تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
. ذكر الخبر عن
عزل منصور بن جمهور عن العراق
وفي هذه السنة عزل يزيد بْن الوليد منصور بْن جمهور عن العراق، وولاها
عبد الله.
بْن عمر بْن عبد العزيز بْن مروان ذكر الخبر عن ذلك:
ذكر عن يزيد بْن الوليد أنه قَالَ لعبد الله بْن عمر بْن عبد العزيز:
إن أهل العراق يميلون إلى أبيك فسر إليها فقد وليتكها، فذكر عن أبي
عبيدة، قَالَ: كان عبد الله بْن عمر متألها متألما، فقدم حين شخص إلى
العراق بين يديه رسلا وكتبا إلى قواد الشام الذين بالعراق، وخاف ألا
يسلم له منصور بْن جمهور العمل، فانقاد له كلهم، وسلم له منصور بْن
جمهور، وانصرف إلى الشام، ففرق عبد الله بْن عمر عماله في الأعمال،
وأعطى الناس أرزاقهم وأعطياتهم، فنازعه قواد أهل الشام وقالوا: تقسم
على هؤلاء فيئنا وهم عدونا! فقال عبد الله لأهل العراق: إني قد أردت أن
أرد فيئكم عليكم، وعلمت أنكم أحق به، فنازعني هؤلاء فأنكروا علي.
فخرج أهل الكوفة إلى الجبانة، وتجمعوا، فأرسل إليهم قواد أهل الشام
يعتذرون وينكرون، ويحلفون أنهم لم يقولوا شيئا مما بلغهم، وثار غوغاء
الناس من الفريقين، فتناوشوا، وأصيب منهم رهط لم يعرفوا، وعبد الله بْن
عمر بالحيرة، وعبيد الله بْن العباس الكندي بالكوفة، قد كان منصور بن
جمهور استخلفه عليها فاراد أهل الكوفة إخراجه من القصر، فأرسل إلى عمر
بْن الغضبان بْن القبعثري، فأتاه فنحى الناس عنه، وسكنهم وزجر سفاءهم
حتى تحاجزوا، وأمن بعضهم بعضا وبلغ ذلك عبد الله بْن عمر، فأرسل إلى
ابن الغضبان،
(7/284)
فكساه وحمله، واحسن جائزته، وولاه شرطه
وخراج السواد والمحاسبات، وأمره أن يفرض لقومه، ففرض في ستين وفي سبعين
. ذكر وقوع الخلاف بين اليمانيه والنزارية
في خراسان
وفي هذه السنة وقع الاختلاف في خراسان بين اليمانية والنزارية، وأظهر
الكرماني فيها الخلاف لنصر بْن سيار، واجتمع مع كل واحد منهما جماعة
لنصرته.
ذكر الخبر عما كان بينهما من ذلك وعن السبب الذي أحدث ذلك:
ذكر علي بْن محمد عن شيوخه، أن عبد الله بْن عمر لما قدم العراق واليا
عليها من قبل يزيد بْن الوليد، كتب إلى نصر بعهده على خراسان، قَالَ:
ويقال: بل أتاه كتابه بعد خروج الكرماني من حبس نصر، فقال المنجمون
لنصر: إن خراسان سيكون بها فتنة، فأمر نصر برفع حاصل بيت المال، وأعطى
الناس بعض أعطياتهم ورقا وذهبا من الآنية التي كان اتخذها للوليد ابن
يزيد، وكان أول من تكلم رجل من كندة، أفوه طوال، فقال: العطاء العطاء!
فلما كانت الجمعة الثانية، أمر نصر رجالا من الحرس، فلبسوا السلاح،
وفرقهم في المسجد مخافة أن يتكلم متكلم، فقام الكندي فقال:
العطاء العطاء! فقام رجل مولى للأزد- وكان يلقب أبا الشياطين- فتكلم،
وقام حماد الصائغ وأبو السليل البكري، فقالا: العطاء العطاء! فقال نصر:
إياي والمعصية، عليكم بالطاعة والجماعة، فاتقوا الله واسمعوا ما توعظون
به.
فصعد سلم بْن أحوز إلى نصر وهو على المنبر فكلمه، فقال: ما يغني عنا
كلامك هذا شيئا ووثب أهل السوق إلى أسواقهم، فغضب نصر وقال: ما لكم
عندي عطاء بعد يومكم هذا، ثم قَالَ: كأني بالرجل منكم قد قام إلى أخيه
وابن عمه، فلطم وجهه في جمل يهدى له وثوب يكساه، ويقول: مولاي وظئري،
وكأني بهم قد نبغ من تحت أرجلهم شر لا يطاق، وكأني بكم مطرحين في
الأسواق كالجزر المنحورة، إنه لم تطل ولاية رجل إلا ملوها، وأنتم يا
أهل خراسان، مسلحة في نحور العدو، فإياكم ان
(7/285)
يختلف فيكم سيفان.
