تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
. دخول الحسن
والحسين المدينة منصرفين من الكوفه
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ دَخَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ ابْنَا على ع
مُنْصَرِفِينَ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ ذكر الخبر بذلك:
ولما وقع الصلح بين الحسن ع وبين مُعَاوِيَة بمسكن، قام- فِيمَا حدثت
عن زياد البكائي، عن عوانة- خطيبا فِي الناس فقال:
يا أهل العراق، إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي،
وانتهابكم متاعي قَالَ: ثُمَّ إن الْحَسَن والحسين وعبد اللَّه بن
جَعْفَر خرجوا بحشمهم وأثقالهم حَتَّى أتوا الْكُوفَة، فلما قدمها
الْحَسَن وبرأ من جراحته، خرج إِلَى مسجد الْكُوفَة فَقَالَ: يَا
أَهْلَ الْكُوفَةِ، اتقوا اللَّه فِي جيرانكم وضيفانكم، وفي اهل بيت
نبيكم ص الَّذِينَ أذهب اللَّه عَنْهُمُ الرجس وطهرهم تَطْهِيراً فجعل
الناس يبكون، ثُمَّ تحملوا إِلَى الْمَدِينَة قَالَ:
وحال أهل الْبَصْرَة بينه وبين خراج دارابجرد، وقالوا: فيئنا، فلما خرج
إِلَى الْمَدِينَة تلقاه ناس بالقادسية فقالوا: يا مذل العرب!
ذكر خروج الخوارج على معاويه
وفيها خرجت الخوارج الَّتِي اعتزلت أيام علي ع بشهرزور عَلَى
مُعَاوِيَة.
ذكر خبرهم:
حدثت عن زياد، عن عوانة، قَالَ: قدم مُعَاوِيَة قبل أن يبرح الْحَسَن
من الْكُوفَة حَتَّى نزل النخيله، فقالت الحرورية الخمسمائة الَّتِي
كَانَتِ اعتزلت
(5/165)
بشهرزور مع فروة بن نوفل الأشجعي: قَدْ
جَاءَ الآن مَا لا شك فِيهِ، فسيروا إِلَى مُعَاوِيَةَ فجاهدوه فأقبلوا
وعليهم فروة بن نوفل حَتَّى دخلوا الْكُوفَة، فأرسل إِلَيْهِم
مُعَاوِيَة خيلا من خيل أهل الشام، فكشفوا أهل الشام، فَقَالَ
مُعَاوِيَة لأهل الْكُوفَة: لا أمان لكم وَاللَّهِ عندي حَتَّى تكفوا
بوائقكم، فخرج أهل الْكُوفَة إِلَى الخوارج فقاتلوهم، فَقَالَتْ لَهُمُ
الخوارج: ويلكم! مَا تبغون منا! أليس مُعَاوِيَة عدونا وعدوكم! دعونا
حَتَّى نقاتله، وإن أصبناه كنا قَدْ كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم
قَدْ كفيتمونا، قَالُوا: لا وَاللَّهِ حَتَّى نقاتلكم، فَقَالُوا: رحم
اللَّه إخواننا من أهل النهر، هم كَانُوا أعلم بكم يَا أَهْلَ
الْكُوفَةِ وأخذت أشجع صاحبهم فروة بن نوفل- وَكَانَ سيد القوم-
واستعملوا عَلَيْهِم عَبْد اللَّهِ بن أبي الحر- رجلا من طيئ-
فقاتلوهم، فقتلوا، وَاسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بن عَمْرو
بن الْعَاصِ عَلَى الْكُوفَة، فأتاه الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ وَقَالَ
لمعاوية: استعملت عَبْد اللَّهِ بن عَمْرو عَلَى الْكُوفَة وعمرا عَلَى
مصر، فتكون أنت بين لحيي الأسد! فعزل عبد الله، وَاسْتَعْمَلَ
الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ عَلَى الْكُوفَة، وبلغ عمرا مَا قَالَ
الْمُغِيرَة لمعاوية، فدخل عَمْرو عَلَى مُعَاوِيَة فَقَالَ:
استعملت الْمُغِيرَة عَلَى الْكُوفَة؟ فَقَالَ: نعم، فَقَالَ: أجعلته
عَلَى الخراج؟
فَقَالَ: نعم، قَالَ: تستعمل الْمُغِيرَة عَلَى الخراج فيغتال المال،
فيذهب فلا تستطيع أن تأخذ مِنْهُ شَيْئًا، استعمل عَلَى الخراج من
يخافك ويهابك ويتقيك فعزل الْمُغِيرَة عن الخراج، واستعمله عَلَى
الصَّلاة، فلقي الْمُغِيرَة عمرا فَقَالَ: أنت المشير عَلَى أَمِير
الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أشرت بِهِ فِي عَبْد اللَّهِ؟ قَالَ: نعم، قَالَ:
هَذِهِ بتلك، ولم يكن عَبْد اللَّهِ بن عَمْرو بن الْعَاصِ مضى فِيمَا
بلغني الى الكوفه ولا أتاها
(5/166)
ذكر ولايه بسر بن
ابى ارطاه على البصره
وفي هَذِهِ السنة غلب حمران بن أبان عَلَى الْبَصْرَة، فوجه إِلَيْهِ
مُعَاوِيَة بسرا، أمره بقتل بني زياد.
ذكر الخبر عما كَانَ من أمره فِي ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ، قَالَ: لما صالح الحسن بن على ع مُعَاوِيَة أول سنة إحدى
وأربعين، وثب حمران ابن أبان عَلَى الْبَصْرَة فأخذها، وغلب عَلَيْهَا،
فأراد مُعَاوِيَة أن يبعث رجلا من بني القين إليها، فكلمه عبيد الله بن
عباس الا يفعل ويبعث غيره، فبعث بسر بن أبي أرطاة، وزعم أنه أمره بقتل
بني زياد.
