تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ذكر أمر قارون بن يصهر بن قاهث
وكان قارون ابن عم موسى ع حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى» ، قال: ابن عمه، أخي ابيه فان: قارون ابن يصفر- هكذا قَالَ القاسم، وإنما هو يصهر- بن قاهث، وموسى بن عرمر بن قاهث، وعرمر بالعربية عمران، هكذا قَالَ القاسم، وإنما هو عمرم.
وأما ابن إسحاق فإنه قَالَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سلمة، عنه: تزوج يصهر بن قاهث شميت ابنه تباويت بن بركيا ابن يقسان بن إبراهيم فولدت له عمران بن يصهر وقارون بن يصهر، فقارون- على ما قَالَ ابن إسحاق- عم موسى أخو أبيه لأبيه وأمه.
واما أهل العلم من سلف أمتنا ومن أهل الكتابين فعلى ما قَالَ ابن جريج.
ذكر من حضرنا ذكره ممن قَالَ ذلك من علمائنا الماضين:
حَدَّثَنَا أبو كريب، قَالَ: حَدَّثَنَا جابر بن نوح، قال: أخبرنا اسماعيل ابن أبي خالد، عن إبراهيم في قوله: «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى» ، قال:
كان ابن عم موسى.
حدثنا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حدثنا عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن إبراهيم، قَالَ: «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى» ، كان قارون ابن عم موسى

(1/443)


حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ سفيان، عن سماك، عن ابراهيم: «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى» ، قَالَ: كان ابن عمه فبغى عليه.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد القطان، عن سماك بن حرب، عن إبراهيم، قَالَ: كان قارون ابن عم موسى.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو معاوية، عن ابن أبي خالد، عن إبراهيم، قَالَ: «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى» ، قَالَ: كان ابن عمه.
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله:
«إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى» ، كنا نحدث أنه كان ابن عمه أخي أبيه، وكان يسمى المنور من حسن صورته في التوراة، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري، فأهلكه البغي.
حَدَّثَنِي بشر بن هلال الصواف، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر بن سليمان الضبعي، عن مالك بن دينار، قَالَ: بلغني أن موسى بن عمران كان ابن عم قارون، وكان الله قد آتاه مالا كثيرا، كما وصفه الله عز وجل، فقال: «وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ» ، يعني بقوله: «تنوء» تثقل.
وذكر أن مفاتيح خزائنه كانت كالذي حَدَّثَنَا ابن حميد، قَالَ: حَدَّثَنَا جرير، عن منصور، عن خيثمة في قوله: «ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ» قَالَ: نجد مكتوبا في الإنجيل: مفاتيح قارون وقر ستين بغلا غرا محجلة، ما يزيد مفتاح منها على إصبع، لكل مفتاح منها كنز.
حَدَّثَنِي أبو كريب، قَالَ: حَدَّثَنَا هشيم، قَالَ: أخبرنا إسماعيل بن

(1/444)


سالم، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: «ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ» ، قَالَ: كانت مفاتيح خزائنه تحمل على أربعين بغلا.
حَدَّثَنَا أبو كريب، قَالَ: حَدَّثَنَا جابر بن نوح، قال: أخبرنا الأعمش عن خيثمة، قَالَ: كانت مفاتيح قارون تحمل على ستين بغلا، كل مفتاح منها لباب كنز معلوم، مثل الإصبع، من جلود.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الأعمش، عن خيثمة، قَالَ:
كانت مفاتيح قارون من جلود، كل مفتاح مثل الإصبع، كل مفتاح على خزانة على حدة، فإذا ركب حملت المفاتيح على ستين بغلا أغر محجل.
فبغى عدو الله لما أراد الله به من الشقاء والبلاء على قومه بكثرة ماله.
وقيل إن بغيه عليهم كان بأن زاد عليهم في الثياب شبرا كذلك حدثنى علي بن سعيد الكندي وأبو السائب وابن وكيع، قالوا: حدثنا حفص ابن غياث، عن ليث، عن شهر بن حوشب.
فوعظه قومه على ما كان من بغيه ونهوه عنه، وأمروه بإنفاق ما أعطاه الله في سبيله والعمل فيه بطاعته، كما أخبر الله عز وجل عنهم أنهم قَالُوا له فقال: «إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» وعنى بقوله: «وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا» : لا تنس في دنياك أن تأخذ نصيبك فيها لآخرتك، فكان جوابه إياهم جهلا منه، واغترارا بحلم الله عنه، ما ذكر الله تعالى في كتابه أن قَالَ لهم: إنما أوتيت ما أوتيت من هذه الدنيا عَلَى علم عندي فقيل: معنى ذلك: على خير عندي، كذلك روي ذلك عن قتادة.
وقال غيره: عنى بذلك: لولا رضاء الله عني ومعرفته بفضلي ما أعطاني

