تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
ذكر الخبر عن ثوره
الناس بالحجاج بالبصرة
وفي هذه السنة ثار الناس بالحجاج بالبصرة.
ذكر الخبر عن سبب وثوبهم به:
ذكر هشام، عن أبي مخنف، عن أبي زهير العبسي، قال: خرج الحجاج بن يوسف
من الكوفة بعد ما قدمها، وقتل ابن ضابئ من فوره ذلك حتى قدم البصرة،
فقام فيها بخطبة مثل الذي قام بها في أهل الكوفة، وتوعدهم مثل وعيده
إياهم، فأتي برجل من بني يشكر فقيل:
هذا عاص، فقال: إن بي فتقا، وقد رآه بشر فعذرني، وهذا عطائي مردود في
بيت المال، فلم يقبل منه وقتله، ففزع لذلك أهل البصره، فخرجوا حتى
تداكئوا على العارض بقنطرة رامهرمز، فقال المهلب:
جاء الناس رجل ذكر.
وخرج الحجاج حتى نزل رستقباذ في أول شعبان سنة خمس وسبعين فثار الناس
بالحجاج، عليهم عبد الله بن الجارود، فقتل عبد الله بن الجارود، وبعث
بثمانية عشر رأسا فنصبت برامهرمز للناس، فاشتدت ظهور المسلمين، وساء
ذلك الخوارج، وقد كانوا رجوا أن يكون من الناس فرقة واختلاف، فانصرف
الحجاج إلى البصرة.
وكان سبب أمر عبد الله بن الجارود أن الحجاج لما ندب الناس إلى
(6/210)
اللحاق بالمهلب بالبصرة فشخصوا سار الحجاج
حتى نزل رستقباذ قريبا من دستوى في آخر شعبان ومعه وجوه أهل البصرة،
وكان بينه وبين المهلب ثمانية عشر فرسخا، فقام في الناس، فقال: إن
الزيادة التي زادكم ابن الزبير في أعطياتكم زيادة فاسق منافق، ولست
أجيزها فقام إليه عبد الله بن الجارود العبدي فقال: إنها ليست بزيادة
فاسق منافق، ولكنها زيادة أمير المؤمنين عبد الملك قد أثبتها لنا فكذبه
وتوعده، فخرج ابن الجارود على الحجاج وتابعه وجوه الناس، فاقتتلوا
قتالا شديدا، فقتل ابن الجارود وجماعة من أصحابه، وبعث برأسه ورءوس
عشرة من أصحابه إلى المهلب، وانصرف إلى البصرة، وكتب الى المهلب والى
عبد الرحمن ابن مخنف: أما بعد، إذا أتاكم كتابي هذا فناهضوا الخوارج،
والسلام
. نفى المهلب وابن مخنف الأزارقة عن رامهرمز
وفي هذه السنة نفى المهلب وابن مخنف الأزارقة عن رامهرمز.
ذكر الخبر عن ذَلِكَ وما كَانَ من أمرهم في هذه السنة: ذكر هشام عن أبي
مخنف، عن أبي زهير العبسي، قال: ناهض المهلب وابن مخنف الأزارقة
برامهرمز بكتاب الحجاج إليهما لعشر بقين من شعبان يوم الاثنين سنة خمس
وسبعين، فأجلوهم عن رامهرمز من غير قتال شديد، ولكنهم زحفوا اليهم حتى
أزالوهم، وخرج القوم كأنهم على حامية، حتى نزلوا سابور بأرض منها يقال
لها كازرون، وسار المهلب وعبد الرحمن بن مخنف حتى نزلوا بهم في أول
رمضان، فخندق المهلب عليه، فذكر أهل البصرة أن المهلب قال لعبد الرحمن
بن مخنف: إن رأيت أن تخندق عليك فافعل، وإن أصحاب عبد الرحمن أبوا عليه
وقالوا: إنما خندقنا سيوفنا وإن الخوارج زحفوا إلى المهلب ليلا
ليبيتوه، فوجدوه قد أخذ حذره، فمالوا نحو عبد الرحمن بن مخنف فوجدوه لم
يخندق،
(6/211)
فقاتلوه، فانهزم عنه أصحابه، فنزل فقاتل في
أناس من أصحابه فقتل، وقتلوا حوله، فقال شاعرهم:
لمن العسكر المكلل بالصرعى ... فهم بين ميت وقتيل
