تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

الجزء التاسع
سنه 219 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ثم دخلت

سنة تسع عشرة ومائتين
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

ذكر خلاف محمد بن القاسم العلوي
فمن ذلك ما كان من ظهور محمد بن القاسم بن عمر بن على بن الحسين ابن علي بن أبي طالب بالطالقان من خراسان، يدعو الى الرضا من آل محمد ص، فاجتمع إليه بها ناس كثير، وكانت بينه وبين قواد عبد الله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالها، فهزم هو وأصحابه، فخرج هاربا يريد بعض كور خراسان، كان أهله كاتبوه، فلما صار بنسا، وبها والد لبعض من معه، مضى الرجل الذي معه من أهل نسا إلى والده ليسلم عليه، فلما لقي أباه سأله عن الخبر، فأخبره بأمرهم، وأنهم يقصدون كورة كذا، فمضى أبو ذلك الرجل إلى عامل نسا، فأخبره بأمر محمد بن القاسم، فذكر أن العامل بذل له عشرة آلاف درهم على دلالته عليه فدله عليه، فجاء العامل إلى محمد بن القاسم، فأخذه واستوثق منه، وبعث به إلى عبد الله بن طاهر، فبعث به عبد الله بن طاهر إلى المعتصم، فقدم به عليه يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر، فحبس- فيما ذكر- بسامرا عند مسرور الخادم الكبير في محبس ضيق، يكون قدر ثلاث أذرع في ذراعين، فمكث فيه ثلاثة أيام، ثم حول إلى موضع أوسع من ذلك، وأجري عليه طعام، ووكل به قوم يحفظونه، فلما كان ليلة الفطر، واشتغل الناس بالعيد والتهنئة احتال للخروج، ذكر أنه هرب من الحبس بالليل، وأنه دلي إليه حبل من كوة كانت في أعلى البيت، يدخل عليه منها الضوء، فلما أصبحوا أتوا بالطعام

(9/7)


للغداء افتقد، فذكر أنه جعل لمن دل عليه مائة ألف درهم، وصاح بذلك الصائح، فلم يعرف له خبر.
وفي هذه السنة قدم إسحاق بن إبراهيم بغداد من الجبل، يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى، ومعه الأسرى من الخرمية والمستأمنة.
وقيل: إن إسحاق بن ابراهيم قتل منهم في محاربته إياهم نحوا من مائة ألف، سوى النساء والصبيان
. ذكر الخبر عن محاربه الزط
وفي هذه السنة وجه المعتصم عجيف بن عنبسة في جمادى الآخرة منها لحرب الزط الذين كانوا قد عاثوا في طريق البصرة، فقطعوا فيه الطريق، واحتملوا الغلات من البيادر بكسكر وما يليها من البصرة، وأخافوا السبيل، ورتب الخيل في كل سكة من سكك البرد تركض بالأخبار، فكان الخبر يخرج من عند عجيف، فيصل إلى المعتصم من يومه، وكان الذي يتولى النفقة على عجيف من قبل المعتصم محمد بن منصور كاتب إبراهيم بن البختري، فلما صار عجيف إلى واسط، ضرب عسكره بقرية أسفل واسط يقال لها الصافية في خمسة آلاف رجل، وصار عجيف إلى نهر يحمل من دجلة يقال له بردودا، فلم يزل مقيما عليه حتى سده وقيل إن عجيفا إنما ضرب عسكره بقرية أسفل واسط يقال لها نجيدا، ووجه هارون بن نعيم ابن الوضاح القائد الخراساني إلى موضع يقال له الصافية في خمسة آلاف رجل، ومضى عجيف في خمسة آلاف إلى بردودا، فأقام عليه حتى سده وسد أنهارا أخر كانوا يدخلون منها ويخرجون، فحصرهم من كل وجه، وكان من الأنهار التي سدها عجيف، نهر يقال له العروس، فلما أخذ عليهم طرقهم حاربهم، وأسر منهم خمسمائة رجل، وقتل منهم في المعركة ثلاثمائة

(9/8)


رجل، فضرب أعناق الأسرى، وبعث برءوس جميعهم إلى باب المعتصم، ثم أقام عجيف بإزاء الزط خمسة عشر يوما، فظفر منهم بخلق كثير وكان رئيس الزط رجلا يقال له محمد بن عثمان، وكان صاحب أمره والقائم بالحرب سملق، ومكث عجيف يقاتلهم- فيما قيل- تسعة أشهر.
وحج بالناس في هذه السنة صالح بْن العباس بن محمد.

