تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

خبر مقتل بهلول بن بشر
وفي هذه السنة حكم بهلول بْن بشر الملقب كثارة فقتل.
ذكر الخبر عن مخرجه ومقتله:
ذكر أبو عبيدة معمر بْن المثنى أن بهلولا كان يتأله، وكان له قوت دانق، وكان مشهورا بالبأس عند هشام بْن عبد الملك، فخرج يريد الحج، فأمر غلامه أن يبتاع له خلا بدرهم، فجاءه غلامه بخمر، فامر بردها وأخذ الدراهم، فلم يجب إلى ذلك، فجاء بهلول إلى عامل القرية- وهي من السواد- فكلمه، فقال العامل: الخمر خير منك ومن قومك، فمضى بهلول في حجه حتى فرغ منه، وعزم على الخروج على السلطان، فلقي بمكة من كان على مثل رأيه، فاتعدوا قرية من قرى الموصل، فاجتمع بها أربعون رجلا، وأمروا عليهم البهلول، وأجمعوا على ألا يمروا بأحد إلا أخبروه أنهم أقبلوا من عند هشام على بعض الأعمال، ووجههم إلى خالد لينفذهم في أعمالهم، فجعلوا لا يمرون بعامل إلا أخبروه بذلك وأخذوا دواب من دواب البريد، فلما انتهوا إلى القرية التي كان ابتاع فيها الغلام الخل فأعطي خمرا، قَالَ بهلول: نبدأ بهذا العامل الذي قَالَ ما قَالَ، فقال له أصحابه: نحن نريد قتل خالد، فان

(7/130)


بدأنا بهذا شهرنا وحذرنا خالد وغيره، فننشدك الله ان تقتل هذا فيفلت منا خالد الذي يهدم المساجد، ويبني البيع والكنائس، ويولي المجوس على المسلمين، وينكح أهل الذمة المسلمات، لعلنا نقتله فيريح الله منه قَالَ:
والله لا أدع ما يلزمني لما بعده، وأرجو أن أقتل هذا الذي قَالَ لي ما قَالَ وأدرك خالدا فاقتله، وإن تركت هذا وأتيت خالدا شهر أمرنا فأفلت هذا، وقد قَالَ الله عز وجل: «قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً» ، قالوا: أنت ورأيك فأتاه فقتله، فنذر بهم الناس وعلموا أنهم خوارج، وابتدروا إلى الطريق هرابا، وخرجت البرد إلى خالد فأخبروه أن خارجة قد خرجت، وهم لا يدرون حينئذ من رئيسهم.
فخرج خالد من واسط حتى اتى الحيرة وهو حينئذ في الحلق، وقد قدم في تلك الأيام قائد من أهل الشام من بني القين في جيش قد وجهوا مددا لعامل خالد على الهند، فنزلوا الحيرة، فلذلك قصدها خالد، فدعا رئيسهم فقال: قاتل هؤلاء المارقة، فإن من قتل منهم رجلا أعطيته عطاء سوى ما قبض بالشام، وأعفيته من الخروج إلى أرض الهند- وكان الخروج إلى أرض الهند شاقا عليهم- فسارعوا إلى ذلك، فقالوا: نقتل هؤلاء النفر ونرجع إلى بلادنا فتوجه القينى اليهم في ستمائه، وضم إليهم خالد مائتين من شرط الكوفة، فالتقوا على الفرات، فعبأ القيني أصحابه، وعزل شرط الكوفة، فقال: لا تكونوا معنا- وإنما يريد في نفسه أن يخلو هو وأصحابه بالقوم فيكون الظفر لهم دون غيرهم لما وعدهم خالد- وخرج إليهم بهلول، فسأل عن رئيسهم حتى عرف مكانه، ثم تنكر له، ومعه لواء أسود، فحمل عليه فطعنه في فرج درعه، فأنفذه فقال: قتلتني قتلك الله! فقال بهلول: إلى النار أبعدك الله.
وولى أهل الشام مع شرط أهل الكوفة منهزمين حتى بلغوا باب الكوفة، وبهلول وأصحابه يقتلونهم فأما الشاميون فإنهم كانوا على خيل جياد ففاتوه، وأما شرط الكوفة فإنه لحقهم، فقالوا: اتق الله فينا فانا مكرهون مقهورون،

(7/131)


