تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

سنه ثلاثين وثلاثمائة
انحدر ابن رائق في عاشر المحرم الى واسط، حين اخر عنه البريدى ما ضمنه، فهرب عند قربه منها البريدى الى البصره، وانفذ اليه مائه وسبعين الف دينار، وضمن حمل ستمائه الف دينار في السنه.
فاصعد ابن رائق الى بغداد، وانفذ صاحب خراسان الى المتقى لله هدايا من غلمان اتراك وطيب وخيل، على يدي ابى العباس بن شقيق، وانفذ معه برأس ما كان، فشهر ببغداد في دجلة.
وشغب توزون والاتراك على ابن رائق، وساروا الى البريدى فقوى بهم ولقوه بواسط.
وكوتب البريدى من الحضره بالوزارة، واستخلف له ابن شيرزاد، ثم عول على الإصعاد الى الحضره، فركب المتقى وابنه وابن رائق، بين ايديهم المصاحف المنشورة، واستنفروا العامه، ولعن بنو البريدى على المنابر.
واصعد ابو الحسين البريدى الى بغداد في جيش أخيه، فاستامن اليه قرامطه ابن رائق.
وعمل ابن رائق على التحصن بدار السلطان، ونصبت العرادات على سورها، واستنهض العامه، فكان ذلك سببا للفتن واحرقوا نهر طابق، وكبسوا المنازل ليلا ونهارا.
واشتبكت الحرب بين ابى الحسين البريدى وابن رائق في الماء، واشتدت الحرب في حادي عشر من جمادى الآخرة، وملك الديلم من اصحاب البريدى دار السلطان، فخرج وابنه هاربين ومضوا الى باب الشماسيه، فلحق بهم ابن رائق، واصعدوا الى الموصل فيها.
وقيد كورنكج وحده واحدره الى أخيه، فكان آخر العهد به

(11/331)


وكان القاهر محبوسا، فتركه الموكلون به فخرج فرئي وهو يتصدق بسوق الثلاثاء، فبلغ ذلك البريدى، فانفذ بمن اقامه واجرى له في كل يوم خمسه دراهم.
ونزل البريدى دار مؤنس، وقلد توزون الشرطه، فلما وليها سكنت الفتنة، وأخذ ابو الحسين حرم توزون وعيالات القواد رهينه وانفذهم الى أخيه، وغلت الأسعار.
وظلم البريدى الناس، وافتتح الخراج في آذار، وافتتح الجزية، وأخذ الأقوياء بالضعفاء، وقرر على الحنطة وسائر المكيلات من كل كر سبعين درهما، وقبض على خمسمائة كر، وردت للتجار من الكوفه، وادعى انها للحسن بن هارون فقلد الناحية.
وهرب خجخج الى المتقى لله.
وتخالف توزون ونوشتكين والاتراك على كبس ابى الحسين البريدى، فغدر نوشتكين بتوزون.
ونمى الخبر الى الحسين، فتحرز واحضر الديلم فاستظهر بهم.
وقصد توزون دار ابى الحسين، وغلقت الأبواب دونه.
وانكشف لتوزون غدر نوشتكين به، فلعنه، وانصرف ضحوه نهار يوم الثلاثاء، ومضى معه قطعه وافرة من الاتراك الى الموصل، وقاتلت العامه البريدى، فقوى ابن حمدان بتوزون وبالاتراك، وعمل على الانحدار مع المتقى لله الى بغداد، وبلغ ذلك البريدى فكتب الى أخيه يستمده فامده بجماعه من الديلم والقواد.
واخرج ابو الحسين مضربه الى باب الشماسيه، واظهر انه يحارب ابن حمدان، وذلك بعد ان قتل ابن حمدان ابن رائق، وكان سبب قتله، ان ابن حمدان كان بشرقى الموصل وابن رائق والمتقى بغربيها، فما زالت المراسلات بينهم، حتى توثق بعضهم من بعض وانس بهم.
فعبر الأمير ابو منصور بن المتقى لله ومعه ابن رائق، يوم الاثنين لتسع بقين من رجب، الى ابن حمدان، فلقيهم اجمل لقاء ونثر على الأمير الدنانير.
فلما اراد الانصراف ركب الأمير ابو منصور، وقدم فرس ابن رائق ليركب من داخل المضرب، فامسكه ابو محمد بن حمدان، وقال: تقيم عندي اليوم لنتحدث فان بيننا ما نتجاراه، فقال له ابن رائق: امضى في خدمه الأمير واعود، فالح عليه ابن حمدان

(11/332)


