تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

بعثة عليٍّ جعدةَ بن هبيرة إِلَى خُرَاسَان
وفي هَذِهِ السنة بعث علي جعدة بن هبيرة فِيمَا قيل إِلَى خُرَاسَان.
ذكر الخبر عن ذَلِكَ:
ذكر عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّهِ بن ميمون، عَنْ عَمْرِو بْنِ شجيرة، عن جابر، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: بعث علي بعد ما رجع من صفين

(5/63)


جعدة بن هبيرة المخزومي إِلَى خُرَاسَان، فانتهى إِلَى أَبْرَشَهْر، وَقَدْ كفروا وامتنعوا، فقدم عَلَى علي فبعث خليد بن قرة اليربوعي، فحاصر أهل نيسابور حَتَّى صالحوه، وصالحه أهل مرو، وأصاب جاريتين من أبناء الملوك نزلتا بأمان، فبعث بهما إِلَى علي، فعرض عليهما الإِسْلام وأن يزوجهما، قالتا: زوجنا ابنيك، فأبى، فَقَالَ لَهُ بعض الدهاقين: ادفعهما إلي، فإنه كرامة تكرمني بِهَا، فدفعهما إِلَيْهِ، فكانتا عنده، يفرش لهما الديباج، ويطعمهما فِي آنية الذهب، ثُمَّ رجعتا إِلَى خُرَاسَان
. اعتزال الخوارج عَلِيًّا وأَصْحَابه ورجوعهم بعد ذَلِكَ
وفي هَذِهِ السنة اعتزل الخوارج عَلِيًّا وأَصْحَابه، وحكموا، ثُمَّ كلمهم علي فرجعوا ودخلوا الْكُوفَة.
ذكر الخبر عن اعتزالهم عَلِيًّا:
قَالَ أَبُو مخنف فِي حديثه عن أبي جناب، عن عمارة بن رَبِيعَة، قَالَ:
ولما قدم علي الْكُوفَة وفارقته الخوارج، وثبت إِلَيْهِ الشيعة فَقَالُوا: فِي أعناقنا بيعة ثانية، نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت، فَقَالَتِ الخوارج:
استبقتم أنتم وأهل الشام إِلَى الكفر كفرسي رهان، بايع أهل الشام مُعَاوِيَة عَلَى مَا أحبوا وكرهوا، وبايعتم أنتم عَلِيًّا عَلَى أنكم أولياء من والى وأعداء من عادى، فَقَالَ لَهُمْ زياد بن النضر: وَاللَّهِ مَا بسط علي يده فبايعناه قط إلا عَلَى كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وسنة نبيه ص، ولكنكم لما خالفتموه جاءته شيعته، فَقَالُوا: نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت، ونحن كذلك، وَهُوَ عَلَى الحق والهدى، ومن خالفه ضال مضل وبعث علي ابن عَبَّاس إِلَيْهِم، فَقَالَ: لا تعجل إِلَى جوابهم وخصومتهم حَتَّى آتيك.
فخرج إِلَيْهِم حَتَّى أتاهم، فأقبلوا يكلمونه، فلم يصبر حَتَّى راجعهم، فَقَالَ:
مَا نقمتم من الحكمين، وَقَدْ قَالَ اللَّه عز وجل: «إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ

(5/64)


اللَّهُ بَيْنَهُما» ! فكيف بامه محمد ص! فَقَالَتِ الخوارج:
قلنا: أما مَا جعل حكمه إلى الناس، وأمر بالنظر فِيهِ والإصلاح لَهُ فهو إِلَيْهِم كما أمر بِهِ، وما حكم فأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فِيهِ، حكم فِي الزاني مائة جلدة، وفي السارق بقطع يده، فليس للعباد أن ينظروا فِي هَذَا قَالَ ابن عَبَّاس: فإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يقول: «يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ» ، فقالوا: أو تجعل الحكم فِي الصيد، والحدث يكون بين المرأة وزوجها كالحكم فِي دماء الْمُسْلِمِينَ! وقالت الخوارج: قلنا لَهُ: فهذه الآية بيننا وبينك، أعدل عندك ابن العاص وَهُوَ بالأمس يقاتلنا ويسفك دماءنا! فإن كَانَ عدلا فلسنا بعدول ونحن أهل حربه وَقَدْ حكمتم فِي أمر اللَّه الرجال، وَقَدْ أمضى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حكمه فِي مُعَاوِيَة وحزبه أن يقتلوا أو يرجعوا، وقبل ذَلِكَ مَا دعوناهم إِلَى كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فأبوه، ثُمَّ كتبتم بينكم وبينه كتابا، وجعلتم بينكم وبينه الموادعة والاستفاضة، وَقَدْ قطع عَزَّ وَجَلَّ الاستفاضة والموادعة بين الْمُسْلِمِينَ وأهل الحرب منذ نزلت بَراءَةٌ، إلا من أقر بالجزية.
وبعث علي زياد بن النضر إِلَيْهِم فَقَالَ: انظر بأي رءوسهم هم أشد إطافة، فنظر فأخبره أنه لم يرهم عِنْدَ رجل أكثر مِنْهُمْ عِنْدَ يَزِيد بن قيس فخرج علي فِي الناس حَتَّى دخل إِلَيْهِم، فأتى فسطاط يَزِيد بن قيس، فدخله فتوضأ فِيهِ وصلى ركعتين، وأمره عَلَى إصبهان والري، [ثُمَّ خرج حَتَّى انتهى إِلَيْهِم وهم يخاصمون ابن عَبَّاس، فَقَالَ: انته عن كلامهم، ألم أنهك رحمك اللَّه! ثُمَّ تكلم فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قال: اللهم ان هذا مقام من افلج فيه كان اولى بالفلج يوم الْقِيَامَة، ومن نطق فِيهِ وأوعث فهو فِي الآخرة أعمى وأضل سبيلا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: من زعيمكم؟ قَالُوا: ابن الكواء.
قَالَ علي: فما أخرجكم علينا؟ قَالُوا: حكومتكم يوم صفين قَالَ:
أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، أتعلمون أَنَّهُمْ حَيْثُ رفعوا المصاحف فقلتم: نجيبهم إِلَى كتاب اللَّه قلت لكم: إني أعلم بالقوم مِنْكُمْ، إِنَّهُمْ ليسوا بأَصْحَاب دين

(5/65)


وَلا قرآن، إني صحبتهم وعرفتهم أطفالا ورجالا، فكانوا شر أطفال وشر رجال.
امضوا عَلَى حقكم وصدقكم، فإنما رفع القوم هَذِهِ المصاحف خديعة ودهنا ومكيدة فرددتم علي رأيي، وقلتم: لا، بل نقبل مِنْهُمْ فقلت لكم:
اذكروا قولي لكم، ومعصيتكم إياي، فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت عَلَى الحكمين أن يحييا مَا أحيا القرآن، وأن يميتا مَا أمات القرآن، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكما يحكم بِمَا فِي القرآن، وإن أبيا فنحن من حكمهما برآء قَالُوا لَهُ: فخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال فِي الدماء؟
فَقَالَ: إنا لسنا حكمنا الرجال، إنما حكمنا القرآن، وهذا القرآن إنما هُوَ خط مسطور بين دفتين، لا ينطق، إنما يتكلم بِهِ الرجال، قَالُوا: فخبرنا عن الأجل، لم جعلته فِيمَا بينك وبينهم؟ قَالَ: ليعلم الجاهل، ويتثبت العالم، ولعل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يصلح فِي هَذِهِ الهدنة هَذِهِ الأمة ادخلوا مصركم رحمكم اللَّه! فدخلوا من عِنْدَ آخرهم] .
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي عبد الرَّحْمَن بن جندب الأَزْدِيّ، عَنْ أَبِيهِ بمثل هَذَا.
وأما الخوارج فيقولون: قلنا: صدقت، قَدْ كنا كما ذكرت، وفعلنا مَا وصفت، ولكن ذَلِكَ كَانَ منا كفرا، فقد تبنا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ، فتب كما تبنا نبايعك، وإلا فنحن مخالفون [فبايعنا علي وَقَالَ:
ادخلوا فلنمكث ستة أشهر حَتَّى يجبى المال، ويسمن الكراع، ثُمَّ نخرج إِلَى عدونا ولسنا نأخذ بقولهم، وَقَدْ كذبوا] .
وقدم معن بن يَزِيدَ بن الأخنس السلمي فِي استبطاء إمضاء الحكومة وَقَالَ لعلي: إن مُعَاوِيَة قَدْ وفى، ففِ أنت لا يلفتنك عن رأيك أعاريب بكر وتميم فأمر علي بإمضاء الحكومة، وَقَدْ كَانُوا افترقوا من صفين عَلَى أن يقدم الحكمان في أربعمائة أربعمائة إِلَى دومة الجندل.
وزعم الْوَاقِدِيّ أن سعدا قَدْ شهد مع من شهد الحكمين، وأن ابنه عمر لم يدعه حَتَّى أحضره أذرح، فندم، فأحرم من بيت المقدس بعمرة

(5/66)