فجعل يقرع رءوسهم بالرمح، ويقول: الحقوا! النجاء النجاء! ووجد البهلول مع القيني بدرة فأخذها وكان بالكوفة ستة نفر يرون رأي البهلول، فخرجوا إليه يريدون اللحاق به فقتلوا، وخرج إليهم البهلول وحمل البدرة بين يديه، فقال: من قتل هؤلاء النفر حتى أعطيه هذه الدراهم؟ فجعل هذا يقول: أنا، وهذا يقول:
أنا، حتى عرفهم، وهم يرون أنه من قبل خالد جاء ليعطيهم مالا لقتلهم من قتلوا فقال بهلول لأهل القرية: أصدق هؤلاء، هم قتلوا النفر؟ قالوا:
نعم، وخشي بهلول أنهم ادعوا ذلك طمعا في المال، فقال لأهل القرية:
انصرفوا أنتم، وأمر بأولئك فقتلوا، وعاب عليه أصحابه فحاجهم، فأقروا له بالحجة وبلغت هزيمة القوم خالدا وخبر من قتل من أهل صريفين، فوجه قائدا من بني شيبان أحد بني حوشب بْن يزيد بْن رويم، فلقيهم فيما بين الموصل والكوفة، فشد عليهم البهلول، فقال: نشدتك بالرحم! فإني جانح مستجير! فكف عنه، وانهزم أصحابه، فأتوا خالدا وهو مقيم بالحيرة ينتظر، فلم يرعه إلا الفل قد هجم عليه، فارتحل البهلول من يومه يريد الموصل، فخافه عامل الموصل، فكتب إلى هشام: إن خارجة خرجت فعاثت وأفسدت، وأنه لا يأمن على ناحيته، ويسأله جندا يقاتلهم به، فكتب إليه هشام: وجه إليهم كثارة بْن بشر- وكان هشام لا يعرف البهلول إلا بلقبه- فكتب إليه العامل: إن الخارج هو كثارة.
قَالَ: ثم قَالَ البهلول لأصحابه: إنا والله ما نصنع بابن النصرانية شيئا- يعني خالدا- وما خرجت إلا لله، فلم لا نطلب الرأس الذي يسلط خالدا وذوي خالد! فتوجه يريد هشاما بالشام، فخاف عمال هشام موجدته إن تركوه يجوز بلادهم حتى ينتهى الى الشام، فجند له خالد جندا من أهل العراق، وجند له عامل الجزيرة جندا من أهل الجزيرة، ووجه إليه هشام جندا من أهل الشام، فاجتمعوا بدير بين الجزيرة والموصل، وأقبل بهلول حتى انتهى

(7/132)


إليهم- ويقال: التقوا بالكحيل دون الموصل- فأقبل بهلول، فنزل على باب الدير، فقالوا له: تزحزح عن باب الدير حتى نخرج إليك، فتنحى وخرجوا، فلما رأى كثرتهم وهو في سبعين جعل من أصحابه ميمنة وميسرة، ثم أقبل عليهم فقال: أكلكم يرجو أن يقتلنا ثم يأتي بلده وأهله سالما؟ قالوا: إنا نرجو ذلك إن شاء الله، فشد على رجل منهم فقتله، فقال: أما هذا فلا يأتي أهله أبدا، فلم يزل ذلك ديدنه حتى قتل منهم ستة نفر، فانهزموا، فدخلوا الدير فحاصرهم، وجاءتهم الأمداد فكانوا عشرين ألفا، فقال له أصحابه: ألا نعقر دوابنا، ثم نشد عليهم شدة واحدة؟ فقال: لا تفعلوا حتى نبلي الله عذرا ما استمسكنا على دوابنا، فقاتلوهم يومهم ذلك كله إلى جنح العصر حتى أكثروا فيهم القتل والجراح.
ثم ان بهلولا وأصحابه عقروا دوابهم وترجلوا، وأصلتوا لهم السيوف، فأوجعوا فيهم، فقتل عامة أصحاب بهلول وهو يقاتل ويذود عن أصحابه، وحمل عليه رجل من جديلة قيس يكنى أبا الموت، فطعنه فصرعه، فوافاه من بقي من أصحابه، فقالوا له: ول أمرنا من بعدك من يقوم به، فقال: إن هلكت فأمير المؤمنين دعامة الشيباني، فإن هلك دعامة فأمير المؤمنين عمرو اليشكري، وكان أبو الموت إنما ختل البهلول ومات بهلول من ليلته، فلما أصبحوا هرب دعامة وخلاهم، فقال رجل من شعرائهم:
لبئس أمير المؤمنين دعامة ... دعامة في الهيجاء شر الدعائم
وقال الضحاك بْن قيس يرثي بهلولا، ويذكر أصحابه:
بدلت بعد أبي بشر وصحبته ... قوما علي مع الأحزاب أعوانا
كأنهم لم يكونوا من صحابتنا ... ولم يكونوا لنا بالأمس خلانا
يا عين أذري دموعا منك تهتانا ... وابكي لنا صحبة بانوا وإخوانا
خلوا لنا ظاهر الدنيا وباطنها ... وأصبحوا في جنان الخلد جيرانا
قَالَ أبو عبيدة: 4 لما قتل بهلول خرج عمرو اليشكري فلم يلبث أن قتل ثم

(7/133)


