تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
قدوم وفد بنى حنيفه
ومعهم مسيلمه
وَفِيهَا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال:
حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قدم على رسول الله ص وفد بني
حنيفة، فيهم مسيلمة بْن حبيب الكذاب، فكان منزلهم فِي دار ابنة الحارث،
امرأة من الأنصار، ثُمَّ من بني النجار.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابْنِ إِسْحَاقَ،
قَالَ:
حَدَّثَنِي بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، أَنَّ بَنِي
حَنِيفَةَ أَتَتْ بِمُسَيْلِمَةَ الى رسول الله ص تَسْتُرُهُ
بِالثِّيَابِ، وَرَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، وَمَعَهُ
عَسِيبٌ مِنْ سَعْفِ النَّخْلِ، فِي رَأْسِه خوصات، [فلما انتهى الى
رسول الله ص وهم يسترونه بالثياب، كلم رسول الله ص، فقال له رسول الله:
لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْعَسِيبَ الَّذِي فِي يَدِي مَا
أَعْطَيْتُكَ!] حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ
مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، قَالَ: كَانَ حَدِيثُ مُسَيْلِمَةَ عَلَى
غَيْرِ هَذَا،
(3/137)
زَعَمَ أَنَّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ
أَتَوْا رَسُولَ الله ص وَخَلَّفُوا مُسَيْلِمَةَ فِي رِحَالِهِمْ،
فَلَمَّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا لَهُ مَكَانَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنَّا قَدْ خَلَّفْنَا صَاحِبًا لَنَا فِي رِحَالِنَا
وَرِكَابِنَا يحفظهما لَنَا قَالَ: فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِلْقَوْمِ، وَقَالَ: [أَما إِنَّهُ لَيْسَ
بِشَرِّكُمْ مَكَانًا، يَحْفَظُ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ،] وَذَلِكَ الذى
يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ وَجَاءُوا مُسَيْلِمَةَ بِمَا أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ،
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الْيَمَامَةِ ارْتَدَّ عَدُوُّ اللَّهِ
وَتَنَبَّأَ وَتَكَذَّبَ لَهُمْ، وَقَالَ: إِنِّي قَدْ اشركت في الأمر
معه، وقال الوفد: أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ حَيْثُ
ذَكَرْتُمُونِي: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بِشَرِّكُمْ مَكَانًا! مَا
ذَلِكَ إِلا لِمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ مَعَهُ،
ثُمَّ جَعَلَ يَسْجَعُ السَّجَعَاتِ، وَيَقُولُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ
مُضَاهَاةً لِلْقُرْآنِ: لَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى الْحُبْلَى،
أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى، مِنْ بَيْنِ صِفَاقٍ وَحِشَى،
وَوَضَعَ عَنْهُمْ الصَّلاةَ، وَأَحَلَّ لَهُمُ الْخَمْرَ وَالزِّنَا،
وَنَحْوَ ذَلِكَ فَشَهِدَ لِرَسُولِ الله ص أَنَّهُ نَبِيٌّ،
فَأَصْفَقَتْ بَنُو حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ، فالله اعلم اى ذلك كان.
قدوم الاشعث بن قيس في وفد كنده
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِيهَا قَدِمَ وَفْدُ كِنْدَةَ، رَأْسُهُمُ
الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ، فَحَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال:
حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
قَدِمَ عَلَى رسول الله ص الاشعث ابن قَيْسٍ فِي سِتِّينَ رَاكِبًا
مِنْ كِنْدَةَ، فَدَخَلُوا على رسول الله مسجده، وقد
(3/138)
رَجَّلُوا جُمَمَهُمْ، وَتَكَحَّلُوا،
عَلَيْهِمْ جُبَبُ الْحَبِرَةِ، قَدْ كَفَّفُوهَا بِالْحَرِيرِ،
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص، قَالَ: أَلَمْ تُسْلِمُوا؟
قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَمَا بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي
أَعْنَاقِكُمْ؟ قَالَ: فَشَقُّوهُ مِنْهَا فَأَلْقَوْهُ، ثُمَّ قَالَ
الأَشْعَثُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ،
وَأَنْتَ ابْنُ آكِلِ الْمُرَارِ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ
قَالَ: ناسبوا بهذا النسب العباس ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَبِيعَةَ
بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: وَكَانَ رَبِيعَةُ وَالْعَبَّاسُ تَاجِرَيْنِ،
فَكَانَا إِذَا سَاحَا فِي أَرْضِ الْعَرَبِ فَسُئِلا مَنْ هُمَا؟
قَالا: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، يَتَعَزَّزَانِ بِذَلِكَ،
وَذَلِكَ أَنَّ كنده كانت ملوكا، [فقال رسول الله ص: نَحْنُ بَنُو
النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ لا نَقْفُو أُمَّنَا، وَلا نَنْتَفِي مِنْ
أَبِينَا] فَقَالَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: هَلْ عَرَفْتُمْ يَا
مَعْشَرَ كِنْدَةَ! وَاللَّهِ لا أَسْمَعُ رَجُلا قَالَهَا بَعْدَ
الْيَوْمِ الا ضربته حده ثمانين
. [حوادث متفرقة]
قال الْوَاقِدِيّ: وفيها قدم وفد محارب وفيها قدم وفد الرهاويين.
وفيها قدم وفد العاقب والسيد من نجران، فكتب لهما رَسُول اللَّهِ ص
كتاب الصلح.
قَالَ: وفيها قدم وفد عبس.
وفيها قدم وفد صدف، وافوا رَسُول اللَّهِ ص فِي حجة الوداع
(3/139)
قَالَ: وفيها قدم عدي بْن حاتم الطائي، فِي
شعبان.
وفيها مات أبو عامر الراهب عِنْد هرقل، فاختلف كنانة بْن عبد ياليل
وعلقمة بْن علاثة فِي ميراثه، فقضي به لكنانة بْن عبد ياليل قَالَ: هما
من اهل المدر، وأنت من اهل الوبر.
قدوم رفاعة بن زيد الجذامى
قَالَ: وفيها قدم وفد خولان، وهم عشرة.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ،
قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ ص فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ قَبْلَ خَيْبَرَ
رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيُّ ثُمَّ الضُّبَيْبِيُّ، فَأَهْدَى
لِرَسُولِ اللَّهِ غُلامًا، وَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلامُهُ، وَكَتَبَ
لَهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى قَوْمِهِ كِتَابًا، فِي كِتَابِهِ: بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ
اللَّهِ لِرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، إِنِّي بَعَثْتُهُ إِلَى قَوْمِهِ
عَامَّةً وَمَنْ دَخَلَ فِيهِمْ، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى
رَسُولِهِ، فَمَنْ أَقْبَلَ فَمِنْ حِزْبِ اللَّهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ،
وَمَنْ أَدْبَرَ فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ فَلَمَّا قَدِمَ رِفَاعَةُ
عَلَى قَوْمِهِ، أَجَابُوا وَأَسْلَمُوا، ثُمَّ سَارُوا إِلَى
الْحَرَّةِ، حَرَّةِ الرَّجْلاءِ فَنَزَلُوهَا.
فَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، عَمَّنْ لا يَتَّهِمُ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامٍ كَانُوا
بِهَا عُلَمَاءَ، أَنَّ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ، لَمَّا قَدِمَ مِنْ عند
رسول الله ص بِكِتَابِهِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَاسْتَجَابُوا
لَهُ، لَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَقْبَلَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ
الْكَلْبِيُّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ صَاحِبِ الرُّومِ، حِينَ بَعَثَهُ
رَسُولُ اللَّهِ وَمَعَهُ تِجَارَةٌ لَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادٍ
مِنْ أَوْدِيَتِهَا، يُقَالُ لَهُ: شَنَارٌ، أَغَارَ عَلَى دِحْيَةَ
الْهُنَيْدُ بْنُ عَوْصٍ وَابْنُهُ عَوْصُ بْنُ الْهُنَيْدِ،
الضَّلِيعِيَّانِ- وَالضَّلِيعُ بَطْنٌ مِنْ جُذَامٍ- فَأَصَابَا كُلَّ
شَيْءٍ كَانَ مَعَهُ،
(3/140)
فَبَلَغَ ذَلِكَ نَفَرًا مِنْ بَنِي
الضُّبَيْبِ قَوْمِ رِفَاعَةَ مِمَّنْ كَانَ أَسْلَمَ وَأَجَابَ،
فَنَفَرُوا إِلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فِيهِمْ مِنْ بَنِي
الضُّبَيْبِ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي جِعَالٍ، حَتَّى لَقُوهُمْ،
فَاقْتَتَلُوا، وَانْتَمَى يَوْمَئِذٍ قُرَّةُ بْنُ أَشْقَرٍ
الضُّفَارِيُّ ثُمَّ الضَّلِيعِيُّ، فَقَالَ: أنا ابْنُ لُبْنَى،
وَرَمَى النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي جِعَالٍ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ
رُكْبَتَهُ، فَقَالَ حِينَ أَصَابَهُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ لُبْنَى-
وَكَانَتْ لَهُ أُمٌّ تُدْعَى لُبْنَى- قَالَ: وَقَدْ كَانَ حَسَّانُ
بْنُ مَلَّةَ الضُّبَيْبِيُّ قَدْ صَحِبَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ
الْكَلْبِيَّ قَبْلَ ذَلِكَ، فَعَلَّمَهُ أُمَّ الْكِتَابِ،
فَاسْتَنْقَذُوا مَا كَانَ فِي يَدِ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ عَوْصٍ،
فَرَدُّوهُ عَلَى دِحْيَةَ، فَسَارَ دِحْيَةُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، وَاسْتَسْقَاهُ دَمَ
الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِم رَسُولُ اللَّهِ زَيْدَ
بْنَ حَارِثَةَ- وَذَلِكَ الَّذِي هَاجَ غَزْوَةَ زيد جذاما، وَبَعَثَ
مَعَهُ جَيْشًا- وَقَدْ وَجَّهَتْ غَطَفَانُ مِنْ جُذَامٍ كُلِّهَا
وَوَائِلُ وَمَنْ كَانَ مِنْ سَلامَانَ وَسَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ حِينَ
جَاءَهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ،
فَنَزَلُوا بِالْحَرَّةِ، حَرَّةِ الرَّجْلاءِ، وَرِفَاعَةُ بْنُ
زَيْدٍ بِكُرَاعِ ربَّةَ وَلَمْ يَعْلَمْ، وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي
الضُّبَيْبِ وَسَائِرُ بَنِي الضُّبَيْبِ بِوَادٍ مِنْ نَاحِيَةِ
الْحَرَّةِ مِمَّا يَسِيلُ مَشْرِقًا، وَأَقْبَلَ جَيْشُ زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ مِنْ نَاحِيَةِ الأَوْلاجِ، فَأَغَارَ بِالْفَضَافِضِ مِنْ
قِبَلِ الْحَرَّةِ، وَجَمَعُوا مَا وَجَدُوا مِنْ مَالٍ وَأُنَاسٍ،
وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ وَرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي الأَحْنَفِ،
وَرَجُلا مِنْ بَنِي خَصِيبٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ بَنُو
الضُّبَيْبِ وَالْجَيْشُ بِفَيْفَاءَ مُدَانٍ، رَكِبَ حَسَّانُ بْنُ
مَلَّةَ عَلَى فَرَسٍ لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ يُقَالُ لَهَا
الْعَجَّاجَةُ، وَأُنَيْفُ بْنُ مَلَّةَ عَلَى فَرَسٍ لِمَلَّةَ،
يُقَالُ لَهَا رِغَالُ، وَأَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو عَلَى فَرَسٍ لَهُ
يُقَالُ لَهَا شِمْرٌ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ
الْجَيْشِ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ لأُنَيْفِ بْنِ مَلَّةَ: كُفَّ عَنَّا
وَانْصَرِفْ، فَإِنَّا نَخْشَى لِسَانَكَ، فَانْصَرِفْ فَوَقَفَ
عَنْهُمَا، فَلَمْ يُبْعِدَا مِنْهُ، فَجَعَلَ فَرَسَهُ تَبْحَثُ
بِيَدِهَا وَتُوثَبُ، فَقَالَ: لأَنَا أَضِنُّ بِالرَّجُلَيْنِ مِنْكَ
بِالْفَرَسَيْنِ، فَأَرْخَى لَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُمَا، فَقَالا لَهُ:
أَمَا إِذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ، فَكُفَّ عَنَّا لِسَانَكَ وَلا
تَشْأَمُنَا الْيَوْمَ، وَتَوَاطَئُوا أَلا يَتَكَلَّمَ مِنْهُمْ إِلا
حَسَّانُ بْنُ مَلَّةَ، وَكَانَتْ
(3/141)
بَيْنَهُمْ كَلِمَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
قَدْ عَرَفُوهَا، بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، إِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ
أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ قَالَ: ثورِي.
فَلَمَّا بَرَزُوا عَلَى الْجَيْشِ أَقْبَلَ الْقَوْمُ
يَبْتَدِرُونَهُمْ، فَقَالَ حَسَّانٌ:
إِنَّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ
عَلَى فَرَسٍ أَدْهَمَ بَائِعٌ رُمْحَهُ يَقُولُ مُعَرِّضَهُ:
كَأَنَّمَا رَكَزَهُ عَلَى مَنْسَجِ فَرَسِهِ جُدْ وَأَعْتِقْ،
فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْ، فَقَالَ أُنَيْفٌ: ثورِي، فَقَالَ حَسَّانٌ:
مَهْلا! فَلَمَّا وَقَفُوا عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ لَهُ
حَسَّانٌ: إِنَّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: فَاقْرَأْ
أُمَّ الْكِتَابِ، فَقَرَأَهَا حَسَّانٌ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ
حَارِثَةَ: نَادُوا فِي الْجَيْشِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ
عَلَيْنَا ثُغْرَةَ الْقَوْمِ الَّتِي جَاءُوا مِنْهَا إِلا مَنْ
خَتَرَ، وَإِذَا أُخْتٌ لحسان ابن مَلَّةَ- وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي
وَبَرِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ الضُّبَيْبِ- فِي الأُسَارَى.
فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: خُذْهَا، فَأَخَذَتْ بِحِقْوَيْهِ، فَقَالَتْ
أُمُّ الْفَزِرِ الضَّلِيعِيَّةِ:
أَتَنْطَلِقُونَ بِبَنَاتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أُمَّهَاتِكُمْ! فَقَالَ
أَحَدُ بَنِي خَصِيبٍ: إِنَّهَا بَنُو الضُّبَيْبِ! وَسَحَرَتْ
أَلْسِنَتَهُمْ سَائِرَ الْيَوْمِ، فَسَمِعَهَا بَعْضُ الْجَيْشِ،
فَأُخْبِرَ بِهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَأَمَرَ بِأُخْتِ حَسَّانٍ،
فَفُكَّتْ يَدَاهَا مِنْ حِقْوَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: اجْلِسِي مَعَ
بَنَاتِ عَمِّكِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ فِيكُنَّ حُكْمَهُ،
فَرَجَعُوا، وَنَهَى الْجَيْشَ أَنْ يَهْبِطُوا إِلَى وَادِيهِمُ
الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ، فَأَمْسَوْا فِي أَهْلِيهِمْ، وَاسْتَعْتَمُوا
ذَوْدًا لِسُويَدِ بْنِ زَيْدٍ، فَلَمَّا شَرِبُوا عَتَمَتَهُمْ
رَكِبُوا إِلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَ مِمَّنْ رَكِبَ إِلَى
رِفَاعَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو
شِمَاسِ بْنُ عَمْرٍو، وَسُوَيْدُ بْنُ زَيْدٍ، وَبَعْجَةُ بْنُ
زَيْدٍ، وَبَرْذَعُ بْنُ زَيْدٍ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرٍو،
وَمَخْرَبَةُ بْنُ عَدِيٍّ، وَأُنَيْفُ بْنُ مَلَّةَ، وَحَسَّانُ بْنُ
مَلَّةَ، حتى صبحوا رفاعة
(3/142)
ابن زَيْدٍ بِكُرَاعِ ربَّةَ بِظَهْرِ
الْحَرَّةِ عَلَى بِئْرٍ هُنَالِكَ مِنْ حَرَّةِ لَيْلَى، فَقَالَ لَهُ
حَسَّانُ بْنُ مَلَّةَ: إِنَّكَ لَجَالِسٌ تَحْلِبُ الْمَعْزَى
وَنِسَاءُ جُذَامٍ يُجَرَّرْنَ أُسَارَى قَدْ غَرَّهَا كِتَابُكَ
الَّذِي جِئْتَ بِهِ! فَدَعَا رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِجَمَلٍ لَهُ،
فَجَعَلَ يَشْكِلُ عَلَيْهِ رَحْلَهُ، وَهُوَ يَقُولُ:
هَلْ أَنْتَ حَيٌّ أَوْ تُنَادِي حَيًّا
ثُمَّ غَدَا وَهُمْ مَعَهُ بِأُمَيَّةَ بْنِ ضُفَارَةِ أَخِي
الْخَصِيبِيِّ الْمَقْتُولِ مُبَكِّرِينَ مِنْ ظَهْرِ الْحَرَّةِ،
فَسَارُوا إِلَى جَوْفِ الْمَدِينَةِ ثَلاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا
دَخَلُوا انتهوا الى المسجد، ونظر اليه رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ
لَهُمْ: لا تُنِيخُوا إِبِلَكُمْ فَتُقْطَعَ أَيْدِيهِنَّ، فَنَزَلُوا
عَنْهَا وَهُنَّ قِيَامٌ، فلما دخلوا على رسول الله ص وَرَآهُمْ،
أَلاحَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ: أَنْ تَعَالَوْا مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ،
فَلَمَّا اسْتَفْتَحَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْمَنْطِقَ قَامَ رَجُلٌ
مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّ هؤلاء يا نبى الله قوم سحره، فرددها
مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ رِفَاعَةُ: رَحِمَ اللَّهُ مَنْ لَمْ يَجْزِنَا
فِي يَوْمِنَا هَذَا إِلا خَيْرًا! ثُمَّ دَفَعَ رِفَاعَةُ كِتَابَهُ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ كَتَبَهُ لَهُ، فَقَالَ: دُونَكَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدِيمًا كِتَابُهُ، حَدِيثًا غَدْرُهُ فَقَالَ
رَسُولُ الله ص: اقْرَأْ يَا غُلامُ وَأَعْلِنْ، فَلَمَّا قَرَأَ
كِتَابَهُمْ وَاسْتَخْبَرَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى؟ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ
رِفَاعَةُ: أَنْتَ يا رسول الله اعلم، لانحرم عَلَيْكَ حَلالا، وَلا
نُحِلُّ لَكَ حَرَامًا، فَقَالَ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو: أَطْلِقْ
لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كَانَ حَيًّا، وَمَنْ كَانَ قَدْ
قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ، ارْكَبْ مَعَهُمْ يَا
عَلِيُّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَيْدًا لَنْ
يُطِيعَنِي، قَالَ: خُذْ سَيْفِي، فَأَعْطَاهُ سَيْفَهُ، فَقَالَ
عَلِيٌّ:
لَيْسَ لِي رَاحِلَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْكَبُهَا، فَحَمَلَهُ
رَسُولُ اللَّهِ عَلَى جَمَلٍ لِثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو، يُقَالُ لَهُ
الْمِكْحَالُ، فَخَرَجُوا، فَإِذَا رَسُولٌ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ
عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إِبِلِ أَبِي وَبْرٍ، يُقَالُ لَهَا الشَّمِرُ،
فَأَنْزَلُوهُ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ مَا شَأْنِي؟ فَقَالَ
لَهُ عَلِيٌّ:
مَا لَهُمْ عَرَفُوهُ فَأَخَذُوهُ ثُمَّ سَارُوا حَتَّى لَقُوا
الْجَيْشَ بِفَيْفَاءَ الْفَحْلَتَيْنِ، فَأَخَذُوا مَا فِي
أَيْدِيهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، حَتَّى كَانُوا يَنْزِعُونَ لُبُدَ
الْمَرْأَةِ مِنْ تحت الرحل
(3/143)
وَفْدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ
حَدَّثَنَا ابْنُ حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابْنِ إِسْحَاقَ،
عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: قدم على رسول الله ص
وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ، فِيهِمْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، وَأَرْبَدُ
بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَجَبَّارُ بْنُ سَلْمَى بْنِ
مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَكَانَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ رُءُوسُ
الْقَوْمِ وَشَيَاطِينُهُمْ.
فَقَدِمَ عامر بن الطفيل على رسول الله ص وَهُوَ يُرِيدُ الْغَدْرَ
بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: يَا عَامِرُ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ
أَسْلَمُوا فَأَسْلِمْ، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ آلَيْتُ أَلا
أَنْتَهِيَ حَتَّى تَتَّبِعَ الْعَرَبُ عَقِبِي، أَفَأَنَا أَتْبَعُ
عَقِبَ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ! ثُمَّ قَالَ لأَرْبَدَ: إِذَا
قَدِمْتُ عَلَى الرَّجُلِ فَإِنِّي شَاغِلٌ عَنْكَ وَجْهَهُ، فَإِذَا
فَعَلْتُ ذَلِكَ فَاعِلُهُ بِالسَّيْفِ، [فلما قدموا على رسول الله ص
قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: يَا مُحَمَّدُ خَالِنِي، قَالَ: لا
وَاللَّهِ حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ
خَالِنِي، قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ فَيَنْتَظِرُ مِنْ أَرْبَدَ مَا
كَانَ أَمَرَهُ بِهِ، فَجَعَلَ أَرْبَدُ لا يُحِيرُ شَيْئًا، فَلَمَّا
رَأَى عَامِرٌ مَا يَصْنَعُ أَرْبَدُ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ خَالِنِي،
قَالَ: لا وَاللَّهِ حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ
لَهُ فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ رسول الله ص قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ
لأَمْلأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلا حُمُرًا وَرِجَالا، فَلَمَّا وَلَّى
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ
الطُّفَيْلِ،] فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ
عَامِرٌ لأَرْبَدَ: وَيْلَكَ يَا أَرْبَدُ أَيْنَ مَا كُنْتُ
أَوْصَيْتُكَ بِهِ! وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ رَجُلٌ
هُوَ أَخْوَفُ عَلَى نَفْسِي عِنْدِي مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ لا
أَخَافُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا قَالَ: لا تعجل على لا ابالك!
