تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

خروج الحسين بن محمد الطالبي وما آل اليه امره
وفيها خرج بالكوفة رجل من الطالبيين يقال له الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله بن الحسين بْن علي بْن حسين بْن علي بْن أبي طالب، فاستخلف بها رجلا منهم يقال له محمد بن جعفر بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن حسن، ويكنى أبا أحمد، فوجه إليه المستعين مزاحم بن خاقان أرطوج، وكان العلوي بسواد الكوفه في ثلاثمائة رجل من بنى اسد وثلاثمائة رجل من الجارودية والزيدية وعامتهم صوافية، وكان العامل يومئذ بالكوفه احمد ابن نصر بن مالك الخزاعي، فقتل العلوي من أصحاب ابن نصر أحد عشر رجلا، منهم من جند الكوفة أربعة، وهرب أحمد بن نصر إلى قصر ابن هبيرة، فاجتمع هو وهشام بن أبي دلف، وكان يلي بعض سواد الكوفة- فلما صار مزاحم إلى قرية شاهي كتب إليه في المقام حتى يوجه إلى العلوي من يرده إلى الفيئة والرجوع فوجه إليه داود بن القاسم الجعفري، وأمر له بمال، فتوجه إليه وأبطأ داود وخبره على مزاحم، فزحف مزاحم إلى الكوفة من قرية شاهي، فدخلها وقصد العلوي فهرب، فوجه في طلبه قائدا، وكتب بفتحه الكوفة في خريطة مريشة 4 وقد ذكر أن أهل الكوفة عند ورود مزاحم حملوا العلوي على قتاله، ووعدوه النصر، فخرج في غربي الفرات، فوجه مزاحم قائدا من قواده في الشرقي من الفرات، وأمره أن يمضي حتى يعبر قنطرة الكوفة ثم يرجع، فمضى القائد لذلك، وأمر مزاحم بعض أصحابه الذين بقوا معه أن يعبروا مخاضة الفرات في

(9/328)


قرية شاهي، وأن يتقدموا حتى يحاربوا أهل الكوفة ويصافوهم من أمامهم فساروا ومعهم مزاحم، وعبر الفرات، وخلف أثقاله ومن بقي معه من أصحابه، فلما رآهم أهل الكوفة ناوشوهم الحرب، ووافاهم قائد مزاحم، فقاتلهم من ورائهم ومزاحم من أمامهم، فأطبقوا عليهم جميعا فلم يفلت منهم أحد.
وذكر عن ابن الكردية أن مزاحما قتل من أصحابه قبل دخوله الكوفة ثلاثة عشر رجلا، وقتل من الزيدية أصحاب الصوف سبعة عشر رجلا، ومن الأعراب ثلاثمائة رجل، وأنه لما دخل الكوفة رمي بالحجارة فضرب ناحيتي الكوفة.
بالنار، وأحرق سبعة أسواق، حتى خرجت النار إلى السبيع، وهجم على الدار التي فيها العلوي فهرب، ثم أتي به وقتل في المعركة من العلوية رجل وذكر أنه حبس جميع من بالكوفة من العلوية، وحبس أبناء هاشم، وكان العلوي فيهم.
وذكر عن أبي إسماعيل العلوي أن مزاحما أحرق بالكوفة ألف دار، وأنه أخذ ابنة الرجل منهم فعنفها.
وذكر أنه أخذ للعلوي جوار، فيهم امرأة حرة مضمومة، فأقامها على باب المسجد ونادى عليها.
وفي النصف من رجب من هذه السنة، ورد على مزاحم كتاب من المعتز يأمره بالمصير إليه، ويعده وأصحابه ما يحب ويحبون فقرأ الكتاب مزاحم على أصحابه، فأجابه الأتراك والفراغنة والمغاربة، وأبي الشاكرية ذلك، فمضى فيمن أطاعه منهم وهم زهاء أربعمائة إنسان وقد كان أبو نوح تقدمه إلى سامرا، فأشار بالكتاب إليه، وكان مزاحم ينتظر أمر الحسين بن إسماعيل، فلما انهزم الحسين مضى إلى سامرا، وقد كان المستعين وجه إلى مزاحم عند فتح الكوفة عشرة آلاف دينار وخمس خلع وسيفا ونفذ الرسول إليه، والفى الجند الذين كانوا معه في الطريق، فردوا جميع ذلك معهم، وصاروا إلى باب محمد بن عبد الله، وأعلموه ما فعل مزاحم وكان في الجند والشاكرية خليفة

