تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

. سبع وعشرين

ذكر الأحداث المشهورة الَّتِي كَانَتْ فِيهَا
فِمِمَّا كَانَ فِيهَا من ذَلِكَ فتح إفريقية عَلَى يد عَبْد اللَّهِ بن سَعْدِ بْنِ أبي سرح، كذلك حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ ثابت الرازي، قال: حدثنا محدث، عن إسحاق ابن عِيسَى، عن أبي معشر، وَهُوَ قول الْوَاقِدِيّ أَيْضًا.
ذكر الخبر عن فتحها، وعن سبب ولايه عبد الله بن سعد ابن أبي سرح مصر، وعزل عُثْمَان عمرو بن الْعَاصِ عنها:
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عن سيف، عن مُحَمَّد وَطَلْحَة،.
قَالا: مات عمر وعلى مصر عمرو بن الْعَاصِ، وعلى قضائها خارجه بن حذافة السهمي، فولي عُثْمَان، فأقرهما سنتين من إمارته ثم عزل عمرا، واستعمل عبد الله ابن سَعْدِ بْنِ أبي سرح.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وَأَبِي عُثْمَانَ، قَالا: لَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ أَقَرَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى عَمَلِهِ، وَكَانَ لا يَعْزِلُ أَحَدًا إِلا عَنْ شَكَاةٍ أَوِ اسْتِعْفَاءٍ مِنْ غَيْرِ شَكَاةٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ مِنْ جُنْدِ مِصْرَ، فَأَمَّرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ عَلَى جُنْدِهِ، وَرَمَاهُ بِالرِّجَالِ، وَسَرَّحَهُ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ وَسَرَّحَ مَعَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعِ بْنِ الْحُصَيْنِ الْفِهْرِيَّيْنِ، وَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ: إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ غَدًا إِفْرِيقِيَّةَ، فَلَكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ خُمُسُ الْخُمُسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ نَفْلا.
وَأَمَرَ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْجُنْدِ، وَرَمَاهُمَا بِالرِّجَالِ، وَسَرَّحَهُمَا إِلَى الأَنْدَلُسِ، وَأَمَرَهُمَا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ بِالاجْتِمَاعِ عَلَى الأجل، ثُمَّ يُقِيمُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ فِي عَمَلِهِ وَيَسِيرَانِ إِلَى عَمَلِهِمَا

(4/252)


فَخَرَجُوا حَتَّى قَطَعُوا مِصْرَ، فَلَمَّا وَغَلُوا فِي أَرْضِ إِفْرِيقِيَّةَ فَأَمْعَنُوا انْتَهَوْا إِلَى الأجل، وَمَعَهُ الأَفْنَاءُ، فَاقْتَتَلُوا، فَقُتِلَ الأجل، قَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ وَفَتَحَ إِفْرِيقِيَّةَ سَهْلَهَا وَجَبَلَهَا ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَى الإِسْلامِ، وَحَسُنَتْ طَاعَتُهُمْ، وَقَسَمَ عَبْدُ اللَّهِ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَلَى الْجُنْدِ، وَأَخَذَ خُمُسَ الْخُمُسِ، وَبَعَثَ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ إِلَى عُثْمَانَ مَعَ ابْنِ وَثِيمَةَ النَّصْرِيِّ، وَضَرَبَ فُسْطَاطًا فِي مَوْضِعِ الْقَيْرَوَانِ، وَوَفَدَ وَفْدًا، فَشَكَوْا عَبْدَ اللَّهِ فِيمَا أَخَذَ، فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا نَفَلْتُهُ- وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ- وَقَدْ أَمَرْتُ لَهُ بِذَلِكَ، وَذَاكَ إِلَيْكُمُ الآنَ، فَإِنْ رَضِيتُمْ فَقَدْ جَازَ، وَإِنْ سَخِطْتُمْ فَهُوَ رَدٌّ قَالُوا: فَإِنَّا نَسْخَطُهُ، قَالَ: فَهُوَ رَدٌّ، وَكَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بِرَدِّ ذَلِكَ وَاسْتِصْلاحِهِمْ، قَالُوا: فَاعْزِلْهُ عَنَّا، فَإِنَّا لا نُرِيدُ أَنْ يَتْأَمَّرَ عَلَيْنَا، وَقَدْ وَقَعَ مَا وَقَعَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ اسْتَخْلِفْ عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ رَجُلا مِمَّنْ تَرْضَى وَيَرْضَوْنَ وَاقْسِمِ الْخُمُسَ الَّذِي كُنْتُ نَفَلْتُكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ سَخِطُوا النَّفْلَ.
فَفَعَلَ، وَرَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ إِلَى مِصْرَ وَقَدْ فَتَحَ إِفْرِيقِيَّةَ، وَقَتَلَ الأجل.
فَمَا زَالُوا مِنْ أَسْمَعِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ وَأَطْوَعِهِمْ إِلَى زَمَانِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، أَحْسَنَ أُمَّةً سَلامًا وَطَاعَةً، حَتَّى دَبَّ اليهم أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَلَمَّا دَبَّ إِلَيْهِمْ دُعَاةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَاسْتَثَارُوهُمْ، شَقُّوا عَصَاهُمْ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمْ إِلَى الْيَوْمِ وَكَانَ مِنْ سَبَبِ تَفْرِيقِهِمْ أَنَّهُمْ رَدُّوا عَلَى أَهْلِ الأَهْوَاءِ، فَقَالُوا: إِنَّا لا نُخَالِفُ الأَئِمَّةَ بِمَا تَجْنِي الْعُمَّالُ، وَلا نَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّمَا يَعْمَلُ هَؤُلاءِ بِأَمْرِ أُولَئِكَ، فَقَالُوا لَهُمْ: لا نَقْبَلُ ذَلِكَ حَتَّى نُبَوِّرَهُمْ، فَخَرَجَ مَيْسَرَةُ فِي بِضْعَةَ عَشَرَ إِنْسَانًا حَتَّى يَقْدُمَ عَلَى هِشَامٍ، فَطَلَبُوا الإِذْنَ، فَصَعُبَ عَلَيْهِمْ، فَأَتَوُا الأَبْرَشَ، فَقَالُوا: أَبْلِغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَمِيرَنَا يَغْزُو بِنَا وَبِجُنْدِهِ، فَإِذَا أَصَابَ نَفَلَهُمْ دُونَنَا وَقَالَ: هُمْ أَحَقُّ بِهِ، فَقُلْنَا: هُوَ أَخْلَصُ لِجِهَادِنَا، لأَنَّا لا نَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا، إِنْ كَانَ لَنَا فَهُمْ مِنْهُ فِي حِلٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَنَا لَمْ نُرِدْهُ وَقَالُوا: إِذَا حَاصَرْنَا مَدِينَةً قَالَ: تَقَدَّمُوا وَأَخَّرَ جُنْدَهُ، فَقُلْنَا: تَقَدَّمُوا، فَإِنَّهُ ازْدِيَادٌ فِي الْجِهَادِ، وَمِثْلُكُمْ كَفَى إِخْوَانَهُ، فَوَقَيْنَاهُمْ بِأَنْفُسِنَا وَكَفَيْنَاهُمْ ثُمَّ إِنَّهُمْ عَمِدُوا إِلَى