اجتماع الحكمين بدومة الجندل
وفي هَذِهِ السنة كَانَ اجتماع الحكمين.
ذكر الخبر عن اجتماعهما:
قال أبو مخنف: حدثني المجالد بن سعيد، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عن زياد بن النضر الحارثي، ان عليا بعث أربعمائة رجل، عَلَيْهِم شريح بن هانئ الحارثي، وبعث معهم عَبْد اللَّهِ بن عباس، وَهُوَ يصلي بهم، ويلي أمورهم، وأبو مُوسَى الأَشْعَرِيّ معهم وبعث معاويه عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام، حَتَّى توافوا بدومة الجندل بأذرح، قَالَ: فكان مُعَاوِيَة إذا كتب إِلَى عَمْرو جَاءَ الرسول وذهب لا يدري بِمَا جَاءَ بِهِ، وَلا بِمَا رجع بِهِ، وَلا يسأله أهل الشام عن شَيْء، وإذا جَاءَ رسول علي جاءوا إِلَى ابن عَبَّاس فسألوه: مَا كتب بِهِ إليك أَمِير الْمُؤْمِنِينَ؟ فإن كتمهم ظنوا بِهِ الظنون فَقَالُوا: مَا نراه كتب إلا بكذا وكذا فَقَالَ ابن عَبَّاس: أما تعقلون! أما ترون رسول مُعَاوِيَة يجيء لا يعلم بِمَا جَاءَ بِهِ، ويرجع لا يعلم مَا رجع بِهِ، وَلا يسمع لَهُمْ صياح وَلا لفظ، وَأَنْتُمْ عندي كل يوم تظنون الظنون! قَالَ: وشهد جماعتهم تِلَكَ عَبْد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير، وعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام المخزومي وعبد الرَّحْمَن بن عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيّ وأبو جهم بن حُذَيْفَة العدوي والْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ الثقفي، [وخرج عُمَر بن سَعْد حَتَّى أتى أباه عَلَى ماء لبني سليم بالبادية، فَقَالَ: يَا أبت، قَدْ بلغك مَا كَانَ بين الناس بصفين، وَقَدْ حكم الناس أبا مُوسَى الأَشْعَرِيّ وعمرو بن الْعَاصِ، وَقَدْ شهدهم نفر من قريش، فاشهدهم فإنك صاحب رَسُول اللَّهِ ص وأحد الشورى، ولم تدخل فِي شَيْءٍ كرهته هَذِهِ الأمة، فاحضر فإنك أحق الناس بالخلافة فَقَالَ: لا أفعل، إني سمعت رَسُول اللَّهِ ص يقول: انه تكون فتنة، خير الناس فِيهَا الخفي التقي، وَاللَّهِ لا أشهد شَيْئًا من هَذَا الأمر أبدا]

(5/67)


والتقى الحكمان، فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: يَا أَبَا مُوسَى، ألست تعلم أن عُثْمَان رَضِيَ الله عنه قتل مظلوما؟ قال: اشهد، قال: ألست تعلم أن مُعَاوِيَة وآل مُعَاوِيَة أولياؤه؟ قَالَ: بلى، قَالَ: فإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:
«وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً» ، فما يمنعك من مُعَاوِيَة ولي عُثْمَان يَا أَبَا مُوسَى، وبيته فِي قريش كما قَدْ علمت؟ فإن تخوفت أن يقول الناس: ولي مُعَاوِيَة وليست لَهُ سابقة، فإن لك بِذَلِكَ حجة، تقول: إني وجدته ولي عُثْمَان الخليفة المظلوم والطالب بدمه، الْحَسَن السياسة، الْحَسَن التدبير، وهو أخو أم حبيبه زوجه النبي ص، وَقَدْ صحبه، فهو أحد الصحابة ثُمَّ عرض لَهُ بالسلطان، فَقَالَ: إن ولي أكرمك كرامة لم يكرمها خليفة فَقَالَ أَبُو مُوسَى:
يَا عَمْرو، اتق اللَّه عَزَّ وَجَلَّ! فأما مَا ذكرت من شرف مُعَاوِيَة فإن هَذَا ليس عَلَى الشرف يولاه أهله، ولو كَانَ عَلَى الشرف لكان هَذَا الأمر لآل أبرهة بن الصباح، إنما هُوَ لأهل الدين والفضل، مع أني لو كنت معطيه أفضل قريش شرفا أعطيته عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ وأما قولك: ان معاويه ولى دم عثمان فوله هَذَا الأمر، فإني لم أكن لأوليه مُعَاوِيَة وأدع الْمُهَاجِرِينَ الأولين وأما تعريضك لي بالسلطان، فو الله لو خرج لي من سلطانه كله مَا وليته، وما كنت لأرتشي فِي حكم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، ولكنك إن شئت أحيينا اسم عمر بن الخطاب.
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي أَبُو جناب الكلبي، أنه كَانَ يقول: قَالَ أَبُو مُوسَى: أما وَاللَّهِ لَئِنِ استطعت لأحيين اسم عُمَر بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فَقَالَ لَهُ عَمْرو: إن كنت تحب بيعة ابن عمر فما يمنعك من ابني وأنت تعرف فضله وصلاحه! فَقَالَ: إن ابنك رجل صدق، ولكنك قَدْ غمسته فِي هَذِهِ الْفِتْنَة

(5/68)


قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاق، عن نافع مولى ابن عمر، قَالَ: قَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: إن هَذَا الأمر لا يصلحه إلا رجل لَهُ ضرس يأكل ويطعم، وكانت فِي ابن عمر غفلة، فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ:
افطن، فانتبه، فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن عُمَرَ: لا وَاللَّهِ لا ارشو عليها شيئا ابدا، وقال:
يا بن العاص، إن العرب أسندت إليك أمرها بعد ما تقارعت بالسيوف، وتناجزت بالرماح، فلا تردنهم فِي فتنة.
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي النضر بن صالح العبسي، قَالَ: [كنت مع شريح بن هانئ فِي غزوة سجستان، فَحَدَّثَنِي أن عَلِيًّا أوصاه بكلمات إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ، قَالَ: قل لَهُ إذا أنت لقيته: إن عَلِيًّا يقول لك: إن أفضل الناس عِنْدَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ من كَانَ العمل بالحق أحب إِلَيْهِ وإن نقصه وكرثه، من الباطل وإن حن إِلَيْهِ وزاده، يَا عَمْرو، وَاللَّهِ إنك لتعلم أين موضع الحق، فلم تجاهل؟ إن أوتيت طمعا يسيرا كنت بِهِ لِلَّهِ وأوليائه عدوا، فكأن وَاللَّهِ مَا أوتيت قَدْ زال عنك، ويحك! فلا تكن للخائنين خصيما، وَلا للظالمين ظهيرا أما إني أعلم بيومك الَّذِي أنت فِيهِ نادم، وَهُوَ يوم وفاتك، تمنى أنك لم تظهر لمسلم عداوة، ولم تأخذ عَلَى حكم رشوة] .
قَالَ: فبلغته ذَلِكَ، فتمعر وجهه، ثُمَّ قَالَ: متى كنت أقبل مشورة علي أو أنتهي إِلَى أمره، أو أعتد برأيه! فقلت له: وما يمنعك يا بن النابغة ان

(5/69)


تقبل من مولاك وسيد الْمُسْلِمِينَ بعد نبيهم مشورته! فقد كَانَ من هُوَ خير مِنْكَ ابو بكر وعمر يستشيرانه، ويعملان برأيه، فَقَالَ: إن مثلي لا يكلم مثلك، فقلت لَهُ: وبأي أبويك ترغب عني! بأبيك الوشيظ أم بأمك النابغة! قَالَ: فقام عن مكانه وقمت مَعَهُ قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي أَبُو جناب الكلبي أن عمرا وأبا مُوسَى حَيْثُ التقيا بدومة الجندل، أخذ عَمْرو يقدم أبا مُوسَى فِي الكلام، يقول: انك صاحب رسول الله ص وأنت أسن مني، فتكلم وأتكلم فكان عَمْرو قَدْ عود أبا مُوسَى أن يقدمه فِي كل شَيْء، اغتزى بِذَلِكَ كله أن يقدمه فيبدأ بخلع علي قَالَ: فنظر فِي أمرهما وما اجتمعا عَلَيْهِ، فأراده عَمْرو عَلَى مُعَاوِيَة فأبى، وأراده عَلَى ابنه فأبى، وأراد أَبُو موسى عمرا على عبد الله ابن عمر فأبى عليه، فقال له عمرو: خبرني مَا رأيك؟ قَالَ: رأيي أن نخلع هَذَيْنِ الرجلين، ونجعل الأمر شورى بين الْمُسْلِمِينَ، فيختار الْمُسْلِمُونَ لأنفسهم من أحبوا فَقَالَ لَهُ عَمْرو: فإن الرأي مَا رأيت، فأقبلا إِلَى النَّاسِ وهم مجتمعون، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، أعلمهم بأن رأينا قَدِ اجتمع واتفق، فتكلم أَبُو مُوسَى فَقَالَ: إن رأيي ورأي عَمْرو: قَدِ اتفق عَلَى أمر نرجو أن يصلح اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ أمر هَذِهِ الأمة فَقَالَ عَمْرو: صدق وبر، يَا أَبَا مُوسَى، تقدم فتكلم فتقدم أَبُو مُوسَى ليتكلم، فَقَالَ لَهُ ابن عَبَّاس: ويحك! وَاللَّهِ إني لأظنه قَدْ خدعك إن كنتما قَدِ اتفقتما عَلَى أمر، فقدمه فليتكلم بِذَلِكَ الأمر قبلك، ثُمَّ تكلم أنت بعده، فإن عمرا رجل غادر، وَلا آمن أن يكون قَدْ أعطاك الرضا فِيمَا بينك وبينه، فإذا قمت فِي الناس خالفك- وكان ابو موسى مغفلا- فقال له: إنا قَدِ اتفقنا فتقدم أَبُو مُوسَى فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إنا قَدْ نظرنا فِي أمر هَذِهِ الأمة فلم نر أصلح

(5/70)