(1/445)


هذا، قَالَ الله عز وجل مكذبا قيله: «أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً» للأموال ولو كان الله إنما يعطي الأموال والدنيا من يعطيه إياها لرضاه عنه، وفضله عنده، لم يهلك من أهلك من أرباب الأموال الكثيرة قبله، مع كثرة ما كان أعطاهم منها، فلم يردعه عن جهله، وبغيه على قومه بكثرة ماله عظة من وعظه، وتذكير من ذكره بالله ونصيحته إياه، ولكنه تمادى في غيه وخسارته، حتى خرج على قومه في زينته راكبا برذونا أبيض مسرجا بسرج الأرجوان، قد لبس ثيابا معصفرة، قد حمل معه من الجواري بمثل هيئته وزينته على مثل برذونه ثلاثمائة جارية وأربعة آلاف من أصحابه.
وقال بعضهم: كان الذين حملهم على مثل هيئته وزينته من أصحابه.
سبعين ألفا.
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو خالد الأحمر، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد: «فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ» ، قَالَ: على براذين بيض، عليها سروج الأرجوان، عليهم المعصفرة فتمنى أهل الخسار من الذين خرج عليهم في زينته مثل الذي أوتيه، فقالوا: «يَا لَيْتَ لَنا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» ، فأنكر ذلك من قوله عليهم أهل العلم بالله فقالوا لهم: ويلكم أيها المتمنون مثل ما أوتي قارون! اتقوا الله، واعملوا بما أمركم الله به، وانتهوا عما نهاكم عنه، فإن ثواب الله وجزاءه أهل طاعته خير لمن آمن به وبرسله، وعمل بما أمره به من صالح الأعمال، يقول الله: «وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ» ، يقول: لا يلقى مثل هذه الكلمة إلا الذين صبروا عن طلب زينة الحياة الدنيا، وآثروا جزيل ثواب الله على صالح الأعمال على لذات الدنيا وشهواتها، فعملوا له بما يوجب لهم ذلك

(1/446)


