تاريخ الطبري تاريخ الرسل والملوك وصلة تاريخ الطبري

سنه احدى وستين وثلاثمائة
في شهر ربيع الاول، خلع على ابى احمد محمد بن حفص بواسط، وقلد الديوان مكان ابى قره وانحدر عز الدولة الى البصره.
وفيها مات ابو القاسم سعيد بن ابى سعيد الجناني بهجر، وعقد القرامطة لأخيه ابى يعقوب، لم يبق من اولاد ابى سعيد غيره.
وفي هذه السنه صالح ركن الدولة وابنه عضد الدولة صاحب خراسان، على ان يحملا اليه مائه وخمسين الف دينار.
وتزوج صاحب خراسان بنت عضد الدولة، وتوسط الأمر عابد.
وفي شعبان قبل ابن معروف شهاده ابى طالب بن الميلوس العلوي.
وفي شهر رمضان، توفى عيسى بن المكتفي بالله.
وفيه توفى ابو الغنائم الفضل بن ابى محمد المهلبى بالبصرة، وحمل تابوته الى بغداد.

(11/426)


سنه اثنتين وستين وثلاثمائة
[أخبار]
خرج الدمستق في جموع كثيره الى بلاد الاسلام، فوطئها واثر الآثار القبيحه فيها، واستباح نصيبين، واقام بها خمسه وعشرين يوما، وانفذ اليه ابو تغلب ما لا هادنه به.
واتى المستغيبون من اهل تلك البلاد الى بغداد، وضجوا في الجامع، وكسروا المنابر، ومنعوا من الخطبه، وصاروا الى دار المطيع لله، وقلعوا بعض شبابيكها.
وكان عز الدولة بالكوفه، فخرج اليه ابو بكر الرازى، وابو الحسين على بن عيسى الرماني، وابو محمد الداركى وابن الدقاق، في خلق من اهل العلم والدين، مستنفرين ووبخوه على حرب عمران بن شاهين، وصرف زمانه الى القبض على ارباب الدواوين وعدوله عن مصالح المسلمين.
فادى اجتهاد ابى الفضل الشيرازى، ان قال للمطيع لله: يجب ان تعطى ما تصرفه في نفقه المجاهدين، فقال المطيع لله: انما يجب على ذلك، إذا كنت مالكا لأمري، وكانت الدنيا في يدي، فاما ان أكون محصورا ليس في يدي غير القوت، الذى يقصر عن كفايتي، فما يلزمني غزو ولا حج، وانما لي منكم الاسم على المنبر، فان آثرتم ان اعتزل اعتزلت.
والتزم له بعد ذلك أربعمائة الف درهم باع بها انقاض داره وثيابه.
ثم وصل الخبر بان الدمستق قصد أمد، فخرج اليه واليها هزار مرد، مولى ابى الهيجاء بن حمدان وانضم اليه هبه الله بن ناصر الدولة، وساعدهم اهل الثغور، فنصرهم الله تعالى، وكثر القتل والاسر لأصحاب الدمستق، وأخذ مأسورا، وذلك في ثانى شوال.
وكان اكثر السبب في خذلان الله تعالى للروم ان هبه الله تعالى متقدمهم في مضيق، وقد تقدم عسكره ولم يتأهب، فكانت الحال في اسره كما وصفنا.
وكتب ابو تغلب كتابا الى المطيع لله، يخبره بالحال، وكتب الصابى الجواب عنه،

(11/428)


