تاريخ دمشق لابن القلانسي

سنة ستين وثلاثمائة
ذكر أخذ القرامطة دمشق من المعز لدين الله صاحب مصر وهذا في سنة ستين وثلاثمائة

وفي سنة ستين وثلاثمائة
في ذي القعدة وصل القرامطة إلى دمشق، ونصبوا على أسوارها السلالم، وتعلقوا بها وفتحوها قصداً، وأوقعوا بأهلها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وشنعوا بأهلها وقتلوا واليها جعفر بن فلاح، وسبب ذلك أنهم لما رأوا أن
جعفراً استولى على الشام أهمهم أمره وأزعجهم وقلقوا، لأنهم كانوا قرروا مع ابن طغج أن يحمل إليهم في كل عام ثلاثمائة ألف دينار، فلما ملكها جعفر علموا أن المال يفوتهم، فعزموا على المسير إلى الشام، وصاحبهم وقتئذ الحسن بن أحمد بن بهرام القرمطي فأرسل إلى عز الدولة بختيار يستمد منه المعونة بالسلاح والمال، فأجابه الى ذلك واستقر الحال أنهم إذا ساروا الى الكوفة سائرين الى الشام حملوا الذي استقر، فلما وصلوا الكوفة أوصل اليهم ذلك وساروا الى دمشق، وبلغ خبر وصولهم الى جعفر، فاحتقرهم واستهان بهم "ولم يدر المخبأ له ولم يصل اليه قول القائل: "إذا كان عدوك نملة فلا تنام له"، وقد تقتل النملة الثعبان والأسد" (1) ولم يحتط (2) ويحترز منهم ولم يعمل لهم حساباً، فكبسوه بظاهر دمشق (3) وقتلوه من حيث لا يشعر بهم وغنموا ماله
__________
* بداية المستدرك من مختصر تاريخ ثابت بن سنان.
(1) يبدو أن هذه الجملة مقحمة في الأصل.
(2) في الأصل - يحتاط -.
(3) في مرآة الزمان - مخطوطة أحمد الثالث - 11/88- و: وفيها [360 هـ] وتوفي جعفر بن فلاح أحد قواد المصريين، وأول أمير ولي لهم دمشق، وكان فيمن خرج مع جواهر من المغرب، وشهد معه فتوح مصر، ثم بعثه جوهر إلى الشام، فتغلب على الرملة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، وأقام بدمشق.
ولخمس خلون من صفر من هذه السنة، أمر المؤذنين بجامع دمشق أن يؤذنوا =

(1/1)


وأنعامه من ناطق وصامت (1) .
__________
بحي على خير العمل، وكذا بالمساجد، وكان ينزل بمكان يقال له الدكة بين نهري يزيد وتورا، وقيل هي فوق يزيد قريبا من دير مران، فجاء أبو محمد الحسن بن أحمد القرمطي الى دمشق ويلقب بالاعصم، وكان جعفر مريضا،
فخرج فقاتله فقتله القرمطي في ذي القعدة وقيل في شوال.
(1) اصطدم الفاطميون أثناء فتحهم لدمشق بجماعات الأحداث فيها، الذين شكلوا نوعاً من أنواع المليشيات الشعبية البلدية، وكان محمد بن عصودا من بين زعماء أحداث دمشق الذين تصدوا لجعفر بن فلاح، وعندما أخفق بالمقاومة
غادر دمشق إِلى الأحساء حيث استنجد بقرامطتها، ومن حسن الحظ أن المقريزي حفظ لنا في كتاب المقفى تراجم لجعفر بن فلاح والحسن الاعصم زعيم القرامطة، وترجمة الأعصم نشرتها في كتابي أخبار القرامطة، أما ما جاء عن علاقة جعفر ابق، فلاح بالقرامطة فهاكم هو: (من مخطوطة مجلد برتو باشا في استانبول: 301-302) .
.... وأما محمد بن، عصودا فإنه لما انهزم، سار الى الأحساء، هو وظالم بن مرهوب العقيلي، وحثا القرامطة على المسير الى الشام، فوافق ذلك منهم الغرض، لأن الاخشيدية كانت تحمل في كل سنة الى القرامطة مالاً، فلما أخذ
جوهر مصر، انقطع المال عن القرامطة فأخذوا في الجهاز للمسير الى الشام.
وكثرت الأخبار بمسير القرامطة الى الشام، وأنهم نزلوا على الكوفة، وكتبوا الى الخليفة ببغداد، فأنفذ اليهم خزانة سلاح، وكتب لهم بأربعمائة ألف درهم على أبى تغلب عبد الله بن ناصر الدولة بن حمدان، من مال الرحبة، وأنهم
ساروا من الكوفة الى الرحبة وأخذوا من ابن حمدان المبلغ، فكتب جعفر الى غلامه فتوح وهو على أنطاكية يأمره بالرحيل فوافاه الكتاب مستهل شهر رمضان، فشرع في شد أحماله، ونظر الناس إليه فجفلوا ورموا خيمهم، وأراقوا طعامهم، وأخذوا في السير مجدين الى دمشق، فلما وافوا جعفر أراد أن يقاتل بهم القرامطة، فلم يقفوا، وطلب كل قوم موضعهم، ولم يبالوا بالموكلين على الطرق.
وعندما نزل القرامطة على الرحبة أكرمهم أبو تغلب، وبعث الى الحسن بن أحصد بن أبي سعيد الجنابي، المعروف بالأعصم، كبيرهم يقول له: هذا شيء أردت أن أسير فيه بنفسي لكني مقيم في هذا الموضع الى أن يرد إلى خبرك،
فإن احتجت الى سيري سرت إليك، ونادى في عسكره من أراد السير من الجند =

