تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
ثم دخلت
سنة خمس وستين ومائتين
(ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)
ذكر الوقعه بين احمد بن ليثويه وسليمان
قائد الزنج
فمن ذلك ما كان من وقعة كانت بين أحمد بن ليثويه وسليمان بن جامع قائد
صاحب الزنج بناحية جنبلاء.
ذكر الخبر عن هذه الوقعة وسببها:
ذكر أن سليمان بن جامع كتب إلى صاحب الزنج، يخبره بحال نهر يعرف
بالزهيري، ويسأله الإذن له في النفقة على إنفاذ كريه إلى سواد الكوفه
والبرار، ويعلمه أن المسافة في ذلك قريبة، وأنه متى أنفذه تهيأ له بذلك
حمل كل ما بنواحي جنبلاء وسواد الكوفة من الميرة فوجه الخبيث بذلك رجلا
يقال له محمد بن يزيد البصري، وكتب إلى سليمان بإزاحة علله في المال
والإقامة معه في جيشه إلى وقت فراغه، مما وجه له، فمضى سليمان بجميع
جيشه حتى أقام بالشريطية نحوا من شهر، وألقى الفعلة في النهر، وخلال
ذلك ما كان سليمان يتطرق ما حوله من أهل خسرسابور، وكانت الميرة تتصل
به من ناحية الصين وما والاها إلى أن واقعه ابن ليثويه عامل أبي أحمد
على جنبلاء، فقتل له أربعة عشر قائدا.
قال محمد بن الحسن: قتل سبعة وأربعين قائدا وخلقا من الخلق لا يحصى
كثرة، واستبيح عسكره، وأحرقت سفنه، وكانت مقيمة في هذا النهر الذي كان
مقيما على إنفاذه، فمضى مفلولا حتى وافى طهيثا، فأقام بها، ووافى
الجبائي في عقب ذلك، ثم أصعد فأقام بالموضع المعروف ببرتمرتا واستخلف
(9/542)
على الشذوات الاشتيام الذي يقال له الزنجي
بن مهربان، وقد كان السلطان وجه نصيرا لتقييد شامرج، وحمله إلى الباب،
وتقلد ما كان يتقلده، فوافى نصير الزنجي بن مهربان بعد حمله شامرج
مقيدا بنهر برتمرتا، وأخذ منه تسع شذوات، واسترد الزنجي منها ستا.
قال محمد بن الحسن: أنكر جباش أن يكون الزنجي بن مهربان استرد من
الشذوات شيئا، وزعم أن نصيرا ذهب بالشذوات أجمع، وانصرف إلى طهيثا،
وبادر بالكتاب إلى سليمان، ووافاه فأقام سليمان بطهيثا إلى أن اتصل به
خبر اقبال الموفق.
[أخبار متفرقة]
وفيها أوقع أحمد بن طولون بسيما الطويل بأنطاكية، فحصره بها، وذلك في
المحرم منها، فلم يزل ابن طولون مقيما عليها حتى افتتحها، وقتل سيما
وفيها وثب القاسم بن مماه بدلف بن عبد العزيز بن أبي دلف بأصبهان،
فقتله ثم وثب جماعة من أصحاب دلف على القاسم، فقتلوه ورأسوا عليهم أحمد
بن عبد العزيز.
وفيها لحق محمد المولد بيعقوب بن الليث، فصار إليه، وذلك في المحرم
منها، فأمر السلطان بقبض أمواله وعقاراته.
وفيها قتلت الأعراب جعلان المعروف بالعيار بدمما، وكان خرج لبذرقة
قافلة، فقتلوه، وذلك في جمادى الأولى، فوجه السلطان في طلب الذين قتلوه
جماعة من الموالي، فهرب الأعراب، وبلغ الذين شخصوا في طلبهم عين التمر،
ثم رجعوا إلى بغداد، وقد مات منهم من البرد جماعة، وذلك أن البرد اشتد
في تلك الأيام ودام أياما، وسقط الثلج ببغداد.
وفيها أمر أبو أحمد بحبس سليمان بن وهب وابنه عبيد الله، فحبسا وعدة من
أسبابهم في دار أبي أحمد، وانتهبت دور عدة من أسبابه، ووكل بحفظ دارى
سليمان وابنه عبيد الله، وأمر بقبض ضياعهما وأموالهما وأموال
(9/543)
أسبابهما وضياعهم خلا أحمد بن سليمان ثم
صولح سليمان وابنه عبيد الله على تسعمائة ألف دينار، وصيرا في موضع يصل
إليهما من أحبا.
