تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
. ذكر توليه
معاويه عبيد الله بن زياد على خراسان
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ وَلَّى مُعَاوِيَةُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ
زِيَادٍ خُرَاسَانَ.
(ذِكْرُ سَبَبِ وِلايَةِ ذَلِكَ) :
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ مُحَارِبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ
الْقُرَشِيُّ، قَالا: لَمَّا مَاتَ زِيَادٌ وَفَدَ عُبَيْدُ اللَّهِ
إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: مَنِ اسْتَخْلَفَ أَخِي عَلَى
عَمَلِهِ بِالْكُوفَةِ؟ قَالَ: عَبْدُ الله بن خالد
(5/295)
ابن أُسَيْدٍ، قَالَ: فَمَنِ اسْتُعْمِلَ
عَلَى الْبَصْرَةِ؟ قَالَ: سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيُّ،
فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: لَوِ اسْتَعْمَلَكَ أَبُوكَ
اسْتَعْمَلْتُكَ، فَقَالَ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ:
أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ يَقُولَهَا إِلَيَّ أَحَدٌ بعدك: لو ولاك ابوك
وعمك لوليتك! قالا: وَكَانَ مُعَاوِيَةُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَلِّيَ
رَجُلا مِنْ بَنِي حَرْبٍ وَلاهُ الطَّائِفَ، فَإِنْ رَأَى منه خيرا
وما يُعْجِبُهُ وَلاهُ مَكَّةَ مَعَهَا، فَإِنْ أَحْسَنَ الْوِلايَةَ
وَقَامَ بِمَا وُلِّيَ قِيَامًا حَسَنًا جَمَعَ لَهُ مَعَهُمَا
الْمَدِينَةَ، فَكَانَ إِذَا وُلِّيَ الطَّائِفُ رَجُلا قِيلَ:
هُوَ فِي أَبِي جَادٍ، فَإِذَا وَلاهُ مَكَّةَ قِيلَ: هُوَ فِي
الْقُرْآنِ، فَإِذَا وَلاهُ المدينة قيل: هو قد حذق.
قَالا: فَلَمَّا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ مَا قَالَ وَلاهُ خُرَاسَانَ،
ثُمَّ قَالَ لَهُ حِينَ وَلاهُ:
إِنِّي قَدْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مِثْلَ عَهْدِي إِلَى عُمَّالِي، ثُمَّ
أُوصِيكَ وَصِيَّةَ الْقَرَابَةِ لِخَاصَّتِكَ عِنْدِي: لا تَبِيعَنَّ
كَثِيرًا بِقَلِيلٍ، وَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ نَفْسِكَ، وَاكْتَفِ
فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ عَدُوِّكَ بِالْوَفَاءِ تَخِفَّ عَلَيْكَ
الْمَئُونَةُ وَعَلَيْنَا مِنْكَ، وَافْتَحْ بَابَكَ لِلنَّاسِ تَكُنْ
فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَنْتَ وَهُمْ سَوَاءً، وَإِذَا عَزَمْتَ عَلَى
أَمْرٍ فَأَخْرِجْهُ إِلَى النَّاسِ، وَلا يَكُنْ لأَحَدٍ فِيهِ
مَطْمَعٌ، وَلا يَرْجِعَنَّ عَلَيْكَ وَأَنْتَ تَسْتَطِيعُ، وَإِذَا
لَقِيتَ عَدُوَّكَ فَغَلَبُوكَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ فَلا يَغْلِبُوكَ
عَلَى بطنها، وان احتاج أصحابك الى ان تؤاسيهم بِنَفْسِكَ فَأْسُهُمْ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ
مُعَاوِيَةُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَقَالَ:
اسْتَمْسِكِ الْفَسْفَاسَ إِنْ لَمْ يَقْطَعْ.
وَقَالَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُؤْثِرَنَّ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ
شَيْئًا، فَإِنَّ فِي تَقْوَاهُ عِوَضًا، وَقِ عِرْضَكَ مِنْ أَنْ
تُدَنِّسَهُ، وَإِذَا أَعْطَيْتَ عَهْدًا فَفِ بِهِ، وَلا تَبِيعَنَّ
كَثِيرًا بِقَلِيلٍ، وَلا تُخْرِجَنَّ مِنْكَ أَمْرًا حَتَّى
تُبْرِمَهُ، فَإِذَا خَرَجَ فَلا يُرَدَنَّ عَلَيْكَ، وَإِذَا لَقِيتَ
عَدُوَّكَ فكن اكثر من معك، وقاسمهم عَلَى كِتَابِ اللَّهِ،
(5/296)
وَلا تُطْمِعَنَّ أَحَدًا فِي غَيْرِ
حَقِّهِ، وَلا تُؤْيِسَنَّ أَحَدًا مِنْ حَقٍّ لَهُ ثُمَّ وَدَّعَهُ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا
مسلمة، قَالَ: سار عُبَيْد اللَّهِ إِلَى خُرَاسَان فِي آخر سنة ثلاث
وخمسين وَهُوَ ابن خمس وعشرين سنة من الشام وقدم إِلَى خراسان اسلم بن
زرعه الكلابى، فخرج، فخرج مَعَهُ من الشام الجعد بن قيس النمري يرجز
بين يديه بمرثية زياد يقول فِيهَا:
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ مرة أخرى فِي كتابه الَّذِي سماه كتاب أخبار أهل
الْبَصْرَة، فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ المدائني قَالَ: لما
عقد مُعَاوِيَة لعبيد اللَّه بن زياد عَلَى خُرَاسَان خرج وعليه عمامة-
وَكَانَ وضيئا- والجعد بن قيس ينشده مرثية زياد:
أبق علي عاذلي من اللوم ... فِيمَا أزيلت نعمتي قبل الْيَوْم
قَدْ ذهب الكريم والظل الدوم ... والنعم المؤثل الدثر الحوم
والماشيات مشية بعد النوم ... ليت الجياد كلها مع القوم
سقين سم ساعة قبل الْيَوْم ... لأربع مضين من شهر الصوم
ومنها:
يوم الثلاثاء الَّذِي كَانَ مضى ... يوم قضى فِيهِ المليك مَا قضى
وفاة بر ماجد جلد القوى ... حر به نوال جعد والتظى
كَانَ زياد جبلا صعب الذرى ... شهما إذا شئتم نقيصات أبي
لا يبعد اللَّه زيادا إذ ثوى.
وبكى عُبَيْد اللَّهِ يَوْمَئِذٍ حَتَّى سقطت عمامته عن رأسه، قَالَ:
وقدم عُبَيْد اللَّهِ خُرَاسَان ثُمَّ قطع النهر إِلَى جبال بخارى
عَلَى الإبل، فكان هُوَ أول من قطع إليهم جبال بخارى في جند، ففتح
راميثن ونصف بيكند- وهما من بخارى- فمن ثُمَّ أصاب البخارية.
قَالَ علي: أَخْبَرَنَا الْحَسَن بن رشيد، عن عمه، قَالَ: لقي عُبَيْد
اللَّهِ بن
(5/297)
زياد الترك ببخارى ومع ملكهم امرأته قبج
خاتون، فلما هزمهم اللَّه أعجلوها عن لبس خفيها، فلبست أحدهما وبقي
الآخر، فأصابه الْمُسْلِمُونَ، فقوم الجورب بمائتي ألف درهم.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حفص، عن عُبَيْد اللَّهِ بن زياد
بن معمر، عن عبادة بن حصن، قَالَ: مَا رأيت أحدا أشد بأسا من عُبَيْد
اللَّهِ بن زياد، لقينا زحف من الترك بخراسان، فرأيته يقاتل فيحمل
عَلَيْهِم فيطعن فِيهِمْ ويغيب عنا، ثُمَّ يرفع رايته تقطر دما.
قَالَ علي: وأخبرنا مسلمة أن البخارية الَّذِينَ قدم بهم عُبَيْد
اللَّهِ بن زياد الْبَصْرَة ألفان، كلهم جيد الرمي بالنشاب قَالَ
مسلمة: كَانَ زحف الترك ببخارى أيام عُبَيْد اللَّهِ بن زياد من زحوف
خُرَاسَان الَّتِي تعد، قَالَ: وأخبرنا الْهُذَلِيّ، قَالَ: كَانَتْ
زحوف خُرَاسَان خمسة: أربعة لقيها الأحنف بن قيس، الذى لقيه بين قهستان
وأبرشهر، والزحوف الثلاثة الَّتِي لقيها بالمرغاب، والزحف الخامس زحف
قارن، فضه عَبْد اللَّهِ بن خازم.