لأمرها، وَلا ألم لشعثها من أمر قَدْ أجمع رأيي ورأي عَمْرو عَلَيْهِ، وَهُوَ أن نخلع عَلِيًّا ومعاوية، وتستقبل هَذِهِ الأمة هَذَا الأمر فيولوا مِنْهُمْ من أحبوا عَلَيْهِم، وإني قَدْ خلعت عَلِيًّا ومعاوية، فاستقبلوا أمركم، وولوا عَلَيْكُمْ من رأيتموه لهذا الأمر أهلا، ثُمَّ تنحى وأقبل عَمْرو بن الْعَاصِ فقام مقامه، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا قَدْ قَالَ مَا سمعتم وخلع صاحبه، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه، وأثبت صاحبي مُعَاوِيَة، فانه ولى عثمان بن عفان والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه فَقَالَ أَبُو موسى: مالك لا وفقك اللَّه، غدرت وفجرت! إنما مثلك كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ قَالَ عَمْرو: إنما مثلك كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً وحمل شريح بن هاني عَلَى عَمْرو فقنعه بالسوط، وحمل عَلَى شريح ابنٌ لعمرو فضربه بالسوط، وقام الناس فحجزوا بينهم وَكَانَ شريح بعد ذَلِكَ يقول: مَا ندمت عَلَى شَيْء ندامتي عَلَى ضرب عَمْرو بالسوط أَلا أكون ضربته بالسيف آتيا بِهِ الدهر مَا أتى والتمس أهل الشام أبا مُوسَى، فركب راحلته ولحق بمكة.
قَالَ ابن عَبَّاس: قبح اللَّه رأي أبي مُوسَى! حذرته وأمرته بالرأي فما عقل.
فكان أَبُو مُوسَى يقول: حذرني ابن عَبَّاس غدرة الفاسق، ولكني اطمأننت إِلَيْهِ، وظننت أنه لن يؤثر شَيْئًا عَلَى نصيحة الأمة ثُمَّ انصرف عَمْرو وأهل الشام إِلَى مُعَاوِيَةَ، وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بالخلافة، ورجع ابن عَبَّاس وشريح بن هانئ إِلَى علي، [وَكَانَ إذا صلى الغداة يقنت فيقول: اللَّهُمَّ العن مُعَاوِيَة وعمرا وأبا الأعور السلمي وحبيبا وعبد الرَّحْمَن بن خَالِدٍ والضحاك بن قيس والوليد] .
فبلغ ذَلِكَ مُعَاوِيَة، فكان إذا قنت لعن عَلِيًّا وابن عباس والأشتر وحسنا وحسينا.
وزعم الْوَاقِدِيّ أن اجتماع الحكمين كَانَ فِي شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة

(5/71)


ذكر مَا كَانَ من خبر الخوارج عِنْدَ توجيه علي الحكم للحكومة وخبر يوم النهر
قَالَ أَبُو مخنف: عن أبي المغفل، عن عون بن أبي جحيفة، [أن عَلِيًّا لما أراد أن يبعث أبا مُوسَى للحكومة، أتاه رجلان من الخوارج: زرعة بن البرج الطَّائِيّ وحرقوص بن زهير السعدي، فدخلا عَلَيْهِ، فقالا له: لا حكم الا لله، فقال علي: لا حكم إلا لله، فَقَالَ لَهُ حُرْقُوص: تب من خطيئتك، وارجع عن قضيتك، واخرج بنا إِلَى عدونا نقاتلهم حَتَّى نلقى ربنا.
فَقَالَ لَهُمْ علي: قَدْ أردتكم عَلَى ذَلِكَ فعصيتموني، وَقَدْ كتبنا بيننا وبينهم كتابا، وشرطنا شروطا، وأعطينا عَلَيْهَا عهودنا ومواثيقنا، وَقَدْ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:
«وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ» فَقَالَ لَهُ حُرْقُوص:
ذَلِكَ ذنب ينبغي أن تتوب مِنْهُ، فَقَالَ علي: مَا هُوَ ذنب، ولكنه عجز من الرأي، وضعف من الفعل، وَقَدْ تقدمت إليكم فِيمَا كَانَ مِنْهُ، ونهيتكم عنه فَقَالَ لَهُ زرعة بن البرج: أما وَاللَّهِ يَا علي، لَئِنْ لم تدع تحكيم الرجال فِي كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قاتلتك، أطلب بِذَلِكَ وجه اللَّه ورضوانه، فَقَالَ لَهُ علي: بؤسا لك، مَا أشقاك! كأني بك قتيلا تسفى عَلَيْك الريح، قَالَ:
وددت أن قَدْ كَانَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ علي: لو كنت محقا كَانَ فِي الموت عَلَى الحق تعزية عن الدُّنْيَا، أن الشَّيْطَان قَدِ استهواكم، فاتقوا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، إنه لا خير لكم فِي دنيا تقاتلون عَلَيْهَا، فخرجا من عنده يحكمان] .
قَالَ أَبُو مخنف: فَحَدَّثَنِي عَبْد الْمَلِكِ بن أبي حرة الحنفي، أن عَلِيًّا خرج ذات يوم يخطب، فإنه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة فِي جوانب المسجد، فَقَالَ علي: اللَّه أكبر! كلمة حق يراد بِهَا باطل! إن سكتوا عممناهم، وإن تكلموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم فوثب يَزِيد بن عاصم

(5/72)


المحاربي، فَقَالَ: الحمد لِلَّهِ غير مودع ربنا وَلا مستغنى عنه اللَّهُمَّ إنا نعوذ بك من إعطاء الدنية فِي ديننا، فإن إعطاء الدنية فِي الدين إدهان فِي أمر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وذل راجع بأهله إِلَى سخط اللَّه يَا علي، أبالقتل تخوفنا! أما وَاللَّهِ إني لأرجو أن نضربكم بِهَا عما قليل غير مصفحات، ثُمَّ لتعلمن أينا أولى بِهَا صليا ثُمَّ خرج بهم هُوَ وإخوة لَهُ ثلاثة هُوَ رابعهم، فأصيبوا مع الخوارج بالنهر، وأصيب أحدهم بعد ذَلِكَ بالنخيلة.
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي الأجلح بن عَبْدِ اللَّهِ، عن سلمة بن كهيل، عن كثير بن بهز الحضرمي، قَالَ: قام علي فِي الناس يخطبهم ذات يوم، فَقَالَ رجل من جانب المسجد: لا حكم إلا لِلَّهِ، فقام آخر فَقَالَ مثل ذَلِكَ، ثُمَّ توالى عدة رجال يحكمون، فَقَالَ علي: اللَّه أكبر، كلمة حق يلتمس بِهَا باطل! أما إن لكم عندنا ثلاثا مَا صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد اللَّه أن تذكروا فِيهَا اسمه، وَلا نمنعكم الفيء مَا دامت أيديكم مع أيدينا، وَلا نقاتلكم حَتَّى تبدءونا، ثُمَّ رجع إِلَى مكانه الَّذِي كَانَ فِيهِ من خطبته.
قَالَ أَبُو مخنف: وَحَدَّثَنَا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيد، أن حكيم بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيد البكائي كَانَ يرى رأي الخوارج، فأتى عَلِيًّا ذات يوم وَهُوَ يخطب، فَقَالَ:
«وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» ، فقال علي: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ» .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قال: سمعت اسماعيل ابن سُمَيْعٍ الْحَنَفِيَّ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: لَمَّا وَقَعَ التَّحْكِيمُ وَرَجَعَ عَلِيٌّ مِنْ صِفِّينَ رَجَعُوا مُبَايِنِينَ لَهُ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى النَّهْرِ أَقَامُوا بِهِ، فَدَخَلَ عَلِيٌّ فِي النَّاسِ الْكُوفَةَ، وَنَزَلُوا بِحَرُورَاءَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ فَكَلَّمَهُمْ حَتَّى وَقَعَ الرِّضَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، فَدَخَلُوا

(5/73)


الْكُوفَةَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ تَحَدَّثُوا إِنَّكَ رَجَعْتَ لَهُمْ عَنْ كُفْرِكَ.
فَخَطَبَ النَّاسَ فِي صَلاةِ الظُّهْرِ، فَذَكَرَ أَمْرَهُمْ فَعَابَهُ، فَوَثَبُوا مِنْ نَوَاحِي الْمَسْجِدِ يَقُولُونَ: لا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ وَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَاضِعٌ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، فَقَالَ: «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» ، فقال علي:
«فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ» .
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، [قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ يَذْكُرُ عَنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ: جَعَلَ عَلِيٌّ يُقَلِّبُ يَدَيْهِ يقول يديه هَكَذَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَنْتَظِرُ فِيكُمْ مَرَّتَيْنِ، إِنَّ لَكُمْ عِنْدَنَا ثَلاثًا: لا نَمْنَعُكُمْ صَلاةً فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، وَلا نَمْنَعُكُمْ نَصِيبَكُمْ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ مَا كَانَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا، وَلا نُقَاتِلُكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُونَا] .
قَالَ أَبُو مخنف عن عَبْدِ الْمَلِكِ بن أبي حرة: إن عَلِيًّا لما بعث أبا مُوسَى لإنفاذ الحكومة لقيت الخوارج بعضها بعضا، فاجتمعوا فِي منزل عَبْد اللَّهِ بن وهب الراسبي، فَحَمِدَ اللَّهَ عَبْد اللَّهِ بن وهب وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بعد، فو الله مَا ينبغي لقوم يؤمنون بالرحمن، وينيبون إِلَى حكم القرآن، أن تكون هَذِهِ الدُّنْيَا، الَّتِي الرضا بها والركون بها والإيثار إياها عناء وتبار، آثر عندهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقول بالحق، وإن من وضر فإنه من يمن ويضر فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فإن ثوابه يوم الْقِيَامَة رضوان اللَّه عَزَّ وَجَلَّ والخلود فِي جناته فاخرجوا بنا إخواننا من هَذِهِ القرية الظالم أهلها إِلَى بعض كور الجبال أو إِلَى بعض هَذِهِ المدائن، منكرين لهذه البدع المضلة.
فَقَالَ لَهُ حُرْقُوص بن زهير: إن المتاع بهذه الدُّنْيَا قليل، وإن الفراق لها وشيك، فلا تدعونكم زينتها وبهجتها إِلَى المقام بِهَا، وَلا تلفتنكم عن طلب الحق، وإنكار الظلم، ف إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ فقال حمزه

(5/74)


