تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
ذكر خبر قتل ابراهيم
بن محمد بن على الامام
وفي هذه السنة قتل إبراهيم بْن محمد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عباس.
ذكر الخبر عن سبب مقتله:
اختلف أهل السير في أمر إبراهيم بْن محمد، فقال بعضهم: لم يقتل ولكنه
مات في سجن مروان بْن محمد بالطاعون
(7/435)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زهير، قَالَ: حدثنا عبد الوهاب بْن إبراهيم
بْن خالد، قَالَ: حدثنا أبو هاشم مخلد بْن محمد بْن صالح، قَالَ: قدم
مروان بْن محمد الرقة حين قدمها متوجها إلى الضحاك بسعيد بْن هشام بْن
عبد الملك وابنيه عثمان ومروان، وهم في وثاقهم معه، فسرح بهم إلى
خليفته بحران، فحبسهم في حبسها، ومعهم إبراهيم بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عباس وعبد الله بْن عمر بْن عبد العزيز والعباس بْن
الوليد وأبو محمد السفياني- وكان يقال له البيطار-، فهلك في سجن حران
منهم في وباء وقع بحران العباس بْن الوليد وإبراهيم بْن محمد وعبد الله
بْن عمر قَالَ: فلما كان قبل هزيمة مروان من الزاب يوم هزمه عبد الله
بْن علي بجمعة، خرج سعيد بْن هشام ومن معه من المحبسين، فقتلوا صاحب
السجن، وخرج فيمن معه، وتخلف أبو محمد السفياني في الحبس، فلم يخرج
فيمن خرج، ومعه غيره لم يستحلوا الخروج من الحبس، فقتل أهل حران ومن
كان فيها من الغوغاء سعيد بْن هشام وشراحيل بْن مسلمة بْن عبد الملك
وعبد الملك بْن بشر التغلبي، وبطريق أرمينية الرابعة- وكان اسمه كوشان-
بالحجارة، ولم يلبث مروان بعد قتلهم إلا نحوا من خمس عشرة ليلة، حتى
قدم حران منهزما من الزاب، فخلى عن أبي محمد ومن كان في حبسه من
المحبسين.
وذكر عمر أن عبد الله بْن كثير العبدي حدثه عن علي بْن موسى، عن أبيه،
قَالَ: هدم مروان على إبراهيم بن محمد بيتا فقتله.
قال عمرو: وحدثنى محمد بْن معروف بْن سويد، قَالَ: حدثني أبي عن
المهلهل بْن صفوان- قَالَ عمر: ثم حدثني المفضل بْن جعفر بْن سليمان
بعده، قَالَ: حدثني المهلهل بْن صفوان- قَالَ: كنت اخدم ابراهيم بن
محمد في الحبس، وكان معه في الحبس عبد الله بْن عمر بْن عبد العزيز
وشراحيل بْن مسلمة بْن عبد الملك فكانوا يتزاورون، وخص الذي بين
إبراهيم وشراحيل فأتاه رسوله يوما بلبن،
(7/436)
فقال: يقول لك أخوك: إني شربت من هذا اللبن
فاستطبته فأحببت أن تشرب منه، فتناوله فشرب فتوصب من ساعته وتكسر جسده،
وكان يوما يأتي فيه شراحيل، فأبطأ عليه، فأرسل اليه: جعلت فداك! قد
أبطأت فما حبسك؟ فأرسل إليه: إني لما شربت اللبن الذي أرسلته إلي
أخلفني، فأتاه شراحيل مذعورا وقال: لا وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ
إِلا هُوَ، مَا شربت اليوم لبنا، ولا أرسلت به إليك، ف إِنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! احتيل لك والله قال: فو الله ما بات الا
ليلته واصبح من غد ميتا، فقَالَ إبراهيم بْن علي بْن سلمة بْن عامر ابن
هرمة بْن هذيل بْن الربيع بْن عامر بْن صبيح بْن عدي بْن قيس- وقيس هو
ابن الحارث بن فهر- يرثيه:
قد كنت أحسبني جلدا فضعضعني ... قبر بحران فيه عصمة الدين
فيه الإمام وخير الناس كلهم ... بين الصفائح والأحجار والطين
فيه الإمام الذي عمت مصيبته ... وعيلت كل ذي مال ومسكين
فلا عفا الله عن مروان مظلمة ... لكن عفا الله عمن قال آمين.
ذكر الخبر عن قتل مروان بن محمد
وفي هذه السنة قتل مروان بْن محمد بن مروان بن الحكم.
ذكر الخبر عن مقتله وقتاله من قاتله من أهل الشام في طريقه وهو هارب من
الطلب:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوهاب
بْن إبراهيم، قَالَ:
حدثني أبو هاشم مخلد بْن محمد، قَالَ: لما انهزم مروان من الزاب كنت في
عسكره قَالَ: كان لمروان في عسكره بالزاب عشرون ومائه الف، كان في
عسكره ستون ألفا، وكان في عسكر ابنه عبد الله مثل ذلك، والزاب بينهم،
فلقيه عبد الله بْن علي فيمن معه وأبي عون وجماعة قواد، منهم حميد بْن
قحطبة، فلما هزموا سار إلى حران وبها أبان بْن يزيد بْن محمد بْن
مروان،
(7/437)
ابن أخيه عامله عليها، فأقام بها نيفا
وعشرين يوما فلما دنا منه عبد الله بْن علي حمل أهله وولده وعياله،
ومضى منهزما، وخلف بمدينه حران ابان ابن يزيد، وتحته ابنة لمروان يقال
لها أم عثمان، وقدم عبد الله بْن علي، فتلقاه أبان مسودا مبايعا له،
فبايعه ودخل في طاعته، فآمنه ومن كان بحران والجزيرة ومضى مروان حتى مر
بقنسرين وعبد الله بن على متبع له ثم مضى من قنسرين إلى حمص، فتلقاه
أهلها بالاسواق وبالسمع والطاعة فأقام بها يومين أو ثلاثة، ثم شخص
منها، فلما رأوا قلة من معه طمعوا فيه، وقالوا: مرعوب منهزم، فاتبعوه
بعد ما رحل عنهم، فلحقوه على أميال، فلما رأى غبرة خيلهم أكمن لهم في
واديين قائدين من مواليه، يقال لأحدهما يزيد والآخر مخلد، فلما دنوا
منه وجازوا الكمينين ومضى الذراري صافهم فيمن معه وناشدهم، فأبوا إلا
مكاثرته وقتاله، فنشب القتال بينهم، وثار الكمينان من خلفهم، فهزمهم
وقتلتهم خيله حتى انتهوا إلى قريب من المدينة.
قَالَ: ومضى مروان حتى مر بدمشق، وعليها الوليد بْن معاوية بْن مروان،
وهو ختن لمروان، متزوج بابنة له يقال لها أم الوليد، فمضى وخلفه بها
حتى قدم عبد الله بْن علي عليه، فحاصره أياما، ثم فتحت المدينة، ودخلها
عنوة معترضا أهلها وقتل الوليد بْن معاوية فيمن قتل، وهدم عبد الله بْن
علي حائط مدينتها ومر مروان بالأردن، فشخص معه ثعلبه ابن سلامة
العاملي، وكان عامله عليها، وتركها ليس عليها وال، حتى قدم عبد الله
بْن علي فولى عليها، ثم قدم فلسطين وعليها من قبله الرماحس بْن عبد
العزيز فشخص به معه، ومضى حتى قدم مصر، ثم خرج منها حتى نزل منزلا منها
يقال له بوصير، فبيته عامر بْن إسماعيل وشعبة ومعهما خيل اهل الموصل
فقتلوه بها، وهرب عبد الله وعبيد الله ابنا مروان ليلة بيت مروان إلى
أرض الحبشة، فلقوا من الحبشة بلاء وقاتلتهم الحبشه، فقتلوا عبيد الله،
وافلت عبد الله في عدة ممن معه، وكان فيهم بكر بْن معاوية الباهلي،
فسلم حتى كان في خلافة المهدي، فأخذه نصر بْن محمد بْن الأشعث عامل
فلسطين، فبعث به إلى المهدى
(7/438)
وأما علي بْن محمد، فإنه ذكر أن بشر بْن
عيسى والنعمان أبا السري ومحرز بن إبراهيم وأبا صالح المروزي وعمار
مولى جبريل أخبروه أن مروان لقي عبد الله بْن علي في عشرين ومائة ألف
وعبد الله في عشرين ألفا.