4 خرج العنزي صاحب الأشهب- وبهذا كان يعرف- على خالد في ستين، فوجه إليه خالد السمط بْن مسلم البجلي في أربعة آلاف، فالتقوا بناحية الفرات، فشد العنزي على السمط، فضربه بين أصابعه فألقى سيفه، وشلت يده، وحمل عليهم فانهزمت الحرورية فتلقاهم عبيد أهل الكوفة وسفلتهم، فرموهم بالحجارة حتى قتلوهم.
4 قَالَ أبو عبيدة: 4 ثم خرج وزير السختياني على خالد في نفر، وكان مخرجه بالحيرة، فجعل لا يمر بقرية إلا أحرقها، ولا أحد إلا قتله، وغلب على ما هنالك وعلى بيت المال، فوجه اليه خالد قائدا من أصحابه وشرطا من شرط الكوفة، فقاتلوه وهو في نفير، فقاتل حتى قتل عامة أصحابه، وأثخن بالجراح، فأخذ مرتثا، فأتى به خالد، فأقبل على خالد فوعظه، وتلا عليه آيات من القرآن فأعجب خالدا ما سمع منه، فأمسك عن قتله وحبسه عنده، وكان لا يزال يبعث إليه في الليالي فيؤتى به فيحادثه ويسائله، فبلغ ذلك هشاما وسعى به إليه، وقيل: أخذ حروريا قد قتل وحرق وأباح الأموال، فاستبقاه فاتخذه سميرا فغضب هشام، وكتب إلى خالد يشتمه، ويقول: لا تستبق فاسقا قتل وحرق، وأباح الأموال، فكان خالد يقول:
إني أنفس به عن الموت لما كان يسمع من بيانه وفصاحته فكتب فيه إلى هشام يرقق من أمره- ويقال: بل لم يكتب ولكنه كان يؤخر أمره ويدفع عنه- حتى كتب إليه هشام يؤنبه ويأمره بقتله وإحراقه، فلما جاءه أمر عزيمة لا يستطيع دفعه بعث إليه وإلى نفر من أصحابه كانوا أخذوا معه، فامر بهم فادخلوا المسجد، وأدخلت أطنان القصب فشدوا فيها، ثم صب عليهم النفط، ثم أخرجوا فنصبوا في الرحبة، ورموا بالنيران، فما منهم أحد إلا من اضطراب وأظهر جزعا، إلا وزيرا فإنه لم يتحرك، ولم يزل يتلو القرآن حتى مات.
وفي هذه السنة غزا أسد بْن عبد الله الختل وفيها قتل اسد بدرطاخان ملك الختل

(7/134)


ذكر الخبر عن غزوة أسد الختل هذه الغزوة وسبب قتله بدر طرخان
ذكر علي بْن محمد عن أشياخه الذين ذكرناهم قبل انهم قالوا: غزا اسد ابن عبد الله الختل وهي غزوة بدر طرخان، فوجه مصعب بْن عمرو الخزاعي إليها، فلم يزل مصعب يسير حتى نزل بقرب بدر طرخان، فطلب الأمان على أن يخرج إلى أسد فأجابه مصعب، فخرج إلى أسد فطلب منه أشياء فامتنع، ثم ساله بدر طرخان أن يقبل منه ألف ألف درهم، فقال له أسد:
إنك رجل غريب من أهل الباميان، اخرج من الختل كما دخلتها فقال له بدر طرخان: دخلت أنت خراسان على عشرة من المحذفة، ولو خرجت منها اليوم لم تستقل على خمسمائة بعير، وغير ذلك أني دخلت الختل بشيء فاردده علي حتى أخرج منها كما دخلتها قَالَ: وما ذاك؟ قَالَ:
دخلتها شابا فكسبت المال بالسيف، ورزق الله أهلا وولدا، فاردد علي شبابي حتى أخرج منها، هل ترى أن أخرج من أهلي وولدي! فما بقائي بعد أهلي وولدي! فغضب أسد.
قَالَ: وكان بدر طرخان يثق بالأمان، فقال له أسد: اختم في عنقك، فإني أخاف عليك معرة الجند، قَالَ: لست أريد ذلك، وأنا أكتفي من قبلك برجل يبلغ بي مصعبا فأبى أسد إلا أن يختم في عنقه، فختم في رقبته ودفعه إلى أبي الأسد مولاه، فسار به أبو الأسد، فانتهى إلى عسكر المصعب عند المساء وكان سلمة بْن أبي عبد الله في الموالي مع مصعب، فوافى أبو الأسد سلمة، وهو يضع الدراجة في موضعها، فقال سلمة لأبي الأسد: ما صنع الأمير في امر بدر طرخان؟ فقص الذى عرض عليه بدر طرخان وإباء أسد ذلك، وسرحه معه إلى المصعب ليدخله الحصن، فقال سلمة: إن الأمير لم يصب

(7/135)


