تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ
الطبري
سنه سبع وخمسين
وثلاثمائة
وزارة ابى الفضل الشيرازى
فيها قلد عز الدولة أبا الفضل العباس بن الحسين الوزارة، وخلع عليه،
واقطعه اقطاعا بخمسين الف دينار.
واظهر ابو الفرج الامتناع عن العمل، فالزمه، وخلع عليه الدراعه.
وقال ابن الحجاج، يهنىء أبا الفضل:
هذا لواء العلا والمجد قد رفعا ... والبدر بدر الدجى للتم قد طلعا
وكان بالأمس لطخ دون رؤيته ... فانجاب بالأمس هذا اللطخ وانقطعا
فاليوم اصبح شمل الخوف مجتمعا ... يشكو الشباب وشمل الأمن مجتمعا
قد أذعن الناس وانقادوا لسيدهم ... فمن تحرك منهم بعدها صفعا
فديت من لم أكن بالغمض مكتحلا ... خوفا عليه ولا بالعيش منتفعا
حتى كفى الله مولانا وخيب من ... سعى عليه وفي ايامه طمعا
ومر بي سائرا في موكب لجب ... لو جلجل الرعد في قطريه ما سمعا
مضى على وقلبي طائر جزعا ... أخشى العثار على مولاى ان يقعا
فليت لي بدره منها مكسره ... الف وسائرها ضرب كما طبعا
حتى إذا مر مجتاز بعسكره ... نثرت منها الصحاح الدق والقطعا
والضرب في البيت عندي كنت ارفعه ... فانه جوف بيتى ربما نفعا
ولو تلوح من مولاى لي فرج ... نثرت غلتها ثم الصحاح معا
لكن ابقى لنفسي ما اعيش به ... فان رزقي مرفوع قد انقطعا
وكان الحبشي بن معز الدولة، قد تغلب على البصره فانحدر الوزير ابو
الفضل الى الاهواز، واستخلف أبا العلاء صاعدا، وكاتب الحبشي يسكنه
ويأمره بانفاذ مال، فانفذ اليه مائتي الف درهم، فأنفذها الوزير الى عز
الدولة
(11/414)
ثم ظفر الوزير بالحبشى، وامنه وانفذه الى
عمه ركن الدولة، واستخلف على البصره المرزبان بن عز الدولة.
وفي ليله النصف من شعبان، مات المتقى لله ابراهيم بن المقتدر بالله في
داره التي على دجلة، المعروفه بابن كنداحميق، ودفن في دار تحاذيها.
وفي شوال قدم ابو احمد الشيرازى من شيراز، فاخبر ان عضد الدولة توجه
الى كرمان لينزعها من يد اليسع، وخطب بنت عز الدولة للأمير ابى الفوارس
بن عضد الدولة، وكان الخطيب في العقد أبا بكر بن قريعة، وثبتت وكاله
ابى احمد عند ابن معروف، من عضد الدولة، بعقد النكاح لابنه لصغره، وكتب
كتابين من نسخه واحده، على صداق مائه الف دينار.
وورد الخبر بوفاه الحسن بن الفيرزان بالبلاد التي تغلب عليها من جرجان.
وفي هذه السنه توفى ابو الفرج على بن الحسين الاصفهانى، صاحب الأغاني،
وهو من ولد مروان بن محمد الاموى، ومولده سنه اربع وثمانين ومائتين،
ولم يعرف اموى يتشيع سواه، وله في المهلبى تهنئه بابن ولد له من سريه
رومية:
اسعد بمولود أتاك مباركا ... كالبدر اشرق جنح ليل مقمر
سعد لوقت سعاده جاءت به ... أم حصان من بنات الأصفر
متبجح في ذروتى شرف الورى ... بين المهلب منتماه وقيصر
شمس الضحى قرنت الى بدر الدجى ... حتى إذا اجتمعت أتت بالمشترى
ويروى ان المهلبى، دخل الى تجنى، فلما رآها تمثل:
فما انس لا انس إقبالها ... وتميس كغصن سقته الرهم
وقد برزت مثل بدر السما ... سما في العلو علوا وتم
على راسها معجر ازرق ... وفي جيدها سبحه من برم
(11/415)
ولم ترتقب لطلوع الرقيب ... ولم تحتشم من
حضور الحشم
لقد سؤتنى يا نظام السرور ... واسقمتنى يا شفاء السقم
بجودك عن عفر في الكرى ... وبخلك مسئوله عن امم
اهذا المزار أم الازورار ... والمامكم الم او لمم
فقالت له تجنى: تتمثل بشعر قائله ولا تزيل شعثه، قال: ومن هو قائله؟
قالت: الاصبهانى، يمدحك به ويقول فيه:
فداؤك نفسي هذا الشتاء ... علينا بسلطانه قد هجم
ولم يبق من سنتي درهم ... ولا من ثيابي الا رمم
يؤثر فيها نسيم الهوا ... وتحرقها خافيات الوهم
فأنت العماد ونحن العفاة ... وأنت الرئيس ونحن الخدم
فامر له بمال.
