تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

. ذكر خبر خلع عيسى بن موسى وبيعه موسى الهادي
وفيها قدم عيسى بْن موسى مع أبي هريرة يوم الخميس لست خلون من المحرم- فيما ذكر- الفضل بْن سليمان فنزل دارا كانت لمحمد بْن سليمان على شاطئ دجلة في عسكر المهدي، فأقام أياما يختلف إلى المهدي، ويدخل مدخله الذي كان يدخله، لا يكلم بشيء، ولا يرى جفوة ولا مكروها ولا تقصيرا به، حتى أنس به بعض الأنس، ثم حضر الدار يوما قبل جلوس المهدي، فدخل مجلسا كان يكون للربيع في مقصورة صغيرة، وعليها باب، وقد اجتمع رؤساء الشيعة في ذلك اليوم على خلعه والوثوب عليه، ففعلوا ذلك

(8/124)


وهو في المقصورة التي فيها مجلس الربيع، فأغلق دونهم المقصورة، فضربوا الباب بجرزهم وعمدهم، فهشموا الباب، وكادوا يكسرونه، وشتموه أقبح الشتم، وحصروه هنالك، وأظهر المهدي إنكارا لما فعلوا، فلم يردعهم ذلك عن فعلهم، بل شدوا في أمره، وكانوا بذلك هو وهم أياما، إلى أن كاشفه ذوو الأسنان من أهل بيته بحضرة المهدي، فأبوا إلا خلعه، وشتموه في وجهه، وكان أشدهم عليه محمد بْن سليمان.
فلما رأى المهدي ذلك من رأيهم وكراهتهم لعيسى وولايته، دعاهم إلى العهد لموسى، فصار إلى رأيهم وموافقتهم، وألح على عيسى في إجابته وإياهم إلى الخروج مما له من العهد في أعناق الناس وتحليلهم منه، فأبى، وذكر أن عليه أيمانا محرجة في ماله وأهله، فأحضر له من الفقهاء والقضاة عدة، منهم محمد بْن عبد الله بْن علاثة والزنجي بن خالد المكى وغيرهما، فاتوه بما رأوا، وصار الى المهدى ابتياع ماله من البيعة في أعناق الناس بما يكون له فيه رضا وعوض، مما يخرج له من ماله لما يلزمه من الحنث في يمينه، وهو عشرة آلاف ألف درهم، وضياع بالزاب الأعلى وكسكر فقبل ذلك عيسى، وبقي منذ فاوضه المهدي على الخلع إلى أن أجاب محتسبا عنده في دار الديوان من الرصافة إلى أن صار إلى الرضا بالخلع والتسليم، والى أن خلع يوم الأربعاء لأربع بقين من المحرم بعد صلاة العصر، فبايع للمهدي ولموسى من بعده من الغد يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم لارتفاع النهار ثم أذن المهدي لأهل بيته، وهو في قبة كان محمد بْن سليمان أهداها له مضروبة في صحن الأبواب، ثم أخذ بيعتهم رجلا رجلا لنفسه ولموسى بْن المهدي من بعده، حتى أتى إلى آخرهم.
ثم خرج إلى مسجد الجماعة بالرصافة فقعد على المنبر، وصعد موسى حتى كأنه دونه وقام عيسى على أول عتبة من المنبر، فحمد الله المهدي وأثنى عليه، وصلى على النبي ص، وأخبر بما أجمع عليه أهل بيته وشيعته وقواده وأنصاره وغيرهم من أهل خراسان من خلع عيسى بْن موسى وتصيير الأمر الذي كان عقد له في أعناق الناس لموسى بْن أمير المؤمنين، لاختيارهم له ورضاهم به، وما رأى من إجابتهم إلى ذلك، لما رجا من مصلحتهم وألفتهم، وخاف مخالفتهم في نياتهم واختلاف كلمتهم، وأن عيسى قد

(8/125)


خلع تقدمه، وحللهم مما كان له من البيعة في أعناقهم، وأن ما كان له من ذلك فقد صار لموسى بْن أمير المؤمنين، بعقد من أمير المؤمنين وأهل بيته وشيعته في ذلك، وأن موسى عامل فيهم بكتاب الله وسنه نبيه ص بأحسن السيرة وأعدلها، فبايعوا معشر من حضر، وسارعوا إلى ما سارع إليه غيركم، فإن الخير كله في الجماعة، والشر كله في الفرقة وأنا أسأل الله لنا ولكم التوفيق برحمته، والعمل بطاعته وما يرضيه، وأستغفر الله لي ولكم وجلس موسى دونه معتزلا للمنبر، لئلا يحول بينه وبين من صعد إليه، يبايعه ويمسح على يده، ولا يستر وجهه، وثبت عيسى قائما في مكانه، وقرئ عليه كتاب ذكر الخلع له، وخروجه مما كان إليه من ولاية العهد وتحليله جماعة من كان له في عنقه بيعة، مما عقدوا له في أعناقهم، وأن ذلك من فعله وهو طائع غير مكره، راض غير ساخط، محب غير مجبر فأقر عيسى بذلك، ثم صعد فبايع المهدي، ومسح على يده، ثم انصرف، وبايع أهل بيت المهدي على أسنانهم، يبايعون المهدي ثم موسى، ويمسحون على أيديهما، حتى فرغ آخرهم، وفعل من حضر من أصحابه ووجوه القواد والشيعة مثل ذلك، ثم نزل المهدى، فصار الى منزله، ووكل ببيعته من بقي من الخاصة والعامة خاله يزيد بْن منصور، فتولى ذلك حتى فرغ من جميع الناس، ووفى المهدي لعيسى بما أعطاه وأرضاه مما خلعه منه من ولاية العهد، وكتب عليه بخلعه إياه كتابا أشهد عليه فيه جماعة أهل بيته وصحابته وجميع شيعته وكتابه وجنده في الدواوين، ليكون حجة على عيسى، وقطعا لقوله ودعواه فيما خرج منه.
وهذه نسخة الشرط الذي كتبه عيسى على نفسه:
بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب لعبد الله المهدي محمد أمير المؤمنين ولولي عهد المسلمين موسى بْن المهدي، ولأهل بيته وجميع قواده وجنوده من أهل خراسان وعامة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وحيث كان كائن منهم، كتبته للمهدي محمد أمير المؤمنين، وولي عهد المسلمين موسى بْن محمد ابن عبد الله بْن محمد بْن علي، فيما جعل إليه من العهد إذ كان إلي، حتى اجتمعت كلمة المسلمين، واتسق أمرهم، وائتلفت أهواؤهم، على الرضا بولاية موسى بْن المهدي

