تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
سنه اربع وثلاثين
وثلاثمائة
[أخبار]
في المحرم خرج ابن شيرزاد الى هيت، فصالحه ابو المرجى عمرو بن كلثوم
مقدمها على ثمانمائه الف وخمسين الف درهم، يسقطها على اهل البلد، واقام
لأخذها.
فورد عليه الخبر بوفاه توزون في ثانى عشر المحرم، وانه دفن بتربه يانس
الموفقى.
وكانت اماره ابى الوفاء توزون سنتين واربعه اشهر وسبعه وعشرين يوما،
كتب له ابن شيرزاد سنتين وشهرا، فعقد العسكر الإمارة لابن شيرزاد.
وانحدر عن هيت، وخلف بها غلامه إقبالا، فقبلوه، وحلف له المستكفى بحضره
القضاه والعدول والعسكر، وانفذ ابن ابى موسى الى ناصر الدولة، فعاد من
عنده بخمسمائة الف درهم ودقيق، فلم يكن لها موقع، لغلاء السعر وانتشار
الأمر.
وقسط ابن شيرزاد على الكتاب والعمال والتجار ارزاق الجند، وكان في
البلد ساعيان، يعرفان بهاروت وماروت، يسعيان اليه بمن عنده قوت لعياله
فيأخذه، فصار البلد محاصرا بهذا الفعل وبالضرائب التي قررها، وانقطع
الجلب.
وكان من جمله من صادر ابو بكر محمد بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمى،
أخذ منه عشره آلاف دينار.
وقبض المستكفى على القاضى ابن ابى الشوارب، ونفاه الى سر من راى، وقسم
اعماله، فولى الشرقيه أبا طاهر محمد بن احمد بن نصر، وولى المدينة أبا
السائب عتبة بن عبيد.
وكان الى ابى عبد الله بن ابى موسى الهاشمى القضاء بالجانب الشرقى،
فدخل عليه اللصوص في شهر ربيع الآخر فأخذوا أمواله وقتلوه، فولى ابو
السائب مكانه.
وورد الخبر بوقوع الصلح بين سيف الدولة والإخشيد، وسلم اليه سيف الدولة
حلب وأنطاكية، فتزوج ابنه أخيه عبيد الله بن طغج، وتوسط ذلك الحسن بن
طاهر العلوي، فقال النامي يمدح سيف الدولة:
(11/352)
فتى قسم الأيام بين سيوفه ... وبين طريفات
المكارم والتلد
فسود يوما بالعجاج وبالقنا ... وبيض يوما بالفضائل والمجد
سرى ابن طغج في ثلاثين جحفلا ... واحجامه في الزحف عن فارس فرد
وكانت لسيف الدولة العزم عاده ... إذا كر القى البيض حدا على حد
أيا سائلي عن يومه اسمع فانه ... حديث المعالى قصه قصص الجهد
وقالت لها الهيجاء في صدر سيفه ... وقد نهدت من صدر غير الشرى نهد
كأنك من ضغن ودرعك من تقى ... وطرفك من راى وسيفك من حقد
فاظماتهم والماء معترض لهم ... واسقيتهم ماء على قصب الهند
الم تر فرعونا وموسى تنازعا ... فغودرت العقبى لذى الحق لا الحشد
فغرقه في البحر فاجعل فويقها ... لتغريقه كالبحر وامدده بالمد
فلو جئت ثمدا ناصبا ورفدته ... بجودك فاض البحر من ذلك الثمد
وورد الخبر بموت ابى عبد الله الكوفى بحلب، وقد تقدمت اخباره.
وورد الخبر بوصول الأمير ابى الحسن معز الدولة الى باجسرى وكان ابن
شيرزاد قد استخلف بواسط ينال كوشا، فدخل في طاعته، فاستتر ابن شيرزاد
حينئذ، فكانت امارته ثلاثة اشهر وخمسه ايام.
واستتر المستكفى، حتى خرج الاتراك مصعدين الى الموصل، فظهر حينئذ وأتاه
ابو محمد المهلبى فخدمه عن معز الدولة، في حادي عشر جمادى الاولى ونزل
بالشماسيه، وانفذ اليه المستكفى هدايا، ووصل اليه بعد ثلاثة ايام، فخلع
عليه وطوقه، وعقد له اللواء، وقلده الإمارة ووقف بين يدي الخليفة،
وأخذت عليه البيعه، وحلف له بايمان البيعه، على ان يصون أبا احمد
الشيرازردى وحماته علم القهرمانه، والقاضى أبا السائب، وولد ابن موسى،
وأبا العباس بن خاقان الحاجب.
ثم استخلف المستكفى، الأمير أبا الحسين واخوته، ثم ساله في امر ابن
شيرزاد،
(11/353)
فآمنه وحلف له، ولبس الخلع ولقب معز
الدولة، وكنى ولقب اخوه ابو الحسن على عماد الدولة، ولقب اخوه ابو على
ركن الدولة، وضربت القابهم على الدنانير، وانصرف الى دار مؤنس فنزلها.