فَحَدَّثَنِي مسلمة بن محارب، قَالَ: أخذ بعض بني زياد فحبسه- وزياد
يَوْمَئِذٍ بفارس، كَانَ على ع بعثه إِلَيْهَا إِلَى أكراد خرجوا
بِهَا، فظفر بهم زياد، وأقام بإصطخر- قَالَ: فركب أَبُو بكرة إِلَى
مُعَاوِيَةَ وَهُوَ بالكوفة، فاستأجل بسرا، فأجله أسبوعا ذاهبا وراجعا،
فسار سبعة أيام، فقتل تحته دابتين، فكلمه، فكتب مُعَاوِيَة بالكف
عَنْهُمْ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي بعض علمائنا، أن أبا بكرة أقبل فِي الْيَوْم
السابع وَقَدْ طلعت الشمس، وأخرج بسر بني زياد ينتظر بهم غروب الشمس
ليقتلهم إذا وجبت، فاجتمع الناس لذلك وأعينهم طامحة ينتظرون أبا بكرة،
إذ رفع علم عَلَى نجيب أو برذون يكده ويجهده، فقام عَلَيْهِ، فنزل عنه،
وألاح بثوبه، وكبر وكبر الناس، فأقبل يسعى عَلَى رجليه حَتَّى أدرك
بسرا قبل أن يقتلهم، فدفع إِلَيْهِ كتاب مُعَاوِيَة، فأطلقهم.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
خطب بسر عَلَى منبر
(5/167)
البصره، فشتم عليا ع، ثم قال: نشدت الله
رجلا علم أني صادق إلا صدقني، أو كاذب إلا كذبني! قَالَ: فَقَالَ أَبُو
بكرة:
اللَّهُمَّ إنا لا نعلمك إلا كاذبا، قَالَ: فأمر بِهِ فخنق، قَالَ:
فقام أَبُو لؤلؤة الضبي فرمى بنفسه عَلَيْهِ، فمنعه، فأقطعه أَبُو بكرة
بعد ذَلِكَ مائة جريب.
قَالَ: وقيل لأبي بكرة: مَا أردت إِلَى مَا صنعت! قَالَ: أيناشدنا
بِاللَّهِ ثُمَّ لا نصدقه! قَالَ: فأقام بسر بِالْبَصْرَةِ ستة أشهر،
ثُمَّ شخص لا نعلمه ولى شرطته أحدا.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ
مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ، عَنِ
الْجَارُودِ بْنِ أَبِي سبره، قال: صالح الحسن ع مُعَاوِيَةَ، وَشَخَصَ
إِلَى الْمَدِينَةِ، فَبَعَثَ مُعَاوِيَةُ بُسْرَ بْنَ أَبِي أَرْطَاةَ
إِلَى الْبَصْرَةِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَزِيَادٌ
مُتَحَصِّنٌ بِفَارِسَ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ: إِنَّ فِي
يَدَيْكَ مَالا مِنْ مَالِ اللَّهِ، وَقَدْ وُلِّيتَ وِلايَةً فَأَدِّ
مَا عِنْدَكَ مِنَ الْمَالِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ زِيَادٌ: أَنَّهُ لَمْ
يَبْقَ عِنْدِي شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ، وَقَدْ صَرَفْتُ مَا كَانَ
عِنْدِي فِي وَجْهِهِ، وَاسْتَوْدَعْتُ بَعْضَهُ قَوْمًا لِنَازِلَةٍ
إِنْ نَزَلَتْ، وَحَمَلْتُ مَا فَضُلَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ
رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: أَنْ
أَقْبِلْ إِلَيَّ نَنْظُرُ فِيمَا وُلِّيتَ، وَجَرَى عَلَى يَدَيْكَ،
فَإِنِ اسْتَقَامَ بَيْنَنَا أَمْرٌ فَهُوَ ذَاكَ، وَإِلا رَجَعْتَ الى
ما منك، فَلَمْ يَأْتِهِ زِيَادٌ، فَأَخَذَ بُسْرٌ بَنِي زِيَادٍ
الأَكَابِرِ مِنْهُمْ، فَحَبَسَهُمْ: عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَعُبَيْدَ
اللَّهِ، وَعَبَّادًا، وَكَتَبَ إِلَى زِيَادٍ: لَتَقْدَمَنَّ عَلَى
أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ لأَقْتُلَنَّ بَنِيكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ
زِيَادٌ: لَسْتُ بَارِحًا مِنْ مَكَانِي الَّذِي أَنَا بِهِ حَتَّى
يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبِكَ، فَإِنْ قَتَلْتَ مَنْ
فِي يَدَيْكَ مِنْ وَلَدِي فَالْمَصِيرُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ،
وَمِنْ وَرَائِنَا وَوَرَائِكُمُ الْحِسَابُ، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ
ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» فَهَمَّ بِقَتْلِهِمْ،
فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَخَذْتَ وَلَدِي وَوَلَدَ أَخِي
غِلْمَانًا بِلا ذَنْبٍ، وَقَدْ صَالَحَ الْحَسَنُ مُعَاوِيَةَ عَلَى
أَمَانِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ حَيْثُ كَانُوا، فَلَيْسَ لَكَ عَلَى
هَؤُلاءِ وَلا عَلَى أَبِيهِمْ سَبِيلٌ، قَالَ: إِنَّ عَلَى أَخِيكَ
أَمْوَالا قَدْ أَخَذَهَا فَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا، قَالَ: مَا
عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَاكْفُفْ
(5/168)
عَنْ بَنِي أَخِي حَتَّى آتِيكَ بِكِتَابٍ
مِنْ مُعَاوِيَةَ بِتَخْلِيَتِهِمْ فَأَجِّلْهُ أَيَّامًا، قَالَ لَهُ:
إِنْ أَتَيْتَنِي بِكِتَابِ مُعَاوِيَةَ بِتَخْلِيَتِهِمْ وَإِلا
قَتَلْتُهُمْ أَوْ يُقْبِلُ زِيَادٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ،
قَالَ: فَأَتَى أَبُو بَكْرَةَ مُعَاوِيَةَ فَكَلَّمَهُ فِي زِيَادٍ
وَبَنِيهِ، وكتب معاويه الى بسر بالكف عنه وَتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ،
فَخَلاهُمْ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا
عَلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شَيْخٌ مِنْ ثَقِيفٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ
بِالْكُوفَةِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا بَكْرَةَ،
أَزَائِرًا جِئْتَ أَمْ دَعَتْكَ إِلَيْنَا حَاجَةٌ؟ قَالَ:
لا أَقُولُ بَاطِلا، مَا أَتَيْتُ إِلا فِي حَاجَةٍ! قَالَ: تَشَفَّعْ
يَا أَبَا بَكْرَةَ وَنَرَى لَكَ بِذَلِكَ فضلا، وأنت لذلك أَهْلٌ،
فَمَا هُوَ؟ قَالَ: تُؤَمِّنُ أَخِي زِيَادًا، وَتَكْتُبُ إِلَى بُسْرٍ
بِتَخْلِيَةِ وَلَدِهِ وَبِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ، فَقَالَ:
أَمَّا بَنُو زِيَادٍ فَنَكْتُبُ لَكَ فِيهِمْ مَا سَأَلْتَ، وَأَمَّا
زِيَادٌ فَفِي يَدِهِ مَالٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا أَدَّاهُ فَلا
سَبِيلَ لَنَا عَلَيْهِ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ
يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلَيْسَ يَحْبِسُهُ عَنْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ لأَبِي بَكْرَةَ إِلَى بُسْرٍ أَلا يَتَعَرَّضَ
لأَحَدٍ مِنْ وَلَدِ زِيَادٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لأَبِي بَكْرَةَ:
أَتَعْهَدُ إِلَيْنَا عَهْدًا يَا أَبَا بَكْرَةَ؟ قَالَ:
نَعَمْ، أَعْهَدُ إِلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَنْظُرَ
لِنَفْسِكَ وَرَعِيَّتِكَ، وَتَعْمَلَ صَالِحًا فَإِنَّكَ قَدْ
تَقَلَّدْتَ عَظِيمًا، خِلافَةَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، فَاتَّقِ
اللَّهَ فَإِنَّ لَكَ غَايَةً لا تَعْدُوهَا، وَمِنْ وَرَائِكَ طَالِبٌ
حَثِيثٌ، فَأَوْشِكْ أَنْ تَبْلُغَ الْمَدَى، فَيَلْحَقَ الطَّالِبُ،
فَتَصِيرَ إِلَى مَنْ يَسْأَلُكَ عَمَّا كُنْتَ فِيهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ
بِهِ مِنْكَ، وَإِنَّمَا هِيَ مُحَاسَبَةٌ وَتَوْقِيفٌ، فَلا تؤثرن على
رضا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ
عُثْمَانَ، قَالَ: كَتَبَ بُسْرٌ إِلَى زِيَادٍ: لَئِنْ لَمْ تُقْدِمْ
لأَصْلُبَنَّ بَنِيكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنْ تَفْعَلْ فَأَهْلُ ذلك
أَنْتَ، إِنَّمَا بَعَثَ بِكَ ابْنُ آكِلَةِ الأَكْبَادِ فَرَكِبَ
أَبُو بَكْرَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ، إِنَّ
النَّاسَ لَمْ يُعْطُوكَ بَيْعَتَهُمْ عَلَى قَتْلِ الأَطْفَال، قَالَ:
وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا بَكْرَةَ؟ قَالَ: بُسْرٌ يُرِيدُ قَتْلَ
أَوْلادِ زِيَادٍ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى
(5/169)
بُسْرٍ: أَنْ خَلِّ مَنْ بِيَدِكَ مِنْ
وَلَدِ زِيَادٍ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ كَتَبَ إِلَى زِيَادٍ بعد قتل
على ع يتوعده.
فحدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي، عَنْ حِبَّانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ
الْمُجَالِدِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ حِينَ
قُتِلَ عَلِيٌّ ع إِلَى زِيَادٍ يَتَهَدَّدُهُ، فَقَامَ خَطِيبًا
فَقَالَ: الْعَجَبُ مِنَ ابْنِ آكِلَةِ الأَكْبَادِ، وَكَهْفِ
النِّفَاقِ، وَرَئِيسِ الأحزاب، كَتَبَ إِلَيَّ يَتَهَدَّدُنِي
وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ ابْنَا عَمِّ رسول الله ص- يَعْنِي ابْنَ
عَبَّاسٍ وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ- فِي تِسْعِينَ أَلْفًا، وَاضِعِي
سُيُوفِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ، لا يَنْثَنُونَ، لَئِنْ خَلَصَ
إِلَيَّ الأَمْرُ لَيَجِدُنِي أَحْمَزَ ضَرَّابًا بِالسَّيْفِ فَلَمْ
يَزَلْ زِيَادٌ بِفَارِسَ وَالِيًا حتى صالح الحسن ع مُعَاوِيَةَ،
وَقَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْكُوفَةَ، فَتَحَصَّنَ زِيَادٌ فِي القلعة التي
يقال لها قلعه زياد
. ولايه عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ الْبَصْرَةَ وَحَرْبُ سِجِسْتَانَ
وخراسان
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَّى مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عَامِرٍ الْبَصْرَةَ وَحَرْبُ سِجِسْتَانَ وَخُرَاسَانَ.
ذكر الخبر عن سبب ولاية ذَلِكَ وبعض الكائن فِي أيام عمله لمعاوية
بِهَا:
حَدَّثَنِي أَبُو زَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: أراد
مُعَاوِيَة توجيه عتبة.
ابن أَبِي سُفْيَانَ عَلَى الْبَصْرَة، فكلمه ابن عَامِر وَقَالَ: إن
لي بِهَا أموالا وودائع، فإن لم توجهني عَلَيْهَا ذهبت فولاه
الْبَصْرَة، فقدمها فِي آخر سنة إحدى وأربعين وإليه خُرَاسَان وسجستان،
فأراد زَيْد بن جبلة عَلَى ولاية شرطته فأبى، فولى حبيب بن شهاب الشامي
شرطته- وقد قيل: قيس ابن الهيثم السلمي- واستقضى عميرة بن يثربي الضبي،
أخا عَمْرو بن يثربي الضبي.