قَالَ علي: قَالَ عبد الله بْن المبارك، قَالَ نصر في خطبته: إني لمكفر
ومع ذاك لمظلم، وعسى أن يكون ذلك خيرا لي إنكم تغشون أمرا تريدون فيه
الفتنة، فلا أبقى الله عليكم، والله لقد نشرتكم وطويتكم، وطويتكم
ونشرتكم، فما عندي منكم عشرة، وإني وإياكم كما قَالَ من كان قبلكم:
استمسكوا أصحابنا نحدو بكم ... فقد عرفنا خيركم وشركم
فاتقوا الله، فو الله لئن اختلف فيكم ليتمنين الرجل منكم أنه يخلع من
ماله وولده ولم يكن رآه يا أهل خراسان، إنكم غمطتم الجماعة، وركنتم إلى
الفرقة أسلطان المجهول تريدون وتنتظرون! إن فيه لهلاككم معشر العرب،
وتمثل بقول النابغة الذبياني:
فإن يغلب شقاؤكم عليكم ... فإني في صلاحكم سعيت
وقال الحارث بْن عبد الله بْن الحشرج بْن المغيرة بْن الورد الجعدي:
أبيت أرعى النجوم مرتفقا ... إذا استقلت تجري أوائلها
من فتنة أصبحت مجللة ... قد عم أهل الصلاة شاملها
من بخراسان والعراق ومن ... بالشام كل شجاه شاغلها
فالناس منها في لون مظلمة ... دهماء ملتجة غياطلها
يمسي السفيه الذي يعنف ... بالجهل سواء فيها وعاقلها
والناس في كربة يكاد لها ... تنبذ أولادها حواملها
يغدون منها في ظل مبهمه ... عمياء تغتالهم غوائلها
لا ينظر الناس في عواقبها ... إلا التي لا يبين قائلها
كرغوة البكر أو كصيحة حبلى ... طرقت حولها قوابلها
فجاء فينا أزرى بوجهته ... فيها خطوب حمر زلازلها
(7/286)
قَالَ: فلما أتى نصرا عهده من قبل عبد الله
بْن عمر قَالَ الكرماني لأصحابه: الناس في فتنة، فانظروا لأموركم رجلا-
وإنما سمي الكرماني لأنه ولد بكرمان، واسمه جديع بْن علي بْن شبيب بْن
براري بْن صنيم المعني- فقالوا: أنت لنا، فقالت المضرية لنصر: الكرماني
يفسد عليك، فأرسل إليه فاقتله، او فاحبسه، قَالَ: لا، ولكن لي أولاد
ذكور وإناث، فأزوج بني من بناته وبنيه من بناتي، قالوا: لا، قَالَ:
فأبعث إليه بمائة ألف درهم، فإنه بخيل ولا يعطي أصحابه شيئا، ويعلمون
بها فيتفرقون عنه، قالوا: لا، هذه قوة له، قَالَ: فدعوه على حاله
يتقينا ونتقيه، قالوا لا، قال:
فأرسل اليه فحبسه.
قَالَ: وبلغ نصرا أن الكرماني يقول: كانت غايتي في طاعه بنى مروان ان
يقلد ولدى السيوف فأطلب بثأر بني المهلب، مع ما لقينا من نصر وجفائه
وطول حرمانه ومكافأته إيانا بما كان من صنيع أسد إليه فقال له عصمه ابن
عبد الله الأسدي: إنها بدء فتنة، فتجن عليه فاحشة، وأظهر أنه مخالف
واضرب عنقه وعنق سباع بْن النعمان الأزدي والفرافصة بْن ظهير البكرى،
فانه لم يزل متغضبا على الله بتفضيله مضر على ربيعة.
وكان بخراسان وقال جميل بْن النعمان: إنك قد شرفته وإن كرهت قتله
فادفعه إلي أقتله وقيل: إنما غضب عليه في مكاتبته بكر بْن فراس
البهراني عامل جرجان، يعلمه حال منصور بن جمهور حين بعث عهد الكرماني
مع أبي الزعفران مولى أسد بْن عبد الله، فطلبه نصر فلم يقدر عليه والذي
كتب إلى الكرماني بقتل الوليد وقدوم منصور بْن جمهور على العراق صالح
الأثرم الحرار.
وقيل: إن قوما أتوا نصرا، فقالوا: الكرماني يدعو إلى الفتنة وقال اصرم
ابن قبيصة لنصر: لو أن جديعا لم يقدر على السلطان والملك إلا
بالنصرانية واليهودية لتنصر وتهود وكان نصر والكرماني متصافيين، وقد
كان الكرماني أحسن إلى نصر في ولاية أسد بْن عبد الله، فلما ولي نصر
خراسان عزل الكرماني عن الرئاسة وصيرها لحرب بْن عامر بن ايثم الواشجى،
فمات حرب
(7/287)
فأعاد الكرماني عليها، فلم يلبث إلا يسيرا
حتى عزله، وصيرها لجميل بْن النعمان قَالَ: فتباعد ما بين نصر
والكرماني فحبس الكرماني في القهندز وكان على القهندز مقاتل بْن علي
المرئي- ويقال المري.