ابن سنان الأسدي: يَا قوم، إن الرأي مَا رأيتم، فولوا أمركم رجلا مِنْكُمْ، فإنه لا بد لكم من عماد وسناد وراية تحفون بِهَا، وترجعون إِلَيْهَا فعرضوها عَلَى زَيْد بن حصين الطَّائِيّ فأبى، وعرضوها عَلَى حُرْقُوص بن زهير فأبى، وعلى حمزة بن سنان وشريح بن أوفى العبسي فأبيا، وعرضوها عَلَى عَبْد الله ابن وهب، فَقَالَ: هاتوها، أما وَاللَّهِ لا آخذها رغبة فِي الدُّنْيَا، وَلا أدعها فرقا من الموت فبايعوه لعشر خلون من شوال- وَكَانَ يقال لَهُ ذو الثفنات- ثُمَّ اجتمعوا فِي منزل شريح بن أوفى العبسي، فَقَالَ ابن وهب: اشخصوا بنا إِلَى بلدة نجتمع فِيهَا لإنفاذ حكم اللَّه، فإنكم أهل الحق قَالَ شريح:
نخرج إِلَى المدائن فننزلها، ونأخذ بأبوابها، ونخرج منها سكانها، ونبعث إِلَى إخواننا من أهل الْبَصْرَة فيقدمون علينا فَقَالَ زَيْد بن حصين: إنكم إن خرجتم مجتمعين اتبعتم، ولكن اخرجوا وحدانا مستخفين، فأما المدائن فإن بِهَا من يمنعكم، ولكن سيروا حَتَّى تنزلوا جسر النهروان، وتكاتبوا إخوانكم من أهل الْبَصْرَة قَالُوا: هَذَا الرأي.
وكتب عَبْد اللَّهِ بن وهب إِلَى من بِالْبَصْرَةِ مِنْهُمْ يعلمهم مَا اجتمعوا عَلَيْهِ، ويحثهم عَلَى اللحاق بهم، وسير الكتاب إِلَيْهِم، فأجابوه أَنَّهُمْ عَلَى اللحاق بِهِ.
فلما عزموا عَلَى المسير تعبدوا ليلتهم- وكانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة- وساروا يوم السبت، فخرج شريح بن أوفى العبسي وَهُوَ يتلو قول اللَّه تعالى:
«فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ» .
وخرج معهم طرفة بن عدي بن حاتم الطَّائِيّ، فاتبعه أبوه فلم يقدر عَلَيْهِ، فانتهى إِلَى المدائن ثُمَّ رجع، فلما بلغ ساباط لقيه عَبْد اللَّهِ بن وهب الراسبي فِي نحو عشرين فارسا، فأراد عَبْد اللَّهِ قتله، فمنعه عَمْرو بن مالك النبهاني وبشر بن زَيْد البولاني وأرسل عدي إِلَى سعد بن مسعود عامل علي عَلَى المدائن يحذره

(5/75)


أمرهم، فحذر، وأخذ أبواب المدائن، وخرج فِي الخيل واستخلف بِهَا ابن أخيه المختار بن أبي عبيد، وسار فِي طلبهم، فأخبر عَبْد اللَّهِ بن وهب خبره فرابأ طريقه، وسار عَلَى بغداد، ولحقهم سعد بن مسعود بالكرخ في خمسمائة فارس عِنْدَ المساء، فانصرف إِلَيْهِم عَبْد اللَّهِ فِي ثَلاثِينَ فارسا، فاقتتلوا ساعة، وامتنع القوم مِنْهُمْ، وَقَالَ أَصْحَاب سعد لسعد: مَا تريد من قتال هَؤُلاءِ ولم يأتك فِيهِمْ أمر! خلهم فليذهبوا، واكتب إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فإن أمرك باتباعهم اتبعتهم، وإن كفاكهم غيرك كَانَ فِي ذَلِكَ عافية لك فأبى عَلَيْهِم، فلما جن عَلَيْهِم الليل خرج عَبْد اللَّهِ بن وهب فعبر دجلة إِلَى أرض جوخى، وسار إِلَى النهروان، فوصل إِلَى أَصْحَابه وَقَدْ أيسوا مِنْهُ، وَقَالُوا: إن كَانَ هلك ولينا الأمر زَيْد بن حصين أو حُرْقُوص بن زهير، وسار جماعة من أهل الْكُوفَة يريدون الخوارج ليكونوا معهم، فردهم أهلوهم كرها، مِنْهُمُ القعقاع بن قيس الطَّائِيّ عم الطرماح بن حكيم، وعبد اللَّه بن حكيم بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ البكائي، وبلغ عَلِيًّا أن سَالم بن رَبِيعَة العبسي يريد الخروج، فأحضره عنده، ونهاه فانتهى.
ولما خرجت الخوارج من الْكُوفَة أتى عَلِيًّا أَصْحَابه وشيعته فبايعوه وَقَالُوا:
نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت، فشرط لَهُمْ فِيهِ سنه رسول الله ص، فجاءه رَبِيعَة بن أبي شداد الخثعمي- وَكَانَ شهد مَعَهُ الجمل وصفين، وَمَعَهُ راية خثعم- فَقَالَ لَهُ: بايع عَلَى كتاب اللَّه وسنة رسول الله ص، فَقَالَ رَبِيعَة: عَلَى سنة أبي بكر وعمر، قَالَ لَهُ علي: ويلك! لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب اللَّه وسنة رسول الله ص لم يكونا عَلَى شَيْء من الحق، فبايعه، فنظر إِلَيْهِ علي وَقَالَ:
أما وَاللَّهِ لكأني بك وَقَدْ نفرت مع هَذِهِ الخوارج فقتلت، وكأني بك وَقَدْ وطئتك الخيل بحوافرها، فقتل يوم النهر مع خوارج الْبَصْرَة.
وأما خوارج البصره فإنهم اجتمعوا في خمسمائة رجل، وجعلوا عليهم مسعر ابن فدكي التميمي، فعلم بهم ابن عَبَّاس، فأتبعهم أبا الأسود الدولى،

(5/76)


فلحقهم بالجسر الاكبر، فتوافقوا حَتَّى حجز بينهم الليل، وأدلج مسعر بأَصْحَابه، وأقبل يعترض الناس وعلى مقدمته الأشرس بن عوف الشيباني، وسار حَتَّى لحق بعبد اللَّه بن وهب بالنهر فلما خرجت الخوارج وهرب أَبُو مُوسَى إِلَى مكة، ورد علي ابن عَبَّاس إِلَى الْبَصْرَة، قام فِي الْكُوفَة فخطبهم فَقَالَ: الحمد لِلَّهِ وإن أتى الدهر بالخطب الفادح، والحدثان الجليل، وأشهد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّهِ، أَمَّا بَعْدُ، فإن المعصية تورث الحسرة، وتعقب الندم، وَقَدْ كنت أمرتكم فِي هَذَيْنِ الرجلين وفي هَذِهِ الحكومة أمري، ونحلتكم رأيي، لو كَانَ لقصير أمر! ولكن أبيتم إلا مَا أردتم، فكنت أنا وَأَنْتُمْ كما قَالَ أخو هوازن:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى ... فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
أَلا إن هَذَيْنِ الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قَدْ نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحييا مَا أمات القرآن، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من اللَّه، فحكما بغير حجة بينة، وَلا سنة ماضية، واختلفا فِي حكمهما، وكلاهما لم يرشد، فبرئ اللَّه منهما ورسوله وصالح الْمُؤْمِنِينَ.
استعدوا وتأهبوا للمسير إِلَى الشام، وأصبحوا فِي معسكركم إِنْ شَاءَ اللَّهُ يوم الاثنين ثُمَّ نزل وكتب إِلَى الخوارج بالنهر: بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من عَبْد اللَّه علي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى زَيْد بن حصين وعبد اللَّه بن وهب ومن مَعَهُمَا مِنَ النَّاسِ.
أَمَّا بَعْدُ، فإن هَذَيْنِ الرجلين اللذين ارتضينا حكمهما قَدْ خالفا كتاب اللَّه، واتبعا أهواءهما بغير هدى من اللَّه، فلم يعملا بالسنة، ولم ينفذا للقرآن حكما، فبرئ اللَّه ورسوله منهما والمؤمنون! فإذا بلغكم كتابي هَذَا فأقبلوا فإنا سائرون إِلَى عدونا وعدوكم، ونحن عَلَى الأمر الأول الذى كنا ع

(5/77)


وكتبوا إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فإنك لم تغضب لربك، إنما غضبت لنفسك، فإن شهدت عَلَى نفسك بالكفر، واستقبلت التوبة، نظرنا فِيمَا بيننا وبينك، وإلا فقد نابذناك عَلَى سواء إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ فلما قرأ كتابهم أيس مِنْهُمْ، فرأى أن يدعهم ويمضي بِالنَّاسِ إِلَى أهل الشام حَتَّى يلقاهم فيناجزهم.
قَالَ ابو مخنف، عن المعلى بن كليب الهمدانى، عن جبر بن نوف أبي الوداك الهمداني: إن عَلِيًّا لما نزل بالنخيلة وأيس من الخوارج، قام فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فإنه من ترك الجهاد فِي اللَّه وأدهن فِي أمره كَانَ عَلَى شفا هلكه إلا أن يتداركه اللَّه بنعمة، فاتقوا اللَّه، وقاتلوا من حاد اللَّه، وحاول أن يطفئ نور اللَّه، قاتلوا الخاطئين الضالين، القاسطين المجرمين، الَّذِينَ ليسوا بقراء للقرآن، وَلا فقهاء فِي الدين، وَلا علماء فِي التأويل، وَلا لهذا الأمر بأهل سابقة فِي الإِسْلام، وَاللَّهِ لو ولوا عَلَيْكُمْ لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل، تيسروا وتهيئوا للمسير إِلَى عدوكم من أهل المغرب، وَقَدْ بعثنا إِلَى إخوانكم من أهل الْبَصْرَة ليقدموا عَلَيْكُمْ، فإذا قدموا فاجتمعتم شخصنا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلا حول وَلا قوة إلا بِاللَّهِ.
وكتب علي إِلَى عَبْد اللَّهِ بن عباس مع عتبة بن الأخنس بن قيس، من بني سعد بن بكر: أَمَّا بَعْدُ، فإنا قَدْ خرجنا إِلَى معسكرنا بالنخيلة، وَقَدْ أجمعنا عَلَى المسير إِلَى عدونا من أهل المغرب، فأشخص بِالنَّاسِ حَتَّى يأتيك رسولي، وأقم حَتَّى يأتيك أمري والسلام.
فلما قدم عَلَيْهِ الكتاب قرأه عَلَى الناس، وامرهم بالشخوص مع الأحنف ابن قيس، فشخص معه منهم الف وخمسمائة رجل، فاستقلهم عَبْد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ، فقام في الناس، فحمد اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا أهل الْبَصْرَة، فإنه جاءني أمر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يأمرني بإشخاصكم، فأمرتكم بالنفير إِلَيْهِ مع الأحنف بن قيس، ولم يشخص معه منكم الا الف وخمسمائة،

(5/78)