(4/254)


مَاشِيَتِنَا، فَجَعَلُوا يَبْقُرُونَهَا عَلَى السِّخَالِ يَطْلُبُونَ الْفِرَاءَ الْبِيضَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَقْتُلُونَ أَلْفَ شَاةٍ فِي جِلْدٍ، فَقُلْنَا: مَا أَيْسَرَ هَذَا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ! فَاحْتَمَلْنَا ذَلِكَ، وَخَلَّيْنَاهُمْ وَذَلِكَ ثُمَّ إِنَّهُمْ سَامُونَا أَنْ يَأْخُذُوا كُلَّ جَمِيلَةٍ مِنْ بَنَاتِنَا فَقُلْنَا: لَمْ نَجِدْ هَذَا فِي كِتَابٍ وَلا سُنَّةٍ، وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ، فَأَحْبَبْنَا أَنْ نَعْلَمَ:
أَعَنْ رَأْيِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ أَمْ لا؟ قَالَ: نَفْعَلُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِمْ وَنَفِدَتْ نَفَقَاتُهُمْ، كَتَبُوا أَسْمَاءَهُمْ فِي رِقَاعٍ، وَرَفَعُوهَا إِلَى الْوُزَرَاءِ، وَقَالُوا: هَذِهِ أَسْمَاؤُنَا وَأَنْسَابُنَا، فَإِنْ سَأَلَكُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَنَّا فَأَخْبِرُوهُ، ثُمَّ كَانَ وجههم إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، فَخَرَجُوا عَلَى عَامِلِ هِشَامٍ فَقَتَلُوهُ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى إِفْرِيقِيَّةَ، وَبَلَغَ هِشَامًا الْخَبَرُ، وَسَأَلَ عَنِ النَّفَرِ، فَرُفِعَتْ إِلَيْهِ أَسْمَاؤُهُمْ، فَإِذَا هُمُ الَّذِينَ جَاءَ الْخَبَرُ أَنَّهُمْ صَنَعُوا.
مَا صَنَعُوا.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قَالا: وَأَرْسَلَ عُثْمَانُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعِ بْنِ الْحُصَيْنِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنْ فَوْرِهِمَا ذَلِكَ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ إِلَى الأَنْدَلُسِ، فَأَتَيَاهُمَا مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ.
وَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَنِ انْتُدِبَ مِنْ أَهْلِ الأَنْدَلُسِ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ إِنَّمَا تُفْتَحُ مِنْ قِبَلِ الأَنْدَلُسِ، وَإِنَّكُمْ إِنِ افْتَتَحْتُمُوهَا كُنْتُمْ شُرَكَاءَ مَنْ يَفْتَحُهَا فِي الأَجْرِ، وَالسَّلامُ وَقَالَ كَعْبُ الأَحْبَارِ: يَعْبُرُ الْبَحْرَ إِلَى الأَنْدَلُسِ أَقْوَامٌ يَفْتَتِحُونَهَا، يُعْرَفُونَ بِنُورِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قَالا: فخرجوا ومعهم البربر، فأتوها من برها، ففتحها اللَّه عَلَى الْمُسْلِمِينَ وإفرنجة، وازدادوا فِي سلطان الْمُسْلِمِينَ مثل إفريقية، فلما عزل عُثْمَان عبد الله ابن سَعْدِ بْنِ أبي سرح صرف إِلَى عمله عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَكَانَ عَلَيْهَا، ورجع عَبْد اللَّهِ بن سَعْد إِلَى مصر، ولم يزل أمر الأندلس كأمر إفريقية حَتَّى كَانَ زمان هِشَام، فمنع البربر أرضهم، وبقي من فِي الأندلس عَلَى حاله

(4/255)


وأما الْوَاقِدِيّ فإنه ذكر أن ابن أبي سبرة حدثه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبي حرملة، عن كُرَيْب، قَالَ: لما نزع عُثْمَان عمرو بن الْعَاصِ عن مصر غضب عمرو غضبا شديدا، وحقد عَلَى عُثْمَانَ، فوجه عَبْد اللَّهِ بن سَعْد، وأمره أن يمضي إِلَى إفريقية، وندب عُثْمَان الناس إِلَى إفريقية، فخرج إِلَيْهَا عشرة آلاف من قريش والأنصار والمهاجرين.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، عَنِ ابْنِ كَعْبٍ، قَالَ:
لَمَّا وَجَّهَ عُثْمَانُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، كَانَ الَّذِي صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ إِفْرِيقِيَّةَ جِرْجِيرُ أَلْفَيْ أَلْفِ دينار وخمسمائة أَلْفِ دِينَارٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَبَعَثَ مَلِكُ الروم رسولا، وامره ان يأخذ منهم ثلاثمائة قِنْطَارٍ، كَمَا أَخَذَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ إِفْرِيقِيَّةَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمَلِكَ قد أمرني ان آخذ منكم ثلاثمائة قنطار ذهب مِثْلَ مَا أَخَذَ مِنْكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، فَقَالُوا:
مَا عِنْدَنَا مَالٌ نُعْطِيهِ، فَأَمَّا مَا كَانَ بِأَيْدِينَا فَقَدِ افْتَدَيْنَا بِهِ أَنْفُسَنَا، وَأَمَّا الْمَلِكَ فَإِنَّهُ سَيِّدُنَا فَلْيَأْخُذْ مَا كَانَ لَهُ عِنْدَنَا مِنْ جَائِزَةٍ كَمَا كُنَّا نُعْطِيهِ كُلَّ سَنَةٍ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَمَرَ بِحَبْسِهِمْ، فَبَعَثُوا إِلَى قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِمْ، فَقَدِمُوا عَلَيْهِ، فَكَسَرُوا السِّجْنَ فَخَرَجُوا، وَكَانَ الَّذِي صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ عبد الله بن سعد ثلاثمائة قنطار ذهب، فامر بها عُثْمَانُ لآلِ الْحَكَمِ قُلْتُ: أَوْ لِمَرْوَانَ؟ قَالَ: لا ادرى.
قال ابن عمر: وَحَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: نَزَعَ عُثْمَانُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَنْ خَرَاجِ مِصْرَ، وَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ عَلَى الْخَرَاجِ، فَتَبَاغَيَا، فَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ إِلَى عُثْمَانَ يَقُولُ:
إِنَّ عَمْرًا كَسَرَ الْخَرَاجَ وَكَتَبَ عَمْرٌو: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَسَرَ عَلَيَّ حِيلَةَ الْحَرْبِ، فَكَتَبَ عُثْمَانُ إِلَى عَمْرٍو: انْصَرِفْ، وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ الْخَرَاجَ وَالْجُنْدَ، فَقَدِمَ عَمْرٌو مُغْضَبًا، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ يَمَانِيَّةٌ مَحْشُوَّةً قُطْنًا، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مَا حَشْوُ جُبَّتِكَ؟ قَالَ: عَمْرٌو، قَالَ عُثْمَانُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ حَشْوَهَا عَمْرٌو وَلَمْ أُرِدْ هَذَا، إِنَّمَا سَأَلْتُ: أَقُطْنٌ هُوَ أَمْ غَيْرُهُ؟
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ،

(4/256)