حَدَّثَنِي أَبُو زَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ،
قَالَ: خرج فِي ولاية
(5/170)
ابن عامر لمعاوية يزيد مالك الباهلي،
وَهُوَ الخطيم- وإنما سمي الخطيم لضربة أصابته عَلَى وجهه- فخرج هُوَ
وسهم بن غالب الهجيمي فأصبحوا عِنْدَ الجسر، فوجدوا عبادة بن قرص
اللَّيْثِيّ أحد بني بجير- وكانت لَهُ صحبة- يصلي عِنْدَ الجسر،
فأنكروه فقتلوه، ثُمَّ سألوه الأمان بعد ذَلِكَ، فآمنهم ابن عامر، وكتب
الى معاويه: قَدْ جعلت لَهُمْ ذمتك فكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة: تِلَكَ
ذمة لو أخفرتها لا سئلت عنها، فلم يزالوا آمنين حَتَّى عزل ابن عَامِر.
وفي هَذِهِ السنة ولد عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ- وقيل:
ولد فِي سنة اربعين قبل ان يقتل على ع، وهذا قول الْوَاقِدِيّ.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة عتبة بن أَبِي سُفْيَانَ فِي قول أبي
معشر، حَدَّثَنِي بذلك أحمد بْن ثابت عمن حدثه، عن إِسْحَاق بن عِيسَى،
عنه.
وأما الْوَاقِدِيّ فإنه ذكر عنه أنه كَانَ يقول: حج بِالنَّاسِ فِي
هَذِهِ السنة- أعني سنة إحدى وأربعين- عنبسة بن أَبِي سُفْيَانَ
(5/171)
ثُمَّ دخلت
سنة اثنتين وأربعين
(ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث) ففيها غزا الْمُسْلِمُونَ اللان،
وغزوا أَيْضًا الروم، فهزموهم هزيمة منكرة- فِيمَا ذكروا- وقتلوا جماعة
من بطارقتهم.
وقيل: في هذه السنه ولدا الحجاج بن يُوسُفَ.
وولى مُعَاوِيَة فِي هَذِهِ السنة مَرْوَان بن الحكم الْمَدِينَة،
فاستقضى مَرْوَان عَبْد اللَّهِ بن الْحَارِث بن نوفل وعلى مكة خَالِد
بن الْعَاصِ بن هِشَام، وَكَانَ عَلَى الْكُوفَة من قبله الْمُغِيرَة
بن شُعْبَةَ، وعلى القضاء شريح، وعلى الْبَصْرَة عَبْد اللَّهِ بن
عَامِر، وعلى قضائها عَمْرو بن يثربي، وعلى خُرَاسَان قيس بن الهيثم من
قبل عَبْد اللَّهِ بن عَامِر.
وذكر عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الفضل العبسي، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: بعث عَبْد اللَّهِ بن عَامِر قيس بن الهيثم عَلَى
خُرَاسَان حين ولاه مُعَاوِيَة الْبَصْرَة وخراسان، فأقام قيس بخراسان
سنتين.
وَقَدْ قيل فِي أمر ولاية قيس مَا ذكره حمزة بن أبي صالح السلمي، عن
زياد بن صالح، قَالَ: بعث مُعَاوِيَة حين استقامت له الأمور قيس ابن
الهيثم إِلَى خُرَاسَان، ثُمَّ ضمها إِلَى ابن عامر، فترك قيسا عليها.
ذكر الخبر عن تحرك الخوارج
وفي هَذِهِ السنة تحركت الخوارج الَّذِينَ انحازوا عمن قتل مِنْهُمْ
بالنهروان ومن كَانَ ارتث من جرحاهم بالنهروان، فبرءوا، وعفا عَنْهُمْ
عَلِيّ بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(5/172)
ذكر الخبر عما كَانَ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ
السنة:
ذكر هِشَام بْن مُحَمَّدٍ، عن أبي مخنف، قال: حدثنى النضر بن صالح ابن
حبيب، عن جرير بن مالك بن زهير بن جذيمة العبسي، عن أبيّ بن عمارة
العبسي، أن حيان بن ظبيان السلمي كَانَ يرى رأي الخوارج، وَكَانَ ممن
ارتث يوم النهروان، فعفا عنه على ع في الاربعمائه الَّذِينَ كَانَ عفا
عَنْهُمْ من المرتثين يوم النهر، فكان فِي أهله وعشيرته، فلبث شهرا أو
نحوه ثُمَّ إنه خرج إِلَى الري فِي رجال كَانُوا يرون ذَلِكَ الرأي،
فلم يزالوا مقيمين بالري حَتَّى بلغهم قتل علي كرم اللَّه وجهه، فدعا
أَصْحَابه أُولَئِكَ- وكانوا بضعة عشر رجلا، أحدهم سَالم بن رَبِيعَة
العبسي- فأتوه، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
أَيُّهَا الإخوان مِنَ الْمُسْلِمِينَ، إنه قَدْ بلغني أن أخاكم ابن
ملجم أخا مراد قعد لقتل عَلِيّ بن أبي طالب عِنْدَ أغباش الصبح مقابل
السدة الَّتِي فِي المسجد مسجد الجماعة، فلم يبرح راكدا ينتظر خروجه
حَتَّى خرج عَلَيْهِ حين أقام المقيم الصَّلاة صلاة الصبح، فشد
عَلَيْهِ فضرب رأسه بالسيف، فلم يبق إلا ليلتين حَتَّى مات، فَقَالَ
سَالم بن رَبِيعَة العبسي: لا يقطع اللَّه يمينا علت قذاله بالسيف،
قَالَ: فأخذ القوم يحمدون الله على قتله ع ورضي اللَّه عنه وَلا رضي
عَنْهُمْ وَلا رحمهم! قَالَ النضر بن صالح: فسألت بعد ذَلِكَ سَالم بن
رَبِيعَة فِي إمارة مُصْعَب ابن الزبير عن قوله ذلك في على ع، فأقر لي
بِهِ، وَقَالَ: كنت أَرَى رأيهم حينا، ولكن قَدْ تركته، قَالَ: فكان
فِي أنفسنا أنه قَدْ تركه، قَالَ:
فكان إذا ذكروا لَهُ ذَلِكَ يرمضه قَالَ: ثُمَّ إن حيان بن ظبيان قَالَ
لأَصْحَابه: إنه وَاللَّهِ ما يبقى على الدهر باق، وما تلبث الليالي
والأيام والسنون والشهور عَلَى ابن آدم حَتَّى تذيقه الموت، فيفارق
الإخوان الصالحين، ويدع الدُّنْيَا الَّتِي لا يبكي عَلَيْهَا إلا
العجزة، ولم تزل ضارة لمن كَانَتْ
(5/173)
لَهُ هما وشجنا، فانصرفوا بنا رحمكم اللَّه
إِلَى مصرنا، فلنأت إخواننا فلندعهم إِلَى الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وإلى جهاد الأحزاب، فإنه لا عذر لنا فِي القعود، وولاتنا ظلمة،
وسنة الهدى متروكة، وثأرنا الَّذِينَ قتلوا إخواننا فِي المجالس آمنون،
فإن يظفرنا اللَّه بهم نعمد بعد إِلَى الَّتِي هي أهدى وأرضى وأقوم،
ويشفي اللَّه بِذَلِكَ صدور قوم مؤمنين، وإن نقتل فإن فِي مفارقة
الظالمين راحة لنا، ولنا بأسلافنا أسوة فَقَالُوا لَهُ: كلنا قائل مَا
ذكرت، وحامد رأيك الَّذِي رأيت، فرد بنا المصر فإنا معك راضون بهداك
وأمرك، فخرج وخرجوا مَعَهُ مقبلين إِلَى الْكُوفَةِ، فذلك حين يقول:
خليلي مَا بي من عزاء وَلا صبر ... وَلا إربة بعد المصابين بالنهر
سوى نهضات فِي كتائب جمة ... إِلَى اللَّهِ مَا تدعو وفي اللَّه مَا
تفري
إذا جاوزت قسطانة الري بغلتي ... فلست بسار نحوها آخر الدهر
ولكنني سار وإن قل ناصري ... قريبا فلا أخزيكما مع من يسري
قَالَ: وأقبل حَتَّى نزل الْكُوفَة، فلم يزل بِهَا حَتَّى قدم
مُعَاوِيَة، وبعث الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ واليا عَلَى الْكُوفَة، فأحب
العافية، وأحسن فِي الناس السيرة، ولم يفتش أهل الأهواء عن أهوائهم،
وَكَانَ يؤتى فيقال لَهُ: إن فلانا يرى رأي الشيعة، وإن فلانا يرى رأي
الخوارج وَكَانَ يقول: قضى اللَّه أَلا تزالون مختلفين، وسيحكم اللَّه
بين عباده فِيمَا كَانُوا فِيهِ يختلفون فأمنه الناس، وكانت الخوارج
يلقى بعضهم بعضا، ويتذاكرون مكان إخوانهم بالنهروان ويرون أن فِي
الإقامة الغبن والوكف، وأن فِي جهاد أهل القبلة الفضل والأجر.
قَالَ أَبُو مخنف: فَحَدَّثَنِي النضر بن صالح، عن أبي بن عمارة، أن
الخوارج فِي أيام الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ فزعوا إِلَى ثلاثة نفر،
مِنْهُمُ المستورد بن علفة، فخرج فِي ثلاثة رجل مقبلا نحو جرجرايا
عَلَى شاطئ دجلة.
قَالَ أَبُو مخنف: وَحَدَّثَنِي جَعْفَر بن حُذَيْفَة الطَّائِيّ من آل
عَامِر بن
(5/174)
جوين، عن المحل بن خليفة، أن الخوارج فِي
أيام الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ فزعوا إِلَى ثلاثة نفر، منهم المستورد بن
علفه التميمى من تيم الرباب، وإلى حيان بن ظبيان السلمي، وإلى معاذ بن
جوين بن حصين الطَّائِيّ السنبسي- وَهُوَ ابن عم زَيْد بن حصين، وكان
زيد ممن قتله على ع يوم النهروان، وَكَانَ معاذ بن جوين هَذَا في
الاربعمائه الذين ارتثوا من قتلى الخوارج، فعفا عنهم على ع- فاجتمعوا
فِي منزل حيان بن ظبيان السلمي، فتشاوروا فيمن يولون عَلَيْهِم قَالَ:
فَقَالَ لَهُمُ المستورد: يا أيها الْمُسْلِمُونَ والمؤمنون، أراكم
اللَّه مَا تحبون، وعزل عنكم مَا تكرهون، ولوا عليكم من احببتم، فو
الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور مَا أبالي من كَانَ الوالي علي
مِنْكُمْ! وما شرف الدُّنْيَا نريد، وما إِلَى البقاء فِيهَا من سبيل،
وما نريد إلا الخلود فِي دار الخلود فَقَالَ حيان بن ظبيان: أما أنا
فلا حاجة لي فِيهَا وأنا بك وبكل امرئ من إخواني راض، فانظروا من شئتم
مِنْكُمْ فسموه، فأنا أول من يبايعه فَقَالَ لَهُمْ معاذ بن جوين بن
حصين: إذا قلتما أنتما هَذَا وأنتما سيدا الْمُسْلِمِينَ وذوا أنسابهم
فِي صلاحكما ودينكما وقدركما، فمن يرئس الْمُسْلِمِينَ، وليس كلكم يصلح
لهذا الأمر! وإنما ينبغي أن يلي عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذا كَانُوا سواء
فِي الفضل أبصرهم بالحرب، وأفقههم فِي الدين، وأشدهم اضطلاعا بِمَا
حمل، وأنتما بحمد الله ممن يرضى بهذا الأمر، فليتوله أحدكما قَالا:
فتوله أنت، فقد رضيناك، فأنت والحمد لِلَّهِ الكامل فِي دينك ورأيك،
فَقَالَ لهما: أنتما أسن مني، فليتوله أحدكما، فَقَالَ حينئذ جماعة من
حضرهما من الخوارج: قَدْ رضينا بكم أيها الثلاثة، فولوا أيكم أحببتم،
فليس فِي الثلاثة رجل إلا قَالَ لصاحبه: تولها أنت، فإني بك راض، وإني
فِيهَا غير ذي رغبة.