فلما عتا الخبيث وتمادى في غيه، وبطر نعمة ربه ابتلاه الله عز وجل من الفريضة في ماله والحق الذي ألزمه فيه ما ساق إليه شحه به أليم عقابه، وصار به عبرة للغابرين وعظة للباقين.
فَحَدَّثَنَا أَبُو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ أَتَى قَارُونَ مُوسَى فَصَالَحَهُ عَنْ كُلِّ أَلْفِ دِينَارٍ دِينَارًا، وَعَلَى كُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ دِرْهَمًا، وَعَلَى كُلِّ أَلْفِ شَيْءٍ شَيْئًا، أَوْ قَالَ: وَكُلِّ أَلْفِ شَاةٍ شاه- قال ابو جعفر الطبرى: انا أشد- قَالَ: ثُمَّ أَتَى بَيْتَهُ فَحَسَبَهُ فَوَجَدَهُ كَثِيرًا فَجَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّ مُوسَى قَدْ أَمَرَكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ فَأَطَعْتُمُوهُ، وَهُوَ الآنَ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ أَمْوَالَكُمْ فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ كَبِيرُنَا وَسَيِّدُنَا، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ، فَقَالَ: آمُرُكُمْ أَنْ تَجِيئُوا بِفُلَانَةَ الْبَغِيِّ فَتَجْعَلُوا لَهَا جُعْلًا فَتَقْذِفُهُ بِنَفْسِهَا فَدَعَوْهَا فَجَعَلُوا لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تَقْذِفَهُ بِنَفْسِهَا، ثُمَّ أَتَى موسى فقال: إِنَّ قَوْمَكَ قَدِ اجْتَمَعُوا لِتَأْمُرَهُمْ وَتَنْهَاهُمْ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي بَرَاحٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، مَنْ سَرَقَ قَطَعْنَا يَدَهُ، ومن افترى جلدناه ثمانين، ومن زنا وليس له امراه جلدناه مائه، ومن زنا وَلَهُ امْرَأَةٌ جَلَدْنَاهُ حَتَّى يَمُوتَ- أَوْ قَالَ: رَجَمْنَاهُ حَتَّى يَمُوتَ- قَالَ أَبُو جَعْفَرَ أَنَا أَشُكُّ- فَقَالَ لَهُ قَارُونُ: وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: وَإِنْ كُنْتُ أَنَا قَالَ:
وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ فَجَرْتَ بِفُلَانَةَ، فَقَالَ: ادْعُوهَا، فَإِنْ قَالَتْ فَهُوَ كَمَا قَالَتْ، فَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ قَالَ لَهَا مُوسَى: يَا فُلَانَةُ، قَالَتْ: لَبَّيْكَ! قَالَ:
أَنَا فَعَلْتُ بِكِ مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ؟ قَالَتْ: لَا، وَكَذَبُوا، وَلَكِنْ جَعَلُوا إِلَيَّ جُعْلًا عَلَى أَنْ أَقْذِفَكَ بِنَفْسِي، فَوَثَبَ فَسَجَدَ وَهُوَ بَيْنَهُمْ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ: مُرِ الْأَرْضَ بِمَا شِئْتَ، قَالَ: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى أَقْدَامِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى رُكَبِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ،

(1/447)


قال: فجعلوا يقولون: يَا مُوسَى، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ، قَالَ: يَا أَرْضُ خذيهم، فاطبقت عليهم، فاوحى الله اليه: يا موسى يَقُولُ لَكَ عِبَادِي: يَا مُوسَى يَا مُوسَى، فَلا تَرْحَمُهُمْ، أَمَا لَوْ إِيَّايَ دَعُوا لَوَجَدُونِي قَرِيبًا مُجِيبًا، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ:
«فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ» ، وَكَانَتْ زِينَتُهُ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَى دَوَابٍّ شَقِرٍ عَلَيْهَا سُرُوجُ أَرْجِوَانٍ، عَلَيْهَا ثِيَابٌ مُصْبَغَةٌ بِالْبَهْرَمَانِ،: «قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يَا لَيْتَ لَنا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قارُونُ» إِلَى قَوْلِهِ: «لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ» يا مُحَمَّدُ «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عِيسَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ، وَزَادَنِي فِيهِ: قَالَ: فَأَصَابَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ شِدَّةٌ وَجُوعٌ شَدِيدٌ، فَأَتَوْا مُوسَى فَقَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ، قَالَ: فَدَعَا لَهُمْ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى، أَتُكَلِّمُنِي فِي قَوْمٍ قَدْ أَظْلَمَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مِنْ خَطَايَاهُمْ، وَقَدْ دَعَوكَ فَلَمْ تُجِبْهُمْ أَمَا لَوْ إِيَّايَ دَعَوْا لَأَجَبْتُهُمْ.
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ ابْنُ الْبُرَيْدِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ المنهال، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى» ، قَالَ: كَانَ ابْنَ عَمِّهِ، وَكَانَ مُوسَى يَقْضِي فِي نَاحِيَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقَارُونُ فِي نَاحِيَةٍ، قَالَ: فَدَعَا بَغِيَّةً كَانَتْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تَرْمِيَ مُوسَى بِنَفْسِهَا، فَتَرَكَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ يَجْتَمِعُ فِيهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى أَتَاهُ قَارُونُ فَقَالَ: يَا مُوسَى، مَا حَدُّ مَنْ سَرَقَ؟ قَالَ: أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ، قَالَ: فَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَمَا حَدُّ مَنْ زنا؟ قَالَ: أَنْ يُرْجَمَ، قَالَ: وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ؟ قال: نعم،

