تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

ذكر استعمال الربيع بن زياد على خراسان
وفي هَذِهِ السنة وجه زياد الربيع بن زياد الحارثي أميرا عَلَى خُرَاسَان بعد موت الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ، وَكَانَ الحكم قَدِ استخلف عَلَى عمله بعد موته أنس بن أبي أناس، وأنس هُوَ الَّذِي صلى عَلَى الحكم حين مات فدفن فِي دار خَالِد بن عَبْدِ اللَّهِ أخي خليد بن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي، وكتب بِذَلِكَ الحكم إِلَى زياد، فعزل زياد أنسا، وولى مكانه خليد بن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي

(5/285)


فحدثني عمر، قال: حدثني علي بن مُحَمَّد، قَالَ: لما عزل زياد أنسا وولي مكانه خليد بن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي قَالَ أنس:
أَلا من مبلغ عني زيادا ... مغلغلة يخب بِهَا البريد
أتعزلني وتطعمها خليدا ... لقد لاقت حنيفة مَا تريد
عَلَيْكُمْ باليمامة فاحرثوها ... فأولكم وآخركم عبيد
فولى خليدا شهرا ثُمَّ عزله، وولى خُرَاسَان ربيع بن زياد الحارثي فِي أول سنة إحدى وخمسين، فنقل الناس عيالاتهم إِلَى خُرَاسَان، ووطنوا بِهَا، ثُمَّ عزل الربيع.
فَحدثني عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، عَنْ مَسْلَمَةَ بن محارب وعبد الرحمن ابن أَبَانٍ الْقُرَشِيِّ، قَالا: قَدِمَ الرَّبِيعُ خُرَاسَانَ فَفَتَحَ بَلْخَ صُلْحًا، وَكَانُوا قَدْ أَغْلَقُوهَا بَعْدَ مَا صَالَحَهُمُ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، وَفَتَحَ قُهُسْتَانَ عَنْوَةً، وَكَانَتْ بِنَاحِيَتِهَا أَتْرَاكٌ، فَقَتَلَهُمْ وَهَزَمَهُمْ، وَكَانَ مِمَّنْ بَقِيَ مِنْهُمْ نَيْزَكُ طَرْخَانَ، فَقَتَلَهُ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ فِي وِلايَتِهِ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا علي، قَالَ: غزا الربيع فقطع النهر وَمَعَهُ غلامه فروخ وجاريته شريفة، فغنم وَسَلَّمَ، فأعتق فروخا، وَكَانَ قَدْ قطع النهر قبله الحكم بن عَمْرو فِي ولايته ولم يفتح.
فَحَدَّثَنِي عمر، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: كَانَ أول الْمُسْلِمِينَ شرب من النهر مولى للحكم، اغترف بترسه فشرب، ثُمَّ ناول الحكم فشرب، وتوضأ وصلى من وراء النهر ركعتين، وَكَانَ أول الناس فعل ذَلِكَ، ثُمَّ قفل.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة يَزِيد بْن مُعَاوِيَة، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن ثَابِت عمن ذكره، عن إِسْحَاق بْن عِيسَى، عن أبي معشر، وكذلك قَالَ الْوَاقِدِيُّ.
وَكَانَ العامل فِي هَذِهِ السنة على المدينة سعيد بن العاص، وعلى الكوفة والبصرة والمشرق كله زياد، وعلى قضاء الْكُوفَة شريح، وعلى قضاء الْبَصْرَة عميرة بن يثربي

(5/286)