(1/2)


وبعد ملكهم لدمشق أمنوا من بقي من أهلها، وعزموا السير الى الرملة واستولوا على جميع ما بينهما، فلما سمع من بها من الغاربة خبرهم ساروا منها الى يافا، فتحصنوا بها، وملك القرامطة الرملة بعد قتال شديد وخسائر
جمة، وبعد استتباب الأمر لهم قصدوا المسير الى مصر وتركوا على يافا من يحصرها.
وعند دخولهم مصر اجتمع عليهم خلق كثير من العرب وغيرهم من الجند والإِخشيدية، والكافورية، فنزلوا بفناء مدينة الشمس على مقربة من مصر قريباً من قرية البلسم أو البيلسان وتعرف "بعين" شمس، واجتمع جند جوهر
__________
الاخشيدية وغيرهم الى الشام مع الحسن بن أحمد فلا اعتراض لنا عليه، وقد أذنا له في المسير والمعسكران واحد، فخرج الى القرامطة كثير من الاخشيدية الذين كانوا بمصر وفلسطين، ممن فر من جوهر وجعفر بن فلاح، وكان جعفر لما أخذ طبرية بعث الى أبي تغلب ابن حمدان بداع يقال له أبو طالب التنوخي، يقول له: إنا سائرون اليك فتقيم لنا الدعوة، فلما قدم الداعي على أبي تغلب وهو بالموصل، وأدى الرسالة، قال له: هذا ما لا يتم لأننا في دهليز
بغداد، والعساكر منا قريبة، ولكن إِذا قربت عساكركم من هذه الديار، أمكن ما ذكرته، فانصرف بغير شيء.
ثم ان الحسن بن أحمد القرمطي، سار عن الرحبة الى أن قرب من دمشق، فجمع جعفر خواصه واستشارهم، فاتفقوا على أن يكون لقاء القرامطة في طرف البرية قبل أن يتمكنوا من العمارة، فخرج اليهم ولقيهم، فقاتلهم قتالا شديداً،
فانهزم عنه عدة من أصحابه، فولى في عدة ممن معه، وركب القرامطة أقفيتهم، وقد تكاثرت العربان من كل ناحية، وصعد الغبار، فلم يعرف كبير من صغير، ووجد جعفر قتيلا لا يعرف لها قاتل، وكانت هذه الوقعة في يوم الخميس لست خلون من ذي القعدة سنة ستين وثلاثمائة.
فامتلأت أيدي القرامطة بما احتووا عليه من المال والسلاح وغيره، وخرج محمد بن عصودا إلى جثة جعفر بن فلاح، وهى مطروحة في الطريق، فأخذ رأسه وصلبه على حائط داره، أراد بذلك أخذ ثأر أخيه اسحق بن عصودا،
وملك القرامطة دمشق، وورد الخبر بذلك على جوهر القائد، فاستعد لحرب القرامطة ...

