَةَ مِنْ إِخْوَتِهِ، ودعا من ولد وَلَدِهِ لِكوشَ بْنِ حَامَ وَلِجَامِرِ بْنِ يَافِثَ بن نوح،

(1/204)


وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّةً مِنْ وَلَدِ الْوَلَدِ لَحِقُوا نُوحًا فَخَدَمُوهُ، كَمَا خَدَمَهُ وَلَدُهُ لِصُلْبِهِ، فَدَعَا لِعِدَّةٍ مِنْهُمْ.
قَالَ: فَوُلِدَ لِسَامَ عَابِرٌ وَعُلَيْمٌ وَأَشُوذُ وَأَرْفَخْشَدُ وَلاوِذُ وَإِرَمُ، وَكَانَ مَقَامُهُ بِمَكَّةَ.
قَالَ: فَمِنْ وَلَدِ أَرْفَخْشَدَ الأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ وَخِيَارُ النَّاسِ، وَالْعَرَبُ كُلُّهَا، وَالْفَرَاعِنَةُ بِمِصْرَ وَمِنْ وَلَدِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ مُلُوكُ الأَعَاجِمِ كُلُّهَا مِنَ التُّرْكِ وَالْخُزْرِ وَغَيْرِهِمْ، وَالْفُرْسِ الَّذِينَ آخِرُ مَنْ ملك منهم يزدجرد بن شهريار ابن أبرويزَ، وَنَسَبُهُ يَنْتَهِي إِلَى جيومرتَ بْنِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ.
قَالَ: وَيُقَالُ إِنَّ قَوْمًا مِنْ وَلَدِ لاوِذَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ وَغَيْرِهِ مِنْ إِخْوَتِهِ نَزَعُوا إِلَى جَامِرٍ هَذَا، فَأَدْخَلَهُمْ جَامِرٌ فِي نِعْمَتِهِ وَمُلْكِهِ، وَأَنَّ مِنْهُمْ مَاذِيَّ بْنَ يَافِثَ، وَهُوَ الَّذِي تُنْسَبُ السُّيُوفُ الْمَاذِيَّةُ إِلَيْهِ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ إِنَّ كيرشَ الْمَاذَوِيَّ قَاتَلَ بلشصرَ بْنَ أولمرودخَ بْنِ بختنصرَ مِنْ وَلَدِهِ.
قَالَ: وَمِنْ وَلَدِ حَامَ بْنِ نُوحٍ، النُّوبَةُ، وَالْحَبَشَةُ، وَفَزَّانُ، وَالْهِنْدُ، وَالسِّنْدُ، وَأَهْلُ السَّوَاحِلِ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.
قَالَ: وَمِنْهُمْ نُمْرُودٌ، وَهُوَ نُمْرُودُ بْنُ كُوشَ بْنِ حَامَ.
قَالَ: وَوُلِدَ لأَرْفَخْشَدَ بْنِ سَامَ ابْنُهُ قينَانُ، وَلا ذِكْرَ لَهُ فِي التَّوْرَاةِ، وَهُوَ الَّذِي قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَنْ يُذْكَرَ فِي الْكُتُبِ الْمُنْزَلَةِ، لأَنَّهُ كَانَ سَاحِرًا، وَسَمَّى نَفْسَهُ إِلَهًا، فَسِيقَتِ الْمَوَالِيدُ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى أَرْفَخْشَدَ بْنِ سَامَ ثُمَّ عَلَى شَالِخِ بْنِ قينانَ بْنِ أَرْفَخْشَدَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُذْكَرَ قينانُ فِي النَّسَبِ، لِمَا ذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: وَقِيلَ فِي شَالِخٍ: إِنَّهُ شَالِخُ بْنُ أَرْفَخْشَدَ مِنْ وَلَدٍ لِقينانَ وَوُلِدَ لِشَالِخٍ عَابِرٌ وَوُلِدَ لِعَابِرٍ ابْنَانِ: أَحَدُهُمَا فَالِغٌ، وَمَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ قَاسِمٌ- وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنَّ الأَرْضَ قُسِمَتْ وَالأَلْسُنَ تَبَلْبَلَتْ فِي أَيَّامِهِ- وَسُمِّيَ الآخَرُ قَحْطَانُ.
فَوُلِدَ لِقَحْطَانَ يَعْرُبُ وَيَقْطَانُ ابْنَا قَحْطَانَ بْنِ عَابِرِ بْنِ شَالِخٍ، فَنَزَلا أَرْضَ الْيَمَنِ، وَكَانَ قَحْطَانُ أَوَّلَ مَنْ مَلَكَ الْيَمَنَ، وَأَوَّلَ مَنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ ب أَبَيْتَ اللَّعْنَ، كَمَا كَانَ يُقَالُ لِلْمُلُوكِ وَوُلِدَ لِفَالِغِ بْنِ عَابِرٍ أَرْغُوا- وَوُلِدَ لأَرْغُوا سَارُوغُ، وَوُلِدَ لِسَارُوغَ نَاحُورَا، وَوُلِدَ لِنَاحُورَا تَارِخُ- وَاسْمُهُ بالعربية آزر- وولد لتارخ

(1/205)


ابراهيم ص وَوُلِدَ لأَرْفَخْشَدَ أَيْضًا نُمْرُودُ بْنُ أَرْفَخْشَدَ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِنَاحِيَةِ الْحَجرِ وَوُلِدَ لِلاوِذَ بْنِ سَامَ طسمُ وَجُدَيْسٌ، وَكَانَ مَنْزِلُهُمَا الْيَمَامَةَ.
وَوُلِدَ لِلاوِذَ أَيْضًا عِمْلِيقُ بْنُ لاوِذَ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ الْحَرَمَ وَأَكْنَافَ مَكَّةَ، وَلَحِقَ بَعْضُ وَلَدِهِ بِالشَّامِ، فَمُنْهُمْ كَانَتِ الْعَمَالِيقُ، وَمِنَ الْعَمَالِيقِ الْفَرَاعِنَةُ بِمِصْرَ.
وَوُلِدَ لِلاوِذَ أَيْضًا أُمَيْمُ بْنُ لاوِذَ بْنِ سَامَ، وَكَانَ كَثِيرَ الْوَلَدِ، فَنَزَعَ بَعْضُهُمْ إِلَى جَامِرِ بْنِ يَافِثَ بِالْمَشْرِقِ وَوُلِدَ لإرَمَ بْنِ سَامَ عوصُ بْنُ إِرَمَ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ الأَحْقَافَ وَوُلِدَ لِعُوصٍ عَادُ بْنُ عُوصٍ.
وَأَمَّا حَامُ بْنُ نُوحٍ، فَوُلِدَ لَهُ كوشُ وَمصرايمُ وَقُوطُ وَكَنْعَانُ، فَمِنْ وَلَدِ كوشَ نُمْرُودٌ الْمُتَجَبِّرُ الَّذِي كَانَ بِبَابِلَ، وَهُوَ نُمْرُودُ بْنُ كوشَ بْنِ حَامَ، وَصَارَتْ بَقِيَّةُ وَلَدِ حَامَ بِالسَّوَاحِلِ مِنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَالنُّوبَةِ وَالْحَبَشَةِ وَفَزَّانَ.
قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ مصرايمَ وَلَدُ الْقِبْطِ وَالْبَرْبَرِ، وَإِنَّ قُوطًا صَارَ الى ارض السند والهند فنزلها، وَإِنَّ أَهْلَهَا مِنْ وَلَدِهِ.
وَأَمَّا يَافِثُ بْنُ نُوحٍ فَوُلِدَ لَهُ جَامِرٌ وَموعجٌ وَموادِي وَبَوانُ وثوبال وماشج وَتيرشُ وَمِنْ وَلَدِ جَامِرٍ مُلُوكُ فَارِسَ وَمِنْ وَلَدِ تيرشَ التُّرْكُ وَالْخُزرُ وَمِنْ وَلَدِ مَاشِجٍ الأَشْبَانُ وَمِنْ وَلَدِ موعجٍ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَهُمْ فِي شَرْقِيِّ أَرْضِ التُّرْكِ وَالْخُزْرِ وَمِنْ وَلَدِ بوان الصَّقَالِبَةُ وَبرْجَانُ وَالأَشْبَانُ، كَانُوا فِي الْقَدِيمِ بِأَرْضِ الرُّومِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِهَا مَنْ وَقَعَ مِنْ وَلَدِ الْعيصِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَصَدَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ: سَامَ وَحَامَ وَيَافِثَ أَرْضًا، فَسَكَنُوهَا وَدَفَعُوا غَيْرَهُمْ عَنْهَا.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ محمد، قَالَ: حدثنا محمد بن سعد، قال:
أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قال:
اوحى الله الى موسى ع: إِنَّكَ يَا مُوسَى وَقَوْمَكَ وَأَهْلَ الْجَزِيرَةِ وَأَهْلَ الْعَالِ مِنْ وَلَدِ سَامِ بْنِ نُوحٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالْعَرَبُ وَالْفُرْسُ وَالنَّبْطُ وَالْهِنْدُ وَالسِّنْدُ مِنْ وَلَدِ سَامِ بْنِ نُوحٍ.
حَدَّثَنِي الحارث، قال: حدثنا مُحَمَّد بن سعد، قال: أخبرنا هشام بن