وقد خولف هؤلاء في عدد من كان مع عبد الله بْن على يومئذ فذكر مسلم بن
المغيره، عن مصعب بْن الربيع الخثعمي وهو أبو موسى ابن مصعب- وكان
كاتبا لمروان- قَالَ: لما انهزم مروان، وظهر عبد الله بْن علي على
الشام، طلبت الأمان فآمنني، فإني يوما جالس عنده، وهو متكئ إذ ذكر
مروان وانهزامه، قَالَ: أشهدت القتال؟ قلت: نعم أصلح الله الأمير!
فقال: حدثني عنه، قَالَ: قلت: لما كان ذلك اليوم قَالَ لي:
احزر القوم، فقلت: إنما أنا صاحب قلم، ولست صاحب حرب، فاخذ يمنه ويسره
ونظر فقال: هم اثنا عشر ألفا، فجلس عبد الله، ثم قال:
ماله قاتله الله! ما أحصى الديوان يومئذ فضلا على اثني عشر ألف رجل!
رجع الحديث إلى حديث علي بْن محمد عن أشياخه: فانهزم مروان حتى أتى
مدينة الموصل، وعليها هشام بْن عمرو التغلبي وبشر بْن خزيمة الأسدي،
وقطعوا الجسر، فناداهم أهل الشام هذا مروان، قالوا: كذبتم، أمير
المؤمنين لا يفر، فسار إلى بلد، فعبر دجلة، فأتى حران ثم أتى دمشق،
وخلف بها الوليد بْن معاوية، وقال: قاتلهم حتى يجتمع أهل الشام ومضى
مروان حتى أتى فلسطين، فنزل نهر أبي فطرس، وقد غلب على فلسطين الحكم
بْن ضبعان الجذامي فأرسل مروان إلى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْن
روح بْن زنباع، فأجازه، وكان بيت المال في يد الحكم وكتب أبو العباس
إلى عبد الله بْن علي يأمره باتباع مروان، فسار عبد الله إلى الموصل،
فتلقاه هشام بْن عمرو التغلبي وبشر بْن خزيمة وقد سودا في أهل الموصل،
ففتحوا له المدينة، ثم سار إلى حران، وولى الموصل محمد بْن صول، فهدم
الدار التي حبس فيها ابراهيم
(7/439)
ابن محمد، ثم سار من حران إلى منبج وقد
سودوا، فنزل منبج وولاها أبا حميد المروروذي، وبعث إليه أهل قنسرين
ببيعتهم إياه بما أتاه به عنهم أبو أمية التغلبي وقدم عليه عبد الصمد
بْن علي، أمده به أبو العباس في أربعة آلاف، فأقام يومين بعد قدوم عبد
الصمد، ثم سار إلى قنسرين، فأتاها وقد سود أهلها، فأقام يومين، ثم سار
حتى نزل حمص، فأقام بها أياما وبايع أهلها، ثم سار إلى بعلبك، فأقام
يومين ثم ارتحل، فنزل بعين الجر، فأقام يومين ثم ارتحل، فنزل مزة قرية
من قرى دمشق فأقام وقدم عليه صالح بْن علي مددا، فنزل مرج عذراء في
ثمانية آلاف، معه بسام بْن إبراهيم وخفاف وشعبة والهيثم بْن بسام ثم
سار عبد الله بن على، فنزل على الباب الشرقي، ونزل صالح بْن علي على
باب الجابية، وأبو عون على باب كيسان، وبسام على باب الصغير، وحميد بْن
قحطبة على باب توما، وعبد الصمد ويحيى بْن صفوان والعباس بْن يزيد على
باب الفراديس- وفي دمشق الوليد بْن معاوية- فحصروا أهل دمشق والبلقاء،
وتعصب الناس بالمدينة، فقتل بعضهم بعضا، وقتلوا الوليد، ففتحوا الأبواب
يوم الأربعاء لعشر مضين من رمضان سنه ثنتين وثلاثين ومائة، فكان أول من
صعد سور المدينة من الباب الشرقى عبد الله الطائي، ومن قبل باب الصغير
بسام بن ابراهيم، فقاتلوا بها ثلاث ساعات، وأقام عبد الله بْن علي
بدمشق خمسة عشر يوما، ثم سار يريد فلسطين، فنزل نهر الكسوة، فوجه منها
يحيى بْن جعفر الهاشمي إلى المدينة، ثم ارتحل إلى الأردن، فأتوه وقد
سودوا، ثم نزل بيسان، ثم سار إلى مرج الروم، ثم أتى نهر أبي فطرس، وقد
هرب مروان، فأقام بفلسطين، وجاءه كتاب أبي العباس، أن وجه صالح بْن علي
في طلب مروان، فسار صالح بْن علي من نهر أبي فطرس في ذي القعدة سنة
اثنتين وثلاثين ومائة، ومعه ابن فتان وعامر بْن إسماعيل وأبو عون، فقدم
صالح ابن علي أبا عون على مقدمته وعامر بْن إسماعيل الحارثي، وسار فنزل
الرملة، ثم سار فنزلوا ساحل البحر، وجمع صالح بْن علي السفن وتجهز يريد
مروان، وهو بالفرماء، فسار على الساحل والسفن حذاءه في البحر، حتى نزل
العريش
(7/440)
وبلغ مروان فأحرق ما كان حوله من علف وطعام
وهرب، ومضى صالح ابن على فنزل الليل، ثم سار حتى نزل الصعيد وبلغه أن
خيلا لمروان بالساحل يحرقون الأعلاف، فوجه إليهم قوادا، فأخذوا رجالا،
فقدموا بهم على صالح وهو بالفسطاط، فعبر مروان النيل، وقطع الجسر، وحرق
ما حوله، ومضى صالح يتبعه، فالتقى هو وخيل لمروان على النيل فاقتتلوا،
فهزمهم صالح، ثم مضى إلى خليج، فصادف عليه خيلا لمروان، فأصاب منهم
طرفا وهزمهم، ثم سار إلى خليج آخر فعبروا، ورأوا رهجا فظنوه مروان،
فبعث طليعة عليها الفضل بْن دينار ومالك ابن قادم، فلم يلقوا أحدا
ينكرونه، فرجعوا إلى صالح فارتحل، فنزل موضعا يقال له ذات الساحل، ونزل
فقدم أبو عون عامر بْن إسماعيل الحارثي، ومعه شعبة بن كثير المازنى،
فلقوا خيلا لمروان وافوهم، فهزموهم وأسروا منهم رجالا، فقتلوا بعضهم،
واستحيوا بعضا، فسألوا عن مروان فأخبروهم بمكانه، على أن يؤمنوهم،
وساروا فوجدوه نازلا في كنيسة في بوصير، ووافوهم في آخر الليل، فهرب
الجند وخرج إليهم مروان في نفر يسير، فأحاطوا به فقتلوه قَالَ علي:
وأخبرني إسماعيل بْن الحسن، عن عامر بْن إسماعيل قَالَ: لقينا مروان
ببوصير ونحن في جماعة يسيرة فشدوا علينا، فانضوينا إلى نخل ولو يعلمون
بقلتنا لأهلكونا، فقلت لمن معي من أصحابي: فإن أصبحنا فرأوا قلتنا
وعددنا لم ينج منا أحد، وذكرت قول بكير بْن ماهان: أنت والله تقتل
مروان، كأني اسمعك، تقول دهيد يا جوانكثان، فكسرت جفن سيفي، وكسر
أصحابي جفون سيوفهم، وقلت: دهيد يا جوانكثان، فكأنها نار صبت عليهم،
فانهزموا وحمل رجل على مروان فضربه بسيفه فقتله وركب عامر بْن إسماعيل
إلى صالح بْن علي، فكتب صالح بْن علي إلى أمير المؤمنين أبي العباس:
إنا اتبعنا عدو الله الجعدي حتى ألجأناه إلى أرض عدو الله شبيهه فرعون،
فقتلته بأرضه.