(1/3)


الصقلبي قائد العز لدين الله، وخرجوا اليهم، فاقتتلوا غير مرة فلم يظفروا بهم في جميع تلك الأيام، وما حصل منهم من الفظائع من قطع الطريق والنهب والسلب وسطوهم على القرى وهتكهم الأعراض يعجز القلم عن وصفه لعنهم الله.
ثم انهم تقدموا وزحفوا وحصروا عسكر جوهر وضايقوهم وحصروهم حصاراً شديداً، ثم ان جند جوهر خرجوا يوماً من مصر وحملوا على القرامطة من الميمنة فانهزم من بها من العرب وغيرهم، واقصدوا خيام القرامطة فنهبوها
وكبسوهم فيها فاضطروا الى الهزيمة، وولوا الأدبار راحلين إلى الشام، فنزلوا الرملة ثم حصروا يافا حصاراً شديداً وضيقوا على من بها، فسير القاهد جوهر نجدة من عسكره لأصحابه المحصورين بها، ومعهم ميرة في خمسة عشر مركبا، فأرسل القرامطة مراكبهم اليها فأخذوا مراكب جوهر ولم ينج منها غير مركبين، فغنمهما مراكب الروم.
وللحسن بن بهرام زعيم القرامطة شعر فمنه في المغاربة أصحاب المعز لدين الله العلوي الفاطمي الافريقي يقول:
زعمت رجال الغرب أني هبتها ... فدمي إذاً ما بينهم مطلول
يا مصر إن لم أسق أرضك من دمي ... يروي ثراك فلا سقاني النيل
وفي صباح الغد أخذ جند جوهر يرمون القرامطة بقوارير النفط، وأعملوا فيهم السلاح حتى اضطروهم الى الجلاء عن الحصار، ورحلوا الى الشام فتبعوهم، وواصلهم المعز وجوهر بالنجدات حتى أجلوهم عن بعض القرى والمدن (1) .
__________
(1) جاء في ترجمة جوهر الصقلبي، في كتاب المقفي للمقريزي - مجلد برتو باشا: 311، مزيداً من التفاصيل هاكم هي:

(1/4)


وفي سنة ثلاث وستين وثلاثمائة تقوى القرامطة، وعزموا أن يعودوا لمحاربة المعز الفاطمي العلوي صاحب مصر وافريقية، فتجمعت جموعهم وساروا من الإحساء، وفي مقدمتهم زعيمهم الحسن بن أحمد قاصدين ديار مصر فنزلوا
بها وحصروها، فلما سمع المعز لدين الله قصد القرامطة قبل وصولهم الى مصر، كتب اليهم كتابا (1) ، يذكر فيه فضل نفسه وأهل بيته، وأن دعوة القرامطة كانت له وآبائه من قبله، وتوعدهم وهددهم وسير الكتاب اليهم، فكتبوا اليه "جوابك: وصل الذي قل تحصيله، وكثر تفصيله، ونحن حاضرون اليك على إثره والسلام". وساروا حتى وصلوا عين شمس فخيموا بها، وأنشب القتال، وحصروا مصر حصراً شديداً، وأفسدوا ونهبوا القرى وقطعوا السبيل، وكثرت جموعهم، والتف حولهم من العرب وقطاع الطريق جمع كبير، وكان ممن حضر معهم وانضم اليهم الأمير حسان بن الجراح الطائي أمير العرب ببادية
__________
= ورد الخبر بقدوم الحسن بن أحمد الأعصم القرمطي الى دمشق، وقتل جعفر، بن فلاح، واستيلاء القرامطة على دمشق، وقصدهم مصر، فتأهب جوهر لقتالهم، وحفر جوهر خندقاً، وعمل عليه بابين من حديد، وبنى المقنطرة على
الخليج ظاهر القاهرة، وحفر خندق السري بن الحكم، وفرق السلاح على العساكر، فوجد رقاعا في الجامع العتيق فيها التحذير منه فجمع الناس ووبخهم فاعتذروا له فقبل عذرهم، ونزل القرامطة عين شمس في المحرم سنة احدى
وستين، فاستعد جوهر وضبط الداخل والخارج.
وفي مستهل ربيع الأول التحم القتال بين القرامطة وبينه على باب القاهرة، فقتل من الفريقين جماعة وأسر كثير، ثم استراحوا في ثانيه، والتقوا في ثالثه، فاقتتلوا قتالاً كثيراً قتل فيه ما شاءا الله من الخلق، وانهزم القرمطي يوم الأحد
ثالث ربيع الأول، ونهب سواده، ومر على طريق القلزم - السويس حاليا - ونودي في مدينة مصر: من جاء بالقرمطي أو برأسه فله ثلاثمائة ألف درهم وخمسون خلعة وخمسون سرج محلى على دوابها،، وثلاث جوائز ...
(1) أنظره في نص المقريزي في اتعاظ الحنفا بين نصوص كتابي أخبار القرامطة.