قَالَ: بَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ إِلَى عُثْمَانَ بِمَالٍ مِنْ مِصْرَ، قَدْ حُشِدَ فِيهِ، فَدَخَلَ عَمْرٌو عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا عَمْرُو، هَلْ تَعْلَمْ أَنَّ تِلْكَ اللِّقَاحُ دُرَّتْ بَعْدَكَ! فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّ فِصَالَهَا هَلَكَتْ.
وَحَجَّ بالناس في هذه السنة عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ فَتْحُ إِصْطَخَرَ الثَّانِي عَلَى يَدِ عثمان ابن أَبِي الْعَاصِ.
قَالَ: وَفِيهَا غَزَا مُعَاوِيَةُ قِنَّسْرِينَ
ثمان وعشرين

ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث المشهورة
فمما ذكر أنه كَانَ فِيهَا فتح قبرس، عَلَى يد مُعَاوِيَة، غزاها بأمر عُثْمَان إِيَّاهُ، وَذَلِكَ فِي قول الْوَاقِدِيّ.
فأما أَبُو معشر فإنه قَالَ: كَانَتْ قبرس سنة ثلاث وثلاثين، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بن ثَابِت، عمن حدثه، عن إِسْحَاق بْن عِيسَى، عنه.
وَقَالَ بعضهم: كَانَتْ قبرس سنة سبع وعشرين، غزاها- فِيمَا ذكر- جماعة من أَصْحَاب رسول الله ص، فِيهِمْ أَبُو ذر وعبادة بن الصامت، وَمَعَهُ زوجته أم حرام والمقداد وأبو الدرداء، وشداد بن أوس.

ذكر الخبر عن غزوة مُعَاوِيَة إياها:
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ النُّعْمَانِ النَّصْرِيِّ وَأَبِي الْمُجَالِدِ جَرَادِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ وَأَبِي حَارِثَةَ وَأَبِي عُثْمَانَ، عَنْ رَجَاءٍ وَعُبَادَةَ وَخَالِدٍ: قَالُوا: أَلَحَّ مُعَاوِيَةُ فِي زَمَانِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي غَزْوِ الْبَحْرِ وَقُرْبُ الرُّومِ مِنْ حِمْصَ، وَقَالَ: إِنَّ قَرْيَةً مِنْ قُرَى حِمْصَ لَيَسْمَعُ أَهْلُهَا نُبَاحَ كِلابِهِمْ وَصِيَاحَ دَجَاجِهِمْ، حَتَّى كَادَ ذَلِكَ يَأْخُذُ بِقَلْبِ عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: صِفْ لِي الْبَحْرَ وَرَاكِبَهُ، فَإِنَّ نَفْسِي تُنَازِعُنِي إِلَيْهِ وَقَالَ عُبَادَةُ وَخَالِدٌ: لَمَّا أَخْبَرَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ وَمَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمْرٌو: إِنِّي رَأَيْتُ خَلْقًا كَبِيرًا يَرْكَبُهُ خَلْقٌ صَغِيرٌ، إِنْ رَكَنَ خَرَقَ الْقُلُوبَ، وَإِنْ تَحَرَّكَ أَزَاغَ الْعُقُولَ، يَزْدَادُ فِيهِ الْيَقِينُ قِلَّةً، وَالشَّكُّ كَثْرَةً، هُمْ فِيهِ كَدُودٍ عَلَى عُودٍ، إِنْ مَالَ غَرِقَ، وَإِنْ نجا برق

(4/257)


فَلَمَّا قَرَأَهُ عُمَرُ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: لا وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لا أَحْمِلُ فِيهِ مُسْلِمًا أَبَدًا.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الأَزْدِيِّ، قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ كِتَابًا فِي غَزْوِ الْبَحْرِ يُرَغِّبُهُ فِيهِ، ويَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بِالشَّامِ قَرْيَةً يَسْمَعُ أَهْلُهَا نُبَاحَ كِلابِ الرُّومِ وَصِيَاحَ دُيُوكِهِمْ، وَهُمْ تِلْقَاءُ سَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ حِمْصَ، فَاتَّهَمَهُ عُمَرُ لأَنَّهُ الْمُشِيرُ، فَكَتَبَ إِلَى عَمْرٍو: أَنْ صِفْ لِي الْبَحْرَ، ثُمَّ اكْتُبْ إِلَيَّ بِخَبَرِهِ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي رَأَيْتُ خَلْقًا عَظِيمًا، يَرْكَبُهُ خَلْقٌ صَغِيرٌ، لَيْسَ إِلا السَّمَاءُ وَالْمَاءُ، وَإِنَّمَا هُمْ كَدُودٍ عَلَى عُودٍ، إِنْ مَالَ غَرِقَ، وَإِنْ نَجَا بَرَقَ.
وَكَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أَبِي عُثْمَانَ وَأَبِي حَارِثَةَ، عَنْ عُبَادَةَ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَالرَّبِيعِ وَأَبِي الْمُجَالِدِ، قَالُوا:
كَتَبَ عُمَرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنَّا سَمِعْنَا أَنَّ بَحْرَ الشَّامِ يُشْرِفُ عَلَى أَطْوَلِ شَيْءٍ عَلَى الأَرْضِ، يَسْتَأْذِنُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي أَنْ يَفِيضَ عَلَى الأَرْضِ فَيُغْرِقَهَا، فَكَيْفَ أَحْمِلُ الْجُنُودَ فِي هَذَا الْبَحْرِ الْكَافِرِ الْمُسْتَصْعَبِ، وَتَاللَّهِ لَمُسْلِمٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا حَوَتِ الرُّومُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَعْرِضَ لِي، وَقَدْ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَقِيَ الْعَلاءُ مِنِّي، وَلَمْ أَتَقَدَّمْ إِلَيْهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.
وَقَالُوا: تَرَكَ مَلِكُ الرُّومِ الْغَزْوَ، وَكَاتَبَ عُمَرَ وَقَارَبَهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ كَلِمَةٍ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْعِلْمُ كُلُّهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لَهَا، تَجْتَمِعُ لَكَ الْحِكْمَةُ كُلُّهَا وَاعْتَبِرِ النَّاسَ بِمَا يَلِيكَ، تَجْتَمِعْ لَكَ الْمَعْرِفَةُ كُلُّهَا.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ مَلِكُ الرُّومِ- وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِقَارُورَةٍ: أَنِ امْلأَ لِي هَذِهِ الْقَارُورَةَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَلأَهَا مَاءً، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ هَذَا كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا

(4/259)