(9/329)


الحسين بن يزيد الحراني وهشام بن أبي دلف والحارث خليفة أبي الساج، فأمر ابن طاهر أن يخلع على كل واحد منهم ثلاث خلع وذكر أن هذا العلوي كان قد ظهر بنينوى في آخر جمادى الآخرة من هذه السنة، فاجتمع إليه جماعة من الأعراب، وفيهم قوم ممن كان خرج مع يحيى بن عمر في سنة خمسين ومائتين، وقد كان قدم إلى تلك الناحية هشام ابن ابى دلف، فواقعهم العلوي في جماعه نحو من خمسين رجلا، فهزمه وقتل عدة من أصحابه، وأسر عشرين رجلا وغلاما، وهرب العلوى إلى الكوفة، فاختفى بها، ثم ظهر بعد ذلك وحمل الأسرى والرءوس إلى بغداد، فعرف خمسة نفر ممن كان مع أصحاب أبي الحسين يحيى بن عمر، فأطلقوا.
وأمر محمد بن عبد الله أن يضرب كل واحد ممن اطلق وعاد خمسمائة سوط، فضربوا في آخر يوم من جمادى الآخرة وذكر أن كتب أبي الساج لما وردت بما كان من إيقاعه ببايكباك، وذلك لاثنتي عشرة بقيت من رجب من هذه السنة، وجه إليه بعشرة آلاف دينار معونة له، وبخلعه فيها خمسه أثواب وسيف.
[أخبار متفرقة]
وفيها كانت وقعة- فيما ذكر- بين منكجور بن خيدر وبين جماعة من الأتراك بباب المدائن هزمهم فيها منكجور، وقتل منهم جماعة وفيها كانت لبلكاجور صائفة، فتح فيها فتوحا فيما ذكر وفيها كانت وقعة بين يحيى بن هرثمة وأبي الحسين بن قريش، قتل من الفريقين جماعة، ثم انهزم أبو الحسين بن قريش وفي يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شعبان كانت بباب بغواريا وقعة بين الأتراك وأصحاب ابن طاهر، وكان السبب في ذلك ان الموكل كان بباب بغواريا إبراهيم بن محمد بن حاتم والقائد المعروف بالنساوى في نحو من

(9/330)


ثلاثمائة فارس وراجل، فجاءت الأتراك والمغاربة في جمع كثير، فنقبوا السور في موضعين، فدخلوا منهما، فقاتلهم النساوي فهزموه، ووافوا باب الأنبار، وعليه إبراهيم بن مصعب وابن أبي خالد وابن أسد بن داود سياه، وهم لا يعلمون بدخولهم باب بغواريا، فقاتلهم قتالا شديدا، فقتل من الفريقين جماعة ثم إن من كان على باب الأنبار من أهل بغداد انهزموا لا يلوون على شيء، فضرب الأتراك والمغاربة باب الأنبار بالنار فاحترق، وأحرقوا ما كان على باب الأنبار من المجانيق والعرادات، ودخلوا بغداد حتى صاروا إلى باب الحديد ومقابر الرهينة ومن ناحية الشارع إلى موضع أصحاب الدواليب، فاحرقوا ما هنالك وأحرقوا كل ما قرب من ذلك من أمامهم وورائهم، ونصبوا أعلامهم على الحوانيت التي تقرب من ذلك الموضع، وانهزم الناس، حتى لم يقف بين أيديهم أحد، وكان ذلك مع صلاة الغداة، فوجه ابن طاهر إلى القواد، ثم ركب في السلاح فوقف على باب درب صالح المسكين، ووافاه القواد، فوجههم إلى باب الأنبار وباب بغواريا وجميع الأبواب التي في الجانب الغربي، وشحنها بالرجال، وركب بغا ووصيف، فتوجه بغا في أصحابه وولده إلى باب بغواريا، وصار الشاه بن ميكال والعباس بن قارن والحسين بن إسماعيل إلى باب الأنبار والغوغاء، فالتقوا والأتراك في داخل الباب، فبادرهم العباس بن قارن، فقتل- فيما ذكر- في مقام واحد جماعة من الأتراك، ووجه برءوسهم إلى باب ابن طاهر، وكاثرهم الناس على هذه الأبواب، فدفعوهم حتى أخرجوهم بعد أن قتل منهم جماعة، وكان بغا الشرابي خرج إلى باب بغواريا في جمع كثير، فوافاهم وهم غارون، فقتل منهم جماعة كثيرة، وهرب الباقون، فخرجوا من الباب، فلم يزل بغا يحاربهم إلى العصر، ثم انهزموا وانصرفوا، ووكل بالباب من يحفظه، وانصرف إلى باب الأنبار، ووجه في حمل الجص والآجر، وأمر بسده.
وفي هذا اليوم أيضا كانت حرب شديدة بباب الشماسية، قتل من الفريقين- فيما ذكر- جماعة كثيرة، وجرح آخرون، وكان الذي قاتل الأتراك في هذا اليوم- فيما ذكر- يوسف بن يعقوب قوصرة

