تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
ذكر الخبر عن العلة التي كانت بها وفاته
حدثني أحمد بْن زهير، قَالَ: حدثني علي بْن محمد، قَالَ: حدثني شيبة
بْن عثمان، قَالَ: حدثني عمرو بْن كليع، قَالَ: حدثني سالم أبو العلاء،
قَالَ: خرج علينا هشام بْن عبد الملك يوما وهو كئيب، يعرف ذلك فيه،
(7/200)
مسترخ عليه ثيابه، وقد أرخى عنان دابته،
فسار ساعة ثم انتبه، فجمع ثيابه وأخذ بعنان دابته، وقال للربيع: ادع
الأبرش، فدعي فسار بيني وبين الأبرش، فقال له الأبرش: يا أمير
المؤمنين، لقد رأيت منك شيئا غمني، قَالَ: وما هو؟ قَالَ: رأيتك قد
خرجت على حال غمني، قَالَ: ويحك يا أبرش! وكيف لا أغتم وقد زعم أهل
العلم أني ميت إلى ثلاثة وثلاثين يوما! قَالَ سالم: فرجعت إلى منزلي،
فكتبت في قرطاس: زعم أمير المؤمنين يوم كذا وكذا أنه يسافر إلى ثلاثة
وثلاثين يوما فلما كان في الليلة التي استكمل فيها ثلاثة وثلاثين يوما
إذا خادم يدق الباب يقول: أجب أمير المؤمنين، واحمل معك دواء الذبحة-
وقد كان أخذه مرة فتعالج فأفاق- فخرجت ومعي الدواء فتغرغر به، فازداد
الوجع شدة، ثم سكن فقال لي: يا سالم، قد سكن بعض ما كنت أجد، فانصرف
إلى أهلك، وخلف الدواء عندي فانصرفت، فما كان إلا ساعة حتى سمعت الصراخ
عليه، فقالوا: مات أمير المؤمنين! فلما مات أغلق الخزان الأبواب،
فطلبوا قمقما يسخن فيه الماء لغسله، فما وجدوه حتى استعاروا قمقما من
بعض الجيران، فقال بعض من حضر ذلك: إن في هذا لمعتبرا لمن اعتبر وكانت
وفاته بالذبحة، فلما مات صلى عليه ابنه مسلمة بْن هشام.
ذكر بعض سير هشام
حدثني أحمد بْن زهير، قَالَ: حدثني علي بْن محمد، عن وسنان الأعرجي،
قَالَ: حدثني ابن أبي نحيلة، عن عقال بْن شبة، قَالَ:
دخلت على هشام، وعليه قباء فنك أخضر، فوجهني إلى خراسان، وجعل يوصيني
وأنا أنظر إلى القباء، ففطن، فقال: ما لك؟ قلت: رأيت عليك قبل أن تلي
الخلافة قباء فنك أخضر، فجعلت أتأمل هذا، أهو ذاك أم غيره.
فقال: هو والله الذي لا إله إلا، هو ذاك، ما لي قباء غيره وأما ما ترون
من جمعي هذا المال وصونه فإنه لكم قَالَ: وكان عقال مع
(7/201)
هشام فأما شبة أبو عقال، فكان مع عبد الملك
بْن مروان، وكان عقال يقول: دخلت على هشام، فدخلت على رجل محشو عقلا.
حدثني أحمد بْن زهير، قَالَ: حدثني علي، قَالَ: قَالَ مروان بْن شجاع،
مولى لمروان بْن الحكم: كنت مع محمد بْن هشام بْن عبد الملك، فأرسل إلي
يوما، فدخلت عليه، وقد غضب وهو يتلهف، فقلت: ما لك؟
فقال: رجل نصراني شج غلامي- وجعل يشتمه- فقلت له: على رسلك! قَالَ: فما
أصنع؟ قلت: ترفعه إلى القاضي، قَالَ: وما غير هذا! قلت:
لا، قَالَ خصي له: أنا أكفيك، فذهب فضربه وبلغ هشاما فطلب الخصي، فعاذ
بمحمد، فقال محمد بْن هشام: لم آمرك، وقال الخصي:
بلى والله لقد أمرتني، فضرب هشام الخصي وشتم ابنه.
وحدثني أحمد، قَالَ علي: لم يكن أحد يسير في أيام هشام في موكب إلا
مسلمة بْن عبد الملك قَالَ: ورأى هشام يوما سالما في موكب، فزجره وقال:
لأعلمن متى سرت في موكب وكان يقدم الرجل الغريب فيسير معه، فيقف سالم،
ويقول: حاجتك، ويمنعه أن يسير معه، وكان سالم كأنه هو أمر هشاما.
قَالَ: ولم يكن أحد من بني مروان يأخذ العطاء إلا عليه الغزو، فمنهم من
يغزو، ومنهم من يخرج بدلا.
قَالَ: وكان لهشام بْن عبد الملك مولى يقال له يعقوب، فكان يأخذ عطاء
هشام مائتي دينار ودينارا، يفضل بدينار، فيأخذها يعقوب ويغزو وكانوا
يصيرون أنفسهم في أعوان الديوان، وفي بعض ما يجوز لهم المقام به، ويوضع
به الغزو عنهم وكان داود وعيسى ابنا علي بْن عبد الله بْن عباس- وهما
لأم- في أعوان السوق بالعراق لخالد بْن عبد الله، فأقاما عنده،
فوصلهما، ولولا ذلك لم يستطع أن يحبسهما، فصيرهما في الأعوان، فسمرا،
وكانا يسامرانه ويحدثانه
(7/202)
قَالَ: فولى هشام بعض مواليه ضيعة له،
فعمرها فجاءت بغلة عظيمة كبيرة ثم عمرها أيضا، فأضعفت الغلة، وبعث بها
مع ابنه، فقدم بها على هشام، فأخبره خبر الضيعة فجزاه خيرا، فرأى منه
انبساطا، فقال: يا أمير المؤمنين، إن لي حاجة، قَالَ: وما هي؟ قَالَ:
زيادة عشرة دنانير في العطاء، فقال: ما يخيل إلى أحدكم أن عشرة دنانير
في العطاء إلا بقدر الجوز! لا لعمري لا أفعل.
حدثني أحمد، قَالَ: حدثنا علي، قَالَ: قَالَ جعفر بْن سليمان:
قَالَ لي عبد الله بْن علي: جمعت دواوين بني مروان، فلم أر ديوانا أصح
ولا اصلح للعامه والسلطان من ديوان هشام.
حدثنا أحمد، قال: قال علي: قال غسان بن عبد الحميد: لم يكن احد من بنى
مروان أشد نظرا في امر اصحابى ودواوينه، ولا أشد مبالغة في الفحص عنهم
من هشام.
حدثني أحمد، قَالَ: حدثنا علي، قَالَ: قَالَ حماد الأبح: قَالَ هشام
لغيلان: ويحك يا غيلان! قد أكثر الناس فيك، فنازعنا بأمرك، فإن كان حقا
اتبعناك، وإن كان باطلا نزعت عنه، قَالَ: نعم، فدعا هشام ميمون بْن
مهران ليكلمه، فقال له ميمون: سل، فان اقوى ما تكونون إذا سألتم، قَالَ
له: أشاء الله أن يعصى؟ فقال له ميمون: أفعصي كارها! فسكت، فقال هشام:
أجبه فلم يجبه، فقال له هشام: لا أقالني الله إن أقلته، وأمر بقطع يديه
ورجليه.
حدثني أحمد، قَالَ: حدثنا علي عن رجل من غنى، عن بشر مولى هشام، قال:
اتى هشام برجل عنده قيان وخمر وبربط، فقال:
اكسروا الطنبور على رأسه وضربه، فبكى الشيخ قَالَ بشر: فقلت له
(7/203)
- وأنا أعزيه: عليك بالصبر، فقال: أتراني
أبكي للضرب! إنما أبكي لاحتقاره للبربط إذ سماه طنبورا! قَالَ: وأغلظ
رجل لهشام، فقال له هشام: ليس لك أن تغلظ لإمامك! قَالَ: وتفقد هشام
بعض ولده- ولم يحضر الجمعة- فقال له: ما منعك من الصلاة؟ قَالَ: نفقت
دابتي، قَالَ: أفعجزت عن المشي فتركت الجمعة! فمنعه الدابة سنة.
قَالَ: وكتب سليمان بْن هشام إلى أبيه: إن بغلتي قد عجزت عني، فإن رأى
أمير المؤمنين أن يأمر لي بدابة فعل فكتب إليه: قد فهم أمير المؤمنين
كتابك، وما ذكرت من ضعف دابتك، وقد ظن أمير المؤمنين أن ذلك من قلة
تعهدك لعلفها، وأن علفها يضيع، فتعهد دابتك في القيام عليها بنفسك،
ويرى أمير المؤمنين رأيه في حملانك.
قَالَ: وكتب إليه بعض عماله: إني قد بعثت إلى أمير المؤمنين بسلة
دراقن، فليكتب إلي أمير المؤمنين بوصولها فكتب إليه: قد وصل إلى أمير
المؤمنين الدراقن الذي بعثت به فأعجبه، فزد أمير المؤمنين منه، واستوثق
من الوعاء.
قَالَ: وكتب إلى بعض عماله: قد وصلت الكمأة التي بعثت بها إلى أمير
المؤمنين، وهي أربعون، وقد تغير بعضها، ولم تؤت في ذلك إلا من حشوها،
فإذا بعثت إلى أمير المؤمنين منها شيئا فأجد حشوها في الظرف الذي
تجعلها فيه بالرمل، حتى لا تضطرب ولا يصيب بعضها بعضا.
حدثني أحمد، قَالَ: حدثني علي، قَالَ: حدثنا الحارث بْن يزيد، قَالَ:
حدثني مولى لهشام، قَالَ: بعث معي مولى لهشام كان على بعض ضياعه بطيرين
ظريفين، فدخلت إليه وهو جالس على سرير في عرصة الدار، فقال: أرسلهما في
الدار، قَالَ: فأرسلتهما فنظر إليهما، فقلت:
يا أمير المؤمنين، جائزتي، قَالَ: ويلك! وما جائزة طيرين؟ قلت: ما كان،
قَالَ: خذ أحدهما، فعدوت في الدار عليهما، فقال: ما لك؟ قلت:
(7/204)
اختار خيرهما، قال: اتختار أيضا خيرهما
وتدع شرهما لي! دعهما ونحن نعطيك اربعين درهما او خمسين درهما قَالَ:
وأقطع هشام أرضا يقال لها دورين، فأرسل في قبضها، فإذا هي خراب، فقال
لذويد كاتب كان بالشام: ويحك! كيف الحيلة؟ قال:
ما تجعل لي؟ قال: أربعمائة دينار، فكتب دورين وقراها، ثم أمضاها في
الدواوين، فأخذ شيئا كثيرا، فلما ولي هشام دخل عليه ذويد، فقال له
هشام: دورين وقراها! لا والله لا تلي لي ولاية أبدا، وأخرجه من الشام.
حدثني أحمد، قَالَ: حدثنا علي، عن عمير بْن يزيد، عن أبي خالد، قَالَ:
حدثني الوليد بْن خليد، قَالَ: رآني هشام بْن عبد الملك، وأنا على
برذون طخاري، فقال: يا وليد بْن خليد، ما هذا البرذون؟ قلت:
حملني عليه الجنيد، فحسدني وقال: والله لقد كثرت الطخارية، لقد مات عبد
الملك فما وجدنا في دوابه برذونا طخاريا غير واحد، فتنافسه بنو عبد
الملك أيهم يأخذه، وما منهم أحد إلا يرى أنه إن لم يأخذه لم يرث من عبد
الملك شيئا.
قَالَ: وقال بعض آل مروان لهشام: أتطمع في الخلافة وأنت بخيل جبان؟
قَالَ: ولم لا أطمع فيها وأنا حليم عفيف! قَالَ: وقال هشام يوما
للأبرش: او ضعت أعنزك؟ قَالَ: إي والله، قَالَ: لكن أعنزي تأخر ولادها،
فاخرج بنا إلى أعنزك نصب من ألبانها، قَالَ: نعم، أفأقدم قوما؟ قَالَ:
لا، قَالَ: أفأقدم خباء حتى يضرب لنا؟ قَالَ:
نعم، فبعث برجلين بخباء فضرب، وغدا هشام والأبرش وغدا الناس، فقعد هشام
والأبرش، كل واحد منهما على كرسي، وقدم إلى كل واحد منهما شاة، فحلب
هشام الشاة بيده، وقال: تعلم يا أبرش أني لم أبس الحلب! ثم أمر بملة
فعجنت وأوقد النار بيده، ثم فحصها وألقى الملة، وجعل يقلبها بالمحراث،
ويقول: يا أبرش، كيف ترى رفقي! حتى نضجت ثم أخرجها،
(7/205)
وجعل يقلبها بالمحراث، ويقول: جبينك جبينك
والأبرش يقول: لبيك لبيك- وهذا شيء تقوله الصبيان إذا خبزت لهم الملة-
ثم تغدى وتغدى الناس ورجع.
قَالَ: وقدم علباء بْن منظور الليثي على هشام، فأنشده:
قالت عليه واعتزمت لرحلة ... زوراء بالأذنين ذات تسدر
أين الرحيل وأهل بيتك كلهم ... كل عليك كبيرهم كالأصغر!
فأصاغر أمثال سلكان القطا ... لا في ثرى مال ولا في معشر
إني إلى ملك الشام لراحل ... وإليه يرحل كل عبد موقر
فلأتركنك إن حييت غنية ... بندى الخليفة ذي الفعال الأزهر
إنا أناس ميت ديواننا ... ومتى يصبه ندى الخليفة ينشر
فقال له هشام: هذا الذي كنت تحاول، وقد أحسنت المسألة فامر له بخمسمائة
درهم، وألحق له عيلا في العطاء.
قَالَ: وأتى هشاما محمد بْن زيد بْن عبد الله بْن عمر بْن الخطاب،
فقال:
مالك عندي شيء، ثم قَالَ: إياك أن يغرك أحد فيقول: لم يعرفك أمير
المؤمنين، إني قد عرفتك، أنت محمد بْن زيد بْن عبد الله بْن عمر بْن
الخطاب، فلا تقيمن وتنفق ما معك، فليس لك عندي صله، فالحق بأهلك.
قَالَ: ووقف هشام يوما قريبا من حائط فيه زيتون، ومعه عثمان بْن حيان
المري، وعثمان قائم يكاد رأسه يوازي رأس أمير المؤمنين وهو يكلمه إذ
سمع نفض الزيتون، فقال لرجل: انطلق إليهم فقل لهم: القطوه لقطا، ولا
تنفضوه نفضا، فتتفقأ عيونه، وتتكسر غصونه.
قَالَ: وحج هشام، فأخذ الأبرش مخنثين ومعهم البرابط، فقال هشام:
احبسوهم وبيعوا متاعهم- وما درى ما هو- وصيروا ثمنه في بيت المال، فإذا
صلحوا فردوا عليهم الثمن.
وكان هشام بْن عبد الملك ينزل الرصافة- وهي فيما ذكر- من أرض قنسرين
(7/206)
وكان سبب نزوله إياها- فيما حدثني أحمد بْن
زهير بْن حرب، عن علي بْن محمد- قال: كان الخلفاء وأبناء الخلفاء
يتبدون ويهربون من الطاعون، فينزلون البرية خارجا عن الناس، فلما أراد
هشام أن ينزل الرصافة قيل له: لا تخرج، فإن الخلفاء لا يطعنون، ولم نر
خليفة طعن، قَالَ:
أتريدون أن تجربوا بي! فنزل الرصافة وهي برية، ابتنى بها قصرين.
والرصافة مدينة رومية بنتها الروم وكان هشام الأحول، فحدثني أحمد، عن
علي، قَالَ: بعث خالد بْن عبد الله إلى هشام بْن عبد الملك بحاد فحدا
بين يديه بأرجوزة أبي النجم:
والشمس في الأفق كعين احول ... صغواء قد همت ولما تفعل
فغضب هشام وطرده.