(11/416)
سنه ثمان وخمسين
وثلاثمائة
في المحرم مات ابو احمد الفضل بن عبد الرحمن بن جعفر الشيرازى، ومن
شعره
أهلا وسهلا بالحبيب الذى ... يصفينى الود واصفيه
محاسن الناس التي فرقت ... فيهم غدت مجموعه فيه
قد وضح البدر باشراقه ... والغصن غضا بثنيه
أفديه احميه وقلت له ... من عبده أفديه احميه
وفي هذه السنه اتى الهجريون عين التمر، فتحصن منهم صنبه العيني بشفاثا،
فاستاقوا المواشى وانصرفوا.
واتى ملك الروم طرابلس، فاحرق ربضها، وأخذ من بلدان الساحل مائه الف
شاب وشابه، وعزم على قصد بيت المقدس، فهاب القرامطة، وقد كانوا نزلوا
الشام، وأوقعوا بابن عبد الله بن طغج.
وفي جمادى الآخرة مات الأمير ابو جعفر بن الراضي بالله، وكان نازلا
بالرصافة.
وفيه كثر ببغداد موت الفجأة.
وبلغ الكر زياده على تسعين دينارا.
ولم تزد دجلة والفرات والنهروان في هذه السنه.
وفي هذه السنه خطب لعضد الدولة بسجستان، واستخلف على كرمان ابنه شيرزيل
ووجد الأكراد في جبل جلود الوقيعه، بسيل كثيف عزارج، معقود فيه مال
وصياغات ودراهم، في كل درهم منها خمسه دراهم، وفي احد وجهيه صوره بقره،
وعلى الوجه الآخر صوره انسان وعليه كتابه رومية.
وكان ابو تغلب قد سلم الى أخيه حمدان الرحبه، ثم أساء الى وكلائه، فكتب
اليه حمدان يحلف بطلاق ابنه سعيد بن حمدان، وبكل يمين انه ان أحوجه
استعان عليه بالديلم، فان انتصف والا استعان بالقرامطة، فان بلغ غرضا
والا استعان بملك الروم،
(11/417)
فكان جواب ذلك من ابى تغلب، ان قبض ضياعه،
وطرد وكلاءه، وانفذ أخاه أبا البركات، فانتزع الرحبه من يد حمدان.
فدخل حمدان بغداد في شهر رمضان، وتلقاه عز الدولة وسبكتكين في ميدان
الاشنان، وانزله في دار ابن رزق الكاتب النصراني، وحمل اليه مائه
وخمسين الف درهم، وثلاثمائة ثوب، أصنافا من ديباج وعتابى ودبيقى،
وثلاثين راسا بغالا وخيالا وجمالا وسبع مراكب ذهبا، وكاتب أخاه يسفر في
الصلح بينهم، فتم ذلك، ولما خرج شيعه عز الدولة، وحمل اليه اكثر مما
حمله أولا عند قدومه.
وحكى انه يوم دخوله صدم سبكتكين العجم احد القواد، فقتله، ورضخ فرسه
صاعدا فاعتل، فلما وصل وافاه القاضى ابو بكر بن قريعة مسلما، فقال
حاجبه:
ان الأمير نائم، فعاد فلقيه انسان، فقال: من اين جاء القاضى؟ فقال:
أتانا حمدان وافدا، لأخيه مباعدا، فقتل قائدا، ورضخ صاعدا، وظل راقدا.