وَأَنْتُمْ ستون ألفا سوى أبنائكم وعبدانكم ومواليكم! أَلا انفروا مع جارية بن قدامة السعدي، وَلا يجعلن رجل عَلَى نفسه سبيلا، فإني موقع بكل من وجدته متخلفا عن مكتبه، عاصيا لإمامه، وقد امرت أبا الأسود الدولى بحشركم، فلا يلم رجل جعل السبيل عَلَى نفسه إلا نفسه.
فخرج جارية فعسكر، وخرج أَبُو الأسود فحشر الناس، فاجتمع إِلَى جارية الف وسبعمائة، ثُمَّ أقبل حَتَّى وافاه علي بالنخيلة، فلم يزل بالنخيلة حَتَّى وافاه هَذَانِ الجيشان مِنَ الْبَصْرَةِ ثلاثة آلاف ومائتا رجل، فجمع إِلَيْهِ رءوس أهل الْكُوفَة، ورءوس الأسباع، ورءوس القبائل، ووجوه الناس.
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، أنتم إخواني وأنصاري، وأعواني عَلَى الحق، وصحابتي عَلَى جهاد عدوي المحلين بكم، أضرب المدبر، وأرجو تمام طاعة المقبل، وَقَدْ بعثت إِلَى أهل الْبَصْرَة فاستنفرتهم إليكم، فلم يأتني مِنْهُمْ إلا ثلاثة آلاف ومائتا رجل، فأعينوني بمناصحة جلية خلية من الغش، إنكم مخرجنا إِلَى صفين، بل استجمعوا بأجمعكم، وإني أسألكم أن يكتب لي رئيس كل قوم مَا فِي عشيرته من المقاتلة وأبناء المقاتلة الَّذِينَ أدركوا القتال وعبدان عشيرته ومواليهم، ثُمَّ يرفع ذَلِكَ إلينا.
فقام سَعِيد بن قيس الهمداني، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، سمعا وطاعة، وودا ونصيحة، أنا أول الناس جَاءَ بِمَا سألت، وبما طلبت وقام معقل بن قيس الرياحي فَقَالَ لَهُ نحوا من ذَلِكَ، وقام عدي بن حاتم وزياد بن خصفة وحجر بن عدي وأشراف الناس والقبائل فَقَالُوا مثل ذَلِكَ.
ثُمَّ إن الرءوس كتبوا من فِيهِمْ، ثُمَّ رفعوهم إِلَيْهِ، وأمروا أبناءهم وعبيدهم ومواليهم أن يخرجوا معهم، وألا يتخلف مِنْهُمْ عَنْهُمْ أحد، فرفعوا إِلَيْهِ أربعين ألف مقاتل، وسبعة عشر ألفا من الأبناء ممن أدرك، وثمانية آلاف من مواليهم وعبيدهم، وَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أما من عندنا من المقاتلة وأبناء المقاتلة ممن قَدْ بلغ الحلم، وأطاق القتال، فقد رفعنا إليك مِنْهُمْ ذوي القوة والجلد، وأمرناهم بالشخوص معنا، ومنهم ضعفاء، وهم فِي ضياعنا وأشياء مما يصلحنا

(5/79)


وكانت العرب سبعة وخمسين ألفا من أهل الْكُوفَة، ومن مواليهم ومماليكهم ثمانية آلاف، وَكَانَ جميع أهل الْكُوفَة خمسة وستين ألفا، وثلاثة آلاف ومائتي رجل من أهل الْبَصْرَة، وَكَانَ جميع من مَعَهُ ثمانية وستين ألفا ومائتي رجل.
قَالَ أَبُو مخنف، عن أبي الصلت التيمى: ان عليا كتب الى سعد ابن مسعود الثقفي- وَهُوَ عامله عَلَى المدائن: أَمَّا بعد، فانى قد بعثت إليك زياد ابن خصفة فأشخص مَعَهُ من قبلك من مقاتلة أهل الْكُوفَة، وعجل ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه وَلا قوة إلا بِاللَّهِ.
قَالَ: وبلغ عَلِيًّا أن الناس يقولون: لو سار بنا إِلَى هَذِهِ الحرورية فبدأنا بهم، فإذا فرغنا مِنْهُمْ وجهنا من وجهنا ذَلِكَ إِلَى المحلين! فقام في الناس فحمد اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فإنه قَدْ بلغني قولكم: لو أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ سار بنا إِلَى هَذِهِ الخارجة الَّتِي خرجت عَلَيْهِ فبدأنا بهم، فإذا فرغنا مِنْهُمْ وجهنا إِلَى المحلين، وإن غير هَذِهِ الخارجة أهم إلينا مِنْهُمْ، فدعوا ذكرهم، وسيروا إِلَى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين ملوكا، ويتخذوا عباد اللَّه خولا.
فتنادى الناس من كل جانب: سر بنا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ أحببت قَالَ: فقام إِلَيْهِ صيفي بن فسيل الشيباني فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، نحن حزبك وأنصارك، نعادي من عاديت، ونشايع من أناب إِلَى طاعتك، فسر بنا إِلَى عدوك، من كَانُوا وأينما كَانُوا، فإنك ان شاء الله لن تؤتى من قلة عدد، وَلا ضعف نية أتباع وقام اليه محرز بن شهاب التميمى من بني سعد فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، شيعتك كقلب رجل واحد فِي الإجماع

(5/80)


عَلَى نصرتك، والجد فِي جهاد عدوك، فأبشر بالنصر، وسر بنا إِلَى أي الفريقين أحببت، فإنا شيعتك الَّذِينَ نرجو فِي طاعتك وجهاد من خالفك صالح الثواب، ونخاف فِي خذلانك والتخلف عنك شدة الوبال.
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ مِنَ الْخَوَارِجِ ثُمَّ فَارَقَهُمْ، قَالَ: دَخَلُوا قَرْيَةً، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ذُعْرًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ، فَقَالُوا: لَمْ تُرَعْ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ ذَعَّرْتُمُونِي! قَالُوا: أَأَنْتَ عبد الله بن خباب صاحب رسول الله ص؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا:
فَهَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ حديثا يحدث به عن رسول الله ص أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي؟ قَالَ: فَإِنْ أَدْرَكْتُمْ ذَلِكَ فَكُنْ يَا عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ- قَالَ أَيُّوبُ: وَلا أَعْلَمُهُ إِلا قَالَ: وَلا تَكُنْ يَا عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ- قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:
فَقَدَّمُوهُ عَلَى ضِفَّةِ النَّهْرِ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَسَالَ دَمُهُ كَأَنَّهُ شِرَاكُ نَعْلٍ، وَبَقَرُوا بَطْنَ أُمِّ وَلَدِهِ عَمَّا فِي بَطْنِهَا.
قَالَ أَبُو مخنف عن عطاء بن عجلان، عن حميد بن هلال: إن الخارجة الَّتِي أقبلت مِنَ الْبَصْرَةِ جاءت حَتَّى دنت من إخوانها بالنهر، فخرجت عصابة مِنْهُمْ، فإذا هم برجل يسوق بامرأة عَلَى حمار، فعبروا إِلَيْهِ، فدعوه فتهددوه وأفزعوه، وَقَالُوا لَهُ: من أنت؟ قَالَ: أنا عَبْد الله بن خباب صاحب رسول الله ص، ثُمَّ أهوى إِلَى ثوبه يتناوله من الأرض- وَكَانَ سقط عنه لما أفزعوه- فَقَالُوا لَهُ: أفزعناك؟ قَالَ: نعم، قَالُوا لَهُ: لا روع عَلَيْك! [فحدثنا عن أبيك بحديث سمعه من النبي ص، لعل اللَّه ينفعنا بِهِ! قَالَ: حَدَّثَنِي أبي، عن رسول الله ص، أن فتنة تكون، يموت فِيهَا قلب الرجل كما يموت فِيهَا بدنه، يمسي فِيهَا مؤمنا ويصبح فِيهَا كافرا، ويصبح فِيهَا كافرا ويمسي فِيهَا مؤمنا،] فَقَالُوا: لهذا الحديث سألناك، فما تقول فِي أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيرا، قَالُوا: مَا تقول

(5/81)


فِي عُثْمَان فِي أول خلافته وفي آخرها؟ قَالَ: إنه كَانَ محقا فِي أولها وفي آخرها، قَالُوا: فما تقول فِي علي قبل التحكيم وبعده؟ قَالَ: إنه أعلم بِاللَّهِ مِنْكُمْ، وأشد توقيا عَلَى دينه، وأنفذ بصيرة فَقَالُوا: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرجال عَلَى أسمائها لا عَلَى أفعالها، وَاللَّهِ لنقتلنك قتلة مَا قتلناها أحدا، فأخذوه فكتفوه ثُمَّ أقبلوا بِهِ وبامرأته وَهِيَ حبلى متم حَتَّى نزلوا تحت نخل مواقر، فسقطت مِنْهُ رطبة، فأخذها أحدهم فقذف بِهَا فِي فمه، فَقَالَ أحدهم: بغير حلها، وبغير ثمن! فلفظها وألقاها من فمه، ثم أخذ سيفه فاخذ يمينه، فمر بِهِ خنزير لأهل الذمة فضربه بسيفه، فَقَالُوا: هَذَا فساد فِي الأرض، فأتى صاحب الخنزير فأرضاه من خنزيره، فلما رَأَى ذَلِكَ مِنْهُمُ ابن خباب قَالَ: لَئِنْ كنتم صادقين فِيمَا أَرَى فما علي مِنْكُمْ بأس، إني لمسلم، مَا أحدثت فِي الإِسْلام حدثا، وَلَقَدْ أمنتموني، قلتم: لا روع عَلَيْك! فجاءوا بِهِ فأضجعوه فذبحوه، وسال دمه فِي الماء، وأقبلوا إِلَى المرأة، فَقَالَتْ: إني إنما أنا امرأة، أَلا تتقون اللَّه! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيئ، وقتلوا أم سنان الصيداوية، فبلغ ذَلِكَ عَلِيًّا ومن مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ من قتلهم عَبْد اللَّهِ بن خباب، واعتراضهم الناس، فبعث إِلَيْهِم الْحَارِث بن مُرَّةَ العبدي ليأتيهم فينظر فِيمَا بلغه عَنْهُمْ، ويكتب بِهِ إِلَيْهِ عَلَى وجهه، وَلا يكتمه فخرج حَتَّى انتهى إِلَى النهر ليسائلهم، فخرج القوم إِلَيْهِ فقتلوه، وأتى الخبر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ والناس، فقام إِلَيْهِ الناس، فَقَالُوا:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، علام تدع هَؤُلاءِ وراءنا يخلفوننا فِي أموالنا وعيالنا! سر بنا إِلَى القوم فإذا فرغنا مما بيننا وبينهم سرنا إِلَى عدونا من أهل الشام.
وقام إِلَيْهِ الأشعث بن قيس الكندي فكلمه بمثل ذَلِكَ وَكَانَ الناس يرون أن الأشعث يرى رأيهم لأنه كَانَ يقول يوم صفين: أنصفنا قوم يدعون إِلَى كتاب اللَّه، فلما أمر عَلِيًّا بالمسير إِلَيْهِم علم الناس أنه لَمْ يَكُنْ يرى رأيهم فأجمع عَلَى ذَلِكَ، فنادى بالرحيل،