قَالَ علي: حدثنا أبو طالب الأنصاري، قَالَ: طعن مروان رجل من
(7/441)
أهل البصرة- يقال له المغود، وهو لا يعرفه-
فصرعه، فصاح صائح: صرع أمير المؤمنين، وابتدروه، فسبق إليه رجل من أهل
الكوفة كان يبيع الرمان، فاحتز رأسه، فبعث عامر بْن إسماعيل برأس مروان
إلى أبي عون، فبعث بها أبو عون إلى صالح بْن علي، وبعث صالح برأسه مع
يزيد بْن هانئ- وكان على شرطه- إلى أبي العباس يوم الأحد، لثلاث بقين
من ذي الحجة سنه ثنتين وثلاثين ومائة، ورجع صالح إلى الفسطاط، ثم انصرف
إلى الشام، فدفع الغنائم إلى أبي عون، والسلاح والأموال والرقيق إلى
الفضل بْن دينار، وخلف أبا عون على مصر.
قَالَ علي: وأخبرنا أبو الحسن الخراساني، قَالَ: حدثنا شيخ من بكر ابن
وائل، قال: انى لبديرقنى مع بكير بْن ماهان ونحن نتحدث، إذ مر فتى معه
قربتان، حتى انتهى إلى دجلة، فاستقى ماء، ثم رجع فدعاه بكير، فقال: ما
اسمك يا فتى؟ قَالَ: عامر، قَالَ: ابن من؟ قَالَ:
ابن إسماعيل، من بلحارث، قَالَ: وأنا من بلحارث، قَالَ: فكن من بني
مسلية، قَالَ: فأنا منهم، قَالَ: فأنت والله تقتل مروان، لكأني والله
أسمعك تقول: يا جوانكثان دهيد.
قَالَ علي: حدثنا الكناني، قَالَ: سمعت أشياخنا بالكوفة يقولون:
بنو مسلية قتلة مروان.
وقتل مروان يوم قتل وهو ابن اثنتين وستين سنة في قول بعضهم، وفي قول
آخرين: وهو ابن تسع وستين، وفي قول آخرين: وهو ابن ثمان وخمسين.
وقتل يوم الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة، وكانت ولايته من حين بويع إلى
أن قتل خمس سنين وعشرة أشهر وستة عشر يوما، وكان يكنى أبا عبد الملك
وزعم هشام بْن محمد أن أمه كانت أم ولد كردية.
وقد حدثني أحمد بْن زهير، عن علي بن محمد، عن علي بن مجاهد وأبي سنان
الجهني، قالا: كان يقال: إن أم مروان بْن محمد كانت لإبراهيم بْن
الأشتر، أصابها محمد بْن مروان بْن الحكم يوم قتل ابن الأشتر،
(7/442)
فأخذها من ثقله وهي تتنيق، فولدت مروان على
فراشه، فلما قام أبو العباس دخل عليه عبد الله بْن عياش المنتوف، فقال:
الحمد لله الذي أبدلنا بحمار الجزيرة وابن أمه النخع ابن عم رسول الله
ص وابن عبد المطلب وفي هذه السنة قتل عبد الله بْن علي من قتل بنهر أبي
فطرس من بني أمية، وكانوا اثنين وسبعين رجلا.
وفيها خلع أبو الورد أبا العباس بقنسرين، فبيض وبيضوا معه
. ذكر الخبر عن تبيض أبي الورد وما آل إليه أمره وأمر من بيض معه
وكان سبب ذلك- فيما حدثني أحمد بْن زهير- قَالَ: حدثنى عبد الوهاب ابن
إبراهيم، قَالَ: حدثني أبو هاشم مخلد بْن محمد بْن صالح، قَالَ: كان
أبو الورد- واسمه مجزأة بْن الكوثر بْن زفر بْن الحارث الكلابي، من
أصحاب مروان وقواده وفرسانه- فلما هزم مروان، وأبو الورد بقنسرين،
قدمها عبد الله بْن علي فبايعه ودخل فيما دخل فيه جنده من الطاعة وكان
ولد مسلمة بْن عبد الملك مجاورين له ببالس والناعورة، فقدم بالس قائد
من قواد عبد الله بْن علي من الأزار مردين في مائة وخمسين فارسا، فبعث
بولد مسلمة بْن عبد الملك ونسائهم، فشكا بعضهم ذلك إلى ابى الورد، فخرج
من مزرعه يقال لها زراعة بني زفر- ويقال لها خساف- في عدة من أهل بيته،
حتى هجم على ذلك القائد وهو نازل في حصن مسلمة، فقاتله حتى قتله ومن
معه، وأظهر التبييض والخلع لعبد الله بْن علي، ودعا أهل قنسرين إلى
ذلك، فبيضوا بأجمعهم، وأبو العباس يومئذ بالحيرة وعبد الله بْن علي
يومئذ مشتغل بحرب حبيب بْن مرة المري، فقاتله بأرض البلقاء والبثنية
وحوران وكان قد لقيه عبد الله بْن علي في جموعه فقاتلهم وكان بينه
وبينهم وقعات، وكان من قواد مروان وفرسانه وكان سبب تبييضه الخوف على
نفسه وعلى قومه، فبايعته قيس وغيرهم ممن يليهم من أهل تلك الكور،
البثنية وحوران
(7/443)
فلما بلغ عبد الله بْن علي تبييضهم، دعا
حبيب بْن مرة إلى الصلح فصالحه وآمنه ومن معه، وخرج متوجها نحو قنسرين
للقاء أبي الورد، فمر بدمشق، فخلف فيها أبا غانم عبد الحميد بْن ربعي
الطائي في أربعة آلاف رجل من جنده، وكان بدمشق يومئذ امرأة عبد الله
بْن علي أم البنين بنت محمد بْن عبد المطلب النوفلية أخت عمرو بْن
محمد، وأمهات أولاد لعبد الله وثقل له.