(1/5)


الشام، ومعه جمع عظيم، فلما رأى ذلك المعز استعظم الأمر، وتحير وارتبك في أمره، فجمع حاشيته ووزراءه (*) ] . (1)
__________
(*) نهاية المستدرك من مختصر تاريخ ثابت، حيث تتطابق المعلومات بعد ذلك.
(1) نهاية سقط من أول الكتاب مقداره أربع عشرة ورقة.
قال معد الكتاب للشاملة: ما سبق استدركه المحقق (د / سهيل زكار) من مختصر تاريخ ابن ثابت
وقد جاء - بدلا منه - في نسخة المستشرق هـ. أمدروز (حققه ونشره سنة 1908 لحساب مؤسسة برل في ليدن هولنده، وقد طبع نصه في بيروت في مطبعة الآباء اليسوعيين) ، ما يلي:
[وقال الشيخ أبو المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في تاريخه مرآة الزمان في ترجمة السنة الحادية والستين بعد الثلاثمائة أن من ها هنا نبتدي بشي مما ذكره أبو الحسين هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي وأنه قال: إن في جمادى الآخرة ورد الخبر بأن أبا علي الحسن بن أبي منصور أحمد القرمطي سار إلى مصر ونزل بعين شمس وجرت بينه وبين جوهر القائد وقعة وكان الاستظهار فيها لجوهر وانهزم القرمطي. قال ابن الصابي: لما دخل جوهر مصر سنة 358 ووطأ الأمور للمعز وأقام له الخطبة سير القائد جعفر بن فلاح إلى الشام فاسر الحسن بن عبيد الله بن طغج وبعث به إلى مصر ولما نهب الرملة قصده النابلسي الزاهد واستكف جعفر عن النهب فكف. ثم استخلف ابنه على الرملة وسار إلى طبرية وبلغه أن ابن أبي يعلي الشريف وهو أبو القاسم إسماعيل قد أقام الدعوة بدمشق للمطيع فسار إلى دمشق فعصوا عليه وقاتلوه فظهر عليهم وهرب ابن أبي يعلي إلى البربر وجئ به إليه فأحسن إليه وبعث به إلى مصر مع جماعة من الأحداث الذين قاموا معه. وعرف القرامطة استيلاء المغاربة على الشام وأخذهم ابن طغج فانزعجوا من ذلك لما يفوتهم من المال الذي كان قرره ابن طغج لهم وهو في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار فبعثوا أبا طريف عدي بن محمد بن المعمر صاحبهم إلى عز الدولة بختيار والوزير يومئذ أبو الفرج محمد بن العباس ابن فسانجس يطلبون المساعدة على المغاربة بالمال والرجال فاستقر أن عز الدولة يعطيهم ألف ألف درهم وألف جوشن وألف سيف وألف رمح وألف قوس وألف جعبة وقال: إذا وصل أبو علي لجنابي إلى الكوفة حمل إليه جميع ذلك. ولما وصل الجنابي إلى الكوفة وكان في عدد كثير من أصحابه ومن الأعراب فبعثوا إليه بالمال والسلاح وسار يريد الشام. وبلغ جعفر بن فلاح خبرهم فاستهان بأمرهم ثم لم يشعر بهم حتى كبسوه بدمشق بمكان يقال له الدكة فقتلوه واحتووا على سواده وأمواله وكراعه وملك أبو علي دمشق وأمن أهلها وأحسن السيرة فيها وغلب على الشام واجتمعت إليه العرب وسار إلى الرملة وبها سعاد بن حبان فخرج إلى يافا وتحصن بحصنها. ودخل أبو علي الرملة وقتل من وجد من المغاربة ثم رحل طالباً مصر وخلف بالرملة أبا محمد عبد الله بن عبيد الله الحسني ومعه دغفل بن الجراح الطائي وجماعة من الاخشيدية والكافورية وجاء فنزل عين شمس على باب مصر واقتتلوا أياماً وظهر القرمطي على المغاربة وقتل منهم زها خمسمائة رجل وغنم أموالهم وأسلحتهم ودوابهم. فلما كان يوم الأحد لثلاث خلون من ربيع الأول وقف الهجري على الخندق والمغاربة من ورائه ونشبت الحرب واقتتلوا إلى العصر فخرجت المغاربة من الخنادق وحملوا على الهجري فاندق عسكره لا يلوى على أحد وجعل يردهم وهم منهزمون فما وقفوا إلى الرملة وظن جوهر أن هزيمة القرمطي مكيدة فلم يتعرض لما كان في عسكره إلى ثلاثة أيام حتى تحقق الخبر فاستولى على الجميع. ونادى جوهر في الاخشيدية فاجتمعوا فعمل لهم طعاماً وحلف لهم على المصافاة ثم قبضهم وقيدهم وحبسهم وكانوا ألفاً وثلاثمائة مقاتل. وقال القرمطي في هذه الوقعة:
زعمت رجال العرب إني هبتها ... فدمي إذاً ما بينهم مطلول
يا مصر إن لم أسق أرضك من دمٍ ... يروي ثراك فلا سقاني النيل
وقال:
زعموا أنني قصير لعمري ... ما تكال الرجال بالقفزان
إنما المرء باللسان وبالقل ... ب وهذا قلبي وهذا لساني
ثم عاد الهجري إلى بلده وتفرقت الأعراب في البرية]