وَاللَّهِ مَا هَمَمْتُ بِالَّذِي أَمَرْتَنِي بِهِ مِنْ مَرَّةٍ إِلا
دَخَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّجُلِ حَتَّى مَا أَرَى غَيْرَكَ،
أَفَأَضْرِبُكَ بِالسَّيْفِ! قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ:
بُعِثَ الرَّسُولُ بِمَا تَرَى فَكَأَنَّمَا ... عمدا نشن عَلَى
الْمَقَانِبِ غَارَا
وَلَقَدْ وَرَدْنَ بِنَا الْمَدِينَةَ شُزَّبًا ... وَلَقَدْ قَتَلْنَ
بِجَوِّهَا الأَنْصَارَا
وَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلادِهِمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا
بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ
(3/144)
وَجَلَّ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ
الطَّاعُونَ فِي عُنُقِهِ فَقَتَلَهُ، وَإِنَّهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ
مِنْ بَنِي سَلُولَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بَنِي عَامِرٍ، أَغُدَّةٌ
كَغُدَّةِ الْبِكْرِ، وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي
سَلُولَ! ثُمَّ خَرَجَ أَصْحَابُهُ حِينَ وَارَوْهُ، حَتَّى قَدِمُوا
أَرْضَ بَنِي عَامِرٍ، فَلَمَّا قَدِمُوا أَتَاهُمْ قَوْمُهُمْ،
فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ يَا أَرْبَدُ؟ قَالَ:
لا شَيْءٌ، وَاللَّهِ لَقَدْ دَعَانَا إِلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ
لَوَدَدْتُ أَنَّهُ عِنْدِيَ الآنَ فَأَرْمِيهِ بِنَبْلِي هَذِهِ
حَتَّى أَقْتُلَهُ، فَخَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ هَذِهِ بِيَوْمٍ أَوْ
يَوْمَيْنِ، مَعَهُ جَمَلٌ لَهُ يَبِيعُهُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُمَا وَكَانَ
أَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ أَخَا لبيد بن ربيعه لامه.
قدوم زيد الخيل في وفد طيّئ
وقدم على رسول الله ص وَفْدُ طَيِّئٍ، فِيهِمْ زَيْدُ الْخَيْلِ،
وَهُوَ سَيِّدُهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِ كَلَّمُوهُ،
وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ الإِسْلامَ فَأَسْلَمُوا فَحَسُنَ
إِسْلامُهُمْ، [فَقَالَ رَسُولُ الله ص- كما حدثنا ابن حميد، قال:
حدثنا سلمة، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ رِجَالٍ
مِنْ طَيِّئٍ: مَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ بِفَضْلٍ ثُمَّ
جَاءَنِي إِلا رَأَيْتُهُ دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ إِلا مَا كَانَ مِنْ
زَيْدِ الْخَيْلِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ فِيهِ كُلُّ مَا فِيهِ] .
ثُمَّ سَمَّاهُ زَيْدُ الْخَيْرِ، وَقَطَعَ لَهُ فَيْدًا وَأَرْضِينَ
مَعَهُ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ
رَاجِعًا إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِنْ يَنْجُ زَيْدٌ
مِنْ حُمَّى الْمَدِينَةِ! سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ بِاسْمٍ غَيْرِ
الْحُمَّى وَغَيْرِ أُمِّ مِلْدَمٍ فَلْم يُثَبِّتْهُ- فَلَمَّا
انْتَهَى مِنْ بِلادِ نَجْدٍ إِلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِ يُقَالُ لَهُ
فَرْدَةُ أَصَابَتْهُ الْحُمَّى، فَمَاتَ بِهَا، فَلَمَّا أَحَسَّ
زَيْدٌ بِالْمَوْتِ قَالَ:
أَمُرْتَحِلٌ قَوْمِي الْمَشَارِقَ غَدْوَةً ... وَأُتْرَكُ فِي بَيْتٍ
بِفَرْدَةَ مُنْجِدُ
أَلا رُبَّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْتُ لَعَادَنِي ... عَوَائِدُ مَنْ لَمْ
يَبَرَّ مِنْهُنَّ يَجْهَدُ
(3/145)
فَلَمَّا مَاتَ عَمِدَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى
مَا كَانَ مَعَهَا مِنْ كُتُبِهِ الَّتِي قَطَعَ لَهُ رَسُولُ الله ص
فحرقتها بالنار
. كتاب مسيلمه الى رسول الله والجواب عنه
وفي هذه السنة كتب مسيلمة إلى رَسُول الله ص يدعي أنه أشرك معه فِي
النُّبُوَّةُ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ،
عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، قَالَ: كان مسيلمة بْن حبيب
الكذاب كتب الى رسول الله ص: من مسيلمة رَسُول اللَّهِ إلى محمد رَسُول
اللَّهِ سلام عليك، فإني قد أُشركت فِي الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض
ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قوم يعتدون.
فقدم عليه رسولان بهذا الكتاب.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، عن
شَيْخٍ مِنْ أَشْجَعَ قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ: أَمَّا عَلِيُّ بْنُ
مُجَاهِدٍ فَيَقُولُ: عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ
بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ
نُعَيْمٍ-[قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ص يقول لهما حين قرءا كِتَابَ
مُسَيْلِمَةَ: فَمَا تَقُولانِ أَنْتُمَا؟ قَالا:
نَقُولُ كَمَا قَالَ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا أَنَّ الرُّسُلَ
لا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا] .
ثُمَّ كَتَبَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ، مِنْ محمد رسول الله إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ
سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، ف إِنَّ
الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ دَعْوَى مُسَيْلِمَةَ
وَمَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ مِنَ الكذابين في عهد النبي ص، إِنَّمَا
كَانَتْ بَعْدَ انْصِرَافِ النَّبِيِّ مِنْ حَجِّهِ الْمُسَمَّى
حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَمَرضَتِهِ الَّتِي مَرِضَهَا الَّتِي كانت منها
وفاته ص
(3/146)
حدثنا عبيد الله بن سعيد الزهري، قال:
حدثني عمي يعقوب بن إبراهيم قَالَ: حَدَّثَنِي سَيْفُ بْنُ عُمَرَ-
وَكَتَبَ بِذَلِكَ الى السرى يقول: حدثنا شعيب ابن إِبْرَاهِيمَ
التَّمِيمِيُّ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ التَّمِيمِيِّ الأُسَيْدِيِّ-
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بن ثابت بن الجذع
الأنصاري، عن عبيد مولى رسول الله ص عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى
رَسُولِ اللَّهِ، قَالَ: لما انصرف النبي ص الى المدينة بعد ما قَضَى
حَجَّةُ التَّمَامِ، فَتَحَلَّلَ بِهِ السَّيْرُ، وَطَارَتْ به الاخبار
لتحلل السير بالنبي ص، أَنَّهُ قَدِ اشْتَكَى، فَوَثَبَ الأَسْوَدُ
بِالْيَمَنِ وَمُسَيْلَمَةُ باليمامة، وجاء الخبر عنهما للنبي ص، ثُمَّ
وَثَبَ طُلَيْحَةُ فِي بِلادِ بَنِي أَسَدٍ بعد ما أَفَاقَ النَّبِيُّ،
ثُمَّ اشْتَكَى فِي الْمُحَرَّمِ وَجَعَهُ الذى توفاه الله فيه
. خروج الأمراء والعمال على الصدقات
قال ابو جعفر: وفرق رسول الله ص فِي جَمِيعِ الْبِلادِ الَّتِي
دَخَلَهَا الإِسْلامُ عُمَّالا عَلَى الصَّدَقَاتِ، عَلَى كُلِّ مَا
أَوْطَأَ الإِسْلامُ مِنَ الْبِلْدَانِ، فَبَعَث الْمُهَاجِرَ بْنَ
أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ إِلَى صَنْعَاءَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ
الْعَنْسِيُّ وَهُوَ بِهَا، وَبَعَثَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ أَخَا بَنِي
بَيَاضَةَ الأَنْصَارِيَّ إِلَى حَضْرَمَوْتَ عَلَى صَدَقَتِهَا،
وَبَعَثَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ عَلَى الصَّدَقَةِ، صَدَقَةِ طَيِّئٍ
وَأَسَدٍ، وَبَعَثَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي
حَنْظَلَةَ، وَفَرَّقَ صَدَقَةَ بَنِي سَعْدٍ عَلَى رَجُلَيْنِ
مِنْهُمْ، وَبَعَثَ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ عَلَى
الْبَحْرَيْنِ، وَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَى نَجْرَانَ
لِيَجْمَعَ صَدَقَاتِهِمْ، وَيُقْدِمَ عَلَيْهِ بِجِزْيَتِهِمْ
(3/147)
حجه الوداع
فَلَمَّا دَخَلَ ذُو الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ- أَعْنِي
سَنَةَ عَشْرٍ- تَجَهَّزَ النَّبِيُّ إِلَى الْحَجِّ، فَأَمَرَ
النَّاسَ بِالْجِهَازِ لَهُ فَحَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حدثنا
سلمة، عن ابن إسحاق، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ عائشة زوج النبي ص، قالت: خرج النبي ص إِلَى الْحَجِّ
لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، لا يَذْكُرُ وَلا
يَذْكُرُ النَّاسُ إِلا الْحَجَّ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرِفَ،
[وَقَدْ سَاقَ رَسُولُ اللَّهِ مَعَهُ الْهَدْيَ وَأَشْرَافٌ مِنْ
أَشْرَافِ النَّاسِ، أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَحِلُّوا بِعُمْرَةٍ إِلا
مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَحِضْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَدَخَلَ على وانا
ابكى، فقال: مالك يَا عَائِشَةُ؟ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ! فَقُلْتُ:
نَعَمْ، لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَخْرُجْ مَعَكُمْ عَامِي هَذَا فِي
هذا السَّفَرِ، قَالَ: لا تَفْعَلِي، لا تَقُولِنَّ ذَلِكَ، فَإِنَّكِ
تَقْضِينَ كُلَّ مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، إِلا أَنَّكِ لا تَطُوفِينَ
بِالْبَيْتِ] قَالَتْ: وَدَخَلَ رَسُولُ الله ص مَكَّةَ، فَحَلَّ كُلُّ
مَنْ كَانَ لا هَدْيَ مَعَهُ، وَحَلَّ نِسَاؤُهُ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا
كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ كَثِيرٍ، فَطُرِحَ فِي
بَيْتِي، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ
نِسَائِهِ الْبَقَرَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ،
بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ مَعَ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي
بَكْرٍ، لأَقْضِيَ عُمْرَتِي مِنَ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي
الَّتِي فَاتَتْنِي.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إِسْحَاقَ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: [بَعَثَ رسول الله ص عَلَيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ إِلَى نَجْرَانَ، فَلَقِيَهُ بِمَكَّةَ، وَقَدْ أَحْرَمَ،
فَدَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى فَاطِمَةَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ،
(3/148)
فوجدها قد حلت وتهيأت، فقال: مالك يَا
ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَتْ:
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ نَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَحْلَلْنَا،
قَالَ: ثُمَّ اتى رسول الله ص، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ
سَفَرِهِ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: انْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ،
وَحِلَّ كَمَا حَلَّ أَصْحَابُكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
إِنِّي قَدْ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهْلَلْتَ بِهِ، قَالَ: ارْجِعْ
فَاحْلِلْ كَمَا حَلَّ أَصْحَابُكَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، إِنِّي قُلْتُ حِينَ أَحْرَمْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي
أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، قَالَ: فَهَلْ
مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟ قَالَ: قلت: لا، قال: فاشركه رسول الله ص فِي
هَدْيِهِ وَثَبَتَ عَلَى إِحْرَامِهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، حَتَّى
فَرَغَا مِنَ الْحَجِّ، وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ الْهَدْيَ عَنْهُمَا]
.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى ابن عبد الله بْن عبد الرحمن بْن أبي
عَمْرَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ،
قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْيَمَنِ
لِيَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ بِمَكَّةَ تَعَجَّلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ،
وَاسْتَخْلَفَ عَلَى جُنْدِهِ الَّذِينَ مَعَهُ رَجُلا مِنْ
أَصْحَابِهِ، فَعَمَدَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَكَسَا رِجَالا مِنَ
الْقَوْمِ حُلَلا مِنَ الْبَزِّ الَّذِي كَانَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ، فَلَمَّا دَنَا جَيْشُهُ، خَرَجَ عَلِيٌّ ليلقاهم، فَإِذَا
هُمْ عَلَيْهِمُ الْحُلَلَ، فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا هَذَا! قَالَ:
كَسَوْتُ الْقَوْمَ لِيَتَجَمَّلُوا بِهِ إِذَا قَدِمُوا فِي النَّاسِ،
فَقَالَ: وَيْلَكَ! انْزَعْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ قَالَ:
فَانْتَزَعَ الْحُلَلَ مِنَ النَّاسِ، وَرَدَّهَا فِي الْبَزِّ،
وَأَظْهَرَ الْجَيْشُ شِكَايَةً لِمَا صُنِعَ بِهِمْ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بْنِ إِسْحَاقَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ
حَزْمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بن محمد بن كعب ابن عجزه، عَنْ عَمَّتِهِ
زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ- وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، [قَالَ: شَكَا النَّاسُ عَلِيَّ
بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا خَطِيبًا،
فَسَمِعْتُهُ يقول: يا ايها الناس، لا تشكوا عليا، فو الله انه لأخشى
فِي ذَاتِ اللَّهِ- أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- من ان يشكى]
(3/149)
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا
سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، قال: ثم مضى رسول الله ص
عَلَى حَجِّهِ، فَأَرَى النَّاسَ مَنَاسِكَهُمْ، وَأَعْلَمَهُمْ سُنَنَ
حَجِّهِمْ، وَخَطَبَ النَّاسَ خُطْبَتَهُ الَّتِي بَيَّنَ لِلنَّاسِ
فِيهَا مَا بَيَّنَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ
قَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنِّي لا أَدْرِي لَعَلِّي
لا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا، بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ
حَرَامٌ، إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا،
وَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ،
فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ وَقَدْ بَلَّغْتُ، فَمَنْ كَانَتْ
عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا
وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مَوْضُوعٌ، وَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ، لا
تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ قَضَى اللَّهُ أَنَّهُ لا رِبًا وَإِنَّ
رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ،
وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَإِنَّ
أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطَّلِبِ- وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ، فَقَتَلَتْهُ
بَنُو هُذَيْلٍ- فَهُوَ أَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ مِنْ دِمَاءِ
الْجَاهِلِيَّةِ أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ
مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ
أَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا تُحَقِّرُونَ مِنْ
أَعْمَالِكُمْ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ.
أَيُّهَا النَّاسُ: «إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ
يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ
عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا
حَرَّمَ اللَّهُ» ، وَيُحَرِّمُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَإِنَّ
الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَ «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ
اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ
(3/150)
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ
حُرُمٌ» ، ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ
جُمَادَى وَشَعْبَانَ.
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ
حَقًّا وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ حَقًّا، لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلا
يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، وَعَلَيْهِنَّ أَلا
يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَإِنَّ اللَّهَ
أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ
، وَتَضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنِ انْتَهَيْنَ
فَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاسْتَوْصُوا
بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ لا يَمْلِكْنَ
لأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا، وَإِنَّكُمْ إِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ
بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ
اللَّهِ، فَاعْقِلُوا أَيُّهَا النَّاسُ وَاسْمَعُوا قَوْلِي،
[فَإِنِّي قَدْ بَلَّغْتُ وَتَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ
بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ]
.