فتراهم تسفي الرياح عليهم ... حاصب الرمل بعد جر الذيول
وأما أهل الكوفة فإنهم ذكروا أن كتاب الحجاج بن يوسف أتى المهلب وعبد
الرحمن بن مخنف، أن ناهضا الخوارج حين يأتيكما كتابي فناهضاهم يوم
الأربعاء لعشر بقين من رمضان سنة خمس وسبعين واقتتلوا قتالا شديدا لم
يكن بينهم فيما مضى قتال كان أشد منه، وذلك بعد الظهر، فمالت الخوارج
بحدها على المهلب بن أبي صفرة فاضطروه إلى عسكره، فسرح إلى عبد الرحمن
رجالا من صلحاء الناس، فأتوه، فقالوا: إن المهلب يقول لك: إنما عدونا
واحد، وقد ترى ما قد لقي المسلمون، فأمد إخوانك يرحمك الله فأخذ يمده
بالخيل بعد الخيل، والرجال بعد الرجال، فلما كان بعد العصر ورأت
الخوارج ما يجيء من عسكر عبد الرحمن من الخيل والرجال إلى عسكر المهلب
ظنوا أنه قد خف أصحابه، فجعلوا خمس كتائب أو ستا تجاه عسكر المهلب،
وانصرفوا بحدهم وجمعهم إلى عبد الرحمن بن مخنف، فلما رآهم قد صمدوا له
نزل ونزل معه القراء، عليهم أبو الأحوص صاحب عبد الله بن مسعود، وخزيمة
بن نصر أبو نصر ابن خزيمة العبسي الذي قتل مع زيد بن علي وصلب معه
بالكوفة، ونزل معه من خاصة قومه أحد وسبعون رجلا، وحملت عليهم الخوارج
فقاتلتهم قتالا شديدا ثم إن الناس انكشفوا عنه، فبقي في عصابة من أهل
الصبر ثبتوا معه، وكان ابنه جعفر بن عبد الرحمن فيمن بعثه إلى المهلب،
فنادى في الناس ليتبعوه إلى أبيه، فلم يتبعه إلا ناس قليل، فجاء حتى
إذا دنا من أبيه حالت الخوارج بينه وبين أبيه، فقاتل حتى ارتثته
الخوارج، وقاتل عبد الرحمن بن مخنف ومن معه على تل مشرف حتى ذهب نحو من
ثلثي الليل، ثم قتل في تلك العصابة، فلما أصبحوا جاء المهلب حتى
(6/212)
أتاه، فدفنه وصلى عليه، وكتب بمصابه إلى
الحجاج، فكتب بذلك الحجاج إلى عبد الملك بن مروان، فنعى عبد الرحمن
بمنى، وذم أهل الكوفة، وبعث الحجاج على عسكر عبد الرحمن بن مخنف عتاب
بن ورقاء، وأمره إذا ضمتهما الحرب أن يسمع للمهلب ويطيع، فساءه ذلك،
فلم يجد بدا من طاعة الحجاج ولم يقدر على مراجعته، فجاء حتى أقام في
ذلك العسكر، وقاتل الخوارج وأمره إلى المهلب، وهو في ذلك يقضي أموره،
ولا يكاد يستشير المهلب في شيء فلما رأى ذلك المهلب اصطنع رجالا من أهل
الكوفة فيهم بسطام بن مصقلة بن هبيرة، فأغراهم بعتاب.
قال أبو مخنف عن يوسف بن يزيد: إن عتابا أتى المهلب يسأله أن يرزق
أصحابه، فأجلسه المهلب معه على مجلسه، قال: فسأله أن يرزق أصحابه سؤالا
فيه غلظه وتجهم، قال: فقال له المهلب: وانك لها هنا بابن اللخناء! فبنو
تميم يزعمون أنه رد عليه، وأما يوسف بن يزيد وغيره فيزعمون أنه قال:
والله إنها لمعمة مخولة، ولوددت أن الله فرق بيني وبينك قال: فجرى
بينهما الكلام حتى ذهب المهلب ليرفع القضيب عليه، فوثب عليه ابنه
المغيرة، فقبض على القضيب وقال: أصلح الله الأمير! شيخ من أشياخ العرب،
وشريف من أشرافهم، إن سمعت منه بعض ما تكرهه فاحتمله له، فإنه لذلك منك
أهل، ففعل وقام عتاب فرجع من عنده، واستقبله بسطام بن مصقلة يشتمه،
ويقع فيه.