ثُمَّ دخلت

سنة اثنتين وخمسين
فزعم الْوَاقِدِيّ أن فِيهَا كَانَتْ غزوة سُفْيَان بن عوف الأَزْدِيّ، ومشتاه بأرض الروم، وأنه توفي بِهَا، واستخلف عَبْد اللَّهِ بن مسعدة الفزاري.
وَقَالَ غيره: بل الَّذِي شتا بأرض الروم فِي هَذِهِ السنة بِالنَّاسِ بسر بن أبي أرطاة، وَمَعَهُ سُفْيَان بن عوف الأَزْدِيّ، وغزا الصائفة فِي هَذِهِ السنة مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ الثقفي.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة سَعِيد بن الْعَاصِ فِي قول أبي معشر والواقدي وغيرهما.
وكانت عمال الأمصار فِي هَذِهِ السنة هم العمال عَلَيْهَا كَانُوا فِي سنة إحدى وخمسين

(5/287)


ثُمَّ دخلت

سنة ثلاث وخمسين
(ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمما كَانَ فِيهَا من ذلك مشتى عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي بأرض الروم.
وفيها فتحت رودس، جزيرة فِي البحر، ففتحها جُنَادَة بن ابى اميه الأزدي، فنزلها الْمُسْلِمُونَ- فِيمَا ذكر مُحَمَّد بن عُمَرَ- وزرعوا واتخذوا بِهَا أموالا ومواشي يرعونها حولها، فإذا أمسوا أدخلوها الحصن، ولهم ناطور يحذرهم مَا فِي البحر ممن يريدهم بكيد، فكانوا عَلَى حذر مِنْهُمْ، وكانوا أشد شَيْء عَلَى الروم، فيعترضونهم فِي البحر فيقطعون سفنهم، وَكَانَ مُعَاوِيَة يدر لَهُمُ الأرزاق والعطاء، وَكَانَ العدو قَدْ خافهم، فلما مات مُعَاوِيَة أقفلهم يَزِيد بن معاويه.
وفيها كانت وفاه زياد بن سمية، حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ فِيلٍ مَوْلَى زِيَادٍ، قَالَ: مَلَكَ زِيَادٌ الْعِرَاقَ خَمْسَ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَخَمْسِينَ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لما نزل زياد عَلَى العراق بقي إِلَى سنة ثلاث وخمسين، ثُمَّ مات بالكوفة فِي شهر رمضان وخليفته عَلَى الْبَصْرَة سمرة بن جندب.

ذكر سبب مهلك زياد بن سمية
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَوْذَبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ، أَنَّ زِيَادًا كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنِّي ضَبَطْتُ الْعِرَاقَ بِشِمَالِي،

(5/288)


