تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

غزوه اذربيجان وأرمينية
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ- أَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ- غَزَا الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ أَذْرَبِيجَانَ وَأَرْمِينِيَةَ، لِمَنْعِ أَهْلِهَا مَا كَانُوا صَالَحُوا عَلَيْهِ أَهْلَ الإِسْلامِ أَيَّامَ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مِخْنَفٍ، وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ.
ذكر الخبر عن ذَلِكَ وما كَانَ من أمر الْمُسْلِمِينَ وأمرهم فِي هَذِهِ الغزوة:
ذكر هِشَام بن محمد، أن أبا مخنف حدثه عن فروة بن لقيط الأَزْدِيّ، ثُمَّ الغامدي، أن مغازي أهل الْكُوفَة كَانَتِ الري وأذربيجان، وَكَانَ بالثغرين عشرة آلاف مقاتل من أهل الْكُوفَة، ستة آلاف بأذربيجان وأربعة آلاف بالري، وَكَانَ بالكوفة إذ ذاك أربعون ألف مقاتل، وَكَانَ يغزو هَذَيْنِ الثغرين مِنْهُمْ عشرة آلاف فِي كل سنة، فكان الرجل يصيبه فِي كل أربع سنين غزوة، فغزا الْوَلِيد بن عُقْبَةَ فِي إمارته عَلَى الْكُوفَة فِي سلطان عُثْمَان أذربيجان وأرمينية، فدعا سلمان بن رَبِيعَة الباهلي فبعثه أمامه مقدمة لَهُ، وخرج الْوَلِيد فِي جماعة الناس، وَهُوَ يريد أن يمعن فِي أرض أرمينية، فمضى فِي الناس حَتَّى دخل أذربيجان، فبعث عَبْد اللَّهِ بن شبيل بن عوف الأحمسي فِي أربعة آلاف، فأغار عَلَى أهل موقان والببر والطيلسان، فأصاب من أموالهم وغنم، وتحرز القوم مِنْهُ، وسبى مِنْهُمْ سبيا يسيرا، فأقبل إِلَى الْوَلِيدِ بن عُقْبَةَ

(4/246)


ثُمَّ إن الْوَلِيد صالح أهل أذربيجان عَلَى ثمانمائه ألف درهم، وَذَلِكَ هُوَ الصلح الَّذِي كَانُوا صالحوا عَلَيْهِ حُذَيْفَة بن الْيَمَانِ سنة اثنتين وعشرين بعد وقعة نهاوند بسنة ثُمَّ إِنَّهُمْ حبسوها عِنْدَ وفاة عمر، فلما ولي عُثْمَان وولى الوليد ابن عُقْبَةَ الْكُوفَة، سار حَتَّى وطئهم بالجيش، فلما رأوا ذَلِكَ انقادوا لَهُ، وطلبوا إِلَيْهِ أن يتم لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الصلح، ففعل، فقبض مِنْهُمُ المال، وبث فيمن حولهم من أعداء الْمُسْلِمِينَ الغارات، فلما رجع إِلَيْهِ عَبْد اللَّهِ بن شبيل الأحمسي من غارته تِلَكَ- وَقَدْ سلم وغنم- بعث سلمان بن رَبِيعَة الباهلي إِلَى أرمينية فِي اثني عشر ألفا، سنة أربع وعشرين فسار فِي أرض أرمينية فقتل وسبى وغنم ثُمَّ إنه انصرف وَقَدْ ملأ يديه حتى اتى الْوَلِيد فانصرف الْوَلِيد وَقَدْ ظفر وأصاب حاجته
. إجلاب الروم عَلَى الْمُسْلِمِينَ واستمداد الْمُسْلِمِينَ من بالكوفة
وفي هَذِهِ السنة- فِي رواية أبي مخنف- جاشت الروم، حَتَّى استمد من بِالشَّامِ من جيوش الْمُسْلِمِينَ من عُثْمَان مددا.
ذكر الخبر عن ذَلِكَ:
قَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنِي أَبُو مِخْنَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ لُقَيْطٍ الأَزْدِيُّ، قَالَ: لَمَّا أَصَابَ الْوَلِيدُ حَاجَتَهُ مِنْ أَرْمِينِيَةَ فِي الْغَزْوَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ تَأْرِيخِهِ، وَدَخَلَ الْمَوْصِلَ فَنَزَلَ الْحَدِيثَةَ، أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَيَّ يُخْبِرُنِي أَنَّ الرُّومَ قَدْ أَجْلَبَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِجُمُوعٍ عَظِيمَةٍ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ يَمُدَّهُمْ إِخْوَانُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَابْعَثْ رَجُلا مِمَّنْ تَرْضَى نَجْدَتَهُ وَبَأْسَهُ وَشَجَاعَتَهُ وَإِسْلامَهُ