وفيها عسكر موسى بن أتامش وإسحاق بن كنداجيق وبنغجور بن أرخوز والفضل
بن موسى بن بغا بباب الشماسية، ثم عبروا جسر بغداد، فصاروا إلى
السفينتين، وتبعهم أحمد بن الموفق، فلم يرجعوا، ونزلوا صرصر.
وفيها استكتب أبو أحمد صاعد بن مخلد، وذلك لاثنتي عشرة بقيت من جمادى
الآخرة، وخلع عليه، فمضى صاعد إلى القواد بصرصر، ثم بعث أبو أحمد ابنه
أحمد إليهم، فناظرهم فانصرفوا معه فخلع عليهم.
وفيها خرج- فيما ذكر- خمسة من بطارقة الروم في ثلاثين ألفا من الروم
إلى أذنة، فصاروا إلى المصلى.
وأسروا أرخوز- وكان والي الثغور- ثم عزل، فرابط هناك فأسر، وأسر معه
نحو من أربعمائة رجل، وقتلوا ممن نفر إليهم نحوا من الف وأربعمائة رجل،
وانصرفوا اليوم الرابع، وذلك في جمادى الأولى منها.
وفي رجب منها عسكر موسى بن اتامش وإسحاق بن كنداجيق وبنغجور ابن أرخوز
بنهر ديالى.
وفيها غلب أحمد بن عبد الله الخجستاني على نيسابور، وصار الحسين ابن
طاهر عامل محمد بن طاهر إلى مرو، فأقام بها وأخو شركب الجمال بين
الحسين والخجستاني أحمد بن عبد الله.
وفيها أخربت طوس.
وفيها استوزر إسماعيل بن بلبل.
وفيها مات يعقوب بن الليث بالأهواز وخلفه أخوه عمرو بن الليث، وكتب
عمرو إلى السلطان بأنه سامع له ومطيع، فوجه إليه أحمد بن أبي الأصبغ في
ذي القعدة منها
(9/544)
وفيها قتلت جماعة من أعراب بني أسد علي بن
مسرور البلخي بطريق مكة قبل مصيره إلى المغيثة، وكان أبو أحمد ولى محمد
بن مسرور البلخي طريق مكة، فولاه أخاه علي بن مسرور.
وفيها بعث ملك الروم بعبد الله بن رشيد بن كاوس الذي كان عامل الثغور
فأسر، إلى أحمد بن طولون مع عدة من أسراء المسلمين وعدة مصاحف هدية منه
له.
وفيها صارت جماعة من الزنج في ثلاثين سميرية إلى جبل، فأخذوا أربع سفن
فيها طعام، ثم انصرفوا.
وفيها لحق العباس بن أحمد بن طولون مع من تبعه ببرقة، مخالفا لأبيه
أحمد، وكان أبوه أحمد استخلفه- فيما ذكر- على عمله بمصر لما توجه إلى
الشام، فلما انصرف أحمد عن الشام راجعا إلى مصر حمل العباس ما في بيت
مال مصر من الأموال، وما كان لأبيه هناك من الأثاث وغير ذلك ثم مضى إلى
برقة، فوجه إليه أحمد جيشا، فظفروا به وردوه إلى أبيه أحمد، فحبسه
عنده، وقتل لسبب ما كان منه جماعة كانوا شايعوا ابنه على ذلك.
وفيها دخل الزنج النعمانية، فأحرقوا سوقها، وأكثر منازل أهلها، وسبوا،
وصاروا إلى جرجرايا، ودخل أهل السواد بغداد.
وفيها ولي أبو أحمد عمرو بن الليث خراسان وفارس وأصبهان وسجستان وكرمان
والسند، واشهد له بذلك، ووجه بكتابه إليه بتوليته ذلك مع احمد ابن أبي
الأصبغ، ووجه إليه مع ذلك العهد والعقد والخلع.