وحدثني أحمد بْن زهير، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ،
قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عاصم الضبي، قَالَ: مر بي معاوية بْن هشام، وأنا
أنظر إليه في رحبة أبي شريك- وأبو شريك رجل من العجم كانت تنسب إليه
وهي مزرعة- وقد اختبز خبزه، فوقف علي، فقلت: الغداء! فنزل وأخرجتها،
فوضعتها في لبن، فأكل ثم جاء الناس، فقلت: من هذا؟ قالوا: معاويه بن
هشام، فامر لي بصلة وركب وثار بين يديه ثعلب، فركض خلفه، فما تبعه
غلوة، حتى عثر به فرسه فسقط فاحتملوه ميتا، فقال هشام: تالله لقد أجمعت
أن أرشحه للخلافة، ويتبع ثعلبا! قَالَ: وكانت عند معاوية بْن هشام ابنة
إسماعيل بْن جرير وامرأة أخرى، فأخرج هشام كل واحدة منهما من نصف الثمن
بأربعين ألفا.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا، عَلِيُّ،
قَالَ: قَالَ قحذم كاتب يوسف: بعثني يوسف بْن عمر إلى هشام بياقوتة
حمراء يخرج طرفاها من كفى، وحبه لؤلؤ اعظم ما يكون من الحب، فدخلت عليه
فدنوت منه، فلم أر وجهه من طول السرير وكثرة الفرش، فتناول الحجر
والحبه، فقال:
(7/207)
أكتب معك بوزنهما؟ قلت: يا أمير المؤمنين،
هما أجل عن أن يكتب بوزنهما، ومن أين يوجد مثلهما! قَالَ: صدقت، وكانت
الياقوتة للرائقة جارية خالد بْن عبد الله، اشترتها بثلاثة وسبعين ألف
دينار.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: مَشَيْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ
عَلِيٍّ إِلَى دَارِهِ عِنْدَ الْحَمَّامِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ
قَدْ طَالَ مُلْكُ هِشَامٍ وَسُلْطَانُهُ، وَقَدْ قَرُبَ مِنَ
الْعِشْرِينَ وَقَدْ زَعَمَ النَّاسُ أَنَّ سُلَيْمَانَ سَأَلَ رَبَّهُ
مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، فَزَعَمَ النَّاسُ
أَنَّهَا الْعِشْرُونَ، فَقَالَ:
مَا أَدْرِي مَا أَحَادِيثُ النَّاسِ! وَلَكِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ
ابيه، [عن على، عن النبي ص أَنَّهُ قَالَ: لَنْ يُعَمِّرَ اللَّهُ
مُلْكًا فِي أُمَّةِ نَبِيٍّ مَضَى قَبْلَهُ مَا بَلَغَ بِذَلِكَ
النَّبِيِّ مِنَ الْعُمُرِ] وفي هذه السنة وَلِيَ الْخِلافَةَ بَعْدَ
مَوْتِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الوليد بن يزيد ابن عَبْدِ
الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَلِيَهَا يَوْمَ السَّبْتِ فِي شَهْرِ
رَبِيعٍ الآخَرِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فِي قَوْلِ
هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيِّ.
وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ فَإِنَّهُ قَالَ: اسْتُخْلِفَ الوليد
بن يزيد بن عبد الملك يوم الأَرْبِعَاءِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ
رَبِيعٍ الآخَرِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ.
وَقَالَ فِي ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدِ بن
عمر.
(7/208)
خلافة الوليد بْن يزيد بْن عبد الملك بْن
مروان
(ذكر الخبر عن بعض أسباب ولايته الخلافه) قد مضى ذكرى سبب عقد أبيه
يزيد بْن عبد الملك بْن مروان له الخلافة بعد أخيه هشام بْن عبد الملك،
وكان الوليد بْن يزيد يوم عقد له أبوه يزيد ذلك ابن إحدى عشرة سنة، فلم
يمت يزيد حتى بلغ ابنه الوليد خمس عشرة سنة، فندم يزيد على استخلافه
هشاما أخاه بعده، وكان إذا نظر إلى ابنه الوليد، قَالَ: الله بيني وبين
من جعل هشاما بيني وبينك! فتوفي يزيد بْن عبد الملك وابنه الوليد ابن
خمس عشرة سنة وولي هشام وهو للوليد مكرم معظم مقرب، فلم يزل ذلك من
أمرهما حتى ظهر من الوليد بْن يزيد مجون وشرب الشراب، حمله على ذلك-
فيما حدثني أحمد بْن زهير، عن علي ابن محمد، عن جويرية بْن أسماء
وإسحاق بْن أيوب وعامر بْن الأسود وغيرهم- عبد الصمد بن عبد الأعلى
الشبانى أخو عبد الله بْن عبد الأعلى- وكان مؤدب الوليد- واتخذ الوليد
ندماء، فأراد هشام أن يقطعهم عنه فولاه الحج سنة تسع وعشرة ومائة، فحمل
معه كلابا في صناديق، فسقط منها صندوق- فيما ذكر علي بْن محمد عمن سميت
من شيوخه- عن البعير وفيه كلب، فأجالوا على الكري السياط، فأوجعوه ضربا
وحمل معه قبة عملها على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة، وحمل معه خمرا،
وأراد أن ينصب القبة على الكعبة، ويجلس فيها، فخوفه أصحابه وقالوا: لا
نأمن الناس عليك وعلينا معك، فلم يحركها وظهر للناس منه تهاون بالدين
واستخفاف به، وبلغ ذلك هشاما فطمع في خلعه والبيعة لابنه مسلمة بن
هشام، فاراده على أن يخلعها ويبايع لمسلمة، فأبى، فقال له: اجعلها له
من بعدك، فأبى، فتنكر له هشام واضربه، وعمل سرا في البيعة لابنه،
فأجابه قوم
(7/209)
قَالَ: فكان ممن أجابه خالاه: محمد
وإبراهيم ابنا هشام بْن إسماعيل المخزومي، وبنو القعقاع بْن خليد
العبسي وغيرهم من خاصته.
قَالَ: وتمادى الوليد في الشراب وطلب اللذات فأفرط، فقال له هشام:
ويحك يا وليد! والله ما أدري أعلى الإسلام أنت أم لا! ما تدع شيئا من
المنكر إلا أتيته غير متحاش ولا مستتر به! فكتب إليه الوليد:
يايها السائل عن ديننا ... نحن على دين أبي شاكر
نشربها صرفا وممزوجة ... بالسخن أحيانا وبالفاتر
فغضب هشام على ابنه مسلمة- وكان يكنى أبا شاكر- وقال له:
يعيرني بك الوليد وأنا أرشحك للخلافة! فالزم الأدب واحضر الجماعة وولاه
الموسم سنة تسع عشرة ومائة، فأظهر النسك والوقار واللين، وقسم بمكة
والمدينة أموالا، فقال مولى لأهل المدينة:
يايها السائل عن ديننا ... نحن على دين أبي شاكر
الواهب الجرد بأرسانها ... ليس بزنديق ولا كافر
يعرض بالوليد.
وأم مسلمه بْن هشام أم حكيم بنت يحيى بْن الحكم بْن أبي العاص فقال
الكميت:
إن الخلافة كائن أوتادها ... بعد الوليد إلى ابن أم حكيم
فقال خالد بْن عبد الله القسرى: انا بريء من خليفة يكنى أبا شاكر، فغضب
مسلمة بْن هشام على خالد، فلما مات أسد بن عبد الله أخو خالد ابن عبد
الله، كتب أبو شاكر إلى خالد بْن عبد الله بشعر هجا به يحيى بْن نوفل
خالدا وأخاه أسدا حين مات:
أراح من خالد وأهلكه ... رب أراح العباد من أسد
أما أبوه فكان مؤتشبا ... عبدا لئيما لأعبد قفد
(7/210)
وبعث بالطومار مع رسول على البريد إلى
خالد، فظن أنه عزاه عن أخيه، ففض الخاتم، فلم ير في الطومار غير
الهجاء، فقال: ما رأيت كاليوم تعزية! وكان هشام يعيب الوليد ويتنقصه،
وكثر عبثه به وبأصحابه وتقصيره به، فلما رأى ذلك الوليد خرج وخرج معه
ناس من خاصته ومواليه، فنزل بالأزرق، بين أرض بلقين وفزارة، على ماء
يقال له الاغدف، وخلف كاتبه عياض ابن مسلم مولى عبد الملك بْن مروان
بالرصافة، فقال له: اكتب إلي بما يحدث قبلكم وأخرج معه عبد الصمد بْن
عبد الأعلى، فشربوا يوما فلما أخذ فيهم الشراب، قَالَ الوليد لعبد
الصمد: يا أبا وهب، قل أبياتا، فقال:
ألم تر للنجم إذ شيعا ... يبادر في برجه المرجعا
تحير عن قصد مجراته ... أتى الغور والتمس المطلعا
فقلت وأعجبني شأنه ... وقد لاح إذ لاح لي مطمعا:
لعل الوليد دنا ملكه ... فأمسى إليه قد استجمعا
وكنا نؤمل في ملكه ... كتأميل ذي الجدب ان يمرعا
عقدنا له محكمات الأمور ... طوعا فكان لها موضعا
وروي الشعر، فبلغ هشاما، فقطع عن الوليد ما كان يجري عليه، وكتب إلى
الوليد: بلغني عنك أنك اتخذت عبد الصمد خدنا ومحدثا ونديما، وقد حقق
ذلك عندي ما بلغني عنك، ولم أبرئك من سوء، فأخرج عبد الصمد مذموما
مدحورا فأخرجه، وقال فيه:
لقد قذفوا أبا وهب بأمر ... كبير بل يزيد على الكبير
فأشهد أنهم كذبوا عليه ... شهادة عالم بهم خبير
وكتب الوليد إلى هشام يعلمه إخراج عبد الصمد، واعتذر إليه مما بلغه
(7/211)
من منادمته، وسأله أن يأذن لابن سهيل في
الخروج إليه- وكان ابن سهيل من أهل اليمن وقد ولي دمشق غير مرة، وكان
ابن سهيل من خاصة الوليد- فضرب هشام ابن سهيل وسيره، وأخذ عياض بْن
مسلم كاتب الوليد، وبلغه أنه يكتب بالأخبار إلى الوليد، فضربه ضربا
مبرحا، وألبسه المسوح.
فبلغ الوليد، فقال: من يثق بالناس، ومن يصطنع المعروف! هذا الأحول
المشئوم قدمه أبي على أهل بيته فصيره ولى عهده، ثم يصنع بي ما ترون:
لا يعلم أن لي في أحد هوى إلا عبث به، كتب إلي أن أخرج عبد الصمد
فاخرجته اليه، وكتبت إليه أن يأذن لابن سهيل في الخروج إلي، فضربه
وسيره، وقد علم رأيي فيه، وقد علم انقطاع عياض بْن مسلم إلي، وتحرمه بي
ومكانه مني وأنه كاتبي، فضربه وحبسه، يضارني بذلك، اللهم أجرني منه!
وقال:
انا النذير لمسدى نعمة أبدا ... إلى المقاريف ما لم يخبر الدخلا
إن أنت أكرمتهم ألفيتهم بطرا ... وإن أهنتهم ألفيتهم ذللا
أتشمخون ومنا رأس نعمتكم ... ستعلمون إذا كانت لنا دولا
انظر فإن كنت لم تقدر على مثل ... له سوى الكلب فاضربه له مثلا
بينا يسمنه للصيد صاحبه ... حتى إذ ما قوى من بعد ما هزلا
عدا عليه فلم تضرره عدوته ... ولو أطاق له أكلا لقد أكلا
وكتب إلى هشام:
لقد بلغني الذي أحدث أمير المؤمنين من قطع ما قطع عني، ومحو ما محا من
أصحابي وحرمي وأهلي، ولم أكن أخاف أن يبتلي الله أمير المؤمنين بذلك
ولا أبالي به منه، فإن يكن ابن سهيل كان منه ما كان فبحسب العير أن
يكون قدر الذئب، ولم يبلغ من صنيعي في ابن سهيل واستصلاحه، وكتابي إلى
أمير المؤمنين فيه كنه ما بلغ أمير المؤمنين من قطيعتي، فإن يكن ذلك
لشيء في نفس أمير المؤمنين علي، فقد سبب الله لي من العهد، وكتب لي
(7/212)
من العمر، وقسم لي من الرزق ما لا يقدر أحد
دون الله على قطع شيء منه دون مدته، ولا صرف شيء عن مواقعه، فقدر الله
يجري بمقاديره فيما أحب الناس أو كرهوا، ولا تأخير لعاجله ولا تعجيل
لآجله، فالناس بين ذلك يقترفون الآثام على نفوسهم من الله، ولا
يستوجبون العقوبة عليه، وأمير المؤمنين أحق أمته بالبصر بذلك والحفظ
له، والله الموفق لأمير المؤمنين بحسن القضاء له في الأمور.
فقال هشام لأبي الزبير: يا نسطاس، أترى الناس يرضون بالوليد إن حدث بي
حدث؟ قَالَ: بل يطيل الله عمرك يا أمير المؤمنين، قَالَ: ويحك! لا بد
من الموت، أفترى الناس يرضون بالوليد؟ قَالَ: يا أمير المؤمنين، إن له
في أعناق الناس بيعة، فقال هشام: لئن رضي الناس بالوليد ما أظن الحديث
الذي رواه الناس: أن من قام بالخلافة ثلاثة أيام لم يدخل النار، إلا
باطلا.
وكتب هشام إلى الوليد:
قد فهم أمير المؤمنين ما كتبت به من قطع ما قطع عنك وغير ذلك، وأمير
المؤمنين يستغفر الله من اجرائه ما كان يجرى عليك، ولا يتخوف على نفسه
اقتراف الماثم في الذي أحدث من قطع ما قطع، ومحو من محا من صحابتك،
لأمرين: أما أحدهما فإيثار أمير المؤمنين إياك بما كان يجري عليك، وهو
يعلم وضعك له وإنفاقكه في غير سبيله، وأما الآخر فإثبات صحابتك، وإدرار
أرزاقهم عليهم، لا ينالهم ما ينال المسلمين في كل عام من مكروه عند قطع
البعوث،
(7/213)
وهم معك تجول بهم في سفهك، ولأمير المؤمنين
احرى في نفسه للتقصير في القتر عليك منه للاعتداء عليك فيها، مع أن
الله قد نصر أمير المؤمنين في قطع ما قطع عنك من ذلك ما يرجو به تكفير
ما يتخوف مما سلف فيه منه وأما ابن سهيل فلعمري لئن كان نزل منك بما
نزل، وكان أهلا أن تسر فيه أو تساء، ما جعله الله كذلك، وهل زاد ابن
سهيل- لله أبوك- على أن كان مغنيا زفانا، قد بلغ في السفه غايته! وليس
ابن سهيل مع ذلك بشر ممن تستصحبه في الأمور التي يكرم أمير المؤمنين
نفسه عن ذكرها، مما كنت لعمر الله أهلا للتوبيخ به، ولئن كان أمير
المؤمنين على ظنك به في الحرص على فسادك، إنك إذا لغير إل عن هوى أمير
المؤمنين من ذلك.