وقال ابن نباته في حمدان قصيده، منها:
إليك صحبنا اليوم ترعد شمسه ... وحيره ليل اسود النجم فاحم
ودهرا سمت حيتانه في سمائه ... وانجمه في بحره المتلاطم
الى صده ان يستخف عتابنا ... وما الظلم فيه غير شكوى المظالم
تكون بها أنفاسنا وحديثنا ... مدائح حمدان المليك القماقم
فتى لم ترق مساء الشبيبة شعره ... على الخد حتى رام شم المراوم
أخو الحرب يثنى جيدها وهو صارم ... ويسلم منها والقنا غير سالم
فتى لا يرى ان الهموم مصائب ... وان سرور العيش ضربه لازم
يؤمل في أمواله كل آمل ... ويرحم من اسيافه كل راحم
إذا السيف لم يستنزل الهام لمعه ... فما هو من آرائه والعزائم
ليهنيك جد يفلق الصخر جده ... ويهتك صدر الجحفل المتلاطم
انك لا تلقى الندى غير باسم ... اليه ولا صرف الردى غيرى حازم
وسار حمدان عن بغداد، وخلف حرمه واولاده، وشيعه عز الدولة، فلما وصل
الى الرحبه، عاد الخلف بينه وبين أخيه، وانفذ ابو تغلب أخاه أبا
البركات، فانتزع الرحبه من يد حمدان، وسار حمدان عنها في البر الى
تدمر، فنفذ زاده، ولحقه
(11/418)
عطش شديد، فعاود الرحبه، ودخلها من ثلم
عرفها، وقد ترك ابو البركات اصحابه فيها، واصعد الى الرقة، فاستولى
حمدان على ذخائره وأمواله واصحابه.
فبلغ ذلك أبا البركات، فانحدر، فتلقاه حمدان وعدته قليله، وقال
لأصحابه:
لا بد من الصبر، فقاتل فنصر، وقتل أبا البركات، وانفذه الى أخيه ابى
تغلب في تابوت فكفن بسل توبه، واعتذر بانه دفع عن نفسه بقتله، فقال ابو
تغلب: والله لألحقنه به ولو ذهب ملكي.
وقبض ابو تغلب على أخيه ابى الفوارس محمد، صاحب نصيبين، وعرف انه وافق
حمدان على الفتك به.
ولما عرف هبه الله بن ناصر الدولة ما جرى على ابى الفوارس، ثار به
المرار، وانكر فعل ابى تغلب.
وكتب الحسين بن ناصر الدولة الى أخيه ابى تغلب، وهو صاحب الحديثه يقول:
ان الله قد وفق الأمير في افعاله، ونحن وان كنا اخوه، فنحن عبيد، ولو
أمرني بالقبض عليه لفعلت، فقال ابو تغلب: هذا كتاب من يريد ان يسلم.
وانحدر حمدان واخوه ابو طاهر ابراهيم الى بغداد.
وكان عز الدولة بواسط فانحدرا اليه فتلقاهما، ونزل حمدان دار ابى قره،
وانزل أبا طاهر ابراهيم في دار ابى العباس بن عروه، وحمل إليهما هدايا
كثيره، واصعدا معه الى بغداد.
وفي شهر رمضان قدم الوزير ابو الفضل العباس بن الحسن من الاهواز وتلقاه
عز الدولة واصعد الى بغداد.
وفيه مات ابو الحسين الكوكبى العلوي الذى كان يتقلد نقابه الطالبيين.
وفي ذي القعده انحدر ابو إسحاق بن معز الدولة الى دار السلطان، ووصل
الى المطيع لله وعقد لعضد الدولة على كرمان، وانفذ اليه الخلع واللواء
والطوق والسوارين.
وفيه نقل عز الدولة أباه معز الدولة الى تربه بنيت له بمقابر قريش، بعد
ان كفنه وطيبه، ومشى بين يدي تابوته الوزير ابو الفضل، والرئيس ابو
الفرج والأمراء من الديلم والاتراك.
وملك الروم أنطاكية يوم النحر.
سنه تسع وخمسين وثلاثمائة
فيها فتح الروم منازكردم، من اعمال أرمينية بالسيف.
وفي شهر ربيع الاول صرف القاضى ابو بكر بن سيار عن القضاء في حريم دار
الخلافه، وتولاه ابو محمد بن معروف.
وفي هذه السنه اقام ابو المعالى بن سيف الدولة الخطبه في اعماله واعمال
فرعونه للخارج بالمغرب.