فلما رأى ذلك كتب إلى الحجاج يشكو إليه المهلب ويخبره أنه قد أغرى به
سفهاء أهل المصر، ويسأله أن يضمه إليه، فوافق ذلك من الحجاج حاجة إليه
فيما لقي أشراف الكوفة من شبيب، فبعث إليه أن أقدم واترك أمر ذلك الجيش
إلى المهلب، فبعث المهلب عليه حبيب بن المهلب.
وقال حميد بن مسلم يرثي عبد الرحمن بن مخنف:
إن يقتلوك أبا حكيم غدوة ... فلقد تشد وتقتل الأبطالا
(6/213)
أو يثكلونا سيدا لمسود ... سمح الخليقة
ماجدا مفضالا
فلمثل قتلك هد قومك كلهم ... من كان يحمل عنهمُ الأثقالا
من كان يكشف غرمهم وقتالهم ... يوما إذا كان القتال نزالا!
أقسمت ما نيلت مقاتل نفسه ... حتى تدرع من دم سربالا
وتناجز الأبطال تحت لوائه ... بالمشرفية في الأكف نصالا
يوما طويلا ثم آخر ليلهم ... حين استبانوا في السماء هلالا
وتكشفت عنه الصفوف وخيله ... فهناك نالته الرماح فمالا
وقال سراقة بن مرداس البارقي:
أعيني جودا بالدموع السواكب ... وكونا كواهي شنة مع راكب
على الأزد لما أن أصيب سراتهم ... فنوحا لعيش بعد ذلك خائب
نرجى الخلود بعدهم وتعوقنا ... عوائق موت أو قراع الكتائب
وكنا بخير قبل قتل ابن مخنف ... وكل امرئ يوما لبعض المذاهب
أمار دموع الشيب من أهل مصره ... وعجل في الشبان شيب الذوائب
وقاتل حتى مات أكرم ميتة ... وخر على خد كريم وحاجب
وضارب عنه المارقين عصابة ... من الأزد تمشي بالسيوف القواضب
فلا ولدت أنثى ولا آب غائب ... إلى أهله إن كان ليس بآيب
فيا عين بكي مخنفا وابن مخنف ... وفرسان قومي قصرة وأقاربي
وقال سراقة أيضا يرثي عبد الرحمن بن مخنف:
ثوى سيد الأزدين أزد شنوءة ... وأزد عمان رهن رمس بكازر
وضارب حتى مات اكرم ميته ... بابيض صاف كالعقيقة باتر
وصرع حول التل تحت لوائه ... كرام المساعي من كرام المعاشر
(6/214)
قضى نحبه يوم اللقاء ابن مخنف ... وأدبر
عنه كل ألوث داثر
أمد فلم يمدد فراح مشمرا ... إلى الله لم يذهب بأثواب غادر
وأقام المهلب بسابور يقاتلهم نحوا من سنة.
وفي هذه السنة تحرك صالح بن مسرح أحد بني امرئ القيس، وكان يرى رأي
الصفرية وقيل: إنه أول من خرج من الصفرية
. ذكر الخبر عن تحرك صالح للخروج وما كان منه في هذه السنة
ذكر أن صالح بن مسرح أحد بني امرئ القيس حج سنة خمس وسبعين ومعه شبيب
بن يزيد وسويد والبطين وأشباههم وحج في هذه السنة عبد الملك بن مروان،
فهم شبيب بالفتك به، وبلغه ذرء من خبرهم، فكتب إلى الحجاج بعد انصرافه
يأمره بطلبهم، وكان صالح يأتي الكوفة فيقيم بها الشهر ونحوه فيلقى
أصحابه ليعدهم، فنبت بصالح الكوفة لما طلبه الحجاج، فتنكبها
(6/215)
ثم دخلت
سنة ست وسبعين
(ذكر الكائن من الأحداث فيها) فمن ذلك خروج صالح بن مسرح. |