قَالَ: ولما أراد نصر حبس الكرماني أمر عبيد الله بْن بسام صاحب حرسه،
فأتاه به، فقال له نصر: يا كرماني، ألم يأتني كتاب يوسف بْن عمر يأمرني
بقتلك، فراجعته وقلت له: شيخ خراسان وفارسها، وحقنت دمك! قَالَ: بلى،
قَالَ ألم أغرم عنك ما كان لزمك من الغرم وقسمته في أعطيات الناس!
قَالَ: بلى، قال الم أرش عليا ابنك على كره من قومك! قَالَ: بلى،
قَالَ: فبدلت ذلك إجماعا على الفتنة! قَالَ الكرماني: لم يقل الأمير
شيئا إلا وقد كان أكثر منه، فأنا لذلك شاكر، فإن كان الأمير حقن دمي
فقد كان مني أيام أسد بْن عبد الله ما قد علم، فليستان الأمير ويتثبت
فلست أحب الفتنة فقال عصمة بْن عبد الله الأسدي: كذبت، وأنت تريد
الشغب، ومالا تناله وقال سلم بْن أحوز: اضرب عنقه أيها الأمير، فقال
المقدام وقدامة ابنا عبد الرحمن بْن نعيم الغامدي: لجلساء فرعون خير
منكم، إذ قالوا: «أَرْجِهْ وَأَخاهُ*» ، والله لا يقتلن الكرماني بقولك
يا بن احوز وعلت الأصوات، فامر نصر سلما بحبس الكرماني، فحبس لثلاث
بقين من شهر رمضان سنة ست وعشرين ومائة، فكلمت الأزد، فقال نصر: انى
حلفت ان احبسه ولا يبدؤه مني سوء، فإن خشيتم عليه فاختاروا رجلا يكون
معه قَالَ: فاختاروا يزيد النحوي، فكان معه في القهندز، وصير حرسه بني
ناجية أصحاب عثمان وجهم ابني مسعود.
قَالَ: وبعث الأزد إلى نصر المغيرة بْن شعبة الجهضمي وخالد بْن شعيب
بْن أبي صالح الحداني، فكلماه فيه قَالَ: فلبث في الحبس تسعة وعشرين
يوما، فقال علي بْن وائل أحد بني ربيعة بْن حنظلة: دخلت على نصر،
والكرماني
(7/288)
جالس ناحية، وهو يقول: ما ذنبي إن كان ابو
الزعفران جاء! فو الله ما واريته ولا أعلم مكانه وقد كانت الأزد يوم
حبس الكرماني أرادت أن تنزعه من رسله، فناشدهم الله الكرماني ألا
يفعلوا، ومضى مع رسل سلم بْن أحوز، وهو يضحك، فلما حبس تكلم عبد الملك
بْن حرملة اليحمدي والمغيرة بْن شعبة وعبد الجبار بْن شعيب بْن عباد
وجماعة من الأزد، فنزلوا نوش، وقالوا:
لا نرضى أن يحبس الكرماني بغير جناية ولا حدث، فقال لهم شيوخ من
اليحمد: لا تفعلوا وانظروا ما يكون من أميركم، فقالوا: لا نرضى، ليكفن
عنا نصر أو لنبدأن بكم وأتاهم عبد العزيز بْن عباد بْن جابر بْن همام
بْن حنظلة اليحمدي في مائة، ومحمد بْن المثنى وداود بْن شعيب، فباتوا
بنوش مع عبد الملك بْن حرملة ومن كان معه، فلما أصبحوا أتوا حوزان،
وأحرقوا منزل عزة أم ولد نصر- وأقاموا ثلاثة أيام، وقالوا: لا نرضى،
فعند ذلك صيروا عليه الأمناء، فجعلوا معه يزيد النحوي وغيره، فجاء رجل
من أهل نسف، فقال لجعفر غلام الكرماني: ما تجعلون لي إن أخرجته؟
قالوا: لك ما سألت، فأتى مجرى الماء من القهندز فوسعه، وأتى ولد
الكرماني، وقال لهم: اكتبوا إلى أبيكم يستعد الليلة للخروج، فكتبوا
إليه، وأدخلوا الكتاب في الطعام، فدعا الكرماني يزيد النحوي وحصين بْن
حكيم فتعشيا معه وخرجا، ودخل الكرماني السرب، فأخذوا بعضده، فانطوت على
بطنه حية فلم تضره، فقال بعض الأزد: كانت الحية أزدية فلم تضره.
قَالَ: فانتهى إلى موضع ضيق فسحبوه فسحج منكبه وجنبه، فلما خرج ركب
بغلته دوامة- ويقال: بل ركب فرسه البشير- والقيد في رجله، فأتوا به
قرية تسمى غلطان، وفيها عبد الملك بْن حرملة، فأطلق عنه.
قَالَ علي: وقال أبو الوليد زهير بْن هنيد العدوي: كان مع الكرماني
غلامه بسام، فرأى خرقا على القهندز، فلم يزل يوسعه حتى أمكنه الخروج
منه.