وهو مذكور في رسائله ومات الدمستق من جراح به.
وفي شعبان قتلت العامه والاتراك خمارا صاحب المعونة برأس الجسر من الجانب الشرقى، واحرقوا جسده، لأنه كان قد قتل رجلا من العوام وولى مكانه الحبشي، فقتل احد العيارين في سوق النخاسين، فثارت العامه وقاتلته، وانفذ ابو الفضل الشيرازى حاجبه صافيا لمعاونه صاحب الشرطه، وكان صافى يبغض اهل الكرخ، فاخترق النخاسين الى السماكين، فذهب من الأموال ما عظم قدره.
واحرق الرجال والنساء في الدور والحمامات واحصى ما احترق فكان سبعه عشر ألفا وثلاثمائة دكان وثلاثمائة وعشرين دارا، اجره ذلك في الشهر ثلاثة واربعون الف دينار واحترق ثلاثة وثلاثون مسجدا.
وكلم ابو احمد الموسوى أبا الفضل الشيرازى، بكلام كرهه، فصرفه عن النقابة، وولى أبا محمد الحسن بن احمد بن الناصر العلوي.
وركب ابو الفضل الى دار ابن حفص التي على باب البركه، واحضر التجار وطيب قلوبهم، فقال: له شيخ منهم: ايها الوزير أريتنا قدرتك، ونحن نؤمل من الله تعالى ان يرينا قدرته فيك، فامسك ابو الفضل ولم يجبه، وركب الى داره.

نزول الخارج بالمغرب بمصر
وكان جوهر صاحب الخارج بمصر، قد اتى مصر، واقام الدعوة لصاحبها وبنى له قصره، وأتاها ابو تميم معد بن اسماعيل، الملقب بالمعز فنزلها.
وفي سادس عشر ذي القعده خلع على إسحاق بن معز الدولة من دار الخلافه بالسيف والمنطقه، ورسم بحجبه المطيع لله على رسم أخيه عز الدولة في ايام ابيه، ولقب عمده الدولة.
وفي سادس ذي الحجه قبض على ابى الفضل الشيرازى، وقد كثر الدعاء عليه في المساجد والبيع والكنائس، وقد ذكرنا مصادراته للمطيع لله، واحراق غلامه الكرخ، وما بت من المصادرات، وسلم الى الشريف ابى الحسن محمد بن

(11/429)


عمر، فانفذه الى الكوفه، فسقى ذراريح في سكنجبين، فتقرحت مثانته، ومات من ذلك.
قال ابو حيان: قيل له في وزارته الثانيه: كنت قد وعدت من نفسك، ان اعاد الله يدك الى البسطه، ورد حالك الى السرور والغبطة، انك تجمل في المعاملات، وتنسى المقابله، وتلقى وليك وعدوك بالإحسان الى هذا والكف عن هذا! فكان جوابه ما دل على عتوه لأنه قال: اما سمعتم قول الله تعالى: وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ فما لبث بعد هذا الكلام الا قليلا حتى اورد ولم يصدر، ولم ينعش بعد ان عثر، وتولى ابن بقية مصادرته، فصادره على مائه الف دينار.

وزارة ابى طاهر بن بقية لمعز الدولة
كناه الخليفة، وخلع عليه، ولقبه الناصح، وكان يخدم في مطبخ معز الدولة، حتى خدم أبا الفضل الشيرازى، وكان واسع النفس، وكانت وظيفته في كل يوم الف رطل ثلجا، وفي كل شهر اربعه آلاف منا شمعا، وكان يفعل كما يفعل وزراء الخلفاء، من الجلوس في الدسوت الكامله، ويضع وراء مجلسه أساطين الشمع، وبين يديه عده اتوار فيها الموكبيات والثلاثيات، وفي كل مجلس من الدار تور فيه ثلاثية، وان كان المكان خاليا، وفي أيدي الفراشين الموكبيات، بين يدي من يدخل ويخرج، وفي الشتاء يترك بين يديه كوانين الفحم، فيها جمر الغضا، ويترك عليه اقطاع الشمع، فكان يشتعل احسن اشتعال.
وفي هذه السنه توفى القاضى ابو حامد احمد بن عامر بن بشر المروروذى بالبصرة.