ومن جمله دار مؤنس المدرسه النظامية اليوم وظهر ابن شيرزاد ولقى معز
الدولة.
وقرر المستكفى في كل يوم خمسين الف درهم لنفقته.
وكتب ابو عبد الله الحسين بن على بن مقله، الى معز الدولة رقعه يخطب
فيها كتابته، وكان قد ولاها ابن شيرزاد، فلم يؤثره عليه، وقبض على ابى
عبد الله.
وعملت علم القهرمانه دعوه عظيمه احضرتها الديلم، فقيل لمعز الدولة:
انها فعلت ذلك لتاخذ البيعه عليهم للمستكفى، وعرفوه انها هي السبب في
ولايته، فساء ظنه وانحدر الى دار الخلافه، كما جرت عادته، وانحدر معه
الصيمرى وابن شيرزاد، ووقفا في مراتبهم، وكان ابو احمد الشيرازى وولد
ابن ابى موسى واقفين، ودخل معز الدولة فقبل الارض، وجلس على كرسي،
فاوصل رسول البريدى.
وتقدم نفسان الى المستكفى، فظن انهما يريدان تقبيل يده، فمدها، فجذباه
وطرحاه الى الارض، وحملاه الى دار معز الدولة ماشيا، وقبضوا على ابن
ابى موسى وعلى علم، ونهبت الدار.
قال ابن البهلول: كنا إذا كلمنا المستكفى، وجدنا كلامه كلام العيارين،
وكان جلدا بعيد الغور والحيله، وكان يلعب قبل الخلافه بالطيور ويرمى
بالبندق، ويخرج الى البساتين للفرجه واللعب، وكان لا ينفق عليه من
الجوارى غير السودان، ولا يعاشر غير الرجال.
وعزم معز الدولة على ان يبايع أبا الحسن محمد بن يحيى الزيدي العلوي،
فمنعه الصيمرى من ذاك، وقال: إذا بايعته استنفر عليك اهل خراسان وعوام
البلدان، وأطاعه الديلم، ورفضوك وقبلوا امره فيك، وبنو العباس قوم
منصورون،
(11/354)
تعتل دولتهم مره وتصح مرارا، وتمرض تاره
وتستقل أطوارا، لان أصلها ثابت وبنيانها راسخ.
فعدل معز الدولة عن تعويله، واحدر أبا القاسم الفضل بن المقتدر بالله
من دار ابن طاهر الى دار الخلافه.
خلافه المطيع لله ابى القاسم الفضل بن
المقتدر
كانت تسعه وعشرين سنه واربعه اشهر.
بويع له يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الآخرة، أمه تدعى مشغله،
وتوفيت في مستهل ذي الحجه سنه خمس واربعين وثلاثمائة، بايعه معز
الدولة، واحدر المستكفى اليه، فسلم عليه بالخلافة، واشهد على نفسه
بالخلع، وسمل واعتقل عنده.
وقام ابن شيرزاد بتدبير الأمر، واستكتب على خاص امره أبا الحسن طازاذ
بن عيسى النصراني، واستحجب أبا العباس بن خاقان.
وأنشأ ابو العباس بن ثوابه يذكر بيعته كتابا الى الافاق.
واقام معز الدولة لنفقته في كل يوم الفى درهم.
وركب ومعز الدولة بين يديه والجيش وراءه، الى باب الشماسيه، وعاد في
المساء الى دار الخلافه، وصرف ابن نصر عن القضاء بالجانب الغربي، واعاد
ابن ابى الشوارب.
وصادر ابن شيرزاد ابن ابى موسى وعلم القهرمانه، على اربعين الف دينار،
وقطع لسانها وسلمها الى المطيع لله، ولم يعارض أبا احمد الشيرزاى لقديم
مودته.
ولما استولى ابن شيرزاد على الأمور، قال ابو الفرج بن ابى هشام: باى
شيء نفق عليك؟ وما يصلح لكتابه الإنشاء ولا لجباية الخراج، وانما تتولى
ديوان النفقات،
(11/355)
وكتب لابن الخال تاره وقد سالك المستكفى
عزله بعد ان سالك فيه فلم تجب، فقال: لما رايت عظيم لحيته، قلت: لان
يكون هذا قطانا اولى من ان يكون كاتبا، ولكن رايته قد ملك بغداد،
واستولى على الخلافه، وصار لي نظيرا، فاردت ان احطه من منزله بعد اخرى،
حتى اجعله كاتبا لأحد قوادي.
وورد ناصر الدولة والاتراك معه الى سر من راى.
ووافى ابو العطاف بن عبد الله بن حمدان، أخو ناصر الدولة، ونزل باب
قطربل وظهر له ابن شيرزاد وجماعه من العجم.
وكان معز الدولة قد اصعد ومعه المطيع الى ناصر الدولة، فتركهم ناصر
الدولة وانحدر في الجانب الشرقى، ونزل مقابل قطربل، فنهب الديلم تكريت
وسر من راى.
وانحدروا ومعهم المطيع لله الى بغداد، ومع ناصر الدولة الاتراك، وقد
جعلهم على مقدمته مع ابى عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان، وكان يخطب
في اعماله للمستكفى وهو مخلوع.