وَكَتَبَ إِلَيْهِ مَلِكُ الرُّومِ: مَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَرْبَعُ أَصَابِعٍ الْحَقُّ، فِيمَا يُرَى عِيَانًا، وَالْبَاطِلُ كَثِيرًا يُسْتَمَعُ بِهِ فِيمَا لَمْ يُعَايَنْ.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ مَلِكُ الرُّومِ يَسْأَلُهُ عَمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَبَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فكتب اليه: مسيره خمسمائة عَامٍ لِلْمُسَافِرِ، لَوْ كَانَ طَرِيقًا مَبْسُوطًا.
قَالَ: وبَعَثَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى مَلِكَةِ الرُّومِ بِطِيبٍ وَمَشَارِبَ وَأَحْفَاشٍ مِنْ أَحْفَاشِ النِّسَاءِ، وَدَسَّتْهُ إِلَى الْبَرِيدِ، فَأَبْلَغَهُ لَهَا، وَأَخَذَ مِنْهُ وَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِرَقْل، وَجَمَعَتْ نِسَاءَهَا، وَقَالَتْ: هَذِهِ هَدِيَّةُ امْرَأَةِ مَلِكِ الْعَرَبِ، وَبِنْتِ نَبِيِّهِمْ، وَكَاتَبَتْهَا وَكَافَأَتْهَا، وَأَهْدَتْ لَهَا، وَفِيمَا أَهْدَتْ لَهَا عِقْدٌ فَاخِرٌ فَلَمَّا انْتَهَى بِهِ الْبَرِيدُ إِلَيْهِ أَمَرَهُ بِإِمْسَاكِهِ، وَدَعَا: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، فَاجْتَمَعُوا، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لا خَيْرَ فِي أَمْرٍ أُبْرِمَ عَنْ غَيْرِ شُورَى مِنْ أُمُورِي، قُولُوا فِي هَدِيَّةٍ أَهْدَتْهَا أُمُّ كُلْثُومٍ لامْرَأَةِ مَلِكِ الرُّومِ، فَأَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةُ مَلِكِ الرُّومِ، فَقَالَ قَائِلُونَ: هُوَ لَهَا بِالَّذِي لَهَا، وَلَيْسَتِ امْرَأَةُ الْمَلِكِ بِذِمَّةٍ فَتُصَانِعُ بِهِ، وَلا تَحْتَ يَدِكَ فَتَتَّقِيكَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: قَدْ كُنَّا نُهْدِي الثِّيَابَ لِنَسْتَثِيبَ، وَنَبْعَثَ بِهَا لِتُبَاعَ، وَلِنُصِيبَ ثَمَنًا فَقَالَ: وَلَكِنَّ الرَّسُولَ رَسُولُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْبَرِيدَ بَرِيدُهُمْ، وَالْمُسْلِمُونَ عَظَّمُوهَا فِي صَدْرِهَا فَأَمَرَ بِرَدِّهَا إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَرُدَّ عَلَيْهَا بِقَدْرِ نَفَقَتِهَا.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ أَبِي حَارِثَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ غَزَا فِي الْبَحْرِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ زَمَانَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَقَدْ كَانَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ فِيهِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ لَمْ يَزَلْ بِهِ مُعَاوِيَةُ، حَتَّى عَزَمَ عُثْمَانُ عَلَى ذَلِكَ بِآخِرَةٍ، وَقَالَ: لا تَنْتَخِبِ النَّاسَ، وَلا تَقْرَعْ بَيْنَهُمْ، خَيِّرْهُمْ، فَمَنِ اخْتَارَ الْغَزْوَ طَائِعًا فَاحْمِلْهُ وَأَعِنْهُ، فَفَعَلَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْبَحْرِ عَبْدَ اللَّهِ بن قيس الجاسي حَلِيفَ بَنِي فَزَارَةَ، فَغَزَا خَمْسِينَ غَزَاةً مِنْ بَيْنِ شَاتِيَةٍ وَصَائِفَةٍ فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يَغْرَقْ فِيهِ أَحَدٌ وَلَمْ يَنْكَبْ،

(4/260)


وَكَانَ يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الْعَافِيَةَ فِي جُنْدِهِ، وَأَلا يَبْتَلِيَهُ بِمُصَابِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَفَعَلَ، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُ وَحْدَهُ، خَرَجَ فِي قَارِبِ طَلِيعَةٍ، فَانْتَهَى إِلَى الْمَرْقَى مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، وَعَلَيْهِ سُؤَّالٌ يَعْتَرُّونَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ، فَتَصَدَّقْ عَلَيْهِمْ، فَرَجَعَتِ امْرَأَةٌ مِنَ السُّؤَّالِ إِلَى قَرْيَتِهَا، فَقَالَتْ لِلرِّجَالِ: هَلْ لَكُمْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ؟ قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَتْ: فِي الْمَرْقَى، قَالُوا: أَيْ عَدُوَّةَ اللَّهِ! وَمِنْ أَيْنَ تَعْرِفِينَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ؟ فَوَبَّخَتْهُمْ، وَقَالَتْ: أَنْتُمْ أَعْجَزُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَبْدَ اللَّهِ عَلَى أَحَدٍ فَثَارُوا إِلَيْهِ، فَهَجَمُوا عَلَيْهِ، فَقَاتَلُوهُ وَقَاتَلَهُمْ، فَأُصِيبَ وَحْدَهُ، وَأَفْلَتَ الْمَلاحُ حَتَّى أَتَى أَصْحَابَهُ، فَجَاءُوا حَتَّى أَرِقُوا، وَالْخَلِيفَةُ مِنْهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عَوْفٍ الأَزْدِيُّ، فَخَرَجَ فَقَاتَلَهُمْ، فَضَجَرَ وَجَعَلَ يَعْبَثُ بِأَصْحَابِهِ وَيَشْتُمُهُمْ، فَقَالَتْ جَارِيَةُ عبد الله: وا عبد اللَّهِ، مَا هَكَذَا كَانَ يَقُول حِينَ يُقَاتِلُ! فَقَالَ سُفْيَانُ: وَكَيْفَ كَانَ يَقُولُ؟ قَالَتِ:
الْغَمَرَاتُ ثُمَّ يَنْجِلِينَا.
فَتَرَكَ مَا كَانَ يَقُولُ، وَلَزِمَ: الْغَمَرَات ثُمَّ يَنْجَلِينَا وَأُصِيبَ فِي الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ، وَذَلِكَ آخِرُ زَمَانِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الجاسي، وَقِيلَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ بَعْدُ:
بِأَيِّ شَيْءٍ عَرَفْتِيهِ؟ قَالَتْ: بِصَدَقَتِهِ، أَعْطَى كَمَا يُعْطِي الْمُلُوكُ، وَلَمْ يَقْبِضْ قَبْضَ التُّجَّارِ.
وَكَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن أبي حارثة وأبي عُثْمَانَ، قَالا: قيل لتلك المرأة الَّتِي استثارت الروم عَلَى عَبْد اللَّهِ بن قيس:
كيف عرفته؟ قالت: كَانَ كالتاجر، فلما سألته أعطاني كالملك، فعرفت أنه عَبْد اللَّهِ بن قيس.
وكتب إِلَى مُعَاوِيَةَ والعمال: أَمَّا بَعْدُ، فقوموا عَلَى مَا فارقتم عَلَيْهِ عمر، وَلا تبدلوا، ومهما أشكل عَلَيْكُمْ، فردوه إلينا نجمع عَلَيْهِ الأمة، ثُمَّ نرده

(4/261)