فلما كثر ذَلِكَ بينهم قَالَ حيان بن ظبيان، فإن معاذ بن جوين قَالَ:
إني لا ألي عَلَيْكُمَا وأنتما أسن مني، وأنا أقول لك مثل مَا قَالَ لي
ولك، لا ألي عَلَيْك وأنت أسن مني، ابسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعه،
ثُمَّ بايعه معاذ بن جوين، ثُمَّ بايعه القوم جميعا، وَذَلِكَ فِي
جمادى الآخرة فاتعد القوم أن يتجهزوا ويتيسروا ويستعدوا، ثُمَّ يخرجوا
فِي غرة الهلال هلال
(5/175)
شعبان سنة ثلاث وأربعين، فكانوا فِي جهازهم
وعدتهم.
وقيل: فِي هَذِهِ السنة سار بسر بن أبي أرطاة العامري إِلَى
الْمَدِينَة ومكة واليمن، وقتل من قتله فِي مسيره ذَلِكَ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ.
وَذَلِكَ قول الْوَاقِدِيّ، وَقَدْ ذكرت من خالفه فِي وقت مسيره هَذَا
السير.
وزعم الْوَاقِدِيّ أن دَاوُد بن حيان حدثه، عن عطاء بن أبي مَرْوَان،
قَالَ: أقام بسر بن أبي أرطأة بِالْمَدِينَةِ شهرا يستعرض الناس، ليس
أحد ممن يقال هَذَا أعان عَلَى عُثْمَانَ إلا قتله.
وَقَالَ عطاء بن أبي مَرْوَان: أَخْبَرَنِي حنظلة بن علي الأسلمي، قال:
وجد قوما من بنى كعب وغلمانهم على بئر لهم فالقاهم في البئر
ذكر قدوم زياد على معاويه
وفي هَذِهِ السنة قدم زياد- فِيمَا حَدَّثَنِي عُمَرُ- قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ، عن سُلَيْمَان بن أَرْقَمَ، قدم عَلَى
مُعَاوِيَة من فارس، فصالحه عَلَى مال يحمله إِلَيْهِ.
وَكَانَ سبب قدومه بعد امتناعه بقلعة من قلاع فارس، مَا حَدَّثَنِي عمر
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ، عن مسلمة بن محارب، قَالَ: كَانَ
عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة يلي مَا كَانَ لزياد بِالْبَصْرَةِ، فبلغ
مُعَاوِيَة أن لزياد أموالا عِنْدَ عبد الرَّحْمَن، وخاف زياد عَلَى
أشياء كَانَتْ فِي يد عبد الرَّحْمَن لزياد، فكتب إِلَيْهِ يأمره
بإحرازها، وبعث مُعَاوِيَة إِلَى الْمُغِيرَة بن شُعْبَةَ لينظر فِي
أموال زياد، فقدم الْمُغِيرَة، فأخذ عبد الرَّحْمَن، فَقَالَ: لَئِنْ
كَانَ أساء إلي أبوك لقد أحسن زياد وكتب إِلَى مُعَاوِيَةَ: إني لم أصب
فِي يد عبد الرَّحْمَن شَيْئًا يحل لي أخذه فكتب مُعَاوِيَة إِلَى
الْمُغِيرَة أن عذبه قَالَ: وَقَالَ بعض المشيخة:
إنه عذب عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرة إذ كتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة، وأراد
أن يعذر ويبلغ مُعَاوِيَة ذَلِكَ، فَقَالَ: احتفظ بِمَا أمرك بِهِ عمك،
فألقى عَلَى وجهه حريرة ونضحها بالماء، فكانت تلتزق بوجهه، فغشي
عَلَيْهِ، ففعل ذَلِكَ
(5/176)
ثلاث مرات، ثُمَّ خلاه، وكتب إِلَى
مُعَاوِيَةَ: إني عذبته، فلم أصب عنده شَيْئًا، فحفظ لزياد يده عنده.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ
ثَقِيفٍ، قَالُوا: دَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَى
مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ حِينَ نَظَرَ إِلَيْهِ.
إِنَّمَا مَوْضِعُ سِرِّ الْمَرْءِ إِنْ ... بَاحَ بِالسِّرِّ أَخُوهُ
لَمُنْتَصِحْ
فَإِذَا بُحْتَ بِسِرٍّ فَإِلَى ... نَاصِحٍ يَسْتُرْهُ أَوْ لا تَبُحْ
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ تَسْتَوْدِعْنِي
تَسْتَوْدِعْ نَاصِحًا شَفِيقًا وَرِعًا وَثِيقًا، فَمَا ذَاكَ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: ذَكَرْتُ زِيَادًا وَاعْتِصَامَهُ
بِأَرْضِ فَارِسٍ، وَامْتِنَاعَهُ بِهَا، فَلَمْ أَنَمْ لَيْلَتِي،
فَأَرَادَ الْمُغِيرَةُ أَنْ يُطَأْطِئَ مِنْ زِيَادٍ، فَقَالَ: مَا
زِيَادٌ هُنَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَقَالَ معاويه: بئس
الوطء الْعَجْزَ، دَاهِيَةُ الْعَرَبِ مَعَهُ الأَمْوَالُ، مُتَحَصِّنٌ
بِقِلاعِ فَارِسَ، يُدْبِرُ وَيُرَبِّصُ الْحِيَلَ، مَا يُؤَمِّنُنِي
أَنْ يُبَايِعَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ، فَإِذَا هُوَ
قَدْ أَعَادَ عَلَيَّ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ.
فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: أَتَأْذَنُ لِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي
اتيانه؟ قال: نعم، فاته وتلطف لَهُ، فَأَتَى الْمُغِيرَةُ زِيَادًا،
فَقَالَ زِيَادٌ حِينَ بَلَغَهُ قُدُومُ الْمُغِيرَةَ: مَا قَدِمَ إِلا
لأَمْرٍ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَهْوٍ لَهُ
مُسْتَقْبِلٌ الشَّمْسَ، فَقَالَ زِيَادٌ:
أَفْلَحَ رَائِدٌ! فَقَالَ: إِلَيْكَ يَنْتَهِي الْخَبَرُ أَبَا
الْمُغِيرَةِ، إِنَّ مُعَاوِيَةَ اسْتَخَفَّهُ الْوَجَلُ حَتَّى
بَعَثَنِي إِلَيْكَ، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَحَدًا يَمُدُّ يَدَهُ
إِلَى هَذَا الأَمْرِ غَيْرَ الْحَسَنِ، وَقَدْ بَايَعَ مُعَاوِيَةَ،
فخذ لنفسك قبل التوطين، فيستغنى عنك معاويه، قَالَ:
أَشِرْ عَلَيَّ، وَارْمِ الْغَرَضَ الأَقْصَى، وَدَعْ عَنْكَ
الْفُضُولَ، فَإِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ:
فِي مَحْضِ الرَّأْيِ بَشَاعَةٌ، وَلا خَيْرَ فِي الْمَذِيقِ، أَرَى
أَنْ تَصِلَ حَبْلَكَ بِحَبْلِهِ، وَتَشْخَصَ إِلَيْهِ، قَالَ: أَرَى
وَيَقْضِي اللَّهُ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ
مُحَارِبٍ، قال:
(5/177)
أَقَامَ زِيَادٌ فِي الْقَلْعَةِ أَكْثَرَ
مِنْ سَنَةٍ، فكتب اليه معاويه: علام تهلك نفسك؟
إِلَيَّ فَأَعْلِمْنِي عِلْمَ مَا صَارَ إِلَيْكَ مِمَّا اجْتَبَيْتَ
مِنَ الأَمْوَالِ، وَمَا خَرَجَ مِنْ يَدَيْكَ، وَمَا بَقِيَ عِنْدَكَ،
وَأَنْتَ آمِنٌ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ الْمُقَامَ عِنْدَنَا أَقَمْتَ،
وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَرْجِعَ الى ما منك رَجَعْتَ فَخَرَجَ زِيَادٌ
مِنْ فَارِسَ، وَبَلَغَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَنَّ زِيَادًا
قَدْ أَجْمَعَ عَلَى إِتْيَانِ مُعَاوِيَةَ، فَشَخَصَ الْمُغِيرَةُ
إِلَى مُعَاوِيَةَ قَبْلَ شُخُوصِ زِيَادٍ مِنْ فَارِسَ، وَأَخَذَ
زِيَادٌ مِنْ اصطخر الى ارجان، فاتى ماه بهزاذان، ثُمَّ أَخَذَ طَرِيقَ
حُلْوَانَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدَائِنَ، فَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
إِلَى مُعَاوِيَةَ يُخْبِرُهُ بِقُدُومِ زِيَادٍ، ثُمَّ قَدِمَ زِيَادٌ
الشَّامَ، وَقَدِمَ الْمُغِيرَةُ بَعْدَ شَهْرٍ، فَقَالَ لَهُ
مُعَاوِيَةُ: يَا مُغِيرَةُ، زِيَادٌ أَبْعَدُ مِنْكَ بِمَسِيرَةِ
شَهْرٍ، وَخَرَجْتَ قَبْلَهُ وَسَبَقَكَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ الأَرِيبَ إِذَا كَلَّمَ الأَرِيبَ أَفْحَمَهُ،
قَالَ: خُذْ حِذْرَكَ، واطو عنى سرك، فقال: ان زيادا قدم يَرْجُو
الزِّيَادَةَ، وَقَدِمْتُ أَتَخَوَّفُ النُّقْصَانَ، فَكَانَ سَيْرُنَا
عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ، قَالَ: فَسَأَلَ مُعَاوِيَةُ زِيَادًا عَمَّا
صَارَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ فَارِسَ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا حَمَلَ
مِنْهَا إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَا أَنْفَقَ مِنْهَا
فِي الْوُجُوهِ الَّتِي يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى النَّفَقَةِ،
فَصَدَّقَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى مَا أَنْفَقَ، وَمَا بَقِيَ عِنْدَهُ،
وَقَبَضَهُ مِنْهُ، وَقَالَ: قَدْ كُنْتَ أَمِينَ خُلَفَائِنَا.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو مِخْنَفٍ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَصْبَهَانِيُّ
وَسَلَمَةُ بْنُ عُثْمَانَ وَشَيْخٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ
مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِمْ، قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ
وَهُوَ بِفَارِسَ يَسْأَلَهُ الْقُدُومَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ زِيَادٌ
مِنْ فَارِسَ مَعَ الْمِنْجَابِ بْنِ رَاشِدٍ الضَّبِّيِّ وَحَارِثَةَ
بْنِ بَدْرٍ الْغُدَانِيِّ، وَسَرَّحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ فِي
جَمَاعَةٍ إِلَى فَارِسَ، فَقَالَ: لَعَلَّكَ تَلْقَى زِيَادًا فِي
طَرِيقِكَ فَتَأْخُذُهُ فَسَارَ ابْنُ خَازِمٍ إِلَى فَارِسَ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: لَقِيَهُ بِسُوقِ الأَهْوَازِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
لَقِيَهُ بِأَرَّجَانَ، فَأَخَذَ ابْنُ خَازِمٍ بِعِنَانِ زِيَادٍ،
فَقَالَ: انْزِلْ يَا زِيَادُ، فصاح به المنجاب بن راشد: تنح يا بن
سَوْدَاءَ، وَإِلا عَلَّقْتُ يَدَكَ بِالْعِنَانِ قَالَ: وَيُقَالُ:
انْتَهَى إِلَيْهِمُ ابْنُ خَازِمٍ وَزِيَادٌ
(5/178)
جَالِسٌ، فَأَغْلَظَ لَهُ ابْنُ خَازِمٍ،
فَشَتَمَ الْمِنْجَابُ بْنُ خَازِمٍ، فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ:
مَا تُرِيدُ يا بن خَازِمٍ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تَجِيءَ إِلَى
الْبَصْرَةِ، قَالَ: فَإِنِّي آتِيهَا، فَانْصَرَفَ ابْنُ خَازِمٍ
اسْتِحْيَاءً مِنْ زِيَادٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْتَقَى زِيَادٌ وَابْنُ خَازِمٍ بِأَرَّجَانَ،
فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَةٌ، فَقَالَ زِيَادٌ لابْنِ خَازِمٍ
قَدْ أَتَانِي أَمَانُ مُعَاوِيَةَ، فَأَنَا أُرِيدُهُ، وَهَذَا
كِتَابُهُ إِلَيَّ.