فيما صنع، وسينظر في ذلك ويندم، إنما كان ينبغي له أن يقبض ما عرض عليه أو يحبسه فلا يدخله حصنه، فإنا إنما دخلناه بقناطر اتخذناها، ومضايق أصلحناها، وكان يمنعه أن يغير علينا رجاء الصلح، فإما إذ يئس من الصلح فإنه لا يدع الجهد فدعه الليلة في قبتي، ولا تنطلق به إلى مصعب، فإنه ساعة ينظر إليه يدخله حصنه.
قال: فأقام ابو الأسد وبدر طرخان معه في قبة سلمة، وأقبل أسد بالناس في طريق ضيق، فتقطع الجند، ومضى أسد حتى انتهى إلى نهر وقد عطش- ولم يكن أحد من خدمه- فاستسقى، وكان السغدي بْن عبد الرحمن ابو طعمه الحزمي معه شاكري له، ومع الشاكري قرن تبتي، فأخذ السغدي القرن، فجعل فيه سويقا، وصب عليه ماء من النهر، وحركه وسقى أسدا وقوما من رؤساء الجند، فنزل أسد في ظل شجرة، ودعا برجل من الحرس، فوضع رأسه في فخذه، وجاء المجشر بْن مزاحم السلمي يقود فرسه حتى قعد تجاهه حيث ينظر أسدا، فقال أسد: كيف أنت يا أبا العدبس؟ قَالَ:
كنت أمس أحسن حالا مني اليوم، قَالَ: وكيف ذاك؟ قَالَ: كان بدر طرخان في أيدينا وعرض ما عرض، فلا الأمير قبل منه ما عرض عليه ولا هو شد يده عليه، لكنه خلى سبيله، وأمر بإدخاله حصنه لما عنده- زعم- من الوفاء فندم أسد عند ذلك، ودعا بدليل من أهل الختل ورجل من أهل الشام نافذ، فاره الفرس فأتى بهما، فقال للشامي: إن أنت أدركت بدرطرخان قبل أن يدخل حصنه فلك ألف درهم، فتوجها حتى انتهيا إلى عسكر مصعب، فنادى الشامي: ما فعل العلج؟ قيل: عند سلمة، وانصرف الدليل إلى أسد بالخبر، واقام الشامي مع بدرطرخان في قبة سلمه، وبعث اسد الى بدر طرخان فحوله اليه فشتمه، فعرف بدر طرخان أنه قد نقض عهده، فرفع حصاة فرمى بها إلى السماء، وقال: هذا عهد الله، وأخذ أخرى فرمى بها إلى السماء، وقال:
هذا عهد محمد ص، وأخذ يصنع كذلك بعهد أمير المؤمنين وعهد المسلمين، فأمر أسد بقطع يده، وقال أسد: من هاهنا من أولياء

(7/136)


ابى فديك رجل من الأزد قتله بدر طرخان، فقام رجل من الأزد فقال:
أنا، قَالَ: اضرب عنقه، ففعل وغلب أسد على القلعة العظمى، وبقيت قلعة فوقها صغيرة فيها ولده وأمواله، فلم يوصل إليهم، وفرق أسد الخيل في أودية الختل.
قَالَ: وقدم أسد مرو، وعليها أيوب بْن أبي حسان التميمي، فعزله واستعمل خالد بْن شديد، ابن عمه فلما شخص إلى بلخ بلغه أن عمارة بْن حريم تزوج الفاضلة بنت يزيد بْن المهلب، فكتب إلى خالد بْن شديد:
احمل عمارة على طلاق ابنة يزيد، فإن أبى فاضربه مائة سوط، فبعث إليه فأتاه وعنده العذافر بْن زيد التميمي، فأمره بطلاقها، ففعل بعد إباء منه، وقال عذافر: عمارة والله فتى قيس وسيدها، وما بها عليه أبهة، أي ليست بأشرف منه فتوفي خالد بْن شديد، واستخلف الاشعث بن جعفر البجلي.

ظهور الصحارى بن شبيب الخارجي
وفيها شرى الصحاري بْن شبيب، وحكم بجبل ذكر خبره:
ذكر عن أبي عبيدة معمر بْن المثنى أن الصحاري بْن شبيب أتى خالدا يسأله الفريضة، فقال: وما يصنع ابن شبيب بالفريضة! فودعه ابن شبيب، ومضى، وندم خالد وخاف أن يفتق عليه فتقا، فأرسل إليه يدعوه، فقال:
أنا كنت عنده آنفا، فأبوا أن يدعوه، فشد عليهم بسيفه، فتركوه فركب وسار حتى جاوز واسطا، ثم عقر فرسه وركب زورقا ليخفي مكانه، ثم قصد إلى نفر من بني تيم اللات بْن ثعلبة، كانوا بجبل، فأتاهم متقلدا سيفا فأخبرهم خبره وخبر خالد، فقالوا له: وما كنت ترجو بالفريضة! كنت لأن تخرج إلى ابن النصرانية فتضربه بسيفك أحرى فقال: إني والله ما اردت

(7/137)