قَالَ علي: قَالَ مسلمة: أقام عُبَيْد اللَّهِ بن زياد بخراسان سنتين.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة مَرْوَان بن الحكم، كذلك حدثنى احمد
ابن ثَابِت، عمن حدثه، عن إِسْحَاق بْن عِيسَى، عن أبي معشر، وكذلك قال
الواقدي وغيره.
وَكَانَ عَلَى الْمَدِينَة فِي هَذِهِ السنة مَرْوَان بن الحكم، وعلى
الكوفه عبد الله خَالِد بن أسيد، وَقَالَ بعضهم: كَانَ عَلَيْهَا
الضحاك بن قيس، وعلى الْبَصْرَة عَبْد اللَّهِ بن عَمْرو بن غيلان
(5/298)
ثُمَّ دخلت
سنة خمس وخمسين
(ذكر الخبر عن الكائن فِيهَا من الأحداث) فمما كَانَ فِيهَا من ذَلِكَ
مشتى سُفْيَان بن عوف الأَزْدِيّ بأرض الروم فِي قول الْوَاقِدِيّ.
وَقَالَ بعضهم: بل الَّذِي كَانَ شتا بأرض الروم في هذه السنه عمرو ابن
محرز.
وَقَالَ بعضهم: بل الَّذِي شتا بِهَا عَبْد اللَّهِ بن قيس الفزاري.
وَقَالَ بعضهم: بل ذَلِكَ مالك بن عَبْدِ اللَّهِ.
وفيها عزل مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بن عَمْرو بن غيلان عن الْبَصْرَة
وولاها عُبَيْد اللَّهِ بن زياد.
ذكر الخبر عن سبب عزل مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بن عَمْرو بن غيلان
وتوليته عُبَيْد اللَّهِ الْبَصْرَة
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ
وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ- قَالَ: وَاخْتَلَفَا فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ-
قَالا: خَطَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ غَيْلانَ عَلَى
مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ، فَحَصَبَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ- قَالَ
عُمَرُ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: يُدْعَى جُبَيْرَ بْنَ الضَّحَّاكِ
أَحَدَ بَنِي ضِرَارٍ- فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، فَقَالَ:
السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَالتَّسْلِيمْ ... خَيْرٌ وَأَعْفَى لِبَنِي
تَمِيمْ
فَأَتَتْهُ بَنُو ضَبَّةَ، فَقَالُوا: إِنَّ صَاحِبَنَا جَنَى مَا
جَنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَقَدْ بَالَغَ الأَمِيرُ فِي عُقُوبَتِهِ،
وَنَحْنُ لا نَأْمَنُ أَنْ يَبْلُغَ خَبَرُهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،
فَيَأْتِي مِنْ قِبَلِهِ عُقُوبَةً تَخُصُّ أَوْ تَعُمُّ، فَإِنْ رَأَى
الأَمِيرُ أَنْ يَكْتُبَ لَنَا كِتَابًا يَخْرُجُ
(5/299)
بِهِ أَحَدُنَا إِلَى أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ يُخْبِرُهُ أَنَّهُ قَطَعَهُ عَلَى شُبْهَةٍ وَأَمْرٍ
لَمْ يَضِحْ، فَكَتَبَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مُعَاوِيَةَ،
فَأَمْسَكُوا الْكِتَابَ حَتَّى بَلَغَ رَأْسَ السَّنَةِ- وَقَالَ
أَبُو الْحَسَنِ: لَمْ يَزِدْ عَلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ- فَوَجَّهَ إِلَى
مُعَاوِيَةَ، وَوَافَاهُ الضَّبِّيُّونَ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ قَطَعَ صَاحِبَنَا ظُلْمًا، وَهَذَا كِتَابُهُ
إِلَيْكَ، وَقَرَأَ الْكِتَابَ، فَقَالَ: أَمَّا الْقَوَدُ مِنْ
عُمَّالِي فَلا يَصِحُّ، وَلا سَبِيلَ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ إِنْ شئتم
وديت صاحبكم، قالوا: فده، فوداه مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَزَلَ عَبْدَ
اللَّهِ، وَقَالَ لَهُمُ: اخْتَارُوا مَنْ تُحِبُّونَ أَنْ أُوَلِّيَ
بَلَدَكُمْ، قَالُوا: يَتَخَيَّرُ لَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ،
وَقَدْ عَلِمَ رَأْيَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِي ابْنِ عَامِرٍ، فَقَالَ:
هَلْ لَكُمْ فِي ابْنِ عَامِرٍ؟ فَهُوَ مَنْ قَدْ عَرَفْتُمْ فِي
شَرَفِهِ وَعَفَافِهِ وَطَهَارَتِهِ، قَالُوا: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
أَعْلَمُ، فَجَعَلَ يُرَدِّدُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِيَسْبِرَهُمْ، ثُمَّ
قَالَ: قَدْ وَلَّيْتُ عَلَيْكُمُ ابْنَ أَخِي عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ
زِيَادٍ.