عَلَيْكُمْ، وإياكم أن تغيروا، فإني لست قابلا مِنْكُمْ إلا مَا كَانَ عمر يقبل.
وَقَدْ كَانَتْ تنتقض فِيمَا بين صلح عمر وولاية عُثْمَان تِلْكَ الناحية فيبعث إِلَيْهَا الرجل فيفتحها اللَّه عَلَى يديه، فيحسب لَهُ ذَلِكَ، وأما الفتوح فلأول من وليها.
قَالَ أَبُو جَعْفَر: ولما غزا مُعَاوِيَة قبرس، صالح أهلها- فِيمَا حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْن سهل، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيد بن مسلم، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَان بن أبي كريمة والليث بن سَعْدٍ وغيرهما من مشيخة ساحل دمشق، أن صلح قبرس وقع عَلَى جزية سبعة آلاف دينار يؤدونها إِلَى الْمُسْلِمِينَ فِي كل سنة، ويؤدون إِلَى الروم مثلها، ليس لِلْمُسْلِمِينَ أن يحولوا بينهم وبين ذَلِكَ، عَلَى أَلا يغزوهم وَلا يقاتلوا من وراءهم ممن أرادهم من خلفهم، وعليهم أن يؤذنوا الْمُسْلِمِينَ بمسير عدوهم من الروم إِلَيْهِم، وعلى أن يبطرق إمام الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِم مِنْهُمْ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: غزا مُعَاوِيَة فِي سنة ثمان وعشرين قبرس، وغزاها أهل مصر وعليهم عَبْد اللَّهِ بن سَعْدِ بْنِ أبي سرح، حَتَّى لقوا مُعَاوِيَة، فكان عَلَى الناس.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عن جبير بن نفير، قَالَ: لما سبيناهم نظرت إِلَى أبي الدرداء يبكي، فقلت لَهُ: مَا يبكيك فِي يوم أعز اللَّه فِيهِ الإِسْلام وأهله، وأذل فِيهِ الكفر وأهله؟ قَالَ: فضرب بيده عَلَى منكبي، وَقَالَ: ثكلتك أمك يَا جبير! مَا أهون الخلق عَلَى اللَّه إذا تركوا أمره! بينا هي أمة ظاهرة قاهرة لِلنَّاسِ لَهُمُ الملك، إذ تركوا أمر اللَّه، فصاروا إِلَى مَا ترى، فسلط عَلَيْهِم السباء، وإذا سلط السباء عَلَى قوم فليس لِلَّهِ فِيهِمْ حاجة.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيد، أن مُعَاوِيَة بن أَبِي سُفْيَانَ صالح

(4/262)


أهل قبرس فِي ولاية عُثْمَان، وَهُوَ أول من غزا الروم، وفي العهد الَّذِي بينه وبينهم أَلا يتزوجوا فِي عدونا من الروم إلا بإذننا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وفي هَذِهِ السنة غزا حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم.
وفيها تزوج عُثْمَان نائلة ابنة الْفُرَافِصَة الكلبية وكانت نصرانية، فتحنثت قبل أن يدخل بِهَا.
قال: وفيها بنى داره بِالْمَدِينَةِ، الزوراء، وفرغ منها.
قَالَ: وفيها كَانَ فتح فارس الأول، وإصطخر الآخر وأميرها هشام ابن عَامِر.
قَالَ: وحج بِالنَّاسِ عُثْمَان فِي هَذِهِ السنه

(4/263)


سنة تسع وعشرين

ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث المشهورة
ففيها عزل عُثْمَان أبا مُوسَى الأَشْعَرِيّ عن الْبَصْرَةِ، وَكَانَ عامله عَلَيْهَا ست سنين، وولاها عَبْد اللَّهِ بن عَامِر بن كريز، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابن خمس وعشرين سنة، فقدمها وَقَدْ قيل: إن أبا مُوسَى إنما عمل لِعُثْمَانَ عَلَى الْبَصْرَة ثلاث سنين.
وذكر عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ أن محاربا أخبره، عن عوف الأعرابي، قَالَ:
خرج غيلان بن خرشة الضبي إِلَى عُثْمَانَ بن عَفَّانَ، فَقَالَ: أما لكم صغير فتستشبوه فتولوه الْبَصْرَة! حَتَّى متى يلي هَذَا الشيخ الْبَصْرَة! يعني أبا مُوسَى، وَكَانَ وليها بعد موت عمر ست سنين.
قَالَ: فعزله عُثْمَان عنها، وبعث عَبْد اللَّهِ بن عَامِر بن كريز بن رَبِيعَة ابن حبيب بن عبد شمس، وأمه دجاجة ابنة أسماء السلمي، وَهُوَ ابن خال عُثْمَان بن عَفَّانَ قَالَ مسلمة: فقدم الْبَصْرَة، وَهُوَ ابن خمس وعشرين سنة، سنة تسع وعشرين
. ذكر الخبر عن سبب عزل عُثْمَان أبا مُوسَى عن الْبَصْرَة
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، يَذْكُرُ أَنَّ شُعَيْبًا حَدَّثَهُ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا: لَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ أَقَرَّ أَبَا مُوسَى عَلَى الْبَصْرَةِ ثَلاثَ سِنِينَ، وَعَزَلَهُ فِي الرَّابِعَةِ، وَأَمَّرَ عَلَى خُرَاسَانَ عُمَيْرَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ، وَعَلَى سِجِسْتَانَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ الليثى- وهو من كنانه- فَأَثْخَنَ فِيهَا إِلَى كَابُلَ، وَأَثْخَنَ عُمَيْرٌ فِي خُرَاسَانَ حَتَّى بَلَغَ فَرْغَانَةَ، فَلَمْ يَدَعْ دُونَهَا كُورَةً إِلا أَصْلَحَهَا، وَبَعَثَ إِلَى مُكْرَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْمَرٍ التَّيْمِيَّ، فَأَثْخَنَ فِيهَا حَتَّى بلغ النهر

(4/264)