ونزل معز الدولة في قطيعه أم جعفر، وانزل المطيع لله في دير النصارى.
وقد استولى ناصر الدولة على السفن، وجعلها بالجانب الشرقى، فلحق الناس
بالجانب الغربي مجاعه شديده، وكانت الأسعار بالشرقي رخيصه، والقرامطة
من اصحاب ناصر الدولة يعبرون ويجولون بين الديلم وبين الغلات.
فابتاع وكيل معز الدولة له كر دقيق بعد الجهد بعشرين الف درهم.
وكان ابن شيرزاد، قد اثبت خلقا من العيارين ليحاربوا مع ناصر الدولة،
وظفر بكافور خادم معز الدولة فشهره، فظفر معز الدولة بابى الحسين بن
شيرزاد فصلبه حيا، فاطلق ابو جعفر الخادم فحط معز الدولة أخاه.
وكان جعفر بن ورقاء يقول لمعز الدولة: لقد سمعت ان رجلا يعد بألف رجل
فلم اصدق، حتى رايت ناصر الدولة، وقد عبر بصافى التوزونى لكبس معز
الدولة، فانفذ اليه بي وبابى جعفر الصيمرى وباسفهدرست، فرايت اسفهدرست
وقد هزمهم
(11/356)
وبنى معز الدولة في الحدق نيفا وخمسين
زبزبا، وعبر فيها، فانهزم ناصر الدولة، وملك الديلم الجانب الشرقى سلخ
ذي الحجه سحر يوم السبت، وطرحوا النار في المخرم، ونهبوا باب الطاق
وسوق يحيى، وهرب الناس لما اودعوه قلوب الديلم من السب، فخرجوا حفاه في
الحر، وطلبوا عكبرا فماتوا في الطريق.
قال بعضهم: رايت امراه تقول: انا بنت ابن قرابه، ومعى حلى وجواهر تزيد
على الف دينار، فمن يأخذها ويسقيني شربه ماء؟ فما أجابها احد، وماتت
وما فتشها احد، لشغل كل انسان بنفسه.
وامر معز الدولة برفع السيف والكف من النهب، ولما وصل ناصر الدولة الى
عكبرا، ومعه الاتراك وابن شيرزاد، انفذ بابى بكر ابن قرابه، وطلب الصلح
فتم ذلك.
وعرف الاتراك الحال، فهموا بالوثوب بناصر الدولة، فهرب الى الموصل.
وقصد عيار خيمه ناصر الدولة بباب الشماسيه ليلا، فطفا الشمعه، واراد ان
يضع السكين في حلقه وهو نائم، فوضعها في المخدة وظن انه قتله ومضى الى
معز الدولة، فاخبره فقال: هذا لا يؤمن، ودفعه الى الصيمرى وقتله.
واكل الناس في يوم الغلاء النوى والميته، وكان يؤخذ البزر قطونا ويضرب
بالماء ويبسط على طابق حديد، ويوقد تحته النار ويوكل، فمات الناس
باكله، وكان الواحد يصيح: الجوع! ويموت، ووجدت امراه قد شوت صبيا حيا
فقتلت.
وانحل السعر عند دخول الغلات.
ونظر الصيمرى فيما كان ينظر فيه ابن شيرزاد، فاستخلف له أبا عبد الله
بن مقله، فقبض على ابى زكريا السوسي، والحسن بن هارون فشتمهما، فقال
الصيمرى:
لم يكن غرضك غير التشفى منهما.
واطلق معز الدولة أبا زكريا السوسي، ولم يلزمه بشيء، والزم الحسن بن
هارون خمسين الف دينار، وعزل ابن مقله، وانفرد الصيمرى بالأمر، واقطع
اصحابه ضياع السلطان وضياع ابن شيرزاد وضياع المستترين.
وفي شعبان انبثق في البحر بثق الخالص والنهروان
(11/357)
وفي ذي الحجه مات الإخشيد ابو بكر بن طغج
بدمشق، وتقلد مكانه ابنه ابو القاسم.
وغلب كافور على الأمر وكان ابن طغج جبانا شديد التيقظ في حروبه، وكان
جيشه يحتوى على أربعمائة رجل، وكان له خمسه آلاف مملوك يحرسونه بالليل
بالنوبه، كل نوبه ألفا مملوك، ويوكل بجانب خيمته الخدم، ثم لا يثق بعد
ذلك فيمضى الى خيم الفراشين فينام.
قال التنوخي: لقب الراضي أبا بكر محمد بن طغج امير مصر بالاخشيد، وسبب
ذلك انه فرغانى، وكل ملك بفرغانه يدعى اخشيد، كما تدعو الروم ملكها
بقيصر، والفرس بكسرى، وشاها بشاه، والمسلمون بامير المؤمنين، وملك
اشروسنه صول، وملك اذربيجان اصبهبذ، وملك طبرستان يدعى سالان.
وابو بكر بن الإخشيد على مذهب الجبائي، كان جده يدعى بحضره المعتضد
الإخشيد، ولقب على ابنه بذلك، وهو من اولاد الملوك بفرغانه.