الفريضة، وما أردت إلا التوصل إليه لئلا ينكرني، ثم أقتل ابن النصرانية غيلة بقتله فلانا- وكان خالد قبل ذلك قد قتل رجلا من قعدة الصفرية صبرا- ثم دعاهم الصحاري إلى الوثوب معه فأجابه بعضهم، وقال بعضهم:
ننتظر، وأبى بعضهم وقالوا: نحن في عافية، فلما رأى ذلك قَالَ:
لم أرد منه الفريضة إلا ... طمعا في قتله أن أنالا
فأريح الأرض منه وممن ... عاث فيها وعن الحق مالا
كل جبار عنيد أراه ... ترك الحق وسن الضلالا
إنني شار بنفسي لربي ... تارك قيلا لديهم وقالا
بائع أهلي ومالي أرجو ... في جنان الخلد أهلا ومالا
قال: فبايعه نحو من ثلاثين، فشرى بجبل، ثم سار حتى أتى المبارك.
فبلغ ذلك خالدا، فقال: قد كنت خفتها منه ثم وجه اليه خالد جندا، فلقوه بناحية المناذر، فقاتلهم قتالا شديدا، ثم انطووا عليه فقتلوه وقتلوا جميع أصحابه.
قال أبو جعفر: وحج بالناس في هذه السنه ابو شاكر مسلمه بن هشام ابن عبد الملك، وحج معه ابن شهاب الزهري في هذه السنة.
وَكَانَ العامل فِي هَذِهِ السنة عَلَى الْمَدِينَة ومكة والطائف محمد بْن هشام، وعلى العراق والمشرق خالد بْن عبد الله القسري، وعامل خالد على خراسان أخوه أسد بْن عبد الله.
وقد قيل: إن أخا خالد أسدا هلك في هذه السنة، واستخلف عليها جعفر بْن حنظلة البهراني.
وقيل: إن أسدا أخا خالد بْن عبد الله إنما هلك في سنة عشرين ومائة.
وكان على أرمينية وأذربيجان مروان بْن محمد.

(7/138)


ثم دخلت

سنة عشرين ومائة
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمن ذلك غزوة سليمان بْن هشام بْن عبد الملك الصائفه وافتتاحه- فيما ذكر- سندرة، وغزوة إسحاق بْن مسلم العقيلي وافتتاحه قلاع تومانشاه وتخريبه أرضه، وغزوة مروان بن محمد ارض الترك.

خبر وفاه اسد بن عبد الله القسرى
وفيها كانت وفاة أسد بْن عبد الله في قول المدائني.
ذكر الخبر عن سبب وفاته:
وكان سبب ذلك أنه كانت به- فيما ذكر- دبيلة في جوفه، فحضر المهرجان وهو ببلخ، فقدم عليه الأمراء والدهاقين، فكان ممن قدم عليه إبراهيم بْن عبد الرحمن الحنفي عامله على هراة وخراسان، ودهقان هراة، فقد ما بهدية قومت بألف ألف، فكان فيما قدما به قصران: قصر من فضة وقصر من ذهب، وأباريق من ذهب وأباريق من فضة وصحاف من ذهب وفضة، فأقبلا وأسد جالس على السرير، وأشراف خراسان على الكراسي، فوضعا القصرين، ثم وضعا خلفهما الأباريق والصحاف والديباج المروي والقوهي والهروي وغير ذلك، حتى امتلأ السماط، وكان فيما جاء به الدهقان أسدا كرة من ذهب، ثم قام الدهقان خطيبا، فقال: أصلح الله الأمير! إنا معشر العجم، أكلنا الدنيا أربعمائة سنة، أكلناها بالحلم والعقل والوقار، ليس فينا كتاب ناطق، ولا نبي مرسل، وكانت الرجال عندنا ثلاثة: ميمون النقيبة أينما توجه فتح الله على يده، والذي يليه رجل تمت مروته في بيته فان كان كذلك رجى وعظم، وقود وقدم، ورجل رحب صدره، وبسط

(7/139)


يده فرجي، فإذا كان كذلك قود وقدم، وإن الله جعل صفات هؤلاء الثلاثة الذين أكلنا الدنيا بهم أربعمائة سنة فيك أيها الأمير، وما نعلم أحدا هو أتم كتخدانية منك، إنك ضبطت أهل بيتك وحشمك ومواليك، فليس منهم أحد يستطيع أن يتعدى على صغير ولا كبير، ولا غنى ولا فقير، فهذا تمام الكتخدانية، ثم بنيت الإيوانات في المفاوز، فيجيء الجائي من المشرق والآخر من المغرب، فلا يجدان عيبا إلا أن يقولا: سبحان الله ما أحسن ما بني! ومن يمن نقيبتك أنك لقيت خاقان وهو في مائة ألف، معه الحارث ابن سريج فهزمته وفللته، وقتلت أصحابه، وأبحت عسكره وأما رحب صدرك وبسط يدك، فإنا ما ندري أي المالين أقر لعينك؟ أمال قدم عليك، أم مال خرج من عندك! بل أنت بما خرج أقر عينا فضحك أسد، وقال:
أنت خير دهاقين خراسان وأحسنهم هدية، وناوله تفاحة كانت في يده، وسجد له دهقان هراة، وأطرق أسد ينظر إلى تلك الهدايا، فنظر عن يمينه، فقال: يا عذافر بْن يزيد، مر من يحمل هذا القصر الذهب، ثم قَالَ:
يا معن بْن أحمر رأس قيس- أو قَالَ قنسرين- مر بهذا القصر يحمل، ثم قَالَ: يا فلان خذ إبريقا، ويا فلان خذ إبريقا، وأعطى الصحاف حتى بقيت صحفتان، فقال: قم يا بن الصيداء، فخذ صحيفة، قَالَ:
فأخذ واحدة فرزنها فوضعها، ثم أخذ الأخرى فرزنها، فقال له أسد: ما لك؟
قَالَ: آخذ أرزنهما، قَالَ: خذهما جميعا، وأعطى العرفاء وأصحاب البلاء، فقام أبو اليعفور- وكان يسير أمام صاحب خراسان في المغازي- فنادى: هلم إلى الطريق، فقال أسد: ما أحسن ما ذكرت بنفسك! خذ ديباجتين، وقام ميمون العذاب فقال: إلي، إلى يساركم، إلى الجادة، فقال:
ما أحسن ما ذكرت نفسك! خذ ديباجة، قَالَ: فأعطى ما كان في السماط كله، فقال نهر بْن توسعة:
تقلون إن نادى لروع مثوب ... وأنتم غداة المهرجان كثير