(8/126)


محمد أمير المؤمنين، وعرفت الخط في ذلك علي والخط فيه لي، ودخلت فيما دخل فيه المسلمون من الرضا بموسى بْن أمير المؤمنين، والبيعة له، والخروج مما كان لي في رقابهم من البيعة، وجعلتكم في حل من ذلك وسعة، من غير حرج يدخل عليكم، أو على أحد من جماعتكم وعامة المسلمين، وليس في شيء من ذلك، قديم ولا حديث لي دعوى ولا طلبة ولا حجة ولا مقالة ولا طاعة على أحد منكم، ولا على عامة المسلمين ولا بيعة في حياة المهدي محمد أمير المؤمنين ولا بعده ولا بعد ولي عهد المسلمين موسى، ولا ما كنت حيا حتى أموت وقد بايعت لمحمد المهدي أمير المؤمنين ولموسى بْن أمير المؤمنين من بعده، وجعلت لهما ولعامة المسلمين من أهل خراسان وغيرهم الوفاء بما شرطت على نفسي في هذا الأمر الذي خرجت منه، والتمام عليه علي بذلك عهد الله وما اعتقد أحد من خلقه من عهد أو ميثاق أو تغليظ أو تأكيد على السمع والطاعة والنصيحة للمهدي محمد أمير المؤمنين وولى عهده موسى ابن أمير المؤمنين، في السر والعلانية، والقول والفعل، والنيه والشده والرجاء والسراء والضراء والموالاة لهما ولمن والاهما، والمعاداة لمن عاداهما، كائنا من كان في هذا الأمر الذي خرجت منه فإن أنا نكبت أو غيرت أو بدلت أو دغلت أو نويت غير ما أعطيت عليه هذه الأيمان، أو دعوت إلى خلاف شيء مما حملت على نفسي في هذا الكتاب للمهدي محمد أمير المؤمنين ولولي عهده موسى ابن أمير المؤمنين ولعامة المسلمين، أو لم أف بذلك، فكل زوجة عندي يوم كتبت هذا الكتاب- أو أتزوجها إلى ثلاثين سنة- طالق ثلاثا ألبتة طلاق الحرج وكل مملوك عندي اليوم أو أملكه إلى ثلاثين سنة أحرار لوجه الله، وكل مال لي نقد أو عرض أو قرض أو أرض، أو قليل أو كثير، تالد أو طارف أو أستفيده فيما بعد اليوم إلى ثلاثين سنة صدقة على المساكين، يضع ذلك

(8/127)


الوالي حيث يرى، وعلي من مدينة السلام المشي حافيا إلى بيت الله العتيق الذي بمكة نذرا واجبا ثلاثين سنة، لا كفارة لي ولا مخرج منه، إلا الوفاء به.
والله على الوفاء بذلك راع كفيل شهيد، وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً* وشهيد على عيسى ابن موسى باقراره بما في هذا الشرط أربعمائة وثلاثون من بني هاشم ومن الموالي والصحابة من قريش والوزراء والكتاب والقضاة.
وكتب في صفر سنة ستين ومائة وختم عيسى بْن موسى.
فقال بعض الشعراء:
كره الموت أبو موسى وقد ... كان في الموت نجاء وكرم
خلع الملك وأضحى ملبسا ... ثوب لوم ما ترى منه القدم
وفي سنة ستين ومائة وافى عبد الملك بْن شهاب المسمعي مدينة باربد بمن توجه معه من المطوعة وغيرهم، فناهضوها بعد قدومهم بيوم، وأقاموا عليها يومين، فنصبوا المنجنيق وناهضوها بجميع الآلة، وتحاشد الناس، وحض بعضهم بعضا بالقرآن والتذكير، ففتحها الله عليهم عنوة، ودخلت خيلهم من كل ناحية، حتى ألجئوهم إلى بدهم، فأشعلوا فيها النيران والنفط، فاحترق منهم من احترق، وجاهد بعضهم المسلمين، فقتلهم الله أجمعين، واستشهد من المسلمين بضعة وعشرون رجلا، وأفاءها الله عليهم وهاج البحر فلم يقدروا على ركوبه والانصراف، فأقاموا إلى أن يطيب، فأصابهم في أفواههم داء يقال له حمام قر، فمات نحو من ألف رجل، منهم الربيع بْن صبيح ثم انصرفوا لما أمكنهم الانصراف حتى بلغوا ساحلا من فارس، يقال له بحر حمران، فعصفت عليهم فيه الريح ليلا، فكسرت عامة مراكبهم، فغرق منهم بعض ونجا بعض، وقدموا معهم بسبي من سبيهم- فيهم بنت ملك باربد- على محمد بْن سليمان، وهو يومئذ والي البصرة.
وفيها صير أبان بْن صدقة كاتبا لهارون بْن المهدي ووزيرا له.
وفيها عزل أبو عون عن خراسان عن سخطة، وولي مكانه معاذ بْن مسلم