(1/448)


قَالَ: فَإِنَّكَ قَدْ فَعَلَتْ، قَالَ: وَيْلَكَ! بِمَنْ؟ قَالَ: بِفُلَانَةَ، فَدَعَاهَا مُوسَى فَقَالَ:
أَنْشُدُكِ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ، أَصَدَقَ قَارُونُ؟ قَالَتِ: اللَّهُمَّ إِذْ نَشَدْتَنِي، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ بَرِيءٌ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ عَدُوَّ اللَّهِ قَارُونَ جَعَلَ لِي جُعْلًا عَلَى أَنْ أَرْمِيَكَ بِنَفْسِي، قَالَ: فَوَثَبَ مُوسَى فَخَرَّ سَاجِدًا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقَدْ أَمَرْتُ الْأَرْضَ أَنْ تُطِيعَكَ، فَقَالَ مُوسَى: خُذِيهِمْ، فَأَخَذَتْهُمْ حَتَّى بَلَغُوا الْحِقْوَ، قَالَ: يَا مُوسَى، قَالَ: خُذِيهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ حَتَّى بَلَغُوا الصُّدُورَ، قَالَ: يَا مُوسَى، قَالَ: خُذِيهِمْ، قَالَ: فَذَهَبُوا، قَالَ:
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى، اسْتَغَاثَ بِكَ فَلَمْ تُغِثْهُ، أَمَا لَوِ استغاث بي، لأجبته ولأغثته.
حَدَّثَنَا بشر بن هلال الصواف، قَالَ: حَدَّثَنَا جعفر بن سليمان الضبعي، قَالَ: حَدَّثَنَا علي بن زيد بن جدعان، قَالَ: خرج عبد الله بن الحارث من الدار، ودخل المقصورة فلما خرج منها جلس وتساند عليها وجلسنا اليه، فذكر سليمان بن داود و «قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ» الى قوله: «فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ» قَالَ: ثم سكت عن حديث سليمان، فقال: «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ» ، وكان قد أوتي من الكنوز ما ذكره الله في كتابه: «ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ» فقال: انما أوتيته على علم عندي قَالَ: وعاد موسى وكان مؤذيا له، فكان موسى يصفح عنه، ويعفو للقرابة حتى بنى دارا، وجعل باب داره من ذهب، وضرب على جدر داره صفائح الذهب، وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون عليه ويروحون، فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضحكونه، فلم تدعه شقوته والبلاء حتى أرسل إلى امرأة من بني إسرائيل مشهورة بالخنا مشهورة بالسب، فجاءت قال لها: هل لك أن أمولك وأعطيك وأخلطك

(1/449)