(9/9)


ثم دخلت

سنة عشرين ومائتين
(ذكر ما كان فيها من الاحداث)

ذكر ظفر عجيف بالزط
فمن ذلك ما كان من دخول عجيف بالزط بغداد، وقهره إياهم حتى طلبوا منه الأمان فآمنهم، فخرجوا إليه في ذي الحجة سنة تسع عشرة ومائتين على أنهم آمنون على دمائهم وأموالهم، وكانت عدتهم- فيما ذكر- سبعة وعشرين ألفا، المقاتلة منهم اثنا عشر ألفا، وأحصاهم عجيف سبعة وعشرين ألف إنسان، بين رجل وامرأة وصبي، ثم جعلهم في السفن، وأقبل بهم حتى نزل الزعفرانية، فأعطى اصحابه دينارين دينارين جائزه، واقام بها يوما، ثم عباهم في زواريقهم على هيئتهم في الحرب، معهم البوقات، حتى دخل بهم بغداد يوم عاشوراء سنة عشرين ومائتين والمعتصم بالشماسية في سفينة يقال لها الزو، حتى مر به الزط على تعبئتهم ينفخون بالبوقات، فكان أولهم بالقفص وآخرهم بحذاء الشماسية، وأقاموا في سفنهم ثلاثة أيام، ثم عبر بهم إلى الجانب الشرقي، فدفعوا إلى بشر بن السميدع، فذهب بهم إلى خانقين، ثم نقلوا إلى الثغر إلى عين زربة، فأغارت عليهم الروم، فاجتاحوهم فلم يفلت منهم أحد، فقال شاعرهم:
يا أهل بغداد موتوا دام غيظكم ... شوقا إلى تمر برني وشهريز
نحن الذين ضربناكم مجاهرة ... قسرا وسقناكم سوق المعاجيز
لم تشكروا الله نعماه التي سلفت ... ولم تحوطوا إياديه بتعزيز
فاستنصروا العبد من أبناء دولتكم ... من يازمان ومن بلج ومن توز
ومن شناس وأفشين، ومن فرج ... المعلمين بديباج وابريز

(9/10)


واللابسى كيمخار الصين قد خرطت ... أردانه درز برواز الدخاريز
والحاملين الشكي نيطت علائقها ... إلى مناطق خاص غير مخروز
يفري ببيض من الهندي هامهم ... بنو بهلة في أبناء فيروز
فوارس خيلها دهم مودعة ... على الخراطيم منها والفراريز
مسخرات لها في الماء أجنحة ... كالآبنوس إذا استحضرن والشيز
متى تروموا لنا في غمر لجتنا ... حذرا نصيدكم صيد المعافيز
او اختطافا وازهاقا كما اختطفت ... طير الدحال حثاثا بالمناقيز
ليس الجلاد جلاد الزط فاعترفوا ... أكل الثريد ولا شرب القواقيز
نحن الذين سقينا الحرب درتها ... ونقنقنا مقاساه الكواليز
لنسفعنكم سفعا يذل له ... رب السرير ويشجي صاحب التيز
فابكوا على التمر أبكى الله أعينكم ... في كل اضحى، وفي فطر ونيروز

ذكر خبر مسير الافشين لحرب بابك
وفي هذه السنه عقد المعتصم للافشين خيذر بن كاوس على الجبال، ووجه به لحرب بابك، وذلك يوم الخميس لليلتين خلتا من جمادى الآخرة، فعسكر بمصلى بغداد، ثم صار إلى برزند.
ذكر الخبر عن أمر بابك ومخرجه:
ذكر أن ظهور بابك كان في سنه احدى ومائتين، وكانت قريته ومدينته البذ، وهزم من جيوش السلطان، وقتل من قواده جماعة، فلما أفضى الأمر إلى المعتصم، وجه أبا سعيد محمد بن يوسف إلى أردبيل، وأمره أن يبني الحصون التي خربها بابك فيما بين زنجان وأردبيل، ويجعل فيها الرجال مسالح لحفظ الطريق لمن يجلب الميرة إلى أردبيل، فتوجه أبو سعيد لذلك، وبنى الحصون التي خربها بابك، ووجه بابك سرية له في بعض غاراته، وصير أميرهم رجلا

(9/11)