وأما ما ذكرت مما سبب الله لك، فإن الله قد ابتدأ أمير المؤمنين بذلك،
واصطفاه له، والله بالغ أمره لقد أصبح أمير المؤمنين وهو على اليقين من
ربه، أنه لا يملك لنفسه فيما أعطاه من كرامته ضرا ولا نفعا، وإن الله
ولي ذلك منه، وانه لا بد له من مزايلته، والله أرأف بعباده وأرحم من أن
يولي أمرهم غير الرضي له منهم وإن أمير المؤمنين من حسن ظنه بربه لعلى
أحسن الرجاء أن يوليه تسبيب ذلك لمن هو أهله في الرضا له به ولهم، فإن
بلاء الله عند أمير المؤمنين أعظم من أن يبلغه ذكره، أو يؤديه شكره،
إلا بعون منه، ولئن كان قدر لأمير المؤمنين تعجيل وفاة، إن في الذي هو
مفض إليه إن شاء الله من كرامة الله لخلفا من الدنيا ولعمري إن كتابك
إلى أمير المؤمنين بما كتبت به لغير مستنكر من سفهك وحمقك، فاربع على
نفسك من غلوائها، وارقأ على ظلعك، فإن لله سطوات وعينا، يصيب بذلك من
يشاء، ويأذن فيه لمن يشاء ممن شاء الله، وأمير المؤمنين يسأل الله
العصمة والتوفيق لأحب الأمور إليه وأرضاها له فكتب الوليد إلى هشام:
(7/214)
رأيتك تبني جاهدا في قطيعتي ... فلو كنت ذا
إرب لهدمت ما تبني
تثير على الباقين مجنى ضغينة ... فويل لهم إن مت من شر ما تجنى!
كأني بهم والليت افضل قولهم ... الا ليتنا والليت إذ ذاك لا يغني
كفرت يدا من منعم لو شكرتها ... جزاك بها الرحمن ذو الفضل والمن
قَالَ: فلم يزل الوليد مقيما في تلك البرية حتى مات هشام، فلما كان
صبيحة اليوم الذي جاءته فيه الخلافة، أرسل إلى أبي الزبير المنذر بْن
أبي عمرو، فأتاه فقال له.
يا أبا الزبير، ما أتت علي ليلة منذ عقلت عقلي أطول من هذه الليلة،
عرضت لي هموم، وحدثت نفسي فيها بأمور من أمر هذا الرجل، الذي قد أولع
بي- يعني هشاما- فأركب بنا نتنفس، فركبا، فسارا ميلين، ووقف على كثيب،
وجعل يشكو هشامًا إذ نظر إلى رهج، فقال:
هؤلاء رسل هشام، نسأل الله من خيرهم، إذ بدا رجلان على البريد مقبلان،
أحدهما مولى لأبي محمد السفياني، والآخر جردبة.
فلما قربا أتيا الوليد، فنزلا يعدوان حتى دنوا منه، فسلما عليه
بالخلافة، فوجم، وجعل جردبة يكرر عليه السلام بالخلافة، فقال: ويحك!
أمات هشام! قَالَ: نعم، قَالَ فممن كتابك؟ قَالَ: من مولاك سالم بْن
عبد الرحمن صاحب ديوان الرسائل فقرا الكتاب وانصرفا، فدعا مولى أبي
محمد السفياني فسأله عن كاتبه عياض بْن مسلم، فقال: يا أمير المؤمنين،
لم يزل محبوسا حتى نزل بهشام أمر الله فلما صار في حد لا ترجى الحياة
لمثله أرسل عياض إلى الخزان، أن احتفظوا بما في أيديكم، فلا يصلن أحد
منه إلى شيء وأفاق هشام إفاقة، فطلب شيئا فمنعوه فقال: أرانا كنا خزانا
للوليد! ومات من ساعته وخرج عياض من السجن، فختم أبواب الخزائن، وأمر
بهشام فأنزل عن فرشه، فما وجدوا له قمقما يسخن له فيه الماء حتى
استعاروه، ولا وجدوا كفنا من الخزائن، فكفنه غالب مولى هشام، فكتب
(7/215)
الوليد إلى العباس بْن الوليد بْن عبد
الملك بْن مروان أن يأتي الرصافة، فيحصي ما فيها من أموال هشام وولده،
ويأخذ عماله وحشمه، إلا مسلمة بْن هشام، فإنه كتب اليه الا يعرض له،
ولا يدخل منزله، فإنه كان يكثر أن يكلم أباه في الرفق به، ويكفه عنه
فقدم العباس الرصافة فأحكم ما كتب به إليه الوليد، وكتب إلى الوليد
بأخذ بني هشام وحشمه وإحصاء أموال هشام، فقال الوليد:
ليت هشاما كان حيا يرى ... محلبه الأوفر قد أترعا
ويروى:
ليت هشاما عاش حتى يرى ... مكياله الأوفر قد طبعا
كلناه بالصاع الذي كاله ... وما ظلمناه به إصبعا
وما أتينا ذاك عن بدعة ... أحله الفرقان لي أجمعا
فاستعمل الوليد العمال، وجاءته بيعته من الآفاق، وكتب إليه العمال،
وجاءته الوفود، وكتب إليه مروان بْن محمد:
بارك الله لأمير المؤمنين فيما أصاره إليه من ولاية عباده، ووراثة
بلاده، وكان من تغشى غمرة سكرة الولاية ما حمل هشاما على ما حاول من
تصغير ما عظم الله من حق أمير المؤمنين، ورام من الأمر المستصعب عليه،
الذي أجابه إليه المدخولون في آرائهم واديانهم، فوجد ما طمع فيه
مستصعبا، وزاحمته الأقدار بأشد مناكبها وكان أمير المؤمنين بمكان من
الله حاطه فيه حتى أزره بأكرم مناطق الخلافة، فقام بما أراه الله له
أهلا، ونهض مستقلا بما حمل منها، مثبتة ولايته في سابق الزبر بالأجل
المسمى، وخصه الله بها على خلقه وهو يرى حالاتهم، فقلده طوقها، ورمى
إليه بأزمة الخلافة، وعصم الأمور.
فالحمد لله الذي اختار أمير المؤمنين لخلافته، ووثائق عرى دينه، وذب
(7/216)
له عما كاده فيه الظالمون، فرفعه ووضعهم،
فمن أقام على تلك الخسيسة من الأمور اوبق نفسه، واسخط ربه، ومن عدلت به
التوبة نازعا عن الباطل إلى حق وجد الله توابا رحيما.
أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله انى عند ما انتهى إلي من قيامه بولاية
خلافة الله، نهضت الى منبري، على سيفان مستعدا بهما لأهل الغش، حتى
أعلمت من قبلي ما امتن الله به عليهم من ولاية أمير المؤمنين،
فاستبشروا بذلك، وقالوا: لم تأتنا ولاية خليفة كانت آمالنا فيها أعظم
ولا هي لنا أسر من ولاية أمير المؤمنين، وقد بسطت يدي لبيعتك فجددتها
ووكدتها بوثائق العهود وترداد المواثيق وتغليظ الأيمان، فكلهم حسنت
إجابتهم وطاعتهم، فأثبهم يا أمير المؤمنين بطاعتهم من مال الله الذي
آتاك، فإنك أجودهم جودا وأبسطهم يدا، وقد انتظروك راجين فضلك قبلهم
بالرحم الذي استرحموك، وزدهم زيادة يفضل بها من كان قبلك، حتى يظهر
بذلك فضلك عليهم وعلى رعيتك، ولولا ما أحاول من سد الثغر الذي أنا به،
لخفت أن يحملني الشوق إلى أمير المؤمنين أن أستخلف رجلا على غير أمره،
وأقدم لمعاينة أمير المؤمنين، فإنها لا يعدلها عندي عادل نعمة وإن
عظمت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في المسير إليه لأشافهه بأمور
كرهت الكتاب بها فعل.
فلما ولي الوليد أجرى على زمني أهل الشام وعميانهم وكساهم، وأمر لكل
إنسان منهم بخادم، وأخرج لعيالات الناس الطيب والكسوة، وزادهم على ما
كان يخرج لهم هشام، وزاد الناس جميعا في العطاء عشرة عشرة، ثم زاد أهل
الشام بعد زيادة العشرات عشرة عشرة، لأهل الشام خاصة، وزاد من وفد إليه
من أهل بيته في جوائزهم الضعف وكان وهو ولي عهد يطعم من وفد إليه من
أهل الصائفة قافلا، ويطعم من صدر عن الحج بمنزل يقال له زيزاء ثلاثة
أيام، ويعلف دوابهم، ولم يقل في شيء يسأله: لا، فقيل
(7/217)
له: إن في قولك: أنظر، عدة ما يقيم عليها
الطالب، فقال: لا أعود لساني شيئا لم أعتده، وقال:
ضمنت لكم إن لم تعقني عوائق ... بأن سماء الضر عنكم ستقلع
سيوشك إلحاق معا وزيادة ... وأعطية مني عليكم تبرع
محرمكم ديوانكم وعطاؤكم ... به يكتب الكتاب شهرا وتطبع
وفي هذه السنة عقد الوليد بْن يزيد لابنيه الحكم وعثمان البيعة من
بعده، وجعلهما وليي عهده، أحدهما بعد الآخر، وجعل الحكم مقدما على
عثمان، وكتب بذلك إلى الأمصار، وكان ممن كتب إليه بذلك يوسف بْن عمر،
وهو عامل الوليد يومئذ على العراق، وكتب بذلك يوسف إلى نصر بْن سيار،
وكانت نسخة الكتاب إليه:
بسم الله الرحمن الرحيم من يوسف بْن عمر إلى نصر بْن سيار، أما بعد
فإني بعثت إليك نسخة كتاب أمير المؤمنين الذي كتب به إلى من قبلي في
الذي ولي الحكم ابن أمير المؤمنين وعثمان ابن أمير المؤمنين من العهد
بعده مع عقال بْن شبة التميمي وعبد الملك القيني، وأمرتهما بالكلام في
ذلك، فإذا قدما عليك فأجمع لقراءة كتاب أمير المؤمنين الناس، ومرهم
فليحشدوا له، وقم فيهم بالذي كتب أمير المؤمنين، فإذا فرغت فقم بقراءة
الكتاب، وأذن لمن أراد أن يقوم بخطبة، ثم بايع الناس لهما على اسم الله
وبركته، وخذ عليهم العهد والميثاق على الذي نسخت لك في آخر كتابي هذا
الذي نسخ لنا أمير المؤمنين في كتابه، فافهمه وبايع عليه، نسأل الله أن
يبارك لأمير المؤمنين ورعيته في الذي قضى لهم على لسان أمير المؤمنين،
وأن يصلح الحكم وعثمان، ويبارك فيهما، والسلام عليك.
وكتب النصر يوم الخميس للنصف من شعبان سنة خمس وعشرين ومائة
(7/218)
بسم الله الرحمن الرحيم تبايع لعبد الله
الوليد أمير المؤمنين والحكم ابن أمير المؤمنين ان كان من بعده وعثمان
بن أمير المؤمنين إن كان بعد الحكم على السمع والطاعة، وإن حدث بواحد
منهما حدث فأمير المؤمنين أملك في ولده ورعيته، يقدم من أحب، ويؤخر من
أحب عليك بذلك عهد الله وميثاقه، فقال الشاعر في ذلك:
نبايع عثمان بعد الوليد ... للعهد فينا ونرجو يزيدا
كما كان إذ ذاك في ملكه ... يزيد يرجي لذاك الوليدا
على أنها شسعت شسعة ... فنحن نؤملها أن تعودا
فان هي عادت فارض القريب ... عنها ليؤيس منها البعيدا
قَالَ أحمد: قَالَ علي عن شيوخه الذين ذكرت: فقدم عقال بْن شبة وعبد
الملك بْن نعيم على نصر، وقدما بالكتاب وهو:
أما بعد، فإن الله تباركت أسماؤه، وجل ثناؤه، وتعالى ذكره، اختار
الاسلام دينا لنفسه، وجعله دين خيرته من خلقه، ثم اصطفى من الملائكة
رسلا ومن الناس، فبعثهم به، وأمرهم به، وكان بينهم وبين من مضى من
الأمم، وخلا من القرون قرنا فقرنا، يدعون إلى التي هي أحسن، ويهدون إلى
صراط مستقيم، حتى انتهت كرامة الله في نبوته إلى محمد صلوات الله عليه،
على حين دروس من العلم، وعمى من الناس، وتشتيت من الهوى، وتفرق من
السبل، وطموس من أعلام الحق، فأبان الله به الهدى، وكشف به العمى،
واستنقذ به من الضلالة والردى، وأبهج به الدين، وجعله رحمه للعالمين،
وختم به وحيه، وجمع له ما أكرم به الأنبياء قبله، وقفى به على آثارهم،
مصدقا لما نزل معهم، ومهيمنا عليه، وداعيا إليه، وآمرا به، حتى كان من
أجابه من أمته، ودخل في الدين الذي أكرمهم الله به، مصدقين لما سلف من
أنبياء الله فيما يكذبهم فيه قومهم، منتصحين لهم فيما ينهونه، ذابين
لحرمهم عما كانوا منتهكين، معظمين منها لما كانوا
(7/219)
مصغرين، فليس من أمه محمد ص أحد كان يسمع
لأحد من أنبياء الله فيما بعثه الله به مكذبا، ولا عليه في ذلك طاعنا،
ولا له مؤذيا، بتسفيه له، او رد عليه، او جحد ما انزل الله عليه ومعه،
فلم يبق كافر إلا استحل بذلك دمه، وقطع الأسباب التي كانت بينه وبينه،
وإن كانوا آباءهم أو أبناءهم أو عشيرتهم ثم استخلف خلفاءه على منهاج
نبوته، حين قبض نبيه ص، وختم به وحيه لإنفاذ حكمه، وإقامة سنته وحدوده،
والأخذ بفرائضه وحقوقه، تأييدا بهم للإسلام، وتشييدا بهم لعراه، وتقوية
بهم لقوى حبله، ودفعا بهم عن حريمه، وعدلا بهم بين عباده، وإصلاحا بهم
لبلاده، فإنه تبارك وتعالى يقول:
«وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ
الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ» ، فتتابع
خلفاء الله على ما أورثهم الله عليه من أمر أنبيائه، واستخلفهم عليه
منه، لا يتعرض لحقهم أحد إلا صرعه الله، ولا يفارق جماعتهم أحد إلا
أهلكه الله، ولا يستخف بولايتهم، ويتهم قضاء الله فيهم أحد إلا أمكنهم
الله منه، وسلطهم عليه، وجعله نكالا وموعظة لغيره، وكذلك صنع الله بمن
فارق الطاعة التي أمر بلزومها والأخذ بها، والأثرة لها، والتي قامت
السموات والارض بها، قَالَ الله تبارك وتعالى:
«ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها
وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ»
، وقال عز ذكره: «وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ
فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ» فبالخلافة أبقى الله من أبقى
في الأرض من عباده، وإليها صيره، وبطاعة من ولاه إياها سعد من ألهمها
ونصرها، فإن الله عز وجل علم أن لا قوام
(7/220)
لشيء، ولا صلاح له إلا بالطاعة التي يحفظ
الله بها حقه، ويمضي بها أمره، وينكل بها عن معاصيه، ويوقف عن محارمه،
ويذب عن حرماته، فمن أخذ بحظه منها كان لله وليا ولأمره مطيعا، ولرشده
مصيبا، ولعاجل الخير وآجله مخصوصا، ومن تركها ورغب عنها وحاد الله فيها
أضاع نصيبه، وعصى ربه، وخسر دنياه وآخرته، وكان ممن غلبت عليه الشقوة،
واستحوذت عليه الأمور الغاوية، التي تورد أهلها أفظع المشارع، وتقودهم
إلى شر المصارع، فيما يحل الله بهم في الدنيا من الذلة والنقمة،
ويصيرهم فيما عندهم من العذاب والحسرة.
والطاعة رأس هذا الأمر وذروته وسنامه وملاكه وزمامه، وعصمته وقوامه،
بعد كلمة الإخلاص التي ميز الله بها بين العباد وبالطاعة نال المفلحون
من الله منازلهم، واستوجبوا عليه ثوابهم، وفي المعصية مما يحل بغيرهم
من نقماته، ويصيبهم عليه، ويحق من سخطه وعذابه، وبترك الطاعة والإضاعة
لها والخروج منها والادبار عنها والتبذل للمعصية بها، أهلك الله من ضل
وعتا، وعمى وغلا، وفارق مناهج البر والتقوى.