(8/128)


وفيها غزا ثمامة بن الوليد العبسي الصائفة.
وفيها غزا الغمر بْن العباس الخثعمى بحر الشام.

ذكر خبر رد نسب آل بكره وآل زياد
وفيها رد المهدى آل بكرة من نسبهم في ثقيف إلى ولاء رسول الله ص، وكان سبب ذلك أن رجلا من آل أبي بكرة رفع ظلامة إلى المهدي، وتقرب اليه فيها بولاء رسول الله ص، فقال المهدي: أن هذا نسب واعتزاء، ما تقرون به إلا عند حاجة تعرض لكم، وعند اضطراركم إلى التقرب به إلينا فقال الحكم: يا أمير المؤمنين، من جحد ذلك فإنا سنقر، أنا أسألك أن تردني ومعشر آل أبي بكرة إلى نسبنا من ولاء رسول الله ص، وتأمر بآل زياد بْن عبيد فيخرجوا من نسبهم الذي ألحقهم به معاوية رغبة [عن قضاء رسول الله ص: إن الولد للفراش وللعاهر الحجر] فيردوا إلى نسبهم من عبيد في موالي ثقيف فأمر المهدي في آل أبي بكرة وآل زياد أن يرد كل فريق منهم إلى نسبه، وكتب إلى محمد بْن سليمان كتابا وأمره أن يقرأ في مسجد الجماعة على الناس، وأن يرد آل أبي بكرة إلى ولائهم من رسول الله ص ونسبهم الى نفيع ابن مسروح، وأن يرد على من أقر منهم ما أمر برده عليهم من أموالهم بالبصرة مع نظرائهم، ممن أمر برد ماله عليه، والا يرد على من أنكر منهم، وأن يجعل الممتحن منهم والمستبرئ لما عندهم الحكم بْن سمرقند فأنفذ محمد ما أتاه في آل أبي بكرة إلا في أناس منهم غيب عنهم.
وأما آل زياد فإنه مما قوى رأي المهدي فيهم- فيما ذكر علي بْن سليمان- أن أباه حدثه، قَالَ: حضرت المهدي وهو ينظر في المظالم إذ قدم عليه رجل من آل زياد يقال له الصغدي بْن سلم بْن حرب، فقال له: من أنت؟
قَالَ: ابن عمك، قَالَ: أي ابن عمي أنت؟ فانتسب إلى زياد، فقال له المهدى: يا بن سمية الزانية، متى كنت ابن عمي! وغضب وأمر به فوجئ في عنقه، وأخرج، ونهض الناس

(8/129)


قَالَ: فلما خرجت لحقني عيسى بْن موسى- أو موسى بْن عيسى- فقال: أردت والله أن أبعث إليك، أن أمير المؤمنين التفت إلينا بعد خروجك، فقال: من عنده علم من آل زياد؟ فو الله ما كان عند أحد منا من ذاك شيء، فما عندك يا أبا عبد الله؟ فما زلت أحدثه في زياد وآل زياد حتى صرنا إلى منزله بباب المحول، فقال: أسألك بالله والرحم لما كتبت لي هذا كله حتى أروح به إلى أمير المؤمنين، وأخبره عنك فانصرفت فكتبت، وبعثت به إليه فراح إلى المهدي، فأخبره، فأمر المهدي بالكتاب إلى هارون الرشيد، وكان والي البصرة من قبله يأمره أن يكتب إلى واليها يأمره أن يخرج آل زياد من قريش وديوانهم والعرب، وأن يعرض ولد أبي بكرة على ولاء رسول الله ص، فمن أقر منهم ترك ماله في يده، ومن انتمى إلى ثقيف اصطفى ماله.
فعرضهم، فأقروا جميعا بالولاء، إلا ثلاثة نفر، فاصطفيت أموالهم.
ثم إن آل زياد بعد ذاك رشوا صاحب الديوان حتى ردهم إلى ما كانوا عليه، فقال خالد النجار في ذلك:
إن زيادا ونافعا وأبا ... بكرة عندي من أعجب العجب
ذا قرشي كما يقول، وذا ... مولى، وهذا- بزعمه- عربي

نسخة كتاب المهدي إلى والي البصرة في رد آل زياد إلى نسبهم
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فإن أحق ما حمل عليه ولاة المسلمين أنفسهم وخواصهم وعوامهم في أمورهم وأحكامهم، العمل بينهم بما في كتاب الله والاتباع لسنه رسول الله ص، والصبر على ذلك، والمواظبة عليه، والرضا به فيما وافقهم وخالفهم، للذي فيه من إقامة حدود الله ومعرفة حقوقه، واتباع مرضاته، وإحراز جزائه وحسن ثوابه، ولما في مخالفة ذلك والصدود عنه وغلبة الهوى لغيره من الضلال والخسار في الدنيا والآخرة.
وقد كان من رأي معاوية بْن أبي سفيان في استلحاقه زياد بْن عبيد عبد آل علاج من ثقيف، وادعائه ما أباه بعد معاوية عامة المسلمين وكثير

