تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
. ذكر الخبر عن
صفته
حدثني الحارث، قال: حدثنا ابن سعد، قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال:
حدثنا أبو بكر بْن عبد الله بْن أبي سبرة، [عن إسحاق بن عبد الله ابن
أَبِي فَرْوَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ
عَلِيٍّ، قُلْتُ: مَا كَانَتْ صِفَةُ عَلِيٍّ ع؟ قَالَ: رَجُلٌ آدَمُ
شَدِيدُ الأَدَمَةِ ثَقِيلُ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمُهُمَا، ذُو بَطْنٍ،
أَصْلَعُ، هُوَ إِلَى الْقِصَرِ اقرب]
. ذكر نسبه ع
هُوَ عَلِيّ بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب ابن
هاشم بن عبد مناف، وأمه فاطمه بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف
. ذكر الخبر عن أزواجه وأولاده
فأول زوجة تزوجها فاطمه بنت رسول الله ص، ولم يتزوج عَلَيْهَا حَتَّى
توفيت عنده، وَكَانَ لها مِنْهُ من الولد: الْحَسَن والحسين، ويذكر أنه
كَانَ لها مِنْهُ ابن آخر يسمى محسنا توفي صغيرا، وزينب الكبرى، وأم
كلثوم الكبرى.
ثُمَّ تزوج بعد أم البنين بنت حزام- وَهُوَ أَبُو المجل بن خَالِد بن
ربيعه ابن الوحيد بن كعب بن عَامِر بن كلاب- فولد لها مِنْهُ العباس،
وجعفر، وعبد اللَّه، وعثمان، قتلوا مع الحسين ع بكربلاء، وَلا بقية
لَهُمْ غير العباس.
وتزوج لَيْلَى ابنة مسعود بن خَالِد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل
(5/153)
ابن نهشل بن دارم بْن مالك بْن حنظلة بْن
مالك بْن زَيْد مناة بن تميم، فولدت لَهُ عُبَيْد اللَّهِ وأبا بكر
فزعم هِشَام بن مُحَمَّد أنهما قتلا مع الْحُسَيْن بالطف وأما مُحَمَّد
بن عُمَرَ فإنه زعم أن عُبَيْد اللَّهِ بن علي قتله المختار بن أبي
عبيد بالمذار، وزعم أنه لا بقية لعبيد اللَّه وَلا لأبي بكر ابني على
ع.
وتزوج أسماء ابنة عميس الخثعمية، فولدت لَهُ- فِيمَا حدثت عن هِشَام بن
مُحَمَّد- يَحْيَى ومُحَمَّدا الأصغر، وَقَالَ: لا عقب لهما.
وأما الْوَاقِدِيّ فإنه قَالَ فِيمَا حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ، قَالَ:
أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيّ أن أسماء ولدت لعلي يَحْيَى وعونا ابني علي
ويقول بعضهم:
محمد الاصغر لام ولد، وكذلك قَالَ الْوَاقِدِيّ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ:
قتل مُحَمَّد الأصغر مع الْحُسَيْن.
وله من الصهباء- وَهِيَ أم حبيب بنت رَبِيعَة بن بجير بن العبد بن
علقمه ابن الْحَارِث بن عتبة بن سَعْدِ بْنِ زهير بن جشم بن بكر بن
حبيب بن عمرو ابن غنم بن تغلب بن وائل، وَهِيَ أم ولد من السبى الذين
أصابهم خالد ابن الْوَلِيد حين أغار عَلَى عين التمر عَلَى بني تغلب
بِهَا- عُمَر بن علي، ورقية ابنة علي، فعمر عُمَر بن علي حَتَّى بلغ
خمسا وثمانين سنة، فحاز نصف ميراث على ع، ومات بينبع.
وتزوج أمامة بنت أبي العاصي بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى
بْنِ عَبْدِ شمس ابن عبد مناف وأمها زينب بنت رَسُول اللَّهِ ص، فولدت
لَهُ مُحَمَّدا الأوسط.