فالزموا طاعة الله فيما عراكم ونالكم، وألم بكم من الأمور، وناصحوها
واستوثقوا عليها، وسارعوا إليها وخالصوها، وابتغوا القربة إلى الله
بها، فإنكم قد رأيتم مواقع الله لأهلها في إعلائه إياهم وإفلاجه حجتهم،
ودفعه باطل من حادهم وناواهم وساماهم وأراد إطفاء نور الله الذي معهم
وخبرتم مع ذلك ما يصير إليه أهل المعصية من التوبيخ لهم والتقصير بهم،
حتى يؤول أمرهم إلى تبار وصغار، وذلة وبوار، وفي ذلك لمن كان له رأي
وموعظة عبرة ينتفع بواضحها، ويتمسك بحظوتها، ويعرف خيرة قضاء الله
لأهلها.
ثم إن الله- وله الحمد والمن والفضل- هدى الأمة لأفضل الأمور عاقبة لها
في حقن دمائها، والتئام ألفتها، واجتماع كلمتها، واعتدال عمودها،
(7/221)
وإصلاح دهمائها، وذخر النعمة عليها في
دنياها، بعد خلافته التي جعلها لهم نظاما، ولأمرهم قواما، وهو العهد
الذي ألهم الله خلفاءه توكيده والنظر للمسلمين في جسيم أمرهم فيه،
ليكون لهم عند ما يحدث بخلفائهم ثقة في المفزع وملتجأ في الأمر، ولما
للشعث، وصلاحا لذات البين، وتثبيتا لأرجاء الإسلام، وقطعا لنزغات
الشيطان، فيما يتطلع إليه أولياؤه، ويوثبهم عليه من تلف هذا الدين
وانصداع شعب أهله، واختلافهم فيما جمعهم الله عليه منه، فلا يريهم الله
في ذلك إلا ما ساءهم، وأكذب أمانيهم، ويجدون الله قد أحكم بما قضى
لأوليائه من ذلك عقد أمورهم، ونفى عنهم من أراد فيها إدغالا أو بها
إغلالا، أو لما شدد الله منها توهينا، أو فيما تولى الله منها اعتمادا،
فأكمل الله بها لخلفائه وحزبه البر الذين أودعهم طاعته أحسن الذي
عودهم، وسبب لهم من إعزازه وإكرامه وإعلائه وتمكينه، فأمر هذا العهد من
تمام الإسلام وكمال ما استوجب الله على أهله من المنن العظام، ومما جعل
الله فيه لمن أجراه على يديه، وقضى به على لسانه، ووفقه لمن ولاه هذا
الأمر عنده أفضل الذخر، وعند المسلمين أحسن الأثر فيما يؤثر بهم من
منفعته، ويتسع لهم من نعمته، ويستندون إليه من عزه، ويدخلون فيه من
وزره الذى يجعل الله لهم به منعة، ويحرزهم به من كل مهلكة، ويجمعهم به
من كل فرقة، ويقمع به أهل النفاق، ويعصمهم به من كل اختلاف وشقاق
فاحمدوا الله ربكم الرءوف بكم، الصانع لكم في أموركم على الذي دلكم
عليه من هذا العهد، الذي جعله لكم سكنا ومعولا تطمئنون إليه، وتستظلون
في أفنانه، ويستنهج لكم به مثنى أعناقكم، وسمات وجوهكم، وملتقى نواصيكم
في أمر دينكم ودنياكم، فإن لذلك خطرا عظيما من النعمة، وإن فيه من الله
بلاء حسنا في سعة العافيه، يعرفه ذوو الألباب والنيات المريئون من
أعمالهم في العواقب، والعارفون منار مناهج الرشد، فأنتم حقيقون بشكر
الله فيما حفظ به دينكم وأمر جماعتكم من ذلك، جديرون بمعرفة كنه واجب
حقه فيه، وحمده
(7/222)
على الذي عزم لكم منه، فلتكن منزلة ذلك
منكم، وفضيلته في أنفسكم على قدر حسن بلاء الله عندكم فيه إن شاء
اللَّه، ولا قوة إلا بالله.
ثم إن أمير المؤمنين لم يكن منذ استخلفه الله بشيء من الأمور أشد
اهتماما وعناية منه بهذا العهد، لعلمه بمنزلته من أمر المسلمين، وما
أراهم الله فيه من الأمور التي يغتبطون بها، ويكرمهم بما يقضي لهم
ويختار له ولهم فيه جهده، ويستقضي له ولهم فيه إلهه ووليه، الذي بيده
الحكم وعند الغيب، وهو على كل شيء قدير ويسأله أن يعينه من ذلك على
الذي هو أرشد له خاصة وللمسلمين عامة فرأى أمير المؤمنين أن يعهد لكم
عهدا بعد عهد، تكونون فيه على مثل الذي كان عليه من كان قبلكم، في مهلة
من انفساح الأمل وطمأنينة النفس، وصلاح ذات البين، وعلم موضع الأمر
الذي جعله الله لأهله عصمة ونجاة وصلاحا وحياة، ولكل منافق وفاسق يحب
تلف هذا الدين وفساد أهله وقما وخسارا وقدعا فولى أمير المؤمنين ذلك
الحكم ابن أمير المؤمنين، وعثمان بن أمير المؤمنين من بعده، وهما ممن
يرجو أمير المؤمنين أن يكون الله خلقه لذلك وصاغه، وأكمل فيه أحسن
مناقب من كان يوليه إياه، في وفاء الرأي وصحة الدين، وجزالة المروءة
والمعرفة بصالح الأمور، ولم يألكم أمير المؤمنين ولا نفسه في ذلك
اجتهادا وخيرا.
فبايعوا للحكم بن أمير المؤمنين باسم الله وبركته ولأخيه من بعده، على
السمع والطاعة، واحتسبوا في ذلك أحسن ما كان الله يريكم ويبليكم
ويعودكم ويعرفكم في أشباهه فيما مضى، من اليسر الواسع والخير العام،
والفضل العظيم الذي أصبحتم في رجائه وخفضه وأمنه ونعمته، وسلامته
وعصمته.
فهو الأمر الذي استبطأتموه واستسرعتم إليه، وحمدتم الله على إمضائه
إياه، وقضائه لكم، وأحدثتم فيه شكرا، ورأيتموه لكم حظا، تستبقونه
وتجهدون أنفسكم في أداء حق الله عليكم، فإنه قد سبق لكم في ذلك من نعم
الله وكرامته
(7/223)
وحسن قسمه ما أنتم حقيقون أن تكون رغبتكم
فيه، وحدبكم عليه، على قدر الذي أبلاكم الله، وصنع لكم منه وأمير
المؤمنين مع ذلك إن حدث بواحد من وليي عهده حدث، أولى بأن يجعل مكانه
وبالمنزل الذي كان به من أحب أن يجعل من أمته أو ولده، ويقدمه بين يدي
الباقي منهما إن شاء، أو أن يؤخره بعده فاعلموا ذلك وافهموه.
نسأل الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم أن
يبارك لأمير المؤمنين ولكم في الذي قضى به على لسانه من ذلك وقدر منه،
وأن يجعل عاقبته عافية وسرورا وغبطة، فإن ذلك بيده ولا يملكه إلا هو،
ولا يرغب فيه إلا إليه والسلام عليكم ورحمة الله.
وكتب سمال يوم الثلاثاء لثمان بقين من رجب سنه خمس وعشرين ومائه
. توليه الوليد نصر بن سيار على خراسان
وامره مع يوسف بن عمر
وفي هذه السنة ولى الوليد نصر بْن سيار خراسان كلها، وأفرده بها.
وفيها وفد يوسف بن عمر على الوليد، فاشترى نصرا وعماله منه فرد إليه
الوليد ولاية خراسان.
وفي هذه السنة كتب يوسف بْن عمر إلى نصر بْن سيار يأمره بالقدوم عليه،
ويحمل معه ما قدر عليه من الهدايا والأموال.
(ذكر الخبر عما كان من أمر يوسف ونصر في ذلك) :
ذكر علي عن شيوخه، أن يوسف كتب إلى نصر بذلك، وأمره أن يقدم معه بعياله
أجمعين، فلما أتى نصرا كتابه، قسم على أهل خراسان الهدايا وعلى عماله،
فلم يدع بخراسان جارية ولا عبدا ولا برذونا فارها إلا أعده، واشترى ألف
مملوك، وأعطاهم السلاح، وحملهم على الخيل.
قَالَ: وقال بعضهم: كان قد اعد خمسمائة وصيفة، وأمر بصنعة أباريق الذهب
والفضة وتماثيل الظباء ورءوس السباع والأيائل وغير ذلك، فلما فرغ من
ذلك كله كتب إليه الوليد يستحثه، فسرح الهدايا حتى بلغ
(7/224)
أوائلها بيهق، فكتب إليه الوليد يأمره أن
يبعث إليه ببرابط وطنابير، فقال بعض شعرائهم:
فابشر يا أمين الله ... أبشر بتباشير
بإبل يحمل المال ... عليها كالانابير
بغال تحمل الخمر ... حقائبها طنابير
ودل البربريات ... بصوت البم والزير
وقرع الدف أحيانا ... ونفخ بالمزامير
فهذا لك في الدنيا ... وفي الجنة تحبير
قَالَ: وقدم الأزرق بْن قرة المسمعي من الترمذ أيام هشام على نصر، فقال
لنصر: إني أريت الوليد بْن يزيد في المنام، وهو ولي عهد، شبه الهارب من
هشام، ورأيته على سرير، فشرب عسلا وسقاني بعضه فأعطاه نصر أربعة آلاف
دينار وكسوه، وبعثه الى الوليد، وكتب اليه نصر فأتى الأزرق الوليد،
فدفع إليه المال والكسوة، فسر بذلك الوليد، وألطف الأزرق، وجزى نصرا
خيرا، وانصرف الأزرق، فبلغه قبل أن يصل إلى نصر موت هشام، ونصر لا علم
له بما صنع الأزرق، ثم قدم عليه فأخبره، فلما ولي الوليد كتب إلى
الأزرق وإلى نصر، وأمر رسوله أن يبتدئ بالأزرق فيدفع إليه كتابه، فأتاه
ليلا، فدفع إليه كتابه وكتاب نصر، فلم يقرأ الأزرق كتابه، واتى نصرا
بالكتابين، فكان في كتاب الوليد إلى نصر يأمره أن يتخذ له برابط
وطنابير وأباريق ذهب وفضة، وأن يجمع له كل صناجة بخراسان يقدر عليها،
وكل بازي وبرذون فاره، ثم يسير بذلك كله بنفسه في وجوه أهل خراسان فقال
رجل من باهلة: كان قوم من المنجمين يخبرون نصرا بفتنة تكون، فبعث نصر
إلى صدقة بْن وثاب وهو ببلخ- وكان منجما- وكان عنده وألح عليه يوسف
بالقدوم، فلم يزل يتباطأ، فوجه يوسف
(7/225)
رسولا وأمره بلزومه يستحثه بالقدوم، أو
ينادي في الناس أنه قد خلع، فلما جاءه الرسول أجازه وأرضاه، وتحول إلى
قصره الذي هو دار الإمارة اليوم، فلم يأت لذلك إلا يسير حتى وقعت
الفتنة، فتحول نصر إلى قصره بماجان، واستخلف عصمة بْن عبد الله الأسدي
على خراسان، وولى المهلب بْن إياس العدوي الخراج، وولى موسى بْن ورقاء
الناجي الشاش، وحسان من أهل صغانيان الأسدي سمرقند، ومقاتل بْن علي
السغدي آمل، وأمرهم إذا بلغهم خروجه من مرو أن يستحلبوا الترك، وأن
يغيروا على ما وراء النهر، لينصرف إليهم بعد خروجه، يعتل بذلك، فبينا
هو يسير يوما إلى العراق طرقه ليلا مولى لبني ليث، فلما أصبح أذن
للناس، وبعث إلى رسل الوليد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: قد كان
في مسيري ما قد علمتم، وبعثي بالهدايا ما رأيتم، فطرقني فلان ليلا،
فأخبرني أن الوليد قد قتل، وأن الفتنة قد وقعت بالشام، وقدم منصور بْن
جمهور العراق، وقد هرب يوسف ابن عمر، ونحن في بلاد قد علمتم حالها
وكثرة عدونا ثم دعا بالقادم فأحلفه أن ما جاء به لحق! فحلف، فقال سلم
بْن أحوز: أصلح الله الأمير، لو حلفت لكنت صادقا، إنه بعض مكايد قريش،
أرادوا تهجين طاعتك، فسر ولا تهجنا قَالَ: يا سلم أنت رجل لك علم
بالحروب، ولك مع ذلك حسن طاعة لبني أمية، فأما مثل هذا من الأمور فرأيك
فيه رأي أمة هتماء.
ثم قَالَ نصر: لم أشهد بعد ابن خازم امرا مفظعا الا كنت المفزع في
الرأي، فقال الناس: قد علمنا ذلك، فالرأي رأيك
. توليه الوليد بن يزيد خاله يوسف الثقفى
على المدينة ومكة
وفي هذه السنة وجه الوليد بْن يزيد خاله يوسف بْن محمد بْن يوسف الثقفي
(7/226)
واليا على المدينة ومكة والطائف، ودفع إليه
إبراهيم ومحمد ابني هشام بْن إسماعيل المخزومي موثقين في عباءتين، فقدم
بهما المدينة يوم السبت لاثنتي عشرة بقيت من شعبان سنة خمس وعشرين
ومائة، فأقامهما للناس بالمدينة ثم كتب الوليد اليه يأمره أن يبعث بهما
إلى يوسف بْن عمر، وهو يومئذ عامله على العراق، فلما قدما عليه عذبهما
حتى قتلهما، وقد كان رفع عليهما عند الوليد أنهما أخذا مالا كثيرا.
وفي هذه السنة عزل يوسف بْن محمد بْن سعد بْن إبراهيم عن قضاء المدينة،
وولاهما يحيى بن سعيد الأنصاري
. غزو قبرس
وفيها غزى الوليد بْن يزيد أخاه الغمر بْن يزيد بْن عبد الملك، وأمر
على جيش البحر الأسود بْن بلال المحاربي، وأمره أن يسير إلى قبرس
فيخيرهم بين المسير إلى الشام إن شاءوا، وإن شاءوا إلى الروم، فاختارت
طائفة منهم جوار المسلمين، فنقلهم الأسود إلى الشام، واختار آخرون أرض
الروم فانتقلوا إليها.
وفيها قدم سليمان بْن كثير ومالك بْن الهيثم ولاهز بْن قريظ وقحطبة بن
شبيب مكة، فلقوا- في قول بعض أهل السير- محمد بْن علي فأخبروه بقصة أبي
مسلم وما رأوا منه، فقال لهم: أحر هو أم عبد؟ قالوا: أما عيسى فيزعم
أنه عبد، وأما هو فيزعم أنه حر، قَالَ: فاشتروه وأعتقوه، وأعطوا محمد
بْن علي مائتي ألف درهم وكسوة بثلاثين ألف درهم، فقال لهم: ما أظنكم
تلقوني بعد عامي هذا، فإن حدث بي حدث فصاحبكم إبراهيم بْن محمد، فإني
أثق به وأوصيكم به خيرا، فقد أوصيته بكم فصدروا من عنده.
وتوفي محمد بْن علي في مستهل ذي القعدة وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكان
بين وفاته وبين وفاة أبيه علي سبع سنين
(7/227)
وحج بالناس في هذه السنة يوسف بْن محمد بْن
يوسف الثقفي، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن ثَابِت، عمن ذكره، عن
إسحاق بْن عيسى، عن أبي معشر.
ذكر الخبر عن مقتل يحيى بن زيد بن على
وفي هذه السنة قتل يحيى بْن زيد بْن علي بخراسان.
ذكر الخبر عن مقتله:
قد مضى ذكرنا قبل أمر مصير يحيى بْن زيد بْن علي إلى خراسان.
وسبب ذلك، ونذكر الان سبب مقتله، إذا كان ذلك فِي هَذِهِ السنة.