(8/130)


منهم في زمانه، لعلمهم بزياد وأبي زياد وأمه من اهل الرضا والفضل والورع والعلم، ولم يدع معاوية إلى ذلك ورع ولا هدى، ولا اتباع سنة هادية، ولا قدوة من أئمة الحق ماضية، إلا الرغبة في هلاك دينه وآخرته، والتصميم على مخالفة الكتاب والسنة والعجب بزياد في جلده ونفاذه، وما رجا من معونته وموازرته إياه على باطل ما كان يركن إليه في سيرته وآثاره وأعماله الخبيثة.
[وقد قَالَ رسول الله ص: الولد للفراش وللعاهر الحجر،] [وقال:
من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه لا صرفا ولا عدلا] .
ولعمري ما ولد زياد في حجر أبي سفيان ولا على فراشه، ولا كان عبيد عبدا لأبي سفيان، ولا سمية أمة له، ولا كانا في ملكه، ولا صارا إليه لسبب من الأسباب ولقد قَالَ معاوية فيما يعلمه أهل الحفظ للأحاديث عند كلام نصر بْن الحجاج بْن علاط السلمي ومن كان معه من موالي بني المغيرة المخزوميين وإرادتهم استلحاقه وإثبات دعوته، وقد أعد لهم معاوية حجرا تحت بعض فرشه فألقاه إليهم، فقالوا له: نسوغ لك ما فعلت في زياد، ولا تسوغ لنا ما فعلنا في صاحبنا، فقال: قضاء رسول الله ص خير لكم من قضاء معاوية فخالف معاوية بقضائه في زياد واستلحاقه إياه وما صنع فيه وأقدم عليه، أمر الله جل وعز وقضاء رسول الله ص واتبع في ذلك هواه رغبة عن الحق ومجانبة له، وقد قَالَ الله عز وجل:
«وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» ، وقال لداود ص وقد أتاه الحكم والنبوة والمال والخلافة: «يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ» الآية إلى آخرها.
فأمير المؤمنين يسأل الله أن يعصم له نفسه ودينه، وأن يعيذه من غلبة الهوى، ويوفقه في جميع الأمور لما يحب ويرضى، إنه سميع قريب

(8/131)


وقد رأى أمير المؤمنين أن يرد زيادا ومن كان من ولده إلى أمهم ونسبهم المعروف ويلحقهم بأبيهم عبيد، وأمهم سمية، ويتبع في ذلك قول رسول الله ص، وما أجمع عليه الصالحون وأئمة الهدى، ولا يجيز لمعاوية ما أقدم عليه مما يخالف كتاب الله وسنه رسوله ص، وكان أمير المؤمنين أحق من أخذ بذلك وعمل به، لقرابته من رسول الله ص واتباعه آثاره وإحيائه سنته، وإبطاله سنن غيره الزائغة الجائرة عن الحق والهدى.
وقد قَالَ الله جل وعز: «فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ» .
فاعلم أن ذلك من رأي أمير المؤمنين في زياد، وما كان من ولد زياد فألحقهم بأبيهم زياد بْن عبيد، وأمهم سمية، واحملهم عليه، وأظهره لمن قبلك من المسلمين حتى يعرفوه ويستقيم فيهم، فإن أمير المؤمنين قد كتب إلى قاضي البصرة وصاحب ديوانهم بذلك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
وكتب معاوية بْن عبيد الله في سنة تسع وخمسين ومائة فلما وصل الكتاب إلى محمد بن سليمان وقع بانقاذه، ثم كلم فيهم، فكف عنهم، وقد كان كتب إلى عبد الملك بْن أيوب بْن ظبيان النميري بمثل ما كتب به إلى محمد، فلم ينفذه لموضعه من قيس، وكراهته أن يخرج أحد من قومه إلى غيرهم.
وفيها كانت وفاة عبيد الله بْن صفوان الجمحي، وهو وال على المدينة، فولى مكانه محمد بْن عبد الله الكثيري، فلم يلبث إلا يسيرا حتى عزل وولى مكانه زفر بْن عاصم الهلالي وولى المهدي قضاء المدينة فيها عبد الله بْن محمد بْن عمران الطلحي.
وفيها خرج عبد السلام الخارجي، فقتل.
وفيها عزل بسطام بْن عمرو عن السند، واستعمل عليها روح بْن حاتم.
وحج بالناس في هذه السنة المهدي، واستخلف على مدينته حين شخص

(8/132)