(1/206)


محمد، عن أبيه: قال: الهند والسند بنو توقير بن يقطن بن عابر بن شالخ ابن أرفخشد بن سام بن نوح ومكران بن البند، وجرهم، اسمه هذرم بن عابر بن سبأ بن يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.
وحضرموت بن يقطن بن عابر بن شالخ ويقطن هو قحطان بن عابر بن شالخ ابن أرفخشد بن سام بن نوح، في قول من نسبه إلى غير إسماعيل والفرس بنو فارس بن تيرش بن ناسور بن نوح والنبط بنو نبيط بن ماش ابن ارم بن سام بن نوح وأهل الجزيرة والعال من ولد ماش بن إرم بن سام ابن نوح وعمليق- وهو عريب- وطسم وأميم بنو لوذ بن سام بن نوح.
وعمليق هو أبو العمالقة، ومنهم البربر وهم بنو ثميلا بن مارب بن فاران بن عمرو بن عمليق بن لوذ بن سام بن نوح، ما خلا صنهاجة وكتامة، فإنهما بنو فريقيش بن قيس بن صيفي بن سبأ.
ويقال: إن عمليق أول من تكلم بالعربية حين ظعنوا من بابل، فكان يقال لهم ولجرهم: العرب العاربة وثمود وجديس ابنا عابر بن ارم بن سام ابن نوح، وعاد وعبيل ابنا عوص بن إرم بن سام بن نوح، والروم بنو لنطى ابن يونان بن يافث بن نوح ونمرود بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح.
وهو صاحب بابل، وهو صاحب إبراهيم خليل الرحمن ص.
قال: وكان يقال لعاد في دهرهم عاد إرم، فلما هلكت عاد قيل لثمود إرم، فلما هلكت ثمود قيل لسائر بني إرم: إرمان، فهم النبط، فكل هؤلاء كان على الإسلام وهم ببابل، حتى ملكهم نمرود بن كوش بن كنعان بن حام ابن نوح، فدعاهم إلى عبادة الأوثان ففعلوا، فأمسوا وكلامهم السريانية، ثم أصبحوا وقد بلبل الله ألسنتهم، فجعل لا يعرف بعضهم كلام بعض، فصار لبني سام ثمانية عشر لسانا، ولبني حام ثمانية عشر لسانا، ولبني يافث

(1/207)


ستة وثلاثون لسانا، ففهم الله العربية عادا وعبيل وثمود وجديس وعمليق وطسم وأميم وبني يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح.
وكان الذي عقد لهم الألوية ببابل بوناظر بن نوح، وكان نوح فِيمَا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنِ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي قَابِيلَ، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلامًا، فَسَمَّاهُ بوناظرَ، فَوَلَدَهُ بِمَدِينَةٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا معلونُ شَمْسًا، فَنَزَلَ بَنُو سَامَ الْمُجَدَّلُ سرةَ الأَرْضِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ سَاتِيدْمَا إِلَى الْبَحْرِ، وَمَا بَيْنَ الْيَمَنِ إِلَى الشَّامِ، وَجَعَلَ اللَّهُ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَالْجَمَالَ وَالأَدمَةَ وَالْبَيَاضَ فِيهِمْ.
وَنَزَلَ بَنُو حَامَ مَجْرَى الْجَنُوبِ وَالدَّبُورِ، وَيُقَالُ لِتِلْكَ النَّاحِيَةِ الدَّارُومُ، وَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِمْ أُدْمَةً وَبَيَاضًا قَلِيلا، وَأَعْمَرَ بِلادَهُمْ وَسَمَاءَهُمْ، وَرَفَعَ عَنْهُمُ الطَّاعُونَ، وَجَعَلَ فِي أَرْضِهِمُ الأَثْلَ وَالأَرَاكَ وَالْعشرَ وَالْغَارَ وَالنَّخْلَ، وَجَرَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فِي سَمَائِهِمْ وَنَزَلَ بَنُو يَافِثَ الصِّفُونَ مَجْرَى الشَّمَالِ وَالصَّبَا، وَفِيهِمُ الْحُمْرَةُ وَالشُّقْرَةُ، وَأَخْلَى اللَّهُ أَرْضَهُمْ فَاشْتَدَّ بَرْدُهَا، وَأَخْلَى سَمَاءَهُمْ، فَلَيْسَ يَجْرِي فَوقَهُمْ شَيْءٌ مِنَ النُّجُومِ السَّبْعَةِ الْجَارِيَةِ، لأَنَّهُمْ صَارُوا تَحْتَ بَنَاتِ نَعْشٍ وَالْجَدي وَالْفَرْقَديْنِ، فَابْتُلُوا بِالطَّاعُونِ ثُمَّ لَحِقَتْ عَادٌ بِالشَّحرِ فَعَلَيْهِ هَلَكُوا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ مُغِيثُ، فَلَحِقَتْهُمْ بَعْدَ مهْرَةَ بِالشَّحْرِ وَلَحِقَتْ عُبَيْلَ بِمَوْضِعِ يَثْرِبَ وَلَحِقَتِ الْعَمَالِيقُ بِصَنْعَاءَ قَبْلَ أَنْ تُسَمَّى صَنْعَاءَ، ثُمَّ انْحَدَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى يَثْرِبَ، فاخرجوا منها عبيل، فَنَزَلُوا مَوْضِعَ الْجُحْفَةِ، فَأَقْبَلَ السَّيْلُ فَاجْتَحَفَهُمْ فَذَهَبَ بِهِمْ فَسُمِّيَتِ الْجُحْفَةُ وَلَحِقَتْ ثَمُودُ بِالْحجْرِ وَمَا يَلِيهِ فَهَلَكُوا ثَمَّ، وَلَحِقَتْ طسمُ وَجُدَيْسٌ بِالْيَمَامَةِ فَهَلَكُوا وَلَحِقَتْ أُمَيْمٌ بِأَرْضِ أَبارٍ فَهَلَكُوا بِهَا، وَهِيَ بَيْنَ الْيَمَامَةِ وَالشَّحْرِ، وَلا يَصِلُ إِلَيْهَا الْيَوْمَ أَحَدٌ، غَلَبَتْ عَلَيْهَا الْجِنُّ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ أَبَّارُ بِأَبَّارِ بْنِ أُمَيْمٍ

(1/208)


وَلَحِقَتْ بَنُو يَقْطُنَ بْنِ عَابِرٍ بِالْيَمَنِ، فَسُمِّيَتِ الْيَمَنُ حَيْثُ تَيَامَنُوا إِلَيْهَا، وَلَحِقَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي كَنْعَانَ بِالشَّامِ فَسُمِّيَتِ الشَّامُ حَيْثُ تَشَاءَمُوا إِلَيْهَا، وَكَانَتِ الشَّامُ يُقَالُ لَهَا أَرْضُ بَنِي كَنْعَانَ، ثُمَّ جَاءَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَتَلُوهُمْ بِهَا، وَنَفَوْهُمْ عَنْهَا، فَكَانَتِ الشَّامُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ثُمَّ وَثَبَتِ الرُّومُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَتَلُوهُمْ، وَأَجْلَوْهُمْ إِلَى الْعِرَاقِ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ، ثُمَّ جَاءَتِ الْعَرَبُ فَغَلَبُوا عَلَى الشَّامِ، وَكَانَ فَالِغُ- وَهُوَ فَالِغُ بْنُ عَابِرِ بْنِ أَرْفَخْشَدَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ- هُوَ الَّذِي قَسَّمَ الأَرْضَ بَيْنَ بَنِي نُوحٍ كَمَا سَمَّيْنَا وَأَمَّا الأَخْبَارُ عَنْ رسول الله ص وَعَنْ عُلَمَاءِ سَلَفِنَا فِي أَنْسَابِ الأُمَمِ الَّتِي هِيَ فِي الأَرْضِ الْيَوْمَ، فَعَلَى مَا حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، قال: [قال رسول الله ص: سَامُ أَبُو الْعَرَبِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ، وَحَامُ أَبُو الْحَبَشِ] .
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عن سمره بن جندب، عن [النبي ص، قَالَ: وَلَدُ نُوحٍ ثَلاثَةٌ: سَامُ وَحَامُ وَيَافِثُ، فَسَامُ أَبُو الْعَرَبِ، وَحَامُ أَبُو الزِّنْجِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ] .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عن سمره، قال: [قال رسول الله ص: سَامُ أَبُو الْعَرَبِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ، وَحَامُ أَبُو الْحَبَشِ] .
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عن سمره، [عن النبي ص، قَالَ:
وَلَدُ نُوحٍ سَامُ وَحَامُ وَيَافِثُ] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ رَوْحٌ: أَحْفَظُ يَافِثُ، وَسَمِعْتُ مره يافث.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عن النبي ص