وفي آخرها قبض على الوزير ابن ابى الفضل الشيرازى، وتولى الوزارة مكانه
ابو الفرج محمد بن العباس بن فسانحس، وقال ابن الحجاج يمدحه:
يا وزيرا بنوه طلعت ... انجم العدى
صحن خدي لارض نعلك ... يا سيدي الفدا
بك قامت سوق النوال ... وقد اصبحت سيدي
وسمعنا فيها النداء ... على الجود والندى
فاما ابو الفضل العباس بن الحسين الشيرازى، فمولده بشيراز سنه ثلاث
وثلاثمائة.
وورد مع معز الدولة بغداد، وناب عن المهلبى، وصاهره على بنته زينه من
تجنى، وكان ذلك سبب تقدمه، ثم فسد ما بينهما وكان واسع المروءة والصدر،
وداره على الصراة ودجلة، وهي التي كانت بستانا لنقيب النقباء الكامل،
وانتقلت الى الفضلونى، وانفق عليها ابو الفضل زائدا على مائه الف
دينار، ثم احترقت، فامر عضد الدولة ببسطها بستانا.
وعمل دعوه لمعز الدولة، وجعل في وسط السماط قصورا من السكر، فيها
مخانيث اغان يغنون ويرقصون ولا يشاهدون، وقطع دجلة من فوق الجسر الى
دار الخلافه بالقلوس الغلاظ وطرح الورد فيها حتى ملاها، وغطى دجلة ولم
ينزل بغداد قيان الا احضره، وذلك في سنه اربع وخمسين وثلاثمائة
(11/419)
فلما كان في سنه خمس وخمسين، قال له معز
الدولة: يا أبا الفضل، تلك الدعوة فريده بلا اخت؟ فقال: بل هي في كل
سنه.
وعمل دعوه انفق فيها الفى الف درهم، ووهب فيها جواري وغلمانا واتراكا
وضياعات واستعد بعد عملها عند الشوائين الف جمل مشوى.
وحمل الى ابى الفضل اصحابه ما امكنهم من الهدايا.
وكان لابن الحجاج كميت فاراد ان يقوده، ثم خاف ان يقبله، فكتب اليه:
وصاحب لي أمس شاروته ... كيف ترى لي اليوم ان افعلا
فقال قد هذا الكميت الذى ... قد جمع الحسن وقد اكملا
فقلت لا والله لا قدته ... اخاف يا احمق ان يقبلا
واما ابو الفرج محمد بن العباس بن فسانحس، فمولده بشيراز سنه ثلاث
وثلاثمائة، وورد مع معز الدولة في ذي الحجه سنه ثمان وثلاثمائة.
وأبوه من اصحاب النعم الوافره بفارس، صادره عماد الدولة على ستمائه الف
دينار وقال: انى كسبت معه خمسين الف الف درهم، وجاء مع معز الدولة الى
بغداد، وولاه الزمام على المهلبى، وتوفى سنه اثنتين واربعين ثلاثمائة،
وتكفل المهلبى بأمر ابنه، حتى رد اليه الديوان.
(11/421)
سنه ستين وثلاثمائة
[أخبار]
في صفر لحقت المطيع لله سكنه، استرخى فيها جانبه الأيمن، وثقل لسانه.
وفيه توفى ابو الفضل محمد بن الحسين بن العميد، كاتب ركن الدولة،
فاستكتب مكانه أبا الفتح، ووالده ابو عبد الله العميد، كان يكتب
لمرداويج بن زيار، ولأخيه وشمكير.
ورتب ركن الدولة أبا الفضل بن العميد، مع عضد الدولة، فهذبه وأدبه، ثم
تغير عليه، فحلف الا يقيم بفارس، ومضى الى ركن الدولة، ومات بالري،
وقدم عليه المتنبى وهو بارجان فمدحه بقصيدته التي أولها:
باد هواك صبرت أم لم تصبرا ... وبكاك ان لم تجر دمعك او جرى
ومنها:
فدعاك حسدك الرئيس وأمسكوا ... ودعاك خالقك الرئيس الاكبرا
خلفت صفاتك في العيون كلامه ... كالخط يملا مسمعى من أبصرا
- قال ابن جنى: اى، فكما ان الخط يقوم لقارئه مقام ما تسمعه اذنه،
فكذلك ما يشاهد من فضلك، يقوم مقام خالقك
من مبلغ الاعراب انى بعدها ... شاهدت رسطاليس والاسكندرا
ومللت نحر عشارها فاضافنى ... من ينحر البدر النضار إذا قرى
وسمعت بطليموس دارس كتبه ... متملكا متبديا متحضرا
اى جمع الملوكيه والبدوية والحضريه، ونصب دارس على الحال.