وَبَعَثَ عَلَى كَرْمَانَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غُبَيْسٍ، وَبَعَثَ إِلَى فَارِسٍ وَالأَهْوَازِ نَفَرًا، وَضَمَّ سَوَادَ الْبَصْرَةِ إِلَى الْحُصَيْنِ بْنِ أَبِي الْحُرِّ، ثُمَّ عَزَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَيْرٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ فَأَقَرَّهُ عَلَيْهَا سَنَةً ثُمَّ عَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو، وَعَزَلَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ غُبَيْسٍ، وَأَعَادَ عَدِيَّ بْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَدِيٍّ.
وَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ كَفَرَ أَهْلُ إِيذَجَ وَالأَكْرَادِ، فَنَادَى أَبُو مُوسَى فِي النَّاسِ، وَحَضَّهُمْ وَنَدَبَهُمْ، وَذَكَرَ مِنْ فَضْلِ الْجِهَادِ فِي الرَّجْلَةِ، حَتَّى حَمَلَ نَفَرٌ عَلَى دَوَابِّهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا رِجَالا وَقَالَ آخَرُونَ: لا وَاللَّهِ لا نَعْجَلُ بِشَيْءٍ حَتَّى نَنْظُرَ مَا صَنِيعُهُ؟ فَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلَهُ فِعْلُهُ فَعَلْنَا كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُنَا.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ خَرَجَ أَخْرَجَ ثِقَلَهُ مِنْ قَصْرِهِ عَلَى أَرْبَعِينَ بَغْلا، فَتَعَلَّقُوا بِعِنَانِهِ، وَقَالُوا: احْمِلْنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْفُضُولِ، وَارْغَبْ مِنَ الرَّجْلَةِ فِيمَا رَغَّبْتَنَا فِيهِ، فَقَنَعَ الْقَوْمَ حَتَّى تَرَكُوا دَابَّتَهُ وَمَضَى، فَأَتَوْا عُثْمَانَ، فَاسْتَعْفُوهُ مِنْهُ، وَقَالُوا: مَا كُلُّ مَا نَعْلَمُ نُحِبُّ أَنْ نَقُولَهُ، فَأَبْدِلْنَا بِهِ، فَقَالَ: مَنْ تُحِبُّونَ؟ فَقَالَ غَيْلانُ بْنُ خَرَشَةَ: فِي كُلِّ أَحَدٍ عِوَضٌ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي قَدْ أَكَلَ أَرْضَنَا، وَأَحْيَا أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ فِينَا، فَلا نَنْفَكُّ مِنْ أَشْعَرِيٍّ كَانَ يُعَظِّمَ مُلْكَهُ عَنِ الأَشْعَرِينَ، وَيَسْتَصْغِرُ مَلِكَ الْبَصْرَةِ، وَإِذَا أَمَّرْتَ عَلَيْنَا صَغِيرًا كَانَ فِيهِ عِوَضٌ مِنْهُ، أَوْ مُهْتَرًّا كَانَ فِيهِ عِوَضٌ مِنْهُ، وَمَنْ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ خَيْرٌ مِنْهُ.
فَدَعَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ وَأَمَّرَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَصَرَفَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْمَرٍ إِلَى فَارِسٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى عَمَلِهِ عُمَيْرَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ فَاسْتَعْمَلَ عَلَى خُرَاسَانَ فِي سَنَةَ أَرْبَعٍ أَمِينَ بْنَ أَحْمَرَ الْيَشْكُرِيَّ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى سِجِسْتَانَ فِي سَنَةَ أَرْبَعٍ عِمْرَانَ بْنَ الْفَصِيلِ الْبُرْجُمُيَّ، وَعَلَى كَرْمَانَ عَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو، فَمَاتَ بِهَا.
فَجَاشَتْ فَارِسٌ، وَانْتَقَضَتْ بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ بِإِصْطَخَرَ، فَالْتَقَوْا عَلَى بَابِ إِصْطَخَرَ، فَقُتِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَهُزِمَ جُنْدُهُ، وَبَلَغَ الخبر عبد الله ابن عَامِرٍ، فَاسْتَنْفَرَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، وَخَرَجَ مَعَهُ النَّاسُ، وعلى مقدمته عثمان ابن أَبِي الْعَاصِ، فَالْتَقَوْا هُمْ وَهُمْ بِإِصْطَخَرَ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَزَالُوا

(4/265)


مِنْهَا فِي ذُلٍّ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِإِمْرَةِ هِرَمِ بْنِ حَسَّانٍ الْيَشْكُرِيِّ، وَهَرَمِ بْنِ حَيَّانَ الْعَبْدِيِّ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، والخريت بن راشد من بنى سامه، وَالْمُنْجَابِ بْنِ رَاشِدٍ، وَالتَّرْجُمَانِ الْهُجَيْمِيِّ، عَلَى كُوَرِ فَارِسٍ، وَفَرَّقَ خُرَاسَانَ بَيْنَ نَفَرٍ سِتَّةٍ: الأَحْنَفُ عَلَى الْمُرْوَيْنِ، وَحَبِيبُ بْنُ قُرَّةَ الْيَرْبُوعِيُّ عَلَى بَلْخَ- وَكَانَتْ مِمَّا افْتَتَحَ أَهْلُ الْكُوفَةِ- وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُهَيْرٍ عَلَى هَرَاةَ، وَأَمِينُ بْنُ أَحْمَدَ الْيَشْكُرِيُّ عَلَى طُوسٍ، وَقَيْسُ بن الهيثم السُّلَمِيُّ عَلَى نَيْسَابُورَ- وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ خَرَجَ- وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهِ ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ جَمَعَهَا لَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَمَاتَ وَقَيْسٌ عَلَى خُرَاسَانَ، وَاسْتَعْمَلَ أَمِينَ بْنَ أَحْمَرَ عَلَى سِجِسْتَانَ، ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ- وَهُوَ مِنْ آلِ حَبِيبِ ابن عَبْدِ شَمْسٍ، فَمَاتَ عُثْمَانُ وَهُوَ عَلَيْهَا، وَمَاتَ وعمران على كرمان- وعمير ابن عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ عَلَى فَارِسٍ، وَابْنُ كُنْدِيرٍ الْقُشَيْرِيُّ عَلَى مُكْرَانَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، قَالَ:
قَالَ غَيْلانُ بْنُ خَرَشَةَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَمَا مِنْكُمْ خَسِيسٌ فَتَرْفَعُوهُ! أَمَا مِنْكُمْ فَقِيرٌ فَتُجِيرُوهُ! يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى مَتَى يَأْكُلُ هَذَا الشَّيْخُ الأَشْعَرِيُّ هَذِهِ الْبِلادَ! فَانْتَبَهَ لَهَا الشَّيْخُ، فَوَلاهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، قال: ولى عثمان ابن عَامِرٍ الْبَصْرَةَ، فَقَالَ الْحَسَنُ: قَالَ أَبُو مُوسَى: يَأْتِيكُمْ غُلامٌ خَرَّاجٌ وَلاجٌ كَرِيمُ الْجَدَّاتِ وَالْخَالاتِ وَالْعَمَّاتِ، يُجْمَعُ لَهُ الْجُنْدَانِ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: فَقَدِمَ ابْنُ عَامِرٍ، فَجُمِعَ لَهُ جُنْدُ أَبِي مُوسَى وَجُنْدُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ فِيمَنْ عَبَرَ مِنْ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا:
وفد قيس بن هيثم عَبْد اللَّهِ بن خازم إِلَى عَبْد اللَّهِ بن عَامِر فِي زمان عُثْمَان، وَكَانَ عَبْد اللَّهِ بن خازم عَلَى عَبْد اللَّهِ بن عَامِر كريما، فَقَالَ لَهُ: اكتب لي عَلَى خُرَاسَان عهدا إن خرج منها قيس بن الهيثم ففعل، فرجع إِلَى خُرَاسَان، فلما قتل عُثْمَان وبلغ الناس الخبر، وجاش العدو لذلك، قَالَ قيس: مَا ترى يَا عَبْد اللَّهِ؟ قَالَ: أَرَى أن تخلفني وَلا تخلف عن المضي حَتَّى تنظر فِيمَا تنظر ففعل

(4/266)