ذكر هِشَام بْن مُحَمَّدٍ الكلبي عن أبي مخنف، قَالَ: أقام يحيى بْن
زيد بْن علي عند الحريش بْن عمرو بْن داود ببلخ حتى هلك هشام بْن عبد
الملك، وولي الوليد بْن يزيد بْن عبد الملك فكتب يوسف بْن عمر إلى نصر
بْن سيار بمسير يحيى بْن زيد وبمنزله الذي كان ينزل، حتى أخبره أنه عند
الحريش، وقال له: ابعث إليه وخذه أشد الأخذ فبعث نصر بْن سيار إلى عقيل
بْن معقل العجلي، يأمره أن يأخذ الحريش ولا يفارقه حتى تزهق نفسه أو
يأتيه بيحيى بْن زيد بْن علي فبعث إليه عقيل، فسأله عنه، فقال: لا علم
لي به، فجلده سمائه سوط، فقال له الحريش: والله لو أنه كان تحت قدمي ما
رفعتهما لك عنه، فلما رأى ذلك قريش بْن الحريش أتى عقيلا، فقال: لا
تقتل أبي وأنا أدلك عليه، فأرسل معه فدله عليه، وهو في بيت في جوف بيت،
فأخذه ومعه يزيد بْن عمر والفضل مولى عبد القيس- كان أقبل معه من
الكوفة- فأتى به نصر بْن سيار فحبسه، وكتب إلى يوسف بْن عمر يخبره
بذلك، فكتب بذلك يوسف إلى الوليد بْن يزيد، فكتب الوليد إلى نصر بْن
سيار، يأمره أن يؤمنه ويخلي سبيله وسبيل اصحابه، فدعاه نصر ابن سيار،
فأمره بتقوى الله وحذره الفتنة، وأمره أن يلحق بالوليد بْن يزيد، وأمر
له بألفي درهم وبغلين، فخرج هو وأصحابه حتى انتهى إلى سرخس، فأقام بها
وعليها عبد الله بْن قيس بْن عباد، فكتب إليه نصر بْن سيار أن
(7/228)
يشخصه عنها، وكتب إلى الحسن بْن زيد
التميمي- وكان رأس بني تميم، وكان على طوس- أن انظر يحيى بْن زيد، فإذا
مر بكم فلا تدعه يقيم بطوس حتى يخرج منها، وأمرهما إذا هو مر بهما ألا
يفارقاه حتى يدفعاه إلى عمرو بْن زرارة بأبرشهر فأشخصه عبد الله بْن
قيس من سرخس، ومر بالحسن بْن زيد فأمره أن يمضي، ووكل به سرحان بْن
فروخ بْن مجاهد بْن بلعاء العنبري أبا الفضل، وكان على مسلحة.
قَالَ: فدخلت عليه، فذكر نصر بْن سيار وما أعطاه، فإذا هو كالمستقل له،
فذكر أمير المؤمنين الوليد بْن يزيد، فاثنى عليه، وذكر مجيئه باصحابه
معه، وأنه لم يأت بهم إلا مخافة أن يسم أو يغم، وعرض بيوسف، وذكر أنه
إياه يتخوف، وقد كان أراد أن يقع فيه.
ثم كف، فقلت له: قل ما أحببت رحمك الله، فليس عليك مني عين، فقد أتى
إليك ما يستحق أن تقول فيه ثم قَالَ: العجب من هذا الذي يقيم الأحراس
أو أمر الأحراس قَالَ- وهو حينئذ يتفصح: والله لو شئت أن أبعث اليه،
فاوتى به مربوطا قَالَ: فقلت له: لا والله ما بك صنع هذا، ولكن هذا شيء
يصنع في هذا المكان أبدا، لمكان بيت المال قَالَ: واعتذرت إليه من
مسيري معه، وكنت أسير معه على رأس فرسخ، فأقبلنا معه حتى وقعنا إلى
عمرو بْن زرارة، فأمر له بألف درهم، ثم أشخصه حتى انتهى إلى بيهق، وخاف
اغتيال يوسف إياه، فأقبل من بيهق- وهي أقصى أرض خراسان، وأدناه من
قومس- فأقبل في سبعين رجلا إلى عمرو بْن زرارة، ومر به تجار، فأخذ
دوابهم، وقال:
علينا أثمانها فكتب عمرو بْن زرارة إلى نصر بْن سيار، فكتب نصر إلى عبد
الله بْن قيس وإلى الحسن بْن زيد أن يمضيا إلى عمرو بْن زرارة، فهو
عليهم، ثم ينصبوا ليحيى بْن زيد فيقاتلوه فجاءوا حتى انتهوا إلى عمرو
بن زراره، واجتمعوا فكانوا عشره آلاف، وأتاهم يحيى بن زيد، وليس هو إلا
في سبعين رجلا، فهزمهم وقتل عمرو بْن زرارة، وأصاب دواب كثيرة.
وجاء يحيى بْن زيد حتى مر بهراة، وعليها مغلس بْن زياد العامري، فلم
(7/229)
يعرض واحد منهما لصاحبه، فقطعها يحيى بْن
زيد، وسرح نصر بْن سيار سلم بْن أحوز في طلب يحيى بْن زيد، فأتى هراة
حين خرج منها يحيى بْن زيد فأتبعه فلحقه بالجوزجان بقرية منها، وعليها
حماد بْن عمرو السغدي.
قَالَ: ولحق بيحيى بْن زيد رجل من بني حنيفة يقال له أبو العجلان، فقتل
يومئذ معه، ولحق به الحسحاس الأزدي فقطع نصر بعد ذلك يده ورجله.
قال: فبعث سلم بن احوز سوره بْن محمد بْن عزيز الكندي على ميمنته،
وحماد بْن عمرو السغدي على ميسرته، فقاتله قتالا شديدا، فذكروا أن رجلا
من عنزة يقال له عيسى، مولى عيسى بْن سليمان العنزي رماه بنشابة، فأصاب
جبهته.
قَالَ: وقد كان محمد شهد ذلك اليوم، فأمره سلم بتعبئه الناس، فتمارض
عليه، فعبى الناس سورة بْن محمد بْن عزيز الكندي، فاقتتلوا فقتلوا من
عند آخرهم ومر سورة بيحيى بْن زيد فأخذ رأسه، وأخذ العنزي سلبه وقميصه،
وغلبه سورة على رأسه.
فلما قتل يحيى بْن زيد وبلغ خبره الوليد بْن يزيد، كتب- فيما ذكر هشام
عن موسى بْن حبيب، أنه حدثه- إلى يوسف بْن عمر: إذا أتاك كتابي هذا،
فانظر عجل العراق فأحرقه ثم انسفه في اليم نسفا قَالَ: فأمر يوسف خراش
بْن حوشب، فأنزله من جذعه وأحرقه بالنار، ثم رضه فجعله في قوصرة، ثم
جعله في سفينة، ثم ذراه في الفرات.
وكانت عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة التي قبلها، وقد
ذكرناهم قبل.
(7/230)
ثم دخلت
سنة ست وعشرين ومائة
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث الجليلة)
ذكر بقية اخبار يزيد بن الوليد بن عبد
الملك
فمن ذلك ما كان من قتل يزيد بْن الوليد الذي يقال له الناقص الوليد ابن
يزيد.
ذكر الخبر عن سبب قتله إياه وكيف قتل:
قد ذكرنا بعض أمر الوليد بْن يزيد وخلاعته ومجانته، وما ذكر عنه من
تهاونه واستخفافه بأمر دينه قبل خلافته ولما ولى الخلافه وافضت اليه،
لم يزدد في الذي كان فيه من اللهو واللذة والركوب للصيد وشرب النبيذ
ومنادمة الفساق إلا تماديا وحدا- تركت الأخبار الواردة عنه بذلك كراهة
إطالة الكتاب بذكرها- فثقل ذلك من أمره على رعيته وجنده، فكرهوا أمره.
وكان من أعظم ما جنى على نفسه حتى أورثه ذلك هلاكه افساده على نفسه بنى
عميه بنى هشام وولد الوليد، ابني عبد الملك بْن مروان، مع إفساده على
نفسه اليمانية، وهم عظم جند أهل الشام.
ذكر بعض الخبر عن إفساده بني عميه هشام والوليد:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ، عن
المنهال بْن عبد الملك، قَالَ: كان الوليد صاحب لهو وصيد ولذات، فلما
ولي الأمر جعل يكره المواضع التي فيها الناس حتى قتل، ولم يزل ينتقل
ويتصيد، حتى ثقل على الناس وعلى جنده، واشتد على بني هشام، فضرب سليمان
بن هشام مائة سوط وحلق رأسه ولحيته، وغربه إلى عمان فحبسه بها، فلم يزل
بها محبوسا حتى
(7/231)
قتل الوليد قَالَ: وأخذ جارية كانت لآل
الوليد، فكلمه عمر بْن الوليد، فيها فقال: لا أردها، فقال: إذن تكثر
الصواهل حول عسكرك.
قَالَ: وحبس الأفقم يزيد بْن هشام، وأراد البيعة لابنيه الحكم وعثمان
فشاور سعيد بْن بيهس بْن صهيب، فقال: لا تفعل، فإنهما غلامان لم
يحتلما، ولكن بايع لعتيق بْن عبد العزيز بْن الوليد بْن عبد الملك،
فغضب وحبسه حتى مات في الحبس وأراد خالد بْن عبد الله على البيعة
لابنيه فأبى، فقال له قوم من أهله: أرادك أمير المؤمنين على البيعة
لابنيه فأبيت، فقال:
ويحكم! كيف أبايع من لا أصلي خلفه، ولا أقبل شهادته! قالوا: فالوليد
تقبل شهادته مع مجونه وفسقه! قَالَ: أمر الوليد أمر غائب عني ولا أعلمه
يقينا، إنما هي أخبار الناس، فغضب الوليد على خالد.
قَالَ: وقال عمرو بْن سعيد الثقفي: أوفدني يوسف بْن عمر إلى الوليد
فلما قدمت قَالَ لي: كيف رأيت الفاسق؟ يعني بالفاسق الوليد- ثم قَالَ:
إياك أن يسمع هذا منك أحد، فقلت: حبيبة بنت عبد الرحمن بْن جبير طالق
إن سمعته أذني ما دمت حيا، فضحك قَالَ: فثقل الوليد على الناس، ورماه
بنو هشام وبنو الوليد بالكفر وغشيان أمهات أولاد أبيه، وقالوا: قد اتخذ
مائة جامعة، وكتب على كل جامعة اسم رجل من بني أمية ليقتله بها ورموه
بالزندقة، وكان أشدهم فيه قولا يزيد بْن الوليد بْن عبد الملك، وكان
الناس إلى قوله أميل، لأنه كان يظهر النسك ويتواضع، ويقول: ما يسعنا
الرضا بالوليد، حتى حمل الناس على الفتك به.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ، عن
يزيد بن مصاد الكلبي، عن عمرو بْن شراحيل، قَالَ: سيرنا هشام بْن عبد
الملك إلى دهلك، فلم نزل بها حتى مات هشام، واستخلف الوليد، فكلم فينا
فأبى، وقال:
والله ما عمل هشام عملا أرجى له عندي أن تناله المغفرة به من قتله
القدرية وتسييره إياهم وكان الوالي علينا الحجاج بْن بشر بْن فيروز
الديلمى، وكان
(7/232)
يقول: لا يعيش الوليد إلا ثمانية عشر شهرا
حتى يقتل، ويكون قتله سبب هلاك أهل بيته قَالَ: فأجمع على قتل الوليد
جماعه من قضاعه واليمانيه من أهل دمشق خاصة، فأتى حريث وشبيب بْن أبي
مالك الغساني ومنصور بْن جمهور ويعقوب بْن عبد الرحمن وحبال بْن عمرو،
ابن عم منصور، وحميد بْن نصر اللخمي والأصبغ بن ذؤالة وطفيل بن حارثة
والسري بن زياد بن علاقة، خالد بن عبد الله، فدعوه إلى أمرهم فلم
يجبهم، فسألوه أن يكتم عليهم، فقال: لا أسمي أحدا منكم وأراد الوليد
الحج، فخاف خالد أن يفتكوا به في الطريق، فأتاه فقال: يا أمير
المؤمنين، أخر الحج العام، فقال: ولم؟
فلم يخبره، فأمر بحبسه وأن يستأدى ما عليه من أموال العراق.
وقال علي عن الحكم بْن النعمان، قَالَ: أجمع الوليد على عزل يوسف
واستعمال عبد الملك بْن محمد بْن الحجاج، فكتب إلى يوسف: إنك كتبت إلى
أمير المؤمنين تذكر تخريب ابن النصرانية البلاد، وقد كنت على ما ذكرت
من ذلك تحمل إلى هشام ما تحمل، وقد ينبغي أن تكون قد عمرت البلاد حتى
رددتها إلى ما كانت عليه، فاشخص إلى أمير المؤمنين، فصدق ظنه بك فيما
تحمل إليه لعمارتك البلاد، وليعرف أمير المؤمنين فضلك على غيرك، لما
جعل الله بينك وبين أمير المؤمنين من القرابة، فإنك خاله، وأحق الناس
بالتوفير عليه، ولما قد علمت مما أمر به أمير المؤمنين لأهل الشام
وغيرهم من الزيادة في أعطياتهم، وما وصل به أهل بيته لطول جفوة هشام
إياهم، حتى أضر ذلك ببيوت الأموال قَالَ: فخرج يوسف واستخلف ابن عمه
يوسف بْن محمد، وحمل من الأموال والأمتعة والآنية ما لم يحمل من العراق
مثله فقدم- وخالد بْن عبد الله محبوس- فلقيه حسان النبطي ليلا، فأخبره
أن الوليد عازم على تولية عبد الملك بْن محمد ابن الحجاج، وأنه لا بد
ليوسف فيها من إصلاح أمر وزرائه، فقال:
ليس عندي فضل درهم، قال: فعندي خمسمائة ألف درهم، فإن شئت فهي
(7/233)
لك، وإن شئت فارددها إذا تيسرت قَالَ: فأنت
أعرف بالقوم ومنازلهم من الخليفة مني، ففرقها على قدر علمك فيهم، ففعل
وقدم يوسف والقوم يعظمونه، فقال له حسان: لا تغد على الوليد، ولكن رح
إليه رواحا، واكتب على لسان خليفتك كتابا إليك: إني كتبت إليك ولا أملك
إلا القصر.
وادخل على الوليد والكتاب معك متحازنا، فاقرئه الكتاب، ومر ابان ابن
عبد الرحمن النميري يشتري خالدا منه بأربعين ألف ألف ففعل يوسف، فقال
له الوليد: ارجع إلى عملك، فقال له أبان: ادفع إلي خالدا وأدفع إليك
أربعين ألف ألف درهم، قَالَ: ومن يضمن عنك؟ قَالَ: يوسف، قَالَ: أتضمن
عنه؟ قَالَ: بل ادفعه إلي، فأنا أستأديه خمسين ألف ألف، فدفعه إليه،
فحمله في محمل بغير وطاء.
قَالَ محمد بْن محمد بْن القاسم: فرحمته، فجمعت ألطافا كانت معنا من
أخبصة يابسة وغيرها في منديل، وأنا على ناقة فارهة، فتغفلت يوسف،
فأسرعت ودنوت من خالد، ورميت بالمنديل في محمله، فقال لي: هذا من متاع
عمان- يعني أن أخي الفيض كان على عمان، فبعث إلي بمال جسيم- فقلت في
نفسي: هذا على هذه الحالة وهو لا يدع هذا! ففطن يوسف بي فقال لي: ما
قلت لابن النصرانية؟ فقلت: عرضت عليه الحاجة، قال:
احسنت، هو اسير، ولو فطن بما ألقيت إليه للقيني منه أذى.
وقدم الكوفة فقتله في العذاب، فقال الوليد بْن يزيد- فيما زعم الهيثم
بْن عدي- شعرا يوبخ به أهل اليمن في تركهم نصرة خالد بْن عبد الله.