(9/331)


وفيها أمر محمد بن عبد الله المظفر بن سيسل أن يعسكر بالياسرية، ففعل ذلك، ثم انتقل إلى الكناسة إلى أن وافاه بالفردل بن إيزنكجيك الأشروسني، فأمر له بفرض، وضم إليه رجالا من الشاكرية وغيرهم، وأمر أن يضام المظفر ويعسكر بالكناسة، ويكون أمرهما واحدا، ويضبط تلك الناحية، فأقاما هنالك حينا، ثم أمر بالفردل المظفر بالمضي، ليعرف خبر الأتراك ليدبر في أمرهم بما يراه، فامتنع من ذلك المظفر، وزعم أن الأمير لم يأمره بشيء مما سأله، وكتب كل واحد منهما يشكو صاحبه، وكتب المظفر يستعفي من المقام بالكناسة، ويزعم أنه ليس بصاحب حرب، فأعفي، وأمر بالانصراف ولزوم البيت، وقلد أمر ذلك العسكر ومن فيه من الجند النائبة والأثبات بالفردل، وضم إليه أثبات المظفر وأفرد بالناحية.
وفي شهر رمضان من هذه السنة التقى هشام بن أبي دلف والعلوي الخارج بنينوى، ومعه رجل من بني أسد، فاقتتلوا فقتل من أصحاب العلوي- فيما ذكر- نحو من أربعين رجلا، ثم افترقا، فدخل العلوي الكوفة فبايع أهلها المعتز، ودخل هشام بن أبي دلف بغداد وفي شهر رمضان من هذه السنة كانت بين أبي الساج والأتراك وقعه بناحيه جرجرايا، هزمهم فيها أبو الساج، وقتل منهم جماعة كثيرة، واسر منهم جماعه اخر.

ذكر خبر قتل بالفردل
ولليلة بقيت من شهر رمضان منها قتل بالفردل، وكان سبب قتله أن أبا نصر بن بغا لما غلب على الأنبار وما قرب منها، وهزم جيوش ابن طاهر من تلك الناحية وأجلاهم عنها، بث خيله ورجاله في أطراف بغداد من الجانب الغربي، وصار الى قصر ابن هبيرة، وبها بحونه بن قيس من قبل ابن طاهر، فهرب منه من غير قتال جرى بينه وبينه، ثم صار أبو نصر إلى نهر صرصر،

(9/332)


واتصل بابن طاهر خبره وخبر الوقعة التي كانت بين أبي الساج والأتراك بجرجرايا وخذلان من معه من الفروض إياه عند احمرار البأس فندب بالفردل إلى اللحاق بأبي الساج والمسير بمن معه إليه، فسار بالفردل فيمن معه غداة يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان، فسار يومه وصبح المدائن، فوافاها مع موافاة الأتراك ومن هو مضموم إليهم من غيرهم، وبالمدائن رجال ابن طاهر وقواده، فقاتلهم الأتراك، فانهزموا ولحق من فيها من القواد بأبي الساج، وقاتل بالفردل قتالا شديدا، ولما راى انهزام من هنا لك من أصحاب ابن طاهر مضى متوجها نحو أبي الساج بمن معه فأدرك فقتل.
وذكر عن ابن القواريري- وكان أحد القواد- قال: كنت وابو الحسين ابن هشام موكلين بباب بغداد ومنكجور منفرد بباب ساباط، وكان بقرب بابه ثلمة في سور المدائن، فسألت منكجور أن يسدها فأبى، فدخل الأتراك منها، وتفرق أصحابه قال: وبقيت في نحو من عشرة أنفس، ووافى بالفردل هو وأصحابه، فقال: أنا الأمير، أنا فارس ومعي فرسان، نمضي على الشط، وتكون الرجالة على السفن، فدافع ساعه ثم مضى لوجهه وعسكره في السفن على حالهم يريد أبا الساج، أو تلك الناحية، وأقمت بعده ساعة تامة، وتحتي أشقر عليه حلية، فصرت إلى نهر فعثر بي، فسقطت عنه، وقصدوني يقولون: صاحب الأشقر! فخرجت من النهر راجلا قد طرحت عني السلاح، فنجوت.
وغضب ابن طاهر على ابن القواريري وأصحابه، وأمرهم بلزوم منازلهم، وغرق بالفردل.
ولأربع خلون من شوال من هذه السنة، جمع- فِيمَا ذكر- مُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طاهر جميع قواده الموكلين بأبواب بغداد وغيرهم، فشاورهم جميعا في الأمور، وأعلمهم ما ورد عليهم من الهزائم، فكل أجاب بما أحب من بذل النفس والدم والأموال، فجزاهم خيرا وأدخلهم إلى المستعين، وأعلمه ما ناظرهم