(5/82)


وخرج فعبر الجسر فصلى ركعتين بالقنطرة، ثُمَّ نزل دير عبد الرَّحْمَن، ثُمَّ دير أبي مُوسَى، ثُمَّ أخذ عَلَى قرية شاهي، ثُمَّ عَلَى دباها، ثُمَّ عَلَى شاطئ الفرات، فلقيه فِي مسيره ذَلِكَ منجم، أشار عَلَيْهِ بسير وقت من النهار، وَقَالَ لَهُ: إن سرت فِي غير ذَلِكَ الوقت لقيت أنت وأَصْحَابك ضرا شديدا فخالفه، وسار فِي الوقت الَّذِي نهاه عن السير فِيهِ، [فلما فرغ من النهر حمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: لو سرنا فِي الساعة الَّتِي أمرنا بِهَا المنجم لقال الجهال الَّذِينَ لا يعلمون: سار فِي الساعة الَّتِي أمره بِهَا المنجم فظفر] .
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي يُوسُف بن يَزِيدَ، عن عَبْد اللَّهِ بن عوف، قَالَ: لما أراد علي المسير إِلَى أهل النهر من الأنبار، قدم قيس بن سَعْدِ بْنِ عبادة وأمره أن يأتي المدائن فينزلها حَتَّى يأمره بأمره، ثُمَّ جَاءَ مقبلا إِلَيْهِم، ووافاه قيس وسعد بن مسعود الثقفي بالنهر، [وبعث إِلَى أهل النهر: ادفعوا إلينا قتلة إخواننا مِنْكُمْ نقتلهم بهم، ثُمَّ أنا تارككم وكاف عنكم حَتَّى ألقى أهل الشام، فلعل اللَّه يقلب قلوبكم، ويردكم إِلَى خير مما أنتم عَلَيْهِ من أمركم فبعثوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: كلنا قتلتهم، وكلنا نستحل دماءهم ودماءكم] .
قَالَ أَبُو مخنف: فَحَدَّثَنِي الْحَارِث بن حصيرة، عن عبد الرَّحْمَن بن عبيد أبي الكنود، أن قيس بن سَعْدِ بْنِ عبادة قَالَ لَهُمْ: عباد اللَّه، أخرجوا إلينا طلبتنا مِنْكُمْ، وادخلوا فِي هَذَا الأمر الَّذِي مِنْهُ خرجتم، وعودوا بنا إِلَى قتال عدونا وعدوكم، فإنكم ركبتم عظيما من الأمر، تشهدون علينا بالشرك، والشرك ظلم عظيم، وتسفكون دماء الْمُسْلِمِينَ، وتعدونهم مشركين! فَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن شجرة السلمي: إن الحق قَدْ أضاء لنا، فلسنا نتابعكم أو تأتونا بمثل عمر، فَقَالَ: مَا نعلمه فينا غير صاحبنا، فهل تعلمونه فيكم؟ وَقَالَ:
نشدتكم بِاللَّهِ فِي أنفسكم أن تهلكوها، فإني لأرى الْفِتْنَة قَدْ غلبت عَلَيْكُمْ!

(5/83)


وخطبهم أَبُو أيوب خَالِد بن زَيْد الأَنْصَارِيّ، فَقَالَ: عباد اللَّه، إنا وإياكم عَلَى الحال الأولى الَّتِي كنا عَلَيْهَا، ليست بيننا وبينكم فرقة، فعلام تقاتلوننا؟ فَقَالُوا: إنا لو بايعناكم الْيَوْم حكمتم غدا قَالَ: فإني أنشدكم اللَّه أن تعجلوا فتنة العام مخافة مَا يأتي فِي قابل.
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي مالك بن أعين، عن زَيْد بن وهب، أن عَلِيًّا أتى أهل النهر فوقف عَلَيْهِم فَقَالَ: أيتها العصابة الَّتِي أخرجتها عداوة المراء واللجاجة، وصدها عن الحق الهوى، وطمح بِهَا النزق، وأصبحت فِي اللبس والخطب العظيم، إني نذير لكم أن تصبحوا تلفيكم الأمة غدا صرعى بأثناء هَذَا النهر، وبأهضام هَذَا الغائط، بغير بينة من ربكم، وَلا برهان بين ألم تعلموا أني نهيتكم عن الحكومة، وأخبرتكم أن طلب القوم إياها مِنْكُمْ دهن ومكيدة لكم! ونبأتكم أن القوم ليسوا بأَصْحَاب دين وَلا قرآن، وأني أعرف بهم مِنْكُمْ، عرفتهم أطفالا ورجالا، فهم أهل المكر والغدر، وأنكم إن فارقتم رأيي جانبتم الحزم! فعصيتموني، حَتَّى أقررت بأن حكمت، فلما فعلت شرطت واستوثقت، فأخذت عَلَى الحكمين أن يحييا مَا أحيا القرآن، وأن يميتا مَا أمات القرآن، فاختلفا وخالفا حكم الكتاب والسنة، فنبذنا أمرهما، ونحن عَلَى أمرنا الأول، فما الَّذِي بكم؟ ومن أين أتيتم! قَالُوا:
إنا حكمنا، فلما حكمنا أثمنا، وكنا بِذَلِكَ كافرين، وَقَدْ تبنا فإن تبت كما تبنا فنحن مِنْكَ ومعك، وإن أبيت فاعتزلنا فإنا منابذوك عَلَى سواء إن اللَّه لا يحب الخائنين فَقَالَ علي: أصابكم حاصب، وَلا بقي مِنْكُمْ وابر! [أبعد إيماني برسول الله ص وهجرتي مَعَهُ، وجهادي فِي سبيل اللَّه، أشهد عَلَى نفسي بالكفر! لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ثُمَّ انصرف عَنْهُمْ] .
قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي أَبُو سلمة الزُّهْرِيّ- وكانت أمه بنت انس ابن مالك- أن عَلِيًّا قَالَ لأهل النهر: يَا هَؤُلاءِ، إن أنفسكم قَدْ سولت

(5/84)


لكم فراق هَذِهِ الحكومة الَّتِي أنتم ابتدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره، وأنبأتكم أن القوم سالوكموها مكيده ود هنا، فأبيتم علي إباء المخالفين، وعدلتم عني عدول النكداء العاصين، حَتَّى صرفت رأيي إِلَى رأيكم، وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ معاشر أخفاء الهام، سفهاء الأحلام، فلم آت- لا أبا لكم- حراما وَاللَّهِ مَا خبلتكم عن أموركم، وَلا أخفيت شَيْئًا من هَذَا الأمر عنكم، وَلا أوطأتكم عشوة، وَلا دنيت لكم الضراء، وإن كَانَ أمرنا لأمر الْمُسْلِمِينَ ظاهرا، فأجمع رأي ملئكم عَلَى أن اختاروا رجلين، فأخذنا عليهما أن يحكما بِمَا فِي القرآن وَلا يعدواه، فتاها وتركا الحق وهما يبصرانه، وَكَانَ الجور هواهما، وَقَدْ سبق استيثاقنا عليهما فِي الحكم بالعدل، والصد للحق سوء رأيهما، وجور حكمهما والثقة فِي أيدينا لأنفسنا حين خالفا سبيل الحق، وأتيا بِمَا لا يعرف، فبينوا لنا بماذا تستحلون قتالنا، والخروج من جماعتنا، إن اختار الناس رجلين أن تضعوا أسيافكم عَلَى عواتقكم، ثُمَّ تستعرضوا الناس، تضربون رقابهم، وتسفكون دماءهم! إن هَذَا لهو الخسران المبين وَاللَّهِ لو قتلتم عَلَى هَذَا دجاجة لعظم عِنْدَ اللَّه قتلها، فكيف بالنفس الَّتِي قتلها عِنْدَ اللَّه حرام! فتنادوا: لا تخاطبوهم، وَلا تكلموهم، وتهيئوا للقاء الرب، الرواح الرواح إِلَى الجنة! فخرج علي فعبأ الناس، فجعل عَلَى ميمنته حجر بن عدي، وعلى ميسرته شبث بن ربعي- أو معقل بن قيس الرياحي- وعلى الخيل أبا أيوب الأَنْصَارِيّ، وعلى الرجالة أبا قَتَادَة الأَنْصَارِيّ، وعلى أهل المدينة- وهم سبعمائة او ثمانمائه رجل- قيس بن سَعْدِ بْنِ عبادة.
قَالَ: وعبأت الخوارج، فجعلوا عَلَى ميمنتهم زَيْد بن حصين الطَّائِيّ، وعلى الميسرة شريح بن أوفى العبسي، وعلى خيلهم حمزة بن سنان الأسدي، وعلى الرجالة حُرْقُوص بن زهير السعدي

(5/85)