عنها ابنه موسى، وخلف معه يزيد بْن منصور خال المهدي وزيرا له ومدبرا لأمره.
وشخص مع المهدي في هذه السنة ابنه هارون وجماعة من أهل بيته، وكان ممن شخص معه يعقوب بْن داود، على منزلته التي كانت له عنده، فأتاه حين وافى مكة الحسن بْن إبراهيم بْن عبد الله بْن الحسن الذي استأمن له يعقوب من المهدي على أمانة، فأحسن المهدي صلته وجائزته، وأقطعه مالا من الصوافي بالحجاز.
وفيها نزع المهدي كسوة الكعبة التي كانت عليها، وكساها كسوة جديدة، وذلك أن حجبة الكعبة- فيما ذكر- رفعوا إليه أنهم يخافون على الكعبة أن تهدم لكثرة ما عليها من الكسوة، فأمر أن يكشف عنها ما عليها من الكسوة حتى بقيت مجرده، ثم طلى البيت كله بالخلوق، وذكر أنهم لما بلغوا إلى كسوة هشام وجدوها ديباجا ثخينا جيدا، ووجدوا كسوة من كان قبله عامتها من متاع اليمن.
وقسم المهدي في هذه السنة بمكة في أهلها- فيما ذكر- مالا عظيما، وفي أهل المدينة كذلك، فذكر أنه نظر فيما قسم في تلك السفرة فوجد ثلاثين ألف ألف درهم، حملت معه، ووصلت إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار، ومن اليمن مائتا ألف دينار، فقسم ذلك كله وفرق من الثياب مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب، ووسع في مسجد رسول الله ص، وأمر بنزع المقصورة التي في مسجد الرسول ص فنزعت، وأراد أن ينقص منبر رسول الله ص فيعيده إلى ما كان عليه، ويلقي منه ما كان معاوية زاد فيه، فذكر عن مالك بْن أنس أنه شاور في ذلك، فقيل له: إن المسامير قد سلكت في الخشب الذي أحدثه معاوية، وفي الخشب الأول وهو عتيق، فلا نأمن إن خرجت المسامير التي فيه وزعزعت أن يتكسر، فتركه المهدي.
وامر ايام مقامه بالمدينة باثبات خمسمائة رجل من الأنصار ليكونوا معه حرسا له بالعراق وأنصارا، وأجرى عليهم أرزاقا سوى أعطياتهم، وأقطعهم عند قدومهم معه ببغداد قطيعة تعرف بهم

(8/133)


وتزوج في مقامه بها برقية بنت عمرو العثمانية.
وفي هذه السنة حمل محمد بْن سليمان الثلج للمهدي، حتى وافى به مكة، فكان المهدي أول من حمل له الثلج إلى مكة من الخلفاء.
وفيها رد المهدي على أهل بيته وغيرهم قطائعهم التي كانت مقبوضة عنهم وكان على صلاة الكوفة وأحداثها في هذه السنة إسحاق بْن الصباح الكندي، وعلى قضائها شريك وعلى البصرة وأحداثها وأعمالها المفردة وكور دجلة والبحرين وعمان وكور الأهواز وفارس محمد بْن سليمان وكان على قضاء البصرة فيها عبيد الله بْن الحسن وعلى خراسان معاذ بْن مسلم، وعلى الجزيرة الفضل بْن صالح، وعلى السند روح بْن حاتم وعلى إفريقية يزيد بن حاتم وعلى مصر محمد بْن سليمان أبو ضمرة.

(8/134)


ثم دخلت

سنة إحدى وستين ومائة
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث) فمما كان من ذلك خروج حكيم المقنع بخراسان من قرية من قرى مرو، وكان- فيما ذكر- يقول بتناسخ الأرواح، يعود ذلك إلى نفسه، فاستغوى بشرا كثيرا، وقوي وصار إلى ما وراء النهر، فوجه المهدي لقتاله عدة من قواده، فيهم معاذ بْن مسلم، وهو يومئذ على خراسان، ومعه عقبة بْن مسلم وجبرئيل بْن يحيى وليث مولى المهدي، ثم أفرد المهدي لمحاربته سعيدا الحرشي، وضم إليه القواد، وابتدأ المقنع بجمع الطعام عدة للحصار في قلعة بكش.
وفيها ظفر نصر بْن محمد بْن الأشعث الخزاعي بعبد الله بْن مروان بالشام، فقدم به على المهدي قبل أن يوليه السند، فحبسه المهدي في المطبق، فذكر أبو الخطاب أن المهدي أتي بعبد الله بْن مروان بْن محمد- وكان يكنى أبا الحكم- فجلس المهدي مجلسا عاما في الرصافة، فقال: من يعرف هذا؟ فقام عبد العزيز بْن مسلم العقيلي، فصار معه قائما، ثم قَالَ له: أبو الحكم؟ قَالَ: نعم ابن أمير المؤمنين قَالَ: كيف كنت بعدي؟ ثم التفت إلى المهدي، فقال:
نعم يا أمير المؤمنين، هذا عبد الله بْن مروان فعجب الناس من جرأته، ولم يعرض له المهدي بشيء.
قَالَ: ولما حبس المهدي عبد الله بْن مروان احتيل عليه، فجاء عمرو بْن سهلة الأشعري فادعى أن عبد الله بْن مروان قتل أباه، فقدمه إلى عافية القاضي، فتوجه عليه الحكم أن يقاد به، واقام عليه البينه، فلما كاد الحكم يبرم جاء عبد العزيز بْن مسلم العقيلي إلى عافية القاضي يتخطى رقاب الناس، حتى صار إليه، فقال: يزعم عمرو بْن سهلة أن عبد الله بْن مروان قتل أباه، كذب والله ما قتل أباه غيري، أنا قتلته بأمر

(8/135)