(1/6)


وتحصنوا بالسور وعظم الأمر على المعز وتحيرّ في أمره ولم ينفعه كتابه إليه ولا ترهيبه عليه ولم تقدم على الظهور بعسكره اليه (1) ، وكان حسان بن جراح الطائي (2) بعسكره مع القرمطي، وكان قوته وشدته به،
__________
(1) إِثر احتلال جوهر الصقلبي لمصر وجه القائد جعفر بن فلاح نحو الشام فاصطدم ببقايا القوى الاخشيدية في فلسطين فقهرها، ومن ثم أخذ الطريق نحو دمشق فاصطدم في منطقة حوران بقبائل عقيل مستعينا عليهما ببني مرة وفزارة ثم وصل دمشق فاصطدم الفاطميون بأهل المدينة يتقدمهم أحداث المدينة.
والأحداث هي منظمة شبه عسكرية شعبية بلدية، وكان من بين زعماء أحداث دمشق مقدم اسمه محمد بن عصودا، تصدى فيمن تصدى لجعفر بن فلاح إنما عندما أخفق هرب من دمشق يريد الأحساء وقد رافقه ظالم بن موهوب (أو مرهوب) العقيلي، وهناك في عاصمة دولة القرامطة أطلع الحسن الأعصم زعيم القرامطة على حوادث الشام الجديدة، وكان للقرامطة أتاوة سنوية كبيرة يأخذونها من الاخشيدية حكام الشام قطعت بالاحتلال الفاطمي، لهذا ولأسباب كثيرة ساق الأعصم جيوشه إلى الشام بعدما نال تشجيح ومساعدة بغداد، فأوقع بقوات ابن فلاح وقتل ابن فلاح نفسه ثم توجه نحو مصر وحاصر القاهرة دون نجاح، حيث انسحب القرمطي عائداً إلى الشام، وعند ارتفاع خطر القرامطة، راسل جوهر الصقلبي الخليفة المعز لدين الله الفاطمي ودعاه الى القدوم الى مصر فلبى الدعوة، سنة 362 هـ/973 م، وفي سنة 363 هـ وصل القرامطة مجدداً الى مصر وحاصروا المعز، وطال الحصار على المعز، وكتب الى القرمطي رسالة مطولة بالغة الأهمية، ولقد سبق لي معالجة هذا الموضوع في كتابي أخبار
القرامطة، دمشق 1981، كلما أنني نشرت في ملاحق كتابي مدخل الى تاريخ الحروب الصليبية، ط. دمشق 1975، ص: 313- 348 ترجمه كل من جعفر بن فلاح وجوهر الصقلبي من مخطوطة كتاب المقفي للمقريزي.
(2) حسان بن علي بن جراح أمير قبائل في فلسطين، انظر كتابي أخبار القرامطة:

(1/6)


وقال الشيخ أبو المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في تاريخه مرآة الزمان في ترجمة السنة الحادية والستين بعد الثلاثمائة أن من ها هنا نبتدي بشي مما ذكره أبو الحسين هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابي وأنه قال: إن في جمادى الآخرة ورد الخبر بأن أبا علي الحسن بن أبي منصور أحمد القرمطي سار إلى مصر ونزل بعين شمس وجرت بينه وبين جوهر القائد وقعة وكان الاستظهار فيها لجوهر وانهزم القرمطي. قال ابن الصابي: لما دخل جوهر مصر سنة 358 ووطأ الأمور للمعز وأقام له الخطبة سير القائد جعفر بن فلاح إلى الشام فاسر الحسن بن عبيد الله بن طغج وبعث به إلى مصر ولما نهب الرملة قصده النابلسي الزاهد واستكف جعفر عن النهب فكف. ثم استخلف ابنه على الرملة وسار إلى طبرية وبلغه أن ابن أبي يعلي الشريف وهو أبو القاسم إسماعيل قد أقام الدعوة بدمشق للمطيع فسار إلى دمشق فعصوا عليه وقاتلوه فظهر عليهم وهرب ابن أبي يعلي إلى البربر وجئ به إليه فأحسن إليه وبعث به إلى مصر مع جماعة من الأحداث الذين قاموا معه. وعرف القرامطة استيلاء المغاربة على الشام وأخذهم ابن طغج فانزعجوا من ذلك لما يفوتهم من المال الذي كان قرره ابن طغج لهم وهو في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار فبعثوا أبا طريف عدي بن محمد بن المعمر صاحبهم إلى عز الدولة بختيار والوزير يومئذ أبو الفرج محمد بن العباس ابن فسانجس يطلبون المساعدة على المغاربة بالمال والرجال فاستقر أن عز الدولة يعطيهم ألف ألف درهم وألف جوشن وألف سيف وألف رمح وألف قوس وألف جعبة وقال: إذا وصل أبو علي لجنابي إلى الكوفة حمل إليه جميع ذلك. ولما وصل الجنابي إلى الكوفة وكان في عدد كثير من أصحابه ومن الأعراب فبعثوا إليه بالمال والسلاح وسار يريد الشام. وبلغ جعفر بن فلاح خبرهم فاستهان بأمرهم ثم لم يشعر بهم حتى كبسوه بدمشق بمكان يقال له الدكة فقتلوه واحتووا على سواده وأمواله وكراعه وملك أبو علي دمشق وأمن أهلها وأحسن السيرة فيها وغلب على الشام واجتمعت إليه العرب وسار إلى الرملة وبها سعاد بن حبان فخرج إلى يافا وتحصن بحصنها. ودخل أبو علي الرملة وقتل من وجد من المغاربة ثم رحل طالباً مصر وخلف بالرملة أبا محمد عبد الله بن عبيد الله الحسني ومعه دغفل بن الجراح الطائي وجماعة من الاخشيدية والكافورية وجاء فنزل عين شمس على باب مصر واقتتلوا أياماً وظهر القرمطي على المغاربة وقتل منهم زها خمسمائة رجل وغنم أموالهم وأسلحتهم ودوابهم. فلما كان يوم الأحد لثلاث خلون من ربيع الأول وقف الهجري على الخندق والمغاربة من ورائه ونشبت الحرب واقتتلوا إلى العصر فخرجت المغاربة من الخنادق وحملوا على الهجري فاندق عسكره لا يلوى على أحد وجعل يردهم وهم منهزمون فما وقفوا إلى الرملة وظن جوهر أن هزيمة القرمطي مكيدة فلم يتعرض لما كان في عسكره إلى ثلاثة أيام حتى تحقق الخبر فاستولى على الجميع. ونادى جوهر في الاخشيدية فاجتمعوا فعمل لهم طعاماً وحلف لهم على المصافاة ثم قبضهم وقيدهم وحبسهم وكانوا ألفاً وثلاثمائة مقاتل. وقال القرمطي في هذه الوقعة:
زعمت رجال العرب إني هبتها ... فدمي إذاً ما بينهم مطلول
يا مصر إن لم أسق أرضك من دمٍ ... يروي ثراك فلا سقاني النيل
وقال:
زعموا أنني قصير لعمري ... ما تكال الرجال بالقفزان
إنما المرء باللسان وبالقل ... ب وهذا قلبي وهذا لساني
ثم عاد الهجري إلى بلده وتفرقت الأعراب في البرية