قَالَ: وبعث علي الأسود بن يَزِيدَ المرادي فِي ألفي فارس، حَتَّى أتى حمزة بن سنان وهو في ثلاثمائة فارس من خيلهم، ورفع علي راية أمان مع أبي أيوب، فناداهم أَبُو أيوب: من جَاءَ هَذِهِ الراية مِنْكُمْ ممن لم يقتل ولم يستعرض فهو آمن، ومن انصرف مِنْكُمْ إِلَى الْكُوفَةِ أو إِلَى المدائن وخرج من هَذِهِ الجماعة فهو آمن، إنه لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا مِنْكُمْ فِي سفك دمائكم فَقَالَ فروة بن نوفل الأشجعي: وَاللَّهِ مَا أدري عَلَى أي شَيْء نقاتل عَلِيًّا! لا أَرَى إلا أن أنصرف حَتَّى تنفذ لي بصيرتي فِي قتاله أو اتباعه.
وانصرف في خمسمائة فارس، حتى نزل البندنيجين والد سكره، وخرجت طائفة أخرى متفرقين فنزلت الْكُوفَة، وخرج إِلَى علي مِنْهُمْ نحو من مائة، وكانوا أربعة آلاف، فكان الَّذِينَ بقوا مع عَبْد الله بن وهب منهم الفين وثمانمائه، وزحفوا إِلَى علي، وقدم علي الخيل دون الرجال، وصف الناس وراء الخيل صفين، وصف المرامية أمام الصف الأول، وَقَالَ لأَصْحَابه:
كفوا عَنْهُمْ حَتَّى يبدءوكم، فإنهم لو قَدْ شدوا عَلَيْكُمْ- وجلهم رجال- لم ينتهوا إليكم إلا لاغبين وَأَنْتُمْ رادون حامون وأقبلت الخوارج، فلما أن دنوا مِنَ النَّاسِ نادوا يَزِيد بن قيس، فكان يَزِيد بن قيس عَلَى أصبهان فَقَالُوا:
يَا يَزِيد بن قيس، لا حكم إلا لِلَّهِ، وإن كرهت إصبهان! فناداهم عباس ابن شريك وقبيصة بن ضبيعة العبسيان: يَا أعداء الله، اليس فيكم شريح ابن أوفى المسرف عَلَى نفسه؟ هل أنتم إلا أشباهه! قَالُوا: وما حجتكم عَلَى رجل كَانَتْ فِيهِ فتنة، وفينا توبة! ثُمَّ تنادوا: الرواح الرواح إِلَى الجنة! فشدوا عَلَى الناس والخيل أمام الرجال، فلم تثبت خيل الْمُسْلِمِينَ لشدتهم، وافترقت الخيل فرقتين: فرقة نحو الميمنة، وأخرى نحو الميسرة، وأقبلوا نحو الرجال، فاستقبلت المرامية وجوههم بالنبل، وعطفت عَلَيْهِم الخيل من الميمنة والميسره، ونهض اليهم الرجال بالرماح والسيوف، فو الله مَا لبثوهم أن أناموهم.
ثُمَّ إن حمزة بن سنان صاحب خيلهم لما رَأَى الهلاك نادى أَصْحَابه أن انزلوا، فذهبوا لينزلوا فلم يتقاروا حَتَّى حمل عَلَيْهِم الأسود بن قيس المرادي، وجاءتهم الخيل من نحو علي، فأهمدوا في الساعة

(5/86)


قَالَ أَبُو مخنف: فَحَدَّثَنِي عَبْد الْمَلِكِ بن مسلم بن سلام بن ثمامة الحنفي، عن حكيم بن سَعْدٍ، قَالَ: مَا هُوَ إلا أن لقينا أهل الْبَصْرَة، فما لبثناهم، فكأنما قيل لَهُمْ: موتوا، فماتوا قبل أن تشتد شوكتهم، وتعظم نكايتهم.
قَالَ أَبُو مخنف: فَحَدَّثَنِي أَبُو جناب، أن أبا أيوب أتى عَلِيًّا، فَقَالَ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قتلت زَيْد بن حصين، قَالَ: فما قلت لَهُ وما قَالَ لك؟
قَالَ: طعنته بالرمح فِي صدره حَتَّى نجم من ظهره، قَالَ: وقلت لَهُ: أبشر يَا عدو اللَّه بالنار! قَالَ: ستعلم أينا أولى بِهَا صليا، فسكت علي عَلَيْهَا.
قَالَ أَبُو مخنف، عن أبي جناب: أن عَلِيًّا قَالَ لَهُ: هُوَ أولى لها صليا.
قَالَ: وجاء عائذ بن حملة التميمي، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قتلت كلابا، قَالَ: أحسنت! أنت محق قتلت مبطلا وجاء هاني بن خطاب الأرحبي وزياد بن خصفة يحتجان فِي قتل عَبْد اللَّهِ بن وهب الراسبي، فَقَالَ لهما:
كيف صنعتما؟ فقالا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لما رأيناه عرفناه، وابتدرناه فطعناه برمحينا، فَقَالَ علي: لا تختلفا، كلاكما قاتل وشد جيش بن رَبِيعَة أَبُو المعتمر الكناني عَلَى حُرْقُوص بن زهير فقتله، وشد عَبْد اللَّهِ بن زحر الخولاني عَلَى عَبْد اللَّهِ بن شجرة السلمي فقتله، ووقع شريح بن أوفى إِلَى جانب جدار، فقاتل عَلَى ثلمة فِيهِ طويلا من نهار، وَكَانَ قتل ثلاثة من همدان، فأخذ يرتجز ويقول:
قَدْ علمت جارية عبسيه ناعمة فِي أهلها مكفيه أني سأحمي ثلمتي العشيه فشد عَلَيْهِ قيس بن مُعَاوِيَة الدهني فقطع رجله، فجعل يقاتلهم، ويقول:
القرم يحمي شوله معقولا.
ثُمَّ شد عَلَيْهِ قيس بن مُعَاوِيَة فقتله، فَقَالَ الناس:
اقتتلت همدان يَوْمًا ورجل اقتتلوا من غدوة حَتَّى الأصل

(5/87)


ففتح اللَّه لهمدان الرجل وَقَالَ شريح:
أضربهم ولو أَرَى أبا حسن ضربته بالسيف حَتَّى يطمئن وَقَالَ:
أضربهم ولو أَرَى عَلِيًّا ألبسته أبيض مشرفيا قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي عَبْد الْمَلِكِ بن أبي حرة، [أن عَلِيًّا خرج فِي طلب ذي الثدية وَمَعَهُ سُلَيْمَان بن ثمامة الحنفي أَبُو جبرة، والريان بن صبرة ابن هوذة، فوجده الريان بن صبرة بن هوذة فِي حفرة عَلَى شاطئ النهر فِي أربعين أو خمسين قتيلا قَالَ: فلما استخرج نظر إِلَى عضده، فإذا لحم مجتمع عَلَى منكبه كثدي المرأة، لَهُ حلمة عَلَيْهَا شعرات سود، فإذا مدت امتدت حَتَّى تحاذي طول يده الأخرى، ثُمَّ تترك فتعود إِلَى منكبه كثدي المرأة، فلما استخرج قَالَ علي: اللَّه أكبر! وَاللَّهِ مَا كذبت وَلا كذبت، أما وَاللَّهِ لولا أن تنكلوا عن العمل، لأخبرتكم بِمَا قضى الله على لسان نبيه ص لمن قاتلهم مستبصرا فِي قتالهم، عارفا للحق الذى نحن عليه.
قال: ثم بر وهم صرعى فَقَالَ: بؤسا لكم! لقد ضركم من غركم، فَقَالُوا:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، من غرهم؟ قَالَ: الشَّيْطَان، وأنفس بالسوء أمارة، غرتهم بالأماني، وزينت لَهُمُ المعاصي، ونبأتهم أَنَّهُمْ ظاهرون] قَالَ: وطلب من بِهِ رمق مِنْهُمْ فوجدناهم أربعمائة رجل، فأمر بهم علي فدفعوا إِلَى عشائرهم، وَقَالَ: احملوهم معكم فداووهم، فإذا برئوا فوافوا بهم الْكُوفَة، وخذوا مَا فِي عسكرهم من شَيْء.
قَالَ: وأما السلاح والدواب وما شهدوا بِهِ عَلَيْهِ الحرب فقسمه بين الْمُسْلِمِينَ، وأما المتاع والعبيد والإماء فإنه حين قدم رده عَلَى أهله.
وطلب عدي بن حاتم ابنه طرفة فوجده، فدفنه، ثُمَّ قَالَ: الحمد لِلَّهِ الَّذِي ابتلاني بيومك عَلَى حاجتي إليك ودفن رجال مِنَ النَّاسِ قتلاهم،

(5/88)


فَقَالَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ حين بلغه ذَلِكَ: ارتحلوا إذا، أتقتلونهم ثُمَّ تدفنونهم! فارتحل الناس.
قَالَ أَبُو مخنف عن مجاهد، عن المحل بن خليفة: أن رجلا مِنْهُمْ من بني سدوس يقال لَهُ العيزار بن الأخنس كَانَ يرى رأي الخوارج، خرج إِلَيْهِم، فاستقبل وراء المدائن عدي بن حاتم وَمَعَهُ الأسود بن قيس والأسود بن يَزِيدَ المراديان، فَقَالَ لَهُ العيزار حين استقبله: أسالم غانم، أم ظالم آثم؟
فَقَالَ عدي: لا، بل سَالم غانم، فَقَالَ له المراديان: ما قلت هَذَا إلا لشر فِي نفسك، وإنك لنعرفك يَا عيزار برأي القوم، فلا تفارقنا حَتَّى نذهب بك إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فنخبره خبرك فلم يكن بأوشك أن جَاءَ علي فأخبراه خبره، وقالا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنه يرى رأي القوم، قَدْ عرفناه بِذَلِكَ، فَقَالَ: مَا يحل لنا دمه، ولكنا نحبسه، فَقَالَ عدي بن حاتم: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ادفعه الى وانا اضمن الا يأتيك من قبله مكروه فدفعه إِلَيْهِ.
قَالَ ابو مخنف: حدثنى عمران بن حدير، عن أبي مجلز، عن عبد الرَّحْمَن بن جندب بن عَبْدِ اللَّهِ، إنه لم يقتل من أَصْحَاب علي إلا سبعة.
قَالَ أَبُو مخنف، عن نمير بن وعله اليناعى، عن أبي درداء، قَالَ:
كَانَ علي لما فرغ من أهل النهروان حمد اللَّه وأثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إن اللَّه قَدْ أحسن بكم، وأعز نصركم، فتوجهوا من فوركم هَذَا إِلَى عدوكم قَالُوا:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، نفدت نبالنا، وكلت سيوفنا، ونصلت أسنة رماحنا، وعاد أكثرها قصدا، فارجع إِلَى مصرنا، فلنستعد بأحسن عدتنا، ولعل أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يَزِيد فِي عدتنا عده من هلك منا، فإنه أوفى لنا عَلَى عدونا وَكَانَ الَّذِي تولى ذَلِكَ الكلام الأشعث بن قيس، فأقبل حَتَّى نزل النخيلة، فأمر الناس أن يلزموا عسكرهم، ويوطنوا عَلَى الجهاد أنفسهم، وأن يقلوا زيارة نسائهم وأبنائهم حَتَّى يسيروا إِلَى عدوهم، فأقاموا فِيهِ أياما، ثم