ولقيت كل الفاضلين كأنما ... رد الإله نفوسهم والاعصرا
اى اجتمع في زمانه الفضلاء المتقدمون
(11/422)
نسقوا لنا نسق الحساب مقدما ... واتى فذلك
إذ اتيت مؤخرا
- اى مضوا مثل الحساب الذى يذكر تفاصيله، ثم يقال في الأخير: والجميع
كذا، فلما جئت أنت آخرهم، كنت كأنك جمله التفصيل
يا ليت باكيه شجاني دمعها ... نظرت إليك كما نظرت فتعذرا
شجاني أحزنني، يقول: ليت من بكى لفراقك، نظر إليك فيعذرنى، ونصب فتعذر
على التمنى.
وترى الفضيلة لا ترد فضيله ... الشمس تشرق والسحاب كنهورا
الكنهور: القطع من السحاب، اى وترى الفضيلة فيك مشرقه، غير مشكوك فيها،
كما ترى الشمس إذا اشرقت، والسحاب إذا كثر، ونصب الشمس والسحاب بفعل
مضمر تقديره: ترى برؤية فضائلك الشمس والسحاب، ونصب فضيله على الحال
انا من جميع الناس اطيب منزلا ... واسر راحله واربح متجرا
ووصله ابن العميد لهذه القصيده، بثلاثة آلاف دينار.
وقال يودعه من قصيده:
تفضلت الأيام بالجمع بيننا ... فلما حمدنا لم تدمنا على الحمد
- اى لم تدم على حمدنا، وجعل الحمد منها جميعا، لان كل واحد منا أحب
لقاء صاحبه وكره فراقه-
جعلن وداعي واحدا لثلاثة ... جمالك والعلم المبرح والمجد
المبرح: الذى يكشف حقائق الأمور من قولهم: برح الخفاء، اى انكشف الأمر-
وقد كنت أدركت المنى غير اننى ... يعيرني اهل بإدراكها وحدي
(11/423)
اى أدركت بلقائك المنى، الا ان اهلى
يعيروننى كيف لم اشاركهم في ذلك-
وكل شريك في السرور بمصبحى ... ارى بعده من لا يرى مثله بعدي
اى كل من يشاركني في السرور بقدومى يرى ما افدتنيه.
فجد لي بقلب ان رحلت فاننى ... مخلف قلبي عند من فضله عندي
قال ابن الصابى: قيل ان مما نفق به ابن العميد على ركن الدولة، ان ركن
الدولة اراد ان يحدث بناء بالري، واختار له موضعا، وكانت فيه شجره، ذات
استداره عظيمه، وعروق نازله متشعبه، فقدر لقلعها واخراج عروقها جمله
كثيره، ولم تقع ثقته بأنها تستأصل استئصالا قاطعا، فقال ابن العميد:
انا اكفى الأمير هذه الكلفه، واقطع هذه الشجرة بعروقها بأهون شيء، في
اقرب أمد، واقل عدد.
فاستبعد ذلك ركن الدولة، وقال من طريق الإزراء: افعل، فاستدعى حبالا
وأوتادا وسلك هذا السلك المعروق في جر الثقيل، فلما رتب ما رتبه، ونصب
ما نصبه، اقام نفرا قليلا حتى مدوا، ومنع ان يقف احد على جربان كثيره
من الشجرة، بحسب ما قدره من وشوج أصولها ورسوخ عروقها.
ووقف ركن الدولة في موكبه ينظر، فما راعهم الا تزعزع الارض وانفتاحها
وانقلاب قطعه كبيره منها، وسقوط الشجرة منسله بجميع عروقها، فتعجب ركن
الدولة من ذلك، واستظرفه واستعظمه، ونظر الى ابى الفضل بعين الجلاله.
وهذا امر لا يعظم عند من يعرف الحيله فيه، والطريق المقصود اليه.