إلحاحا استراب به ابن رائق، فجذب كمه من يده حتى تخرق، وكانت رجله في الركاب فشب به الفرس فوقع وقام ليركب، فصاح ابو محمد لغلمانه: ويلكم لا يفوتكم! فقتلوه.
وانفذ للمتقى لله ان ابن رائق اراد ان يغتاله، فرد عليه المتقى انه الموثوق به.
وعبر الى المتقى، فخلع عليه وعقد له لواء، ولقبه ناصر الدولة، وجعله امير الأمراء وكناه، وذلك مستهل شعبان، وخلع على أخيه على، وعلى ابى عبد الله الحسين بن سعيد ابن حمدان وكتب الى القراريطى بتقليد الوزارة.
ولما قارب المتقى بغداد، هرب ابو الحسين البريدى عنها الى واسط.
ودخل المتقى وناصر الدولة واخوه الشفيعى ولقى القراريطى المتقى وناصر الدولة.
وتقلد ابو الوفاء توزون الشرطه.
وخلع المتقى على القراريطى خلع الوزارة لليلتين خلتا من ذي القعده.
وخلع بعد ذلك، على ناصر الدولة وأخيه وطوقهما وسورهما.
وأتاهم الخبر ان البريدى على قصد بغداد، فعبر حينئذ المتقى وناصر الدولة الى الجانب الغربي، وسار ابو الحسن على بن عبد الله بن حمدان في الجيش الى الكيل، ولقيهم البريدى بها، ومعه ابن شيرزاد وابن قرابه في الديلم وجيش عظيم فكانت الوقعه مستهل ذي الحجه يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعه، ومع ابن حمدان توزون وخجخج والاتراك، فانهزم على واصحابه الى المدائن، فردهم ناصر الدولة الى الكيل، فانهزم حينئذ البريدى، واستؤسر من اصحابه يانس وجماعه من قواد البريدى.
وعاد الى واسط، واستامن الى ابن حمدان محمد بن ينال الترجمان، وجماعه من قواد البريدى، وعاد منهزما مفلولا.
وانحدر سيف الدولة الى واسط، فوجد البريديين قد انحدروا منها فأقام بها.
ودخل ناصر الدولة يوم الجمعه لثانى عشر ليله بقيت من ذي الحجه، بغداد وبين يديه يانس غلام البريدى واصحابه مشهرين على رءوسهم البرانس، وسار في الجانب الغربي الى دار عمه ابى الوليد سليمان بن حمدان، وهي بالقرب من الجسر، ولأجل هذا لقب المتقى لله أبا الحسن على بن حمدان، بسيف الدولة، وكتب في ذلك ابن ثوابه كتابا.
ولأجل هذا يقول المتنبى في قصيدته في سيف الدولة:

(11/333)


انا منك بين مكارم وفضائل ... ومن ارتياحك في غمام دائم
يقول فيها:
ان الخليفة لم يسمك سيفه ... حتى ابتلاك فكنت عين الصارم
فإذا تتوج كنت دره تاجه ... وإذا تختم كنت فص الخاتم
قال ابو الفتح: يقال فص وفص والفتح اكثر.
وإذا انتضاك على العدى في معرك ... هلكوا وضاقت كفه بالقائم
وظهر الكوفى لناصر الدولة وخدمه.
وأخذ ابو زكريا السوسي لابن مقاتل أمانا، وشرط ان استقر ما بينه وبين ناصر الدولة، تمم الظهور، والا عاد الى استتاره.
فلما عاد لم يتمش بينهما امر، فقال له: عد الى استتارك، فقال ابن مقاتل: لم أجد عهدا، وان شئت فعلت.
فضج ناصر الدولة من ذلك، وعلم انها حيله وقعت عليه، فصحح امره على مائه وثلاثين الف دينار، وعلى ان ينفذ جيشا الى حلب ليفتحها، وصح له خمسون الف دينار.
ونظر ناصر الدولة في امر النقد، وطالب بتصفيه العين والورق، وضرب دنانير سماها الابريزيه، وبيع الدينار منها بثلاثة عشر درهما، بعد ان كان عشره، وكتب ابن ثوابه عن المكتفي في ذلك كتابا.
وفي هذه السنه توفى ابو الحسن على بن اسماعيل بن بشر الأشعري المتكلم.
وولد سنه ستين ومائتين، ودفن في مشرعه الروايا في تربه الى جانبها مسجد، وبالقرب منها حمام على يسار المار من السوق الى دجلة واخبر بذلك الخطيب عن ابن برهان، وعمرها ابو سعيد الصوفى في زماننا.

(11/334)


سنه احدى وثلاثين وثلاثمائة
[أخبار]
ورد الخبر، بان الأمير معز الدولة وافى من الاهواز الى عسكر ابى جعفر، بإزاء نهر معقل، واظهر ان السلطان كاتبه حتى يحارب البريديين، فأقام مده يحاربهم ثم عاد الى الاهواز.
وورد الخبر بورود الروم قريبا من نصيبين فسبوا واحرقوا.
وضرب ناصر الدولة أبا على هارون بن عبد العزيز الأوار، حتى على ضعف جسمه سبعمائة مقرعه، وصادره على عشرين الف دينار، وكان يكتب لابن مقاتل، وصادر جماعه من أسبابه، وعمل لدار عمه ابى الوليد في دجلة انفق عليها مالا، وزوج ابنته عدويه من الأمير ابى منصور بن المتقى، ووكل في العقد أبا عبد الله بن ابى موسى الهاشمى، وكان الخطيب ابو الحسن الخرقى، فلحن في خطبته، وتمم العقد ابن ابى موسى على صداق خمسمائة الف درهم، وتعجيل مائه الف دينار.
وقبض القراريطى على جماعه من الكتاب وصادرهم.
وقبض على ابى القاسم بن زنجى، فامتنع من الغذاء أياما، وبقي لا يتكلم، فحمله الى منزله خوفا عليه من حادثه في اعتقاله، وظنه انه يموت من يومه، ووكل به في منزله فدبر امره واستتر.
وقبض على ابى الفتح بن داهر العامل، وكان يوسع على المكلفين الموكلين ويسقيهم الشراب، فأطعمهم يوما قطائف منبج، فقام وهرب.
واحدث القراريطى سوما في الظلم، فلم يمهله الله تعالى، فعبر الى دار ناصر الدولة فقبض عليه وعلى اصحابه، فكانت وزارته ثمانية اشهر وسته وعشرين يوما.
وفي جمادى الاولى هرب قطعه من الجيش الى البريدى.
واغاث الله تعالى الضعفاء عند تعذر الخبز بجراد اسود، فبيع كل خمسين رطلا بدرهم.