وفي ذي الحجة منها صار مسرور البلخي إلى النيل، فتنحى عنها عبد الله
ابن ليثويه في أصحاب أخيه، وقد أظهر الخلاف على السلطان، فصار ومن معه
إلى أحمد أباذ، فتبعهم مسرور البلخي يريد محاربتهم، فبدر عبد الله ابن
ليثويه ومن كان معه، فترجلوا لمسرور، وانقادوا له بالسمع والطاعة،
(9/545)
وعبد الله بن ليثويه نزع سيفه ومنطقته
فعلقهما في عنقه، يعتذر إليه، ويحلف أنه حمل على ما فعل، فقبل منه،
وأمر فخلع عليه وعلى عدة من القواد معه.
ذكر خبر شخوص تكين البخارى الى الاهواز
وفيها شخص تكين البخاري إلى الأهواز مقدمة لمسرور البلخي.
ذكر الخبر عما كان من أمر تكين بالأهواز حين صار إليها: ذكر محمد بن
الحسن أن تكين البخاري ولاه مسرور البلخي كور الأهواز حين ولاه أبو
أحمد عليها، فتوجه تكين إليها، فوافاها، وقد صار إليها علي بن أبان
المهلبي، فقصد تستر، فأحاط بها في جمع كثير من أصحابه الزنج وغيرهم،
فراع ذلك أهلها، وكادوا أن يسلموها، فوافاها تكين في تلك الحال، فلم
يضع عنه ثياب السفر، حتى واقع علي بن أبان وأصحابه، فكانت الدبرة على
الزنج، فقتلوا وهزموا وتفرقوا، وانصرف علي فيمن بقي معه مفلولا مدحورا،
وهذه وقعة باب كودك المشهورة.
ورجع تكين البخاري، فنزل تستر، وانضم إليه جمع كثير من الصعاليك
وغيرهم، ورحل إليه علي بن أبان في جمع كثير من أصحابه، فنزل شرقي
المسرقان، وجعل أخاه في الجانب الغربي في جماعة من الخيل، وجعل رجالة
الزنج معه، وقدم جماعة من قواد الزنج، منهم أنكلويه وحسين المعروف
بالحمامي وجماعة غيرهما، فأمرهم بالمقام بقنطرة فارس.
وانتهى الخبر بما دبره علي بن أبان إلى تكين، وكان الذي نقل إليه الخبر
غلاما يقال له وصيف الرومي، وهرب إليه من عسكر علي بن أبان، فأخبره
بمقام هؤلاء القوم بقنطرة فارس، وأعلمه تشاغلهم بشرب النبيذ وتفرق
أصحابهم في جمع الطعام، فسار إليهم تكين في الليل في جمع من أصحابه،
فأوقع بهم، فقتل من قواد الزنج أنكلويه والحسين المعروف بالحمامي ومفرج
(9/546)
المكنى أبا صالح وأندرون، وانهزم الباقون،
فلحقوا بالخليل بن أبان، فأعلموه ما نزل بهم، وسار تكين على شرقي
المسرقان حتى لقي علي بن أبان في جمعه، فلم يقف له علي وانهزم عنه،
وأسر غلام لعلي من الخيالة يعرف بجعفرويه، ورجع علي والخليل في جمعهما
إلى الأهواز، ورجع تكين إلى تستر، وكتب علي بن أبان إلى تكين يسأله
الكف عن قتل جعفرويه فحبسه، وجرت بين تكين وعلي بن أبان مراسلات
وملاطفات، وانتهى الخبر بها إلى مسرور، فأنكرها وانتهى إلى مسرور أن
تكين قد ساءت طاعته، وركن إلى علي بن أبان ومايله.
قال محمد بن الحسن: فحدثني محمد بن دينار، قال: حدثنى محمد ابن عبد
الله بن الحسن بن علي المأموني الباذغيسي- وكان من أصحاب تكين البخاري-
قال: لما انتهى إلى مسرور الخبر بالتياث تكين عليه توقف حتى عرف صحة
أمره، ثم سار يريد كور الأهواز وهو مظهر الرضا عن تكين والإحماد لأمره،
فجعل طريقه على شابرزان، ثم سار منها حتى وافى السوس، وتكين قد عرف ما
انتهى إلى مسرور من خبره، فهو مستوحش من ذلك ومن جماعة كانت تبعته عند
مسرور من قواده، فجرت بين مسرور وتكين رسائل حتى أمن تكين، فصار مسرور
إلى وادي تستر، وبعث إلى تكين، فعبر إليه مسلما، فأمر به فأخذ سيفه،
ووكل به، فلما رأى ذلك جيش تكين انفضوا من ساعتهم، ففرقة منهم صارت إلى
ناحية صاحب الزنج، وفرقة صارت إلى محمد بن عبيد الله الكردي وانتهى
الخبر إلى مسرور، فبسط الأمان لمن بقي من جيش تكين، فلحقوا به.