يقال له معاوية، فخرج فأغار على بعض النواحي، ورجع منصرفا، فبلغ ذلك أبا سعيد محمد بن يوسف، فجمع الناس وخرج إليه يعترضه في بعض الطريق، فواقعه، فقتل من أصحابه جماعة، وأسر منهم جماعة، واستنقذ ما كان حواه، فهذه أول هزيمة كانت على اصحاب بابك ووجه ابو سعيد الرءوس والأسرى إلى المعتصم بالله.
ثم كانت الأخرى لمحمد بن البعيث، وذلك أن محمد بن البعيث كان في قلعة له حصينة تسمى شاهي، كان ابن البعيث أخذها من الوجناء بن الرواد، عرضها نحو من فرسخين، وهي من كورة أذربيجان، وله حصن آخر في بلاد أذربيجان يسمى تبريز، وشاهي أمنعهما، وكان ابن البعيث مصالحا لبابك، إذا توجهت سراياه نزلت به فأضافهم، وأحسن إليهم حتى أنسوا به، وصارت لهم عادة ثم أن بابك وجه رجلا من اصحابه يقال له عصمه من اصبهبذته في سرية، فنزل بابن البعيث، فأنزل إليه ابن البعيث على العادة الجارية الغنم والإنزال وغير ذلك، وبعث إلى عصمة أن يصعد إليه في خاصته ووجوه أصحابه، فصعد فغداهم وسقاهم حتى أسكرهم، ثم وثب على عصمة فاستوثق منه، وقتل من كان معه من أصحابه، وأمره أن يسمى رجلا رجلا من أصحابه باسمه، فكان يدعى بالرجل باسمه فيصعد، ثم يأمر به فيضرب عنفه، حتى علموا بذلك، فهربوا ووجه ابن البعيث بعصمة إلى المعتصم- وكان البعيث أبو محمد صعلوكا من صعاليك ابن الرواد- فسأل المعتصم عصمة عن بلاد بابك، فأعلمه طرقها ووجوه القتال فيها، ثم لم يزل عصمة محبوسا إلى أيام الواثق ولما صار الأفشين إلى برزند عسكر بها، ورم الحصون فيما بين برزند وأردبيل، وأنزل محمد بن يوسف بموضع يقال له خش، فاحتفر فيه خندقا، وأنزل الهيثم الغنوي القائد من أهل الجزيرة في رستاق يقال له أرشق، فرم حصنه، وحفر حوله خندقا، وأنزل علويه الأعور من قواد الأبناء في حصن مما يلي أردبيل يسمى حصن النهر، فكانت السابلة

(9/12)


والقوافل تخرج من أردبيل معها من يبذرقها حتى تصل إلى حصن النهر، ثم يبذرقها صاحب حصن النهر إلى الهيثم الغنوي، ويخرج هيثم فيمن جاء من ناحيته حتى يسلمه إلى أصحاب حصن النهر، ويبذرق من جاء من أردبيل حتى يصير الهيثم وصاحب حصن النهر في منتصف الطريق، فيسلم صاحب حصن النهر من معه إلى هيثم، ويسلم هيثم من معه إلى صاحب حصن النهر، فيسير هذا مع هؤلاء.
وهذا مع هؤلاء وإن سبق أحدهما صاحبه إلى الموضع لم يجزه حتى يجيء الآخر، فيدفع كل واحد منهما من معه إلى صاحبه ليبذرقهم، هذا إلى أردبيل، وهذا إلى عسكر الأفشين، ثم يبذرق الهيثم الغنوي من كان معه إلى أصحاب أبي سعيد، وقد خرجوا فوقفوا على منتصف الطريق، معهم قوم، فيدفع أبو سعيد وأصحابه من معهم إلى الهيثم، ويدفع الهيثم من معه إلى أصحاب أبي سعيد، فيصير أبو سعيد وأصحابه بمن في القافلة إلى خش، وينصرف الهيثم وأصحابه بمن صار في أيديهم إلى أرشق حتى يصيروا به من غد، فيدفعوهم إلى علوية الأعور وأصحابه ليوصلوهم إلى حيث يريدون، ويصير أبو سعيد ومن معه إلى خش، ثم إلى عسكر الأفشين، فتلقاه صاحب سيارة الأفشين، فيقبض منه من في القافلة، فيؤديهم إلى عسكر الأفشين، فلم يزل الأمر جاريا على هذا، وكلما صار إلى أبي سعيد او الى أحد من المسالح أحد من الجواسيس وجهوا به إلى الأفشين، فكان الأفشين لا يقتل الجواسيس ولا يضربهم، ولكن يهب لهم ويصلهم ويسألهم ما كان بابك يعطيهم، فيضعفه لهم، ويقول للجاسوس: كن جاسوسا لنا.
سنه 220