ومن شعر ابن العميد يذكر حال حبيب له بعد:
هبيه كما قال العذول هبيه ... اما آن ان تغضى العواذل فيه
دعيه ولا ترضى لإتلاف جسمه ... أفانين ان لم تفنه ستريه
إذ اعتلقت كفى خليلا تعرضت ... له نوب الأيام تسلبنيه
وفي شهر ربيع الاول وصل ابو الحسن على بن عمرو بن ميمون، وقد ثبتت
وكالته عند القاضى ابى محمد بن معروف بن ابى تغلب، وتزوج له بنت عز
الدولة
(11/424)
بختيار، ومنها ثلاث سنين على صداق مائه الف
دينار، وكناه الخليفة أبا تغلب، وجدد له ضمان الموصل، وسائر اعماله
بديار ربيعه ومضر في كل سنه بألف الف ومائتي الف درهم.
ووصل ابن عمرو الى المطيع لله مع ابى عمر محمد بن فسانحس الخازن، حتى
سلم اليه الخلع لصاحبه والسيف.
وانحدر الوزير ابو الفرج الى الاهواز، فشرع ابو الفضل الشيرازى في
الوزارة، فتم ذلك له.
وانفذ عز الدولة بمن قبض على ابى الفرج بالاهواز، وقبض على أخيه ابى
محمد الخازن ببغداد، واطلق أبا الفضل من اعتقاله بدار ابى الفرج، فكانت
وزارة ابى الفرج ثلاثة عشر شهرا وثلاثة ايام.
وزارة ابى الفضل العباس ابن الحسن الشيرازى
الثانيه
قال التنوخي: كنا جلوسا في دار ابى الفضل الثانيه، ننتظر خروجه حتى
يخلع عليه، وكان معنا ابن الحجاج، صاحب السفه في شعره، فانشدنا مديحا
لأبي الفضل منه:
يا سيدا طلعته لم تزل ... أشهى الى عيني من النوم
لم تظلم القوم وحاشاك ان ... تنسب في الظلم الى القوم
جازيتهم مثل الذى اسلفوا ... في الدار والمجلس واليوم
وكان معنا ابن زنجى حاضرا، فانشدنا ابيات ابن رزيق:
انا لقينا حجابا منك أعرضنا ... فلا يكن ذلنا فيه لك الغرضا
فاسمع مقالي ولا تغضب على فما ... ابغى بنصحك لا مالا ولا عرضا
الشكر يبقى ويفنى ما سواه فكم ... سواك قد نال ملكا فانقضى ومضى
في هذه الدار في هذا الرواق على ... هذى الوساده كان العز فانقرضا
(11/425)
وهذه الأبيات قالها ابو محمد بن زريق، وقد اتى الى باب الكوفى، وقد
استكتبه بجكم، وعزل ابن شيرزاد، وانزل الكوفى دار ابن طومار بخان ابى
زياده، وكانت من قبل ديوانا لابن شيرزاد، فجاء ابن زريق فحجب عن
الكوفى، فقال لحاجبه حين انشده الأبيات: ويلك! اما كان له أسوة بمن
دخل، ولكنك اردت ان يمزق عرضي، ويواجهنى به، ورفق بابن زريق، ولم يزل
به حتى جلس ورضى.
وفي رجب، تقلد ابن معروف قضاء القضاه.
وانحدر عز الدولة والوزير ابو الفضل لمحاربه عمران، واقام ابو الفضل
لحربه.
ولابن الحجاج في ذلك، وقد كسر عمران عسكر الوزير غير مره، انشدنى ذلك
شرف المعالى ابن أيوب، وكان احسن الرؤساء محاضره، واجملهم معاشره، وكم
له من مكارم أجزلها وكم لبيته من مناقب اثلها:
ان عمران مذ نشا النصر فينا ... قد صفعنا قفاه حتى عمينا
قال قوم حرم من صفعوه ... قلت لا بل حرم من يعنينا
في ابيات.
وقام ابو الفضل يحارب عمران سنه، حتى ملك تله، فانتقل عمران الى
هوكولان.
وفي هذه السنه قبض على ابى قره بالجامده، وحمل الى جنديسابور، فمات تحت
المطالبه، وكان قد نقل القبه التي على قبر الوزير القاسم بن عبيد الله،
وهي قبة مشهوره بالشؤم، ونصبها على مجلس في داره، وكان القاسم قد تنوق
في عملها، ودفن تحتها حين تمت. |