(11/358)
سنه خمس وثلاثين
وثلاثمائة
توفى هذه السنه على بن عيسى بن داود بن الجراح، وزير المقتدر بالله
رحمهما الله، وهو من دورقنى.
قال ابو سهل بن زياد القطان: كنت معه لما نفى الى مكة، فدخلناها في حر
شديد، وقد كاد يتلف، فطاف وسعى، وجاء فالقى نفسه، وهو كالميت من الحر
والتعب، تلق قلقا شديدا، وقال: اشتهى على الله شربه ماء مثلوج، فقلت:
سيدنا ايده الله، يعلم ان هذا مما لا يوجد بهذا المكان، فقال: هو كما
قلت، ولكن نفسي ضاقت عن ستر هذا القول فاسترحت الى المنى.
قال: وخرجت من عنده، فرجعت الى المسجد الحرام، فما استقررت فيه حتى
نشأت سحابه وكثفت ورعدت رعدا شديدا متصلا، ثم جاء مطر شديد وبرد كثير،
فبادرت الى الغلمان، وقلت: اجمعوا، فجمعنا شيئا كثيرا وملانا منه
جرارا.
فلما كان وقت المغرب وقد حان إفطاره، جئته بذلك، وقلت: أنت مقبل
والنكبه ستزول، ومن علامات الاقبال انك طلبت ماء ثلج وهذا ما طلبته.
فاخذ يسقى كل من في المسجد من المجاورين والصوفية السويق بالسكر
والبلح، ولم يشرب حتى مضى قطعه من الليل وقد شربوا اجمع، فقال: الحمد
لله، ليتنى كنت تمنيت المغفره، بدلا من الثلج، فلعلى كنت أجاب.
ولم أزل به حتى شرب، ومدحه بعض الشعراء فقال فيه:
بحسبك انى لا ارى لك عائبا ... سوى حاسد والحاسدون كثير
وانك مثل الغيث اما سحابه ... فمزن واما ماؤه فطهور
قال ابن كامل القاضى: سمعت على بن عيسى يقول: كسبت سبعمائة الف دينار،
اخرجت منها في وجوه البر ستمائه وثمانين ألفا.
وحكى هلال بن المحسن، قال: قال ابو على بن محفوظ: لما ورد معز الدولة
وابو جعفر الصيمرى معه الى بغداد، اراد ابو الحسن على بن عيسى الركوب
اليه،
(11/359)
وقضاء حقه، فاتفق انه نزل الى داره ليجلس
في سميريه، وابو جعفر مجتاز في طيارة، وانا وأخي وابو الحسن طازاذ بن
عيسى معه، فقال لنا: من هذا؟ فقلنا: الوزير ابو الحسن على بن عيسى،
فقال لأبي الحسن طازاذ: قدم بنا اليه فاساله ان ينزل معنا في الطيار،
فقربنا منه وسلمنا عليه، فقال له ابو الحسن طازاد: الى اين توجه سيدنا؟
فقال: اشار فتياننا بلقاء الأمير الوارد، وقضاء حقه، فعملت على ذلك،
فقال له: فينتقل سيدنا الى الطيار فانه اولى، فامتنع ولم يزل يراجعه،
وكان معه ابنه ابو نصر، فخاطبه حتى فعل وسهل عليه ذلك، ونزل، فقام له
ابو جعفر الصيمرى عن موضعه، وقد وصانا الا نعرفه اياه وكان ابو نصر
عرفه، واراد ان يشعر أباه، فلم يدعه طاعه لأبي جعفر وسرنا مصعدين،
ووصلنا الى معسكر معز الدولة بباب الشماسيه، وقدم الطيار الى المشرعه،
فقال ابو جعفر لأبي الحسن: تجلس يا سيدنا بمكانك، حتى اصعد الى الأمير
واعرفه خبرك، واوذنه بحضورك، فقال له: لك- اطال الله بقاءك- عند الأمير
اثره وبه انسه؟ قال: نعم، وصعد، فلما صعد قال ابو نصر لأبيه: هذا
الأستاذ ابو جعفر الصيمرى، فارتاع وقال له: الا أعلمتني ذلك لاوفى
للرجل حقه! قال: منعني أصحابنا، واقبل على طازاذ فقال له: لا احسن الله
جزاءك، كذا يفعل الناس، فقال: والله يا سيدنا ما فعلت ما فعلته، الا
لان الأستاذ أمرني به، ولم تمكنى المخالفه لَهُ، فَقَالَ: إِنَّا
لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! ووجم وجوما شديدا، ثم قال:
من هذان أعزهما الله! واشار الى والى أخي، فقال طازاذ أبناء محفوظ،
فاستثبته، وقال: الذى كان يصحب جعفر بن الفرات؟ قال نعم، فقال: قد كان
جعفر من العمال الظلمه.