أَيُّهَا النَّاسُ، [اسْمَعُوا قَوْلِي فَإِنِّي قَدْ بَلَّغْتُ،
وَاعْقِلُوهُ تَعْلَمُنَّ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ أَخُو الْمُسْلِمِ،
وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ إِخْوَةٌ،] فَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ مِنْ أَخِيهِ
إِلا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، فَلا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمُ
اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ! قَالَ: فَذُكِرَ أَنَّهُمْ قَالُوا:
اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق،
عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ،
عَنْ أَبِيهِ عَبَّادٍ، قَالَ: كَانَ الذى يصرخ في الناس بقول رَسُولَ
اللَّهِ وَهُوَ عَلَى عَرَفَةَ، رَبِيعَةُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ،
[قَالَ:
يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: قُلْ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ يَقُولُ: هَلْ تَدْرُونَ أَيَّ شَهْرٍ هَذَا! فَيَقُولُونَ:
الشَّهْرُ الْحَرَامُ، فَيَقُولُ: قُلْ لَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ
حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا
رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا ثُمَّ قَالَ: قُلْ: إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ، يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، فَهَلْ تَدْرُونَ أَيَّ
بَلَدٍ هَذَا؟ قَالَ: فَيَصْرُخُ بِهِ، فَيَقُولُونَ: الْبَلَدُ
الْحَرَامُ، قَالَ: فَيَقُولُ: قُلْ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ
دِمَاءَكُمْ
(3/151)
وَأَمْوَالَكُمْ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا
رَبَّكُمْ، كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا ثُمَّ قَالَ: قُلْ: أَيُّهَا
النَّاسُ، هَلْ تَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ هَذَا؟ فَقَالَ لَهُمْ،
فَقَالُوا: يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ، فَقَالَ: قُلْ:
إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ إِلَى
أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا] .
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، [أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حِينَ
وَقَفَ بِعَرَفَةَ، قَالَ: هَذَا الْمَوْقِفُ- لِلْجَبَلِ الَّذِي هُوَ
عَلَيْهِ- وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ وَقَالَ حِينَ وَقَفَ عَلَى
قُزَحِ صَبِيحَةِ الْمُزْدَلِفَةِ: هَذَا الْمَوْقِفُ، وَكُلُّ
الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ ثُمَّ لَمَّا نَحَرَ بِالْمَنْحَرِ، قَالَ:
هَذَا الْمَنْحَرُ، وَكُلُّ منى منحر،] فقضى رسول الله ص الْحَجَّ
وَقَدْ أَرَاهُمْ مَنَاسِكَهُمْ، وَعَلَّمَهُمْ مَا افْتُرِضَ
عَلَيْهِمْ فِي حَجِّهِمْ فِي الْمَوَاقِفِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ
وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَمَا أُحِلَّ لَهُمْ فِي حَجِّهِمْ وَمَا
حُرِّمَ عَلَيْهِمْ، فَكَانَتْ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَحَجَّةَ
الْبَلاغِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَحُجَّ بعدها
. ذكر جمله الغزوات
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَانَتْ غَزَوَاتُهُ بِنَفْسِهِ سِتًّا
وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: هُنَّ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ
غَزْوَةً، فَمَنْ قَالَ: هِيَ سِتٌّ وَعِشْرُونَ، جَعَلَ غزوه النبي ص
خَيْبَرَ وَغَزْوَتُهُ مِنْ خَيْبَرَ إِلَى وَادِي الْقُرَى غَزْوَةً
وَاحِدَةً، لأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ خَيْبَرَ حِينَ فَرَغَ مِنْ
أَمْرِهَا إِلَى مَنْزِلِهِ، وَلَكِنَّهُ مَضَى مِنْهَا إِلَى وَادِي
الْقُرَى، فَجَعَلَ ذَلِكَ غَزْوَةً وَاحِدَةً وَمَنْ قَالَ: هِيَ
سَبْعٌ وَعِشْرُونَ غَزْوَةً، جَعَلَ غَزْوَةَ خَيْبَرَ غَزْوَةً،
وَغَزْوَةَ وَادِي الْقُرَى غَزْوَةً أُخْرَى، فَيَجْعَلُ الْعَدَدَ
سَبْعًا وَعِشْرِينَ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن عبد
الله بن أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَانَ جَمِيعُ مَا غَزَا رسول الله ص
بِنَفْسِهِ سِتًّا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا
وَدَّانُ، وَهِيَ غَزْوَةُ الأَبْوَاءِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بُوَاطٍ إِلَى
نَاحِيَةِ رَضْوَى، ثُمَّ غَزْوَةُ الْعَشِيرَةِ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ،
ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ
(3/152)
الأُولَى يَطْلُبُ كُرَزَ بْنِ جَابِرٍ،
ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى الَّتِي قَتَلَ فِيهَا صَنَادِيدَ
قُرَيْشٍ وَأَشْرَافَهُمْ، وَأَسَرَ فِيهَا مَنْ أَسَرَ، ثُمَّ
غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ حَتَّى بَلَغَ الْكُدَرَ، مَاءً لِبَنِي
سُلَيْمٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ السَّوِيقِ يَطْلُبُ أَبَا سُفْيَانَ حَتَّى
بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدَرِ، ثُمَّ غَزْوَةُ غَطَفَانَ إِلَى نَجْدٍ،
وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرٍّ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَحْرَانَ، مَعْدِن
بِالْحِجَازِ مِنْ فَوْقِ الْفُرعُ، ثُمَّ غَزْوَةُ أُحُدٍ، ثُمَّ
غَزْوَةُ حَمْرَاءِ الأَسَدِ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ، ثُمَّ
غَزْوَةُ ذَاتِ الرقاع من نخل، ثم غزوه بدر الآخرة، ثُمَّ غَزْوَةُ
دُومَةِ الْجَنْدَلِ، ثُمَّ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ غَزْوَةُ
بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ،
ثُمَّ غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ
خُزَاعَةَ، ثُمَّ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ- لا يُرِيدُ قِتَالا،
فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ- ثُمَّ غَزْوَةُ خَيْبَرَ، ثُمَّ اعْتَمَرَ
عُمْرَةَ الْقَضَاءِ، ثُمَّ غَزْوَةُ الْفَتْحِ، فَتَحِ مَكَّةَ، ثُمَّ
غَزْوَةُ حُنَيْنٍ، ثُمَّ غَزْوَةُ الطَّائِفِ، ثُمَّ غَزْوَةُ تَبُوكَ
قَاتَلَ مِنْهَا فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ: بَدْرٌ، وَأُحُدٌ،
وَالْخَنْدَقُ، وَقُرَيْظَةُ، وَالْمُصْطَلِقُ، وَخَيْبَرُ،
وَالْفَتْحُ، وَحُنَيْنٌ، وَالطَّائِفُ.
حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن
يحيى بن سهل بن أبي حثمة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: غَزَا
رَسُولُ الله ص سِتًّا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ
حَدِيثِ ابْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ مَعْرُوفَةٌ
مُجْتَمَعٌ عَلَيْهَا، لَيْسَ فِيهَا اخْتِلافٌ بَيْنَ أَحَدٍ فِي
عَدَدِهَا، وَهِيَ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ غَزْوَةً، وَإِنَّمَا
اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ فِي تَقْدِيمِ مَغْزَاةٍ قَبْلَ مَغْزَاةٍ.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ
الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ: كَمْ غَزَا رَسُولُ
اللَّهِ ص؟ قَالَ: سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، فَقِيلَ لابْنِ
عُمَرَ كَمْ غَزَوْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: إِحْدَى وَعِشْرِينَ غَزْوَةً،
أَوَّلُهَا الْخَنْدَقُ، وَفَاتَنِي سِتُّ غَزَوَاتٍ، وَقَدْ كُنْتُ
حريصا، قد عرضت
(3/153)
على النبي ص، كُلَّ ذَلِكَ يَرُدُّنِي فَلا
يُجِيزُنِي حَتَّى أَجَازَنِي فِي الْخَنْدَقِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص فِي إِحْدَى عَشْرَةَ،
ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ التِّسْعَ الَّتِي ذَكَرْتُهَا عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، وَعَدَّ مَعَهَا غَزْوَةَ وَادِي الْقُرَى، وَأَنَّهُ
قَاتَلَ فِيهَا فَقُتِلَ غُلامُهُ مِدْعَمٌ، رُمِيَ بِسَهْمٍ قَالَ:
وَقَاتَلَ يَوْمَ الْغَابَةِ، فَقَتَلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَقُتِلَ
مُحْرِزُ بْنُ نضله يومئذ
. ذكر جمله السرايا والبعوث
واختلف في عدد سراياه ص، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: كَانَت سَرَايَا رسول
الله ص وَبُعُوثُهُ- فِيمَا بَيْنَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَبَيْنَ
أَنْ قَبَضَهُ اللَّهُ- خَمْسًا وَثَلاثِينَ بَعْثًا وَسَرِيَّةً:
سَرِيَّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ إِلَى أَحْيَاءٍ مِنْ تثنيه
الْمَرَةِ، وَهُوَ مَاءٌ بِالْحِجَازِ، ثُمَّ غَزْوَةُ حَمْزَةَ بْنِ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ-
وَبَعْضُ النَّاسِ يُقَدِّمُ غَزْوَةَ حَمْزَةَ قَبْلَ غَزْوَةِ
عُبَيْدَةَ- وَغَزْوَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى الْخَرَّارِ
مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ إِلَى
نَخْلَةَ، وَغَزْوَةُ زيد ابن حَارِثَةَ الْقَرَدَةَ، مَاءٌ مِنْ
مِيَاهِ نَجْدٍ، وَغَزْوَةُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ
الرَّجِيعَ، وَغَزْوَةُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو بِئْرَ مَعُونَةَ،
وَغَزْوَةُ أَبِي عبيده بْنِ الْجَرَّاحِ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ مِنْ
طَرِيقِ الْعِرَاقِ، وَغَزْوَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تُرَبَةَ مِنْ
أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ، وَغَزْوَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
الْيَمَنَ، وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيِّ-
كَلْبَ لَيْثٍ- الْكَدِيدَ، وَأَصَابَ بِلْمُلَوِّحِ، وَغَزْوَةُ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ
مِنْ أَهْلِ فَدَكٍ، وَغَزْوَةُ ابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ
أَرْضَ
(3/154)
بَنِي سُلَيْمٍ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ
وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا، وَغَزْوَةُ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ
الْغَمْرَةَ، وَغَزْوَةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ قَطَنًا،
مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي أَسَدٍ مِنْ نَاحِيَةِ نَجْدٍ قُتِلَ فِيهَا
مَسْعُودُ بْنُ عُرْوَةَ، وَغَزْوَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، أَخِي
بَنِي الْحَارِثِ إِلَى الْقُرَطَاءِ مِنْ هَوَازِنَ، وَغَزْوَةُ
بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى بَنِي مُرَّةَ بِفَدَكٍ، وَغَزْوَةُ بَشِيرِ
بْنِ سَعْدٍ أَيْضًا إِلَى يُمْنٍ وَجِنَابٍ، بَلَدٌ مِنْ أَرْضِ
خَيْبَرَ- وَقِيلَ يَمَنٌ وَجُبَارٌ، أَرْضٌ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ،
وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْجَمُومَ، مِنْ أَرْضِ بَنِي
سُلَيْمٍ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا جُذَامَ مِنْ
أَرْضِ حِسْمَى- وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ خَبَرِهَا قَبْلُ- وَغَزْوَةُ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا وَادِي الْقُرَى، لَقِيَ بَنِي
فَزَارَةَ.
وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ خَيْبَرَ مَرَّتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا الَّتِي أَصَابَ اللَّهُ فِيهَا يَسِيرَ بْنَ رِزَامٍ-
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ يَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ الْيَهُودِيِّ أَنَّهُ
كَانَ بِخَيْبَرَ يَجْمَعُ غَطَفَانَ لِغَزْوِ رَسُولِ اللَّهِ ص، فبعث
اليه رسول الله عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ
أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ حَلِيفُ بَنِي
سَلِمَةَ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ كَلَّمُوهُ وَوَاعَدُوهُ
وَقَرَّبُوا لَهُ، وَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ إِنْ قَدِمْتَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ اسْتَعْمَلَكَ وَأَكْرَمَكَ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ
حَتَّى خَرَجَ مَعَهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ، فَحَمَلَهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى بَعِيرِهِ وَرَدَفَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ
بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ نَدِمَ يَسِيرُ
بْنُ رِزَامٍ عَلَى سَيْرِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَفَطِنَ له عبد
الله ابن أُنَيْسٍ وَهُوَ يُرِيدُ السَّيْفَ، فَاقْتَحَمَ بِهِ، ثُمَّ
ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَضَرَبَهُ يَسِيرٌ بِمِخْرَشٍ
فِي يَدِهِ مِنْ شَوْحَطٍ، فَأَمَّهُ فِي رَأْسِهِ، وَقَتَلَ اللَّهُ
يَسِيرًا، وَمَالَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ اصحاب رسول الله ص عَلَى
صَاحِبِهِ مِنْ يَهُودَ فَقَتَلَهُ إِلا رَجُلا وَاحِدًا أَفْلَتَ
عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الله ابن انيس على رسول
الله ص تَفِلَ عَلَى شُجَّتِهِ فَلَمْ تُقْحَ وَلَمْ تُؤْذِهِ.
وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ إِلَى خَيْبَرَ، فَأَصَابَ
بِهَا أَبَا رَافِعٍ،
(3/155)
وقد كان رسول الله ص بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ
مَسْلَمَةَ وَأَصْحَابَهُ- فِيمَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ- إِلَى
كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَقَتَلُوهُ، وبعث رسول الله ص عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ أُنَيْسٍ إِلَى خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ
الْهُذَلِيِّ- وَهُوَ بِنَخْلَةٍ أَوْ بِعُرَنَةَ- يَجْمَعُ لِرَسُولِ
اللَّهِ لِيَغْزُوَهُ، فَقَتَلَهُ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن مُحَمَّدِ بْنِ
إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، قَالَ: دعانى رسول الله ص، فَقَالَ: إِنَّهُ
بَلَغَنِي أَنَّ خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيَّ
يَجْمَعُ لِيَ النَّاسَ لِيَغْزُوَنِي- وَهُوَ بِنَخْلَةٍ أَوْ
بَعُرْنَةَ- فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ، قَالَ:
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْعَتْهُ لِي حَتَّى أَعْرِفَهُ، قَالَ:
إِذَا رَأَيْتَهُ أَذْكَرَكَ الشَّيْطَانَ! إِنَّهُ آيَةٌ مَا بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ أَنَّكَ إِذَا رَأَيْتَهُ وَجَدْتَ لَهُ قَشْعَرِيرَةً
قَالَ: فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحًا سَيْفِي حَتَّى دَفَعْتُ إِلَيْهِ
وَهُوَ فِي ظُعُنٍ يَرْتَادُ لَهُنَّ مَنْزِلا حَيْثُ كَانَ وَقْتُ
الْعَصْرِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ مَا وَصَفَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ ص مِنَ الْقَشْعَرِيرَةِ، فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ، وَخَشِيتُ
أَنْ تَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُجَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنِ
الصَّلاةِ، فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ، أُومِئُ بِرَأْسِي
إِيمَاءً، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ قَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟
قُلْتُ: رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ سَمِعَ بِكَ وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا
الرَّجُلِ، فَجَاءَكَ لِذَلِكَ، قَالَ: أَجَلْ، أَنَا فِي ذَلِكَ،
فَمَشَيْتُ مَعَهُ شَيْئًا حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ
بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلْتُهُ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَتَرَكْتُ ظَعَائِنَهُ
مُكِبَّاتٍ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ
وَرَآنِي، قَالَ: أَفْلَحَ الْوَجْهُ! قَالَ:
قُلْتُ: قَدْ قَتَلْتُهُ قَالَ: صَدَقْتَ! ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ
فَدَخَلَ بَيْتَهُ، فَأَعْطَانِي عَصًا، فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذِهِ
الْعَصَا عِنْدَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ قَالَ:
فَخَرَجْتُ بِهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا؟
قُلْتُ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسِكَهَا
عِنْدِي، قَالُوا: أَفَلا تَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَتَسْأَلَهُ
لِمَ ذَلِكَ؟ فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، لِمَ أَعْطَيْتَنِي هَذِهِ الْعَصَا؟ قَالَ: آيَةُ مَا
بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّ أَقَلَّ النَّاسِ
الْمُتَخَصِّرُونَ
(3/156)
يَوْمَئِذٍ، فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللَّهِ
بِسَيْفِهِ، فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتَّى إِذَا مَاتَ أَمَرَ بِهَا
فَضُمَّت مَعَهُ فِي كَفَنِهِ، ثُمَّ دُفِنَا جَمِيعًا ثم رجع الحديث
إلى حديث عبد اللَّه بْن أبي بكر قَالَ: وغزوة زيد بْن حارثة وجعفر بْن
أبي طالب وعبد الله بْن رواحة إلى مؤتة من أرض الشام، وغزوة كعب بْن
عمير الغفاري بذات أطلاح من أرض الشام، فأصيب بِهَا هو وأصحابه، وغزوة
عيينة بْن حصن بني العنبر من بني تميم، وَكَانَ من حديثهم أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ ص بعثه إِلَيْهِم، فأغار عليهم، فأصاب منهم ناسا، وسبى
منهم سبيا.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ
إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، [أَنَّ عَائِشَةَ
قَالَتْ لرسول الله ص:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ،
قَالَ: هَذَا سَبْيُ بَنِي الْعَنْبَرِ يَقْدَمُ الآنَ فَنُعْطِيكِ
إِنْسَانًا فَتَعْتِقِينَهُ] قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ
سَبْيُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص رَكِبَ فِيهِمْ وَفْدٌ مِنْ بَنِي
تَمِيمٍ، حَتَّى قدموا على رسول الله ص، مِنْهُمْ رَبِيعَةُ بْنُ
رُفَيْعٍ، وَسَبْرَةُ بْنُ عَمْرٍو، وَالْقَعْقَاعُ بْنُ مَعْبَدٍ،
وَوَرْدَانُ بْنُ مُحْرِزٍ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَمَالِكُ بْنُ
عَمْرٍو، وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ دَارِمٍ،
وَفِرَاسُ بْنُ حَابِسٍ وَكَانَ مِمَّنْ سُبِيَ مِنْ نِسَائِهِمْ
يَوْمَئِذٍ أَسْمَاءُ بِنْتُ مَالِكٍ، وَكَأْسُ بِنْتُ أَرِيٍّ،
وَنَجْوَةُ بِنْتُ نَهْدٍ وَجُمَيْعَةُ بِنْتُ قَيْسٍ، وَعَمْرَةُ
بِنْتُ مَطَرٍ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ:
وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيِّ- كَلْبُ لَيْثٍ-
أَرْض بَنِي مُرَّةَ، فأصاب بها مرداس بن نهيك، حليفا لهم مِنَ
الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، قَتَلَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَرَجُلٌ
مِنَ الأَنْصَارِ، وَهُوَ الَّذِي [قَالَ فيه النبي ص لأُسَامَةَ:
مَنْ لَكَ بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهِ!]
(3/157)
وَغَزْوَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ذَاتَ
السَّلاسِلِ، وَغَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَى
بَطْنِ إِضَمٍ، وَغَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ إِلَى
الغابة، وغزوه عبد الرحمن ابن عَوْفٍ.
وَبَعَثَ سَرِيَّةً إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ، وَعَلَيْهِمْ ابو عبيده بن
الجراح، وهي غزوه الحبط.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سعد،
قَالَ: قَالَ محمد ابن عمر: كانت سرايا رسول الله ص ثمانيا وأربعين
سرية.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فِي هذه السنة قدم جرير بْن عبد الله البجلي على
رسول الله ص مسلما فِي رمضان، فبعثه رَسُول اللَّهِ إلى ذي الخلصة
فهدمها.
قَالَ: وفيها قدم وبر بْن يحنس على الأبناء باليمن، يدعوهم إلى الإسلام
فنزل على بنات النعمان بْن بُزُرْج فأسلمن، وبعث إلى فيروز الديلمي
فأسلم، وإلى مركبود وعطاء ابنه، ووهب بْن منبه، وَكَانَ أول من جمع
القرآن بصنعاء ابنه عطاء بْن مركبود ووهب بْن منبه.
قَالَ: وفيها اسلم باذان، وبعث الله النبي ص بإسلامه.
قَالَ أبو جعفر: وقد خالف فِي ذلك عبد الله بن ابى بكر من قال: كانت
مغازي رسول الله ص ستا وعشرين غزوة، من أنا ذاكره:
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: سَمِعْتُ مِنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ غَزَا تِسْعَ عشره غزوه، وحج بعد ما هَاجَرَ
حَجَّةً، لَمْ يَحُجَّ غَيْرَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَذَكَرَ ابْنُ
إِسْحَاقَ حَجَّةً بِمَكَّةَ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ: كَمْ
غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ؟
قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ.
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ خَرَجَ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ،
قال:
(3/158)
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اسْتَسْقَى قَالَ: فَلَقِيتُ يَوْمَئِذٍ
زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، قَالَ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ غَيْرُ
رَجُلٍ- أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ رَجُلٌ- قَالَ: فقلت: كم غزا رسول
الله ص؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَقُلْتُ: كَمْ غَزَوْتَ
مَعَهُ؟
قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَقُلْتُ: فَمَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ
غَزَا؟ قَالَ: ذَاتُ الْعَسِيرِ- أَوِ الْعَشِيرِ.
وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ خَطَأٌ، حدثني الحارث،
قال: حدثنا ابن سعد، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ،
قَالَ: قُلْتُ: لِزَيْدِ بن أرقم: كم غزوت مع رسول الله ص؟ قَالَ:
سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قُلْتُ: كَمْ غَزَا رسول الله ص؟ قَالَ:
تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَالَ الْحَارِثُ:
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا
الْحَدِيثِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: هَذَا إِسْنَادُ
أَهْلِ الْعِرَاقِ، يَقُولُونَ هَكَذَا، وَأَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا
زَيْدُ بْنُ الأَرْقَمِ الْمُرَيْسِيعُ، وَهُوَ غُلامٌ صَغِيرٌ،
وَشَهِدَ مُؤْتَةَ رَدِيفَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وما غزا مع
النبي ص إِلا ثَلاثَ غَزَوَاتٍ أَوْ أَرْبَعًا.
وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُمَرَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ
الْمُنْذِرِ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: غَزَا رسول الله ص ثَمَانِيَ
عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَاتَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي ثَمَانِ غَزَوَاتٍ
أَوَّلُهُنَّ بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالأَحْزَابُ وَقُرَيْظَةُ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ
الأَرْقَمِ، وَحَدِيثُ مَكْحُولٍ جَمِيعًا غَلَطٌ |