ذكر خبر وقعه الافشين مع بابك بارشق
وفيها كانت وقعة بين بابك وأفشين بأرشق، قتل فيها الأفشين من

(9/13)


أصحاب بابك خلقا كثيرا، قيل أكثر من ألف، وهرب بابك إلى موقان، ثم شخص منها إلى مدينته التي تدعى البذ.
ذكر الخبر عن سبب هذه الوقعة بين الأفشين وبابك:
ذكر أن سبب ذلك أن المعتصم وجه مع بغا الكبير بمال إلى الأفشين عطاء لجنده وللنفقات، فقدم بغا بذلك المال إلى أردبيل، فلما نزل أردبيل بلغ بابك وأصحابه خبره، فتهيأ بابك وأصحابه ليقطعوا عليه قبل وصوله إلى الأفشين، فقدم صالح الجاسوس على الأفشين، فأخبره أن بغا الكبير قد قدم بمال، وان بابك واصحابه تهيئوا ليقتطعوه قبل وصوله إليك.
وقيل: كان مجيء صالح إلى أبي سعيد، فوجه به أبو سعيد إلى الأفشين وهيأ بابك كمينا في مواضع، فكتب الأفشين إلى أبي سعيد يأمره أن يحتال لمعرفة صحة خبر بابك، فمضى أبو سعيد متنكرا هو وجماعة من أصحابه، حتى نظروا إلى النيران والوقود في المواضع التي وصفها لهم صالح، فكتب الأفشين إلى بغا، أن يقيم بأردبيل حتى يأتيه رأيه، وكتب أبو سعيد إلى الأفشين بصحة خبر صالح، فوعد الأفشين صالحا وأحسن إليه ثم كتب الأفشين إلى بغا أن يظهر أنه يريد الرحيل، ويشد المال على الإبل ويقطرها، ويسير متوجها من أردبيل، كأنه يريد برزند، فإذا صار إلى مسلحة النهر، أو سار شبيها بفرسخين، احتبس القطار حتى يجوز من صحب المال إلى برزند، فإذا جازت القافلة رجع بالمال إلى أردبيل ففعل ذلك بغا، وسارت القافلة حتى نزلت النهر، وانصرف جواسيس بابك اليه يعلمونه ان المال قد حمل، وعاينوه محمولا حتى صار إلى النهر، ورجع بغا بالمال إلى أردبيل، وركب الأفشين في اليوم الذي وعد فيه بغا عند العصر من برزند، فوافى خش مع غروب الشمس، فنزل معسكرا خارج خندق أبي سعيد، فلما أصبح ركب في سر، لم يضرب طبلا ولا نشر علما، وأمر أن يلف الأعلام، وأمر الناس بالسكوت، وجد في السير، ورحلت القافلة التي كانت توجهت في ذلك اليوم من النهر إلى ناحية الهيثم الغنوي، ورحل الأفشين

(9/14)