(1/209)


حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: وَلَدُ نُوحٍ ثَلاثَةُ، وَوَلَدٍ كُلُّ وَاحِدٍ ثَلاثَةٌ: سَامُ، وَحَامُ، وَيَافِثُ.
فَوَلَدُ سَامَ الْعَرَبُ وَفَارِسُ وَالرُّومُ، وَفِي كُلِّ هَؤُلاءِ خَيْرٌ وَوَلَدُ يَافِثَ التُّرْكُ وَالصَّقَالِبَةُ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاءِ خَيْرٌ، وَوَلَدُ حَامَ الْقِبْطُ وَالسُّودَانُ وَالْبَرْبَرُ.
وروي عن ضمرة بن ربيعة، عن ابن عطاء، عن أبيه، قال: ولد حام كل أسود جعد الشعر، وولد يافث كل عظيم الوجه صغير العينين، وولد سام كل حسن الوجه حسن الشعر قال: ودعا نوح على حام ألا يعدو شعر ولده آذانهم، وحيثما لقي ولده ولد سام استعبدوهم.
وزعم أهل التوراة أن سام ولد لنوح بعد أن مضى من عمره خمسمائة سنة، ثم ولد لسام أرفخشد بعد أن مضى من عمر سام مائة سنة وسنتان، فكان جميع عمر سام- فيما زعموا- ستمائه سنة ثم ولد لأرفخشد قينان، وكان عمر ارفخشد أربعمائة سنة وثمانيا وثلاثين سنة وولد قينان لأرفخشد بعد أن مضى من عمره خمس وثلاثون سنة، ثم ولد لقينان شالخ بعد أن مضى من عمره تسع وثلاثون سنة، ولم يذكر مدة عمر قينان في الكتب فيما ذكر لما ذكرنا من أمره قبل.
ثم ولد لشالخ عابر بعد أن مضى من عمره ثلاثون سنة، وكان عمر شالخ كله أربعمائة سنة وثلاثا وثلاثين سنة.
ثم ولد لعابر فالغ وأخوه قحطان، وكان مولد فالغ بعد الطوفان بمائة وأربعين سنة، فلما كثر الناس بعد ذلك مع قرب عهدهم بالطوفان هموا ببناء مدينة تجمعهم فلا يتفرقون، أو صرح عال يحرزهم من الطوفان إن كان مرة أخرى فلا يغرقون، فأراد الله عز وجل أن يوهن أمرهم، ويخلف ظنهم ويعلمهم أن الحول والقوه له، فبدد شملهم، وشتت جمعهم، وفرق ألسنتهم وكان عمر عابر أربعمائة سنة وأربعا وسبعين سنة

(1/210)


ثم ولد لفالغ أرغوا، وكان عمر فالغ مائتين وتسعا وثلاثين سنة، وولد أرغوا لفالغ وقد مضى من عمره ثلاثون سنة، ثم ولد لأرغوا ساروغ، وكان عمر أرغوا مائتين وتسعا وثلاثين سنة، وولد له ساروغ بعد ما مضى من عمره اثنتان وثلاثون سنة ثم ولد لساروغ ناحور، وكان عمر ساروغ مائتين وثلاثين سنة وولد له ناحور، وقد مضى من عمره ثلاثون سنة.
ثم ولد لناحور تارخ أبو إبراهيم، صلوات الله عليه، وكان هذا الاسم اسمه الذي سماه أبوه، فلما صار مع نمرود قيما على خزانة آلهته سماه آزر.
وقد قيل: إن آزر ليس باسم أبيه، وإنما هو اسم صنم، فهذا قول يروى عن مجاهد وقد قيل إنه عيب عابه به بمعنى معوج، بعد ما مضى من عمر ناحور سبع وعشرون سنة، وكان عمر ناحور كله مائتين وثمانيا وأربعين سنة.
وولد لتارخ إبراهيم، وكان بين الطوفان ومولد إبراهيم ألف سنة وتسع وسبعون سنة، وكان بعض أهل الكتاب يقول: كان بين الطوفان ومولد إبراهيم ألف سنة ومائتا سنة وثلاث وستون سنة، وذلك بعد خلق آدم بثلاثة آلاف وثلاثمائة سنة وسبع وثلاثين سنة.
وولد لقحطان بن عابر يعرب، فولد يعرب يشجب بن يعرب، فولد يشجب سبأ بن يشجب، فولد سبأ حمير بن سبأ وكهلان بن سبأ وعمرو ابن سبأ، والأشعر بن سبأ وأنمار بن سبأ ومر بن سبأ وعاملة بن سبأ فولد عمرو ابن سبأ عدي بن عمرو، فولد عدي لخم بن عدي وجذام بن عدي.
وقد زعم بعض نسابي الفرس أن نوحا هو أفريدون الذي قهر الازدهاق، وسلبه ملكه وزعم بعضهم أن أفريدون هو ذو القرنين صاحب إبراهيم ع الذي قضى له ببئر السبع، الذي ذكر الله في كتابه وقال بعضهم: هو سليمان بن داود.
وإنما ذكرته في هذا الموضع لما ذكرت فيه من قول من قال: انه نوح،

(1/211)


وإن قصته شبيهة بقصة نوح في أولاد له ثلاثة، وعدله وحسن سيرته، وهلاك الضحاك على يده وأنه قيل إن هلاك الضحاك كان على يد نوح وأن نوحا إنما كان أرسل- في قول من ذكرت عنه أنه قال: كان هلاك الضحاك على يدي نوح- حين أرسل إلى قومه، وهم كانوا قوم الضحاك.
فأما الفرس فإنهم ينسبونه النسبة التي أنا ذاكرها، وذلك أنهم يزعمون أن أفريدون من ولد جم شاذ الملك الذي قتله الازدهاق، على ما قد بينا من أمره قبل، وأن بينه وبين جم عشرة آباء.
وقد حُدِّثْتُ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، قال: بلغنا أن أفريدون- وهو من نسل جم الملك الذي كان من قبل الضحاك، قال: ويزعمون أنه التاسع من ولده، وكان مولده بدنباوند- خرج حتى ورد منزل الضحاك، فأخذه وأوثقه، وملك مائتي سنة، ورد المظالم، وأمر الناس بعبادة الله والإنصاف والإحسان، ونظر إلى ما كان الضحاك غصب الناس من الأرضين وغيرها، فرد ذلك كله على أهله، إلا ما لم يجد له أهلا، فإنه وقفه على المساكين والعامة قال: ويقال إنه أول من سمى الصوافي، وأول من نظر في الطب والنجوم، وإنه كان له ثلاثة بنين: اسم الأكبر سلم، والثاني طوج، والثالث إيرج، وأن أفريدون تخوف ألا يتفق بنوه، وأن يبغي بعضهم على بعض، فقسم ملكه بينهم ثلاثا، وجعل ذلك في سهام كتب أسماءهم عليها، وأمر كل واحد منهم فأخذ سهما، فصارت الروم وناحية المغرب لسلم، وصارت الترك والصين لطوج، وصارت للثالث- وهو إيرج- العراق والهند، فدفع التاج والسرير إليه، ومات افريدون، فوثب بايرج اخواه فقتلاه، وملكا الارض بينهما ثلاثمائة سنة.
قال: والفرس تزعم أن لأفريدون عشرة آباء، كلهم يسمى أثفيان باسم واحد قالوا: وإنما فعلوا ذلك خوفا من الضحاك على أولادهم، لرواية كانت عندهم، بأن بعضهم يغلب الضحاك على ملكه، ويدرك منه ثأر جم،

(1/212)