بنسائي، على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي فتقولي: يا قارون ألا تنهى عني موسى! قالت: بلى، فلما جلس قارون، وجاءه الملأ من بني إسرائيل أرسل إليها فجاءت، فقامت بين يديه، فقلب الله قلبها، وأحدث لها توبة، فقالت في نفسها: لا أجد اليوم توبة أفضل من ألا أوذي رسول الله وأعذب عدو الله، فقالت: إن قارون قَالَ لي: هل لك أن أمولك وأعطيك وأخلطك بنسائي على أن تأتيني والملأ من بني إسرائيل عندي، فتقولي: يا قارون ألا تنهى عني موسى! فلم أجد توبة أفضل من ألا أوذي رسول الله، وأعذب عدو الله فلما تكلمت بهذا الكلام سقط في يدي قارون، ونكس رأسه، وسكت عن الملأ، وعرف انه قد وقع في هلكة، فشاع كلامها في الناس، حتى بلغ موسى، فلما بلغ موسى اشتد غضبه فتوضأ من الماء وصلى وبكى، وقال:
يا رب عدوك لي مؤذ، أراد فضيحتي وشيني، يا رب سلطني عليه فأوحى الله إليه أن مر الأرض بما شئت تطعك، فجاء موسى إلى قارون، فلما دخل عليه عرف الشر في وجه موسى له، فقال له: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيهم، قال: فاضطربت داره، وساخت بقارون وأصحابه إلى الكعبين، وجعل يقول: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيهم، فاضطربت داره وساخت، وخسف بقارون وأصحابه إلى ركبهم وهو يتضرع إلى موسي:
يا موسي، ارحمني! قَالَ: يا أرض خذيهم، فاضطربت داره، وساخت وخسف بقارون وأصحابه إلى سررهم، وهو يتضرع إلى موسي: يا موسي، ارحمني! قال: يا أرض خذيهم، فخسف به وبداره وأصحابه، قَالَ:
وقيل لموسى: يا موسى، ما أفظك، أما وعزتي لو إياي نادى لأجبته! حَدَّثَنَا بشر بْنُ هِلالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عن أبي عمران الجوني، قَالَ: بلغني أنه قيل لموسى: لا أعبد الأرض لأحد بعدك أبدا.
حَدَّثَنَا بشر، قَالَ: حَدَّثَنَا يزيد، قَالَ: حَدَّثَنَا سعيد عن قتادة، «فَخَسَفْنا

(1/450)


بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ» ، ذكر لنا أنه يخسف به كل يوم قامة، وأنه يتجلجل فيها لا يبلغ قعرها الى يوم القيامه.
قال ابو جعفر: فلما نزلت نقمة الله بقارون حمد الله على ما أنعم به عليهم المؤمنون الذين وعظوه وأنذروه بأمر الله، ونصحوا له من المعرفة بحقه والعمل بطاعته، وندم الذين كانوا يتمنون ما هو فيه من كثرة المال، والسعة في العيش على أمنيتهم، وعرفوا خطأ أنفسهم في أمنيتها، فقالوا ما أخبر الله عز وجل عنهم في كتابه:
«وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا» ، فصرف عنا ما ابتلى به قارون وأصحابه مما كنا نتمناه بالأمس لخسف بنا كما خسف به وبهم فنجى الله تعالى من كل هول وبلاء نبيه موسى والمؤمنين به المتمسكين بعهده من بني إسرائيل، وفتاه يوشع بن نون المتبعين له بطاعتهم ربهم، واهلك اعدائه واعدائهم: فرعون وهامان وقارون والكنعانيين بكفرهم وتمردهم عليه وعتوهم، بالغرق بعضا، وبالخسف بعضا، وبالسيف بعضا، وجعلهم عبرا لمن اعتبر بهم، وعظة لمن اتعظ بهم، مع كثرة أموالهم وكثرة عدد جنودهم، وشدة بطشهم، وعظم خلقهم وأجسامهم، فلم تغن عنهم أموالهم ولا أجسامهم ولا قواهم ولا جنودهم وأنصارهم عنهم من الله شيئا، إذ كانوا يجحدون بآيات الله، ويسعون في الأرض فسادا، ويتخذون عباد الله لأنفسهم خولا، وحاق بهم ما كانوا منه آمنين، نعوذ بالله من عمل يقرب من سخطه، ونرغب إليه في التوفيق لما يدني من محبته، ويزلف الى رحمته! وروى عن النبي ص مَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمَاضِي بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ ابى ذر، قال: [قال رسول الله ص: أَوَّلُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ موسى وَآخِرُهُمْ عِيسَى

(1/451)


قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ فِي صُحُفِ موسى؟ قَالَ: كَانَتْ عِبَرًا كُلَّهَا، عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ ثُمَّ يَضْحَكُ، عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ ثُمَّ يَفْرَحُ، عَجِبْتُ لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ غَدًا ثُمَّ لَمْ يَعْمَلْ!] وَكَانَ تَدْبِيرُ يُوشَعَ أَمْرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ لَدُنْ مَاتَ مُوسَى، إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ يُوشَعُ، كُلُّهُ فِي زَمَانِ منُوشهرَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَفِي زَمَانِ فراسياب سَبْعَ سِنِينَ.
ونرجع الآن إلى:

(1/452)


ذكر القائم بالملك ببابل من الفرس بعد منوشهر إذ كان التاريخ إنما تدرك صحته على سياق مدة أعمار ملوكهم.
ولما هلك منوشهر الملك بن منشخورنر، قهر فراسياب بن فشنج ابن رستم بن ترك على خنيارث ومملكة أهل فارس، وصار- فيما قيل- إلى أرض بابل، فكان يكثر المقام ببابل وبمهرجان قذق، فأكثر الفساد في مملكة أهل فارس.
وقيل: إنه قَالَ حين غلب على مملكتهم: نحن مسرعون في إهلاك البرية، وإنه عظم جوره وظلمه، وخرب ما كان عامرا من بلاد خنيارث، ودفن الأنهار والقني، وقحط الناس في سنة خمس من ملكه، إلى أن خرج عن مملكة أهل فارس، ورد إلى بلاد الترك، فغارت المياه في تلك السنين، وحالت الأشجار المثمرة.
ولم يزل الناس منه في أعظم البلية، إلى أن ظهر زو بن طهماسب وقد يلفظ باسم زو بغير ذلك فيقول بعضهم: زاب بن طهماسفان، ويقول بعضهم: زاغ، ويقول بعضهم: راسب بن طهماسب بن كانجو بن زاب بن أرفس بن هراسف بن ونديج بن اريج بن نوذوجوش ابن منسوا- بن نوذر بن منوشهر.
وأم زو ما دول ابنة وامن بن واذرجا بن قود بن سلم بن أفريدون.
وقيل: إن منوشهر كان وجد في أيام ملكه على طهماسب بسبب جناية جناها، وهو مقيم في حدود الترك لحرب فراسياب، فأراد منوشهر قتله بسبب ذلك، فكلمه في الصفح عنه عظماء أهل مملكته وكان من عدل

(1/453)


منوشهر- فيما ذكر- أنه قد كان يسوي بين الشريف والوضيع، والقريب والبعيد في العقوبة، إذا استوجبها بعض رعيته على ذنب أتاه- فأبى إجابتهم إلى ما سألوه من ذلك، وقال لهم: هذا في الدين وهن، ولكنكم إذ أبيتم علي، فإنه لا يسكن في شيء من مملكتي، ولا يقيم به، فنفاه عن مملكته فشخص إلى بلاد الترك، فوقع إلى ناحية وامن، فاحتال لابنته وهي محبوسة في قصر من أجل أن المنجمين كانوا ذكروا لوامن أبيها أنها تلد ولدا يقتله، حتى أخرجها من القصر الذي كانت محبوسة فيه، بعد أن حملت منه بزو.
ثم ان منوشهر اذن طهماسب بعد أن انقضت أيام عقوبته في العود الى خينارث مملكة فارس، فأخرج مادول ابنة وامن بالحيلة منها ومنه في إخراجها من قصرها من بلاد الترك إلى مملكة أهل فارس، فولدت له زوا بعد العود إلى بلاد إيرانكرد، ثم إن زوا- فيما ذكر- قتل جده، وامن في بعض مغازيه الترك، وطرد فراسياب عن مملكة أهل فارس، حتى رده إلى الترك بعد حروب جرت بينه وبينه وقتال، فكانت غلبه فراسياب اهل فارس على إقليم بابل اثنتى عشره سنة، من لدن توفي منوشهر إلى أن طرده عنه، وأخرجه زو بن طهماسب إلى تركستان.
وذكر أن طرد زو فراسياب عما كان عليه من مملكة أهل فارس في روز ابان من شهر آبانماه، فاتخذ العجم هذا اليوم عيدا لما رفع عنهم فيه من شر فراسياب وعسفه وجعلوه الثالث من أعيادهم النوروز والمهرجان.
وكان زو محمودا في ملكه، محسنا إلى رعيته، فأمر بإصلاح ما كان فراسياب أفسد من بلاد خنيارث، ومملكة بابل وبناء ما كان هدم من حصون ذلك، ونثل ما كان طم وغور من الأنهار والقنى، وكرى ما كان اندفن من المياه حتى أعاد كل ذلك- فيما ذكر- الى احسن ما كان عليه، ووضع