مروان، وعبد الله بْن مروان من دمه بريء فزالت عن عبد الله بْن مروان، ولم يعرض المهدي لعبد العزيز بْن مسلم لأنه قتله بأمر مروان.
وفيها غزا الصائفة ثمامة بْن الوليد، فنزل دابق، وجاشت الروم وهو مغتر، فأتت طلائعه وعيونه بذلك، فلم يحفل بما جاءوا به، وخرج إلى الروم، وعليها ميخائيل بسرعان الناس، فأصيب من المسلمين عدة، وكان عيسى بْن علي مرابطا بحصن مرعش يومئذ، فلم يكن للمسلمين في ذلك العام صائفة من أجل ذلك.
وفيها أمر المهدي ببناء القصور في طريق مكة أوسع من القصور التي كان أبو العباس بناها من القادسية إلى زبالة، وأمر بالزيادة في قصور أبي العباس، وترك منازل أبي جعفر التي كان بناها على حالها، وأمر باتخاذ المصانع في كل منهل، وبتجديد الأميال والبرك، وحفر الركايا مع المصانع، وولى ذلك يقطين بْن موسى، فلم يزل ذلك إليه إلى سنة إحدى وسبعين ومائة، وكان خليفة يقطين في ذلك أخوه أبو موسى.
وفيها أمر المهدي بالزيادة في مسجد الجامع بالبصرة، فزيد فيه من مقدمه مما يلي القبلة، وعن يمينه مما يلي رحبة بني سليم، وولي بناء ذلك محمد بْن سليمان وهو يومئذ والي البصرة.
وفيها أمر المهدي بنزع المقاصير من مساجد الجماعات وتقصير المنابر وتصييرها إلى المقدار الذي عليه منبر رسول الله ص، وكتب بذلك إلى الآفاق فعمل به.
وفيها أمر المهدي يعقوب بْن داود بتوجيه الأمناء في جميع الآفاق، فعمل به، فكان لا ينفذ للمهدي كتاب إلى عامل فيجوز حتى يكتب يعقوب بْن داود إلى أمينه وثقته بإنفاذ ذلك.
وفيها اتضعت منزلة أبي عبيد الله وزير المهدي، وضم يعقوب إليه من متفقهة البصرة وأهل الكوفة وأهل الشام عددا كثيرا، وجعل رئيس البصريين والقائم بأمرهم إسماعيل بن علية الأسدي ومحمد بْن ميمون العنبري، وجعل رئيس أهل الكوفة وأهل الشام عبد الأعلى بْن موسى الحلبي.

(8/136)


ذكر السبب الذي من أجله تغيرت منزلة أبي عبيد الله عند المهدي
قد ذكرنا سبب اتصاله به الذي كان قبل في أيام المنصور وضم المنصور إياه إلى المهدي حين وجهه إلى الري عند خلع عبد الجبار بْن عبد الرحمن المنصور، فذكر أبو زيد عمر بْن شبة، أن سعيد بْن إبراهيم حدثه أن جعفر بْن يحيى حدثه أن الفضل بْن الربيع أخبره، أن الموالي كانوا يشنعون على أبي عبيد الله عند المهدي، ويسعون عليه عنده، فكانت كتب أبي عبيد الله تنفذ عند المنصور بما يريد من الأمور، وتتخلى الموالي بالمهدي، فيبلغونه عن أبي عبيد الله، ويحرضونه عليه.
قَالَ الفضل: وكانت كتب ابى عبيد الله نصل إلى أبي تترى، يشكو الموالي وما يلقى منهم، ولا يزال يذكره عند المنصور ويخبره بقيامه، ويستخرج الكتب عنه الى المهدى بالوصاية به، وترك القبول فيه قَالَ: فلما رأى أبو عبيد الله غلبة الموالي على المهدي، وخلوتهم به نظر إلى أربعة رجال من قبائل شتى من أهل الأدب والعلم، فضمهم إلى المهدي، فكانوا في صحابته، فلم يكونوا يدعون الموالي يتخلون به.
ثم إن أبا عبيد الله كلم المهدي في بعض أمره إذ اعترض رجل من هؤلاء الأربعة في الأمر الذي تكلم فيه، فسكت عنه أبو عبيد الله، فلم يراده، وخرج فأمر أن يحجب عن المهدي فحجبه عنه، وبلغ ذلك من خبره أبي.
قَالَ: وحج أبي مع المنصور في السنة التي مات فيها، وقام أبي من أمر المهدي بما قام به من أمر البيعة وتجديدها على بيت المنصور والقواد والموالي، فلما قدم تلقيته بعد المغرب، فلم أزل معه حتى تجاوز منزله، وترك دار المهدي، ومضى إلى أبي عبيد الله، فقال: يا بني، هو صاحب الرجل، وليس ينبغي أن نعامله على ما كنا نعامله عليه، ولا أن نحاسبه بما كان منا في أمره من نصرتنا له قَالَ: فمضينا حتى أتينا باب أبي عبيد الله، فما زال واقفا حتى صليت

(8/137)