وكانوا يعرفون ويميزون بألقاب لقبوها، فكان يقال للواحد منهم: أثفيان صاحب البقر الحمر، وأثفيان صاحب البقر البلق، وأثفيان صاحب البقر الكدر وهو أفريدون بن أثفيان بوكاو- وتفسيره صاحب البقر الكثير- بن أثفيان نيككاو- وتفسيره صاحب البقر الجياد، بن أثفيان سيركاو- وتفسيره صاحب البقر السمان العظام- بن أثفيان بوركاو- وتفسيره صاحب البقر التي بلون حمير الوحش- بن أثفيان أخشين كاو- وتفسيره صاحب البقر الصفر- بن أثفيان سياه كاو- وتفسيره صاحب البقر السود- بن أثفيان اسبيذكاو- وتفسيره صاحب البقر البيض- بن أثفيان كيركاو- وتفسيره صاحب البقر الرمادية- بن أثفيان رمين- وتفسيره كل ضرب من الألوان والقطعان- بن أثفيان بنفروسن، بن جم الشاذ.
وقيل: إن أفريدون أول من سمى بالكيية فقيل له: كي افريدون، وتفسير الكيية أنها بمعنى التنزيه، كما يقال: روحاني، يعنون به أن أمره أمر مخلص منزه يتصل بالروحانية وقيل إن معنى كي أي طالب الدخل، ويزعم بعضهم أن كي من البهاء، وأن البهاء تغشى أفريدون حين قتل الضحاك، وتذكر العجم من الفرس أنه كان رجلا جسيما وسيما بهيا مجربا، وأن أكثر قتاله كان بالجرز، وأن جرزه كان رأسه كرأس الثور، وأن ملك ابنه إيرج العراق ونواحيها كان في حياته، وأن أيام إيرج داخلة في ملك أفريدون، وأنه ملك الأقاليم كلها، وتنقل في البلدان، وأنه لما جلس على سريره يوم الملك قال:
نحن القاهرون بعون الله وتأييده للضحاك، القامعون للشيطان وأحزابه، ثم وعظ الناس، فأمرهم بالتناصف وتعاطي الحق وبذل الخير بينهم، وحثهم على الشكر والتمسك به، ورتب سبعة من القوهياريين- وتفسير ذلك محولو الجبال سبع مراتب- وصير إلى كل واحد منهم ناحية من دنباوند وغيرها على شبيه بالتمليك قالوا: فلما ظفر بالضحاك قال له الضحاك: لا تقتلني بجدك

(1/213)


جم، فقال له أفريدون منكرا لقوله: لقد سمت بك همتك، وعظمت في نفسك حين قدرتها لهذا، وطمعت لها فيه! وأعلمه أن جده كان أعظم قدرا من أن يكون مثله كفئا له في القود، وأعلمه أنه يقتله بثور كان في دار جده.
وقيل إن أفريدون أول من ذلل الفيلة وامتطاها، ونتج البغال، واتخذ الإوز والحمام، وعالج الدرياق، وقاتل الأعداء فقتلهم ونفاهم، وأنه قسم الأرض بين أولاده الثلاثة: طوج وسلم وإيرج، فملك طوجا ناحية الترك والخزر والصين، فكانوا يسمونها صين بغا، وجمع إليها النواحي التي اتصلت بها، وملك سلما ابنه الثاني الروم والصقالبة والبرجان وما في حدود ذلك، وجعل وسط الأرض وعامرها- وهو إقليم بابل، وكانوا يسمونها خنارث بعد أن جمع إلى ذلك ما اتصل به من السند والهند والحجاز وغيرها- لايرج وهو الاصغر من بينه الثلاثة، وكان أحبهم إليه وبهذا السبب سمي إقليم بابل إيرانشهر، وبه أيضا نشبت العداوة بين ولد أفريدون وأولادهم بعد، وصار ملوك خنارث والترك والروم إلى المحاربة ومطالبة بعضهم بعضا بالدماء والتراث.
وقيل: إن طوجا وسلما لما علما أن أباهما قد خص إيرج وقدمه عليهما أظهرا له البغضاء، ولم يزل التحاسد ينمي بينهم إلى أن وثب طوج وسلم على أخيهما إيرج، فقتلاه متعاونين عليه، وأن طوجا رماه بوهق فخنقه، فمن أجل ذلك استعملت الترك الوهق، وكان لإيرج ابنان، يقال لهما وندان وأسطوبة، وابنة يقال لها خوزك، ويقال خوشك، فقتل سلم وطوج الابنين مع أبيهما، وبقيت الابنة.
وقيل: إن اليوم الذي غلب فيه افريدون الضحاك كان روز مهر من مهر ماه، فاتخذ الناس ذلك اليوم عيدا لارتفاع بلية الضحاك عن الناس، وسماه المهرجان،

(1/214)


فقيل: إن أفريدون كان جبارا عادلا في ملكه، وكان طوله تسعة أرماح، كل رمح ثلاثة أبواع، وعرض حجرته ثلاثة أرماح، وعرض صدره أربعة أرماح، وأنه كان يتبع من كان بقي بالسودان من آل نمرود والنبط، وقصدهم حتى أتى على وجوههم، ومحا أعلامهم وآثارهم، وكان ملكه خمسمائة سنه

(1/215)


ذكر الأحداث التي كانت بين نوح وإبراهيم خليل الرحمن ع
قد ذكرنا قبل ما كان من أمر نوح ع وأمر ولده واقتسامهم الأرض بعده، ومساكن كل فريق منهم، وأي ناحية سكن من البلاد وكان ممن طغا وعتا على الله عز وجل بعد نوح، فأرسل الله إليهم رسولا فكذبوه وتمادوا في غيهم، فأهلكهم الله هذان الحيان من إرم بن سام بن نوح: أحدهما عاد ابن عوص بن ارم ابن سام بن نوح، وهي عاد الأولى، والثاني ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح، وهم كانوا العرب العاربة.
فأما عاد فإن الله عز وجل أرسل إليهم هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود ابن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح ومن أهل الأنساب من يزعم أن هودا هو عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح، وكانوا أهل أوثان ثلاثة يعبدونها، يقال لإحداها: صداء، وللآخر صمود، وللثالث الهباء فدعاهم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة دون غيره، وترك ظلم الناس، فكذبوه وقالوا: من أشد منا قوة! فلم يؤمن بهود منهم إلا قليل، فوعظهم هود إذ تمادوا في طغيانهم، فقال لهم: «أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ.
وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ» فكان جوابهم له أن قالُوا:

(1/216)


«سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ» وقالوا له: «يَا هُودُ مَا جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ.
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ» ، فحبس الله عنهم- فيما ذكر- القطر سنين ثلاثا، حتى جهدوا، فأوفدوا وفدا ليستسقوا لهم.
فكان من قصتهم مَا حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانٍ الْبَكْرِيِّ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ الله ص: فَمَرَرْتُ بِامْرَأَةٍ بِالرَّبَذَةِ، فَقَالَتْ: هَلْ أَنْتَ حَامِلِي الى رسول الله ص؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَحَمَلْتُهَا حَتَّى قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَتِ المسجد، فإذا رسول الله ص عَلَى الْمِنْبَرِ، وَإِذَا بِلالٌ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ، وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ، قَالَ:
قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِمَ مِنْ غَزْوَتِهِ، فَلَمَّا نزل رسول الله ص عَنْ مِنْبَرِهِ أَتَيْتُهُ فَاسْتَأْذَنْتُهُ، فَأَذِنَ لِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بِالْبَابِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، قَدْ سَأَلَتْنِي أَنْ أَحْمِلَهَا إِلَيْكَ، قَالَ:
يَا بِلالُ، ائْذَنْ لَهَا، قَالَ: فَدَخَلَتْ، فلما جلست قال لي رسول الله ص: هَلْ كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ تَمِيمٍ شَيْءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَكَانَتِ الدَّبْرَةُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَجْعَلَ الدَّهْنَاءَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَعَلْتُ، قَالَ: تَقُولُ الْمَرْأَةُ فَأَيْنَ تَضْطَرُّ مُضَرَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: قلت: مثلي مثل معزى حملت حتفا، قال: قلت: او حملتك تَكُونِينَ عَلَيَّ خَصْمًا! أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ كوفد عاد قال رسول الله ص: وَمَا وَفْدُ عَادٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، إِنَّ عَادًا قَحَطَتْ، فَبَعَثَتْ مَنْ يَسْتَسْقِي لَهَا، فَمَرُّوا عَلَى بَكْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ يَسْقِيهِمُ الْخَمْرَ، وَتُغَنِّيهِمِ الْجَرَادَتَانِ شَهْرًا، ثُمَّ بَعَثُوا رَجُلا مِنْ عِنْدِهِ، حَتَّى أَتَى جِبَالَ مَهَرَةَ، فَدَعَا، فَجَاءَتْ سَحَابَاتٌ، قَالَ: وَكُلَّمَا جَاءَتْ قَالَ:

(1/217)


