تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
ذكر يوشع بن نون ع
ثم ابتعث الله عز وجل بعد موسى ع يوشع بن نون بن افراييم ابن يوسف بن
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبيا، وأمره بالمسير إلى أريحا لحرب من فيها
من الجبارين فاختلف السلف من أهل العلم في ذلك، وعلى يد من كان ذلك؟
ومتى سار يوشع إليها؟ في حياة موسى بن عمران كان مسيره إليها أم بعد
وفاته؟
فقال بعضهم: لم يسر يوشع إلى أريحا، ولا أمر بالمسير إليها إلا بعد موت
موسى، وبعد هلاك جميع من كان أبى المسير إليها مع موسى بن عمران، حين
أمرهم الله تعالى بقتال من فيها من الجبارين، وقالوا: مات موسى وهارون
جميعا في التيه قبل خروجهما منه.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ:
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
لَمَّا دَعَا مُوسَى- يَعْنِي بِدُعَائِهِ قَوْلِهِ: «رَبِّ إِنِّي لا
أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ
الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ
أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ» قَالَ: فَدَخَلُوا
التِّيهَ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ التِّيهَ مِمَّنْ جَاوَزَ الْعِشْرِينَ
سَنَةً مَاتَ فِي التِّيهِ، قَالَ: فَمَاتَ مُوسَى فِي التِّيهِ،
وَمَاتَ هَارُونُ قَبْلَهُ قَالَ:
فَلَبِثُوا فِي تِيهِهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَنَاهَضَ يُوشَعُ
بِمَنْ بَقِيَ مَعَهُ مَدِينَةَ الْجَبَّارِينَ فَافْتَتَحَ يُوشَعُ
الْمَدِينَةَ
(1/435)
حدثنا بشر، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سعيد عن قتادة قَالَ: قَالَ الله تعالى:
«انها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً» الآية، حرمت عليهم
القرى، فكانوا لا يهبطون قرية، ولا يقدرون على ذلك أربعين سنة.
وذكر لنا أن موسى مات في الأربعين سنة، ولم يدخل بيت المقدس منهم إلا
أبناؤهم، والرجلان اللذان قالا ما قالا.
حَدَّثَنِي موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو، قَالَ:
حَدَّثَنَا أسباط، عن السدي في الخبر الذي ذكرت إسناده فيما مضى: لم
يبق أحد ممن أبى أن يدخل مدينة الجبارين مع موسى إلا مات، ولم يشهد
الفتح.
ثم إن الله عز وجل لما انقضت الأربعون سنة بعث يوشع بن نون نبيا
فأخبرهم أنه نبي وأن الله قد أمره أن يقاتل الجبارين، فبايعوه وصدقوه،
فهزم الجبارين، واقتحموا عليهم، فقتلوهم، فكانت العصابة من بني إسرائيل
يجتمعون على عنق الرجل يضربونها لا يقطعونها.
حَدَّثَنَا ابن بشار، قَالَ: حَدَّثَنَا سليمان بن حرب، عن هلال، عن
قتادة في قول الله تعالى: «فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ» ، قَالَ:
أبدا.
حَدَّثَنِي المثنى قَالَ: حَدَّثَنَا مسلم بن إبراهيم، عن هارون
النحوي، عن الزبير بن الخريت، عن عكرمة في قوله: «فَإِنَّها
مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ»
، قَالَ: التحريم التيه.
وقال آخرون: إنما فتح أريحا موسى، ولكن يوشع كان على مقدمة موسى حين
سار إليهم.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذلك:
(1/436)
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا
سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما نشأت النواشي من ذراريهم- يعني من ذراري
الذين أبوا قتال الجبارين مع موسى- وهلك آباؤهم، وانقضت الأربعون سنة
التي تُيِّهُوا فيها، سار بهم موسى ومعه يوشع بن نون، وكلاب بن يوفنة،
وكان فيما يزعمون على مريم ابنة عمران أخت موسى وهارون، فكان لهم صهرا،
فلما انتهوا إلى أرض كنعان، وبها بلعم بن باعور العروف، وكان رجلا قد
آتاه الله علما، وكان فيما أوتي من العلم اسم الله الأعظم- فيما
يذكرون- الذي إذا دعي الله به أجاب، وإذا سئل به أعطى.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إسحاق، عن سالم أبي النضر، أنه حدث أن موسى لما نزل أرض بني كنعان من
أرض الشام، وكان بلعم ببالعة- قرية من قرى البلقاء- فلما نزل موسى ببني
إسرائيل ذلك المنزل، أتى قوم بلعم إلى بلعم، فقالوا له: يا بلعم، هذا
موسى بن عمران في بني إسرائيل قد جاء يخرجنا من بلادنا، ويقتلنا ويحلها
بني إسرائيل، ويسكنها، وإنا قومك وليس لنا منزل، وأنت رجل مجاب الدعوة،
فاخرج فادع الله عليهم، فقال: ويلكم! نبي الله معه الملائكة والمؤمنون!