(7/140)


ثم مرض أسد، فأفاق إفاقة فخرج يوما، فأتي بكمثرى أول ما جاء، فأطعم الناس منه واحدة واحدة، وأخذ كمثراة فرمى بها إلى خراسان دهقان هراة، فانقطعت الدبيلة، فهلك. واستخلف جعفرا البهراني، وهو جعفر بْن حنظلة سنة عشرين ومائة فعمل أربعة أشهر، وجاء عهد نصر بْن سيار في رجب سنة إحدى وعشرين ومائة، فقال ابن عرس العبدي:
نعى أسد بْن عبد الله ناع ... فريع القلب للملك المطاع
ببلخ وافق المقدار يسري ... وما لقضاء ربك من دفاع
فجودي عين بالعبرات سحا ... ألم يحزنك تفريق الجماع!
أتاه حمامه فى جوف صيغ ... وكم بالصيغ من بطل شجاع!
كتائب قد يجيبون المنادي ... على جرد مسومة سراع
سقيت الغيث إنك كنت غيثا ... مريعا عند مرتاد النجاع
وقال سليمان بْن قتة مولى بني تيم بْن مرة- وكان صديقا لأسد:
سقى الله بلخا، سهل بلخ وحزنها ... ومروى خراسان السحاب المجمما
وما بي لتسقاه ولكن حفرة ... بها غيبوا شلوا كريما وأعظما
مراجم أقوام ومردى عظيمة ... وطلاب أوتار عفرنا عثمثما
لقد كان يعطي السيف في الروع حقه ... ويروي السنان الزّاغبىّ المقوّما

امر شيعه بنى العباس بخراسان
قَالَ أبو جعفر: وفي هذه السنة وجهت شيعة بني العباس بخراسان إلى محمد بْن علي بْن العباس سليمان بْن كثير ليعلمه أمرهم وما هم عليه.
ذكر الخبر عن سبب توجيههم سليمان إلى محمد:
وكان السبب في ذلك موجدة كانت من محمد بْن علي على من كان بخراسان من شيعته من أجل طاعتهم، كانت لخداش الذي ذكرنا خبره قبل وقبولهم منه ما روي عليه من الكذب، فترك مكاتبتهم، فلما أبطأ عليهم

(7/141)


كتابه، اجتمعوا فذكروا ذلك بينهم، فأجمعوا على الرضا بسليمان بْن كثير ليلقاه بأمرهم، ويخبره عنهم، ويرجع إليهم بما يرد عليه، فقدم- فيما ذكر- سليمان بْن كثير على محمد بْن علي وهو متنكر لمن بخراسان من شيعته، فأخبره عنهم، فعنفهم في اتباعهم خداشا وما كان دعا إليه، وقال: لعن الله خداشا ومن كان على دينه! ثم صرف سليمان إلى خراسان، وكتب إليهم معه كتابا، فقدم عليهم، ومعه الكتاب مختوما، ففضوا خاتمه فلم يجدوا فيه شيئا، إلا: بسم الله الرحمن الرحيم، فغلظ ذلك عليهم وعلموا أن ما كان خداش أتاهم به لأمره مخالف.
وفي هذه السنة وجه محمد بْن علي بكر بْن ماهان إلى شيعته بخراسان بعد منصرف سليمان بْن كثير من عنده إليهم، وكتب معه إليهم كتابا يعلمهم أن خداشا حمل شيعته على غير منهاجه فقدم عليهم بكير بكتابه فلم يصدقوه واستخفوا به، فانصرف بكير إلى محمد بْن علي، فبعث معه بعصي مضببة بعضها بالحديد وبعضها بالشبه، فقدم بها بكير وجمع النقباء والشيعة، ودفع إلى كل رجل منهم عصا، فعلموا أنهم مخالفون لسيرته، فرجعوا وتابوا.
وفي هذه السنة عزل هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الله عن اعماله التي كان ولاه إياها كلها
. ذكر سبب عزل هشام خالدا
قد قيل في ذلك أقوال، نذكر ما حضرنا من ذلك ذكره، فمما قيل في ذلك: إن فروخ أبا المثنى كان قد تقبل من ضياع هشام بْن عبد الملك بموضع يقال له رستاق الرمان أو نهر الرمان- وكان يدعى بذلك فروخ الرماني- فثقل مكانه على خالد، فقال خالد لحسان النبطي:
ويحك! اخرج إلى أمير المؤمنين فزد على فروخ، فخرج فزاد عليه