فلما قدم حمص في وجهه ذلك انتقض عليه بعده أهل دمشق فبيضوا، ونهضوا مع
عثمان بْن عبد الأعلى بن سرادقه الأزدي قَالَ: فلقوا أبا غانم ومن معه،
فهزموه وقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة، وانتهبوا ما كان عبد الله بْن
علي خلف من ثقله ومتاعه، ولم يعرضوا لأهله، وبيض أهل دمشق واستجمعوا
على الخلاف، ومضى عبد الله بْن علي- وقد كان تجمع مع أبي الورد جماعة
أهل قنسرين، وكاتبوا من يليهم من أهل حمص وتدمر، وقدمهم ألوف، عليهم
أبو محمد بْن عبد الله بْن يَزِيدَ بْن مُعَاوِيَة بْن أَبِي
سُفْيَانَ، فرأسوا عليهم أبا محمد، ودعوا إليه وقالوا: هو السفياني
الذى كان يذكر وهم في نحو من أربعين ألفا فلما دنا منهم عبد الله بْن
علي وأبو محمد معسكر في جماعته بمرج يقال له مرج الأخرم- وأبو الورد
المتولي لأمر العسكر والمدبر له وصاحب القتال والوقائع- وجه عبد الله
أخاه عبد الصمد بْن علي في عشرة آلاف من فرسان من معه، فناهضهم أبو
الورد، ولقيهم فيما بين العسكرين، واشتجر القتل فيما بين الفريقين وثبت
القوم، وانكشف عبد الصمد ومن معه، وقتل منهم يومئذ ألوف، وأقبل عبد
الله حيث أتاه عبد الصمد ومعه حميد بْن قحطبة وجماعة من معه من القواد،
فالتقوا ثانية بمرج الأخرم، فاقتتلوا قتالا شديدا، وانكشف جماعة ممن
كان مع عبد الله، ثم ثابوا، وثبت لهم عبد الله وحميد بْن قحطبة
فهزموهم، وثبت أبو الورد في نحو من خمسمائة من أهل بيته وقومه، فقتلوا
جميعا، وهرب أبو محمد ومن معه من الكلبية حتى لحقوا بتدمر، وآمن عبد
الله أهل قنسرين، وسودوا وبايعوه، ودخلوا في طاعته، ثم انصرف راجعا إلى
أهل دمشق، لما كان من تبييضهم عليه، وهزيمتهم أبا غانم.
فلما دنا من دمشق هرب الناس وتفرقوا، ولم يكن بينهم وقعة، وآمن عبد
الله أهلها، وبايعوه ولم يأخذهم بما كان منهم
(7/444)
قَالَ: ولم يزل أبو محمد متغيبا هاربا،
ولحق بأرض الحجاز وبلغ زياد بْن عبيد الله الحارثي عامل أبي جعفر مكانه
الذي تغيب فيه، فوجه إليه خيلا، فقاتلوه حتى قتل، وأخذ ابنين له
أسيرين، فبعث زياد برأس أبي محمد وابنيه إلى أبي جعفر أمير المؤمنين،
فأمر بتخلية سبيلهما وآمنهما وأما علي بْن محمد فإنه ذكر أن النعمان
أبا السري حدثه وجبلة بْن فروخ وسليمان بْن داود وأبو صالح المروزي
قالوا: خلع أبو الورد بقنسرين، فكتب أبو العباس إلى عبد الله بْن علي
وهو بفطرس أن يقاتل أبا الورد، ثم وجه عبد الصمد إلى قنسرين في سبعة
آلاف، وعلى حرسه مخارق بْن غفار، وعلى شرطه كلثوم بْن شبيب، ثم وجه
بعده ذؤيب بْن الأشعث في خمسة آلاف، ثم جعل يوجه الجنود، فلقي عبد
الصمد أبا الورد في جمع كثير، فانهزم الناس عن عبد الصمد حتى أتوا حمص،
فبعث عبد الله بْن علي العباس بْن يزيد بْن زياد ومروان الجرجاني وأبا
المتوكل الجرجاني، كل رجل في أصحابه إلى حمص، وأقبل عبد الله بْن علي
بنفسه، فنزل على أربعة أميال من حمص- وعبد الصمد بْن علي بحمص- وكتب
عبد الله الى حميد ابن قحطبة، فقدم عليه من الأردن، وبايع أهل قنسرين
لأبي محمد السفياني زياد بْن عبد الله بْن يزيد بْن معاوية وأبو الورد
بْن، وبايعه الناس، وأقام أربعين يوما، وأتاهم عبد الله بْن علي ومعه
عبد الصمد وحميد بْن قحطبة، فالتقوا فاقتتلوا أشد القتال بينهم،
واضطرهم أبو محمد إلى شعب ضيق، فجعل الناس يتفرقون، فقال حميد بْن
قحطبة لعبد الله بن على: علام نقيم؟ هم يزيدون وأصحابنا ينقصون!
ناجزهم، فاقتتلوا يوم الثلاثاء في آخر يوم من ذي الحجة سنة ثلاث
وثلاثين ومائة، وعلى ميمنة أبي محمد أبو الورد وعلى ميسرته الأصبغ بن
ذؤاله، فجرح أبو الورد، فحمل إلى أهله فمات.
ولجأ قوم من أصحاب أبي الورد إلى أجمة فأحرقوها عليهم، وقد كان أهل حمص
نقضوا، وأرادوا إيثار أبي محمد، فلما بلغهم هزيمته أقاموا.
(7/445)
ذكر خبر خلع حبيب بن
مره المري
وفي هذه السنة خلع حبيب بْن مرة المري وبيض هو ومن معه من أهل الشام.
ذكر الخبر عن ذلك:
ذكر علي عن شيوخه، قَالَ: بيض حبيب بْن مرة المري وأهل البثنية وحوران،
وعبد الله بْن علي في عسكر أبي الورد الذي قتل فيه.
وقد حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الوهاب بْن إبراهيم، قَالَ: حدثنا أبو هاشم مخلد بْن محمد، قَالَ: كان
تبييض حبيب بْن مرة وقتاله عبد الله بْن علي قبل تبييض أبي الورد،
وإنما بيض أبو الورد وعبد الله مشتغل بحرب حبيب بْن مرة المري بأرض
البلقاء أو البثنية وحوران، وكان قد لقيه عبد الله بْن علي في جموعه
فقاتله، وكان بينه وبينه وقعات، وكان من قواد مروان وفرسانه، وكان سبب
تبييضه الخوف على نفسه وقومه، فبايعه قيس وغيرهم ممن يليهم من أهل تلك
الكور، البثنية وحوران، فلما بلغ عبد الله ابن علي تبييض أهل قنسرين،
دعا حبيب بْن مرة إلى الصلح فصالحه، وآمنه ومن معه، وخرج متوجها إلى
قنسرين للقاء أبي الورد
. ذكر خبر تبييض اهل الجزيرة وخلعهم أبا
العباس
وفي هذه السنة بيض أيضا أهل الجزيرة وخلعوا أبا العباس.
ذكر الخبر عن أمرهم وما آل إليه حالهم فيه:
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الوهاب
بْن إبراهيم، قَالَ:
حدثنا أبو هاشم مخلد بْن محمد، قَالَ: كان أهل الجزيرة بيضوا ونقضوا،
حيث بلغهم خروج أبي الورد وانتقاض أهل قنسرين، وساروا إلى حران، وبحران
يومئذ موسى بْن كعب في ثلاثة آلاف من الجند، فتشبث بمدينتها، وساروا
إليه مبيضين من كل وجه، وحاصروه ومن معه، وأمرهم مشتت، ليس عليهم رأس
يجمعهم
(7/446)
وقدم على تفيئة ذلك إسحاق بْن مسلم من
أرمينية- وكان شخص عنها حين بلغه هزيمة مروان- فرأسه أهل الجزيرة عليهم
وحاصر موسى بْن كعب نحوا من شهرين، ووجه أبو العباس أبا جعفر فيمن كان
معه من الجنود التي كانت بواسط محاصرة ابن هبيرة، فمضى حتى مر بقرقيسيا
وأهلها مبيضون، وقد غلقوا أبوابها دونه ثم قدم مدينة الرقة وهم على
ذلك، وبها بكار بْن مسلم، فمضى نحو حران، ورحل إسحاق بْن مسلم إلى
الرهاء- وذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وخرج موسى بْن كعب فيمن معه
من مدينة حران، فلقوا أبا جعفر وقدم بكار على أخيه إسحاق بْن مسلم،
فوجهه الى جماعه ربيعه بدارا وماردين- ورئيس ربيعة يومئذ رجل من
الحرورية يقال له بريكة- فصمد إليه أبو جعفر، فلقيهم فقاتلوه بها قتالا
شديدا، وقتل بريكة في المعركة، وانصرف بكار إلى أخيه إسحاق بالرهاء
فخلفه إسحاق بها، ومضى في عظم العسكر إلى سميساط، فخندق على عسكره.