قال محمد بن عبد الله بن الحسن المأموني: فكنت أحد الصائرين إلى عسكر
مسرور، ودفع مسرور تكين إلى إبراهيم بن جعلان، فأقام في يده محبوسا،
حتى وافاه أجله فتوفي.
وكان بعض أمر مسرور وتكين الذي ذكرناه في سنة خمس وستين، وبعضه في سنة
ست وستين.
(9/547)
[أخبار متفرقة]
وحج بالناس في هذه السنة هارون بن محمد بن اسحق بن موسى بن عيسى
الهاشمي.
وفيها كانت موافاة المعروف بأبي المغيرة بن عيسى بن محمد المخزومي
متغلبا بزنج معه على مكة.
(9/548)
ثم دخلت
سنة ست وستين ومائتين
ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث
فمن ذلك ما كان من تولية عمرو بن الليث عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
خلافته على الشرطة ببغداد وسامرا في صفر، وخلع أبي أحمد عليه، ثم مصير
عبيد الله بن عبد الله إلى منزله، فخلع عليه فيه خلعة عمرو بن الليث،
وبعث إليه عمرو بعمود من ذهب.
وفي صفر منها غلب أساتكين على الري، وأخرج عنها طلمجور العامل كان
عليها، ثم مضى هو وابنه اذكوتكين الى قزوين، وعليها أبرون أخو كيغلغ،
فصالحاه ودخلا قزوين، وأخذا محمد بن الفضل بن سنان العجلي، فأخذا
أمواله وضياعه، وقتله أساتكين ثم رجع إلى الري، فقاتله أهلها فغلبهم
ودخلها.
وفيها وردت سريه من سرايا الروم تل بسمى من ديار ربيعة، فقتلت من
المسلمين، وأسرت نحوا من مائتين وخمسين إنسانا، فنفر أهل نصيبين وأهل
الموصل، فرجعت الروم.
وفيها مات ابو الساج بجنديسابور في شهر ربيع الآخر، منصرفا عن عسكر
عمرو بن الليث إلى بغداد، ومات قبله في المحرم منها سليمان بن عبد الله
ابن طاهر.
وولى عمرو بن الليث فيها أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف أصبهان وولي
فيها محمد بن أبي الساج الحرمين وطريق مكة.
وفيها ولي أغرتمش ما كان تكين البخاري يليه من عمال الأهواز، فسار
أغرتمش إليها، ودخلها في شهر رمضان، فذكر محمد بن الحسن أن مسرورا وجه
أغرتمش وأبا ومطر بن جامع لقتال علي بن أبان، فساروا حتى انتهوا إلى
تستر، فأقاموا بها، واستخرجوا من كان في حبس تكين، وكان فيه جعفرويه في
جماعة من أصحاب قائد الزنج، فقتلوا جميعا وكان مطر بن
(9/549)
جامع المتولي قتلهم، ثم ساروا حتى وافوا
عسكر مكرم، ورحل اليهم على ابن أبان، وقدم أمامه إليهم الخليل أخاه،
فصار إليهم الخليل، فواقفهم وتلاه علي، فلما كثر عليهم جمع الزنج،
قطعوا الجسر وتحاجزوا، وجنهم الليل، فانصرف علي بن أبان في جميع
أصحابه، فصار إلى الأهواز، وأقام الخليل فيمن معه بالمسرقان وأتاه
الخبر بأن أغرتمش وأبا ومطر بن جامع قد أقبلوا نحوه، ونزلوا الجانب
الشرقي من قنطرة أربك ليعبروا إليه، فكتب الخليل بذلك إلى أخيه علي بن
أبان، فرحل علي إليهم حتى وافاهم بالقنطرة، ووجه إلى الخليل يأمره
بالمصير إليه، فوافاه وارتاع من كان بالأهواز من أصحاب علي، فقلعوا
عسكره، ومضوا إلى نهر السدرة، ونشبت الحرب بين علي بن أبان وقواد
السلطان هناك، وكان ذلك يومهم، ثم تحاجزوا.