العتمة، فخرج الحاجب، فقال: ادخل، فثنى رجله وثنيت رجلي قَالَ:
إنما استأذنت لك يا أبا الفضل وحدك قَالَ: اذهب فأخبره أن الفضل معي.
قَالَ: ثم أقبل علي، فقال: وهذا أيضا من ذلك! قَالَ: فخرج الحاجب، فأذن لنا جميعا، فدخلنا أنا وأبي، وأبو عبيد الله في صدر المجلس، على مصلى متكئ على وسادة، فقلت: يقوم إلى أبي إذا دخل إليه، فلم يقم إليه، فقلت: يستوي جالسا إذا دنا، فلم يفعل، فقلت: يدعو له بمصلى، فلم يفعل، فقعد أبي بين يديه على البساط وهو متكئ، فجعل يسائله عن مسيره وسفره وحاله، وجعل أبي يتوقع أن يسأله عما كان منه في أمر المهدي وتجديد بيعته، فأعرض عن ذلك، فذهب أبي يبتدئه بذكره، فقال: قد بلغنا نبؤكم، قَالَ: فذهب أبي لينهض، فقال: لا أرى الدروب إلا وقد غلقت، فلو أقمت! قَالَ: فقال أبي: إن الدروب لا تغلق دوني، قَالَ: بلى قد أغلقت قَالَ: فظن أبي أنه يريد أن يحتبسه ليسكن من مسيره، ويريد أن يسأله، قَالَ: فأقيم قَالَ: يا فلان، اذهب فهيئ لأبي الفضل في منزل محمد بْن أبي عبيد الله مبيتا فلما رأى أنه يريد أن يخرج من الدار، قَالَ.
فليس تغلق الدروب دوني فاعتزم ثم قام، فلما خرجنا من الدار أقبل علي فقال: يا بني، أنت أحمق، قلت: وما حمقي أنا! قَالَ: تقول لي:
كان ينبغي لك ألا تجيء، وكان ينبغي إذا جئت فحجبنا ألا تقيم حتى صليت العتمة، وأن تنصرف ولا تدخل، وكان ينبغي إذا دخلت فلم يقم إليك أن ترجع ولا تقيم عليه، ولم يكن الصواب إلا ما عملت كله، ولكن والله الذي لا إله إلا هو- واستغلق في اليمين- لأخلعن جاهي، ولأنفقن مالي حتى أبلغ من أبي عبيد الله.
قَالَ: ثم جعل يضطرب بجهده، فلا يجد مساغا إلى مكروهه، ويحتال الجد إذ ذكر القشيري الذي كان أبو عبيد الله حجبه، فأرسل اليه فجاءه،

(8/138)


فقال: إنك قد علمت ما ركبك به أبو عبيد الله، وقد بلغ مني كل غاية من المكروه، وقد أرغت أمره بجهدي، فما وجدت عليه طريقا، فعندك حيلة في أمره؟ فقال: إنما يؤتى أبو عبيد الله من أحد وجوه أذكرها لك.
يقال: هو رجل جاهل بصناعته وأبو عبيد الله أحذق الناس، أو يقال: هو ظنين في الدين بتقليده، وأبو عبيد الله أعف الناس، لو كان بنات المهدي في حجره لكان لهن موضع، أو يقال: هو يميل إلى أن يخالف السلطان فليس يؤتى أبو عبيد الله من ذلك، إلا أنه يميل إلى القدر بعض الميل، وليس يتسلق عليه بذاك أن يقال: هو متهم، ولكن هذا كله مجتمع لك في ابنه، قَالَ: فتناوله الربيع، فقبل بين عينيه، ثم دب لابن ابى عبيد الله، فو الله ما زال يحتال ويدس إلى المهدي ويتهمه ببعض حرم المهدي، حتى استحكم عند المهدي الظنة بمحمد بْن أبي عبيد الله، فأمر فأحضر، وأخرج أبو عبيد الله.
فقال: يا محمد اقرأ، فذهب ليقرأ، فاستعجم عليه القرآن، فقال: يا معاوية ألم تعلمني أن ابنك جامع للقرآن؟ قَالَ: أخبرتك يا أمير المؤمنين، ولكن فارقني منذ سنين، وفي هذه المدة التي نأى فيها عني نسي القرآن، قَالَ: قم فتقرب إلى الله في دمه، فذهب ليقوم فوقع، فقال العباس بْن محمد: إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تعفي الشيخ! قَالَ: ففعل، وأمر به فأخرج، فضربت عنقه.
قَالَ: فاتهمه المهدي في نفسه، فقال له الربيع: قتلت ابنه، وليس ينبغي أن يكون معك، ولا أن تثق به فأوحش المهدي، وكان الذي كان من أمره وبلغ الربيع ما أراد، واشتفى وزاد.
وذكر محمد بْن عبد الله يعقوب بْن داود، قَالَ: أخبرني أبي، قَالَ:
ضرب المهدي رجلا من الأشعريين، فاوجعه، فتعصب ابو عبيد الله- وكان مولى لهم، فقال: القتل أحسن من هذا يا أمير المؤمنين، فقال له المهدي:
يا يهودي، اخرج من عسكري لعنك الله قَالَ: ما أدري إلى أين أخرج

(8/139)