وَيَمِينِي فَارِغَةٌ فَضَمَّ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ الْعَرُوضَ- وَهِيَ الْيَمَامَةُ وَمَا يَلِيهَا- فَدَعَا عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ، فَطُعِنَ وَمَاتَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ: اذْهَبْ إِلَيْكَ ابْنَ سُمَيَّةَ، فَلا الدُّنْيَا بَقِيَتْ لَكَ، وَلا الآخِرَةَ أَدْرَكْتَ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: كَتَبَ زِيَادٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ:
قَدْ ضَبَطْتُ لَكَ الْعِرَاقَ بِشِمَالِي وَيَمِينِي فَارِغَةٌ، فَاشْغَلْهَا بِالْحِجَازِ، وَبَعَثَ فِي ذَلِكَ الْهَيْثَمَ بْنَ الأَسْوَدِ النَّخَعِيَّ، وَكَتَبَ لَهُ عَهْدَهُ مَعَ الْهَيْثَمِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الْحِجَازِ أَتَى نَفَرٌ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: ادْعُوا اللَّهَ عَلَيْهِ يَكْفِيكُمُوهُ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَاسْتَقْبَلُوهَا فَدَعَوْا وَدَعَا، فَخَرَجَتْ طَاعُونَةٌ عَلَى أُصْبُعِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى شُرَيْحٍ- وَكَانَ قَاضِيهِ- فَقَالَ:
حَدَثَ بِي مَا تَرَى، وَقَدْ أُمِرْتُ بِقَطْعِهَا، فَأَشِرْ عَلَيَّ، فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ:
إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ الْجِرَاحُ عَلَى يَدِكَ، وَالأَلَمُ عَلَى قَلْبِكَ، وَأَنْ يَكُونَ الأَجَلُ قَدْ دَنَا، فَتَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجْذَمَ، وَقَدْ قَطَعْتَ يَدَكَ كَرَاهِيَةً لِلِقَائِهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ فِي الأَجَلِ تَأْخِيرٌ وَقَدْ قَطَعْتَ يَدَكَ فَتَعِيشُ أَجْذَمَ وَتُعَيَّرُ وَلَدُكَ.
فَتَرَكَهَا، وَخَرَجَ شُرَيْحٌ فَسَأَلُوهُ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا أَشَارَ بِهِ، فَلامُوهُ وَقَالُوا:
هَلا أَشَرْتَ عَلَيْهِ بِقَطْعِهَا! [فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ص: الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ] .
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ المروزي، قَالَ: حدثني أبي، قال: حدثني سُلَيْمَان، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ يُحَدِّثُ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى شُرَيْحٍ يَسْتَشِيرُهُ فِي قَطْعِ يَدِهِ، فَقَالَ: لا تَفْعَلْ، إِنَّكَ إِنْ عِشْتَ صِرْتَ أَجْذَمَ، وَإِنْ هَلَكْتَ إِيَّاكَ جَانِيًا عَلَى نَفْسِكَ، قَالَ: أَنَامُ وَالطَّاعُونَ فِي لِحَافٍ! فَعَزَمَ أَنْ يَفْعَلَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى النَّارِ وَالْمَكَاوِي جَزِعَ وَتَرَكَ ذَلِكَ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الْمَلِكِ بن قريب الأصمعي، قَالَ:
حَدَّثَنِي ابن أبي زياد، قَالَ: لما حضرت زيادا الوفاة قَالَ لَهُ ابنه: يَا أبت، قَدْ هيأت لك ستين ثوبا أكفنك فِيهَا، قَالَ: يَا بني، قَدْ دنا من أبيك

(5/289)


لباس خير من لباسه هَذَا، أو سلب سريع، فمات فدفن بالثوية إِلَى جانب الْكُوفَة، وَقَدْ توجه يَزِيد إِلَى الحجاز واليا عَلَيْهَا، فَقَالَ مسكين بن عَامِر بن شريح بن عَمْرو بن عدس بن زَيْد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دارم:
رأيت زيادة الإِسْلام ولت ... جهارا حين ودعنا زياد
وَقَالَ الفرزدق لمسكين- ولم يكن هجا زيادا حَتَّى مات:
أمسكين أبكى اللَّه عينك إنما ... جرى فِي ضلال دمعها فتحدرا
بكيت امرأ من آل ميسان كافرا ... ككسرى عَلَى عدانه أو كقيصرا
أقول لَهُ لما أتاني نعيه ... بِهِ لا بظبي بالصريمة أعفرا
فأجابه مسكين، فَقَالَ:
أَلا أيها المرء الَّذِي لست ناطقا ... وَلا قاعدا فِي القوم إلا انبرى ليا
فجئني بعم مثل عمي أو أب ... كمثل أبي أو خال صدق كخاليا
كعمرو بن عَمْرو أو زرارة والدا ... أو البشر من كل فرعت الروابيا
وما زال بي مثل القناة وسابح ... وخطارة غب السرى من عياليا
فهذا لأيام الحفاظ وهذه ... لرحلي وهذا عدة لارتحاليا!
وَقَالَ الفرزدق:
أبلغ زيادا إذا لاقيت مصرعه ... أن الحمامة قَدْ طارت من الحرم
طارت فما زال ينميها قوادمها ... حَتَّى استغاثت إِلَى الأنهار والأجم
حَدَّثَنِي عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: رَأَيْتُ زِيَادًا فِيهِ حُمْرَةٌ، فِي عَيْنِهِ الْيُمْنَى انْكِسَارٌ، أَبْيَضُ اللِّحْيَةِ مَخْرُوطُهَا، عَلَيْهِ قَمِيصٌ مَرْقُوعٌ، وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا لِجَامُهَا قَدْ أرسنها