قَالَ: فأرسل الكرماني إلى محمد بْن المثنى وعبد الملك بْن حرملة: إني
خارج
(7/289)
الليلة، فاجتمعوا، وخرج فأتاهم فرقد مولاه،
فأخبرهم، فلقوه في قريه حرب ابن عامر، وعليه ملحفه متقلدا سيفا، ومعه
عبد الجبار بْن شعيب وابنا الكرماني: علي وعثمان، وجعفر غلامه، فأمر
عمرو بْن بكر، أن يأتي غلطان وأندغ وأشترج معا، وأمرهم أن يوافوه على
باب الريان بْن سنان اليحمدي بنوش في المرج- وكان مصلاهم في العيد-
فأتاهم فأخبرهم، فخرج القوم من قراهم في السلاح، فصلى بهم الغداة، وهم
زهاء ألف، فما ترجلت الشمس حتى صاروا ثلاثة آلاف، وأتاهم أهل السقادم،
فسار على مرج نيران حتى أتى حوزان، فقال خلف بْن خليفة:
أصحروا للمرج أجلى للعمى ... فلقد أصحر أصحاب السرب
إن مرج الأزد مرج واسع ... تستوي الأقدام فيه والركب
وقيل: إن الأزد بايعت لعبد الملك بْن حرملة على كتاب الله عز وجل ليلة
خرج الكرماني، فلما اجتمعوا في مرج نوش أقيمت الصلاة، فاختلف عبد الملك
والكرماني ساعة، ثم قدمه عبد الملك، وصيرا الأمر له، فصلى الكرماني
ولما هرب الكرماني أصبح نصر معسكرا بباب مرو الروذ بناحية ايردانه،
فأقام يوما أو يومين.
وقيل: لما هرب الكرماني استخلف نصر عصمة بْن عبد الله الأسدي، وخرج إلى
القناطر الخمس بباب مرو الروذ، وخطب الناس، فنال من الكرماني، فقال:
ولد بكرمان وكان كرمانيا، ثم سقط إلى هراة فكان هرويا، والساقط بين
الفراشين لا أصل ثابت، ولا فرع نابت، ثم ذكر الأزد، فقال: إن يستوثقوا
فأذل قوم، وإن يأبوا فهم كما قَالَ الأخطل:
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر
ثم ندم على ما فرط منه، فقال: اذكروا الله، فإن ذكر الله شفاء، ذكر
الله خير لا شر فيه، يذهب الذنب، وذكر الله براءة من النفاق ثم اجتمع
إلى نصر بشر كثير، فوجه سلم بْن أحوز إلى الكرماني في
(7/290)
المجففة في بشر كثير فسفر الناس بين نصر
والكرماني، وسألوا نصرا أن يؤمنه ولا يحبسه، ويضمن عنه قومه ألا يخالفه
فوضع يده في يد نصر فأمره بلزوم بيته، ثم بلغه عن نصر شيء، فخرج إلى
قرية له، وخرج نصر فعسكر بالقناطر، فأتاه القاسم بْن نجيب، فكلمه فيه
فآمنه، وقال له:
إن شئت خرج لك عن خراسان، وإن شئت أقام في داره- وكان رأي نصر إخراجه-
فقال له سلم: إن أخرجته نوهت باسمه وذكره، وقال الناس:
اخرجه لأنه هابه، فقال نصر: إن الذي أتخوفه منه إذا خرج أيسر مما
أتخوفه منه وهو مقيم، والرجل إذا نفي عن بلده صغر أمره فأبوا عليه، فكف
عنه، وأعطى من كان معه عشرة عشرة وأتى الكرماني نصرا، فدخل سرادقه
فآمنه ولحق عبد العزيز بْن عبد ربه بالحارث بْن سريج.