ولما صعد الصيمرى الى معز الدولة، وجده على شراب، فلم يقل له شيئا،
وعاد الى على بن عيسى، فنهض له واعظمه، وقال له: قد جنى على أصحابنا في
كتمانى موضع الأستاذ، حتى كان من تقصيري في قضاء حقه ما لم اعتمده،
وانا اعتذر اليه ادام الله عزه من ذلك، فقال: فعل الله بك يا سيدنا
وصنع، واى تقصير جرى؟ فالتفت الى طازاذ فقال: الم اوصك بترك اعلامه
امرى! فقال ابو نصر ولده:
اعلمه، وقد حصلت بين العتب ايها الأستاذ منك ومنه، وقال له ابو جعفر:
الأمير
(11/360)
على حال لا يجوز لقاء مثلك عليها، وهو
يعتذر من تأخر الاجتماع باعتراض ما اعترض منها، وإذا تكلف سيدنا العود
في غداه غد، لقيه ووفاه من الحق ما يجب ان يوفيه اياه، والطيار يباكر
بابه وانصرف ابو الحسن.
وعاد ابو جعفر الى معز الدولة، فقال له: وافى على بن عيسى للقائك
وخدمتك، فاعتذرت اليه عنك بانك على نبيذ، ولم يجز ان يراك عليه، فقال:
من؟ على بن عيسى فقال: وزير المقتدر بالله، قال: ذلك العظيم! قال: نعم،
قال: ما وجب ان ترده، فانى كنت اقوم الى مجلس آخر والقاه فيه، فقال: ما
كان يحسن ان يشم منك رائحه شراب، وفي غد يباكرك، فقال معز الدولة: فكيف
اعامله؟ وما الذى اقول له؟ فقال له الصيمرى: تنزعج له بعض الانزعاج،
وترفع مجلسه، وتعطيه مخده من مخادك وتقول له: ما زلت مشتاقا الى لقائك،
ومتشوقا للاجتماع معك، واريد ان تشير على في تدبير الأمور، وعماره
البلاد بما يكون الصواب فيه عندك.
وجاء ابو الحسن على بن عيسى من غد، ودخل معز الدولة، فوفاه من الإجلال
والاكرام اكثر مما وافقه عليه ابو جعفر، واعطاه مخده من دسته، فقبلها
ابو الحسن وقال له ما يقال لمثله، فقال له معز الدولة: كنا نسمع بك،
فيعظم عندنا امرك، ويكثر في نفوسنا ذكرك، وقد شاهدت منك الان ما كنت
مؤثرا واليه متطلعا، والدنيا خراب، والأمور على ما تراه من الانتشار،
فأشر على بما عندك في اصلاح ذلك.
فقال له ابو الحسن: هذه النيه منك ايها الأمير داعيه الى الخير، ومسهله
للنجح، وطريق العمارة ودرور المادة، واستقامه امر الجند والرعية
والعدل، والذى اهلك الدنيا، واذهب الأموال، واخرج الممالك عن يد
السلطان خلافه، وانما يتأتى الصلاح وتطرد الأغراض بالولاة الموفقين،
والأعوان الناصحين.
وحدثنا عمر بن شبه قال: حدثنا فلان-[وذكر الاسناد عن النبي ص- انه قال:
إذا اراد الله بوال خيرا قيض له وزير صدق، ان غفل اذكره، وان رقد
أيقظه،] وقد وفق الله للأمير من هذا الأستاذ، - واشار لأبي جعفر- من
تمت فيه اسباب الكفاية، وبانت فيه شواهد المخالصة، ويوشك ان يجرى الخير
على يده ويتأتى المراد بحسن تدبيره
(11/361)
فتراجع ابو جعفر عن موضعه، وتوقف عن تفسير
هذا القول لمعز الدولة، وفطن معز الدولة ان توقفه لامر كره ذكره، فقال
لأبي سهل العارض: انظر ما يقول، ففسر له تفسيرا لم يفهم عنه، ولا
استوفى القول فيه، وتلجلج في ذكر رجال الحديث حتى استفهم معز الدولة
اسماءهم، وقال: هؤلاء أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؟ فقال ابو الحسن: لا، هؤلاء رجال نقلوا لنا الحديث عنه.
ثم عاد ابو جعفر الى الترجمه بينهما، وقال ابو الحسن: ومن اولى ما نظر
فيه الأمير وقدمه، سد هذه البثوق التي هي اصل الفساد وخراب السواد،
فقال:
وقد نذرت لله عند حضورى في هذه الحضره، الا اقدم شيئا على ذلك، ولو
انفقت فيه جميع ما املك، قال: اذن يحسن الله عونك، ويذلل لك كل صعب،
ويسهل كل مراد بين يديك.
فلما انقضى القول بينهما في ذاك، قال معز الدولة، اذكر حوائجك، لأتقدم
فيها بما اقضى به حقك، قال: الحاجة الحاضره هي الى الله تعالى في ان
يطيل بقاءك ويديم علاك، ومتى عرضت من بعد حاجه إليك، كان المعول فيها
عليك، قال: لا بد من ان تذكر شيئا، قال: حراسه منازلي، فإنها تشتمل على
عدد كثير من بنين وبنات وعجائز واهل واقارب واتباع واصحاب، قال: هذا
اقل ما افعله.