كيف أذهب أدعو عليهم، وأنا أعلم من الله ما أعلم! قَالُوا: ما لنا من
منزل، فلم يزالوا به يرققونه، ويتضرعون إليه حتى فتنوه، فافتتن فركب
حمارة له متوجها إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل، وهو جبل
حسبان، فما سار عليها غير قليل، حتى ربضت به، فنزل عنها فضربها حتى
اذلقها فقامت فركبها، فلم تسر به كثيرا حتى ربضت به، ففعل بها مثل ذلك،
فقامت فركبها، فلم تسر به كثيرا حتى ربضت به، فضربها حتى إذا أذلقها
أذن الله لها فكلمته حجة عليه، فقالت: ويحك يا بلعم! أين تذهب! ألا ترى
الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا! أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعو
(1/437)
عليهم! فلم ينزع عنها يضربها، فخلى الله
سبيلها حين فعل بها ذلك، فانطلقت حتى إذا أشرفت به على جبل حسبان، على
عسكر موسى وبني إسرائيل، جعل يدعو عليهم، فلا يدعو عليهم بشيء إلا صرف
الله لسانه إلى قومه، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني
إسرائيل، فقال له قومه:
أتدري يا بلعم ما تصنع؟ إنما تدعو لهم، وتدعو علينا، قَالَ: فهذا ما لا
أملك، هذا شيء قد غلب الله عليه، واندلع لسانه فوقع على صدره، فقال
لهم: قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والحيلة،
فسأمكر لكم وأحتال، جملوا النساء وأعطوهن السلع، ثم أرسلوهن إلى العسكر
يبعنها فيه، ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها، فإنه إن زنى
رجل واحد منهم كفيتموهم، ففعلوا، فلما دخل النساء العسكر مرت امرأة من
الكنعانيين اسمها كستي ابنة صور- رأس أمته وبني أبيه من كان منهم في
مدين، هو كان كبيرهم- برجل من عظماء بني إسرائيل، وهو زمرى بن شلوم،
رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فقام إليها فأخذ بيدها
حين أعجبه جمالها، ثم أقبل حتى وقف بها على موسى، فقال: إني أظنك
ستقول:
هذه حرام عليك! قَالَ: أجل هي حرام عليك لا تقربها، قَالَ: فو الله لا
نطيعك في هذا، ثم دخل بها قبته فوقع عليها، فأرسل الله الطاعون في بني
إسرائيل وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى، وكان رجلا قد
أعطي بسطة في الخلق، وقوة في البطش، وكان غائبا حين صنع زمرى بن شلوم
ما صنع، فجاء والطاعون يحوس في بني إسرائيل، فأخبر الخبر، فأخذ حربته-
وكانت من حديد كلها- ثم دخل عليهما القبة وهما متضاجعان فانتظمهما
بحربته، ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء، والحربة قد أخذها بذراعه،
واعتمد بمرفقه على خاصرته، وأسند الحربة إلى لحيته- وكان بكر العيزار-
فجعل يقول: اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك! ورفع الطاعون فحسب من يهلك من
بني إسرائيل في الطاعون- فيما بين أن أصاب زمرى المرأة إلى أن قتله
(1/438)
فنحاص- فوجدوا قد هلك منهم سبعون ألفا،
والمقلل لهم يقول: عشرون ألفا، في ساعة من النهار، فمن هنالك تعطي بنو
إسرائيل ولد فنحاص بن العيزار بن هارون من كل ذبيحة ذبحوها القبة
والذراع واللحى، لاعتماده بالحربة على خاصرته، وأخذه إياها بذراعه،
وإسناده إياها إلى لحيته، والبكر من كل أموالهم وأنفسهم، لأنه كان بكر
العيزار، ففي بلعم بن باعور، أنزل الله تعالى على مُحَمَّد ص: «وَاتْلُ
عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها» -
يعنى بلعم بن باعور، «فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ» الى قوله:
«لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» يعني بني إسرائيل، إني قد جئتهم بخبر ما
كان فيهم مما يخفون عليك لعلهم يتفكرون فيعرفون أنه لم يأت بهذا الخبر
عما مضى فيهم إلا نبي يأتيه خبر من السماء.