وأتى نصرا عزل منصور بْن جمهور وولاية عبد الله بْن عمر بْن عبد العزيز
في شوال سنة ست وعشرين ومائة، فخطب الناس، وذكر ابن جمهور، وقال: قد
علمت أنه لم يكن من عمال العراق، وقد عزله الله، واستعمل الطيب ابن
الطيب، فغضب الكرماني لابن جمهور، فعاد في جمع الرجال واتخاذ السلاح
وكان يحضر الجمعه في الف وخمسمائة وأكثر وأقل، فيصلي خارجا من المقصورة
ثم يدخل على نصر، فيسلم ولا يجلس ثم ترك إتيان نصر وأظهر الخلاف، فأرسل
إليه نصر مع سلم بْن أحوز: إني والله ما أردت بك في حبسك سوءا، ولكن
خفت أن تفسد أمر الناس، فأتني فقال الكرماني: لولا إنك في منزلي
لقتلتك، ولولا ما أعرف من حمقك أحسنت أدبك، فارجع إلى ابن الأقطع
فأبلغه ما شئت من خير وشر فرجع إلى نصر فأخبره، فقال: عد إليه، فقال:
لا والله، وما بي هيبة له ولكني أكره أن يسمعني فيك ما أكره فبعث إليه
عصمة بْن عبد الله الأسدي، فقال: يا أبا علي، إني أخاف عليك عاقبة ما
ابتدأت به في دينك ودنياك، ونحن نعرض عليك خصالا، فانطلق إلى أميرك
يعرضها عليك، وما نريد
(7/291)
بذلك إلا الإنذار إليك فقال الكرماني: إني
أعلم أن نصرا لم يقل هذا لك ولكنك اردت ان يبلغه فتحظى، والله لا أكلمك
كلمة بعد انقضاء كلامي حتى ترجع إلى منزلك، فيرسل من أحب غيرك فرجع
عصمة، وقال:
ما رأيت علجا أعدى لطوره من الكرماني، وما أعجب منه، ولكن من يحيى بن
حصين لعنهم الله! والله لهم أشد تعظيما له من اصحابه قال سلم ابن أحوز:
إني أخاف فساد هذا الثغر والناس، فأرسل إليه قديدا وقال نصر لقديد بْن
منيع: انطلق إليه، فأتاه فقال له: يا أبا علي، لقد لججت وأخاف أن
يتفاقم الأمر فنهلك جميعا، وتشمت بنا هذه الأعاجم، فقال:
يا قديد، إني لا أتهمك، وقد جاء ما لا أثق بنصر معه، [وقد قال رسول
الله ص: البكري أخوك ولا تثق به،] قَالَ: أما إذ وقع هذا في نفسك فأعطه
رهنا، قَالَ: من؟ قَالَ: أعطه عليا وعثمان، قَالَ: فمن يعطيني؟ ولا خير
فيه، قَالَ: يا أبا علي، أنشدك الله أن يكون خراب هذه البلدة على يديك
ورجع إلى نصر، فقال لعقيل بْن معقل الليثي: ما أخوفني أن يقع بهذا
الثغر بلاء، فكلم ابن عمك، فقال عقيل لنصر: أيها الأمير، أنشدك الله أن
تشأم عشيرتك، إن مروان بالشام تقاتله الخوارج، والناس في فتنه والأزد
سفهاء وهم جيرانك.
قَالَ: فما أصنع؟ إن علمت أمرا يصلح الناس فدونك، فقد عزم أنه لا يثق
بي قَالَ: فأتى عقيل الكرماني، فقال: أبا علي، قد سننت سنة تطلب بعدك
من الأمراء، إني أرى أمرا أخاف ان تذهب فيه العقول، قَالَ الكرماني:
إن نصرا يريد أن آتيه ولا آمنه، ونريد أن يعتزل ونعتزل، ونختار رجلا من
بكر بْن وائل، نرضاه جميعا، فيلي أمرنا جميعا حتى يأتي أمر من الخليفة،
وهو يأبى هذا قَالَ: يا أبا علي، إني أخاف أن يهلك أهل هذا الثغر، فأت
أميرك وقل ما شئت تجب إليه، ولا تطمع سفهاء قومك فيما دخلوا فيه، فقال
الكرماني: إني لا اتهمك في نصيحه ولا عقل، ولكني لا أثق بنصر، فليحمل
من مال خراسان ما شاء ويشخص قَالَ: فهل لك في أمر يجمع الأمر بينكما؟
تتزوج إليه ويتزوج إليك، قَالَ: لا آمنه على حال،
(7/292)
قَالَ: ما بعد هذا خير، وإني خائف أن تهلك
غدا بمضيعة، قَالَ: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال له عقيل: أعود
إليك؟ قَالَ: لا، ولكن أبلغه عني وقل له: لا آمن أن يحملك قوم على غير
ما تريد، فتركب منا ما لا بقية بعده، فإن شئت خرجت عنك لا من هيبة لك،
ولكن أكره أن أشأم أهل هذه البلدة، وأسفك الدماء فيها وتهيأ ليخرج الى
جرجان
. خبر الحارث بن سريج مع يزيد
وفي هذه السنة آمن يزيد بْن الوليد الحارث بْن سريج، وكتب له بذلك،
فكتب إلى عبد الله بْن عمر يأمره برد ما كان أخذ منه من ماله وولده ذكر
الخبر عن سبب ذلك:
ذكر أن الفتنة لما وقعت بخراسان بين نصر والكرماني، خاف نصر قدوم
الحارث بْن سريج عليه بأصحابه والترك، فيكون أمره أشد عليه من الكرماني
وغيره، وطمع أن يناصحه، فأرسل إليه مقاتل بْن حيان النبطي وثعلبة بْن
صفوان البناني وأنس بْن بجالة الأعرجي وهدبة الشعراوي وربيعة القرشي
ليردوه عن بلاد الترك.