اذْهَبِي إِلَى كَذَا، حَتَّى جَاءَتْ سَحَابَةٌ، فَنُودِيَ منها: خذها رمادا رمددا، لا تَدَعْ مَنْ عَادٍ أَحَدًا قَالَ: فَسَمِعَهُ وَكَتَمَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْعَذَابُ قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَاكَ فِي حَدِيثِ عَادٍ، قَالَ: فَأَقْبَلَ الَّذِي أَتَاهُمْ، فَأَتَى جِبَالَ مَهَرَةَ فَصَعِدَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَجِئْكَ لأَسِيرٍ فَأُفَادِيهِ، وَلا لِمَرِيضٍ أَشْفِيهِ، فَاسْقِ عَادًا مَا كنت مسقيه! قال: فرفعت له سحابات.
قَالَ: فَنُودِيَ مِنْهَا: اخْتَرْ، فَجَعَلَ يَقُولُ: اذْهَبِي إِلَى بَنِي فُلانٍ اذْهَبِي إِلَى بَنِي فُلانٍ قَالَ: فَمَرَّتْ آخِرَهَا سَحَابَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَ: اذْهَبِي إِلَى عَادٍ.
قَالَ: فَنُودِيَ مِنْهَا: خُذْهَا رَمَادًا رمددا، لا تَدَعْ مِنْ عَادٍ أَحَدًا قَالَ:
وَكَتَمَهُمْ وَالْقَوْمُ عِنْدَ بَكْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ يَشْرَبُونَ قَالَ: وَكَرِهَ بَكْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُمْ فِي طَعَامِهِ قَالَ: فَأَخَذَ فِي الْغِنَاءِ وَذَكَّرَهُمْ.
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ النَّحْوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْبَكْرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ لأَشْكُوَ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ الى رسول الله ص، فَمَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَإِذَا عَجُوزٌ مُنْقَطِعٌ بِهَا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَتْ:
يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّ لِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ حَاجَةً، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغِي إِلَيْهِ؟ قَالَ:
فَحَمَلْتُهَا، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ- قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَظُنُّهُ أَنَا قَالَ: فَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ- قَالَ: قُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالُوا: يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَجْهًا قَالَ: فَجَلَسْتُ حَتَّى فَرَغَ، قَالَ: فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ- أَوْ قَالَ رَحْلَهُ- فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لِي قَالَ: فَدَخَلْتُ فَقَعَدْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ص: هَلْ كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ تَمِيمٍ شَيْءٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَكَانَتِ الدَّبْرَةُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَإِذَا عَجُوزٌ مِنْهُمْ مُنْقَطِعٌ بِهَا، فَسَأَلَتْنِي ان احملها إليك، وها هي بالباب، فاذن لها رسول الله ص فَدَخَلَتْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ تَمِيمٍ الدَّهْنَاءَ حَاجِزًا، فَحَمِيَتِ الْعَجُوزُ وَاسْتَوْفَزَتْ، وَقَالَتْ: فَأَيْنَ تَضْطَرُّ مُضَرَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال:

(1/218)


قلت: انا كما قالوا: معزى حملت حتفا، حَمَلْتُ هَذِهِ وَلا أَشْعَرُ أَنَّهَا كَائِنَةٌ لِي خَصْمًا، أَعُوذُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ أَكُونَ كَوَافِدِ عَادٍ! قَالَ: وَمَا وَافِدُ عَادٍ؟ قُلْتُ:
عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتُ، قَالَ: وَهُوَ يَسْتَطْعِمُنِي الْحَدِيثَ قُلْتُ: ان عادا قحطوا فَبَعَثُوا قَيْلا وَافِدًا، فَنَزَلَ عَلَى بْكَرٍ، فَسَقَاهُ الْخَمْرَ شَهْرًا، وَتُغَنِّيهِ جَارِيَتَانِ يُقَالُ لَهُمَا الْجَرَادَتَانِ، فَخَرَجَ إِلَى جِبَالِ مَهَرَةَ، فَنَادَى: إِنِّي لَمْ أجيء لِمَرِيضٍ فَأُدَاوِيهِ، وَلا لأَسِيرٍ فَأُفَادِيهِ، اللَّهُمَّ اسْقِ عَادًا مَا كُنْتَ تَسْقِيهِ! فَمَرَّتْ بِهِ سَحَابَاتٌ سُودٌ، فَنُودِيَ مِنْهَا: خُذْهَا رَمَادًا رِمْدَدًا، لا تُبْقِي مِنْ عَادٍ أَحَدًا.
قَالَ: فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَقُولُ: لا تَكُنْ كَوَافِدِ عَادٍ، فَمَا بَلَغَنِي أَنَّهُ أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلا قَدْرَ مَا يَجْرِي فِي خَاتَمِي قَالَ أَبُو وَائِلٍ: وَكَذَلِكَ بَلَغَنِي.
وَأَمَّا ابْنُ اسحق فَإِنَّهُ قَالَ كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة عنه:
أن عادا لما أصابهم من القحط ما أصابهم قالوا: جهزوا منكم وفدا إلى مكة فيستسقوا لكم، فبعثوا قيل بن عتر ولقيم بن هزال بن هزيل بن عتيل ابن صد بن عاد الأكبر، ومرثد بن سعد بن عفير- وكان مسلما يكتم إسلامه- وجلهمة بن الخبيري، خال معاوية بن بكر أخا أمه، ثم بعثوا لقمان بن عاد بن فلان بن فلان بن صد بن عاد الأكبر، فانطلق كل رجل من هؤلاء القوم معه رهط من قومه، حتى بلغ عدة وفدهم سبعين رجلا، فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجا من الحرم، فأنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وصهره وكانت هزيلة ابنة بكر أخت معاوية بن بكر لأبيه وأمه كلهدة ابنة الخيبري عند لقيم بن هزال بن عتيل بن صد ابن عاد الأكبر، فولدت له عبيد بن لقيم بن هزال وعمرو بن لقيم بن هزال وعامر بن لقيم بن هزال وعمير بن لقيم بن هزال، فكانوا في أخوالهم بمكة عند آل معاوية بن بكر، وهم عاد الأخيرة التي بقيت من عاد الأولى فلما نزل

(1/219)


وفد عاد على معاوية بن بكر أقاموا عنده شهرا يشربون الخمر، وتغنيهم الجرادتان- قينتان لمعاوية بن بكر- وكان مسيرهم شهرا، ومقامهم شهرا، فلما رأى معاوية بن بكر طول مقامهم، وقد بعثهم قومهم يتغوثون بهم من البلاء الذي أصابهم، شق ذلك عليه فقال: هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء مقيمون عندي، وهم ضيفي نازلون علي، والله ما أدري: كيف أصنع بهم! أستحي أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا إليه، فيظنوا أنه ضيق مني بمقامهم عندي، وقد هلك من وراءهم من قومهم جهدا وعطشا، أو كما قال.
فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين، فقالتا: قل شعرا نغنيهم به لا يدرون من قاله، لعل ذلك أن يحركهم! فقال معاوية بن بكر حين أشارتا عليه بذلك:
ألا يا قيل، ويحك قم فهينم ... لعل الله يسقينا غماما
فيسقي أرض عاد، إن عادا ... قد امسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشديد، فليس نرجو ... به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهم بخير ... فقد أمست نساؤهم عيامى
وإن الوحش تأتيهم جهارا ... ولا تخشى لعادي سهاما
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم ... نهاركم وليلكم التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم ... ولا لقوا التحية والسلاما!
فلما قال معاوية ذلك الشعر، غنتهم به الجرادتان. فلما سمع القوم ما غنتا به، قال بعضهم لبعض: يا قوم إنما بعثكم قومكم يتغوثون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم، وقد أبطأتم عليهم، فادخلوا هذا الحرم فاستسقوا لقومكم، فقال مرثد بن سعد بن عفير: إنكم والله لا تسقون بدعائكم، ولكن إن أطعتم

(1/220)


نبيكم، وأنبتم إليه سقيتم فأظهر إسلامه عند ذلك، فقال لهم لجلهمة بن الخيبري، خال معاوية بن بكر حين سمع قوله، وعرف أنه قد تبع دين هود وآمن به:
أبا سعد فإنك من قبيل ... ذوي كرم وأمك من ثمود
فإنا لن نطيعك ما بقينا ... ولسنا فاعلين لما تريد
اتأمرنا لنترك آل رفد ... وزمل وآل صد والعبود
ونترك دين آباء كرام ... ذوى راى ونتبع دين هود
ورفد وزمل وصد قبائل من عاد، والعبود منهم ثم قال لمعاوية بن بكر وابيه بكر: احبسا عنا مرثد بن سعد فلا يقدمن معنا مكة، فإنه قد اتبع دين هود، وترك ديننا ثم خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد، فلما ولو إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية، حتى أدركهم بها قبل أن يدعوا الله بشيء مما خرجوا له فلما انتهى إليهم قام يدعو الله، وبها وفد عاد قد اجتمعوا يدعون.
فقال: اللهم أعطني سؤلي وحدي، ولا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفد عاد وكان قيل بن عتر رأس وفد عاد وقال وفد عاد: اللهم أعط قيلا ما سألك، واجعل سؤلنا مع سؤله وقد كان تخلف عن وفد عاد لقمان ابن عاد، وكان سيد عاد، حتى إذا فرغوا من دعوتهم قال: اللهم إني جئتك وحدي في حاجتي فأعطني سؤلي وقال قيل بن عتر حين دعا: يا إلهنا، إن كان هود صادقا فاسقنا فإنا قد هلكنا فأنشأ الله سحائب ثلاثا: بيضاء وحمراء، وسوداء، ثم ناداه مناد من السحاب: يا قيل، اختر لنفسك وقومك من هذا السحاب فقال: قد اخترت السحابة السوداء، فإنها أكثر السحاب ماء، فناداه مناد: اخترت رمادا رمددا، لا تبقي من عاد أحدا، لا والدا تترك ولا ولدا، إلا جعلته همدا، إلا بني اللوذية المهدى- وبنو اللوذية