وله مُحَمَّد بن على الاكبر، الذى يقال له: محمد بن الحنفية، أمه خولة
ابنة جَعْفَر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبه بن
الدول ابن حنيفة بن لجيم بن صعب بن عَلِيّ بن بكر بن وائل، توفي
بالطائف فصلى عَلَيْهِ ابن عَبَّاس.
وتزوج أم سَعِيد بنت عروة بن مسعود بن معتب بن مالك الثقفي، فولدت لَهُ
أم الْحَسَن ورملة الكبرى
(5/154)
وَكَانَ لَهُ بنات من أمهات شتى لم يسم لنا
أسماء أمهاتهن، منهن أم هاني، وميمونة، وزينب الصغرى، ورملة الصغرى،
وأم كلثوم الصغرى وفاطمة، وأمامة، وخديجة، وأم الكرام، وأم سلمة، وأم
جَعْفَر، وجمانة، ونفيسة بنات علي ع، أمهاتهن أمهات أولاد شتى وتزوج
محياة ابنة امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب ابن عليم من كلب،
فولدت لَهُ جارية، هلكت وَهِيَ صغيرة قَالَ الْوَاقِدِيُّ:
كَانَتْ تخرج إِلَى الْمَسْجِدِ وَهِيَ جارية فيقال لها: من أخوالك؟
فتقول وه، وه- تعني كلبا.
فجميع ولد علي لصلبه أربعة عشر ذكرا، وسبع عشرة امرأة.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ سَعْدٍ عن
الْوَاقِدِيّ، قَالَ: كَانَ النسل من ولد علي لخمسة: الْحَسَن،
والحسين، ومحمد بن الحنفيه، والعباس بن الكلابية، وعمر بن التغلبية
. ذكر ولاته
وَكَانَ واليه عَلَى الْبَصْرَة فِي هَذِهِ السنة عَبْد اللَّهِ بن
العباس، وَقَدْ ذكرنا اختلاف المختلفين فِي ذَلِكَ، وإليه كَانَتِ
الصدقات والجند والمعاون أيام ولايته كلها، وَكَانَ يستخلف بِهَا إذا
شخص عنها على ما قد بينت قبل.
وَكَانَ عَلَى قضائها من قبل علي أَبُو الأسود الدؤلي، وَقَدْ ذكرت مَا
كَانَ من توليته زيادا عَلَيْهَا، ثُمَّ إشخاصه إِيَّاهُ إِلَى فارس
لحربها وخراجها، فقتل وَهُوَ بفارس، وعلى مَا كَانَ وجهه عَلَيْهِ.
وَكَانَ عامله عَلَى البحرين وما يليها واليمن ومخاليفها عُبَيْد
اللَّهِ بن العباس، حَتَّى كَانَ من أمره وأمر بسر بن أبي أرطاة مَا
قَدْ مضى ذكره.
وَكَانَ عامله عَلَى الطائف ومكة وما اتصل بِذَلِكَ قثم بن العباس
(5/155)
وَكَانَ عامله عَلَى الْمَدِينَة أَبُو
أيوب الأَنْصَارِيّ، وقيل: سَهْل بن حنيف، حَتَّى كَانَ من أمره عِنْدَ
قدوم بسر مَا قَدْ ذكر قبل
. ذكر بعض سيره ع
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَهْبٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، [عَنْ عَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ
مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ابْنِ أَبِي
رَافِعٍ، أَنَّهُ كان خازنا لعلى ع عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، قَالَ:
فَدَخَلَ يَوْمًا وَقَدْ زُيِّنَتِ ابْنَتُهُ، فَرَأَى عَلَيْهَا
لُؤْلُؤَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَدْ كَانَ عَرَفَهَا، فَقَالَ: مِنْ
أَيْنَ لَهَا هَذِهِ؟ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْطَعَ يَدَهَا، قَالَ:
فَلَمَّا رَأَيْتُ جِدَّهُ فِي ذَلِكَ قُلْتُ: أَنَا وَاللَّهِ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ زَيَّنْتُ بِهَا ابْنَةَ أَخِي، وَمِنْ أَيْنَ
كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَيْهَا لَوْ لَمْ أَعْطِهَا! فَسَكَتَ] .