فذكر علي بْن محمد عن شيوخه أن خالد بْن زياد البدي من أهل الترمذ
وخالد بْن عمرو مولى بني عامر، خرجا إلى يزيد بْن الوليد يطلبان الأمان
للحارث بْن سريج، فقدما الكوفة، فلقيا سعيد خدينة، فقال لخالد ابن
زياد: أتدري لم سموني خدينة؟ قَالَ: لا، قَالَ: أرادوني على قتل أهل
اليمن فأبيت وسألا أبا حنيفة أن يكتب لهما إلى الأجلح- وكان من خاصة
يزيد بْن الوليد- فكتب لهما إليه، فأدخلهما عليه، فقال له خالد بْن
زياد:
يا أمير المؤمنين، قتلت ابن عمك لإقامة كتاب الله، وعمالك يغشمون
ويظلمون! قَالَ: لا أجد أعوانا غيرهم، وإني لأبغضهم، قَالَ: يا أمير
المؤمنين، ول أهل البيوتات، وضم إلى كل عامل رجالا من أهل الخير والفقه
يأخذونهم بما في عهدك، قَالَ: أفعل، وسألاه أمانا للحارث بْن سريج،
فكتب له:
أما بعد، فإنا غضبنا لله، إذ عطلت حدوده، وبلغ بعباده كل مبلغ،
(7/293)
وسفكت الدماء بغير حلها، وأخذت الأموال
بغير حقها، فأردنا أن نعمل في هذه الأمة بكتاب الله جل وعز وسنه نبيه
ص، ولا قوة إلا بالله، فقد أوضحنا لك عن ذات أنفسنا، فأقبل آمنا أنت
ومن معك، فإنكم إخواننا وأعواننا وقد كتبت إلى عبد الله بْن عمر بْن
عبد العزيز برد ما كان اصطفى من أموالكم وذراريكم.
فقدما الكوفة فدخلا على ابن عمر، فقال خالد بْن زياد: أصلح الله
الأمير! ألا تامر عمالك بسيره ابيك؟ قال: او ليس سيرة عمر ظاهرة
معروفة! قَالَ: فما ينفع الناس منها ولا يعمل بها! ثم قدما مرو فدفعا
كتاب يزيد إلى نصر، فرد ما كان أخذ لهم مما قدر عليه ثم نفذا إلى
الحارث، فلقيا مقاتل بْن حيان وأصحابه الذين وجههم نصر إلى الحارث وكان
ابن عمر كتب إلى نصر: إنك آمنت الحارث بغير إذني ولا إذن الخليفة فأسقط
في يديه، فبعث يزيد بْن الأحمر وأمره أن يفتك بالحارث إذا صار معه في
السفينة فلما لقيا مقاتلا بآمل قطع إليه مقاتل بنفسه، فكف عنه يزيد
قَالَ: فأقبل الحارث يريد مرو- وكان مقامه بأرض الشرك اثنى عشرة سنة-
وقدم معه القاسم الشيباني ومضرس بْن عمران قاضيه وعبد الله بْن سنان
فقدم سمرقند وعليها منصور بْن عمر فلم يتلقه، وقال: ألحسن بلائه! وكتب
إلى نصر يستأذنه في الحارث أن يثب به، فأيهما قتل صاحبه فإلى الجنة أو
إلى النار وكتب إليه: لئن قدم الحارث على الأمير وقد ضر ببني أمية في
سلطانهم، وهو والغ في دم بعد دم، قد طوى كشحا عن الدنيا بعد أن كان في
سلطانهم أقراهم لضيف، وأشدهم بأسا، وأنفذهم غارة في الترك، ليفرقن عليك
بني تميم وكان سردرخداه محبوسا عند منصور بْن عمر، لأنه قتل بياسان،
فاستعدى ابنه جنده منصورا، فحبسه، فكلم الحارث منصورا فيه، فخلى سبيله،
فلزم الحارث ووفى له
. كتاب ابراهيم الامام الى شيعه بنى العباس
وفي هذه السنة- فيما زعم بعضهم- وجه إبراهيم بْن محمد الإمام أبا هاشم
بكير بْن ماهان إلى خراسان، وبعث معه بالسيرة والوصية فقدم مرو،
(7/294)
وجمع النقباء ومن بها من الدعاة، فنعى لهم
الإمام محمد بْن علي، ودعاهم إلى إبراهيم، ودفع إليهم كتاب إبراهيم،
فقبلوه ودفعوا إليه ما اجتمع عندهم من نفقات الشيعة، فقدم بها بكير على
إبراهيم بْن محمد
. ذكر بيعه ابراهيم بن الوليد بالعهد
وفي هذه السنة أخذ يزيد بْن الوليد لأخيه إبراهيم بْن الوليد على الناس
البيعة، وجعله ولي عهده، ولعبد العزيز بْن الحجاج بن عبد الملك بعد
ابراهيم ابن الوليد، وكان السبب في ذلك- فيما حدثني احمد بن زهير، عن
على ابن محمد- أن يزيد بْن الوليد مرض في ذي الحجة سنة ست وعشرين
ومائة، فقيل له: بايع لأخيك إبراهيم ولعبد العزيز بْن الحجاج من بعده
قَالَ: فلم تزل القدرية يحثونه على البيعة، ويقولون له: إنه لا يحل لك
أن تهمل أمر الأمة فبايع لأخيك، حتى بايع لإبراهيم ولعبد العزيز بْن
الحجاج من بعده.