إلا إلى النار! قَالَ: قلت: يا أمير المؤمنين، أحر بهذا أن لمثلها يتوقع، قَالَ: فقال لي: سبحان الله يا أبا عبيد الله! وفيها غزا الغمر بْن العباس في البحر.
وفيها ولي نصر بْن محمد بْن الأشعث السند مكان روح بْن حاتم، وشخص إليها حتى قدمها ثم عزل وولي مكانه محمد بْن سليمان، فوجه إليها عبد الملك ابن شهاب المسمعي، فقدمها على نصر، فبغته، ثم أذن له في الشخوص، فشخص حتى نزل الساحل على ستة فراسخ من المنصورة، فأتى نصر بْن محمد عهده على السند، فرجع إلى عمله، وقد كان عبد الملك أقام بها ثمانية عشر يوما، فلم يعرض له، فرجع إلى البصرة.
وفيها استقضى المهدي عافية بن يزيد الأزدي، فكان هو وابن علاثة يقضيان في عسكر المهدي في الرصافة، وكان القاضي بمدينة الشرقية عمر بْن حبيب العدوي.
وفيها عزل الفضل بْن صالح عن الجزيرة، واستعمل عليها عبد الصمد ابن علي.
وفيها استعمل عيسى بْن لقمان على مصر.
وفيها ولي يزيد بْن منصور سواد الكوفه وحسان الشروى الموصل وبسطام ابن عمرو التغلبي أذربيجان.
وفيها عزل أبا أيوب المسمى سليمان المكي عن ديوان الخراج، وولي مكانه أبو الوزير عمر بْن مطرف.
وفيها توفي نصر بْن مالك من فالج أصابه، ودفن في مقابر بني هاشم وصلى عليه المهدي.
وفيها صرف أبان بْن صدقة عن هارون بْن المهدي إلى موسى بْن المهدي، وجعله له كاتبا ووزيرا، وجعل مكانه مع هارون ابن المهدى يحيى بن خالد ابن برمك

(8/140)


وفيها عزل محمد بْن سليمان أبا ضمرة عن مصر في ذي الحجة المهدي وولاها سلمة بْن رجاء.
وحج بالناس في هذه السنة موسى بْن محمد بْن عبد الله الهادي، وهو ولي عهد أبيه.
وكان عامل الطائف ومكة واليمامة فيها جعفر بْن سليمان، وعلى صلاة الكوفة وأحداثها إسحاق بْن الصباح الكندي، وعلى سوادها يزيد بْن منصور.

(8/141)


ثم دخلت

سنة اثنتين وستين ومائة
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

خبر مقتل عبد السلام الخارجي
فمن ذلك ما كان من مقتل عبد السلام الخارجي بقنسرين.
ذكر الخبر عن مقتله:
ذكر أن عبد السلام بْن هاشم اليشكري هذا خرج بالجزيرة، وكثر بها أتباعه، واشتدت شوكته، فلقيه من قواد المهدي عدة، منهم عيسى بْن موسى القائد، فقتله في عدة ممن معه، وهزم جماعة من القواد، فوجه إليه المهدي الجنود، فنكب غير واحد من القواد، منهم شبيب بْن واج المروروذي، ثم ندب إلى شبيب ألف فارس، أعطى كل رجل منهم ألف درهم معونة، وألحقهم بشبيب فوافوه، فخرج شبيب في أثر عبد السلام، فهرب منهم حتى أتى قنسرين، فلحقه بها فقتله.
وفيها وضع المهدي دواوين الأزمة، وولى عليها عمر بْن بزيع مولاه، فولى عمر بْن بزيع النعمان بْن عثمان أبا حازم زمام خراج العراق.
وفيها أمر المهدي أن يجرى على المجذمين وأهل السجون في جميع الآفاق.
وفيها ولي ثمامة بْن الوليد العبسي الصائفة، فلم يتم ذلك.
وفيها خرجت الروم إلى الحدث، فهدموا سورها.
وغزا الصائفة الحسن بْن قحطبة في ثلاثين ألف مرتزق سوى المطوعة، فبلغ حمة أذرولية، فأكثر التخريب والتحريق في بلاد الروم من غير أن يفتح حصنا، ويلقى جمعا، وسمته الروم التنين وقيل: إنه إنما أتى

(8/142)


هذه الحمة الحسن ليستنقع فيها للوضح الذي كان به، ثم قفل بالناس سالمين.
وكان على قضاء عسكره وما يجتمع من الفيء حفص بْن عامر السلمي.
قَالَ: وفيها غزا يزيد بْن أسيد السلمي من باب قاليقلا، فغنم وفتح ثلاثة حصون، وأصاب سبيا كثيرا وأسرى.
وفيها عزل علي بْن سليمان عن اليمن، وولي مكانه عبد الله بْن سليمان.
وفيها عزل سلمة بْن رجاء عن مصر، ووليها عيسى بْن لقمان، في المحرم، ثم عزل في جمادى الآخرة، ووليها واضح مولى المهدي، ثم عزل في ذي القعدة ووليها يحيى الحرشي.
وفيها ظهرت المحمرة بجرجان، عليهم رجل يقال له عبد القهار، فغلب على جرجان، وقتل بشرا كثيرا، فغزاه عمر بْن العلاء من طبرستان، فقتل عبد القهار وأصحابه.
وحج بالناس في هذه السنة إبراهيم بْن جعفر بن المنصور، وكان العباس ابن محمد استأذن المهدي في الحج بعد ذلك، فعاتبه على ألا يكون استأذنه قبل أن يولي الموسم أحدا فيوليه إياه، فقال: يا أمير المؤمنين، عمدا أخرت ذلك لأني لم أرد الولاية.
وكانت عمال الأمصار عمالها في السنة التي قبلها ثم إن الجزيرة كانت في هذه السنة إلى عبد الصمد بْن علي وطبرستان والرويان إلى سعيد بْن دعلج، وجرجان إلى مهلهل بْن صفوان.

(8/143)