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ السَّلامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ نَاجِيَةَ الْقُرَشِيِّ، عَنْ
عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عُثْمَانَ، [قَالَ: رَأَيْتُ
عَلِيًّا ع خَارِجًا مِنْ هَمْدَانَ، فَرَأَى فِئَتَيْنِ يَقْتَتِلانِ،
فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ مَضَى فَسَمِعَ صَوْتًا يَا غَوْثًا
بِاللَّهِ! فَخَرَجَ يَحْضُرُ نَحْوَهُ حَتَّى سَمِعْتُ خَفْقَ
نَعْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ: أَتَاكَ الْغَوْثُ، فَإِذَا رَجُلٌ يُلازِمُ
رَجُلا، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بِعْتُ هذا ثوبا بتسعه
دراهم، وشرطت عليه الا يُعْطِيَنِي مَغْمُوزًا وَلا مَقْطُوعًا-
وَكَانَ شَرْطَهُمْ يَوْمَئِذٍ- فَأَتَيْتُهُ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ
لِيُبَدِّلَهَا لِي فَأَبَى، فَلَزِمْتُهُ فَلَطَمَنِي، فَقَالَ:
أَبْدِلْهُ، فَقَالَ: بَيِّنَتُكَ عَلَى اللَّطْمَةِ، فَأَتَاهُ
بِالْبَيِّنَةِ، فَأَقْعَدَهُ ثُمَّ قَالَ: دُونَكَ فَاقْتَصَّ، فقال:
انى
(5/156)
قَدْ عَفَوْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،
قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَحْتَاطَ فِي حَقِّكَ، ثُمَّ ضَرَبَ
الرَّجُلَ تِسْعَ دِرَّاتٍ، وَقَالَ: هَذَا حَقُّ السُّلْطَانَ] .
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الأَسَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَصْبَهَانِيُّ، قَالَ:
[حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ نَاجِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كُنَّا قِيَامًا عَلَى بَابِ الْقَصْرِ، إِذْ خَرَجَ عَلِيٌّ
عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ تَنَحَّيْنَا عَنْ وَجْهِهِ هَيْبَةً
لَهُ، فَلَمَّا جَازَ صِرْنَا خَلْفَهُ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ
نَادَى رَجُلٌ يَا غَوْثًا بِاللَّهِ! فَإِذَا رَجُلانِ يَقْتَتِلانِ،
فَلَكَزَ صَدْرَ هَذَا وَصَدْرَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا:
تَنَحَّيَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ
هَذَا اشْتَرَى مِنِّي شَاةً، وَقَدْ شَرَطْتُ عَلَيْهِ أَلا
يُعْطِيَنِي مَغْمُوزًا وَلا مُحْذَفًا، فَأَعْطَانِي دِرْهَمًا
مَغْمُوزًا، فَرَدَدْتُهُ عَلَيْهِ فَلَطَمَنِي، فَقَالَ لِلآخَرِ: مَا
تَقُولُ؟ قَالَ: صَدَقَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَأَعْطِهِ
شَرْطَهُ، ثُمَّ قَالَ لِلاطِمِ اجْلِسْ، وَقَالَ لِلْمَلْطُومِ:
اقْتَصَّ قَالَ: أَوْ أَعْفُو يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ:
ذَاكَ إِلَيْكَ، قَالَ: فَلَمَّا جَازَ الرَّجُلُ قَالَ عَلِيٌّ: يَا
مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، خُذُوهُ، قَالَ: فَأَخَذُوهُ، فَحُمِلَ عَلَى
ظَهْرِ رَجُلٍ كَمَا يُحْمَلُ صِبْيَانُ الْكُتَّابِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ
خَمْسَ عَشْرَةَ دِرَّةٍ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا نَكَالٌ لِمَا
انْتُهِكَتْ مِنْ حُرْمَتِهِ] .