واستخلفه، فأخرج عَبْد اللَّهِ عهد خلافته، وثبت عَلَى خُرَاسَان إِلَى أن قام علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وكانت أم عَبْد اللَّهِ عجلى، فَقَالَ قيس: أنا كنت أحق أن أكون ابن عجلى من عَبْد اللَّهِ، وغضب مما صنع بِهِ الآخر.
وفي هَذِهِ السنة افتتح عَبْد اللَّهِ بْن عَامِر فارس فِي قول الْوَاقِدِيّ وفي قول أبي معشر، حَدَّثَنِي بقول أبي معشر أَحْمَد بن ثَابِت، عمن حدثه، عن إسحاق ابن عِيسَى، عنه وأما قول سيف فقد ذكرناه قبل
. [أخبار متفرقة]
وفي هَذِهِ السنة- أعني سنة تسع وعشرين- زاد عثمان في مسجد رسول الله ص ووسعه، وابتدأ فِي بنائه فِي شهر ربيع الأول، وكانت القصة تحمل إِلَى عُثْمَانَ من بطن نخل، وبناه بالحجارة المنقوشة، وجعل عمده من حجارة فِيهَا رصاص، وسقفه ساجا، وجعل طوله ستين ومائة ذراع، وعرضه مائة وخمسين ذراعا، وجعل أبوابه عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى عهد عمر، ستة أبواب.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة عُثْمَان، فضرب بمنى فسطاطا، فكان أول فسطاط ضربه عُثْمَان بمنى، وأتم الصَّلاة بِهَا وبعرفة.
فَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ صَالِحِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي عُثْمَانَ ظَاهِرًا أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ بِمِنًى فِي وِلايَتِهِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّنَةُ السَّادِسَةُ أَتَمَّهَا، فَعَابَ ذلك غير واحد من اصحاب النبي ص، وَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُكْثِرَ عَلَيْهِ، [حَتَّى جَاءَهُ عَلِيٌّ فِيمَنْ جَاءَهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا حَدَثَ أَمْرٌ وَلا قَدِمَ عَهْدٌ، ولقد عهدت نبيك ص يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، وَأَنْتَ صَدْرًا مِنْ وِلايَتِكَ، فَمَا أَدْرِي مَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ!] فَقَالَ: رَأْيٌ رَأَيْتُهُ

(4/267)


قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: صَلَّى عُثْمَانُ بِالنَّاسِ بمنى أَرْبَعًا، فَأَتَى آتٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي أَخِيكَ؟ قَدْ صَلَّى بِالنَّاسِ أَرْبَعًا! فَصَلَّى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لَهُ: أَلَمْ تُصَلِّ فِي هَذَا الْمَكَانِ مَعَ رسول الله ص رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ:
بَلَى، قَالَ: أَفَلَمْ تُصَلِّ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَفَلَمْ تُصَلِّ مَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَمْ تُصَلِّ صَدْرًا مِنْ خِلافَتِكَ رَكْعَتَيْنِ؟
قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَاسْمَعْ مِنِّي يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ بَعْضَ مَنْ حَجَّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَجُفَاةِ النَّاسِ قَدْ قَالُوا فِي عَامِنَا الْمَاضِي: إِنَّ الصَّلاةَ لِلْمُقِيمِ رَكْعَتَانِ، هَذَا إِمَامُكُمْ عُثْمَانُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَقَدِ اتَّخَذْتُ بِمَكَّةَ أَهْلا، فَرَأَيْتُ أَنْ أُصَلِّيَ أَرْبَعًا لِخَوْفِ مَا أَخَافُ عَلَى النَّاسِ، وَأُخْرَى قَدِ اتَّخَذْتُ بِهَا زَوْجَةً، وَلِي بِالطَّائِفِ مَالٌ، فَرُبَّمَا أَطْلَعْتُهُ فَأَقَمْتُ فيه بعد الصدر فقال عبد الرحمن ابن عَوْفٍ: مَا مِنْ هَذَا شَيْءٌ لَكَ فِيهِ عُذْرٌ، أَمَّا قَوْلُكَ: اتَّخَذْتَ أَهْلا، فَزَوْجَتُكَ بِالْمَدِينَةِ تَخْرُجُ بِهَا إِذَا شِئْتَ وَتَقْدَمُ بِهَا إِذَا شِئْتَ، إِنَّمَا تَسْكُنُ بِسُكْنَاكَ وَأَمَّا قَوْلُكَ: وَلِي مَالٌ بِالطَّائِفِ، فَإِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الطَّائِفِ مَسِيرَةَ ثَلاثِ لَيَالٍ وَأَنْتَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ وَأَمَّا قَوْلُكَ: يَرْجِعُ مَنْ حَجَّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَغَيْرُهُمْ فَيَقُولُونَ: هَذَا إِمَامُكُمْ عُثْمَانُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ مُقِيمٌ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَالنَّاسُ يَوْمَئِذٍ الإِسْلامُ فِيهِمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ عُمَرُ، فَضَرَبَ الإِسْلامُ بِجِرَانِهِ، فَصَلَّى بِهِمْ عُمَرُ حَتَّى مَاتَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَذَا رَأْيٌ رَأَيْتُهُ.
قَالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَلَقِيَ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَبَا مُحَمَّدٍ، غَيَّرَ مَا يَعْلَمُ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَمَا أَصْنَعُ؟ قَالَ: اعْمَلْ أَنْتَ بِمَا تَعْلَمُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْخِلافُ شَرٌّ، قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا فَصَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي أَرْبَعًا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا، فَصَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَمَّا الآنَ فَسَوْفَ يَكُونُ الَّذِي تَقُولُ- يعنى نصلى معه أربعا.

(4/268)


سنة ثَلاثِينَ

ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث المشهورة
فمما كَانَ فِيهَا غزوة سَعِيد بن الْعَاصِ طبرستان فِي قول أبي معشر، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن ثَابِت، عمن حدثه، عن إِسْحَاق بن عِيسَى، عنه.
وفي قول الْوَاقِدِيّ وقول عَلِيّ بن مُحَمَّد المدائني: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عُمَر بن شَبَّةَ عنه.
وأما سيف بن عمر، فانه ذكر ان اصبهبذها صالح سويد بن مقرن عَلَى أَلا يغزوها، عَلَى مال بذله لَهُ قَدْ مضى ذكري الخبر عن ذَلِكَ قبل فِي أيام عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وأما عَلِيّ بن مُحَمَّد المدائني، فإنه قَالَ- فِيمَا حَدَّثَنِي بِهِ عنه عمر: لم يغزها أحد حَتَّى قام عُثْمَان بن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فغزاها سَعِيد بن الْعَاصِ سنة ثَلاثِينَ.

ذكر الخبر عنه عن غزو سَعِيد بن الْعَاصِ طبرستان
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ حَنَشِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: غَزَا سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ مِنَ الْكُوفَةِ سَنَةَ ثَلاثِينَ يُرِيدُ خُرَاسَانَ، وَمَعَهُ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله ص، وَمَعَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وعبد الله ابن عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ ابن عَامِرٍ مِنَ الْبَصْرَةِ يُرِيدُ خُرَاسَانَ، فَسَبَقَ سَعِيدًا وَنَزَلَ أَبْرَشَهْرَ، وَبَلَغَ نُزُولُهُ أَبْرَشَهْرَ سَعِيدًا فَنَزَلَ سَعِيدٌ قُومِسَ، وَهِيَ صُلْحٌ، صَالَحَهُمْ حُذَيْفَةُ بَعْدَ نَهَاوَنْدَ، فَأَتَى جُرْجَانَ، فَصَالَحُوهُ عَلَى مِائَتَيْ أَلْفٍ، ثُمَّ أَتَى طَمِيسَةَ، وَهِيَ كُلُّهَا مِنْ طَبَرِسْتَانِ جُرْجَانَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَهِيَ فِي تُخُومِ جُرْجَانَ، فَقَاتَلَهُ أَهْلُهَا حَتَّى صَلَّى صَلاةَ الْخَوْفِ، فَقَالَ لِحُذَيْفَةَ:
كَيْفَ صَلَّى رَسُولُ الله ص؟ فَأَخْبَرَهُ، فَصَلَّى بِهَا سَعِيدٌ صَلاةَ