(5/290)


ذكر الخبر عن وفاه الربيع بن زياد الحارثى
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ وَفَاةُ الرَّبِيعِ بْنُ زِيَادٍ الْحَارِثِيُّ، وَهُوَ عَامِلُ زِيَادٍ عَلَى خُرَاسَانَ.
(ذكر الخبر عن سبب وفاته:) حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ولي الربيع بن زياد خُرَاسَان سنتين وأشهرا، ومات فِي العام الَّذِي مات فِيهِ زياد، واستخلف ابنه عَبْد اللَّهِ بن الربيع، فولي شهرين، ثُمَّ مات عَبْد اللَّهِ قَالَ: فقدم عهده من قبل زياد عَلَى خُرَاسَان وَهُوَ يدفن، واستخلف عَبْد اللَّهِ بن الربيع عَلَى خُرَاسَان خليد بن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي.
قَالَ علي: وأخبرني مُحَمَّد بن الفضل، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بلغنى ان الربيع ابن زياد ذكر يَوْمًا بخراسان حجر بن عدي، فَقَالَ: لا تزال العرب تقتل صبرا بعده، ولو نفرت عِنْدَ قتله لم يقتل رجل مِنْهُمْ صبرا، ولكنها أقرت فذلت، فمكث بعد هَذَا الكلام جمعة، ثُمَّ خرج فِي ثياب بياض فِي يوم جمعة، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إني قَدْ مللت الحياة، وإني داع بدعوة فأمنوا ثُمَّ رفع يده بعد الصَّلاة، وَقَالَ: اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك عاجلا وأمن الناس فخرج، فما توارت ثيابه حَتَّى سقط فحمل إِلَى بيته، واستخلف ابنه عَبْد اللَّهِ، ومات من يومه، ثُمَّ مات ابنه، فاستخلف خليد بن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي، فأقره زياد، فمات زياد وخليد عَلَى خُرَاسَان، وهلك زياد وَقَدِ استخلف عَلَى عمله عَلَى الْكُوفَة عَبْد اللَّهِ بن خَالِد بن أسيد، وعلى الْبَصْرَة سمرة بن جندب الفزاري.
فحدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي، قَالَ: مات زياد وعلى الْبَصْرَة سمرة بن جندب خليفة لَهُ، وعلى الْكُوفَة عَبْد اللَّهِ بن خَالِد بن أسيد، فأقر سمرة عَلَى الْبَصْرَة ثمانية عشر شهرا.
قَالَ عمر: وبلغني عن جَعْفَر بن سُلَيْمَانَ الضبعي، قَالَ: أقر مُعَاوِيَة سمرة بعد زياد ستة أشهر، ثُمَّ عزله، فَقَالَ سمرة: لعن اللَّه مُعَاوِيَة! وَاللَّهِ لو أطعت اللَّه كما أطعت مُعَاوِيَة مَا عذبني ابدا

(5/291)


حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حدثنى سليمان ابن مُسْلِمٍ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: مَرَرْتُ بِالْمَسْجِدِ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَمُرَةَ فَأَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ فَجَعَلَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، فَإِذَا رَأْسُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَبَدَنُهُ نَاحِيَةً، فَمَرَّ أَبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» ، قَالَ أَبِي: فَشَهِدْتُ ذَاكَ، فَمَا مَاتَ سَمُرَةُ حَتَّى أَخَذَهُ الزَّمْهَرِيرُ، فَمَاتَ شَرَّ مِيتَةٍ، قَالَ: وَشَهِدْتُهُ وَأُتِيَ بِنَاسٍ كَثِيرٍ وَأُنَاسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ لِلرَّجُلِ:
مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنِّي بَرِيءٌ مِنَ الْحَرُورِيَّةِ، فَيَقْدَمُ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ حَتَّى مَرَّ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ سعيد بن العاص في قول أبي معشر والواقدى وَغَيْرُهُمَا.
وَكَانَ الْعَامِلُ فِيهَا عَلَى الْمَدِينَةِ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَلَى الْكُوفَةِ بَعْدَ مَوْتِ زِيَادٍ عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى الْبَصْرَةِ بَعْدَ مَوْتِ زِيَادٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ، وَعَلَى خُرَاسَانَ خُلَيْدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيَّ.