من خش يريد ناحية الهيثم ليصادفه في الطريق، ولم يعلم الهيثم بمن كان معه، فرحل بمن كان معه من القافلة يريد بها النهر.
وتعبأ بابك في خيله ورجاله وعساكره، وصار على طريق النهر، وهو يظن ان المال موافيه، وخرج صاحب النهر ببذرق من قبله إلى الهيثم، فخرجت عليه خيل بابك، وهم لا يشكون أن المال معه، فقاتلهم صاحب النهر، فقتلوه وقتلوا من كان معه من الجند والسابلة، وأخذوا جميع ما كان معهم من المتاع وغيره، وعلموا أن المال قد فاتهم، وأخذوا علمه، وأخذوا لباس أهل النهر ودراريعهم وطراداتهم وخفاتينهم فلبسوها، وتنكروا ليأخذوا الهيثم الغنوي ومن معه أيضا، ولا يعلمون بخروج الأفشين، وجاءوا كأنهم أصحاب النهر، فلما جاءوا لم يعرفوا الموضع الذي كان يقف فيه علم صاحب النهر، فوقفوا في غير موضع صاحب النهر، وجاء الهيثم فوقف في موقفه، فأنكر ما رأى، فوجه ابن عم له، فقال له: اذهب إلى هذا البغيض، فقل له: لأي شيء وقوفك؟ فجاء ابن عم الهيثم، فلما رأى القوم أنكرهم لما دنا منهم، فرجع إلى الهيثم، فقال له: إن هؤلاء القوم لست أعرفهم، فقال له الهيثم: أخزاك الله! ما أجبنك! ووجه خمسة فرسان من قبله، فلما جاءوا وقربوا من بابك، خرج من الخرمية رجلان فتلقوهما وأنكروهما، وأعلموهما أنهم قد عرفوهما، ورجعوا إلى الهيثم ركضا، فقالوا: إن الكافر قد قتل علويه وأصحابه، وأخذوا أعلامهم ولباسهم، فرحل هيثم منصرفا، فأتى القافلة التي جاء بها معه، وأمرهم أن يركضوا ويرجعوا، لئلا يؤخذوا، ووقف هو في أصحابه، يسير بهم قليلا قليلا، ويقف بهم قليلا، ليشغل الخرمية عن القافلة، وصار شبيها بالحامية لهم، حتى وصلت القافلة إلى الحصن الذي يكون فيه الهيثم- وهو أرشق- وقال لأصحابه: من يذهب منكم إلى الأمير وإلى أبي سعيد فيعلمهما وله عشرة آلاف درهم وفرس بدل فرسه أن نفق فرسه فله مثل فرسه على مكانه؟
فتوجه رجلان من أصحابه على فرسين فارهين يركضان، ودخل الهيثم الحصن، وخرج بابك فيمن معه، فنزل بالحصن، ووضع له كرسي وجلس على شرف

(9/15)


بحيال الحصن، وأرسل إلى الهيثم: خل عن الحصن وانصرف حتى أهدمه.
فأبى الهيثم وحاربه وكان مع الهيثم في الحصن ستمائه راجل وأربعمائة فارس، وله خندق حصين فقاتله، وقعد بابك فيمن معه، ووضع الخمر بين يديه ليشربها، والحرب مشتبكة كعادته، ولقي الفارسان الأفشين على أقل من فرسخ من أرشق، فساعة نظر إليهما من بعيد قال لصاحب مقدمته: أرى فارسين يركضان ركضا شديدا، ثم قال: اضربوا الطبل، وانشروا الأعلام، واركضوا نحو الفارسين ففعل أصحابه ذلك، وأسرعوا السير، وقال لهم:
صيحوا بهما: لبيك لبيك! فلم يزل الناس في طلق واحد متراكضين، يكسر بعضهم بعضا حتى لحقوا بابك، وهو جالس، فلم يتدارك أن يتحول ويركب حتى وافته الخيل والناس، واشتبكت الحرب، فلم يفلت من رجالة بابك أحد، وأفلت هو في نفر يسير، ودخل موقان، وقد تقطع عنه أصحابه، وأقام الأفشين في ذلك الموضع، وبات ليلته، ثم رجع إلى معسكره ببرزند، فأقام بابك بموقان أياما ثم أنه بعث إلى البذ، فجاءه في الليل عسكر فيه رجالة، فرحل بهم من موقان حتى دخل البذ، فلم يزل الأفشين معسكرا ببرزند، فلما كان في بعض الأيام مرت به قافلة من خش إلى برزند، ومعها رجل من قبل أبي سعيد يسمى صالح آب كش- تفسيره السقاء- فخرج عليه أصبهبذ بابك، فأخذ القافلة، وقتل من فيها، وقتل من كان مع صالح، وأفلت صالح بلا خف مع من أفلت، وقتل جميع أهل القافلة، وانتهب متاعهم، فقحط عسكر الأفشين من أجل تلك القافلة التي أخذت من الآب كش، وذلك أنها كانت تحمل الميرة، فكتب الأفشين إلى صاحب المراغة يأمره بحمل الميرة وتعجليها عليه، فإن الناس قد قحطوا وجاعوا، فوجه إليه صاحب المراغة بقافلة ضخمة، فيها قريب من ألف ثور سوى الحمر والدواب وغير ذلك، تحمل الميرة، ومعها جند يبذرقونها، فخرجت عليهم أيضا سرية لبابك، كان عليها طرخان- أو آذين- فاستباحوها عن آخرها بجميع ما فيها، وأصاب الناس ضيق شديد، فكتب الأفشين إلى صاحب السيروان

(9/16)


أن يحمل إليه طعاما، فحمل إليه طعاما كثيرا، وأغاث الناس في تلك السنة، وقدم بغا على الافشين بمال ورجال