قَالَ عمر: حدثني علي بن محمد، قال: عزل معاوية عَبْد اللَّهِ بن
عَمْرو وولى عُبَيْد اللَّهِ بن زياد الْبَصْرَة فِي سنة خمس وخمسين
وولى عبيد الله اسلم ابن زرعة خُرَاسَان فلم يغز ولم يفتح بِهَا
شَيْئًا، وولى شرطة عَبْد اللَّهِ بن حصن، والقضاء زرارة بن أوفى ثُمَّ
عزله، وولي القضاء ابن أذينة العبدي.
وفي هَذِهِ السنة عزل مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بن خَالِد بن أسيد عن
الْكُوفَة وولاها الضحاك بن قيس الفهري.
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة مَرْوَان بن الحكم، حدثنى بذلك احمد
ابن ثَابِت، عمن حدثه، عن إِسْحَاق بْن عِيسَى، عن أبي معشر.
(5/300)
ثُمَّ دخلت
سنة ست وخمسين
(ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث) ففيها كَانَ مشتى جُنَادَة بن أَبِي
أُمَيَّةَ بأرض الروم، وقيل: عبد الرحمن ابن مسعود.
وقيل غزا فِيهَا فِي البحر يَزِيد بن شجره الرهاوى، وفي البر عياض ابن
الْحَارِث.
وحج بِالنَّاسِ- فِيمَا حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ ثابت عمن حدثه، عن
إسحاق ابن عِيسَى، عن أبي معشر- الْوَلِيد بن عتبة بن أَبِي سُفْيَانَ.
وفيها اعتمر مُعَاوِيَة فِي رجب.
ذكر خبر البيعه ليزيد بولاية العهد
وفيها دعا مُعَاوِيَة الناس إِلَى بيعة ابنه يَزِيد من بعده، وجعله ولي
العهد.
ذكر السبب فِي ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الهمداني وعلي بن مُجَاهِدٍ،
قَالا: قَالَ الشَّعْبِيّ: قدم الْمُغِيرَة عَلَى مُعَاوِيَة واستعفاه
وشكا إِلَيْهِ الضعف، فأعفاه، وأراد أن يولي سَعِيد بن الْعَاصِ، وبلغ
كاتب الْمُغِيرَة ذَلِكَ، فأتى سَعِيد بن الْعَاصِ فأخبره وعنده رجل من
أهل الْكُوفَة يقال لَهُ رَبِيعَة- أو الربيع- من خزاعة، فأتى
الْمُغِيرَة فَقَالَ: يَا مغيرة، مَا أَرَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إلا
قَدْ قلاك، رأيت ابن خنيس كاتبك عند سعيد ابن الْعَاصِ يخبره أن أَمِير
الْمُؤْمِنِينَ يوليه الْكُوفَة، قَالَ الْمُغِيرَة: أفلا يقول كما
قَالَ الأعشى:
(5/301)
أم غاب ربك فاعترتك خصاصة ... ولعل ربك أن
يعود مؤيدا
رويدا! أدخل عَلَى يَزِيد، فدخل عَلَيْهِ فعرض لَهُ بالبيعة، فأدى
ذَلِكَ يَزِيد إِلَى أَبِيهِ، فرد مُعَاوِيَة الْمُغِيرَة إِلَى
الْكُوفَةِ، فأمره أن يعمل فِي بيعة يَزِيد، فشخص الْمُغِيرَة إِلَى
الْكُوفَةِ، فأتاه كاتبه ابن خنيس، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا غششتك وَلا
خنتك، وَلا كرهت ولايتك، ولكن سعيدا كَانَتْ لَهُ عندي يد وبلاء، فشكرت
ذَلِكَ لَهُ، فرضي عنه وأعاده إِلَى كتابته، وعمل الْمُغِيرَة فِي بيعة
يَزِيد، وأوفد فِي ذَلِكَ وافدا إِلَى مُعَاوِيَةَ.