وأقبل أبو جعفر في جموعه حتى قابله بكار بالرهاء، وكانت بينهما وقعات
وكتب أبو العباس إلى عبد الله بْن علي في المسير بجنوده إلى إسحاق
بسميساط، فأقبل من الشام حتى نزل بإزاء إسحاق بسميساط، وهم في ستين
ألفا أهل الجزيرة جميعها، وبينهما الفرات، وأقبل أبو جعفر من الرهاء
فكاتبهم إسحاق وطلب إليهم الأمان، فأجابوا إلى ذلك وكتبوا إلى أبي
العباس، فأمرهم أن يؤمنوه ومن معه، ففعلوا وكتبوا بينهم كتابا، ووثقوا
له فيه، فخرج إسحاق إلى أبي جعفر، وتم الصلح بينهما، وكان عنده من آثر
اصحابه.
فاستقام أهل الجزيرة وأهل الشام، وولى أبو العباس أبا جعفر الجزيرة
وأرمينية وأذربيجان، فلم يزل على ذلك حتى استخلف.
وقد ذكر أن إسحاق بْن مسلم العقيلي هذا أقام بسميساط سبعة أشهر، وأبو
جعفر محاصره، وكان يقول: في عنقي بيعة، فأنا لا أدعها حتى أعلم أن
صاحبها قد مات أو قتل فأرسل إليه أبو جعفر: أن مروان قد قتل، فقال: حتى
أتيقن، ثم طلب الصلح، وقال: قد علمت أن مروان قد قتل، فآمنه أبو جعفر
وصار معه، وكان عظيم المنزلة عنده
(7/447)
وقد قيل: إن عبد الله بْن علي هو الذى آمنه
. ذكر خبر شخوص ابى جعفر الى خراسان
وفي هذه السنة شخص أبو جعفر إلى أبي مسلم بخراسان لاستطلاع رأيه في قتل
أبي سلمة حفص بْن سليمان.
ذكر الخبر عن سبب مسير أبي جعفر في ذلك، وما كان من أمره وأمر أبي مسلم
في ذلك:
قد مضى ذكري قبل أمر أبي سلمة، وما كان من فعله في أمر أبي العباس ومن
كان معه من بنى هاشم عند قدومهم الكوفه، الذى صار به عندهم متهما، فذكر
علي بن محمد ان جبله بن فروخ قال: قال يزيد بْن أسيد:
قَالَ أبو جعفر: لما ظهر أبو العباس أمير المؤمنين سمرنا ذات ليلة،
فذكرنا ما صنع أبو سلمة، فقال رجل منا: ما يدريكم، لعل ما صنع أبو سلمة
كان عن رأي أبي مسلم! فلم ينطق منا أحد، فقال: أمير المؤمنين أبو
العباس:
لئن كان هذا عن رأي أبي مسلم إنا لبعرض بلاء، إلا أن يدفعه الله عنا.
وتفرقنا فأرسل إلي أبو العباس، فقال: ما ترى؟ فقلت: الرأي رأيك، فقال:
ليس منا أحد أخص بأبي مسلم منك، فاخرج إليه حتى تعلم ما رأيه، فليس
يخفى عليك، فلو قد لقيته، فإن كان عن رأيه أخذنا لأنفسنا، وإن لم يكن
عن رأيه طابت أنفسنا.
فخرجت على وجل، فلما انتهيت إلى الري، إذا صاحب الري قد أتاه كتاب أبي
مسلم: إنه بلغني أن عبد الله بْن محمد توجه إليك، فإذا قدم فأشخصه ساعة
قدومه عليك فلما قدمت أتاني عامل الري فأخبرني بكتاب أبي مسلم، وأمرني
بالرحيل، فازددت وجلا، وخرجت من الري وأنا حذر خائف فسرت، فلما كنت
بنيسابور إذا عاملها قد أتاني بكتاب أبي مسلم: إذا قدم عليك عبد الله
بن محمد فاشخصه ولا تدعه يقيم، فإن أرضك أرض
(7/448)
خوارج ولا آمن عليه فطابت نفسي وقلت: أراه
يعنى بأمري فسرت، فلما كنت من مرو على فرسخين، تلقاني أبو مسلم في
الناس، فلما دنا مني أقبل يمشي إلي، حتى قبل يدي، فقلت: اركب، فركب
فدخل مرو، فنزلت دارا فمكثت ثلاثة أيام، لا يسألني عن شيء، ثم قَالَ لي
في اليوم الرابع:
ما أقدمك؟ فأخبرته، فقال: فعلها أبو سلمة! أكفيكموه! فدعا مرار ابن أنس
الضبي، فقال: انطلق إلى الكوفة، فاقتل أبا سلمة حيث لقيته، وانته في
ذلك إلى رأي الإمام فقدم مرار الكوفة، فكان أبو سلمة يسمر عند أبي
العباس، فقعد في طريقه، فلما خرج قتله فقالوا: قتله الخوارج.
قَالَ علي: فحدثني شيخ من بني سليم، عن سالم، قَالَ: صحبت أبا جعفر من
الري إلى خراسان، وكنت حاجبه، فكان أبو مسلم يأتيه فينزل على باب الدار
ويجلس في الدهليز، ويقول: استأذن لي، فغضب أبو جعفر علي، وقال: ويلك!
إذا رأيته فافتح له الباب، وقل له يدخل على دابته.
ففعلت وقلت لأبي مسلم: إنه قَالَ كذا وكذا، قَالَ: نعم، أعلم، واستأذن
لي عليه.
وقد قيل: إن أبا العباس قد كان تنكر لأبي سلمة قبل ارتحاله من عسكره
بالنخيلة، ثم تحول عنه إلى المدينة الهاشمية، فنزل قصر الإمارة بها،
وهو متنكر له، قد عرف ذلك منه، وكتب إلى أبي مسلم يعلمه رأيه، وما كان
هم به من الغش، وما يتخوف منه، فكتب أبو مسلم إلى أمير المؤمنين:
إن كان اطلع على ذلك منه فليقتله، فقال داود بن علي لأبي العباس: لا
تفعل يا أمير المؤمنين، فيحتج عليك بها أبو مسلم وأهل خراسان الذين
معك، وحاله فيهم حاله، ولكن اكتب إلى أبي مسلم فليبعث إليه من يقتله،
فكتب إلى أبي مسلم بذلك، فبعث بذلك أبو مسلم مرار بْن أنس الضبي، فقدم
على أبي العباس في المدينة الهاشمية، وأعلمه سبب قدومه، فأمر أبو
العباس مناديا فنادى: إن أمير المؤمنين قد رضي عن أبي سلمة ودعاه
وكساه، ثم دخل عليه بعد ذلك ليلة، فلم يزل عنده حتى ذهب عامة الليل، ثم
خرج منصرفا
(7/449)
إلى منزله يمشي وحده، حتى دخل الطاقات،
فعرض له مرار بْن أنس ومن كان معه من أعوانه فقتلوه، وأغلقت أبواب
المدينة، وقالوا: قتل الخوارج أبا سلمة ثم أخرج من الغد، فصلى عليه
يحيى بْن محمد بْن علي، ودفن في المدينة الهاشمية، فقال سليمان بْن
المهاجر البجلي:
إن الوزير وزير آل محمد ... أودى فمن يشناك كان وزيرا
وكان يقال لأبي سلمة: وزير آل محمد، ولأبي مسلم: أمين آل محمد فلما قتل
أبو سلمة وجه أبو العباس أخاه أبا جعفر في ثلاثين رجلا إلى أبي مسلم،
فيهم الحجاج بْن أرطاة وإسحاق بْن الفضل الهاشمي ولما قدم أبو جعفر على
أبي مسلم سايره عبيد الله بْن الحسين الأعرج وسليمان بْن كثير معه،
فقال سليمان بْن كثير للأعرج: يا هذا، إنا كنا نرجو أن يتم أمركم، فإذا
شئتم فادعونا إلى ما تريدون، فظن عبيد الله أنه دسيس من أبي مسلم، فخاف
ذلك وبلغ أبا مسلم مسايرة سليمان بْن كثير إياه، وأتى عبيد الله أبا
مسلم، فذكر له ما قَالَ سليمان، وظن أنه إن لم يفعل ذلك اغتاله فقتله،
فبعث أبو مسلم إلى سليمان بْن كثير، فقال له: أتحفظ قول الإمام لي: من
اتهمته فاقتله؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فإني قد اتهمتك، فقال:
أنشدك الله! قَالَ: لا تناشدني الله وأنت منطو على غش الإمام، فأمر
بضرب عنقه ولم ير أحدا ممن كان يضرب عنقه أبو مسلم غيره، فانصرف أبو
جعفر من عند أبي مسلم، فقال لأبي العباس: لست خليفة ولا أمرك بشيء إن
تركت أبا مسلم ولم تقتله، قَالَ: وكيف؟ قَالَ: والله ما يصنع إلا ما
أراد، قال ابو العباس: اسكت فاكتمها.