وأما احمد بن زهير، فانه حدثه عن علي بْن محمد، عن محمد بْن سعيد
العامري عامر كلب، أن هذا الشعر قَالَه بعض شعراء اليمن على لسان
الوليد يحرض عليه اليمانيه:
الم تهتج فتذكر الوصالا ... وحبلا كان متصلا فزالا
بلى فالدمع منك له سجام ... كماء المزن ينسجل انسجالا
(7/234)
فدع عنك ادكارك آل سعدى ... فنحن الأكثرون
حصى ومالا
ونحن المالكون الناس قسرا ... نسومهم المذلة والنكالا
وطئنا الأشعرين بعز قيس ... فيا لك وطأة لن تستقالا!
وهذا خالد فينا أسيرا ... ألا منعوه إن كانوا رجالا!
عظيمهم وسيدهم قديما ... جعلنا المخزيات له ظلالا
فلو كانت قبائل ذات عز ... لما ذهبت صنائعه ضلالا
ولا تركوه مسلوبا أسيرا ... يسامر من سلاسلنا الثقالا
- ورواه المدائني: يعالج من سلاسلنا-
وكندة والسكون فما استقالوا ... ولا برحت خيولهم الرحالا
بها سمنا البرية كل خسف ... وهدمنا السهولة والجبالا
ولكن الوقائع ضعضعتهم ... وجذتهم وردتهم شلالا
فما زالوا لنا أبدا عبيدا ... نسومهم المذلة والسفالا
فأصبحت الغداة علي تاج ... لملك الناس ما يبغي انتقالا
فقال عمران بْن هلباء الكلبي يجيبه:
قفي صدر المطية يا حلالا ... وجذي حبل من قطع الوصالا
ألم يحزنك أن ذوي يمان ... يرى من حاذ قيلهم جلالا
جعلنا للقبائل من نزار ... غداة المرج أياما طوالا
بنا ملك المملك من قريش ... وأودى جد من أودى فزالا
متى تلق السكون وتلق كلبا ... بعبس تخش من ملك زوالا
كذاك المرء ما لم يلف عدلا ... يكون عليه منطقه وبالا
(7/235)
أعدوا آل حمير إذ دعيتم ... سيوف الهند
والأسل النهالا
وكل مقلص نهد القصيرى ... وذا فودين والقب الجبالا
يذرن بكل معترك قتيلا ... عليه الطير قد مذل السؤالا
لئن عيرتمونا ما فعلنا ... لقد قلتم وجدكم مقالا
لإخوان الأشاعث قتلوهم فما ... وطئوا ولا لاقوا نكالا
وأبناء المهلب نحن صلنا ... وقائعهم وما صلتم مصالا
وقد كانت جذام على أخيهم ... ولخم يقتلونهم شلالا
هربنا أن نساعدكم عليهم ... وقد أخطأ مساعدكم وفالا
فإن عدتم فإن لنا سيوفا ... صوارم نستجد لها الصقالا
سنبكي خالدا بمهندات ... ولا تذهب صنائعه ضلالا
ألم يك خالد غيث اليتامى ... إذا حضروا وكنت لهم هزالا!
يكفن خالد موتى نزار ... ويثري حيهم نشبا ومالا
لو أن الجائرين عليه كانوا ... بساحة قومه كانوا نكالا
ستلقى ان بقيت مسومات ... عوابس لا يزايلن الحلالا
فحدثني أحمد بْن زهير، عن علي بْن محمد، قَالَ: فازداد الناس على
الوليد حنقا لما رُوِيَ هذا الشعر، فقال ابن بيض:
وصلت سماء الضر بالضر بعد ما ... زعمت سماء الضر عنا ستقلع
فليت هشاما كان حيا يسوسنا ... وكنا كما كنا نُرًجِّي ونطمع
(7/236)
وكان هشام استعمل الوليد بْن القعقاع على
قنسرين وعبد الملك بْن القعقاع على حمص، فضرب الوليد بْن القعقاع ابن
هبيرة مائة سوط، فلما قام الوليد هرب بنو القعقاع منه، فعاذوا بقبر
يزيد بْن عبد الملك، فبعث إليهم، فدفعهم إلى يزيد بْن عمر بْن هبيرة-
وكان على قنسرين- فعذبهم، فمات في العذاب الوليد بْن القعقاع وعبد
الملك بْن القعقاع ورجلان معهما من آل القعقاع، واضطغن على الوليد آل
الوليد وآل هشام وآل القعقاع واليمانية بما صنع بخالد بْن عبد الله
فأتت اليمانية يزيد بْن الوليد، فأرادوه على البيعة، فشاور عمرو بْن
يزيد الحكمي، فقال: لا يبايعك الناس على هذا، وشاور أخاك العباس بْن
الوليد، فإنه سيد بني مروان، فإن بايعك لم يخالفك أحد، وإن أبى كان
الناس له أطوع، فإن أبيت إلا المضي على رأيك فأظهر أن العباس قد بايعك
وكانت الشام تلك الأيام وبية، فخرجوا إلى البوادي، وكان يزيد بْن
الوليد مُتَبَدِّيًا، وكان العباس بالقسطل بينهما أميال يسيرة.
فحدثني أحمد بْن زهير، قَالَ: حدثني علي، قَالَ: أتى يزيد أخاه العباس،
فأخبره وشاوره، وعاب الوليد، فقال له العباس: مهلا يا يزيد، فان في نقض
عهد الله فساد الدين والدنيا فرجع يزيد إلى منزله، ودب في الناس
فبايعوه سرا، ودس الأحنف الكلبي ويزيد بْن عنبسة السكسكي وقوما من
ثقاته من وجوه الناس وأشرافهم، فدعوا الناس سرا، ثم عاود أخاه العباس
ومعه قطن مولاهم، فشاوره في ذلك، وأخبره ان قوما يأتونه يريدونه على
البيعه، فزبره العباس، وقال: إن عدت لمثل هذا لأشدنك وثاقا، ولأحملنك
إلى أمير المؤمنين! فخرج يزيد وقطن، فأرسل العباس إلى قطن، فقال: ويحك
يا قطن! أترى يزيد جادا! قَالَ: جعلت فداك! ما أظن ذاك، ولكنه قد دخله
مما صنع الوليد ببني هشام وبني الوليد وما يسمع مع الناس من الاستخفاف
بالدين وتهاونه ما قد ضاق به ذرعا قَالَ: أما والله إني لأظنه أشأم
سخلة في بني مروان، ولولا ما أخاف من عجلة الوليد مع تحامله علينا
لشددت يزيد وثاقا، وحملته إليه، فأزجره عن أمره، فإنه يسمع إليك فقال
يزيد لقطن: ما قَالَ لك العباس حين رآك؟ فأخبره، فقال له: والله لا أكف
(7/237)
وبلغ معاوية بْن عمرو بْن عتبة خوض الناس،
فأتى الوليد فقال:
يا أمير المؤمنين، إنك تبسط لساني بالإنس بك، وأكفه بالهيبة لك، وانا
اسمع مالا تسمع وأخاف عليك ما أراك تأمن، أفأتكلم ناصحا، أو أسكت
مطيعا؟ قَالَ:
كل مقبول منك، ولله فينا علم غيب نحن صائرون إليه، ولو علم بنو مروان
أنهم إنما يوقدون على رضف يلقونه في أجوافهم ما فعلوا، ونعود ونسمع
منك.
وبلغ مروان بْن محمد بأرمينية أن يزيد يؤلب الناس، ويدعو الى خلع
الوليد، فكتب إلى سعيد بْن عبد الملك بْن مروان يأمره أن ينهى الناس
ويكفهم- وكان سعيد يتأله إن الله جعل لكل أهل بيت أركانا يعتمدون
عليها، ويتقون بها المخاوف، وأنت بحمد ربك ركن من أركان أهل بيتك، وقد
بلغني أن قوما من سفهاء أهل بيتك قد استنوا أمرا- إن تمت لهم رويتهم
فيه على ما أجمعوا عليه من نقض بيعتهم- استفتحوا بابا لن يغلقه الله
عنهم حتى تسفك دماء كثيرة منهم، وأنا مشتغل بأعظم ثغور المسلمين فرجا،
ولو جمعتني وإياهم لرممت فساد أمرهم بيدي ولساني، ولخفت الله في ترك
ذلك، لعلمي ما في عواقب الفرقة من فساد الدين والدنيا، وأنه لن ينتقل
سلطان قوم قط الا بتشتيت كلمتهم، وان كلمتهم إذا تشتت طمع فيهم عدوهم
وأنت أقرب إليهم مني، فاحتل لعلم ذلك واظهار المتابعة لهم، فإذا صرت
إلى علم ذلك فتهددهم بإظهار أسرارهم، وخذهم بلسانك، وخوفهم العواقب،
لعل الله أن يرد إليهم ما قد عزب عنهم من دينهم وعقولهم، فإن فيما سعوا
فيه تعير النعم وذهاب الدولة، فعاجل الأمر وحبل الإلفة مشدود، والناس
سكون، والثغور محفوظة، فإن للجماعة دوله من الفرقة وللسعه دافعا من
الفقر، وللعدد منتقصا، ودول الليالي مختلفة على أهل الدنيا، والتقلب مع
الزيادة والنقصان، وقد امتدت بنا- أهل البيت- متتابعات من النعم، قد
يعيبها جميع الأمم وأعداء النعم وأهل الحسد لأهلها، وبحسد إبليس خرج
آدم من الجنة وقد أمل القوم في الفتنة أملا، لعل أنفسهم تهلك دون ما
أملوا، ولكل أهل بيت مشائيم يغير الله النعمة بهم-
(7/238)
فاعاذك الله من ذلك- فاجعلني من أمرهم على
علم حفظ الله لك دينك، وأخرجك مما أدخلك فيه، وغلب لك نفسك على رشدك.
فأعظم سعيد ذلك، وبعث بكتابه الى العباس، فدعا العباس يزيد فعذله
وتهدده، فحذره يزيد، وقال: يا أخي، أخاف أن يكون بعض من حسدنا هذه
النعمة من عدونا اراد ان يغرى بيننا، وحلف له أنه لم يفعل فصدقه حدثني
أحمد، قَالَ: حدثنا علي، قَالَ: قَالَ ابن بشر بْن الوليد بْن عبد
الملك: دخل أبي بشر بْن الوليد على عمي العباس، فكلمه في خلع الوليد
وبيعة يزيد، فكان العباس ينهاه، وأبي يراده، فكنت أفرح وأقول في نفسي:
أرى أبي يجترئ أن يكلم عمي ويرد عليه قوله! وكنت أرى أن الصواب فيما
يقول أبي، وكان الصواب فيما يقول عمي، فقال العباس: يا بني مروان، إني
أظن الله قد أذن في هلاككم، وتمثل قائلا:
إني أعيذكم بالله من فتن ... مثل الجبال تسامى ثم تندفع
إن البرية قد ملت سياستكم ... فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا
لا تلحمن ذئاب الناس أنفسكم ... إن الذئاب إذا ما ألحمت رتعوا
لا تبقرن بأيديكم بطونكم ... فثم لا حسرة تغني ولا جزع
قَالَ: فلما اجتمع ليزيد امره وهو متبد، أقبل إلى دمشق وبينه وبين دمشق
أربع ليال، متنكرا في سبعة نفر على حمير، فنزلوا بجرود على مرحلة من
دمشق، فرمى يزيد بنفسه فنام وقال القوم لمولى لعباد بْن زياد: اما عندك
طعام فنشريه؟ قَالَ: أما لبيع فلا، ولكن عندي قراكم وما يسعكم، فأتاهم
بدجاج وفراخ وعسل وسمن وشوانيز، فطعموا ثم سار فدخل
(7/239)
دمشق ليلا، وقد بايع ليزيد أكثر أهل دمشق
سرا، وبايع أهل المزة غير معاوية بْن مصاد الكلبي- وهو سيد أهل المزة-
فمضى يزيد من ليلته إلى منزل معاوية بْن مصاد ماشيا في نفير من أصحابه-
وبين دمشق وبين المزة ميل أو أكثر- فأصابهم مطر شديد، فاتوا منزل
معاوية بْن مصاد، فضربوا بابه، ففتح لهم، فدخلوا، فقال ليزيد: الفراش
أصلحك الله! قَالَ: إن في رجلي طينا، وأكره أن أفسد بساطك، فقال: الذي
تريدنا عليه أفسد فكلمه يزيد فبايعه معاوية- ويقال هشام بْن مصاد- ورجع
يزيد إلى دمشق، فأخذ طريق القناة، وهو على حمار أسود، فنزل دار ثابت
بْن سليمان بْن سعد الخشني، وخرج الوليد بْن روح، وحلف لا يدخل دمشق
إلا في السلاح، فلبس سلاحه، وكفر عليه الثياب، وأخذ طريق النيرب- وهو
على فرس أبلق- حتى وافى يزيد، وعلى دمشق عبد الملك بْن محمد بْن الحجاج
بْن يوسف فخاف الوباء، فخرج فنزل قطنا، واستخلف ابنه على دمشق، وعلى
شرطته أبو العاج كثير بْن عبد الله السلمي، فأجمع يزيد على الظهور،
فقيل للعامل:
إن يزيد خارج فلم يصدق وأرسل يزيد إلى أصحابه بين المغرب والعشاء ليلة
الجمعة سنة ست وعشرين ومائة، فكمنوا عند باب الفراديس حتى أذنوا
العتمة، فدخلوا المسجد، فصلوا- وللمسجد حرس قد وكلوا بإخراج الناس من
المسجد بالليل- فلما صلى الناس صاح بهم الحرس، وتباطأ أصحاب يزيد،
فجعلوا يخرجون من باب المقصورة ويدخلون من باب آخر حتى لم يبق في
المسجد غير الحرس وأصحاب يزيد، فأخذوا الحرس، ومضى يزيد بْن عنبسة إلى
يزيد بْن الوليد، فأعلمه وأخذ بيده، وقال: قم يا أمير المؤمنين وأبشر
بنصر الله وعونه، فقام وقال: اللهم إن كان هذا لك رضا فأعني عليه
وسددني له، وإن كان غير ذلك فاصرفه عني بموت.