(9/333)


فيه وما ردوا عليه من الجواب، فقال لهم المستعين: والله يا معشر القواد، لئن قاتلت عن نفسي وسلطاني ما أقاتل إلا عن دولتكم وعامتكم، وأن يرد الله إليكم أموركم قبل مجيء الأتراك وأشباههم، فقد يجب عليكم المناصحة والجهد في قتال هؤلاء الفسقة، فردوا أحسن مرد، وجزاهم الخير، وأمرهم بالانصراف الى مراكزهم فانصرفوا.

ذكر خبر هزيمه الاتراك ببغداد
وفي يوم الاثنين لأيام خلت من ذي القعدة من هذه السنة كانت وقعة عظيمة لأهل بغداد، هزموا فيها الأتراك، وانتهبوا عسكرهم، وكان سبب ذلك أن الأبواب كلها من الجانبين فتحت ونصبت المجانيق والعرادات في الأبواب كلها والشبارات في دجلة، وخرج منها الجند كلهم، وخرج ابن طاهر وبغا ووصيف حين تزاحف الفريقان، واشتدت الحرب إلى باب القطيعة، ثم عبروا إلى باب الشماسية، وقعد ابن طاهر في قبة ضربت له، وأقبلت الرماة من بغداد بالناوكية في الزواريق، ربما انتظم السهم الواحد عدة منهم فقتلهم، فهزمت الأتراك، وتبعهم أهل بغداد حتى صاروا إلى عسكرهم، وانتهبوا سوقهم هنالك، وضربوا زورقا لهم كان يقال له الحديدي، كان آفة على أهل بغداد بالنار، وغرق من فيه، وأخذوا لهم شبارتين، وهرب الأتراك على وجوههم لا يلوون على شيء، وجعل وصيف وبغا يقولان كلما جيء برأس: ذهب والله الموالي واتبعهم أهل بغداد إلى الروذبار، ووقف أبو أحمد بن المتوكل يرد الموالي، ويخبرهم أنهم إن لم يكروا لم يبق لهم بقية، وأن القوم يتبعونهم إلى سامرا فتراجعوا، وثاب بعضهم، وأقبلت العامة تحز رءوس من قتل، وجعل محمد بن عبد الله يطوق كل من جاء برأس ويصله، حتى كثر ذلك، وبدت الكراهة في وجوه من مع بغا ووصيف من الأتراك والموالي، ثم ارتفعت غبرة من ريح جنوب، وارتفع الدخان مما احترق،

(9/334)