(4/247)


فِي ثَمَانِيَةِ آلافٍ أَوْ تِسْعَةِ آلافٍ أَوْ عَشَرَةِ آلافٍ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يَأْتِيكَ فِيهِ رَسُولِي، وَالسَّلامُ.
فَقَامَ الْوَلِيدُ فِي النَّاسِ، فحمد اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْلَى الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْوَجْهِ بَلاءً حَسَنًا، رَدَّ عَلَيْهِمْ بِلادَهُمُ الَّتِي كَفَرَتْ، وَفَتَحَ بِلادًا لَمْ تَكُنِ افْتُتِحَتْ، وَرَدَّهُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ مَأْجُورِينَ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَنْدِبَ مِنْكُمْ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ الآلافِ إِلَى الثَّمَانِيَةِ الآلافِ، تَمُدُّونَ إِخْوَانَكُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ جَاشَتْ عَلَيْهِمُ الرُّومُ، وَفِي ذَلِكَ الأَجْرُ الْعَظِيمُ، وَالْفَضْلُ الْمُبِينُ، فَانْتَدِبُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: فَانْتَدَبَ النَّاسُ، فَلَمْ يَمْضِ ثَالِثَةٌ حَتَّى خَرَجَ ثَمَانِيَةُ آلافِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَمَضَوْا حَتَّى دَخَلُوا مَعَ أَهْلِ الشَّامِ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ، وَعَلَى جُنْدِ أَهْلِ الشَّامِ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدٍ الْفِهْرِيُّ، وَعَلَى جُنْدِ أَهْلِ الْكُوفَةِ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ [الْبَاهِلِيُّ،] فَشَنُّوا الْغَارَاتِ عَلَى أَرْضِ الرُّومِ، فَأَصَابَ النَّاسُ مَا شَاءُوا مِنْ سَبْيٍ، وَمَلَئُوا أَيْدِيَهُمْ مِنَ الْمَغْنَمِ، وَافْتَتَحُوا بِهَا حُصُونًا كَثِيرَةً.
وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الَّذِي أَمَدَّ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ بِسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ كَانَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَقَالَ: كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَأْمُرُهُ أَنْ يُغْزِيَ حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِي أَهْلِ الشَّامِ أَرْمِينِيَةَ، فَوَجَّهَهُ إِلَيْهَا، فَبَلَغَ حَبِيبًا أَنَّ الْمُورِيَانَ الرُّومِيَّ قَدْ تَوَجَّهَ نَحْوَهُ فِي ثَمَانِينَ أَلْفًا مِنَ الرُّومِ وَالتُّرْكِ، فَكَتَبَ بِذَلِكَ حَبِيبٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ بِهِ الى عثمان، فكتب عثمان، الى سعيد ابن الْعَاصِ يَأْمُرُهُ بِإِمْدَادِ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَأَمَدَّهُ بِسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ فِي سِتَّةِ آلافٍ، وَكَانَ حَبِيبٌ صَاحِبَ كَيْدٍ، فَأَجْمَعَ عَلَى أَنْ يُبَيِّتَ الْمُورِيَانَ، فَسَمِعَتْهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ يَزِيدَ الْكَلْبِيَّةُ يَذْكُرُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ لَهُ: فَأَيْنَ مَوْعِدُكَ؟ قَالَ: سُرَادِقُ الْمُورِيَانِ أَوِ الْجَنَّةُ، ثُمَّ بَيَّتَهُمْ، فَقَتَلَ مَنْ أَشْرَفَ لَهُ، وَأَتَى السُّرَادِقَ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ سَبَقَتْ، وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ من العرب