ونهض ابو الحسن، وشيعه ابو جعفر ومشى الغلمان بين يديه.
وتوفى ابو الحسن بعد عبور معز الدولة، وهزيمته ناصر الدولة بيوم، فمضى
ابو عمران موسى بن قتادة، وكان معه مائتا رجل من الديلم، فنزل داره،
وركب الصيمرى إليها، وقد فرغ من تجهيزه، ووضع في تابوته فصلى عليه،
وقال لموسى:
اخرج من هذه الدار، فما يجوز نزولك فيها، فقال: لا اخرج، فقال: لا لا
امكنك منها، فقال: لا اقبل منك، قال: إذا لم تقبل اكرهتك، وتنابذا
بالقول تنابذا تولدت منه فتنه، واجتمع الى موسى اصحابه، والى ابى جعفر
آخرون.
وعرف معز الدولة ذاك، فبادر لإطفاء النائرة، وقال للصيمرى: ليس هذا وقت
ذاك، قال: بلى ايها الأمير، هذا وقته، ومتى افتتحنا امرنا بسقوط هيبتنا
استمر ذلك وبعد تلافيه، وازداد الأمر من بعد وهنا، والطمع استحكاما
(11/362)
فاخذ معز الدولة بيد موسى بن قتادة فاخرجه
معه، وقال له: يكون نزولك في الدار التي أنزلها، ولا تفتتح امرا بما
يقبح من انزعاج اولاد هذا الشيخ المشهور ذكره في الدنيا وعياله عن
منازلهم وأوطانهم.
وبقيت دور ابى الحسن على ولده ودور ابن أخيه ابى على بن عبد الرحمن
عليه في حياته بفعل ابى جعفر ما فعله.
وكان على بن عيسى لا يخل بالجمع، ولما حبس كان يلبس ثيابه ويتوضأ ويقوم
ليخرج، فيرده الموكلون فيرفع يديه الى السماء ويقول: اللهم اشهد وكان
لا يفارق الدراعه ولا يترك الوقار في خلواته.
وحكى ابنه ابو القاسم: انه كان يرتفع لأبيه من ضياعه في كل سنه عند
الاعتزال والعطله بعد ما ينصرف في نفقاته، وما كان يصرفه الى بنى هاشم،
واولاد المهاجرين والانصار، فان رسومهم عليه، كانت نيفا واربعين الف
دينار، فكان الحاصل بعد هذا كله، وهو يلزم منزله، ثلاثين الف دينار.
وكان حاصل ابن الفرات من ضياعه إذا تعطل الف الف دينار، وإذا وزر
اضعفت.
وفي هذه السنه تمت اماره معز الدولة ابى الحسين، فكانت امارته ببغداد
احدى وعشرين سنه واحد عشر شهرا ويومين، وذلك لما بعد ناصر الدولة
والاتراك وابن شيرزاد الى الموصل، واستخلف المطيع لله، ومضى الى دار
الخلافه، وتقلد ابو احمد الشيرازى كتابته.
وتسلم الخليفة من معز الدولة اقطاعا بمائتي الف دينار.
وكان ابو الحسين على بن محمد بن مقله يواصل معز الدولة في ايام الحصار
بالهدايا والاخبار، فلما عبر الى الجانب الشرقى حمى داره بها،
واستخدمه، فاخذ في المصادرات للتجار والشهود فصادف احد العامه معز
الدولة منصرفا منفردا نصف النهار، فعرفه ما الناس فيه من الجزف، فتقدم
بصرف ابن مقله.
واحترقت دور ابن شيرزاد، ودور أسبابه وأخيه، وصودر على مائه وثمانين
الف الف درهم.
وقلد معز الدولة الشرطه أبا العباس بن خاقان
(11/363)
وورد الخبر باستيلاء ركن الدولة ابى على
على الري والجبل.
واجتمع راى الاتراك على الإيقاع بناصر الدولة، فاستجار بام ملهم حتى
امرت ولدها بتسييره، فسار ومعه ابن شيرزاد الى مرج جهينة، فلما امن سمل
ابن شيرزاد.
وامرت الاتراك على نفوسها تكين الشيرزاذى، وانفرد عنهم ينال كوساه
ولؤلؤ، واستامنا الى معز الدولة.
وغلب تكين والاتراك على الموصل، ومضى الى سنجار، وراى ناصر الدولة،
فانجد معز الدولة باسفهدوست والصيمرى، والتقيا بتكين بالحديثه في جمادى
الآخرة واستؤسر تكين، وانهزم اصحابه، وسار الصيمرى مع ناصر الدولة الى
الموصل، ودخل على الصيمرى خيمته ولم يعد اليه، قال: لما دخلتها عليه
علمت انى قد أخطأت فبادرت بالانصراف وندم الصيمرى عند خروج ناصر الدولة
على ترك القبض عليه.
وسلم الى الصيمرى ابن شيرزاد.
وضمن له طازاذ وابو سعيد بن وهب النصراني الكاتب- وهو الكاتب الذى مدحه
ابن نباته- خمسين الف دينار على ان يطلقهما فلم يفعل، وسلمهما الى
الصيمرى، وكان الصيمرى مراعيا لطازاذ، وانفذ معهم تكين الشيرزادى
مسمولا، وانفذ ابنه هبه الله بن ناصر الدولة رهينه.