(11/335)


وزارة ابى العباس الاصفهانى
ولما قبض ناصر الدولة على القراريطى جعل الوزارة الى ابى العباس احمد بن عبد الله الاصفهانى، وخلع عليه المتقى خلع الوزارة، ولبس القباء والسيف والمنطقه، وابو عبد الله الكوفى المدبر للأمور.
وصادر القراريطى على خمسمائة الف درهم، وحمل الى دار ابن ابى موسى الهاشمى.
وكان ناصر الدولة ينظر في احوال الناس كما ينظر اصحاب الشرط، وتقام الحدود بين يديه.
وصار عدل، حاجب بجكم بعده الى ابن رائق، وبعده الى ناصر الدولة، فقلده الرحبه، واستولى عليها وكثر اتباعه، فانفذ ناصر الدولة ببدر الخرشنى لحربه.
فلما صار بدر بالدالية، توقف عن المسير الى عدل، وكاتب لاخشيد محمد بن طغج وهو بدمشق يستاذنه في المسير اليه، فاذن له وانفذ اليه القرب والجمال والروايا، فسلك بدر البريه، ووصل دمشق، فقلده الإخشيد المعاون بها، وجعلت الرحبه واعمال الفرات لعدل، وعامله ابو على النوبختى.
وحصل لعدل من المصادرات الفى الف درهم، فاتسعت يده، وكثر رجاله، واقبل الديلم والاتراك يقصدونه من بغداد في المرقعات فخلع عليهم.
وتمت على عدل الحيله من سهلون كاتب ناصر الدولة، لأنه اراد المضى الى يانس المؤنسى بالرقة، فمنعه عدل من ذلك، فقال له سهلون: قد كثر اتباعك ولا يفيء بمؤونتكم ما في يديك، وانا اكتب عن ناصر الدولة الى يانس، بتسليم الرقة إليك، فتبعه على ذلك.
وبلغا الخانوقه، فقال له سهلون: الرأي ان اتقدمك اليه، فطلب منه رهينه فقال:

(11/336)


ان رآك وقد أخذت رحلي فطن، فتركه، فلما حصل بالرقة مع يانس كاتبا بنى نمير.
فلما عرف عدل الصورة، سار الى نصيبين، فلقيه الحسين بن سعيد بن حمدان، فاستامن اصحاب عدل الى الحسين، فاسره وابنه وسلمهما وأنفذهما الى ناصر الدولة وشهرهما على جملين.
وحصل سيف الدولة بواسط، ودافعه اخوه ناصر الدولة بحمل المال.
وكان توزون وجوجوج يسيئان الأدب عليه، فضاق ذرعا بتحكمهما، فانفذ اليه ناصر الدولة أبا عبد الله الكوفى في الفى الف درهم وخمسين الف دينار.
فلما وصل الى واسط، قام توزون وجوجوج الى الكوفى، فشتماه واسمعاه مكروها، فخباه سيف الدولة في بيت وقال: اما تستحيان منى! فلما كان يوم الأحد آخر شعبان كبس الاتراك سيف الدولة، واحرقوا سواده، فهرب ولزم نهرا يقال له الجازور، فاداه الى قريه تعرف ببرقه، ولزم البريه حتى وصل الى بغداد واتبعوه فرسخا.
وعاد توزون وجوجوج الى معسكرهما.
ووصل الكوفى الى بغداد لليلتين خلتا من شهر رمضان، ولقى ناصر الدولة، وعرفه الصورة، فاصعد الى الشماسيه، وركب المتقى لله اليه، فسأله التوقف عن الخروج من بغداد، ونهبت داره رابع شهر رمضان.
وافلت يانس غلام البريدى وعاد الى صاحبه فاستتر الكوفى وابن مقاتل.
وخرج الديلم الى المصلى، وضبط الاتراك الذين بالبلد بغداد، ثم عاد الديلم.
ودبر الأمور القراريطى.
وانعقدت الرئاسة بواسط لتوزون، بعد منازعه من جوجوج له، ثم تظاهرا، وكانت مده وقوع اسم الوزارة على ابى العباس الاصفهانى أحدا وخمسين يوما، ومده اماره ناصر الدولة ابى محمد الحسن عبد الله بن حمدان ثلاثة عشر شهرا وثلاثة ايام.
وتقدم توزون الى جوجوج بالانحدار الى نهر ابان، ورد البريدى عن واسط انه قصدها

(11/337)


ووافى رسول البريدى عيسى بن نصر الى توزون، يهنئه بالاماره ويسأله ان يضمنه اعمال واسط، ويعرفه ان الرأي ان يعجل الى الحضره، ويخرج ابن حمدان عنها، فأجابه: ان عسكرى عسكر بجكم الذين جربت، وإذا استقرت الأمور تكلمنا في الضمان، واتبعه جاسوسا يعرفه ما يجرى بينه وبين جوجوج، فعاد الجاسوس وعرفه ان جوجوج على الاستئمان الى البريدى، فسار اليه توزون في ثانى عشر شهر رمضان في مائه من الاتراك فكبسه في فراشه.
فلما احس به ركب دابه النوبه، واخذلتا ودفع عن نفسه، ثم أخذ بعد ساعه وحمله توزون الى واسط، فسلمه في دار عبد الله بن يونس
. وزارة ابى الحسين بن مقله
ولما انصرف ناصر الدولة من بغداد، قلد المتقى وزارته أبا الحسين على بن محمد ابن مقله، وخلع عليه في حادي عشر شهر رمضان.
وعاد سيف الدولة الى بغداد، فلما بلغ جرجرايا عرف سيف الدولة ذلك، فاصعد عن باب حرب، لسبع بقين من شهر رمضان، ونزل دار مؤنس.
ولثلاث بقين من شهر رمضان، دخل البريدى واسطا، فاحرق ونهبت واحتوى على الغلات
. اماره توزون
واقام توزون، فخلع عليه المتقى وقلده امره الأمراء، وعقد له لواء، فاسرف بالخلع الى دار مؤنس، واستكتب أبا جعفر الكرخي، وقبض على جماعه من التجار وطالبهم بمال.
وقبض على ابى بكر محمد بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمى

(11/338)


واستتر منه ابن ابى موسى الهاشمى لتحققه بناصر الدولة، وكان قد اسر عند هزيمه سيف الدولة غلاما حظيا عند سيف الدولة، فاطلقه ووهبه لسيف الدولة، وبعثه اليه حين حصل ببغداد، فحسن هذا الفعل من ناصر الدولة وسيفها، حتى قال ناصر الدولة:
قد قلدت توزون الحضره، واستخلفته هناك، فسكنت نفسه حينئذ.
وغلا السعر ببغداد، حتى بيع اربعه أرطال بدرهم.
ووجه بالديلم الى قطيعه أم جعفر، فكبسوا الدكاكين، وأخذوا من الدقيق وقر زورقين عظيمين، وواثبهم العامه.
وانحدر ثالث عشر ذي القعده وخلف ببغداد الترجمان.
وخطب ابن مقله كتابه توزون لعمه ابى عبد الله، وانفذ اليه هديه، منها عشرون ثوبا دبيقيا وعشرون رداء قصبا وطيبا، وذلك بعد ان استكتب توزون القراريطى وصرف النوبختى، فلم يجب توزون الى ذلك، وقال: لا يحسن بي صرفه بعد ثلاثة ايام من استخدامى له.
ووافاه بواسط ابن شيرزاد من البصره فتلقاه توزون في دجلة وسر به، وقال:
يا أبا جعفر كملت امارتى وهذا خاتمي فخذه ودبرني بأمرك، فأنت ابى، فقبل ابو جعفر يده.
فانصرف ابن شيرزاد الى دار الصوفى فنزلها، وانفذ أبا الحسن طازاذ الى الحضره لخلعه، وانفذ معه صافيا غلام توزون في خمسين غلاما، ليقوى يده وامر بالقبض على القراريطى، وان يسلمه الى ابن مقله، ومطالبته بالعشرين الف دينار.
وكان سبب تخلص ابن شيرزاد من البريدى ان يوسف بن وجيه صاحب عمان.
وافى البصره في ذي الحجه، في المراكب والشذاآت، وغلب على الأبله، فهرب ابن شيرزاد وطازاذ وابو عثمان سعيد بن ابراهيم كاتب بدر الخرشنى.
وانصرف يوسف، وقد قارب ان يملك البصره، حتى اتى البريدى بفلاح يعرف بالزبارى، فقال: انا احرق مراكبه، وكانت بالليل يشد بعضها الى بعض، كالجسر في عرض دجلة، فاعتمد الزبارى الى زورقين فملأهما زعفا، واضرمهما نارا

(11/339)


وأرسلهما، فوقعت على المراكب، فاشتعلت وتقطعت واحرق من فيها، وانتهب الناس منها مالا عظيما.
وهرب يوسف على وجهه، واستشعر ابن مقله الخوف من ابن شيرزاد، واوقع بين المتقى وتوزون وقال: قد عزم على ان يأخذ منك خمسمائة الف دينار كما أخذ من البريدى، وقال: هذه بقية تركه بجكم.
ووافى ابن شيرزاد الحضره في ثلاثمائة غلام، ووصل الى المتقى، واشار عليه ابن مقله والترجمان بالقبض عليه فلم يفعل.
وفي شهر رمضان ورد الخبر بموت نصر بن احمد صاحب خراسان، وترتب ابنه نوح في موضعه.
واتصلت الفتن ببغداد، فانتقل كثير من تجارها مع الحاج الى مصر والشام.
وورد من ملك الروم كتاب يلتمس فيه منديلا ببيعه الرها، وذكر ان عيسى ابن مريم ع، مسح به وجهه، وانه حصلت صوره وجهه فيه، وانه ان انفذ اليه اطلق الأسارى، فاستامر ابن مقله المتقى، فأمره باحضار الناس، فاستحضر على ابن عيسى والفقهاء والقضاه، فقال بعض من حضر: هذا المنديل منذ الدهر الطويل في البيعه، ولم يلتمسه ملك من الملوك، وفي دفعه غضاضه على المسلمين، وهم أحق بمنديل عيسى ع، فقال على بن عيسى: خلاص المسلمين من الاسر اوجب، فامر المتقى بتسليم المنديل وان يخلص به الأسارى، وكتب بذلك عنه.

(11/340)


سنه اثنتين وثلاثين وثلاثمائة
وافى ابو عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان الى باب حرب في جيش كثير، فخرج اليه المتقى لله وحرمه وولده، وابن مقله وابو نصر محمد بن ينال الترجمان، وخرج معه العمال والوجوه، وسلامه الطولونى وابو زكريا السوسي وابو محمد الماذرائى والقراريطى وابو عبد الله الموسوى وغيرهم.
واستتر ابن شيرزاد ونهب اقبال غلامه بعض خزائن المتقى.
وظهر ابن شيرزاد من استتاره.
ووصل سيف الدولة الى تكريت لاربع خلون من شهر ربيع الاول، فتلقاه الأمير ابو منصور، وصار معه الى المتقى لله، واشار بالاصعاد الى الموصل، فامتنع وقال:
لم توافقونى على هذا؟
وانفذ توزون حين بلغه الخبر موسى بن سليمان في الف رجل فنزل بالشماسيه.
وعقد توزون واسطا على البريدى، واصعد فوصل بغداد عاشر ربيع الاول.
فعند ذلك، انفذ المتقى حرمه الى الموصل، وانحدر اليه ناصر الدولة في بنى نمير وبنى كلاب وبنى اسد، فتلقاه المتقى وسار توزون اليهم، الى قصر الجص، ودامت الحرب فيه، بين سيف الدولة وبين توزون ثلاثة ايام، فانهزم سيف الدولة حينئذ، واصعد معه اخوه ناصر الدولة، ونهب اعرابهما سوادهما.
وملك توزون تكريت، فشغب عليها اتراكه، ولحق بعضهم بناصر الدولة، فانحدر حينئذ توزون الى بغداد، وأنقذ بابن ابى موسى في الصلح بينه وبين ناصر الدولة.
وانحدر سيف الدولة من الموصل، ومعه الجيش للقاء توزون، وكان توزون قد زوج ابنته من ابى عبد الله البريدى.
وسار توزون الى حربى فالتقيا أول شعبان، فانهزم سيف الدولة، وسار