ذكر الخبر عن حرب يزيد بن عمر بن هبيرة
بواسط
وفي هذه السنة وجه أبو العباس أخاه أبا جعفر إلى واسط لحرب يزيد بْن
عمر بْن هبيرة، وقد ذكرنا ما كان من أمر الجيش الذين لقوه من أهل
خراسان مع قحطبة، ثم مع ابنه الحسن بْن قحطبة وانهزامه ولحاقه بمن معه
من جنود الشام بواسط متحصنا بها، فذكر علي بْن محمد عن أبي عبد الله
السلمي
(7/450)
عن عبد الله بْن بدر وزهير بْن هنيد وبشر
بْن عيسى وأبي السري أن ابن هبيرة لما انهزم تفرق الناس عنه، وخلف على
الأثقال قوما، فذهبوا بتلك الأموال فقال له حوثرة: أين تذهب وقد قتل
صاحبهم! امض إلى الكوفة ومعك جند كثير، فقاتلهم حتى تقتل أو تظفر،
قَالَ: بل نأتي واسطا فننظر، قَالَ:
ما تزيد على أن تمكنه من نفسك وتقتل، فقال له يحيى بْن حضين: إنك لا
تأتي مروان بشيء أحب إليه من هذه الجنود، فالزم الفرات حتى تقدم عليه،
وإياك وواسطا، فتصير في حصار، وليس بعد الحصار إلا القتل.
فأبى وكان يخاف مروان لأنه كان يكتب إليه في الأمر فيخالفه، فخافه إن
قدم عليه أن يقتله، فأتى واسطا فدخلها، وتحصن بها.
وسرح أبو سلمة الحسن بْن قحطبة، فخندق الحسن واصحابه، فنزلوا فيما بين
الزاب ودجلة، وضرب الحسن سرادقه حيال باب المضمار، فأول وقعة كانت
بينهم يوم الأربعاء، فقال أهل الشام لابن هبيرة: ائذن لنا في قتالهم،
فأذن لهم، فخرجوا وخرج ابن هبيرة، وعلى ميمنته ابنه داود، ومعه محمد
بْن نباتة في ناس من أهل خراسان، فيهم أبو العود الخراساني، فالتقوا
وعلى ميمنته الحسن خازم بْن خزيمة، وابن هبيرة قبالة باب المضمار، فحمل
خازم على ابن هبيرة، فهزموا أهل الشام حتى ألجئوهم إلى الخنادق، وبادر
الناس باب المدينة حتى غص باب المضمار، ورمى أصحاب العرادات بالعرادات
والحسن واقف وأقبل يسير في الخيل فيما بين النهر والخندق، ورجع أهل
الشام، فكر عليهم الحسن، فحالوا بينه وبين المدينة، فاضطروهم الى دجلة،
فغرق منهم ناس كثير، فتلقوه هم بالسفن، فحملوهم، وألقى ابن نباتة يومئذ
سلاحه واقتحم، فتبعوه بسفينة فركب وتحاجزوا، فمكثوا سبعة أيام، ثم
خرجوا إليهم يوم الثلاثاء فاقتتلوا، فحمل رجل من أهل الشام على أبي حفص
هزار مرد، فضربه وانتمى: أنا الغلام السلمي، وضربه أبو حفص وانتمى: أنا
الغلام العتكي، فصرعه، وانهزم أهل الشام هزيمة قبيحة، فدخلوا المدينة،
فمكثوا ما شاء الله لا يقتتلون إلا رميا من وراء الفصيل
(7/451)
وبلغ ابن هبيرة وهو في الحصار أن أبا أمية
التغلبي قد سود، فأرسل أبا عثمان الى فدخل، منزله على أبي أمية في
قبته، فقال: إن الأمير أرسلني إليك لأفتش قبتك، فإن كان فيها سواد
علقته في عنقك وحبلا، ومضيت بك إليه، وإن لم يكن في بيتك سواد فهذه
خمسون ألفا صلة لك فأبى أن يدعه أن يفتش قبته، فذهب به إلى ابن هبيرة
فحبسه، فتكلم في ذلك معن ابن زائدة وناس من ربيعة، وأخذوا ثلاثة من بني
فزارة، فحبسوهم وشتموا ابن هبيرة، فجاءهم يحيى بْن حضين، فكلمهم
فقالوا: لا نخلي عنهم حتى يخلى عن صاحبنا، فأبى ابن هبيرة، فقال له: ما
تفسد إلا على نفسك وأنت محصور، خل سبيل هذا الرجل، قَالَ: لا ولا
كرامة، فرجع ابن حضين إليهم فأخبرهم، فاعتزل معن وعبد الرحمن بْن بشير
العجلي، فقال ابن حضين لابن هبيرة: هؤلاء فرسانك قد أفسدتهم، وإن
تماديت في ذلك كانوا أشد عليك ممن حصرك، فدعا أبا أمية فكساه، وخلى
سبيله، فاصطلحوا وعادوا إلى ما كانوا عليه.
وقدم أبو نصر مالك بْن الهيثم من ناحية سجستان، فأوفد الحسن بْن قحطبة
وفدا إلى أبي العباس بقدوم أبي نصر عليه، وجعل على الوفد غيلان ابن عبد
الله الخزاعي- وكان غيلان واجدا على الحسن لأنه سرحه الى روح ابن حاتم
مددا له- فلما قدم على أبي العباس قَالَ: أشهد أنك أمير المؤمنين، وأنك
حبل الله المتين، وانك امام المتقين، فقال: حاجتك يا غيلان؟ قَالَ:
أستغفرك، قَالَ: غفر الله لك، فقال داود بْن علي: وفقك الله يا أبا
فضالة، فقال له غيلان: يا أمير المؤمنين، من علينا برجل من اهل بيتك،
قال:
او ليس عليكم رجل من أهل بيتي! الحسن بْن قحطبة، قَالَ: يا أمير
المؤمنين، من علينا برجل من أهل بيتك، فقال أبو العباس مثل قوله الأول،
فقال:
يا أمير المؤمنين، من علينا برجل من أهل بيتك ننظر إلى وجهه، وتقر
أعيننا به، قَالَ: نعم يا غيلان، فبعث أبا جعفر، فجعل غيلان على شرطه
فقدم واسطا، فقال أبو نصر لغيلان: ما أردت لا ما صنعت؟ قَالَ: به بود
(7/452)
فمكث أياما على الشرط، ثم قَالَ لأبي جعفر:
لا أقوى على الشرط، ولكني أدلك على من هو أجلد مني، قَالَ: من هو؟
قَالَ: جهور بْن مرار، قَالَ: لا أقدر على عزلك، لأن أمير المؤمنين
استعملك، قَالَ: اكتب إليه فأعلمه، فكتب إليه، فكتب إليه أبو العباس:
أن اعمل برأي غيلان، فولى شرطه جهورا وقال أبو جعفر للحسن: ابغني رجلا
أجعله على حرسي، قَالَ: من قد رضيته لنفسي، عثمان بْن نهيك، فولي
الحرس.