ثم إن موسى قدم يوشع بن نون إلى أريحا في بني إسرائيل فدخلها بهم، وقتل
بها الجبابرة الذين كانوا فيها، وأصاب من أصاب منهم، وبقيت منهم بقية
في اليوم الذي أصابهم فيه، وجنح عليهم الليل، وخشي إن لبسهم الليل أن
يعجزوه، فاستوقف الشمس، ودعا الله أن يحبسها، ففعل عز وجل حتى
استأصلهم، ثم دخلها موسى ببني إسرائيل، فأقام فيها ما شاء الله أن
يقيم، ثم قبضه الله إليه، لا يعلم بقبره أحد من الخلائق.
فأما السدي في الخبر الذي ذكرت عنه إسناده فيما مضى، فإنه ذكر في خبره
ذلك أن الذي قاتل الجبارين يوشع بن نون بعد موت موسى وهارون، وقص من
أمره وأمرهم ما أنا ذاكره، وهو أنه ذكر فيه أن الله بعث يوشع نبيا بعد
أن انقضت الأربعون سنة، فدعا بني إسرائيل فأخبرهم أنه نبي، وأن الله قد
أمره أن يقاتل الجبارين، فبايعوه وصدقوه، وانطلق رجل من بني إسرائيل
يقال له: بلعم- وكان عالما، يعلم الاسم الأعظم المكتوم- فكفر
(1/439)
وأتى الجبارين، فقال: لا ترهبوا بني
إسرائيل، فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعو عليهم دعوة فيهلكون، فكان
عندهم فيما شاء من الدنيا، غير أنه كان لا يستطيع أن يأتي النساء من
عظمهن، فكان ينكح أتانا له، وهو الذي يقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:
«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا» أي فبصر
«فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ»
إلى قوله: «وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ
تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ» ، فكان بلعم يلهث كما يلهث الكلب، فخرج يوشع
يقاتل الجبارين في الناس، وخرج بلعم مع الجبارين على أتانه، وهو يريد
أن يلعن بني إسرائيل، فكلما أراد أن يدعو على بني إسرائيل جاء على
الجبارين، فقال الجبارون: إنك إنما تدعو علينا، فيقول: إنما أردت بني
إسرائيل، فلما بلغ باب المدينة أخذ ملك بذنب الأتان فأمسكها، وجعل
يحركها فلا تتحرك، فلما أكثر ضربها تكلمت، فقالت: أنت تنكحني بالليل
وتركبني بالنهار! ويلي منك! ولو أني أطقت الخروج لخرجت بك، ولكن هذا
الملك يحبسني، فقاتلهم يوشع يوم الجمعة قتالا شديدا حتى أمسوا وغربت
الشمس، ودخل السبت فدعا الله فقال للشمس: إنك في طاعة الله وأنا في
طاعة الله، اللهم اردد علي الشمس، فردت عليه الشمس، فزيد له في النهار
يومئذ ساعة، فهزم الجبارين واقتحموا عليهم يقتلونهم، فكانت العصابة من
بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها لا يقطعونها وجمعوا
غنائمهم، وأمرهم يوشع أن يقربوا الغنيمه فقربوها، فلم تزل النار
تأكلها، فقال يوشع: يا بني إسرائيل ان لله عز وجل عندكم طلبة، هلموا
فبايعوني، فبايعوه فلصقت يد رجل منهم بيده، فقال: هلم ما عندك! فأتاه
برأس ثور من ذهب مكلل بالياقوت والجوهر، كان قد غله، فجعله في القربان،
وجعل الرجل معه، فجاءت النار فأكلت الرجل والقربان
(1/440)
وأما أهل التوراة، فإنهم يقولون: هلك هارون
وموسى في التيه، وإن الله أوحى إلى يوشع بعد موسى، وأمره أن يعبر
الأردن إلى الأرض التي أعطاها بني إسرائيل، ووعدها إياهم، وأن يوشع جد
في ذلك ووجه إلى أريحا من تعرف خبرها، ثم سار ومعه تابوت الميثاق، حتى
عبر الأردن، وصار له ولأصحابه فيه طريق، فأحاط بمدينة أريحا سته أشهر،
فلما كان السابع نفخوا في القرون، وضج الشعب ضجة واحدة، فسقط سور