وأقبل في اثني عشر رجلا، فلما كان عند سوق الحمر لقوا أربعين رجلا من
أصحابهم، فلما كانوا عند سوق القمح لقيهم زهاء مائتي رجل من
(7/240)
أصحابهم، فمضوا إلى المسجد فدخلوه، فأخذوا
باب المقصورة فضربوه وقالوا: رسل الوليد، ففتح لهم الباب خادم فأخذوه
ودخلوا، وأخذوا أبا العاج وهو سكران، وأخذوا خزان بيت المال وصاحب
البريد، وأرسل إلى كل من كان يحذره فأخذ وأرسل يزيد من ليلته إلى محمد
بن عبيده- مولى سعيد ابن العاص وهو على بعلبك- فأخذه، وأرسل من ليلته
الى عبد الملك بْن محمد بْن الحجاج بْن يوسف، فأخذه ووجه إلى الثنية
إلى أصحابه ليأتوه، وقال للبوابين: لا تفتحوا الباب غدوة إلا لمن
أخبركم بشعارنا فتركوا الأبواب بالسلاسل وكان في المسجد سلاح كثير قدم
به سليمان بن هشام من الجزيرة، ولم يكن الخزان قبضوه، فأصابوا سلاحا
كثيرا، فلما أصبحوا جاء أهل المزة وابن عصام، فما انتصف النهار حتى
تبايع الناس، ويزيد يتمثل قول النابغة:
إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا ... إلى الموت إرقال الجمال المصاعب
فجعل أصحاب يزيد يتعجبون، ويقولون: انظروا إلى هذا، هو قبيل الصبح
يسبح، وهو الآن ينشد الشعر! حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ، قَالَ: حدثنا عمرو بْن مروان الكلبي، قَالَ: حدثني
رزين بْن ماجد، قَالَ: غدونا مع عبد الرحمن ابن مصاد، ونحن زهاء الف
وخمسمائة، فلما انتهينا إلى باب الجابية ووجدناه مغلقا، ووجدنا عليه
رسولا للوليد، فقال: ما هذه الهيئة وهذه العدة! أما والله لأعلمن أمير
المؤمنين فقتله رجل من أهل المزة، فدخلنا من باب الجابية، ثم أخذنا في
زقاق الكلبيين، فضاق عنا، فأخذ ناس منا سوق القمح، ثم اجتمعنا على باب
المسجد، فدخلنا على يزيد، فما فرغ آخرنا من التسليم عليه، حتى جاءت
السكاسك في نحو ثلاثمائة، فدخلوا من باب الشرقي حتى أتوا المسجد،
فدخلوا من باب الدرج، ثم أقبل يعقوب ابن عمير بْن هانئ العبسي في أهل
داريا، فدخلوا من باب دمشق الصغير، وأقبل عيسى بْن شبيب التغلبي في أهل
دومة وحرستا، فدخلوا من باب
(7/241)
توما، وأقبل حميد بْن حبيب اللخمي في أهل
دير المران والأرزة وسطرا، فدخلوا من باب الفراديس، واقبل النضر بن
الجرشى في اهل جرش واهل الحديثه ودير زكا، فدخلوا من باب الشرقي، وأقبل
ربعي بْن هاشم الحارثي في الجماعة من بني عذرة وسلامان، فدخلوا من باب
توما، ودخلت جهينة ومن والاهم مع طلحة بْن سعيد، فقال بعض شعرائهم:
فجاءتهم أنصارهم حين أصبحوا ... سكاسكها أهل البيوت الصنادد
وكلب فجاءوهم بخيل وعدة ... من البيض والأبدان ثم السواعد
فأكرم بهم أحياء أنصار سنة ... هم منعوا حرماتها كل جاحد
وجاءتهم شعبان والأزد شرعا ... وعبس ولخم بين حام وذائد
وغسان والحيان قيس وتغلب ... وأحجم عنها كل وان وزاهد
فما أصبحوا إلا وهم أهل ملكها ... قد استوثقوا من كل عات ومارد
حدثني أحمد بْن زهير، عن علي بْن محمد، عن عمرو بْن مروان الكلبي،
قَالَ: حدثني قسيم بْن يعقوب ورزين بْن ماجد وغيرهما، قالوا: وجه يزيد
بْن الوليد عبد الرحمن بْن مصاد في مائتي فارس أو نحوهم إلى قطن،
ليأخذوا عبد الملك بْن محمد بْن الحجاج بْن يوسف، وقد تحصن في قصره،
فأعطاه الأمان فخرج إليه، فدخلنا القصر، فأصبنا فيه خرجين، في كل واحد
منهما ثلاثون ألف دينار قال: فلما انتهينا إلى المزة قلت لعبد الرحمن
بْن مصاد: اصرف أحد هذين الخرجين إلى منزلك أو كليهما، فإنك لا تصيب من
يزيد مثلهما أبدا، فقال: لقد عجلت إذا بالخيانة، لا والله لا يتحدث
العرب أني أول من خان في هذا الأمر، فمضى به إلى يزيد بْن الوليد وأرسل
يزيد بْن الوليد إلى عبد العزيز بْن الحجاج بْن عبد الملك، فأمره فوقف
بباب الجابية، وقال: من كان له عطاء فليأت إلى عطائه، ومن لم يكن له
عطاء فله ألف درهم معونة وقال لبني الوليد بْن عبد الملك ومعه منهم
ثلاثة عشر: تفرقوا في الناس يرونكم وحضورهم، وقال للوليد بْن روح بْن
الوليد: أنزل الراهب، ففعل
(7/242)
وحدثني أحمد، عن علي، عن عمرو بْن مروان
الكلبي، قَالَ: حدثني دكين بن الشماخ الكلبي وأبو علاقة بْن صالح
السلاماني أن يزيد بْن الوليد نادى بأمره مناد: من ينتدب إلى الفاسق
وله ألف درهم؟ فاجتمع إليه أقل من ألف رجل، فأمر رجلا فنادى: من ينتدب
إلى الفاسق وله ألف وخمسمائة؟
فانتدب اليه يومئذ الف وخمسمائة، فعقد لمنصور بْن جمهور على طائفة،
وعقد ليعقوب بْن عبد الرحمن بْن سليم الكلبي على طائفه اخرى، وعقد لهرم
ابن عبد الله بْن دحية على طائفة أخرى، وعقد لحميد بْن حبيب اللخمي على
طائفة أخرى، وعليهم جميعا عبد العزيز بْن الحجاج بْن عبد الملك، فخرج
عبد العزيز فعسكر بالحيرة.
وحدثني أحمد بْن زهير، قَالَ: حدثنا علي، عن عمرو بْن مروان الكلبي،
قَالَ: حدثني يعقوب بْن إبراهيم بْن الوليد أن مولى للوليد لما خرج
يزيد بْن الوليد، خرج على فرس له، فأتى الوليد من يومه، فنفق فرسه حين
بلغه، فأخبر الوليد الخبر، فضربه مائة سوط وحبسه، ثم دعا أبا محمد ابن
عبد الله بْن يزيد بْن معاوية فأجازه، ووجهه إلى دمشق، فخرج أبو محمد،
فلما انتهى إلى ذنبة أقام، فوجه يزيد بْن الوليد إليه عبد الرحمن بْن
مصاد، فسالمه أبو محمد، وبايع ليزيد بْن الوليد وأتى الوليد الخبر، وهو
بالأغدف- والأغدف من عمان- فقال بيهس بْن زميل الكلابي- ويقال قاله
يزيد بْن خالد بْن يزيد بْن معاوية: يا أمير المؤمنين، سر حتى تنزل حمص
فإنها حصينة، ووجه الجنود إلى يزيد فيقتل أو يؤسر فقال عبد الله بن
عنبسة ابن سعيد بْن العاص: ما ينبغي للخليفة أن يدع عسكره ونساءه قبل
أن يقاتل ويعذر، والله مؤيد أمير المؤمنين وناصره فقال يزيد بْن خالد:
وماذا يخاف على حرمه! وإنما أتاه عبد العزيز بْن الحجاج بْن عبد الملك
وهو ابن عمهن، فأخذ بقول ابن عنبسة، فقال له الأبرش سعيد بْن الوليد
الكلبي:
يا أمير المؤمنين، تدمر حصينة، وبها قومي يمنعونك، فقَالَ: ما أرى أن
نأتي تدمر وأهلها بنو عامر، وهم الذين خرجوا علي، ولكن دلني على منزل
(7/243)
حصين، فقال: ارى أن تنزل القرية، قَالَ:
أكرهها، قَالَ: فهذا الهزيم.
قَالَ: أكره اسمه، قَالَ: فهذا البخراء، قصر النعمان بْن بشير، قَالَ:
ويحك! ما أقبح أسماء مياهكم! فأقبل في طريق السماوة، وترك الريف، وهو
في مائتين، فقال:
إذا لم يكن خير مع الشر لم تجد ... نصيحا ولا ذا حاجة حين تفزع
إذا ما هم هموا بإحدى هناتهم ... حسرت لهم رأسي فلا أتقنع
فمر بشبكة الضحاك بْن قيس الفهري، وفيها من ولده وولد ولده أربعون
رجلا، فساروا معه وقالوا: إنا عزل، فلو أمرت لنا بسلاح! فما أعطاهم
سيفا ولا رمحا، فقال له بيهس بْن زميل: أما إذ أبيت أن تمضي إلى حمص
وتدمر فهذا الحصن البخراء فإنه حصين، وهو من بناء العجم فانزله، قَالَ:
إني أخاف الطاعون، قَالَ: الذي يراد بك أشد من الطاعون، فنزل حصن
البخراء.
قَالَ: فندب يزيد بْن الوليد الناس إلى الوليد مع عبد العزيز، ونادى
مناديه: من سار معه فله ألفان، فانتدب ألفا رجل، فأعطاهم ألفين ألفين
وقال: موعدكم بذنبة، فوافى بذنبة ألف ومائتان، وقال: موعدكم مصنعة بني
عبد العزيز بْن الوليد بالبرية، فوافاه ثمانمائه، فسار، فتلقاهم ثقل
الوليد فأخذوه، ونزلوا قريبا من الوليد، فأتاه رسول العباس بْن الوليد:
إني آتيك.
فقال الوليد: أخرجوا سريرا، فأخرجوا سريرا فجلس عليه وقال: أعلي توثب
الرجال، وانا اثب على الأسد واتخصر الأفاعي! وهم ينتظرون العباس.
فقاتلهم عبد العزيز، وعلى الميمنة عمرو بْن حوي السكسكي وعلى المقدمة
منصور بْن جمهور وعلى الرجالة عمارة بْن أبي كلثم الأزدي، ودعا عبد
العزيز ببغل له أدهم فركبه، وبعث إليهم زياد بْن حصين الكلبي يدعوهم
إلى كتاب الله وسنة نبيه، فقتله قطري مولى الوليد، فانكشف أصحاب يزيد،
فترجل عبد العزيز، فكر أصحابه، وقد قتل من أصحابه عدة وحملت
(7/244)
رءوسهم إلى الوليد وهو على باب حصن البخراء
قد أخرج لواء مروان بْن الحكم الذي كان عقده بالجابية، وقتل من أصحاب
الوليد بْن يزيد عثمان الخشبي، قتله جناح بْن نعيم الكلبي، وكان من
أولاد الخشبية الذين كانوا مع المختار.
وبلغ عبد العزيز مسير العباس بْن الوليد، فأرسل منصور بْن جمهور في
خيل، وقال: إنكم تلقون العباس في الشعب، ومعه بنوه في الشعب فخذوهم
فخرج منصور في الخيل فلما صاروا بالشعب إذا هم بالعباس في ثلاثين من
بنيه، فقالوا له: اعدل إلى عبد العزيز، فشتمهم، فقال له منصور: والله
لئن تقدمت لأنفذن حصينك- يعني درعك- وقال نوح بْن عمرو بْن حوي
السكسكي: الذي لقي العباس بْن الوليد يعقوب بْن عبد الرحمن بْن سليم
الكلبي- فعدل به الى عبد العزيز، فأبى عليه فقال: يا بن قسطنطين، لئن
أبيت لأضربن الذي فيه عيناك، فنظر العباس إلى هرم بْن عبد الله بْن
دحية، فقال: من هذا؟ قَالَ: يعقوب بْن عبد الرحمن بْن سليم، قَالَ: أما
والله إن كان لبغيضا إلى أبيه أن يقف ابنه هذا الموقف، وعدل به إلى
عسكر عبد العزيز، ولم يكن مع العباس أصحابه، كان تقدمهم مع بنيه فقال:
إنا لله! فأتوا به عبد العزيز، فقال له: بايع لأخيك يزيد بْن الوليد،
فبايع ووقف ونصبوا راية، وقالوا:
هذه راية العباس بْن الوليد، وقد بايع لأمير المؤمنين يزيد بْن الوليد،
فقال العباس: إنا لله! خدعة من خدع الشيطان! هلك بنو مروان فتفرق الناس
عن الوليد، فأتوا العباس وعبد العزيز وظاهر الوليد بين درعين، واتوه
بفرسيه:
السندي والزائد، فقاتلهم قتالا شديدا فناداهم رجل: اقتلوا عدو الله
قتله قوم لوط، ارموه بالحجارة
(7/245)
فلما سمع ذلك دخل القصر، وأغلق الباب،
وأحاط عبد العزيز وأصحابه بالقصر، فدنا الوليد من الباب، فقال أما فيكم
رجل شريف له حسب وحياء أكلمه! فقال له يزيد بْن عنبسة السكسكي: كلمني،
قَالَ له: من أنت؟ قَالَ: أنا يزيد بْن عنبسة، قَالَ: يا أخا السكاسك،
ألم أزد في أعطياتكم! ألم أرفع المؤن عنكم! ألم أعط فقراءكم! ألم أخدم
زمناكم! فقال: إنا ما ننقم عليك في أنفسنا، ولكن ننقم عليك في انتهاك
ما حرم الله وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله،
قَالَ:
حسبك يا أخا السكاسك، فلعمري لقد أكثرت وأغرقت، وإن فيما أحل لي لسعة
عما ذكرت ورجع إلى الدار فجلس وأخذ مصحفا، وقال: يوم كيوم عثمان، ونشر
المصحف يقرأ، فعلوا الحائط، فكان أول من علا الحائط يزيد بْن عنبسة
السكسكي، فنزل إليه وسيف لوليد إلى جنبه، فقال له يزيد: نح سيفك، فقال
له الوليد: لو أردت السيف لكانت لي ولك حاله فيهم غير هذه، فأخذ بيد
الوليد، وهو يريد أن يحبسه ويؤامر فيه فنزل من الحائط عشرة: منصور بْن
جمهور وحبال بْن عمرو الكلبي وعبد الرحمن بْن عجلان مولى يزيد بْن عبد
الملك وحميد بْن نصر اللخمي والسري بْن زياد بْن أبي كبشة وعبد السلام
اللخمي، فضربه عبد السلام على رأسه، وضربه السري على وجهه، وجروه بين
خمسة ليخرجوه فصاحت امرأة كانت معه في الدار، فكفوا عنه ولم يخرجوه،
واحتز أبو علاقة القضاعي رأسه فأخذ عقبا
(7/246)
فخاط الضربة التي في وجهه، وقدم بالرأس على
يزيد روح بْن مقبل، وقال:
أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الفاسق الوليد وأسر من كان معه، والعباس-
ويزيد يتغدى- فسجد ومن كان معه، وقام يزيد بْن عنبسة السكسكي، وأخذ بيد
يزيد، وقال: قم يا أمير المؤمنين، وأبشر بنصر الله، فاختلج يزيد يده من
كفه، وقال: اللهم إن كان هذا لك رضا فسددني، وقال ليزيد بْن عنبسة: هل
كلمكم الوليد؟ قَالَ: نعم، كلمني من وراء الباب، وقال:
أما فيكم ذو حسب فأكلمه! فكلمته ووبخته، فقال: حسبك، فقد لعمري أغرقت
وأكثرت، أما والله لا يرتق فتقكم، ولا يلم شعثكم، ولا تجتمع كلمتكم
حدثني أحمد عن علي، عن عمرو بن مروان الكلبى، قال: قال نوح ابن عمرو
بْن حوي السكسكي: خرجنا إلى قتال الوليد في ليال ليس فيها قمر، فإن كنت
لأرى الحصى فأعرف أسوده من أبيضه قَالَ: وكان على ميسرة الوليد بْن
يزيد الوليد بْن خالد، ابن أخي الأبرش الكلبي في بني عامر- وكانت بنو
عامر ميمنة عبد العزيز- فلم تقاتل ميسرة الوليد ميمنة عبد العزيز،
ومالوا جميعا إلى عبد العزيز بْن الحجاج قَالَ: وقال نوح بْن عمرو:
رأيت خدم الوليد بْن يزيد وحشمه يوم قتل يأخذون بأيدي الرجال،
فيدخلونهم عليه وحدثني أحمد عن علي، عن عمرو بْن مروان الكلبي، قَالَ:
حدثني المثنى بْن معاوية، قَالَ: اقبل الوليد فنزل اللؤلؤه، وامر ابنه
الحكم والمؤمل ابن العباس أن يفرضا لمن أتاهما ستين دينارا في العطاء،
فأقبلت أنا وابن عمي سليمان بْن محمد بْن عبد الله إلى عسكر الوليد،
فقربني المؤمل وأدناني.
وقال: أدخلك على أمير المؤمنين، وأكلمه حتى يفرض لك في مائة دينار.