وفي هذه السنة عزل يزيد بْن الوليد يوسف بْن محمد بْن يوسف عن المدينة،
وولاها عبد العزيز بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ
قَالَ محمد بْن عمر: يقال إن يزيد بْن الوليد لم يوله، ولكنه افتعل
كتابا بولايته المدينة، فعزله يزيد عنها، وولاها عبد العزيز بْن عمر،
فقدمها لليلتين بقيتا من ذي القعده
. ذكر خلاف مروان بن محمد على يزيد
وفي هذه السنة أظهر مروان بْن محمد الخلاف على يزيد بْن الوليد، وانصرف
من أرمينية إلى الجزيرة، مظهرا أنه طالب بدم الوليد بْن يزيد فلما صار
بحران بايع يزيد.
ذكر الخبر عما كان منه في ذلك وعن السبب الذي حمله على الخلاف ثم
البيعة:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوهاب
بْن إبراهيم بْن خالد ابن يزيد بْن هريم، قَالَ: حدثنا أبو هاشم مخلد
بْن محمد بْن صالح مولى عثمان بْن عفان- وسألته عما شهد مما حدثنا به
فقال: لم أزل في عسكر مروان بْن محمد- قَالَ: كان عبد الملك بْن مروان
بْن محمد بْن مروان حين
(7/295)
انصرف عن غزاته الصائفة مع الغمر بْن يزيد
بحران، فأتاه قتل الوليد وهو بها، على الجزيرة عبدة بْن رباح الغساني
عاملا للوليد عليها، فشخص منها- حيث بلغه قتل الوليد- إلى الشام، ووثب
عبد الملك بْن مروان بْن محمد على حران ومدائن الجزيرة فضبطها، وولاها
سليمان بْن عبد الله بْن علاثة، وكتب إلى أبيه بأرمينية يعلمه بذلك،
ويشير عليه بتعجيل السير والقدوم فتهيأ مروان للمسير، وأظهر أنه يطلب
بدم الوليد، وكره أن يدع الثغر معطلا حتى يحكم أمره، فوجه إلى أهل
الباب إسحاق بْن مسلم العقيلي- وهو رأس قيس- وثابت بْن نعيم الجذامي من
أهل فلسطين- وهو رأس اليمن- وكان سبب صحبة ثابت إياه ان مروان كان خلصه
من حبس هشام بالرصافة وكان مروان يقدم على هشام المرة في السنتين،
فيرفع إليه أمر الثغر وحاله ومصلحة من به من جنوده، وما ينبغي أن يعمل
به في عدوه وكان سبب حبس هشام ثابتا ما قد ذكرنا قبل من أمره مع حنظلة
بْن صفوان وإفساده عليه الجند الذين كان هشام وجههم معه لحرب البربر
وأهل إفريقية، إذ قتلوا عامل هشام عليهم، كلثوم بْن عياض القسرى، فشكا
ذلك من أمره حنظلة إلى هشام في كتاب كتبه اليه، فامر هشام حنظله
بتوجيهه إليه في الحديد، فوجهه حنظلة إليه، فحبسه هشام، فلم يزل في
حبسه حتى قدم مروان بْن محمد على هشام في بعض وفاداته- وقد ذكرنا بعض
أمر كلثوم ابن عياض وأمر إفريقية معه في موضعه فيما مضى من كتابنا هذا-
فلما قدم مروان على هشام أتاه رءوس أهل اليمانية، ممن كان مع هشام،
فطلبوا إليه فيه، وكان ممن كلمه فيه كعب بْن حامد العبسي صاحب شرط هشام
وعبد الرحمن بْن الضخم وسليمان بْن حبيب قاضيه، فاستوهبه مروان منه
فوهبه له، فشخص إلى أرمينية، فولاه وحباه، فلما وجه مروان ثابتا مع
إسحاق إلى أهل الباب، كتب إليهم معهما كتابا يعلمهم فيه حال ثغرهم وما
لهم من الأجر في لزوم أمرهم ومراكزهم، وما في ثبوتهم فيه من دفع مكروه
العدو عن ذراري المسلمين.
قَالَ: وحمل إليهم معهما أعطياتهم، وولى عليهم رجلا من أهل
(7/296)
فلسطين يقال له حميد بْن عبد الله اللخمي-
وكان رضيا فيهم وكان وليهم قبل ذلك- فحمدوا ولايته فقاما فيهم بأمره،
وأبلغاهم رسالته، وقرأ عليهم كتابه، فأجابوا إلى الثبوت في ثغرهم ولزوم
مراكزهم ثم بلغه أن ثابتا قد كان يدس إلى قوادهم بالانصراف من ثغرهم
واللحاق بأجنادهم، فلما انصرفا إليه تهيأ للمسير وعرض جنده، ودس ثابت
بْن نعيم إلى من معه من أهل الشام بالانخزال عن مروان والانضام إليه
ليسير بهم إلى أجنادهم، ويتولى أمرهم، فانخزلوا عن عسكرهم مع من فر
ليلا وعسكروا على حدة.