(4/269)


الْخَوْفِ، وَهُمْ يَقْتَتِلُونَ، وَضَرَبَ يَوْمَئِذٍ سَعِيدٌ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَخَرَجَ السَّيْفُ مِنْ تَحْتِ مِرْفَقِهِ، وَحَاصَرَهُمْ، فَسَأَلُوا الأَمَانَ، فَأَعْطَاهُمْ عَلَى أَلا يَقْتُلَ مِنْهُمْ رَجُلا وَاحِدًا، فَفَتَحُوا الْحِصْنَ، فَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا إِلا رَجُلا وَاحِدًا، وَحَوَى مَا كَانَ فِي الْحِصْنِ، فَأَصَابَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي نَهْدٍ سَفَطًا عَلَيْهِ قُفْلٌ، فَظَنَّ فِيهِ جَوْهَرًا، وَبَلَغَ سَعِيدًا، فَبَعَثَ إِلَى النَّهْدِيِّ، فَأَتَاهُ بِالسَّفَطِ، فَكَسَرُوا قُفْلَهُ، فَوَجَدُوا فِيهِ سَفَطًا، فَفَتَحُوهُ، فَإِذَا فِيهِ خِرْقَةٌ سَوْدَاءُ مُدْرَجَةٌ فَنَشَرُوهَا، فَوَجَدُوا خِرْقَةً حَمْرَاءَ فَنَشَرُوهَا، فَإِذَا خِرْقَةٌ صَفْرَاءُ، وَفِيهَا أَيْرَانِ: كُمَيْتٍ وَوَرْدٍ، فَقَالَ شَاعِرٌ يَهْجُو بَنِي نَهْدٍ:
آبَ الْكِرَامُ بِالسَّبَايَا غَنِيمَةً ... وَفَازَ بَنُو نَهْدٍ بِأَيْرَيْنِ فِي سَفَطْ
كُمَيْتٍ وَوَرْدٍ وَافِرَيْنِ كِلاهُمَا ... فَظَنُّوهُمَا غُنْمًا فَنَاهِيكَ مِنْ غَلَطْ!
وَفَتَحَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ نَامِيَةَ، وَلَيْسَتْ بِمَدِينَةٍ، هِيَ صَحَارَى.
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ حَنَشِ بْنِ مَالِكٍ التَّغْلِبِيِّ، قَالَ: غَزَا سَعِيدٌ سَنَةَ ثَلاثِينَ، فَأَتَى جُرْجَانَ وَطَبَرِسْتَانَ، مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَحَدَّثَنِي عِلْجٌ كَانَ يَخْدُمُهُمْ قال: كنت أتيتهم بِالسُّفْرَةِ، فَإِذَا أَكَلُوا أَمَرُونِي فَنَفَضْتُهَا وَعَلَّقْتُهَا، فَإِذَا أَمْسَوْا أَعْطُونِي بَاقِيَةً قَالَ: وَهَلَكَ مَعَ سَعِيدِ بن العاص محمد بن الحكم ابن أَبِي عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ، جَدُّ يُوسُفَ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ يُوسُفُ لِقَحْذَمٍ: يَا قَحْذَمُ، أَتَدْرِي أَيْنَ مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ؟ قَالَ: نَعَمْ، اسْتُشْهِدَ مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِطَبَرِسْتَانَ، قَالَ: لا، مَاتَ بِهَا وَهُوَ مَعَ سَعِيدٍ، ثُمَّ قَفَلَ سَعِيدٌ إِلَى الْكُوفَةِ، فَمَدَحَهُ كَعْبُ بْنُ جُعَيْلٍ، فَقَالَ:
فَنِعْمَ الْفَتَى إِذْ جَالَ جَيْلانُ دُونَهُ ... وَإِذْ هَبَطُوا مِنْ دَسْتَبَى ثُمَّ أَبْهَرَا
تَعَلَّمْ سَعِيدُ الْخَيْرِ أَنَّ مَطِيَّتِي ... إِذَا هَبَطَتْ أَشْفَقْتُ مِنْ أَنْ تُعَقَّرَا
كَأَنَّكَ يَوْمَ الشِّعْبِ لَيْثُ خَفِيَّةٍ ... تَحَرَّدَ مِنْ لَيْثِ الْعَرِينِ وَأَصْحَرَا

(4/270)


تَسُوسُ الَّذِي مَا سَاسَ قَبْلَكَ وَاحِدٌ ... ثَمَانِينَ أَلْفًا دَارِعِينَ وَحُسَّرَا
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ خَلَفٍ وَغَيْرِهِ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ صَالَحَ أَهْلَ جُرْجَانَ، ثُمَّ امْتَنَعُوا وَكَفَرُوا، فَلَمْ يَأْتِ جُرْجَانَ بَعْدَ سَعِيدٍ أَحَدٌ، وَمَنَعُوا ذَلِكَ الطَّرِيقَ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَسْلُكُ طَرِيقَ خُرَاسَانَ مِنْ نَاحِيَةِ قُومِسَ إِلا عَلَى وَجَلٍ وَخَوْفٍ مِنْ أَهْلِ جُرْجَانَ، وَكَانَ الطَّرِيقُ إِلَى خُرَاسَانَ مِنْ فَارِسٍ إِلَى كَرْمَانَ، فَأَوَّلُ مَنْ صَيَّرَ الطَّرِيقَ مِنْ قُومِسَ قُتَيْبَةُ ابن مُسْلِمٍ حِينَ وَلِيَ خُرَاسَانَ.
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، عَنْ كُلَيْبِ بْنِ خَلَفٍ الْعَمِّيِّ، عَنْ طُفَيْلِ بْنِ مِرْدَاسٍ الْعَمِّيِّ وَإِدْرِيسَ بْنِ حَنْظَلَةَ الْعَمِّيِّ، إِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ صَالَحَ أَهْلَ جُرْجَانَ، وَكَانُوا يُجْبُونَ أَحْيَانًا مِائَةَ أَلْفٍ وَيَقُولُونَ:
هَذَا صُلْحُنَا، وَأَحْيَانًا مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَأَحْيَانًا ثلاثمائه أَلْفٍ، وَكَانُوا رُبَّمَا أَعْطَوْا ذَلِكَ وَرُبَّمَا مَنَعُوهُ، ثُمَّ امْتَنَعُوا وَكَفَرُوا، فَلَمْ يُعْطُوا خَرَاجًا حَتَّى أَتَاهُمْ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، فَلَمْ يُعَازِّهِ أَحَدٌ حِينَ قَدِمَهَا، فَلَمَّا صَالَحَ صُولا وَفَتَحَ الْبَحِيرَةَ وَدِهِسُتَانَ صَالَحَ أَهْلَ جُرْجَانَ عَلَى صُلْحِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ- أَعْنِي سَنَةَ ثَلاثِينَ- عَزَلَ عُثْمَانُ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ عَنِ الْكُوفَةِ، وَوَلاهَا سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ فِي قَوْلِ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