قَالَ المثنى: فخرج الوليد من اللؤلؤة فنزل المليكة، فأتاه رسول عمرو
بْن قيس من حمص يخبره أن عمرا قد وجه اليه خمسمائة فارس، عليهم عبد
الرحمن بْن أبي الجنوب البهراني، فدعا الوليد الضحاك بْن أيمن من
(7/247)
بني عوف بْن كلب، فأمره أن يأتي ابن أبي
الجنوب- وهو بالغوير- فيستعجله، ثم يأتي الوليد بالمليكة فلما أصبح أمر
الناس بالرحيل، وخرج على برذون كميت، عليه قباء خز وعمامة خز، محتزما
بريطة رقيقة قد طواها، وعلى كتفيه ريطة صفراء فوق السيف، فلقيه بنو
سليم بْن كيسان في ستة عشر فارسا، ثم سار قليلا، فتلقاه بنو النعمان
بْن بشير في فوارس، ثم أتاه الوليد ابن أخي الأبرش في بني عامر من كلب،
فحمله الوليد وكساه، وسار الوليد على الطريق ثم عدل في تلعة يقال لها
المشبهة، فلقيه ابن أبي الجنوب في أهل حمص ثم أتى البخراء، فضج أهل
العسكر، وقالوا: ليس معنا علف لدوابنا، فأمر رجلا فنادى: إن أمير
المؤمنين قد اشترى زروع القرية، فقالوا: ما نصنع بالقصيل! تضعف عليه
دوابنا، وإنما أرادوا الدراهم قَالَ المثنى: أتيت الوليد، فدخلت من
مؤخر الفسطاط، فدعا بالغداء، فلما وضع بين يديه أتاه رسول أم كلثوم بنت
عبد الله بْن يزيد بْن عبد الملك يقال له عمرو بْن مرة، فأخبره أن عبد
العزيز بْن الحجاج، قد نزل اللؤلؤة، فلم يلتفت إليه، وأتاه خالد بْن
عثمان المخراش- وكان على شرطه- برجل من بني حارثة بْن جناب، فقال له:
إني كنت بدمشق مع عبد العزيز، وقد اتيتك بالخبر، وهذه الف وخمسمائة قد
أخذتها- وحل هميانا من وسطه، وأراه- وقد نزل اللؤلؤة، وهو غاد منها
إليك، فلم يجبه والتفت إلى رجل إلى جنبه، وكلمه بكلام لم أسمعه، فسألت
بعض من كان بيني وبينه عما قَالَ، فقال:
سأله عن النهر الذي حفره بالأردن: كم بقي منه؟ وأقبل عبد العزيز من
اللؤلؤة، فأتى المليكة فحازها، ووجه منصور بْن جمهور، فأخذ شرقي القرى-
وهو تل مشرف في أرض ملساء على طريق نهيا إلى البخراء- وكان العباس بْن
الوليد تهيأ في نحو من خمسين ومائة من مواليه وولده، فبعث العباس رجلا
من بني ناجية يقال له حبيش إلى الوليد يخيره بين أن يأتيه فيكون معه،
أو يسير إلى يزيد بْن الوليد فاتهم الوليد العباس، فأرسل إليه يأمره أن
يأتيه
(7/248)
فيكون معه، فلقي منصور بْن جمهور الرسول،
فسأله عن الأمر فأخبره، فقال له منصور: قل له: والله لئن رحلت من موضعك
قبل طلوع الفجر لأقتلنك ومن معك، فإذا أصبح فليأخذ حيث أحب فأقام
العباس يتهيأ، فلما كان في السحر سمعنا تكبير أصحاب عبد العزيز قد
أقبلوا إلى البخراء، فخرج خالد بْن عثمان المخراش، فعبأ الناس، فلم يكن
بينهم قتال حتى طلعت الشمس، وكان مع أصحاب يزيد بْن الوليد كتاب معلق
في رمح، فيه:
إنا ندعوكم إِلَى كتاب اللَّه وسنة نبيه ص، وأن يصير الأمر شورى
فاقتتلوا فقتل عثمان الخشبي، وقتل من أصحاب الوليد زهاء ستين رجلا،
وأقبل منصور بْن جمهور على طريق نهيا، فأتى عسكر الوليد من خلفهم،
فأقبل الى الوليد وهو في فسطاطه، ليس بينه وبين منصور أحد.
فلما رأيته خرجت أنا وعاصم بْن هبيرة المعافري خليفة المخراش، فانكشف
أصحاب عبد العزيز، ونكص أصحاب منصور، وصرع سمي بْن المغيرة وقتل، وعدل
منصور إلى عبد العزيز وكان الأبرش على فرس له يدعى الأديم، عليه قلنسوة
ذات أذنين، قد شدها تحت لحيته، فجعل يصيح بابن أخيه:
يا بن اللخناء، قدم رايتك، فقال له: لا أجد متقدما، إنها بنو عامر.
وأقبل العباس بْن الوليد فمنعه أصحاب عبد العزيز، وشد مولى لسليمان بْن
عبد الله بْن دحية- يقال له التركي- على الحارس بْن العباس بْن الوليد،
فطعنه طعنه اذراه عن فرسه، فعدل العباس إلى عبد العزيز، فأسقط في أيدي
أصحاب الوليد وانكسروا فبعث الوليد بْن يزيد الوليد بْن خالد إلى عبد
العزيز بْن الحجاج بأن يعطيه خمسين ألف دينار، ويجعل له ولاية حمص ما
بقي، ويؤمنه على كل حدث، على أن ينصرف ويكف، فأبى ولم يجبه، فقال له
الوليد: ارجع إليه فعاوده أيضا، فأتاه الوليد فلم يجبه إلى شيء، فانصرف
الوليد، حتى إذا كان غير بعيد عطف دابته، فدنا من عبد العزيز، فقال له:
أتجعل لي خمسة آلاف دينار وللأبرش مثلها، وأن أكون كأخص رجل من قومي
منزلة وآتيك، فأدخل معك فيما دخلت فيه؟
فقال له عبد العزيز: على أن تحمل الساعة على أصحاب الوليد، ففعل وكان
(7/249)
على ميمنة الوليد معاوية بْن أبي سفيان بْن
يزيد بْن خالد، فقال لعبد العزيز:
أتجعل لي عشرين ألف دينار وولاية الأردن والشركه في الأمر على ان اصير
معكم؟ قَالَ: على أن تحمل على أصحاب الوليد من ساعتك، ففعل، فانهزم
أصحاب الوليد وقام الوليد فدخل البخراء، وأقبل عبد العزيز فوقف على
الباب وعليه سلسلة، فجعل الرجل بعد الرجل يدخل من تحت السلسلة.
وأتى عبد العزيز عبد السلام بْن بكير بْن شماخ اللخمي، فقال له: إنه
يقول:
أخرج على حكمك، قَالَ: فليخرج، فلما ولي قيل له: ما تصنع بخروجه! دعه
يكفيكه الناس فدعا عبد السلام فقال: لا حاجة لي فيما عرض علي، فنظرت
إلى شاب طويل على فرس، فدنا من حائط القصر فعلاه، ثم صار إلى داخل
القصر قَالَ: فدخلت القصر، فإذا الوليد قائم في قميص قصب وسراويل وشي،
ومعه سيف في غمد والناس يشتمونه، فأقبل إليه بشر بْن شيبان مولى كنانة
بْن عمير، وهو الذي دخل من الحائط، فمضى الوليد يريد الباب- أظنه أراد
أن يأتي عبد العزيز- وعبد السلام عن يمينه ورسول عمرو بْن قيس عن
يساره، فضربه على راسه، وتعاروه الناس بأسيافهم فقتل، فطرح عبد السلام
نفسه عليه يحتز رأسه- وكان يزيد بْن الوليد قد جعل في رأس الوليد مائة
ألف- وأقبل أبو الأسد مولى خالد بْن عبد الله القسري فسلخ من جلد
الوليد قدر الكف، فأتى بها يزيد بْن خالد بْن عبد الله، وكان محبوسا في
عسكر الوليد، فانتهب الناس عسكر الوليد وخزائنه، وأتاني يزيد العليمي
أبو البطريق بْن يزيد، وكانت ابنته عند الحكم بْن الوليد، فقال: امنع
لي متاع ابنتي، فما وصل أحد إلى شيء زعم أنه له.
قَالَ أحمد: قَالَ علي: قَالَ عمرو بْن مروان الكلبي: لما قتل الوليد
قطعت كفه اليسرى، فبعث بها إلى يزيد بْن الوليد، فسبقت الرأس، قدم بها
ليلة الجمعة، وانى برأسه من الغد، فنصبه الناس بعد الصلاة وكان أهل
دمشق قد أرجفوا بعبد العزيز، فلما أتاهم رأس الوليد سكتوا وكفوا.
قَالَ: وأمر يزيد بنصب الرأس، فقال له يزيد بْن فروة مولى بني مروان.
(7/250)
إنما تنصب رءوس الخوارج، وهذا ابن عمك،
وخليفة، ولا آمن إن نصبته أن ترق له قلوب الناس، ويغضب له أهل بيته،
فقال: والله لانصبته، فنصبه على رمح، ثم قَالَ له: انطلق به، فطف به في
مدينة دمشق، وأدخله دار أبيه ففعل، فصاح الناس وأهل الدار، ثم رده إلى
يزيد، فقال: انطلق به إلى منزلك، فمكث عنده قريبا من شهر، ثم قَالَ له:
ادفعه إلى أخيه سليمان- وكان سليمان أخو الوليد ممن سعى على أخيه- فغسل
ابن فروة الرأس، ووضعه في سفط، وأتى به سليمان، فنظر إليه سليمان،
فقال: بعدا له! أشهد أنه كان شروبا للخمر، ماجنا فاسقا، ولقد أرادني
على نفسي الفاسق فخرج ابن فروة من الدار، فتلقته مولاة للوليد، فقال
لها: ويحك! ما أشد ما شتمه! زعم أنه أراده على نفسه! فقالت: كذب والله
الخبيث، ما فعل، ولئن كان أراده على نفسه لقد فعل، وما كان ليقدر على
الامتناع منه.
وحدثني أحمد، عن علي، عن عمرو بْن مروان الكلبي، قَالَ: حدثني يزيد بْن
مصاد عن عبد الرحمن بْن مصاد، قَالَ: بعثني يزيد بْن الوليد إلى أبي
محمد السفياني- وكان الوليد وجهه حين بلغه خبر يزيد واليا على دمشق
وأتى ذنبة، وبلغ يزيد خبره، فوجهني إليه- فأتيته، فسالم وبايع ليزيد،
قَالَ: فلم نرم حتى رفع لنا شخص مقبل من ناحية البرية، فبعثت إليه،
فأتيت به فإذا هو الغزيل أبو كامل المغني، على بغلة للوليد تدعى مريم،
فأخبرنا أن الوليد قد قتل، فانصرفت إلى يزيد، فوجدت الخبر قد أتاه قبل
أن آتيه.
حدثني أحمد، عن علي، عن عمرو بْن مروان الكلبي، قَالَ: حدثني دكين بْن
شماخ الكلبي ثم العامري، قَالَ: رأيت بشر بْن هلباء العامري يوم قتل
الوليد ضرب باب البخراء بالسيف، وهو يقول:
سنبكى خالدا بمهندت ... ولا تذهب صنائعه ضلالا
وحدثني أحمد، عن علي، عن أبي عاصم الزيادي، قَالَ: ادعى قتل الوليد
عشرة، وقال: إني رأيت جلدة رأس الوليد في يد وجه الفلس،
(7/251)
فقال: أنا قتلته، وأخذت هذه الجلدة، وجاء
رجل فاحتز رأسه، وبقيت هذه الجلدة في يدي واسم وجه الفلس عبد الرحمن،
قَالَ: وقال الحكم بْن النعمان مولى الوليد بْن عبد الملك: قدم برأس
الوليد على يزيد منصور بْن جمهور في عشرة، فيهم روح بْن مقبل، فقال
روح: يا أمير المؤمنين، أبشر بقتل الفاسق وأسر العباس، وكان فيمن قدم
بالرأس عبد الرحمن وجه الفلس، وبشر مولى كنانة من كلب، فأعطى يزيد كل
رجل منهم عشرة آلاف.
قَالَ: وقال الوليد يوم قتل وهو يقاتلهم: من جاء برأس فله خمسمائة،
فجاء قوم بارؤس، فقال الوليد: اكتبوا أسماءهم، فقال رجل من مواليه ممن
جاء برأس: يا أمير المؤمنين، ليس هذا بيوم يعمل فيه بنسيئة! قَالَ:
وكان مع الوليد مالك بْن أبي السمح المغني وعمرو الوادي، فلما تفرق عن
الوليد اصحابه، وحصر، قَالَ مالك لعمرو: اذهب بنا، فقال عمرو: ليس هذا
من الوفاء، ونحن لا يعرض لنا لأنا لسنا ممن يقاتل، فقال مالك: ويلك!
والله لئن ظفروا بنا لا يقتل أحد قبلي وقبلك، فيوضع رأسه بين رأسينا،
ويقال للناس: انظروا من كان معه في هذه الحال، فلا يعيبونه بشيء أشد من
هذا، فهربا.
وقتل الوليد بْن يزيد يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست
وعشرين ومائة، كذلك قَالَ أَبُو معشر، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَد بْن
ثَابِت، عمن ذكره، عن إِسْحَاق بْن عِيسَى، عنه وكذلك قَالَ هشام بن
محمد ومحمد ابن عمر الواقدي وعلي بْن محمد المدائني.
واختلفوا في قدر المدة التي كان فيها خليفة، فقال أبو معشر: كانت
خلافته سنة وثلاثة أشهر، كذلك حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْن ثَابِت، عمن
ذكره، عن إسحاق بْن عيسى، عنه.
وقال هشام بْن محمد: كانت خلافته سنة وشهرين واثنين وعشرين يوما
(7/252)
واختلفوا أيضا في مبلغ سنه يوم قتل، فقال
هشام بْن محمد الكلبي: قتل وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، وقال محمد بْن
عمر: قتل وهو ابن ست وثلاثين سنة.
وقال بعضهم: قتل وهو ابن اثنتين وأربعين سنة وقال آخرون: وهو ابن إحدى
وأربعين سنة، وقال آخرون: ابن خمس وأربعين سنة، وقال بعضهم: وهو ابن ست
وأربعين سنة وكان يكنى أبا العباس، وأمه أم الحجاج بنت محمد بْن يوسف
الثقفي، وكان شديد البطش، طويل أصابع الرجلين، كان يوتد له سكة حديد
فيها خيط ويشد الخيط في رجله، ثم يثب على الدابة، فينتزع السكة ويركب،
ما يمس الدابة بيده.
وكان شاعرا شروبا للخمر، حدثني أحمد، قَالَ: حدثنا علي، عن ابن أبي
الزناد، قَالَ: قَالَ أبي: كنت عند هشام وعنده الزهري، فذكرا الوليد،
فتقصاه وعاباه عيبا شديدا، ولم أعرض في شيء مما كانا فيه، فاستأذن
الوليد، فأذن له، وأنا أعرف الغضب في وجهه، فجلس قليلا، ثم قام فلما
مات هشام كتب في فحملت إليه فرحب بي، وقال: كيف حالك يا بن ذكوان؟
وألطف المسألة بي، ثم قَالَ: أتذكر يوم الأحول وعنده الفاسق الزهري،
وهما يعيبانني؟
قلت: أذكر ذلك، فلم أعرض في شيء مما كانا فيه، قَالَ: صدقت، أرأيت
الغلام الذي كان قائما على رأس هشام؟ قلت: نعم، قال: فانه نم الى بما
قالا، وايم الله لو بقي الفاسق- يعني الزهري- لقتلته، قلت: قد عرفت
الغضب في وجهك حين دخلت ثم قال: يا بن ذكوان، ذهب الأحول بعمري، فقلت:
بل يطيل الله لك عمرك يا أمير المؤمنين، ويمتع الأمة ببقائك، فدعا
بالعشاء فتعشينا، وجاءت المغرب فصلينا، وتحدثنا حتى جاءت العشاء الآخرة
فصلينا وجلس، وقال: اسقني، فجاءوا بإناء مغطى، وجاء ثلاث جوار فصففن
بين يديه، بيني وبينه، ثم شرب، وذهبنا فتحدثنا، واستسقى فصنعن مثل ما
صنعن أولا، قَالَ: فما زال على
(7/253)
ذلك يتحدث ويستسقي ويصنعن مثل ذلك حتى طلع الفجر، فأحصيت له سبعين قدحا |