فلما وصلوا اطلق معز الدولة تكينا، واقطعه اقطاعا بأربعين الف درهم.
وكتب ابو عبد الله بن ثوابه عن المطيع لله كتابا بالفتح الى عماد
الدولة منه.
فلم يسفر العجاج الا عن قتيل مرسل، او غريق معجل، او جريح معطل، او
اسير مكبل، او مستأمن محصل، او حقيبه ملاها الله بلا تعب، او غنيمه
أفاءها الله بلا نصب.
وكان مع ناصر الدولة قائد يقال له ابراهيم بن احمد، واخوه صاحب خراسان،
فقتل ابن أخيه نوح بن نصر بن احمد بعض اقارب ابى على بن محتاج، فكاتبه
ابو على بن محتاج، واستعانه على محاربه ابن أخيه.
ففارق ناصر الدولة بتكريت في سبعين غلاما، فانفذ اليه ناصر الدولة خلع
الخليفة ولواءها مع جوجوخ التركى المسمول ولقبه
(11/364)
ومضى ابراهيم مع ابن محتاج، فهزما نوحا،
وملك ابراهيم، ثم وقعت الوحشة بين ابى على، فمضى ابراهيم مستأمنا الى
ابن أخيه، ومضى ابو على الى بلاد الصغد.
وانتبهت رجال ابن شيرزاد، لان الصيمرى صرفه وطالبه بالأموال.
فاستخلف الصيمرى بالحضرة طازاذ، وانحدر فواقع اصحاب ابى القاسم
البريدى، فاسر خلقا منهم.
وفي هذه السنه، صرف ابو الحسن بن ابى الشوارب عن القضاء بالجانب
الغربي.
واضيف الى عمل القاضى ابى الحسن محمد بن صالح الهاشمى.
وفي النصف من شعبان من هذه السنه، خرجت العامه لزيارة قبر الحسين عليه
السلام وعقدت القباب بباب الطاق.
وورد الخبر ان سيف الدولة، قبض على القراريطى، واستكتب بعبده أبا عبد
الله ابن فهد الموصلى.
وفي هذه السنه انقطعت قنطره دهما بأسرها.
(11/365)
سنه ست وثلاثين
وثلاثمائة
في صفر انحدر المطيع لله ومعز الدولة لمحاربه ابن البريدى، وسارا من
واسط في البريه الى البصره.
وانفذ الصيمرى وموسى قتادة فدخلا دار البريدى بمسماران ورحل الخليفة
ومعز الدولة، فاستامن اليه عسكر البريدى بالدرهميه.
وهرب ابو القاسم الى هجر، وقبض معز الدولة على أمواله وقواده واحرق
سفنه.
ولما استولى على البصره، قصد أخاه عماد الدولة بارجان، وكان يقف بين
يديه، واتفق وصوله من عنده ووصول الصيمرى والخليفة الى بغداد، في خامس
عشر من شوال.
وورد الخبر، بان نوحا صاحب خراسان، عاد الى بخارى، وسمل عمه ابراهيم،
وصار اليه ابن محتاج في الامان.
ولما ورد المطيع لله من البصره، وكان في صحبته ابو السائب، ولاه قضاء
القضاه، وصرف ابن أم شيبان، ولم يرتزق ابو السائب، واستخلف أبا بشر عمر
بن أكثم.
وورد الخبر بان ركن الدولة فتح طبرستان وجرجان، وهزم وشمكير بن زيار
واستأسر من اصحابه مائه وثلاثة عشر قائدا.
وفي ذي القعده ضمن روزنهان الديلمى السواد والضرائب بعشره آلاف الف
درهم، واستكتب على ذلك ابن سنجلا.
وضمن الصيمرى اعمال واسط، واستكتب عليها أبا الحسن طازاذ.
وفي ذي الحجه، خلع معز الدولة على هبه الله بن ناصر الدولة الذى كان
رهينه عنده، وانفذه مع ابن قرابه الى ابيه.
(11/366)
سنه سبع وثلاثين
وثلاثمائة
ورد الخبر بانهزام سيف الدولة من الروم، واستيلائهم على مرعش.
ودخل ابو القاسم البريدى بغداد في الامان، فاقطعه معز الدولة اقطاعا
بنهر الملك بمائه وعشرين الف درهم، واعاد عليه ضيعته المعروفه
بفروخاباذ من بادوريا، وانزله في الدار المعروفه بالموزه، بمشرعه الساج
محتاطا عليه.
وقبض على ابن اسفهدوست، لأنه اشار على معز الدولة بمبايعه ابى عبد الله
ابن الداعي، فقال الصيمرى: انه قصد ان يوليه الإمارة إذا صار الأمر
اليه، فكان ذلك سببا لاعتقاله برامهرمز، ومات بقلعتها معتقلا.
وانفذ الصيمرى وروزهان الى هيت، فقبضا على ابى المرجى عمرو بن كلثوم،
واعتقل ببغداد.