ذكر الحرب بين المعز لدين الله صاحب مصر والقرامطة
في سنة ثلاث وستين وثلاثمائة وهذا أول ما وجد من تاريخ ابن القلانسي
وتحصنوا بالسور وعظم الأمر على المعز وتحير في أمره ولم ينفعه كتابه إليه ولا ترهيبه عليه ولم يقدم على الظهور بعسكره إليه. وكان حسان بن جراح الطائي بعسكره مع القرمطي وكان قوته وشدته به

(1/1)


ونظر المعز في أمره فإذا ليس له به طاقة فأعمل فكرته ورويته في أمره وشاور أهل الراي من خاصته وجنده في أمره فقالوا. ليس فيه حيلة غير فل عسكره وليس يقدر على فله إلا بابن جراح. فبذلوا له مائة ألف دينار على أن يفل لهم عسكره فأجابهم إلى ذلك. ثم نظروا في كثرة المال فاستعظموه فضربوا دنانير من صفر وطلوها بالذهب وجعلوها في أكياس وجعلوا في راس كل كيس منها يسيراً من دنانير الذهب الخلاص وحملوها إلى ثقة ابن جراح وقد كانوا توثقوا منه وعاهدوه على الوفاء وترك الغدر إذا وصل المال إليه. فلما عرف وصول المال إليه عمل في فل عسكر القرمطي وتقدم إلى أكثر أصحابه أن يتبعوه إذا تواقف العسكران ونشبت الحرب. فلما اشتد القتال ولي ابن جراح منهزماً وتبعه أصحابه فكان في جمع كثيف فلما نظر إليه القرمطي قد انهزم في عسكره بعد الاستظهار والقوة تحير في أمره ولزمه الثبات والمحاربة بعسكره وأجهد نفسه في القتال حتى يتخلص ولم يكن له بهم طاقة وكانوا قد أرهقوه بالحملات من كل جانب وقد قويت نفوس المغاربة بانفلال ابن جراح فخاف القرمطي على نفسه فانهزم فاتبعوا أثره وطلبوا معسكره فظفروا بمن فيه وأسروا منه تقدير ألف وخمسماية رجل وانتهبوا سواده وما فيه وضربوا أعناق من أسروه وذلك في شهر رمضان سنة 363 ثم جردوا في طلب القرمطي القائد أبا محمود بن إبراهيم بن جعفر في عشرة ألف رجل فاتبعه وتثاقل في سيره خوفاً من رجوعه عليه وتم القرمطي على حاله في انهزامه حتى نزل على اذرعات وأنفذ أبا المنجا في طائفة من

(1/7)


الجند إلى دمشق وكان ابنه قبل ذلك والياً عليها ورحل القرمطي في البرية طالباً بلده الاحساء ونيته العود ورحل أبو محمود مقدم عسكر المغاربة عند معرفته ذاك ونزل بأذرعات في منزلة القرمطي