(11/341)


الى الموصل فعند ذلك خرج اخوه ناصر الدولة والمتقى لله وسائر من معهم الى نصيبين، وخرج توزون وراءهم الى الموصل، ومعه ابن شيرزاد، فاستخرج منها مائه الف دينار.
وللنامى يذكر وقعه سيف الدولة بتوزون:
على رماحك نصر الله قد نزلا ... فاسال به يوم تلقاك العدى الاسلا
ان ضل سعدا على مسراك مطلعه ... فقد دعته العدى المريخ او زحلا
يا ناصر الدين ان الدين في وزر ... وموئل الملك ان الملك قد والا
هاتى صنائعك الحسنى أبا حسن ... والت لمن قد بغاك العتر والزللا
وسار المتقى لله الى الرقة في حرمه وولده، ووصلها أول يوم من شهر رمضان، وانفذ من هناك بابى زكريا السوسي الى توزون، وقال: قل له: قد اوحشتنى الظنون السيئه من البريديين، وعرفت انك وهم يد واحده، وقد عفا الله عما سلف، فان آثرت رضائى فصالح نصر الدولة وارجع الى الحضره، فان الأمور تستقيم لك برضائي عنك، فقال ابو زكريا: يا امير المؤمنين انى اخافه على نفسي، فقال: إذا قصدت الصلاح كفيت، فقلت له: فان لم يتم الصلح اعود الى وطنى؟ قال: قد أذنت لك، فقبلت يده.
فلما جئت الموصل، هم الاتراك بي، وارتاب توزون بوصولى، فقلت: ايها الأمير، قد كنت اسفر بينك وبين ابن رائق، فهل عرفتني الا مستقيما؟ قال: صدقت:
فقلت: انا رجل سنى كبير وارى طاعه الخليفة، وخرجت معه احتسابا، لا اطلب الدنيا وقد انفذنى رسولا، وأنتم أولادي، ربيتكم وارى الصلح فاشار عليه ابن شيرزاد بذلك.
ووردت الاخبار بمجيء معز الدولة الى واسط، فأحب توزون اتمام الصلح.
وحصل لابن شيرزاد مائتا الف دينار.
وعقد البلد على ناصر الدولة ثلاث سنين، كل سنه بثلاثة آلاف الف وستمائه الف درهم، ودخل توزون بغداد

(11/342)


وظهر ببغداد لص يعرف بابن حمدي، فكان يعمل للعملات، ورافقه ابن شيرزاد بعد ان خلع عليه، على خمسه عشر الف دينار، فكان يؤدى الروزات بها أولا أولا.
وكان ابو يوسف البريدى قد استوحش من أخيه، فقال: قد حصل لأخي ابى عبد الله من واسط ثمانية آلاف الف دينار بذر فيها.
فصار في بعض الأيام الى دار ابى عبد الله من واسط، فتلقاه الغلمان وقتلوه.
وورد الخبر بان نافعا غلام يوسف بن وجيه صاحب غان، قتل مولاه وملك مكانه.
ودخل الروم راس عين، وسبوا من أهلها ثلاثة آلاف انسان.
ووضع ابن شيرزاد على سائر مدائن بغداد ضربته، وعم الغلاء، وصار ما كان يساوى في ايام المقتدر رحمه الله دينارا يساوى درهما.
وفي جمادى الآخرة، قبض ابو العباس الديلمى، خليفه توزون، على الشرطه ببغداد، على ابن حمدان اللص ووسطه، فخف عن الناس بعض المكاره بقتله.
وفي رجب مات ابو القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد.
وقد قالوا: مريم بنت الحسن بن مخلد أبوها وزير، تقلد الوزارة ثلاث دفعات، وزوجها القاسم بن عبيد الله، وزير المعتضد والمكتفي، وأخوها سليمان بن الحسن ابن مخلد، تقلد الوزارة للمقتدر والراضي والمتقى، وحموها عبيد الله بن سليمان وزير المعتضد، وابنها ابو على الحسن بن القاسم بن عبيد الله وزر للمقتدر بالله.
وقد تقدم قول الناس: امراه يحل لها ان نضع قناعها بين يدي اثنى عشر خليفه، كل لها محرم، وهي عاتكه بنت يزيد بن معاويه، أبوها يزيد وجدها معاويه، وأخوها معاويه بن يزيد، وزوجها عبد الملك بن مروان وابو زوجها مروان بن الحكم، وابنها يزيد بن عبد الملك، وبنو زوجها الوليد وسليمان وهشام، وابن ابنها الوليد بن يزيد، وابن زوجها يزيد بن الوليد بن عبد الملك، واخوه ابراهيم بن الوليد الذى خلع.
واصعد معز الدولة من واسط، على وعد من البريدى في نصرته فلم يف