حَدَّثَنِي ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَاصِمٍ، قال: حدثنا سكين ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
حَفْصُ بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي خَالِدُ بْنُ جَابِرٍ،
قَالَ: سمعت الحسن يقول: لما قتل على ع وَقَدْ قَامَ خَطِيبًا،
فَقَالَ:
لَقَدْ قَتَلْتُمُ اللَّيْلَةَ رَجُلا فِي لَيْلَةٍ فِيهَا نَزَلَ
الْقُرْآنُ، وَفِيهَا رفع عيسى بن مريم ع، وَفِيهَا قُتِلَ يُوشَعُ
بْنُ نُونٍ فَتَى مُوسَى ع وَاللَّهِ مَا سَبَقَهُ أَحَدٌ كَانَ
قَبْلَهُ، وَلا يُدْرِكُهُ أَحَدٌ يَكُونُ بَعْدَهُ، وَاللَّهِ إِنْ
كَانَ رسول الله ص لَيَبْعَثُهُ فِي السَّرِيَّةِ وَجِبْرِيلُ عَنْ
يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ، وَاللَّهِ مَا تَرَكَ
صَفْرَاءَ وَلا بيضاء الا ثمانمائه- او سبعمائة- ارصدها لخادمه
(5/157)
ذكر بيعة الْحَسَن بن علي
وفي هَذِهِ السنة- أعني سنة أربعين- بويع للحسن بن على ع بالخلافة،
[وقيل: إن أول من بايعه قيس بن سَعْدٍ، قَالَ لَهُ: ابسط يدك أبايعك
عَلَى كتاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وسنة نبيه، وقتال المحلين، فَقَالَ
لَهُ الْحَسَن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه،
فإن ذَلِكَ يأتي من وراء كل شرط، فبايعه وسكت، وبايعه الناس] .
وَحدثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبَّوَيْهِ
الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، قَالَ: جَعَلَ عَلِيٌّ ع قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ عَلَى
مُقَدِّمَتِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى قِبَلِ أَذْرَبِيجَانَ،
وَعَلَى أَرْضِهَا وَشُرْطَةِ الخميس الذى ابتدعه من العرب، وكانوا
اربعين ألفا، بايعوا عليا ع على الموت، ولم يزل قيس يدارى ذلك البعث
حتى قتل على ع، واستخلف اهل العراق الحسن بن على ع عَلَى الْخِلافَةِ،
وَكَانَ الْحَسَنُ لا يَرَى الْقِتَالَ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ
يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ يَدْخُلَ
فِي الْجَمَاعَةِ، وَعَرَفَ الْحَسَنُ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ لا
يُوَافِقُهُ على رايه، فنزعه وامر عبيد اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ،
فَلَمَّا عَلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بن عباس بالذي يريد الحسن ع أَنْ
يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُهُ الأَمَانَ،
وَيَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ عَلَى الأَمْوَالِ الَّتِي أَصَابَهَا،
فَشَرَطَ ذَلِكَ لَهُ مُعَاوِيَةُ
(5/158)
وَحدثني مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ
أَوِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَّانِيُّ الْخُزَاعِيُّ أَبُو
عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَاشِدٍ،
قَالَ: بَايَعَ الناس الحسن بن على ع بِالْخِلافَةِ، ثُمَّ خَرَجَ
بِالنَّاسِ حَتَّى نَزَلَ الْمَدَائِنَ، وَبَعَثَ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ
عَلَى مُقَدِّمَتِهِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَأَقْبَلَ
مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشام حتى نزل مسكين، فَبَيْنَا الْحَسَنُ فِي
الْمَدَائِنِ إِذْ نَادَى مُنَادٍ فِي الْعَسْكَرِ: أَلا إِنَّ قَيْسَ
بْنَ سَعْدٍ قَدْ قُتِلَ، فَانْفِرُوا، فَنَفَرُوا وَنَهَبُوا
سُرَادِقَ الْحَسَنِ ع حَتَّى نَازَعُوهُ بِسَاطًا كَانَ تَحْتَهُ،
وَخَرَجَ الْحَسَنُ حَتَّى نَزَلَ الْمَقْصُورَةَ الْبَيْضَاءَ
بِالْمَدَائِنِ، وَكَانَ عَمُّ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ
عَامِلا عَلَى الْمَدَائِنِ، وَكَانَ اسْمُهُ سَعْدَ بْنَ مَسْعُودٍ،
فَقَالَ لَهُ الْمُخْتَارُ وَهُوَ غُلامٌ شَابٌّ: هَلْ لَكَ فِي
الْغِنَى وَالشَّرَفِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ: تُوثِقُ الْحَسَنَ، وَتَسْتَأْمِنُ بِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ،
فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ، أَثِبُ عَلَى ابْنِ
بنت رسول الله ص فَأُوثِقُهُ! بِئْسَ الرَّجُلُ أَنْتَ! فَلَمَّا رَأَى
الْحَسَنُ ع تَفَرُّقَ الأَمْرِ عَنْهُ بَعَثَ إِلَى مُعَاوِيَةَ
يَطْلُبُ الصُّلْحَ، وَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ إِلَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عامر وعبد الرحمن ابن سمره بن حبيب بن عبد شمس، فقد ما عَلَى
الْحَسَنِ بِالْمَدَائِنِ، فَأَعْطَيَاهُ مَا أَرَادَ، وَصَالَحَاهُ
عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْكُوفَةِ خَمْسَةَ آلافِ
أَلْفٍ فِي أَشْيَاءَ اشْتَرَطَهَا [ثُمَّ قَامَ الْحَسَنُ فِي أَهْلِ
الْعِرَاقِ فَقَالَ: يَا أهل العراق، إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث:
قَتْلُكُمْ أَبِي، وَطَعْنُكُمْ إِيَّايَ، وَانْتِهَابُكُمْ مَتَاعِي]
(5/159)
وَدَخَلَ النَّاسُ فِي طَاعَةِ
مُعَاوِيَةَ، وَدَخَلَ مُعَاوِيَةُ الْكُوفَةَ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ
قَالَ زياد بن عَبْدِ اللَّهِ، عن عوانة، وذكر نحو حديث المسروقي، عن
عُثْمَان بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا، وزاد فِيهِ: وكتب الْحَسَن
إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي الصلح، وطلب الأمان، وَقَالَ الْحَسَن للحسين
ولعبد اللَّه بن جَعْفَر: إني قَدْ كتبت إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي الصلح
وطلب الأمان، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن: نشدتك اللَّه أن تصدق أحدوثة
مُعَاوِيَة، وتكذب أحدوثة علي! فَقَالَ لَهُ الْحَسَن: اسكت، فأنا أعلم
بالأمر مِنْكَ فلما انتهى كتاب الْحَسَن بن على ع إِلَى مُعَاوِيَةَ،
أرسل مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بن عامر وعبد الرحمن بن سمره، فقد ما
المدائن، وأعطيا الْحَسَن مَا أراد، فكتب الْحَسَن إِلَى قيس بن سَعْد
وَهُوَ عَلَى مقدمته فِي اثني عشر ألفا يأمره بالدخول فِي طاعة
مُعَاوِيَة، فقام قيس بن سَعْد فِي الناس فَقَالَ: يا أيها الناس،
اختاروا الدخول فِي طاعة إمام ضلالة، أو القتال مع غير إمام، قَالُوا:
لا، بل نختار أن ندخل فِي طاعة إمام ضلالة.
فبايعوا لمعاوية، وانصرف عَنْهُمْ قيس بن سَعْد، وَقَدْ كَانَ صالح
الْحَسَن مُعَاوِيَة عَلَى أن جعل لَهُ ما في بيت ماله وخراج دارا بجرد
على الا يشتم علي وَهُوَ يسمع فأخذ مَا فِي بيت ماله بالكوفة، وَكَانَ
فِيهِ خمسة آلاف ألف وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة الْمُغِيرَة بن
شُعْبَةَ حَدَّثَنِي مُوسَى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عُثْمَان بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الخزاعي أَبُو عبد الرَّحْمَن، قَالَ:
أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل بن راشد قَالَ: لما حضر الموسم- يعني فِي
العام الذى قتل فيه على ع- كتب الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ كتابا افتعله
عَلَى لسان مُعَاوِيَة، فأقام لِلنَّاسِ الحج سنة أربعين، ويقال: إنه
عرف يوم التروية، ونحر يوم عرفة، خوفا أن يفطن بمكانه وَقَدْ قيل:
إنه إنما فعل ذَلِكَ الْمُغِيرَة لأنه بلغه أن عتبة بن أَبِي سُفْيَانَ
مصبحه واليا على
(5/160)
الموسم، فعجل الحج من أجل ذَلِكَ.