(5/292)


ثُمَّ دخلت

سنة أربع وخمسين
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) ففيها كَانَ مشتى مُحَمَّد بن مالك أرض الروم، وصائفة معن بن يَزِيدَ السلمي.
وفيها- فِيمَا زعم الْوَاقِدِيّ- فتح جُنَادَة بن أَبِي أُمَيَّةَ جزيرة فِي البحر قريبة من قسطنطينية يقال لها أرواد.
وذكر مُحَمَّد بن عُمَرَ أن الْمُسْلِمِينَ أقاموا بِهَا دهرا، فِيمَا يقال سبع سنين، وَكَانَ فِيهَا مجاهد بن جبر قَالَ: وَقَالَ تبيع ابن امرأة كعب: ترون هَذِهِ الدرجة؟ إذا انقلعت جاءت قفلتنا قَالَ: فهاجت ريح شديدة فقلعت الدرجة، وجاء نعي مُعَاوِيَة وكتاب يَزِيد بالقفل فقفلنا، فلم تعمر بعد ذَلِكَ وخربت، وامن الروم.

ذكر عزل سعيد بن العاص عن المدينة واستعمال مروان
وفيها عزل مُعَاوِيَة سَعِيد بن الْعَاصِ عن الْمَدِينَة، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا مَرْوَان بن الحكم.
(ذكر سبب عزل مُعَاوِيَة سعيدا واستعمال مَرْوَان:) حَدَّثَنِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ جويرة بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ أَشْيَاخِهِ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ يُغْرِي بَيْنَ مَرْوَانَ وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، فَكَتَبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ: أَهْدِمْ دَارَ مَرْوَانَ، فَلَمْ يَهْدِمْهَا، فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ بِهَدْمِهَا، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَعَزَلَهُ وَوَلَّى مَرْوَانَ.
وأما محمد بْن عمر، فإنه ذكر أن مُعَاوِيَة كتب إِلَى سَعِيد بن الْعَاصِ يأمره بقبض أموال مَرْوَان كلها فيجعلها صافية، ويقبض فدك منه- وكان

(5/293)