وبلغ مروان أمرهم فبات ليلته ومن معه في السلاح يتحارسون حتى أصبح، ثم
خرج إليهم بمن معه ومن مع ثابت يضعفون على من مع مروان، فصافوهم
ليقاتلوهم، فأمر مروان منادين فنادوا بين الصفين من الميمنة والميسرة
والقلب، فنادوهم: يا أهل الشام، ما دعاكم إلى الانعزال! وما الذي نقمتم
علي فيه من سيري! ألم ألكم بما تحبون، وأحسن السيرة فيكم والولاية
عليكم! ما الذي دعاكم إلى سفك دمائكم! فأجابوه بأنا كنا نطيعك بطاعة
خليفتنا وقد قتل خليفتنا وبايع أهل الشام يزيد بْن الوليد، فرضينا
بولاية ثابت، ورأسناه ليسير بنا على ألويتنا حتى نرد إلى أجنادنا فأمر
مناديه فنادى: أن قد كذبتم، وليس تريدون الذي قلتم، وإنما أردتم أن
تركبوا رءوسكم، فتغصبوا من مررتم به من أهل الذمة أموالهم وأطعمتهم
وأعلافهم، وما بيني وبينكم إلا السيف حتى تنقادوا إلي، فأسير بكم حتى
أوردكم الفرات، ثم أخلي عن كل قائد وجنده، فتلحقون بأجنادكم فلما رأوا
الجد منه انقادوا إليه ومالوا له، وأمكنوه من ثابت بْن نعيم وأولاده،
وهم أربعة رجال: رفاعة، ونعيم، وبكر، وعمران قَالَ: فأمر بهم فأنزلوا
عن خيولهم، وسلبوا سلاحهم، ووضع في أرجلهم السلاسل.
ووكل بهم عدة من حرسه يحتفظون بهم، وشخص بجماعة من الجند من أهل الشام
والجزيرة، وضمهم إلى عسكره، وضبطهم في مسيره، قلم يقدر احد منهم على ان
يفسد ولا يظلم أحدا من أهل القرى، ولا يرزاه شيئا الا يثمن، حتى ورد
حران ثم أمرهم باللحاق بأجنادهم، وحبس ثابتا معه،
(7/297)
ودعا أهل الجزيرة إلى الفرض، ففرض لنيف
وعشرين ألفا من أهل الجلد منهم، وتهيأ للمسير إلى يزيد، وكاتبه يزيد
على أن يبايعه ويوليه ما كان عبد الملك بْن مروان ولى أباه محمد بْن
مروان من الجزيرة وأرمينية والموصل وأذربيجان، فبايع له مروان، ووجه
إليه محمد بْن عبد الله بْن علاثة ونفرا من وجوه الجزيرة.
ذكر خبر وفاه يزيد بن الوليد
وفي هذه السنة مات يزيد بْن الوليد، وكانت وفاته سلخ ذي الحجة من سنة
ست وعشرين ومائة قَالَ أَبُو معشر مَا حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَد بْن
ثَابِت، عمن ذكره، عن إِسْحَاق بْن عِيسَى، عنه: توفي يزيد بْن الوليد
في ذي الحجة بعد الأضحى سنة ست وعشرين ومائة، وكانت خلافته في قول جميع
من ذكرنا ستة أشهر، وقيل كانت خلافته خمسة أشهر وليلتين.
وقال هشام بْن محمد: ولي ستة أشهر وأياما وقال علي بْن محمد:
كانت ولايته خمسة أشهر واثني عشر يوما.
وقال علي بْن محمد: مات يزيد بْن الوليد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ست
وعشرين ومائة، وهو ابن ست وأربعين سنة وكانت ولايته فيما زعم ستة أشهر
وليلتين، وتوفي بدمشق واختلف في مبلغ سنه.
يوم توفي فقال هشام توفي وهو ابن ثلاثين سنة.
وقال بعضهم: توفي وهو ابن سبع وثلاثين سنة وكان يكنى أبا خالد وأمه أم
ولد اسمها شاه آفريد بنت فيروز بْن يزدجرد بْن شهريار ابن كسرى وهو
القائل:
أنا ابن كسرى وأبي مروان ... وقيصر جدي وجد خاقان
وقيل: إنه كان قدريا وكان- فيما حدثني أحمد، عن علي بْن محمد في صفته-
أسمر طويلا، صغير الرأس، بوجهه خال وكان جميلا من رجل، في فمه بعض
السعة، وليس بالمفرط
(7/298)
وقيل له يزيد الناقص لنقصه الناس العشرات التي كان الوليد زادها الناس
في قول الواقدي، وأما علي بْن محمد فإنه قَالَ: سبه مروان بْن محمد،
فقال:
الناقص ابن الوليد، فسماه الناس الناقص وحج بالناس في هذه السنة عبد
العزيز بْن عمر بْن عبد العزيز بْن مروان في قول الواقدي وقال بعضهم:
حج بالناس في هذه السنة عمر بن عبد الله ابن عبد الملك، بعثه يزيد بْن
الوليد، وخرج معه عبد العزيز وهو على المدينة ومكة والطائف.
وكان عامله على العراق في هذه السنة عبد الله بْن عمر بْن عبد العزيز،
وعلى قضاء الكوفة ابن أبي ليلى، وعلى أحداث البصرة المسور بْن عمر بْن
عباد.
وعلى قضائها عامر بْن عبيدة، وعلى خراسان نصر بْن سيار الكناني |