وفي هَذِهِ السنة بويع لمعاوية بالخلافة بإيلياء، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ
مُوسَى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَان بن عَبْدِ
الرَّحْمَنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل ابن راشد- وَكَانَ قبلُ
يدعى بِالشَّامِ أميرا- وحدثت عن أبي مسهر، عن سَعِيد بن عَبْدِ
العزيز، قال: كان على ع يدعى بِالْعِرَاقِ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ،
وَكَانَ مُعَاوِيَة يدعى بالشام: الأمير، فلما قتل على ع دعى معاويه:
امير المؤمنين
(5/161)
ثم
سنة إحدى وأربعين
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمما كَانَ فِيهَا من ذلك
تسليم الحسن بن على ع الأمر إِلَى مُعَاوِيَةَ ودخول مُعَاوِيَة
الْكُوفَة، وبيعة أهل الْكُوفَة مُعَاوِيَة بالخلافة.
ذكر الخبر بِذَلِكَ:
حَدَّثَنِي عبد الله بن أحمد المروزي، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي،
قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الله، عن يونس،
عن الزهري، قال: بَايَعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْحَسَن بْنَ عَلِيٍّ
بِالْخِلافَةِ، فَطَفِقَ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِمُ الْحَسَنُ:
إِنَّكُمْ سَامِعُونَ مُطِيعُونَ، تُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ،
وَتُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ، فَارْتَابَ أَهْلُ الْعِرَاقِ فِي
أَمْرِهِمْ حِينَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ هَذَا الشَّرْطَ، وَقَالُوا:
مَا هَذَا لَكُمْ بِصَاحِبٍ، وَمَا يُرِيدُ هَذَا الْقِتَالَ، فَلَمْ
يَلْبَثِ الْحَسَنُ ع بَعْدَ مَا بَايَعُوهُ إِلا قَلِيلا حَتَّى
طُعِنَ طَعْنَةً أَشْوَتْهُ، فَازْدَادَ لَهُمْ بُغْضًا، وَازْدَادَ
مِنْهُمْ ذُعْرًا، فَكَاتَبَ مُعَاوِيَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ
بِشُرُوطٍ، قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي هَذَا فَأَنَا سَامِعٌ مُطِيعٌ،
وَعَلَيْكَ أَنْ تَفِيَ لِي بِهِ وَوَقَعَتْ صَحِيفَةُ الْحَسَنِ فِي
يَدِ مُعَاوِيَةَ، وَقَدْ أَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ قَبْلَ هَذَا إِلَى
الْحَسَنِ بِصَحِيفَةٍ بَيْضَاءَ، مَخْتُومٌ عَلَى أَسْفَلِهَا،
وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ اشْتَرِطْ فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي
خَتَمْتُ أَسْفَلَهَا مَا شِئْتَ فَهُوَ لَكَ.