وهبها لَهُ، فراجعه سَعِيد بن الْعَاصِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: قرابته قريبة فكتب إِلَيْهِ ثانية يأمره باصطفاء أموال مَرْوَان، فأبى، وأخذ سَعِيد بن الْعَاصِ الكتابين فوضعهما عِنْدَ جارية، فلما عزل سَعِيد عن الْمَدِينَة فوليها مَرْوَان، كتب مُعَاوِيَة إِلَى مَرْوَان بن الحكم يأمره بقبض اموال سعيد بن العاص بالحجار، وأرسل إِلَيْهِ بالكتاب مع ابنه عَبْد الْمَلِكِ، فخبره أنه لو كَانَ شَيْئًا غير كتاب أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لتجافيت، فدعا سَعِيد بن الْعَاصِ بالكتابين اللذين كتب بهما مُعَاوِيَة إِلَيْهِ فِي أموال مَرْوَان يأمره فيهما بقبض أمواله، فذهب بهما إِلَى مَرْوَان، فَقَالَ: هُوَ كَانَ أوصل لنا منا لَهُ! وكف عن قبض أموال سَعِيد.
وكتب سَعِيد بن الْعَاصِ إِلَى مُعَاوِيَةَ: العجب مما صنع أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بنا فِي قرابتنا، أن يضغن بعضنا عَلَى بعض! فأمير الْمُؤْمِنِينَ فِي حلمه وصبره عَلَى مَا يكره من الاجنبين، وعفوه وإدخاله القطيعة بيننا والشحناء، وتوارث الأولاد ذلك، فو الله لو لم نكن بني أب واحد إلا بِمَا جمعنا اللَّه عَلَيْهِ من نصر الخليفة المظلوم، واجتماع كلمتنا، لكان حقا علينا أن نرعى ذَلِكَ، والذي أدركنا بِهِ خير فكتب إِلَيْهِ يتنصل من ذَلِكَ، وأنه عائد إِلَى أحسن مَا يعهده.
عاد الحديث إِلَى حديث عمر، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: فلما ولى مَرْوَان كتب إِلَيْهِ: اهدم دار سَعِيد، فأرسل الفعلة، وركب ليهدمها، فَقَالَ لَهُ سَعِيد: يَا أَبَا عَبْد الْمَلِكِ، أتهدم داري! قَالَ: نعم، كتب إلي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، ولو كتب فِي هدم داري لفعلت، قَالَ: مَا كنت لأفعل، قَالَ: بلى، وَاللَّهِ لو كتب إليك لهدمتها، قَالَ: كلا أبا عَبْد الْمَلِكِ وَقَالَ لغلامه: انطلق فجئني بكتاب مُعَاوِيَة، فَجَاءَ بكتاب مُعَاوِيَة إِلَى سَعِيد بن الْعَاصِ فِي هدم دار مَرْوَان بن الحكم، قَالَ: مَرْوَان كتب إليك يَا أَبَا عُثْمَان فِي هدم داري، فلم تهدم ولم تعلمني قَالَ: مَا كنت لأهدم دارك، وَلا أمن، عَلَيْك، وإنما أراد مُعَاوِيَة أن يحرض بيننا، فَقَالَ

(5/294)


مروان: فداك ابى وأمي! أنت وَاللَّهِ أكثر منا ريشا وعقبا ورجع مَرْوَان ولم يهدم دار سَعِيد.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ ذَكْوَانَ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: قَدِمَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عُثْمَانَ، كَيْفَ تَرَكْتَ أَبَا عَبْدِ الْمَلِكِ؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ ضَابِطًا لِعَمَلِكَ، مُنَفِّذًا لأَمْرِكَ قَالَ: إِنَّهُ كَصَاحِبِ الْخُبْزَةِ كُفِيَ نُضْجَهَا فَأَكَلَهَا، قَالَ: كَلا، وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ لَمَعَ قَوْمٍ لا يَحْمِلُ بِهِمُ السَّوْطَ، وَلا يَحِلُّ لَهُمُ السَّيْفَ، يَتَهَادُونَ كَوَقْعِ النَّبْلِ، سَهْمٌ لَكَ وَسَهْمٌ عَلَيْكَ، قَالَ: مَا بَاعَدَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟
قَالَ: خَافَنِي عَلَى شَرَفِهِ، وَخِفْتُهُ عَلَى شَرَفِي، قَالَ: فَمَاذَا لَهُ عِنْدَكَ؟
قَالَ: أُسِرُّهُ غَائِبًا، وَأُسِرُّهُ شَاهِدًا، قَالَ: تَرَكْتَنَا يَا أَبَا عُثْمَانَ فِي هَذِهِ الْهَنَاتِ، قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَتَحَمَّلْتُ الثِّقَلَ، وَكُفِيتُ الْحَزْمَ، وَكُنْتُ قَرِيبًا لَوْ دَعَوْتُ أُجِبْتُ، وَلَوْ ذَهَبْتُ رُفِعْتُ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ عَزْلُ مُعَاوِيَةَ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ عَنِ الْبَصْرَةِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ غَيْلانَ فَحَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: عَزَلَ مُعَاوِيَةُ سَمُرَةَ وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ غَيْلانَ، فَأَقَرَّهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَوَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو شرطته عبد الله بن حصن