(11/343)


وانحدر اليه توزون محاربا فالتقيا في الموضع المعروف بقباب حميد، ودامت الحرب بينهم بضعه عشر يوما وكان توزون يتأخر كل يوم، وكثر القتلى في الجانبين.
وعبر توزون نهر ديالى، واستولى على زواريق معز الدولة، فضاقت عليه الميرة، فصار الى جسر النهروان، وعبر اليه توزون في الف عربي وخمسمائة تركي على غفله، وأخذ سواده، وقتل من اصحابه خلقا واسر آخرين، في جملتهم ابن الاطروش المعروف بالداعي العلوي وابو بكر بن قرابه، وكان قد وافى مع الديلم، فصودر على عشرين الف دينار، وشغل توزون عن اتباعهم ما عاود من الصرع.
ونجا معز الدولة والصميرى ونفر يسير باسوا حال.
ولليلة بقيت من شوال، ورد الخبر بموت ابى طاهر سليمان بن الحسين الهجرى، بالجدري في منزل بهجر، في شهر رمضان وصار الأمر لإخوته.
وكان ابن سنبر يعادى المعروف بابى حفص الشريك، واحضر رجلا أصبهانيا، فكشف له دفائن وأسرارا، كان ابو سعيد كشفها لابن سنبر وحده، من غير ان يعلم ابنه أبا طاهر بذلك، وقال الاصبهانى: امض الى ابى طاهر، وعرفه ان أباه كان يدعو إليك وعرفه الاسرار.
فلما أتاه وخبره اعتقد صدقه، وقام بين يديه وسلم الأمر اليه، فتمكن وقتل أبا حفص، وكان إذا قال لأبي طاهر: ان فلانا قد مرض، معناه شك في دينهم، فطهره، قتله ابو طاهر ولو كان اخوه فخاف ابو طاهر على نفسه منه، وقال: قد وقع لي في امره شبهه، وليس بالرجل الذى يعرف الضمائر ويحيى الأموات، وقال: ان أمي عليله، وغطاها بازار، فلما جاء إليها الاصبهانى قال: هذه عليله لا تبرا فطهروها،

(11/344)


اى اقتلوها، فجلست الام، فقال له ابو طاهر واخوته: أنت كذاب وقتلوه.
وكان له سبعه من الوزراء اكبرهم ابن سنبر.
وكان لأبي طاهر اخوان، ابو القاسم سعيد بن الحسن، وابو العباس الفضل ابن الحسن، وكان امرهم واحدا، فكانوا إذا أرادوا حالا خرجوا الى الصحراء، واتفقوا على ما يعملون، فإذا انصرفوا تمموا ما عولوا عليه، وكان لهم أخ متشاغل باللذات، لا يدخل معهم في أمورهم.
وفي هذه السنه توفى ابو عبد الله البريدى، بحمى حاده، مكثت به سبعه ايام، وكان بين قتله لأخيه وبين موته ثمانية اشهر.
وانتصب ابو الحسين مكان أخيه، فاستطال على اصحابه، فمضى يانس الى ابى القاسم ابن مولات، وأخذ منه ثلاثمائة الف دينار، ففرقها في الديلم حتى عقدوا له الرئاسة، وكبسوا أبا الحسين بمسماران، فخرج من تحت ليلته، وتنكر ومضى الى الجعفرية، ومضى الى الهجرى فقبله، واقام عنده شهرا، وسار معه أخو ابى طاهر ولم يتمكنوا من دخول البلد، فسفروا بين ابى الحسين وبين عمه في الصلح، وسألوه ان يؤمنه، فاختار الإصعاد الى بغداد، وكان من حاله ما ياتى ذكره.
واجتمع لشكرستان الديلمى، ويانس، على الإيقاع بابى القاسم، فلما خرج يانس من عند القائد اتبعه بزوبين في الليل، فسلم منه وصار الى خراب فآواه.
وكان ابو القاسم معولا على الهرب، حين بلغه ما هما به، واستتر لشكرستان حين علم سلامه يانس.
وعولج يانس حتى برئ، وصادره ابو القاسم على مائه الف دينار، وتلقاه الى عمان، فلما صار في الحديدى قتله غلمان ابى القاسم، وتمكن ابو القاسم من الرئاسة.
وخرج في هذه السنه، عسكر الروسيه الى اذربيجان، وفتحوا برذعه، وملكوها وسبوا أهلها.
فجمع المرزبان بن محمد عسكره، واتته المطوعة، حتى صار في مائتي الف رجل، فلم يقاومهم، وكان أميرهم يركب حمارا

(11/345)


وكمن لهم المرزبان كمينا، وهرب من بين ايديهم، وسال الناس العود، فلم يعد احد معه، لما تمكن لهم في النفوس من الهيبه، فعاد وحده طالبا الشهاده، فاستحى خلق من الديلم وعادوا معه، فقتل أميرهم وسبعمائة منهم، وألجأهم الى حصن.
ووقع في الروسيه الوباء حين أكلوا الفاكهة، وكان الواحد منهم إذا مات، كفن بماله وسلاحه، ودفنت زوجته ومعه وغلامه إذا كان يحبه.
واخرج المسلمون، لما مضوا من قبورهم اموالا، وحملوا على ظهورهم الأموال والجواهر، واحرقوا ما عدا ذلك، وساقوا النساء والصبيان ومضوا الى سفن لهم.
واجتمع خمسه منهم في بستان ببرذعه فيهم امرد، ومعهم نسوه من سبى المسلمين، فاحاط بهم المسلمون، واجتمع قوم من الديلم عليهم، ولم يصل الى واحد منهم حتى قتلوا من المسلمين اعدادا، ولم يتمكن من واحد منهم اسرا، وكان الأمرد آخر من بقي منهم، فقتل نفسه.
وظهر للمتقى من بنى حمدان ضجر بمقامه عندهم، فانفذ بالحسن بن هارون وابى عبد الله بن ابى موسى الى توزون في الصلح، فتلقى ذلك باحسن لقاء، وحلف له ولابن مقله بمحضر من الناس.