فَلَمَّا أَتَتِ الْحَسَنَ اشْتَرَطَ أَضْعَافَ الشُّرُوطِ الَّتِي
سَأَلَ مُعَاوِيَةَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَمْسَكَهَا عِنْدَهُ، وامسك
معاويه صحيفه الحسن ع الَّتِي كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ مَا فِيهَا،
فَلَمَّا التقى معاويه والحسن ع، سَأَلَهُ الْحَسَنُ أَنْ يُعْطِيَهُ
الشُّرُوطَ الَّتِي شَرَطَ فِي السِّجِلِ الَّذِي خَتَمَ مُعَاوِيَةُ
فِي أَسْفَلِهِ، فَأَبَى مُعَاوِيَةُ أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ:
لَكَ ما كنت كتبت الى او لا تَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَكَهُ، فَإِنِّي
قَدْ أَعْطَيْتُكَ حِينَ جاءني كتابك قال الحسن ع: وانا قد
(5/162)
اشْتَرَطْتُ حِينَ جَاءَنِي كِتَابُكَ،
وَأَعْطَيْتَنِي الْعَهْدَ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا فِيهِ فَاخْتَلَفَا
فِي ذَلِكَ، فَلَمْ ينفذ للحسن ع مِنَ الشُّرُوطِ شَيْئًا، وَكَانَ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ اجْتَمَعُوا بِالْكُوفَةِ قَدْ كَلَّمَ
مُعَاوِيَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْمُرَ الْحَسَنَ أَنْ يَقُومَ
وَيَخْطُبَ النَّاسَ، فَكَرِهَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ، وَقَالَ: مَا
تُرِيدُ إِلَيَّ ان يخطب النَّاسَ! فَقَالَ عَمْرٌو: لَكِنِّي أُرِيدُ
أَنْ يَبْدُوَ عِيُّهُ لِلنَّاسِ، فَلَمْ يَزَلْ عَمْرٌو بِمُعَاوِيَةَ
حَتَّى أَطَاعَهُ، فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ فَخَطَبَ النَّاسَ، ثُمَّ
أَمَرَ رجلا فنادى الحسن بن على ع، فَقَالَ: قُمْ يَا حَسَنُ فَكَلِّمِ
النَّاسَ، فَتَشْهَدْ فِي بَدِيهَةِ أَمْرٍ لَمْ يُرَوِّ فِيهِ، ثُمَّ
قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ
هَدَاكُمْ بِأَوَّلِنَا، وَحَقَنَ دِمَاءَكُمْ بِآخِرِنَا، وَإِنَّ
لِهَذَا الأَمْرِ مُدَّةٌ، وَالدُّنْيَا دُوَلٌ، وَإِنَّ الله تعالى
قال لنبيه ص: «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى
حِينٍ» ، فَلَمَّا قَالَهَا قَالَ مُعَاوِيَةُ: اجْلِسْ، فَلَمْ يَزَلْ
ضَرَمًا عَلَى عَمْرٍو، وَقَالَ: هَذَا مِنْ رَأْيِكَ ولحق الحسن ع
بِالْمَدِينَةِ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّد، قال: سلم
الحسن بن على ع إِلَى مُعَاوِيَةَ الْكُوفَة، ودخلها مُعَاوِيَة لخمس
بقين من ربيع الأول، ويقال من جمادى الأولى سنه احدى واربعين.
ذكر خبر الصلح بين معاويه وقيس بن سعد
وفي هَذِهِ السنة جرى الصلح بين مُعَاوِيَة وقيس بن سَعْد بعد امتناع
قيس من بيعته.