حَدَّثَنِي الْحَارِث، قَالَ: حَدَّثَنَا علي، عن مسلمة، قَالَ: لما
أراد مُعَاوِيَة أن يبايع ليزيد كتب إِلَى زياد يستشيره، فبعث زياد
إِلَى عبيد بن كعب النميري، فَقَالَ: إن لكل مستشير ثقة، ولكل سر
مستودع، وإن الناس قَدْ أبدعت بهم خصلتان: إذاعة السر، وإخراج النصيحة
إِلَى غير أهلها، وليس موضع السر إلا أحد رجلين: رجل آخرة يرجو ثوابا،
ورجل دنيا لَهُ شرف فِي نفسه وعقل يصون حسبه، وَقَدْ عجمتهما مِنْكَ،
فأحمدت الَّذِي قبلك، وَقَدْ دعوتك لأمر اتهمت عَلَيْهِ بطون الصحف، إن
أَمِير الْمُؤْمِنِينَ كتب إلي يزعم أنه قَدْ عزم عَلَى بيعة يَزِيد،
وَهُوَ يتخوف نفرة الناس، ويرجو مطابقتهم، ويستشيرني، وعلاقة أمر
الإِسْلام وضمانه عظيم، ويزيد صاحب رسلة وتهاون، مع مَا قَدْ أولع بِهِ
من الصيد، فَالْقَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مؤديا عني، فأخبره عن فعلات
يَزِيد، فَقَالَ لَهُ: رويدك بالأمر، فأقمن أن يتم لك مَا تريد، وَلا
تعجل فإن دركا فِي تأخير خير من تعجيل عاقبته الفوت فَقَالَ عبيد لَهُ:
أفلا غير هَذَا! قَالَ: مَا هُوَ؟
قَالَ: لا تفسد عَلَى مُعَاوِيَة رأيه، وَلا تمقت إِلَيْهِ ابنه، وألقى
أنا يَزِيد سرا من مُعَاوِيَة فأخبره عنك أن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ كتب
إليك يستشيرك فِي بيعته،
(5/302)
وأنك تخوف خلاف الناس لهنات ينقمونها
عَلَيْهِ، وأنك ترى لَهُ ترك مَا ينقم عَلَيْهِ، فيستحكم لأمير
الْمُؤْمِنِينَ الحجة عَلَى الناس، ويسهل لك مَا تريد، فتكون قَدْ نصحت
يَزِيد وأرضيت أَمِير الْمُؤْمِنِينَ، فسلمت مما تخاف من علاقة أمر
الأمة فَقَالَ زياد: لقد رميت الأمر بحجره، اشخص عَلَى بركة اللَّه،
فإن أصبت فما لا ينكر، وإن يكن خطأ فغير مستغش وأبعد بك إِنْ شَاءَ
اللَّهُ من الخطإ، قَالَ: تقول بِمَا ترى، ويقضي اللَّه بغيب مَا يعلم
فقدم عَلَى يَزِيد فذاكره ذَلِكَ وكتب زياد إِلَى مُعَاوِيَةَ يأمره
بالتؤده، والا يعجل، فقبل ذَلِكَ مُعَاوِيَة، وكف يَزِيد عن كثير مما
كَانَ يصنع، ثُمَّ قدم عبيد عَلَى زياد فأقطعه قطيعة.