(1/454)


عن الناس الخراج سبع سنين، ودفعه عنهم، فعمرت بلاد فارس في ملكه، وكثرت المياه فيها، ودرت معايش أهلها، واستخرج بالسواد نهرا وسماه الزاب، وأمر فبنيت على حافتيه مدينة وهي التي تسمى المدينة العتيقة، وكورها كورة، وسماها الزوابي، وجعل لها ثلاثة طساسيج: منها طسوج الزاب الأعلى، ومنها طسوج الزاب الأوسط، ومنها طسوج الزاب الأسفل، وأمر بحمل بزور الرياحين من الجبال إليها وأصول الأشجار، وبذر ما يبذر من ذلك، وغرس ما يغرس منه، وكان أول من اتخذ له ألوان الطبيخ وأمر بها وبأصناف الأطعمة، وأعطى جنوده مما غنم من الخيل والركاب، مما أوجف عليه من أموال الترك وغيرهم وقال يوم ملك وعقد التاج على رأسه: نحن متقدمون في عماره ما اخر به الساحر فراسياب.
وكان له كرشاسب بن أثرط بن سهم بن نريمان بن طورك بن شيراسب بن أروشسب بن طوج بن أفريدون الملك.
وقد نسبه بعض نسابي الفرس غير هذا النسب فيقول: هو كرشاسف بن أشناس بن طهموس بن اشك بن ترس بن رحر بن دودسرو بن منوشهر الملك- مؤازرا له على ملكه.
ويقول بعضهم: كان زو وكرشاسب مشتركين في الملك، والمعروف من أمرهما أن الملك كان لزو بن طهماسب وأن كرشاسب كان له مؤازرا وله معينا

(1/455)


وكان كرشاسب عظيم الشأن في أهل فارس، غير أنه لم يملك، فكان جميع ملك زو إلى أن انقضى ومات- فيما قيل- ثلاث سنين.
ثم ملك بعد زو كيقباذ، وهو كيقباذ بن زاغ بن نوحياه بن منشو بن نوذر بن منوشهر وكان متزوجا بفرتك ابنه تدرسا التركى، وكان تدرسا من رءوس الأتراك وعظمائهم، فولدت له كي إفنه، وكي كاوس، وكي أرش، وكيبه أرش، وكيفاشين وكيبية، وهؤلاء هم الملوك الجبابرة وآباء الملوك الجبابرة.
وقيل إن كيقباذ قَالَ يوم ملك وعقد التاج على رأسه: نحن مدوخون بلاد الترك ومجتهدون في إصلاح بلادنا، حدبون عليها، وأنه قدر مياه الأنهار والعيون لشرب الأرضين، وسمى البلاد بأسمائها، وحدها بحدودها، وكور الكور، وبين حير كل كورة منها وحريمها، وأمر الناس باتخاذ الأرض، وأخذ العشر من غلاتها لأرزاق الجند، وكان- فيما ذكر- كيقباذ يشبه في حرصه على العمارة، ومنعه البلاد من العدو، وتكبره في نفسه بفرعون.
وقيل ان الملوك الكييه وأولادهم من نسله، وجرت بينه وبين الترك وغيرهم حروب كثيرة، وكان مقيما في حد ما بين مملكة الفرس والترك بالقرب من نهر بلخ، لمنع الترك من تطرق شيء من حدود فارس، وكان ملكه مائة سنة، والله أعلم.
ونرجع الآن إلى:

(1/456)