ذكر الخبر بِذَلِكَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني سليمان
ابن الْفَضْلِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ
الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا كَتَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ
حِينَ عَلِمَ مَا يُرِيدُ الْحَسَنُ مِنْ مُعَاوِيَةَ مِنْ طَلَبِ
الأَمَانِ لِنَفْسِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَسْأَلُهُ الأَمَانَ،
وَيَشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ عَلَى الأَمْوَالِ الَّتِي قَدْ أَصَابَ،
(5/163)
فشرط ذلك له معاويه، بعث اليه معاويه ابن
عَامِرٍ فِي خَيْلٍ عَظِيمَةٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عُبَيْدُ اللَّهِ
لَيْلا حَتَّى لَحِقَ بِهِمْ، وَنَزَلَ وَتَرَكَ جُنْدَهُ الَّذِي هُوَ
عَلَيْهِ لا أَمِيرَ لَهُمْ، فيهم قيس بن سعد، واشترط الحسن ع
لِنَفْسِهِ، ثُمَّ بَايَعَ مُعَاوِيَةَ، وَأَمَّرَتْ شُرْطَةُ
الْخَمِيسِ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ عَلَى أَنْفُسُهِمْ، وَتَعَاهَدُوا هُوَ
وَهُمْ عَلَى قِتَالِ مُعَاوِيَةَ حَتَّى يَشْتَرِطَ لِشِيعَةِ على ع
وَلِمَنْ كَانَ اتَّبَعَهُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَمَا
أَصَابُوا فِي الْفِتْنَةِ، فَخَلَصَ مُعَاوِيَةُ حِينَ فَرَغَ من عبيد
الله ابن عباس والحسن ع إِلَى مُكَايَدَةِ رَجُلٍ هُوَ أَهَمُّ
النَّاسِ عِنْدَهُ مُكَايَدَةً، وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ أَلْفًا، وَقَدْ
نَزَلَ مُعَاوِيَةُ بِهِمْ وَعَمْرٌو وَأَهْلُ الشَّامِ، وَأَرْسَلَ
مُعَاوِيَةُ إِلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ يُذَكِّرُهُ اللَّهَ وَيَقُولُ:
عَلَى طَاعَةِ مَنْ تُقَاتِلُ، وَقَدْ بَايَعَنِي الَّذِي أَعْطَيْتُهُ
طَاعَتَكَ؟ فَأَبَى قَيْسٌ أَنْ يَلِينَ لَهُ، حَتَّى أَرْسَلَ
إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بِسِجِلٍّ قَدْ خَتَمَ عَلَيْهِ فِي أَسْفَلِهِ،
فَقَالَ: اكْتُبْ فِي هَذَا السِّجِلِ مَا شِئْتَ، فَهُوَ لَكَ.
قَالَ عَمْرٌو لِمُعَاوِيَةَ: لا تُعْطِهِ هَذَا، وَقَاتِلْهُ، فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ: عَلَى رسلك! فانا لا نخلص الى قتل هؤلاء حتى يقتلوا
أَعْدَادُهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ
ذَلِكَ! وَإِنِّي وَاللَّهِ لا أُقَاتِلُهُ أَبَدًا حَتَّى لا أَجِدُ
مِنْ قِتَالِهِ بُدًّا فَلَمَّا بَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ بِذَلِكَ
السِّجِلِ اشْتَرَطَ قَيْسٌ فِيهِ لَهُ وَلِشِيعَةِ عَلِيٍّ الأَمَانَ
عَلَى مَا أَصَابُوا مِنَ الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ، وَلَمْ يَسْأَلْ
مُعَاوِيَةَ فِي سِجِّلِهِ ذَلِكَ مَالا، وَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ مَا
سَأَلَ، فَدَخَلَ قَيْسٌ وَمَنْ مَعَهُ فِي طَاعَتِهِ، وَكَانُوا
يَعِدُّونَ دُهَاةَ النَّاسِ حِينَ ثَارَتِ الْفِتْنَةُ خَمْسَةَ
رَهْطٍ، فَقَالُوا: ذَوُو رَأْيِ الْعَرَبِ وَمَكِيدَتُهُمْ:
معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ،
وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
بُدَيْلٍ الْخُزَاعِيُّ، وَكَانَ قيس وابن بديل مع على ع، وَكَانَ
الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَعَمْرٌو مَعَ مُعَاوِيَةَ، إِلا أَنَّ
الْمُغِيرَةَ كَانَ مُعْتَزِلا بِالطَّائِفِ حَتَّى حُكِّمَ
الْحَكَمَانِ، فَاجْتَمَعُوا بِأَذْرُحَ.
وَقِيلَ: إِنَّ الصُّلْحَ تم بين الحسن ع وَمُعَاوِيَةَ فِي هَذِهِ
السَّنَةِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخَرِ، وَدَخَلَ مُعَاوِيَةُ
الْكُوفَةَ فِي غُرَّةِ جُمَادَى الأُولَى مِنْ هَذِهِ
(5/164)
السَّنَةِ، وَقِيلَ: دَخَلَهَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ، وهذا قول
الواقدى |