(7/142)


ألف ألف درهم، فبعث هشام رجلين من صلحاء اهل الشام، فحازا الضياع، فصار حسان أثقل على خالد من فروخ، فجعل يضر به، فيقول له حسان:
لا تفسدني وأنا صنيعتك! فأبى إلا الإضرار به، فلما قدم عليه بثق البثوق على الضياع، ثم خرج إلى هشام، فقال: إن خالدا بثق البثوق على ضياعك.
فوجه هشام رجلا، فنظر إليها ثم رجع إلى هشام فأخبره، فقال حسان لخادم من خدم هشام: إن تكلمت بكلمة أقولها لك حيث يسمع هشام، فلك عندي ألف دينار، قَالَ: فعجل لي الألف وأقول ما شئت، قَالَ: فعجلها له وقال له: بك صبيا من صبيان هشام، فإذا بكى فقل له: اسكت، والله لكأنك ابن خالد القسري الذي غلته ثلاثة عشر ألف ألف فسمعها هشام فأغضى عليها ثم دخل عليه حسان بعد ذلك، فقال له هشام: ادن مني فدنا منه، فقال: كم غلة خالد؟ قَالَ: ثلاثة عشر ألف ألف، قَالَ:
فكيف لم تخبرني بهذا! قَالَ: وهل سألتني؟ فوقرت في نفس هشام، فأزمع على عزله.
وقيل: كان خالد يقول لابنه يزيد: ما أنت بدون مسلمة بْن هشام، فإنك لتفخر على الناس بثلاث لا يفخر بمثلها أحد: سكرت دجلة ولم يتكلف ذلك أحد، ولي سقاية بمكة، ولي ولاية العراق.
وقيل: إنما أغضب هشاما على خالد أن رجلا من قريش دخل على خالد فاستخف به وعضه بلسانه، فكتب إلى هشام يشكوه، فكتب هشام إلى خالد:
أما بعد، فإن أمير المؤمنين- وإن كان أطلق لك يدك ورأيك فيمن استرعاك أمره، واستحفظك عليه، للذي رجا من كفايتك، ووثق به من حسن تدبيرك- لم يفرشك غره أهل بيته لتطأه بقدمك، ولا تحد إليه بصرك، فكيف بك وقد بسطت على غرتهم بالعراق لسانك بالتوبيخ، تريد بذلك تصغير خطره، واحتقار قدره، زعمت بالنصفة منه حتى

(7/143)


أخرجك ذلك إلى الإغلاظ في اللفظ عليه في مجلس العامة، غير متحلحل له حين رأيته مقبلا من صدر مهادك الذي مهد له الله، وفي قومك من يعلوك بحسبه، ويغمرك بأوليته، فنلت مهادك بما رفع به آل عمرو من ضعتك خاصة، مساوين بك فروع غرر القبائل وقرومها قبل أمير المؤمنين، حتى حللت هضبة أصبحت تنحو بها عليهم مفتخرا هذا إن لم يدهده بك قلة شكرك متحطما وقيذا فهلا- يا بن مجرشة قومك- أعظمت رجلهم عليك داخلا، ووسعت مجلسه إذ رأيته إليك مقبلا، وتجافيت له عن صدر فراشك مكرما، ثم فاوضته مقبلا ببشرك، إكراما لأمير المؤمنين فإذا اطمأن به مجلسه نازعته بحيي السرار، معظما لقرابته، عارفا لحقه، فهو سن البيتين ونابهم، وابن شيخ آل أبي العاص وحرب وغرتهم.
وبالله يقسم أمير المؤمنين لك لولا ما تقدم من حرمتك وما يكره من شماتة عدوك بك لوضع منك ما رفع، حتى يردك إلى حال تفقد بها أهل الحوائج بعراقك، وتزاحم المواكب ببابك وما أقربني من أن أجعلك تابعا لمن كان لك تبعا، فانهض على أي حال ألفاك رسول أمير المؤمنين وكتابه، من ليل او نهار، ماشيا على قدمك بمن معك من خولك، حتى تقف على باب ابن عمرو صاغرا، مستأذنا عليه، متنصلا إليه، أذن لك أو منعك، فإن حركته عواطف رحمة احتملك، وإن احتملته أنفة وحمية من دخولك عليك فقف ببابه حولا غير متحلحل ولا زائل، ثم أمرك بعد إليه، عزل أو ولى، انتصر أو عفا، فلعنك الله من متكل عليه بالثقة، ما أكثر هفواتك، وأقذع لأهل الشرف ألفاظك، التي لا تزال تبلغ أمير المؤمنين

(7/144)