وانصرف علي بن أبان إلى الأهواز، فلم يجد بها أحدا، ووجد أصحابه أجمعين
قد لحقوا بنهر السدرة، فوجه إليهم من يردهم، فعسر ذلك عليه فتبعهم،
فأقام بنهر السدرة، ورجع قواد السلطان حتى نزلوا عسكر مكرم، وأخذ على
ابن أبان في الاستعداد لقتالهم وأرسل إلى بهبوذ بن عبد الوهاب، فأتاه
فيمن معه من أصحابه، وبلغ أغرتمش وأصحابه ما أجمع عليه من المسير إليهم
علي، فساروا نحوه، وقد جعل علي بن أبان أخاه على مقدمته، وضم إليه
بهبوذ وأحمد بن الزرنجي، فالتقى الفريقان بالدولاب فأمر علي الخليل بن
أبان أن يجعل بهبوذ كمينا، فجعله وسار الخليل حتى لقي القوم، ونشب
القتال بينهم، فكان أول نهار ذلك اليوم لأصحاب السلطان، ثم جالوا جولة
وخرج عليهم الكمين، وأكب الزنج إكبابة، فهزموهم، وأسر مطر بن جامع، صرع
عن فرس كان تحته، فأخذه بهبوذ، فأتى به عليا، وقتل سيما المعروف بصغراج
في جماعة من القواد.
ولما وافى بهبوذ عليا بمطر، سأله مطر استبقاءه، فأبى ذلك علي، وقال:
لو كنت أبقيت على جعفرويه لأبقينا عليك وأمر به فأدني إليه، فضرب عنقه
بيده
(9/550)
ودخل علي بن أبان الأهواز، وانصرف أغرتمش
وأبا فيمن أفلت معهما، حتى وافيا تستر، ووجه علي بن أبان بالرءوس إلى
الخبيث، فأمر بنصبها على سور مدينته.
قال: وكان علي بن أبان بعد ذلك يأتي أغرتمش وأصحابه، فتكون الحرب بينهم
سجالا عليه وله، وصرف الخبيث أكثر جنوده إلى ناحية علي بن أبان، فكثروا
على أغرتمش، فركن إلى الموادعة، وأحب علي بن أبان مثل ذلك، فتهادنا
وجعل علي بن أبان يغير على النواحي، فمن غاراته مصيره إلى القرية
المعروفة ببيرود، فظهر عليها، ونال منها غنائم كثيرة، فكتب بما كان منه
من ذلك إلى الخبيث، ووجه بالغنائم التي أصابها وأقام.
وفيها فارق إسحاق بن كنداجيق عسكر أحمد بن موسى بن بغا، وذلك أن أحمد
بن موسى بن بغا لما شخص إلى الجزيرة ولى موسى بن أتامش ديار ربيعة،
فأنكر ذلك إسحاق، وفارق عسكره لسبب ذلك، وصار إلى بلد، فأوقع بالأكراد
اليعقوبية فهزمهم، وأخذ أموالهم فقوي بذلك، ثم لقي ابن مساور الشاري
فقتله.
وفي شوال منها قتل أهل حمص عاملهم عيسى الكرخي وفيها أسر لؤلؤ غلام
أحمد بن طولون موسى بن أتامش، وذلك أن لؤلؤا كان مقيما برابية بني
تميم، وكان موسى بن أتامش مقيما برأس العين، فخرج ليلا سكران ليكبسهم،
فكمنوا له، فأخذوه أسيرا، وبعثوا به إلى الرقة.
ثم لقي لؤلؤ أحمد بن موسى وقواده ومن معهم من الأعراب في شوال، فهزم
لؤلؤ، وقتل من أصحابه جماعة كثيرة، ورجع ابن صفوان العقيلي.
والأعراب إلى ثقل عسكر أحمد بن موسى لينتهبوه، وأكب عليهم أصحاب لؤلؤ،
فبلغت هزيمة المنفلت منهم قرقيسيا، ثم صاروا إلى بغداد وسامرا، فوافوها
في ذي القعدة، وهرب ابن صفوان إلى البادية
(9/551)
وفيها كانت بين أحمد بن عبد العزيز بن أبي
دلف وبكتمر وقعة، وذلك في شوال منها، فهزم أحمد بن عبد العزيز بكتمر
فصار إلى بغداد.
وفيها أوقع الخجستاني بالحسن بن زيد بجرجان على غرة من الحسن، فهرب منه
الحسن، فلحق بآمل، وغلب الخجستاني على جرجان وبعض أطراف طبرستان، وذلك
في جمادى الآخرة منها ورجب.