(11/346)


سنه ثلاث وثلاثين وثلاثمائة
[أخبار]
اتى الإخشيد حلب، فاستولى عليها، وانصرف عنها ابو عبد الله الحسين بن سعيد ابن حمدان الى الرقة، فلم يوصله المتقى، وغلق أبواب البلد دونه، فمضى الى سيف الدولة وهو بحران.
واتى الإخشيد الى الرقة فخدم المتقى، ووقف بين يديه، ومشى قدامه حين ركب، فأمره بالركوب فلم يفعل، وحمل اليه اموالا، وحمل الى ابن مقله عشرين الف دينار، ولم يدع كاتبا ولا حاجبا الا بره.
واجتهد بالمتقى، ان يسير معه الى مصر والشام فلم يفعل، واشار عليه بالمقام مكانه فلم يقبل.
وانحدر المتقى الى هيت، فأقام بها، وانفذ بالقاضى الخرقى، حتى جدد على توزون الايمان والعهود والمواثيق، بعد ان لقب توزون بالمظفر.
وخرج توزون الى السندية، فلما وصلها المتقى، ترجل له وقبل الارض بين يديه، ووكل به وبالوزير، وارتجت الدنيا بفعله، ثم سمله.
وكان المتقى يتأله ويصلى ويصوم كثيرا، ولم يشرب النبيذ قط، وكان فيه وفاء وقناعه، ولم يتحظ غير جاريته التي كان يتحظاها قبل الخلافه.
ولما تمكن، استوزر كاتبه ابن ميمون قديما، ولم يغدر بأحد، وكان بر النفس، حسن الوجه، وهرب وعنده الف الف دينار أخذها من بجكم، ولم يحسن التدبير ولم تنهب دار خليفه قبله.
قال ثابت بن سنان: وحدثنى ابو العباس التميمى الرازى- وكان خصيصا بتوزون-

(11/347)


ان ابراهيم الديلمى سألني المصير الى دعوته، وكان ينزل بدار القراريطى، فجئتها وهي مفروشة، فلما جلست قال: اعلم انى خطبت الى قوم وتجملت عندهم، بان ادعيت ان لي منزله من الأمير، فقالت لي المرأة: إذا كنت بهذه المنزله، فانى ادلك على شيء يعمم صلاحه الامه، وينفعك عند الأمير، فقلت ما هو؟ قالت: فان هذا الخليفة المتقى، قد عاداكم وعاديتموه، واجتهد في هلاككم ببني حمدان وبنى بويه، فلم يتم له ما اراد، ولا يجوز ان يصفو لكم، وهاهنا رجل من ولد الخلفاء يرجع الى دين ورجله، فهل لكم ان تنصبوه للخلافة وهو يثير اموالا عظيمه.
واطالت الكلام، فهوستنى، فعلمت ان محلى لا يبلغ الى مثل ذلك، وكرهت انى اكذب نفسي في ادعاء المنزله التي ذكرتها، فاطمعتها في ذلك بك، وقد اطلعتك عليه، فقلت: اريد ان اسمع كلام المرأة، فجاءني بامرأة تتكلم بالعربية والفارسيه، من اهل شيراز، جزله شهمه قهمه، فخاطبتني بنحو ما خاطبني به الرجل فقلت لها: اريد ان القى الرجل، فاتتنى به في خف وإزار، من دار ابن طاهر، وعرفني انه عبد الله بن المكتفي بالله.
فرايت رجلا حصيفا، ورايته يميل الى التشيع، ورايته عارفا بأمر الدنيا، وضمن ستمائه الف دينار يستخرجها ويمشى بها الأمر، ومائتي الف دينار للأمير توزون، وقال: انا رجل فقير، واعرف هذه الأموال عند اقوام عندهم ذخائر الخلافه.
فصرت الى توزون، ولقيت أبا عمران موسى بن سليمان، فاطلعته على الحال، فقال: انى لا ادخل في هذه الأمور، فلما آيسنى حلفته على الكتمان، واستحلفت توزون على الكتمان بالمصحف، واخبرته، فطلب الرجل ان يبصره، فقلت: بشرط ان تكتم الحال من ابن شيرزاد.
واتى توزون معى الى دار موسى بن سليمان، فلقيه هناك وخاطبه وبايعه.
فلما وصل المتقى لله الى السندية ولقيه توزون، قلت له: ان كنت عزمت على

(11/348)


اتمام ذلك الأمر فافعله الان، فانه ان دخل بغداد، تعذر عليك الأمر، فوكل به.
وكانت المرأة التي سفرت للمستكفى المعروفه بعلم الشيرازيه، حماه ابى احمد الفضل الشيرازى، وصارت قهرمانه المستكفى، واستولت على الأمور.
وكان سمل المتقى وخلعه في صفر.