(1/221)


بنو لقيم بن هزال بن هزيل بن هزيلة ابنة بكر، كانوا سكانا بمكة مع أخوالهم، لم يكونوا مع عاد بأرضهم، فهم عاد الآخرة، ومن كان من نسلهم الذين بقوا من عاد- وساق الله السحابة السوداء فيما يذكرون التي اختار قيل بن عتر بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث ولما رأوها استبشروا بها، وقالوا: «هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا» ، يقول الله عز وجل: «بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها» ، أي كل شيء أمرت به فكان أول من أبصر ما فيها أنها ريح- فيما يذكرون- امرأة من عاد يقال لها مهدد، لما تبينت ما فيها صاحت ثم صعقت، فلما أفاقت قالوا: ماذا رأيت يا مهدد؟ قالت: رأيت ريحا فيها كشهب النار، أمامها رجال يقودونها فسخرها الله عليهم «سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً» ، كما قال الله: والحسوم: الدائمة، فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك.
فاعتزل هود- فيما ذكر- ومن معه من المؤمنين في حظيرة، ما يصيبه ومن معه منها إلا ما تلين عليه الجلود، وتلتذ الأنفس، وانها لتمر من عاد بالظعن ما بين السماء والأرض، وتدمغهم بالحجارة وخرج وفد عاد من مكة حتى مروا بمعاوية بن بكر وابيه، فنزلوا عليه، فبيناهم عنده، إذ أقبل رجل على ناقة له في ليله مقمره مسى ثالثة من مصاب عاد، فأخبرهم الخبر، فقالوا: فأين فارقت هودا وأصحابه؟ قال: فارقتهم بساحل البحر، فكأنهم شكوا فيما حدثهم، فقالت هزيلة ابنة بكر: صدق ورب مكة ومثوب بن يعفر بن أخي معاوية بن بكر معهم وقد كان قيل- فيما يزعمون والله أعلم- لمرثد بن سعد ولقمان بن عاد، وقيل بن عتر حين دعوا بمكة: قد أعطيتم مناكم فاختاروا لأنفسكم، إلا أنه لا سبيل إلى الخلد، فإنه لا بد من الموت، فقال مرثد بن سعد: يا رب، أعطني برا وصدقا، فأعطي ذلك، وقال

(1/222)


لقمان بن عاد: أعطني عمرا، فقيل له: اختر لنفسك، إلا إنه لا سبيل إلى الخلد: بقاء ايعار ضأن عفر، في جبل وعر، لا يلقي به إلا القطر، أم سبعة أنسر إذا مضى نسر حلوت إلى نسر؟ فاختار لقمان لنفسه النسور، فعمر- فيما يزعمون- عمر سبعة أنسر، يأخذ الفرخ حين يخرج من بيضته، فيأخذ الذكر منها لقوته، حتى إذا مات أخذ غيره، فلم يزل يفعل ذلك، حتى أتى على السابع وكان كل نسر فيما زعموا يعيش ثمانين سنة، فلما لم يبق غير السابع قال ابن أخ للقمان: أي عم، ما بقي من عمرك إلا عمر هذا النسر، فقال له لقمان: أي ابن أخي: هذا لبد- ولبد بلسانهم الدهر- فلما أدرك نسر لقمان، وانقضى عمره، طارت النسور غداة من رأس الجبل، ولم ينهض فيها لبد، وكانت نسور لقمان تلك لا تغيب عنه، إنما هي بعينه فلما لم ير لقمان لبدا نهض مع النسور، نهض إلى الجبل لينظر ما فعل لبد، فوجد لقمان في نفسه وهنا لم يكن يجده قبل ذلك، فلما انتهى إلى الجبل رأى نسره لبدا واقعا من بين النسور، فناداه: انهض لبد، فذهب لبد لينهض فلم يستطع، عريت قوادمه وقد سقطت، فماتا جميعا.
وقيل لقيل بن عتر حين سمع ما قيل له في السحاب: اختر لنفسك كما اختار صاحباك، فقال: أختار أن يصيبني ما أصاب قومي، فقيل: إنه الهلاك، قال: لا أبالي، لا حاجة لي في البقاء بعدهم فأصابه ما أصاب عادا من العذاب فهلك، فقال مرثد بن سعد بن عفير حين سمع من قول الراكب الذي أخبر عن عاد بما أخبر من الهلاك:
عصت عاد رسولهم فأمسوا ... عطاشا ما تبلهم السماء
وسير وفدهم شهرا ليسقوا ... فأردفهم مع العطش العماء
بكفرهم بربهم جهارا ... على آثار عادهم العفاء
ألا نزع الإله حلوم عاد ... فإن قلوبهم قفر هواء

(1/223)


من الخبر المبين أن يعوه ... وما تغني النصيحة والشفاء
فنفسي وابنتاي وأم ولدي ... لنفس نبينا هود فداء
أتانا والقلوب مصمدات ... على ظلم، وقد ذهب الضياء
لنا صنم يقال له صمود ... يقابله صداء والهباء
فأبصره الذين له أنابوا ... وأدرك من يكذبه الشقاء
فإني سوف ألحق آل هود ... وإخوته إذا جن المساء
وقيل: إن رئيسهم وكبيرهم في ذلك الزمان الخلجان.
حَدَّثَنِي العباس بن الوليد، قال: حَدَّثَنَا أبي، عن إسماعيل بن عياش، عن محمد بن إسحاق، قال: لما خرجت الريح على عاد من الوادي، قال سبعة رهط منهم، أحدهم الخلجان: تعالوا حتى نقوم على شفير الوادي فنردها، فجعلت الريح تدخل تحت الواحد منهم فتحمله، ثم ترمي به فتندق عنقه، فتتركهم كما قال الله عز وجل: «صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ» حتى لم يبق منهم إلا الخلجان، فمال إلى الجبل، فأخذ بجانب منه، فهزه فاهتز في يده، ثم أنشأ يقول:
لم يبق الا الخلجان نفسه ... نالك من يوم دهاني أمسه
بثابت الوطء شديد وطسه ... لو لم يجئني جئته أجسه
فقال له هود: ويحك يا خلجان! أسلم تسلم، فقال له: وما لي عند ربك إن أسلمت؟ قال: الجنة، قال: فما هؤلاء الذين أراهم في هذا السحاب كأنهم البخت، قال هود: تلك ملائكة ربي، قال: فإن أسلمت أيعيذني ربك منهم؟ قال: ويلك! هل رأيت ملكا يعيذ من جنده! قال: لو فعل ما رضيت، قال: ثم جاءت الريح فألحقته بأصحابه، أو كلاما هذا معناه قال أبو جعفر: فأهلك الله الخلجان، وأفنى عادا خلا من بقي

(1/224)


منهم، ثم بادوا بعد، ونجى الله هودا ومن آمن به وقيل: كان عمر هود مائة سنة وخمسين سنة.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قال: «وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً. قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» ، إن عادا أتاهم هود، فوعظهم وذكرهم بما قص الله في القرآن، فكذبوه وكفروا، وسألوه أن يأتيهم العذاب فقال لهم:
«إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ» ، وإن عادا أصابهم حين كفروا قحط من المطر، حتى جهدوا لذلك جهدا شديدا، وذلك أن هودا دعا عليهم، فبعث الله عليهم الريح العقيم، وهي الريح التي لا تلقح الشجر، فلما نظروا إليها قالوا: هذا عارض ممطرنا، فلما دنت منهم نظروا إلى الإبل والرجال، تطير بهم الريح بين السماء والأرض، فلما راوها تبادروا الى البيوت، حتى دخلوا البيوت دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم من البيوت، فأصابتهم «فِي يَوْمِ نَحْسٍ» ، والنحس هو الشؤم «مُسْتَمِرٍّ» استمر عليهم بالعذاب «سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً» ، حسمت كل شيء مرت به، حتى أخرجتهم من البيوت، قال الله تبارك وتعالى: «تَنْزِعُ النَّاسَ» عن البيوت، «كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ» ، انقعر من أصوله «خاوِيَةٍ» خوت فسقطت، فلما أهلكهم الله أرسل عليهم طيرا سودا، فنقلتهم الى البحر،

(1/225)


فألقتهم فيه، فذلك قوله عز وجل: «فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ» .
ولم تخرج الريح قط إلا بمكيال إلا يومئذ، فإنها عتت على الخزنة فغلبتهم، فلم يعلموا كم كان مكيالها؟ فذلك قوله: «فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ» .
والصرصر: ذات الصوت الشديد.
حَدَّثَنِي محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد، أنه سمع وهبا يقول: إن عادا لما عذبهم الله بالريح التي عذبوا بها، كانت تقلع الشجرة العظيمة بعروقها وتهدم عليهم بيوتهم، فمن لم يكن في بيت هبت به الريح حتى تقطعه بالجبال، فهلكوا بذلك كلهم وأما ثمود فإنهم عتوا على ربهم، وكفروا به، وأفسدوا في الأرض، فبعث الله إليهم صالح بن عبيد بن أسف بن ماسخ بن عبيد بن خادر بن ثمود ابن جاثر بن إرم بن سام بن نوح، رسولا يدعوهم إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة.
وقيل: صالح، هو صالح بن أسف بن كماشج بن إرم بن ثمود بن جاثر ابن إرم بن سام بن نوح.
فكان من جوابهم له ان قالوا له: «يَا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ» وكان الله عز وجل قد مدلهم في الأعمار، وكانوا يسكنون الحجر