(11/430)


سنه ثلاث وستين وثلاثمائة
[أخبار]
طولب ابو محمد بن معروف ان يستحل بيع دار ولد ابى الحسن محمد بن ابى عمرو الشرابي حاجب الخليفة، وكان أبوه قد مات، والبائع لها وكيل نصبه المطيع لله.
فامتنع واغلق بابه، واستعفى من القضاء، فقلد مكانه القاضى ابو الحسن محمد بن صالح بن أم شيبان الهاشمى، بعد ان امتنع، وأجاب على الا يقبل رزقا، ولا خلعه، ولا شفاعه، وان يدفع الى كاتبه من بيت مال السلطان ثلاثمائة درهم، ولحاجبه مائه وخمسون درهما، وللقاضي في الفروض على بابه مائه درهم، ولخازن ديوانه وأعوانه ستمائه درهم، وان يصل اليهم ذلك من الخزانه، فأجيب.
وركب معه ابن بقية والوجوه، وتسلم عهده بحضره المطيع لله، فتولى انشاءه ابو منصور احمد بن عبيد الله الشيرازى، صاحب ديوان الرسائل يومئذ، وقرئ عهده في جامع المدينة.
وصرف ابو تمام الزينبى عن نقابه العباسيين، وتقلدها ابو محمد عبد الواحد بن الفضل بن عبد الملك الهاشمى.
وفي رجب لقب ابو تغلب عده الدولة، وخرج باللقب اليه ابو الحسن بن عمرو كاتبه.
واضاق عز الدولة، فانحدر الى الاهواز، فتنازع تركي وديلمى في معلف بالاهواز، فوقعت بينهم وقعه، فقيل ارسلان التركى وهو لعرجنه، وكان قد ظهر بين سبكتكين وعز الدولة، فقبض عز الدولة على الاتراك الذين عنده.
وحل اقطاع سبكتكين بالاهواز، وقبض على عماله ووكلائه، وفعل باصحابه بالبصرة كذلك وكتب على الاطيار الى أخيه ابى إسحاق، وامره ليقبض على سبكتكين.
فاشاع ابو الحسن عمده الدولة ان عز الدولة أخاه قد مات، وقصد ان يأتيه سبكتكين

(11/431)


معزيا، فيقبض عليه، وحسب ذلك، ووردت عليه كتب اصحابه بالشرح.
وجمعت أم عز الدولة الديلم بالسلاح.
وركب سبكتكين الى دار عمده الدولة، وهي دار مؤنس، فحاربهم يومين، فاستسلموا وسألوه ان يفرج لهم لينحدروا، ففعل وانحدروا.
وتفرق الديلم بمرقعات الى عز الدولة، واستولى سبكتكين على اموال عز الدولة وسلاحه.
وانحدر المطيع لله فانفذ سبكتكين ورده.
ونهبت الاتراك دور الديلم، ثم نهبوا دور التجار، فافتقر الناس، واعتزل المطيع لله الخلافه، ونذكر سبب عزله.
وكان المطيع لله كريما أديبا، حكى ابو الفضل التميمى، عن المطيع لله قال:
سمعت شيخي ابن منيع يقول: سمعت أبا عبد الله احمد بن حنبل يقول: إذا مات صدقا الرجل ذلك ذل.

خلافه الطائع لله ابى بكر عبد الكريم بن المطيع لله
كانت سبع عشره سنه، وثمانية اشهر، وسته ايام.
لما وقف سبكتكين على حال المطيع لله، رحمه الله عليه، في حال العله التي لحقته، وللفالج الذى تمادى به، حتى ثقل لسانه، دعاه الى خلع نفسه، وجعل الأمر الى ولده الطائع لله.
وبويع له يوم الأربعاء، لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة، سنه ثلاث وستين وثلاثمائة، ولم يتقلد الخلافه من له أب حي غيره، وغير ابى بكر الصديق رضى الله عنه:
وركب الطائع لله يوم بويع له، وعليه البرده، وقد خلع على سبكتكين، وكناه ولقبه نصير الدولة، وطوقه وسوره، وسار سبكتكين بين يديه، وركب في يوم

(11/432)


الاضحى الى المصلى، وصلى بالناس وخطب وخلع على ابى الحسن على بن جعفر كتابته.
واصعد عز الدولة من الاهواز الى واسط.
وصارت بغداد حزبين، فالسنيه تنادى بشعار سبكتكين، والشيعة تنادى بشعار عز الدولة.
وواصل عز الدولة استنجاد ركن الدولة وابى تغلب وعمران بن شاهين.

(11/433)