خلافه المستكفى بالله
ابى القاسم عبيد الله بن المكتفي بالله بن المعتضد بالله، أمه رومية اسمها غصن، ولى الخلافه، وسنه يومئذ احدى واربعون سنه وسبعه ايام، وكان في سن المنصور يوم ولى، وكانت خلافته سنه واربعه اشهر.
فقلد أبا الفرج محمد بن على السرمزراى الوزارة، ولم يكن اليه غير اسم الوزارة، وابو جعفر بن شيرزاد الناظر في الأمور.
وخلع على توزون، وطوقه وسوره، ووضع على راسه التاج المرصع بجواهر، وجلس بين يدي المستكفى بالله على كرسي.
وفي شهر ربيع الاول، تقلد القاضى ابو عبد الله محمد بن عيسى المعروف بابن ابى موسى الضرير القضاء بالجانب الشرقى من بغداد، وتقلد ابو الحسن محمد ابن الحسن بن ابى الشوارب القضاء في الجانب الغربي منها.
وطلب المستكفى بالله الفضل بن المقتدر طلبا شديدا، فاستتر منه، فامر بهدم داره التي على دجلة، بدار ابن طاهر، فهدمت، فلم يبق منها غير المسناه وما زال في ايام المستكفى مستترا، فلما هدم داره، قال على بن عيسى: اليوم بايع له بولاية العهد.
وقد ذكرنا حال ابى عيسى البريدى وهربه من ابى القاسم ابن أخيه، فورد الحضره بعد ما امنه ابو القاسم، واختار الإصعاد إليها، فوصلها في شهر ربيع الاول، ولقى توزون، ونزل دار طازاد، التي كانت بقصر فرج على دجلة، وسعى في ضمان

(11/349)


البصره إذا سير معه توزون جيشا، واوصله توزون الى المستكفى، فخلع عليه خلعا سلطانيه، وسار الجيش معه الى داره.
فبلغ ذلك ابن أخيه، فانفذ اليه توزون مالا اقره به على عمله.
وبلغ ابن شيرزاد ان أبا الحسين يخطب كتابه توزون، فتوصل الى القبض عليه، وضرب بدار صافى مولى توزون ضربا مبرحا، وقرض لحم فخذيه بالمقاريض، وانتزعت اظافره.
وكان ابو عبد الله بن ابى موسى، أخذ ايام ناصر الدولة فتوى الفقهاء بإحلال دم ابى الحسين، فاظهرها في هذا الوقت.
فلما كان في آخر ذي الحجه جلس المستكفى، واحضر القضاه والفقهاء، واحضر البريدى، وبسط النطع وجرد السيف، وحضر ابو عبد الله بن ابى موسى يقرا ما افتى به واحد واحد، من اباحه دمه على رءوس الاشهاد، وابو الحسين يسمع ذلك وراسه مشدود الى جثته، فامر المستكفى بضرب عنقه من غير ان يحتج لنفسه بحجه.
وأخذ راسه وطيف به في بغداد، ورد الى دار السلطان، وصلبت جثته على باب الخاصة على دجلة، في الموضع الذى كان حديديه مشدودا فيه، فكان هذا خاتمه امور الثلاثة، وعقبى ما ارتكبوه من الظلم واهله، ومن البلاء كله.
ومضى سيف الدولة الى حلب، بعد انصراف ابى بكر محمد بن طغج الإخشيد، وبها يانس، فتركها ومضى الى الإخشيد، وتسلم سيف الدولة حلب.
وفي شهر ربيع الاول، كان لسيف الدولة وقعه مع الروم، رزق الظفر فيها.
واطلق توزون أبا الحسين بن مقله، بعد ان صادره على ثلاثين الف دينار.
ثم قبض على ابى الفرج السرمزراى، وصادره على ثلاثمائه الف درهم، فكان وقوع اسم الوزارة عليه اثنين واربعين يوما

(11/350)


وخرج القاهر الى جامع المنصور، ملتفا في قطن يتصدق، ورآه ابن ابى موسى، فمنعه بالرفق واعطاه خمسمائة درهم، وقصد القاهر بذلك التشنيع.
وانفذت الى ابى القاسم البريدى الخلع، وذلك في جمادى الآخرة.
وعزم المستكفى على الخروج مع توزون، حين اخر ناصر الدولة المال، فسفر ابو القاسم بن مكرم، كاتب ناصر الدولة في الصلح، وحمل مالا تقرر.
وأخذ ابن شيرزاد خطوط الناس بمال الضمان، فدخل اليه ابو القاسم عيسى ابن على بن عيسى فقال: اكتب عن والدك بألف دينار، فكتب ومضى الى ابيه، فادى خمسمائة، وركب الى ابن شيرزاد، فخرج اليه ابو زكريا السوسي وطازاد معتذرين، فقال على بن عيسى: انى اريد ان القاه ولا اخاطبه في البقية، فمضى وعاد اليه، وقالا انه يستحيى من لقائك، فانصرف على بن عيسى كئيبا من المذلة اكثر من كابته بالعزم.
وكان هو الذى اصطنع ابن شيرزاد.
وخرج تكين الشيرزادى صاحب توزون الى جزيرة بنى غبر، وعاد الى جسر سابور، وامر اصحابه بالتقدم الى واسط، واجلس في بستان يشرب، فاحاط به عسكر البريدى فأسروه وحملوه الى البصره.
وفي رجب دخل ابو جعفر الصيمرى واسطا.
ودخلها معز الدولة ولما علم انحدار توزون اليه مع المستكفى بالله، انصرف عنها.
وراسل توزون البريدى، فاطلق تكينا وضمنه واسطا.
واصعد المستكفى وتوزون الى بغداد.
وورد كتاب نوح صاحب خراسان بفتحه جرجان وطبرستان، وكان بها الحسن ابن الفيروزان الديلمى، وملك الري.
وانصرف ركن الدولة الى أصبهان ونزل نوح بنيسابور.
وورد الخبر بانهزام سيف الدولة من الإخشيد، واتباعهم له الى الرقة، وذلك بعد ان أخذ منهم حلب وملك دمشق، واسر منهم الفى رجل، ثم انصرف عنه اصحابه فكانت هزيمته.

(11/351)