(4/248)


ضُرِبَ عَلَيْهَا سُرَادِقٌ، وَمَاتَ عَنْهَا حَبِيبٌ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ الْفِهْرِيُّ، فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ.
وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِأَمْرِ عُثْمَانَ، كَذَلِكَ قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ وَالْوَاقِدِيُّ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ حَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
وَأَمَّا الاخْتِلافُ فِي الْفُتُوحِ الَّتِي نَسَبَهَا بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي عَهْدِ عُمَرَ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي إِمَارَةِ عُثْمَانَ، فَقَدْ ذَكَرْتُ قَبْلُ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا ذِكْرُ اخْتِلافِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْرِيخِ كل فتح كان من ذلك

(4/249)


خَمْسٍ وَعِشْرِينَ

ذكر الأحداث المشهورة الَّتِي كَانَتْ فِيهَا
فَقَالَ أَبُو معشر، فِيمَا حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْن ثَابِت الرازي، قَالَ: حَدَّثَنِي محدث، عن إسحاق بن عيسى عنه: كان فتح الإسكندرية سنة خمس وعشرين.
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: وفي هَذِهِ السنة نقضت الإسكندرية عهدها، فغزاهم عمرو بن الْعَاصِ فقتلهم، وَقَدْ ذكرنا خبرها قبل فِيمَا مضى، ومن خالف أبا معشر والواقدى فِي تأريخ ذَلِكَ.
وفيها كَانَ أَيْضًا- فِي قول الْوَاقِدِيّ- توجيه عَبْد اللَّهِ بن سَعْدِ بْنِ أبي سرح الخيل إِلَى المغرب.
قَالَ: وَكَانَ عمرو بن الْعَاصِ قَدْ بعث بعثا قبل ذَلِكَ إِلَى المغرب، فأصابوا غنائم، فكتب عَبْد اللَّهِ يستأذنه فِي الغزو إِلَى إفريقية، فأذن لَهُ.
قَالَ: وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة عُثْمَان، واستخلف عَلَى الْمَدِينَة.
قَالَ: وفيها فتح الحصون وأميرهم مُعَاوِيَة بن أَبِي سُفْيَانَ.
قَالَ: وفيها ولد يَزِيد بن مُعَاوِيَة.
قَالَ: وفيها كانت سابور الاولى فتحت

(4/250)


سنه 24 ثُمَّ دخلت

سنة ست وعشرين

ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث المشهورة
فكان فِيهَا- فِي قول أبي معشر والواقدي- فتح سابور، وَقَدْ مضى ذكر الخبر عنها فِي قول من خالفهما فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: فِيهَا أمر عُثْمَان بتجديد أنصاب الحرم وَقَالَ: فِيهَا زاد عُثْمَان فِي المسجد الحرام، ووسعه وابتاع من قوم وأبى آخرون، فهدم عَلَيْهِم، ووضع الأثمان فِي بيت المال، فصيحوا بعثمان، فأمر بهم بالحبس، وَقَالَ: أتدرون مَا جرأكم علي! مَا جرأكم علي إلا حلمي، قَدْ فعل هَذَا بكم عمر فلم تصيحوا بِهِ ثُمَّ كلمه فِيهِمْ عَبْد اللَّهِ بن خَالِد بن أسيد، فأخرجوا.
قَالَ: وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة عُثْمَان بن عَفَّانَ.
وفي هَذِهِ السنة عزل عُثْمَان سعدا عن الْكُوفَة، وولاها الْوَلِيد بن عُقْبَةَ فِي قول الْوَاقِدِيّ، وأما فِي قول سيف فإنه عزله عنها فِي سنة خمس وعشرين.
وفيها ولي الْوَلِيد عَلَيْهَا، وَذَلِكَ أنه زعم أنه عزل الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ عن الْكُوفَة حين مات عمر، ووجه سعدا إِلَيْهَا عاملا، فعمل لَهُ عَلَيْهَا سنة وأشهرا