قَالَ بشر بْن عيسى: ولما قدم أبو جعفر واسطا، تحول له الحسن عن حجرته،
فقاتلهم وقاتلوه، فقاتلهم أبو نصر يوما، فانهزم أهل الشام إلى خنادقهم،
وقد كمن لهم معن وابو يحيى الجذامى، فلما جاوزهم أهل خراسان، خرجوا
عليهم، فقاتلوهم حتى أمسوا، وترجل لهم أبو نصر، فاقتتلوا عند الخنادق،
ورفعت لهم النيران وابن هبيرة على برج باب الخلالين، فاقتتلوا ما شاء
الله من الليل وسرح ابن هبيرة إلى معن أن ينصرف، فانصرف ومكثوا أياما.
وخرج أهل الشام أيضا مع محمد بْن نباتة ومعن بْن زائدة وزياد بْن صالح
وفرسان من فرسان أهل الشام، فقاتلهم أهل خراسان، فهزموهم إلى دجلة،
فجعلوا يتساقطون في دجلة، فقال أبو نصر: يا أهل خراسان مردمان خائنه
بيابان هستيد وبرخزيد، فرجعوا وقد صرع ابنه، فحماه روح بْن حاتم، فمر
به أبوه، فقال له بالفارسية: قد قتلوك يا بني، لعن الله الدنيا بعدك!
وحملوا على أهل الشام فهزموهم حتى أدخلوهم مدينة واسط، فقال بعضهم
لبعض: لا والله لا تفلح بعد عيشتنا أبدا، خرجنا عليهم ونحن فرسان أهل
الشام، فهزمونا حتى دخلنا المدينة.
وقتل تلك العشية من أهل خراسان بكار الأنصاري ورجل من أهل خراسان كانا
من فرسان أهل خراسان، وكان أبو نصر في حصار ابن هبيرة يملأ السفن حطبا،
ثم يضرمها بالنار لتحرق ما مرت به، فكان ابن هبيرة يهيئ حراقات كان
فيها كلاليب تجر تلك السفن، فمكثوا بذلك أحد عشر شهرا، فلما طال ذلك
عليهم طلبوا الصلح، ولم يطلبوه حتى جاءهم خبر
(7/453)
قتل مروان، أتاهم به إسماعيل بْن عبد الله
القسري، وقال لهم: علام تقتلون أنفسكم، وقد قتل مروان! وقد قيل: إن أبا
العباس وجه أبا جعفر عند مقدمه من خراسان منصرفا من عند أبي مسلم إلى
ابن هبيرة لحربه، فشخص جعفر حتى قدم على الحسن ابن قحطبة، وهو محاصر
ابن هبيرة بواسط، فتحول له الحسن عن منزله، فنزله أبو جعفر، فلما طال
الحصار على ابن هبيرة وأصحابه تحنى عليه أصحابه، فقالت اليمانية: لا
نعين مروان وآثاره فينا آثاره وقالت النزارية: لا نقاتل حتى تقاتل معنا
اليمانية، وكان إنما يقاتل معه الصعاليك والفتيان، وهم ابن هبيرة أن
يدعو إلى محمد بْن عبد الله بْن حسن بْن حسن، فكتب إليه فأبطأ جوابه،
وكاتب أبو العباس اليمانية من أصحاب ابن هبيرة، وأطمعهم فخرج إليه زياد
بْن صالح وزياد بن عبيد الله الحارثيان، ووعد ابن هبيرة أن يصلحا له
ناحية أبي العباس فلم يفعلا، وجرت السفراء بين أبي جعفر وبين ابن هبيرة
حتى جعل له أمانا، وكتب به كتابا، مكث يشاور فيه العلماء أربعين يوما
حتى رضيه ابن هبيرة، ثم أنفذه إلى أبي جعفر، فأنفذه أبو جعفر إلى أبي
العباس، فأمره بإمضائه، وكان رأي أبي جعفر الوفاء له بما أعطاه، وكان
أبو العباس لا يقطع أمرا دون ابى مسلم، وكان أبو الجهم عينا لأبي مسلم
على أبي العباس، فكتب إليه بأخباره كلها، فكتب أبو مسلم إلى أبي
العباس:
إن الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسد، لا والله لا يصلح طريق فيه
ابن هبيرة.
ولما تم الكتاب خرج ابن هبيرة إلى أبي جعفر في الف وثلاثمائة من
البخارية، فأراد أن يدخل الحجرة على دابته، فقام إليه الحاجب سلام بْن
سليم، فقال:
مرحبا بك أبا خالد! انزل راشدا، وقد أطاف بالحجرة نحو من عشرة آلاف من
أهل خراسان، فنزل، ودعا له بوسادة ليجلس عليها، ثم دعا بالقواد فدخلوا،
ثم قَالَ سلام: ادخل أبا خالد، فقال له: أنا ومن معي؟ فقال: إنما
استأذنت لك وحدك، فقام فدخل، ووضعت له وسادة، فجلس عليها، فحادثه ساعة،
ثم قام وأتبعه أبو جعفر بصره حتى غاب عنه، ثم مكث يقيم عنه يوما،
ويأتيه يوما
(7/454)
في خمسمائة فارس وثلاثمائة راجل، فقال يزيد
بْن حاتم لأبي جعفر: أيها الأمير، إن ابن هبيرة ليأتي فيتضعضع له
العسكر، وما نقص من سلطانه شيء، فإذا كان يسير في هذه الفرسان
والرجالة، فما يقول عبد الجبار وجهور! فقال أبو جعفر لسلام: قل لابن
هبيرة يدع الجماعة ويأتينا في حاشيته نحوا من ثلاثين، فقال له سلام
ذلك، فتغير وجهه، وجاء في حاشيته نحوا من ثلاثين، فقال له سلام: كأنك
تأتي مباهيا! فقال: إن أمرتم أن نمشي إليكم مشينا، فقال:
ما أردنا بك استخفافا، ولا امر الأمير بما امر به إلا نظرا لك، فكان
بعد ذلك يأتي في ثلاثة.
وذكر أبو زيد أن محمد بْن كثير حدثه، قَالَ: كلم ابن هبيرة يوما أبا
جعفر، فقال: يا هناه- او يايها المرء- ثم رجع، فقال: أيها الأمير، إن
عهدي بكلام الناس بمثل ما خاطبتك به حديث، فسبقني لساني إلى ما لم أرده
وألح أبو العباس على أبي جعفر يأمره بقتله وهو يراجعه، حتى كتب إليه:
والله لتقتلنه أو لأرسلن إليه من يخرجه من حجرتك، ثم يتولى قتله فأزمع
على قتله، فبعث خازم بْن خزيمة والهيثم بْن شعبة بْن ظهير، وأمرهما
بختم بيوت الأموال ثم بعث إلى وجوه من معه من القيسية والمضرية، فاقبل
محمد ابن نباتة وحوثرة بْن سهيل وطارق بْن قدامة وزياد بْن سويد وأبو
بكر بْن كعب العقيلي وأبان وبشر ابنا عبد الملك بْن بشر، في اثنين
وعشرين رجلا من قيس وجعفر بْن حنظلة وهزان بْن سعد.