(1/226)


إلى وادي القرى، بين الحجاز والشام، ولم يزل صالح يدعوهم إلى الله على تمردهم وطغيانهم، فلا يزيدهم دعاؤه إياهم إلى الله إلا مباعدة من الإجابة، فلما طال ذلك من أمرهم وأمر صالح قالوا له: إن كنت صادقا فأتنا بآية.
فكان من أمرهم وأمره مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ:
قَالَتْ ثَمُودُ لِصَالِحٍ: ائْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ:
اخْرُجُوا إِلَى هَضَبَةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَإِذَا هِيَ تَتَمَخَّضُ كَمَا تَتَمَخَّضُ الْحَامِلُ، ثُمَّ تَفَرَّجَتْ فَخَرَجَتْ من وسطها الناقه، فقال صالح ع:
«هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» «لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ» فَلَمَّا مَلُّوهَا عَقَرُوهَا، فَقَالَ لَهُمْ: «تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ» قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ صَالِحًا قَالَ لَهُمْ:
إِنَّ آيَةَ الْعَذَابِ أَنْ تُصْبِحُوا غَدًا حُمْرًا، وَالْيَوْمَ الثَّانِي صُفْرًا، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ سُودًا، فَصَبَّحَهُمُ الْعَذَابُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ تَحَنَّطُوا وَاسْتَعَدُّوا.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قال: حدثني حجاج، عن أبي بكر بن عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ، قَالَ: قُلْنَا لَهُ:
حَدِّثْنَا حَدِيثَ ثَمُودَ، قَالَ: أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص عَنْ ثَمُودَ.
كَانَتْ ثَمُودُ قَوْمَ صَالِحٍ عَمَّرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدُّنْيَا، فَأَطَالَ أَعْمَارَهُمْ حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَبْنِي الْمَسْكَنَ مِنَ الْمَدَرِ فَيَتَهَدَّمَ وَالرَّجُلُ مِنْهُمْ حَيٌّ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اتَّخَذُوا مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَرِهِينَ، فَنَحَتُوهَا وَجَابُّوهَا وجوفوها،

(1/227)


وَكَانُوا فِي سَعَةٍ مِنْ مَعَايِشِهِمْ، فَقَالُوا: يَا صَالِحُ، ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا آيَةً نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَدَعَا صَالِحٌ رَبَّهُ، فَأَخْرَجَ لَهُمُ النَّاقَةَ فَكَانَ شِرْبُهَا يَوْمًا وَشِرْبُهُمْ يَوْمًا مَعْلُومًا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهَا خَلَّوْا عنها وعن الماء، وحلبوها لبنا، ملئوا كُلَّ إِنَاءٍ وَوِعَاءٍ وَسِقَاءٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهِمْ صَرَفُوهَا عَنِ الْمَاءِ وَلَمْ تَشْرَبْ مِنْهُ شَيْئًا، فَمَلَئُوا كُلَّ إِنَاءٍ وَوِعَاءٍ وَسِقَاءٍ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى صَالِحٍ إِنَّ قَوْمَكَ سَيَعْقِرُونَ نَاقَتَكَ، فَقَالَ لَهُمْ، فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ، قَالَ: إِلا تَعْقِرُوهَا أَنْتُمْ أَوْشَكَ أَنْ يُولَدَ فِيكُمْ مَوْلُودٌ يَعْقِرُهَا، قَالُوا: مَا عَلامَةُ ذلك المولود؟ فو الله لا نَجِدُهُ إِلا قَتَلْنَاهُ، قَالَ: فَإِنَّهُ غُلامٌ أَشْقَرُ أَزْرَقُ أَصْهَبُ أَحْمَرُ، قَالَ: فَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ شَيْخَانِ عَزِيزَانِ مَنِيعَانِ، لأَحَدِهِمَا ابْنٌ يَرْغَبُ لَهُ عَنِ الْمَنَاكِحِ، وَلِلآخَرِ ابْنَةٌ لا يَجِدُ لها كفئا، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا مَجْلِسٌ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُزَوِّجَ ابْنَكَ؟ قَالَ: لا أَجِدُ لَهُ كُفْئًا، قَالَ: فَإِنَّ ابْنَتِي كُفْءٌ لَهُ، وانا ازوجك، فزوجه فَوُلِدَ مِنْهُمَا ذَلِكَ الْمَوْلُودُ.
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ ثَمَانِيَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: إِنَّمَا يَعْقِرُهَا مَوْلُودٌ فِيكُمْ، اخْتَارُوا ثَمَانِيَ نِسْوَةً قَوَابِلَ مِنَ الْقَرْيَةِ، وَجَعَلُوا مَعَهُنَّ شُرَطًا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْقَرْيَةِ، فَإِذَا وَجَدُوا الْمَرْأَةَ تَمْخِضُ نَظَرُوا مَا وَلَدُهَا؟
فَإِنْ كَانَ غُلامًا قَتَلْنَهُ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً اعرضن عنها، فلما وجدوا ذلك المولود صرخ النِّسْوَةُ، وَقُلْنَ: هَذَا الَّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صالح، فاراد الشرط ان يأخذوها، فَحَالَ جَدَّاهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَقَالُوا: إِنْ أَرَادَ صَالِحٌ هَذَا قَتَلْنَاهُ، وَكَانَ شَرَّ مَوْلُودٍ، وَكَانَ يَشِبُّ فِي الْيَوْمِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي الْجُمُعَةِ، ويشب

(1/228)


فِي الْجُمُعَةِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي الشَّهْرِ، وَيَشِبُّ فِي الشَّهْرِ شَبَابَ غَيْرِهِ فِي السَّنَةِ، فَاجْتَمَعَ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ، وَفِيهِمُ الشَّيْخَانِ، فَقَالُوا:
اسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا هَذَا الْغُلامَ لِمَنْزِلَتِهِ وَشَرَفِ جَدَّيْهِ، فَصَارُوا تِسْعَةً، وَكَانَ صَالِحٌ ع لا يَنَامُ مَعَهُمْ فِي الْقَرْيَةِ، بَلْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ يُقَالُ لَهُ مَسْجِدُ صَالِحٍ، فِيهِ يَبِيتُ بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَصْبَحَ أَتَاهُمْ فَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ، فَإِذَا أَمْسَى خَرَجَ إِلَى مَسْجِدِهِ فَبَاتَ فِيهِ.
قَالَ حَجَّاجٌ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمَّا قَالَ لهم صالح ع: إِنَّهُ سَيُولَدُ غُلامٌ يَكُونُ هَلاكُهُمْ عَلَى يَدَيْهِ، قَالُوا: فَكَيْفَ تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: آمُرُكُمْ بِقَتْلِهِمْ، فَقَتَلُوهُمْ إِلا وَاحِدًا، قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَوْلُودَ قَالُوا: لَوْ كُنَّا لَمْ نَقْتُلْ أَوْلادَنَا لَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا مِثْلُ هَذَا، هَذَا عَمَلُ صالح! فائتمروا بَيْنَهُمْ بِقَتْلِهِ، وَقَالُوا: نَخْرُجُ مُسَافِرِينَ وَالنَّاسُ يَرَوْنَنَا عَلانِيَةً، ثُمَّ نَرْجِعُ مِنْ لَيْلَةِ كَذَا وَكَذَا فَنَرْصُدُهُ عِنْدَ مُصَلاهُ فَنَقْتُلُهُ، فَلا يَحْسَبُ النَّاسُ إِلا أَنَّا مُسَافِرُونَ كَمَا نَحْنُ.
فَأَقْبَلُوا حَتَّى دَخَلُوا تَحْتَ صَخْرَةٍ يَرْصُدُونَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةَ فَرَضَخَتْهُمْ فَأَصْبَحُوا رَضْخًا، فَانْطَلَقَ رِجَالٌ مِمَّنْ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَإِذَا هُمْ رَضْخٌ، فَرَجَعُوا يَصِيحُونَ فِي الْقَرْيَةِ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ، أَمَا رَضِيَ صَالِحٌ أَنْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا أَوْلادَهُمْ حَتَّى قَتَلَهُمْ! فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ عَلَى عَقْرِ النَّاقَةِ أَجْمَعُونَ، فَأَحْجَمُوا عَنْهَا إِلا ذَلِكَ ابْنُ الْعَاشِرِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ثُمَّ رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ رَسُولِ الله ص، قَالَ: فَأَرَادُوا أَنْ يَمْكُرُوا بِصَالِحٍ، فَمَشَوْا حَتَّى أَتَوْا عَلَى سَرَبٍ عَلَى طَرِيقِ صَالِحٍ، فَاخْتَبَأَ فيه ثمانية وقالوا: إِذَا خَرَجَ عَلَيْنَا قَتَلْنَاهُ وَأَتَيْنَا أَهْلَهُ فَبَيَّتْنَاهُمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الأَرْضَ فَاسْتَوَتْ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَاجْتَمَعُوا وَمَشَوْا إِلَى النَّاقَةِ، وَهِيَ عَلَى حَوْضِهَا قَائِمَةٌ، فَقَالَ الشَّقِيُّ لأَحَدِهِمُ: ائْتِهَا فَاعْقِرْهَا، فَأَتَاهَا، فَتَعَاظَمَهُ ذَلِكَ، فَأَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ، فَبَعَثَ آخَرَ فَأَعْظَمَ ذَلِكَ، فَجَعَلَ لا يَبْعَثُ أَحَدًا إِلا تَعَاظَمَهُ أَمْرُهَا، حَتَّى مَشَى إِلَيْهَا وَتَطَاوَلَ