ذكر سبب عزل عُثْمَان عن الْكُوفَة سعدا واستعماله عَلَيْهَا الْوَلِيد
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، قَالَ: كَانَ أول مَا نزغ بِهِ بين أهل الْكُوفَة- وَهُوَ أول مصر نزغ الشَّيْطَان بينهم فِي الإِسْلام- أن سعد بن أَبِي وَقَّاص استقرض من عَبْد اللَّهِ بن مسعود من بيت المال مالا، فأقرضه، فلما تقاضاه لم يتيسر عَلَيْهِ، فارتفع بينهما الكلام حَتَّى استعان عَبْد اللَّهِ بأناس مِنَ النَّاسِ عَلَى استخراج المال، واستعان

(4/251)


سعد بأناس مِنَ النَّاسِ عَلَى استنظاره، فافترقوا وبعضهم يلوم بعضا، يلوم هؤلاء سعدا ويلوم هَؤُلاءِ عَبْد اللَّهِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ سَعْدٍ، وَعِنْدَهُ ابْنُ أَخِيهِ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ، فَأَتَى ابْنُ مَسْعُودٍ سَعْدًا، فَقَالَ لَهُ: أَدِّ الْمَالَ الَّذِي قِبَلَكَ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا أَرَاكَ إِلا سَتَلْقَى شَرًّا! هَلْ أَنْتَ إِلا ابْنُ مَسْعُودٍ، عَبْدٌ مِنْ هُذَيْلٍ! فَقَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنِّي لابْنُ مَسْعُودٍ، وَإِنَّكَ لابْنُ حُمَيْنَةَ، فَقَالَ هَاشِمٌ: أَجَلْ وَاللَّهِ انكما لصاحبا رسول الله ص، يُنْظَرُ إِلَيْكُمَا فَطَرَحَ سَعْدٌ عُودًا كَانَ فِي يده- وكان رجلا فيه جده- وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَيْلُكَ! قُلْ خَيْرًا، وَلا تَلْعَنْ، فَقَالَ سَعْدٌ عِنْدَ ذَلِكَ: أَمَا وَاللَّهِ لولا اتِّقَاءُ اللَّهِ لَدَعَوْتُ عَلَيْكَ دَعْوَةً لا تُخْطِئُكَ فَوَلَّى عَبْدُ اللَّهِ سَرِيعًا حَتَّى خَرَجَ.
وَكَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ: لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَسَعْدٍ الْكَلامُ فِي قَرْضٍ أَقْرَضَهُ عَبْدُ اللَّهِ إِيَّاهُ، فَلَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَى سَعْدٍ قَضَاؤُهُ، غَضِبَ عَلَيْهِمَا عُثْمَانُ، وَانْتَزَعَهَا مِنْ سَعْدٍ، وَعَزَلَهُ وَغَضِبَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَقَرَّهُ، وَاسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ- وَكَانَ عَامِلا لِعُمَرَ عَلَى رَبِيعَةَ بِالْجَزِيرَةِ- فَقَدِمَ الْكُوفَةَ فَلَمْ يَتَّخِذْ لِدَارِهِ بَابًا حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْكُوفَةِ.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا:
لَمَّا بَلَغَ عثمان الذي كان بين عبد الله وسعد فِيمَا كَانَ، غَضِبَ عَلَيْهِمَا وَهَمَّ بِهِمَا، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ، وَعَزَلَ سَعْدًا، وَأَخَذَ مَا عَلَيْهِ، وَأَقَرَّ عَبْدَ اللَّهِ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ، وَأَمَّرَ مَكَانَ سَعْدٍ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ- وَكَانَ عَلَى عَرَبِ الْجَزِيرَةِ عَامِلا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- فَقَدِمَ الْوَلِيدُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ إِمَارَةِ عُثْمَانَ، وَقَدْ كَانَ سَعْدٌ عَمِلَ عَلَيْهَا سَنَةً وَبَعْضَ أُخْرَى، فَقَدِمَ الْكُوفَةَ، وَكَانَ أَحَبَّ النَّاسِ فِي النَّاسِ وَأَرْفَقَهُمْ بِهِمْ، فَكَانَ كَذَلِكَ خَمْسَ سِنِينَ وَلَيْسَ على داره باب