قَالَ: فخرج سلام بْن سليم، فقال: أين حوثرة ومحمد بْن نباتة؟ فقاما،
فدخلا، وقد أجلس عثمان بْن نهيك والفضل بْن سليمان وموسى بْن عقيل في
مائة في حجرة دون حجرته، فنزعت سيوفهما وكتفا، ثم دخل بشر وأبان ابنا
عبد الملك بْن بشر، ففعل بهما ذلك، ثم دخل أبو بكر بْن كعب وطارق ابن
قدامة، فقام جعفر بْن حنظلة، فقال: نحن رؤساء الأجناد، ولم يكون هؤلاء
يقدمون علينا؟ فقال: ممن أنت؟ قَالَ: من بهراء، فقال: وراءك
(7/455)
أوسع لك، ثم قام هزان، فتكلم فأخر، فقال
روح بْن حاتم:
يا أبا يعقوب، نزعت سيوف القوم، فخرج عليهم موسى بْن عقيل، فقالوا له:
أعطيتمونا عهد الله ثم خستم به! إنا لنرجو أن يدرككم الله، وجعل ابن
نباتة يضرط في لحية نفسه، فقال له حوثرة: إن هذا لا يغني عنك شيئا،
فقال: كأني كنت أنظر إلى هذا، فقتلوا وأخذت خواتيمهم.
وانطلق خازم والهيثم بْن شعبة والأغلب بْن سالم في نحو من مائة،
فأرسلوا إلى ابن هبيرة: إنا نريد حمل المال، فقال ابن هبيرة لحاجبه: يا
أبا عثمان، انطلق فدلهم عليه، فأقاموا عند كل بيت نفرا، ثم جعلوا
ينظرون في نواحي الدار، ومع ابن هبيرة ابنه داود وكاتبه عمرو بْن أيوب
وحاجبه وعدة من مواليه، وبني له صغير في حجره، فجعل ينكر نظرهم فقال:
أقسم بالله إن في وجوه القوم لشرا، فأقبلوا نحوه، فقام حاجبه في
وجوههم، فقال:
ما وراءكم؟ فضربه الهيثم بْن شعبة على حبل عاتقه فصرعه، وقاتل ابنه
داود فقتل وقتل مواليه، ونحى الصبي من حجره، وقال: دونكم هذا الصبي،
وخر ساجدا فقتل وهو ساجد، ومضوا برءوسهم إلى أبي جعفر، فنادى بالأمان
للناس إلا للحكم بْن عبد الملك بْن بشر وخالد بْن سلمة المخزومي وعمر
بْن ذر، فاستأمن زياد بن عبيد الله لابن ذر فآمنه أبو العباس، وهرب
الحكم، وآمن أبو جعفر خالدا، فقتله أبو العباس، ولم يجز أمان أبي جعفر،
وهرب ابو علاقة وهشام ابن هشيم بن صفوا بْن مزيد الفزاريان، فلحقهما
حجر بْن سعيد الطائي فقتلهما على الزاب، فقال أبو عطاء السندي يرثيه:
ألا إن عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود
عشية قام النائحات وشققت ... جيوب بأيدي مأتم وخدود
فإن تمس مهجور الفناء فربما ... أقام به بعد الوفود وفود
فإنك لم تبعد على متعهد ... بلى كل من تحت التراب بعيد
(7/456)
وقال منقذ بْن عبد الرحمن الهلالي يرثيه:
منع العزاء حرارة الصدر ... والحزن عقد عزيمة الصبر
لما سمعت بوقعة شملت ... بالشيب لون مفارق الشعر
أفنى الحماة الغر أن عرضت ... دون الوفاء حبائل الغدر
مالت حبائل أمرهم بفتى ... مثل النجوم حففن بالبدر
عالى نعيهم فقلت له ... هلا أتيت بصيحة الحشر!
لله درك من زعمت لنا ... أن قد حوته حوادث الدهر
من للمنابر بعد مهلكهم ... أو من يسد مكارم الفخر!
فإذا ذكرتهم شكا ألما ... قلبي لفقد فوارس زهر
قتلى بدجلة ما يغمهم ... إلا عباب زواخر البحر
فلتبك نسوتنا فوارسها ... خير الحماة ليالي الذعر
وذكر أبو زيد أن أبا بكر الباهلي حدثه، قال: حدثني شيخ من أهل خراسان،
قال: كان هشام بْن عبد الملك خطب إلى يزيد بْن عمر بْن هبيرة ابنته على
ابنه معاوية، فأبى أن يزوجه، فجرى بعد ذلك بين يزيد بْن عمر وبين
الوليد بْن القعقاع كلام، فبعث به هشام إلى الوليد بْن القعقاع، فضربه
وحبسه، فقال ابن طيسلة:
يا قل خير رجال لا عقول لهم ... من يعدلون إلى المحبوس في حلب
إلى امرئ لم تصبه الدهر معضلة ... إلا استقل بها مسترخي اللبب
وقيل: إن أبا العباس لما وجه أبا جعفر إلى واسط لقتال ابن هبيرة، كتب
إلى الحسن بْن قحطبة: أن العسكر عسكرك، والقواد قوادك، ولكن أحببت أن
يكون أخي حاضرا، فاسمع له واطمع، واحسن مؤازرته وكتب إلى أبي نصر مالك
بْن الهيثم بمثل ذلك، فكان الحسن المدبر لذلك العسكر بأمر المنصور
(7/457)
وفي هذه السنة وجه أبو مسلم محمد بْن
الأشعث على فارس، وأمره أن يأخذ عمال أبي سلمة فيضرب أعناقهم ففعل ذلك.
وفي هذه السنة وجه أبو العباس عمه عيسى بْن علي على فارس، وعليها محمد
بْن الأشعث، فهم به، فقيل له: إن هذا لا يسوغ لك، فقال: بلى، أمرني أبو
مسلم ألا يقدم علي أحد يدعي الولاية من غيره إلا ضربت عنقه.
ثم ارتدع عن ذلك لما تخوف من عاقبته، فاستحلف عيسى بالايمان المحرجه
الا يعلو منبرا، ولا يتقلد سيفا إلا في جهاد، فلم يل عيسى بعد ذلك
عملا، ولا تقلد سيفا إلا في غزو ثم وجه أبو العباس بعد ذلك إسماعيل بْن
علي واليا على فارس.
وفي هذه السنة وجه أبو العباس أخاه أبا جعفر واليا على الجزيرة
وأذربيجان وأرمينية، ووجه أخاه يحيى بْن محمد بْن علي واليا على
الموصل.
وفيها عزل عمه داود بْن علي عن الكوفة وسوادها، وولاه المدينة ومكة
واليمن واليمامة، وولى موضعه وما كان إليه من عمل الكوفة وسوادها عيسى
بْن موسى.
وفيها عزل مروان- وهو بالجزيرة عن المدينة- الوليد بْن عروة، وولاها
أخاه يوسف بْن عروة، فذكر الواقدي أنه قدم المدينة لأربع خلون من شهر
ربيع الأول.
وفيها استقضى عيسى بْن موسى على الكوفة ابن أبي ليلى.
وكان العامل على البصرة في هذه السنة سفيان بْن معاوية المهلبي وعلى
قضائها الحجاج بْن أرطاة، وعلى فارس محمد بْن الأشعث، وعلى السند منصور
بْن جمهور، وعلى الجزيرة وأرمينية وأذربيجان عبد الله بْن محمد، وعلى
الموصل يحيى بْن محمد، وعلى كور الشام عبد الله بْن علي، وعلى مصر أبو
عون عبد الملك بْن يزيد، وعلى خراسان والجبال أبو مسلم، وعلى ديوان
الخراج خالد بْن برمك.
وحج بالناس في هذه السنة دَاوُد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
العباس.
(7/458)
|