(1/229)


فَضَرَبَ عُرْقُوبَيْهَا، فَوَقَعَتْ تَرْكُضُ فَأَتَى رَجُلٌ مِنْهُمْ صَالِحًا فَقَالَ: أَدْرِكِ النَّاقَةَ فَقَدْ عُقِرَتْ فَأَقْبَلَ، فَخَرَجُوا يَتَلَقَّوْنَهُ وَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّمَا عَقَرَهَا فُلانٌ، إِنَّهُ لا ذَنْبَ لَنَا، قَالَ: انْظُرُوا هَلْ تُدْرِكُونَ فَصِيلَهَا! فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَ عَنْكُمُ الْعَذَابَ! فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ فَلَمَّا رَأَى الْفَصِيلُ أُمَّهُ تَضْطَرِبُ أَتَى جَبَلا- يُقَالُ لَهُ: الْقَارَةُ- قَصِيرًا فَصَعِدَهُ وَذَهَبُوا لِيَأْخُذُوهُ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى الْجَبَلِ، فَطَالَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى مَا تَنَالُهُ الطَّيْرُ، قَالَ: وَدَخَلَ صَالِحٌ الْقَرْيَةَ، فَلَمَّا رَآهُ الْفَصِيلُ بَكَى حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ صَالِحًا، فَرَغَا رَغْوَةً، ثُمَّ رَغَا أُخْرَى، ثُمَّ رَغَا أُخْرَى فَقَالَ صَالِحٌ: لِكُلِّ رَغْوَةٍ أَجَلُ يَوْمٍ، تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ، إِلا أَنَّ آيَةَ الْعَذَابِ أَنَّ الْيَوْمَ الأَوَّلَ تُصْبِحُ وُجُوهُكُمْ مُصْفَرَّةً، وَالْيَوْمَ الثَّانِيَ مُحْمَرَّةً، وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ مُسْوَدَّةً، فَلَمَّا أَصْبَحُوا إِذَا وُجُوهُهُمْ كَأَنَّمَا طُلِيَتْ بِالْخَلُوقِ، صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ، ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، فَلَمَّا أَمْسَوْا صَاحُوا بِأَجْمَعِهِمْ: أَلا قَدْ مَضَى يَوْمٌ مِنَ الأَجَلِ وَحَضَرَكُمُ الْعَذَابُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا الْيَوْمَ الثَّانِي إِذَا وُجُوهُهُمْ مُحْمَرَّةٌ، كَأَنَّمَا خُضِبَتْ بِالدِّمَاءِ، فَصَاحُوا وَضَجُّوا وَبَكَوْا وَعَرَفُوا أَنَّهُ الْعَذَابُ فَلَمَّا أَمْسَوْا صَاحُوا بِأَجْمَعِهِمْ: أَلا قَدْ مَضَى يَوْمَانِ مِنَ الأَجَلِ، وَحَضَرَكُمُ الْعَذَابُ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَإِذَا وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ كَأَنَّمَا طُلِيَتْ بِالْقَارِ، فَصَاحُوا جَمِيعًا: أَلا قَدْ حَضَرَكُمُ الْعَذَابُ، فَتَكَفَّنُوا وَتَحَنَّطُوا، وَكَانَ حُنُوطُهُمُ الصَّبْرَ وَالْمَقِرَ، وَكَانَتْ أَكْفَانُهُمُ الأَنْطَاعَ، ثُمَّ أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ إِلَى الأَرْضِ، فَجَعَلُوا يُقَلِّبُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ مَرَّةً، وَإِلَى الأَرْضِ مَرَّةً، لا يَدْرُونَ مِنْ حَيْثُ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ، مِنْ فَوْقِهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنَ الأَرْضِ خُشُعًا وَفُرُقًا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا الْيَوْمَ الرَّابِعَ أَتَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِيهَا صَوْتُ كُلِّ صَاعِقَةٍ وَصَوْتُ كُلِّ شَيْءٍ لَهُ صَوْتٌ فِي الأَرْضِ، فَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ

(1/230)


حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ أَهْلَكَ اللَّهُ مَنْ بَيْنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ مِنْهُمْ، إِلا رَجُلا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ، مَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ قِيلَ: وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ:؟ قَالَ: أَبُو رِغَالٍ، [وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص حِينَ أَتَى عَلَى قَرْيَةِ ثَمُودَ لأَصْحَابِهِ: لا يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْقَرْيَةَ، وَلا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهِمْ،] وَأَرَاهُمْ مُرْتَقَى الْفَصِيلِ، حِينَ ارْتَقَى فِي الْقَارَةِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي موسى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابن عمران، [ان النبي ص حِينَ أَتَى عَلَى قَرْيَةِ ثَمُودَ قَالَ: لا تَدْخُلَنَّ عَلَى هَؤُلاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ] .
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: [إِنَّ النبي ص لَمَّا أَتَى عَلَى الْحِجْرِ، حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَلا تَسْأَلُوا رَسُولَكُمُ الآيَاتِ، هَؤُلاءُ قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا رَسُولَهُمُ الآيَةَ، فَبَعَثَ اللَّهُ لَهُمُ النَّاقَةَ، فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، فَتَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمَ وِرْدِهَا] .
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الأَشْجَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال: حدثنا ابو الطفيل قال: [لما غزا رسول الله ص غَزَاةَ تَبُوكَ، نَزَلَ الْحِجْرَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ لا تَسْأَلُوا نَبِيَّكُمُ الآيَاتِ، هَؤُلاءِ قَوْمُ صَالِحٍ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ آيَةً، فَبَعَثَ اللَّهُ تعالى ذِكْرُهُ لَهُمُ النَّاقَةَ آيَةً، فَكَانَتْ تَلِجُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ وِرْدِهَا مِنْ هَذَا الْفَجِّ فَتَشْرَبُ مَاءَهُمْ، وَيَوْمَ وِرْدِهِمْ كَانُوا يَتَزَوَّدُونَ مِنْهُ، ثُمَّ يَحْلِبُونَهَا مِثْلَ مَا كَانُوا يَتَزَوَّدُونَ مِنْ مَائِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَبَنًا، ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْفَجِّ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَعَقَرُوهَا، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ الْعَذَابَ بَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ،

(1/231)


وَكَانَ وَعْدًا مِنَ اللَّهِ غَيْرَ مَكْذُوبٍ، فَأَهْلَكَ اللَّهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا إِلا رَجُلا وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ، فَمَنَعَهُ حَرَمُ اللَّهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، قَالُوا: وَمَنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَبُو رِغَالٍ] .
فَأَمَّا أَهْلُ التَّوْرَاةِ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لا ذِكْرَ لِعَادٍ وَلا ثَمُودَ وَلا لِهُودٍ وَصَالِحٍ فِي التَّوْرَاةِ، وَأَمْرُهُمْ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي الشُّهْرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلامِ كَشُهْرَةِ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِ.
قَالَ: وَلَوْلا كَرَاهَةُ إِطَالَةِ الْكِتَابِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، لَذَكَرْتُ مِنْ شِعْرِ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي قِيلَ فِي عَادٍ وَثَمُودَ وَأُمُورِهِمْ بَعْضَ مَا قِيلَ مَا يَعْلَمُ بِهِ مَنْ ظَنَّ خِلافَ مَا قُلْنَا فِي شُهْرَةِ أَمْرِهِمْ فِي الْعَرَبِ صِحَّةَ ذَلِكَ وَمِنْ أَهْلِ العلم من يزعم ان صالحا ع تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَأَنَّهُ أَقَامَ فِي قَوْمِهِ عِشْرِينَ سَنَةً.
قال أبو جعفر: نرجع الآن إلى:

(1/232)