من إقدامك بها على من هو أولى بما أنت فيه من ولاية مصري العراق، وأقدم وأقوم وقد كتب أمير المؤمنين إلى ابن عمه بما كتب به إليك من إنكاره عليك، ليرى في العفو عنك والسخط عليك رأيه، مفوضا ذلك إليه مبسوطة فيه يده، محمودا عند أمير المؤمنين على أيهما آتى إليك، موفقا إن شاء الله تعالى.
وكتب إلى ابن عمرو:
أما بعد، فقد بلغ أمير المؤمنين كتابك، وفهم ما ذكرت من بسط خالد عليك لسانه في مجلس العامه محتقرا لقدرك، مستصغرا لقرابتك من أمير المؤمنين، وعواطف رحمه عليك وإمساكك عنه، تعظيما لأمير المؤمنين وسلطانه وتمسكا بوثائق عصم طاعته، مع مؤلم ما تداخلك من قبائح ألفاظه وشرارة منطقه، وإكثابه عليك عند إطراقك عنه، مرويا فيما أطلق أمير المؤمنين من لسانه، وأطال من عنانه، ورفع من ضعته، ونوه من خموله، وكذلك أنتم آل سعيد في مثلها عند هذر الذنابي وطائشة أحلامها، صمت من غير إفحام، بل بأحلام تخف بالجبال وزنا وقد حمد أمير المؤمنين تعظيمك إياه، وتوقيرك سلطانه وشكره، وقد جعل أمر خالد إليك في عزلك إياه أو إقراره، فإن عزلته أمضى عزلك إياه، وإن أقررته فتلك منة لك عليه لا يشركك أمير المؤمنين فيها وقد كتب إليه أمير المؤمنين بما يطرد عنه سنة الهاجع عند وصوله إليه، يأمره بإتيانك راجلا على أية حال صادفه كتاب امير المؤمنين فيها، وألفاه رسوله الموجه إليه من ليله أو نهاره، حتى يقف ببابك، أذنت له أو حجبته، أقررته أو عزلته، وتقدم أمير المؤمنين إلى رسوله في ضربه بين يديك على رأسه عشرين سوطا إلا أن تكره أن يناله

(7/145)


ذلك بسببك لحرمة خدمته، فأيهما رأيت إمضاءه كان لأمير المؤمنين في برك وعظم حرمتك وقرابتك وصلة رحمك موافقا، وإليه حبيبا، فيما ينوي من قضاء حق آل أبي العاص وسعيد فكاتب أمير المؤمنين فيما بدا لك مبتدئا ومجيبا ومحادثا وطالبا، ما عسى أن ينزل بك أهلك من أهل بيت أمير المؤمنين من حوائجهم التي تقعد بهم الحشمة عن تناولها من قبله لبعد دارهم عنه، وقلة إمكان الخروج لإنزالها به، غير محتشم من أمير المؤمنين، ولا مستوحش من تكرارها عليه، على قدر قرابتهم وأديانهم وأنسابهم، مستمنحا ومسترفدا، وطالبا مستزيدا، تجد أمير المؤمنين إليك سريعا بالبر لما يحاول من صلة قرابتهم، وقضاء حقوقهم، وبالله يستعين أمير المؤمنين على ما ينوي، وإليه يرغب في العون على قضاء حق قرابته، وعليه يتوكل، وبه يثق والله وليه ومولاه والسلام.
وقيل: إن خالدا كان كثيرا ما يذكر هشاما، فيقول: ابن الحمقاء.
وكانت أم هشام تستحمق، وقد ذكرنا خبرها قبل.
وذكر أنه كتب إلى هشام كتابا غاظه، فكتب اليه هشام: يا بن أم خالد، قد بلغني أنك تقول: ما ولاية العراق لي بشرف، فيابْن اللخناء، كيف لا تكون إمرة العراق لك شرفا، وأنت من بجيلة القليلة الذليلة! أما والله إني لأظن أن أول من يأتيك صغير من قريش، يشد يديك إلى عنقك.
وذكر أن هشاما كتب إليه: قد بلغني قولك: أنا خالد بْن عبد الله بْن يزيد بْن أسد بْن كرز، ما أنا بأشرف الخمسة أما والله لأردنك إلى بغلتك وطيلسانك الفيروزي.
وذكر أن هشاما بلغه أنه يقول لابنه: كيف أنت إذا احتاج إليك بنو أمير المؤمنين! فظهر الغضب في وجهه.
وقيل: إن هشاما قدم عليه رجل من أهل الشام، فقال: إني سمعت خالدا ذكر أمير المؤمنين بما لا تنطلق به الشفتان، قَالَ: قَالَ: الأحول؟
قَالَ: لا، بل قَالَ أشد من ذلك، قَالَ: فما هو؟ قَالَ: لا أقوله أبدا،

(7/146)


فلم يزل يبلغه عنه ما يكره حتى تغير له وذكر أن دهقانا دخل على خالد، فقال: أيها الأمير، إن غلة.
ابنك قد زادت على عشرة آلاف ألف، ولا آمن أن يبلغ هذا أمير المؤمنين فيستكثره.
وإن الناس يحبون جسدك، وأنا أحب جسدك وروحك، قَالَ: إن أسد بْن عبد الله قد كلمني بمثل هذا، فأنت أمرته؟ قَالَ: نعم، قَالَ: ويحك! دع ابني، فلربما طلب الدرهم فلم يقدر عليه.
ثم عزم هشام- لما كثر عليه ما يتصل به عن خالد من الأمور التي كان يكرهها- على عزله، فلما عزم على ذلك أخفى ما قد عزم له عليه من أمره.