واخر ناصر الدولة المال الذى صولح عليه من معز الدولة، فخرج معز الدولة
طالبا له الى نصيبين، واتى سيف الدولة أخاه ناصر الدولة معاونا له.
وسفر ابن قرابه في الصلح، على ان يخطب ناصر الدولة لعماد الدولة ولمعز
الدولة ولابنه بختيار، وان يحمل ابنه رهينه، ويؤدى ثمانية آلاف الف
درهم في السنه فتم ذلك.
وقال ابو الطيب المتنبى يذكر انجاد سيف الدولة لأخيه في قصيده مدحه
بها:
ان السعادة فيما أنت فاعله ... وفقت مرتحلا او غير مرتحل
اجر الجياد على ما كنت مجريها ... وخذ بنفسك في اخلاقك الاول
ينظرن من مقل ادمى احجتها ... قرع الفوارس بالعساله الذبل
فلا هجمت بها الا على ظفر ... ولا وصلت بها الا الى امل
(11/367)
واستولى اصحاب ركن الدولة على اذربيجان،
وخلت الري منهم، فقصدها ابن قراتكين، فانفذ معز الدولة بسبكتكين ومعه
القرامطة، واكثر الجيش وامده بروزهان معاونه لأخيه ركن الدولة.
وفي ثانى شهر رمضان، وهو الخامس من آذار، بلغت زياده دجلة احدى وعشرين
ذراعا وثلثا، فغرقت الضياع والدور.
(11/368)
سنه ثمان وثلاثين
وثلاثمائة
في شهر ربيع الاول مات ابو محمد الحسن بن احمد الماذرائى الكاتب.
وفيه انحدر الصيمرى لمحاربه عمران بن شاهين، وهذا عمران من اهل الجامدة
جنى بها جناية، فهرب من العامل، واقام بين القصب يصيد السمك، ثم تلصص،
واجتمع معه جماعه من الصيادين، واستامن الى البريدى، فقلده الجامدة
والاهواز، فما زال امره يقوى.
ولما انحدر الصيمرى لقتاله، هرب من بين يديه، فاستاسر الصيمرى اهله
واولاده، ولم يبق غير استيلائه على البطيحة، فورد الخبر بموت عماد
الدولة بشيراز، فكاتب معز الدولة الصيمرى بالمبادره الى هناك، فترك حرب
عمران وتوجه.
وكان ركن الدولة قد وافى أخاه عماد الدولة، وسلما فارس الى ابى شجاع
فناخسرو ابن ركن الدولة، الملقب بعد ذلك عضد الدولة.
وانفذ الصيمرى بابى الفضل العباس فسانحس، فقلده معز الدولة الدواوين.
ووافى سبكتكين والجيش من الري.
وعاد الصيمرى من شيراز، وعاود محاربه عمران، فمات بالمرمونى من اعمال
الجامدة.
وكان الصيمرى يحسد المهلبى، على تخصيصه وأدبه، فكان إذا جلس معه على
الطعام، راى كلامه وفصاحته، فيأمر الفراشين بعينه، فيطرحون المرقه على
ثيابه، فكان المهلبى منغصا به، وكان يستصحب مع غلامه دائما ثيابا يغير
بها ما عليه.
وكان في الصيمرى شجاعة وقوه نفس، وهو الذى فتح الجانب الشرقى لمعز
الدولة، لان الديلم لم يقدم على العبور، فلما رأوا كاتبا قد تقدمهم
انفوا.
وقال القاضى ابو حامد المروروذي: كنت واقفا بين يدي معز الدولة، فقال
(11/369)
للصيمرى: اريد خمسمائة الف درهم لمهم،
فقال: من اين؟ ودخلك لا يفى بخرجك، فقال: الساعة احبسك في الكنيف، حتى
تحضر ما طلبته، فقال: إذا حبستني في الكنيف، خريت لك بقره وضربتها
دراهم، فضحك منه وامسك.
ولما خرج الصيمرى في هذا الوجه، استخلف أبا محمد المهلبى، فلما علم
نفاقه على معز الدولة، اطلق لسانه فيه، فكان ابو محمد قد تيقن انه
يهلكه على يد الصيمرى، فانفذ الى معسكره طيورا، واوقف من يكتب عليها
اخباره، فأتاه البراج بطير قد ابتل بالماء بكتاب لم يقف عليه، فقال
للصابئ: تلطف في قراءته، فقراه بعد جهد، فإذا فيه هلاك للصيمرى، فدخل
الى معز الدولة، وعزاه وجلس للعزاء به.
وترشح للوزارة ابو على الطبرى وهو عامل للاهواز.
قال التنوخي: من اعظم المصادرات مصادره معز الدولة لأبي على الحسن ابن
محمد الطبرى، صادره على خمسمائة الف دينار، فلما مات الصيمرى، طمع في
الوزارة، وبذل فيها مالا عظيما، قدم منه أول نوبه ثلاثمائة الف دينار،
فلم يبن عليه خروجها، فأخذها منه وقلد المهلبى.
(11/370)
|