وفيها دعا الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن حسن الأصغر العقيقي
أهل طبرستان إلى البيعة له، وذلك أن الحسن بن زيد عند شخوصه إلى جرجان
كان استخلفه بسارية، فلما كان من أمر الخجستاني وأمر الحسن ما كان
بجرجان، وهرب الحسن منها، أظهر العقيقي بسارية أن الحسن قد أسر، ودعا
من قبله إلى بيعته، فبايعه قوم، ووافاه الحسن بن زيد فحاربه، ثم احتال
له الحسن حتى ظفر به فقتله.
وفيها نهب الخجستاني أموال تجار أهل جرجان، وأضرم النار في البلد.
وفيها كانت وقعة بين الخجستاني وعمرو بن الليث، علا فيها الخجستاني على
عمرو وهزمه، ودخل نيسابور، فأخرج عامل عمرو بها عنها، وقتل جماعة مما
كان يميل الى عمرو بها.
ذكر الخبر عن الفتنة بين الجعفرية والعلوية
وفيها كانت فتنة بالمدينة ونواحيها بين الجعفرية والعلوية.
ذكر الخبر عن سبب ذلك:
وكان سبب ذلك- فيما ذكر- أن القيم بأمر المدينة ووادي القرى ونواحيها
كان في هذه السنة إسحاق بن محمد بن يوسف الجعفري، فولى وادي القرى
عاملا من قبله، فوثب أهل وادي القرى على عامل إسحاق بن محمد، فقتلوه،
وقتلوا أخوين لإسحاق، فخرج إسحاق إلى وادي القرى، فمرض به ومات فقام
بأمر المدينة أخوه موسى بن محمد، فخرج عليه الحسن بن موسى بن
(9/552)
جعفر، فارضاه بثمانمائه دينار ثم خرج عليه
أبو القاسم أحمد بن اسماعيل ابن الحسن بن زيد، ابن عم الحسن بن زيد
صاحب طبرستان، فقتل موسى، وغلب على المدينة وقدمها أحمد بن محمد بن
إسماعيل بن الحسن بن زيد، فضبط المدينة، وقد كان غلا بها السعر، فوجه
إلى الجار، وضمن للتجار أموالهم، ورفع الجباية، فرخص السعر، وسكنت
المدينة، فولى السلطان الحسني المدينة إلى ان قدمها ابن ابى الساج.
[أخبار متفرقة]
وفيها وثبت الأعراب على كسوة الكعبة، فانتهبوها، وصار بعضها إلى صاحب
الزنج، وأصاب الحاج فيها شدة شديدة.
وفيها خرجت الروم إلى ديار ربيعة، فاستنفر الناس، فنفروا في برد ووقت
لا يمكن الناس فيه دخول الدرب.
وفيها غزا سيما خليفة أحمد بن طولون على الثغور الشامية في ثلاثمائة
رجل من أهل طرسوس، فخرج عليهم العدو في بلاد هرقلة، وهم نحو من أربعة
آلاف، فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل المسلمون من العدو خلقا كثيرا، وأصيب
من المسلمين جماعة كثيرة وفيها كانت بين إسحاق بن كنداجيق وإسحاق بن
أيوب وقعة، هزم فيها ابن كنداجيق إسحاق بن أيوب، فألحقه بنصيبين، وأخذ
ما في عسكره، وقتل من أصحابه جماعة كثيرة، وتبعه ابن كنداجيق، وصار إلى
نصيبين، فدخلها، وهرب إسحاق بن أيوب منه، واستنجد عليه عيسى ابن الشيخ
وهو بآمد وأبا المغراء بن موسى بن زرارة، وهو بأزرن، فتظاهروا على ابن
كنداجيق، وبعث السلطان إلى ابن كنداجيق بخلع ولواء على الموصل وديار
ربيعة وأرمينية مع يوسف بن يعقوب، فخلع عليه، فبعثوا يطلبون الصلح،
ويبذلون له مالا على أن يقرهم على أعمالهم مائتي ألف دينار.
وفيها وافى محمد بن أبي الساج مكة، فحاربه ابن المخزومي، فهزمه ابن
(9/553)
أبي الساج، واستباح ماله، وذلك يوم التروية من هذه السنة.
وفيها شخص كيغلغ إلى الجبل، ورجع بكتمر الى الدينور. |