قَالَ: فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلا سَبِيلَ
عَلَيْكَ، فمضى ابن خازم إِلَى سابور، ومضى زياد إِلَى ماه بهزاذان،
وقدم عَلَى مُعَاوِيَة، فسأله عن أموال فارس، فَقَالَ: دفعتها يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أرزاق وأعطيات وحمالات، وبقيت بقية أودعتها
قوما، فمكث بِذَلِكَ يردده، وكتب زياد كتبا إِلَى قوم مِنْهُمْ شعبة بن
القلعم: قَدْ علمتم مَا لي عندكم من الأمانة، فتدبروا كتاب اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ، «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ» الآية، فاحتفظوا بِمَا قبلكم وسمى فِي الكتب
بالمبلغ الَّذِي اقربه لمعاوية، ودس الكتب مع رسوله، وأمره أن يعرض
لبعض من يبلغ ذَلِكَ مُعَاوِيَة، فتعرض رسوله حَتَّى انتشر ذَلِكَ،
وأخذ فأتي بِهِ مُعَاوِيَة، فَقَالَ مُعَاوِيَة لزياد:
لَئِنْ لم تكن مكرت بي إن هَذِهِ الكتب من حاجتي فقرأها، فإذا هي بمثل
مَا أقر بِهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَة: أخاف أن تكون قَدْ مكرت بي، فصالحني
عَلَى مَا شئت، فصالحه عَلَى شَيْء مما ذكره إنه عنده، فحمله، وَقَالَ
زياد:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَدْ كَانَ لي مال قبل الولاية، فوددت أن
ذَلِكَ المال بقي، وذهب مَا أخذت من الولاية ثُمَّ سأل زياد مُعَاوِيَة
أن يأذن لَهُ فِي نزول الْكُوفَة فأذن لَهُ، فشخص إِلَى الْكُوفَةِ،
فكان الْمُغِيرَة يكرمه ويعظمه، فكتب مُعَاوِيَة إِلَى الْمُغِيرَة: خذ
زيادا وسُلَيْمَان بن صرد وحجر بن عدي وشبث بن ربعي وابن الكواء وعمرو
بن الحمق بالصلاة فِي الجماعة، فكانوا يحضرون مَعَهُ فِي الصَّلاة.
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، عن
سُلَيْمَان بن أَرْقَمَ، قَالَ:
بلغني أن زيادا قدم الْكُوفَة، فحضرت الصَّلاة، فَقَالَ لَهُ
الْمُغِيرَة: تقدم
(5/179)
فصل، فَقَالَ: لا أفعل، أنت أحق مني
بالصلاة فِي سلطانك قَالَ:
ودخل عَلَيْهِ زياد وعند الْمُغِيرَة أم أيوب بنت عمارة بن عُقْبَةَ بن
أبي معيط، فأجلسها بين يديه، وقال: لا تسترى من أَبِي الْمُغِيرَةِ،
فلما مات الْمُغِيرَة تزوجها زياد وَهِيَ حدثة، فكان زياد يأمر بفيل
كَانَ عنده، فيوقف، فتنظر إِلَيْهِ أم أيوب، فسمي باب الفيل.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة عنبسة بن أَبِي سُفْيَانَ، كذلك
حَدَّثَنِي أحمد بْن ثابت، عمن ذكره، عن إسحاق بن عِيسَى، عن أبي معشر
(5/180)
ثُمَّ دخلت
سنة ثلاث وأربعين
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمن ذَلِكَ غزوة بسر بن أبي
أرطاة الروم ومشتاه بأرضهم حَتَّى بلغ القسطنطينية- فِيمَا زعم
الْوَاقِدِيّ- وَقَدْ أنكر ذاك قوم من أهل الأخبار، فَقَالُوا: لَمْ
يَكُنْ لبسر بأرض الروم مشتى قط.
وفيها مات عَمْرو بن الْعَاصِ بمصر يوم الفطر، وقبل كَانَ عمل
عَلَيْهَا لعمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أربع سنين،
ولعثمان أربع سنين إلا شهرين، ولمعاوية سنتين إلا شهرا.
وفيها ولى مُعَاوِيَة، عَبْد اللَّهِ بن عَمْرو بن الْعَاصِ مصر بعد
موت أَبِيهِ، فوليها لَهُ- فِيمَا زعم الْوَاقِدِيّ- نحوا من سنتين
وفيها مات مُحَمَّد بن مسلمة فِي صفر بِالْمَدِينَةِ، وصلى عَلَيْهِ
مَرْوَان بن الحكم. |