(5/89)


تسللوا من معسكرهم، فدخلوا إلا رجالا من وجوه الناس قليلا، وترك العسكر خاليا، فلما رَأَى ذَلِكَ دخل الْكُوفَة، وانكسر عَلَيْهِ رأيه فِي المسير.
قَالَ أَبُو مخنف عمن ذكره، عن زيد بن وهب: أن عليا قال لِلنَّاسِ- وَهُوَ أول كلام قاله لَهُمْ بعد النهر:
أَيُّهَا النَّاسُ، استعدوا للمسير إِلَى عدو فِي جهاده القربة إِلَى اللَّهِ ودرك الوسيلة عنده حيارى فِي الحق، جفاة عن الكتاب، نكب عن الدين، يعمهون فِي الطغيان، ويعكسون في غمره الضلال، ف أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ، وتوكلوا عَلَى اللَّه، وكفى بِاللَّهِ وكيلا، وكفى بالله نصيرا! قال: فلاهم نفروا وَلا تيسروا، فتركهم أياما حَتَّى إذا أيس من أن يفعلوا، دعا رؤساءهم ووجوههم، فسألهم عن رأيهم، وما الَّذِي ينظرهم، فمنهم المعتل، ومنهم المكره، وأقلهم من نشط فقام فِيهِمْ خطيبا، فَقَالَ:
عباد اللَّه، مَا لكم إذا أمرتكم أن تنفروا اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ! أرضيتم بالحياة الدُّنْيَا من الآخرة، وبالذل والهوان من العز! أو كلما ندبتكم إِلَى الجهاد دارت أعينكم كأنكم من الموت فِي سكرة، وكأن قلوبكم مألوسة فأنتم لا تعقلون! وكأن أبصاركم كمه فأنتم لا تبصرون لِلَّهِ أنتم! مَا أنتم إلا أسود الشرى فِي الدعة، وثعالب رواغة حين تدعون إِلَى البأس.
مَا أنتم لي بثقة سجيس الليالي، مَا أنتم بركب يصال بكم، وَلا ذي عز يعتصم إِلَيْهِ لعمر اللَّه، لبئس حشاش الحرب أنتم! إنكم تكادون وَلا تكيدون، ويتنقص أطرافكم وَلا تتحاشون، وَلا ينام عنكم وَأَنْتُمْ فِي غفلة ساهون، إن أخا الحرب اليقظان ذو عقل، وبات لذل من وادع، وغلب المتجادلون، والمغلوب مقهور ومسلوب ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فإن لي عليكم

(5/90)


حقا، وإن لكم علي حقا، فأما حقكم على فالنصيحة لكم مَا صحبتكم، وتوفير فيئكم عَلَيْكُمْ، وتعليمكم كيما لا تجهلوا، وتأديبكم كي تعلموا، وأما حقي عَلَيْكُمْ فالوفاء بالبيعة، والنصح لي فِي الغيب والمشهد، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم، فإن يرد اللَّه بكم خيرا انتزعتم عما أكره، وتراجعوا إِلَى مَا أحب، تنالوا مَا تطلبون، وتدركوا مَا تأملون.
وَكَانَ غير أبي مخنف يقول: كَانَتِ الوقعة بين علي وأهل النهر سنة ثمان وثلاثين، وهذا القول عَلَيْهِ أكثر أهل السير.
ومما يصححه أَيْضًا مَا حَدَّثَنِي بِهِ عُمَارَةَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا نعيم، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مريم أن شبث بن ربعي وابن الكواء خرجا من الْكُوفَة إِلَى حروراء، فأمر علي الناس أن يخرجوا بسلاحهم، فخرجوا إِلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى امتلأ بهم، فأرسل إِلَيْهِم: بئس مَا صنعتم حين تدخلون المسجد بسلاحكم! اذهبوا إِلَى جبانة مراد حَتَّى يأتيكم أمري.
قَالَ أَبُو مريم: فانطلقنا إِلَى جبانة مراد فكنا بِهَا ساعة من نهار، ثُمَّ بلغنا أن القوم قَدْ رجعوا وهم زاحفون قَالَ: فقلت: أنطلق أنا حَتَّى أنظر إِلَيْهِم، فانطلقت حَتَّى أتخلل صفوفهم، حَتَّى انتهيت إِلَى شبث بن ربعي وابن الكواء وهما واقفان متوركان عَلَى دابتيهما، وعندهما رسل علي وهم يناشدونهما اللَّه لما رجعا بِالنَّاسِ! ويقولون لَهُمْ: نعيذكم بِاللَّهِ أن تعجلوا بفتنة العام خشية عام قابل.
فقام رجل إِلَى بعض رسل علي فعقر دابته، فنزل الرجل وَهُوَ يسترجع، فحمل سرجه، فانطلق بِهِ وهم يقولون: مَا طلبنا إلا منابذتهم، وهم يناشدونهم اللَّه، فمكثنا ساعة، ثُمَّ انصرفوا إِلَى الْكُوفَةِ كأنه يوم فطر أو أضحى.
[قَالَ: وَكَانَ علي يحدثنا قبل ذَلِكَ أن قوما يخرجون من الإِسْلام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، علامتهم رجل مخدج اليد] قَالَ: وسمعت ذَلِكَ مِنْهُ مرارا كثيرة، قَالَ: وسمعه نافع المخدج أَيْضًا- حَتَّى رأيته يتكره طعامه من كثرة مَا سمعه، يقول: وَكَانَ نافع معنا يصلي فِي المسجد بالنهار ويبيت فِيهِ بالليل، وَقَدْ كنت كسوته برنسا، فلقيته من الغد، فسألته: هل كَانَ

(5/91)


خرج مع الناس الَّذِينَ خرجوا إِلَى حروراء؟ فَقَالَ: خرجت أريدهم حَتَّى إذا بلغت إِلَى بني سعد، لقيني صبيان فنزعوا سلاحي، وتلعبوا بي، فرجعت حَتَّى إذا كَانَ الحول أو نحوه خرج أهل النهر، وسار علي إِلَيْهِم، فلم أخرج مَعَهُ وخرج أخي أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ: فأخبرني أَبُو عَبْد اللَّهِ أن عَلِيًّا سار إِلَيْهِم حَتَّى إذا كَانَ حذاءهم عَلَى شط النهروان أرسل إِلَيْهِم يناشدهم اللَّه ويأمرهم أن يرجعوا، فلم تزل رسله تختلف إِلَيْهِم، حَتَّى قتلوا رسوله، فلما رَأَى ذَلِكَ نهض إِلَيْهِم فقاتلهم حَتَّى فرغ مِنْهُمْ، [ثُمَّ أمر أَصْحَابه أن يلتمسوا المخدج، فالتمسوه، فَقَالَ بعضهم: مَا نجده، حَتَّى قَالَ بعضهم:
لا، مَا هُوَ فِيهِمْ ثُمَّ إنه جَاءَ رجل فبشره وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ وجدناه تحت قتيلين فِي ساقية فَقَالَ: اقطعوا يده المخدجة، وأتوني بِهَا، فلما أتي بِهَا أخذها ثُمَّ رفعها، وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كذبت وَلا كذبت] .
قَالَ أَبُو جَعْفَر: فقد أنبأ أَبُو مريم بقوله: فرجعت حَتَّى إذا كَانَ الحول أو نحوه، خرج أهل النهر، أن الحرب الَّتِي كَانَتْ بين علي وأهل حروراء كَانَتْ فِي السنة الَّتِي بعد السنة الَّتِي كَانَ فِيهَا إنكار أهل حروراء عَلَى علي التحكيم، وَكَانَ ابتداء ذَلِكَ فِي سنة سبع وثلاثين عَلَى مَا قَدْ ثبت قبل، وإذا كَانَ كذلك، وَكَانَ الأمر عَلَى مَا روينا من الخبر عن أبي مريم، كَانَ معلوما أن الوقعة كَانَتْ بينه وبينهم فِي سنة ثمان وثلاثين.
وذكر عَلِيّ بْن مُحَمَّدٍ، عن عَبْد اللَّهِ بن ميمون، عَنْ عَمْرِو بْنِ شجيرة، عن جابر، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: بعث علي بعد ما رجع من صفين جعدة ابن هبيرة المخزومي، وأم جعدة أم هانئ بنت أبي طالب- إِلَى خُرَاسَان، فانتهى إِلَى أَبْرَشَهْر وَقَدْ كفروا وامتنعوا، فقدم عَلَى علي، فبعث خليد بن قرة اليربوعي فحاصر أهل نيسابور حَتَّى صالحوه، وصالحه أهل مرو.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة- أعني سنة سبع وثلاثين- عبيد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ، وَكَانَ عامل علي عَلَى اليمن ومخاليفها وَكَانَ عَلَى مكة والطائف قثم بن

(5/92)


العباس، وعلى الْمَدِينَة سَهْل بن حنيف الأَنْصَارِيّ، وقيل: كان عليها تمام ابن العباس وَكَانَ عَلَى الْبَصْرَة عَبْد اللَّهِ بن العباس، وعلى قضائها أَبُو الأسود الدؤلي، وعلى مصر مُحَمَّد بن أبي بكر، وعلى خُرَاسَان خليد بن قرة اليربوعي.
وقيل: إن عَلِيًّا لما شخص إِلَى صفين استخلف عَلَى الْكُوفَة أبا مسعود الأَنْصَارِيّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا ذَكَرَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ عَلِيٌّ إِلَى صفين استخلف على الكوفة أبا مسعود الأنصاري عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو وَأَمَّا الشَّامُ فَكَانَ بِهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ

(5/93)