المدينة فأباحوها وأحرقوها، وما كان فيها ما خلا الذهب والفضة وآنية
النحاس والحديد، فإنهم أدخلوه بيت المال ثم إن رجلا من بني إسرائيل غل
شيئا، فغضب الله عليهم وانهزموا، فجزع يوشع جزعا شديدا، فأوحى الله إلى
يوشع أن يقرع بين الأسباط، ففعل حتى انتهت القرعة إلى الرجل الذي غل،
فاستخرج غلوله من بيته، فرجمه يوشع وأحرق كل ما كان له بالنار، وسموا
الموضع باسم صاحب الغلول، وهو عاجر فالموضع الى هذا اليوم غور عاجر ثم
نهض بهم يوشع إلى ملك عايي وشعبه، فأرشدهم الله إلى حربه، وأمر يوشع أن
يكمن لهم كمينا ففعل، وغلب على عايي وصلب ملكها على خشبة، وأحرق
المدينة وقتل من أهلها اثني عشر ألفا من الرجال والنساء، واحتال اهل
عماق وجيعون ليوشع حتى جعل لهم أمانا، فلما ظهر على خديعتهم دعا الله
عليهم أن يكونوا حطابين وسقائين، فكانوا كذلك، وأن يكون بازق ملك
أورشليم يتصدق، ثم أرسل ملوك الأرمانيين، وكانوا خمسه بعضهم الى بعض،
وجمعوا كلمتهم على جيعون، فاستنجد اهل جيعون يوشع، فأنجدهم وهزموا
أولئك الملوك حتى حدروهم إلى هبطة حوران، ورماهم الله بأحجار البرد،
فكان من قتله البرد أكثر ممن قتله بنو إسرائيل بالسيف، وسأل يوشع الشمس
أن تقف والقمر أن يقوم حتى ينتقم من أعدائه قبل دخول السبت، ففعلا ذلك
وهرب الخمسة ملوك فاختفوا في غار، فأمر يوشع فسد باب الغار حتى فرغ من
الانتقام
(1/441)
من أعدائه، ثم أمر بهم فأخرجوا، فقتلهم
وصلبهم ثم أنزلهم من الخشب، وطرحهم في الغار الذي كانوا فيه، وتتبع
سائر الملوك بالشام، فاستباح منهم أحدا وثلاثين ملكا، وفرق الأرض التي
غلب عليها ثم مات يوشع، فلما مات دفن في جبل أفراييم، وقام بعده سبط
يهوذا وسبط شمعون بحرب الكنعانيين، فاستباحوا حريمهم، وقتلوا منهم عشرة
آلاف ببازق، وأخذوا ملك بازق فقطعوا إبهامي يديه ورجليه، فقال عند ذلك
ملك بازق: قد كان يلقط الخبز من تحت مائدتي سبعون ملكا مقطعي الأباهيم،
فقد جزاني الله بصنيعي، وأدخلوا ملك بازق أورشليم، فمات بها وحارب بنو
يهوذا سائر الكنعانيين واستولوا على أرضهم، وكان عمر يوشع مائة سنة
وستا وعشرين سنة وتدبيره أمر بني إسرائيل منذ توفي موسى إلى أن توفي
يوشع بن نون سبعا وعشرين سنة.
وقد قيل إن أول من ملك من ملوك اليمن، ملك كان لهم في عهد موسى بن
عمران من حمير، يقال له: شمير بن الأملول، وهو الذي بنى مدينة ظفار
باليمن، وأخرج من كان بها من العماليق، وإن شمير بن الأملول الحميري
هذا كان من عمال ملك الفرس يومئذ على اليمن ونواحيها.
وزعم هشام بن مُحَمَّد الكلبي أن بقية بقيت من الكنعانيين بعد ما قتل
يوشع من قتل منهم، وأن إفريقيس بن قيس بن صيفي بن سبا بن كعب ابن زيد
بن حمير بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان مر بهم متوجها إلى إفريقية،
فاحتملهم من سواحل الشام، حتى أتى بهم إفريقية، فافتتحها وقتل ملكها
جرجيرا، وأسكنها البقية التي كانت بقيت من الكنعانيين الذين كان
احتملهم معه من سواحل الشام قَالَ: فهم البرابرة، قَالَ: وإنما سموا
بربرا، لأن إفريقيس قَالَ لهم: ما أكثر بربرتكم! فسموا لذلك بربرا،
وذكر أن إفريقيس قَالَ في ذلك من أمرهم شعرا، وهو قوله:
بربرت كنعان لما سقتها ... من أراضي الهلك للعيش العجب
قَالَ: وأقام من حمير في البربر صنهاجة وكتامة، فهم فيهم إلى اليوم
(1/442)
|