وأقبلت أعلام الحسن بن الأفشين مع أعلام الأتراك يقدمها علم أحمر، قد استلبه غلام لشاهك، فنسي أن ينكسه، فلما رأى الناس العلم الأحمر ومن خلفه، توهموا أن الأتراك قد رجعوا عليهم وانهزموا، وأراد بعض من وقف أن يقتل غلام شاهك، ففهمه، فنكس العلم، والناس قد ازدحموا منهزمين، وتراجع الأتراك إلى معسكرهم ولم يعلموا بهزيمة أهل بغداد، فتحملوا عليهم، فانصرف الفريقان بعضهم عن بعض
. خبر وقعه ابى السلاسل مع المغاربه
وفيها كانت وقعة لأبي السلاسل وكيل وصيف بناحية الجبل مع المغاربة، وكان سبب ذلك- فيما ذكر- أن رجلا من المغاربة يقال له نصر سلهب، صار بجماعة من المغاربة إلى عمل بعض ما إلى أبي الساج من الأرض، وانتهب هو وأصحابه ما هنالك من القوى، فكتب أبو السلاسل إلى أبي الساج يعلمه ذلك، فوجه أبو الساج إليه- فيما ذكر- بنحو من مائة نفس بين فارس وراجل، فلما صاروا إليه كبس أولئك المغاربة، فقتل منهم تسعة، وأسر عشرين، وأفلت نصر سهلب ساريا
. ذكر خبر وقوع الصلح بين الموالي وابن طاهر
ووضعت الحرب أوزارها بعد هذه الوقعة بين الموالي وابن طاهر، فلم يعودوا لها، وكان السبب في ذلك- فيما ذكر- أن ابن الطاهر قد كان كاتب المعتز قبل ذلك في الصلح، فلما كانت هذه الوقعة أنكرت عليه، فكتب إليه، فذكر أنه لا يعود بعدها لشيء يكرهه، ثم أغلقت بعد ذلك على أهل بغداد أبوابها، فاشتد عليهم الحصار، فصاحوا في أول ذي القعدة من هذه السنة في يوم الجمعة: الجوع! ومضوا إلى الجزيرة التي هي تلقاء دار ابن طاهر، فأرسل إليهم ابن طاهر: وجهوا إلي منكم خمسة مشايخ، فوجهوا بهم، فأدخلوا عليه، فقال لهم: إن من الأمور أمورا لا يعلم بها العامة، وأنا عليل، ولعلي

(9/335)


أعطي الجند أرزاقهم ثم أخرج بهم إلى عدوكم فطابت أنفسهم، وخرجوا عن غير شيء، وعادت العامة والتجار بعد إلى الجزيرة التي بحذاء دار ابن طاهر، فصاحوا وشكوا ما هم فيه من غلاء السعر، فبعث إليهم فسكنهم، ووعدهم ومناهم وأرسل ابن طاهر إلى المعتز في الصلح واضطرب أمر أهل بغداد، فوافى بغداد للنصف من ذي القعدة من هذه السنه حماد بن إسحاق ابن حماد بن زيد، ووجه مكانه أبو سعيد الأنصاري إلى عسكر أبي أحمد رهينة، فلقي حماد بن إسحاق ابن طاهر، فخلا به فلم يذكر ما جرى بينهما.
ثم انصرف حماد إلى عسكر أبي أحمد، ورجع أبو سعيد الأنصاري، ثم رجع حماد إلى ابن طاهر، فجرت بين ابن طاهر وبين أبي أحمد رسائل مع حماد.
ولتسع بقين من ذي القعدة خرج أحمد بن إسرائيل إلى عسكر أبي أحمد مع حماد وأحمد بن إسحاق وكيل عبيد الله بن يحيى بإذن ابن طاهر لمناظرة أبي أحمد في الصلح.
ولسبع بقين من ذي القعدة أمر ابن طاهر بإطلاق جميع من في الحبوس ممن كان حبس بسبب ما كان بينه وبين أبي أحمد من الحروب ومعاونته إياه عليه فأطلقه ومن غد هذا اليوم اجتمع قوم من رجالة الجند وكثير من العامة، فطلب الجند أرزاقهم، وشكت العامة سوء الحال التي هم بها من الضيق وغلاء السعر وشدة الحصار، وقالوا: إما خرجت فقاتلت، وإما تركتنا، فوعدهم أيضا الخروج أو فتح الباب للصلح، ومناهم فانصرفوا.
فلما كان بعد ذلك، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة شحن السجون والجسر وباب داره والجزيرة بالجند والرجال، فحضر الجزيرة بشر كثير، فطردوا من كان ابن طاهر صيرهم فيها، ثم صاروا إلى الجسر من الجانب الشرقي، ففتحوا سجن النساء، وأخرجوا من فيه، ومنعهم علي بن جهشيار ومن معه من الطبرية من سجن الرجال، ومانعهم أبو مالك الموكل بالجسر الشرقي، فشجوه وجرحوا دابتين لأصحابه، فدخل داره وخلاهم، فانتهبوا ما في

(9/336)


مجلسه، وشد عليهم الطبرية فنحوهم حتى أخرجوهم من الأبواب، وأغلقوها دونهم، وخرج منهم جماعة، ثم عبر إليهم محمد بن أبي عون، فضمن للجند رزق أربعة أشهر، فانصرفوا على ذلك، وأمر ابن طاهر بإعطاء أصحاب ابن جهشيار أرزاقهم لشهرين من يومهم فأعطوا.