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: لما مات
زياد دعا مُعَاوِيَة بكتاب فقرأه عَلَى الناس باستخلاف يَزِيد، أن حدث
بِهِ حدث الموت فيزيد ولي عهد، فاستوسق لَهُ الناس عَلَى البيعة ليزيد
غير خمسة نفر.
فَحَدَّثَنِي يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل
بن إِبْرَاهِيمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا ابن عون، قَالَ: حَدَّثَنِي رجل بنخلة، قَالَ: بايع الناس
ليزيد بن مُعَاوِيَة غير الْحُسَيْن بن علي وابن عمر وابن الزُّبَيْر
وعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وابن عباس، فلما قدم مُعَاوِيَة ارسل الى
الحسين بن على، فقال: يا بن أخي، قد استوسق الناس لهذا الأمر غير خمسة
نفر من قريش أنت تقودهم، يا بن أخي، فما إربك إِلَى الخلاف؟ قَالَ: أنا
أقودهم! قَالَ: نعم، أنت تقودهم، قَالَ: فأرسل إِلَيْهِم، فإن بايعوا
كنت رجلا مِنْهُمْ، وإلا لم تكن عجلت علي بأمر، قَالَ: وتفعل؟ قال:
نعم، قال: فاخذ عليه الا يخبر بحديثهم أحدا قَالَ: فالتوى عَلَيْهِ،
ثُمَّ أعطاه ذَلِكَ، فخرج وَقَدْ أقعد لَهُ ابن الزبير
(5/303)
رجلا بالطريق قَالَ: يقول لك أخوك ابن الزُّبَيْر: مَا كَانَ؟ فلم يزل
بِهِ حَتَّى استخرج مِنْهُ شَيْئًا.
ثُمَّ أرسل بعده إِلَى ابن الزبير، فقال له: قد استوسق الناس لهذا
الأمر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم، يا بن أخي! فما إربك إِلَى
الخلاف؟
قَالَ: أنا أقودهم! قَالَ: نعم، أنت تقودهم، قَالَ: فأرسل إِلَيْهِم
فإن بايعوا كنت رجلا مِنْهُمْ، وإلا لم تكن عجلت علي بأمر، قَالَ:
وتفعل؟ قال:
نعم، قال: فاخذ عليه الا يخبر بحديثهم أحدا، قَالَ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، نحن فِي حرم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وعهد اللَّه
سُبْحَانَهُ ثقيل، فأبى عَلَيْهِ، وخرج.
ثُمَّ أرسل بعده إِلَى ابن عمر فكلمه بكلام هُوَ ألين من كلام صاحبه،
فَقَالَ: إني أرهب أن أدع أمة مُحَمَّد بعدي كالضأن لا راعى لها، وقد
استوسق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم، فما إربك
إِلَى الخلاف! قَالَ: هل لك فِي أمر يذهب الذم، ويحقن الدم، وتدرك بِهِ
حاجتك؟ قَالَ: وددت! قَالَ: تبرز سريرك، ثُمَّ أجيء فأبايعك، عَلَى أني
أدخل بعدك فِيمَا تجتمع عَلَيْهِ الأمة، فو الله لو أن الأمة اجتمعت
بعدك عَلَى عبد حبشي لدخلت فِيمَا تدخل فِيهِ الأمة، قَالَ: وتفعل؟
قَالَ: نعم، ثُمَّ خرج فأتى منزله فأطبق بابه، وجعل الناس يجيئون فلا
يأذن لَهُمْ.
فأرسل إِلَى عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، فقال: يا بن أبي بكر، بأية يد
أو رجل تقدم عَلَى معصيتي! قَالَ: أرجو أن يكون ذَلِكَ خيرا لي،
فَقَالَ:
وَاللَّهِ لقد هممت أن أقتلك، قَالَ: لو فعلت لأتبعك اللَّه بِهِ لعنة
فِي الدُّنْيَا، وأدخلك بِهِ فِي الآخرة النار.
قال: ولم يذكر ابن عباس |