(1/8)


ذكر ولاية ظالم بن موهوب العقيلي لدمشق في سنة 363 من قبل المعز لدين الله
وصل القائد ظالم بن موهوب العقيلي إلى دمشق والياً عليها في يوم السبت لعشر خلون من شهر رمضان سنة 363 عقيب نوبة القرمطي فدخلها وتمكن أمره في ولايتها وتأثلت حاله في إيالتها وتوفرت عدته وعدته واشتدت شوكته لا سيما عند قبضه على أبي المنجا وولده صاحبي القرمطي مع جماعة وافرة من أصحابهما وحبسهم وأخذ أموالهم واستغراق أحوالهم. واتفق أن أبا محمود مقدم العسكر المصري المقدم ذكره وصل إلى دمشق في يوم الثلاثاء لثلاث بقين من شهر رمضان من السنة ونزل بالشماسية فخرج ظالم متلقياً له ومستبشراً به ومبتهجاً بنزوله ومستأنساً بحلوله لما كان مستشعره من الخوف من عود القرمطي إلى دمشق ونزوله عليها ثم أن ظالماً أنزل أبا محمود المقدم الدكة المعروفة وحمل إليه أبا المنجا صاحب القرمطي المعتقل والمعروف بالنابلسي الذي كان هرب من الرملة متقرباً إليه وإلى المغاربة

(1/9)


بذلك فجعل كل واحد منهما في قفص من خشب وحملهما إلى مصر فلما وصلا إلى المعز لدين الله أمر بحبس أبي المنجا وولده وقال للنابلسي: أنت الذي قلت لو أن معي عشرة أسهم لرميت تسعةً في المغاربة وواحداً في الروم. فاعترف بذلك فأمر بسلخه فسلخ وحشي جلده تبناً وصلب ولما نزل القائد أبو محمود المقدم على دمشق في عسكره اضطرب الناس وقلقوا وامتدت أيدي المغاربة في العيث والفساد في نواحي البلد وأخذ من يصادف في الطرقات والمسالك وكان صاحب الشرطة بعد القبض على أبي المنجا قد أخذ إنساناً وقتله فظهر الغوغاء وحملة السلاح وقتلوا أصحاب المسالح وكثر من يطلب الفتن من العوام وطمعت المغاربة في نهب القرى وأخذ القوافل ظاهر البلد ولم يتمكن القائد أبو محمود المقدم من ضبط أصحابه لأنه لم يكن معه مال ينفقه فيهم ولم يقبلوا أمره ولا امتثلوا زجره. وكان ظالم يأخذ مال السلطان الذي يستخرج من البلد وقد عرف ظالم أن الرعية تكره المغاربة في الفساد وقطع الطريق على الصدار والوراد وامتنع السفار من المجي والذهاب وعدلوا في ذلك عن نهج الصواب ونزح أهل القرى منها إلى البلد وخلت من أهلها واستوحش ظاهر البلد وباطنه. فلما كان يوم الخميس النصف من شوال من السنة جاء قوم من العسكرية ينهب القصارين من ناحية الميدان فكثر الصائح في البلد وخرج الناس بالسلاح وثارت الأحداث وخرج أصحاب ظالم ووقع القتال وظالم يظهر

(1/10)


أنه يريد الصلاح والدفع عن البلد ولم يكاشف في الأمر ووجد الناس حجةً للمقال والشكوى لما يجري عليهم فلما كان في بعض الأيام خرج قوم من المغاربة يطلبون الطرق فظفروا برفقة قافلة في طريق الحرجلة قد أقبلت من حوران فأخذوها وقتلوا منها ثلاثة نفر فجاء أهل القتلى وحملوهم وطرحوهم في الجامع فكثر الناس عليهم وبالغوا في المقال والانكار لأجلهم وغلقت الأسواق ومشى الناس بعضهم إلى بعض ونفرت قلوبهم واستوحشوا وخافوا. فلما كان يوم الاثنين السابع عشر من ذي القعدة من السنة سمع صبي يصيح على بعد: النفير النفير إلى قينية إلى اللؤلؤة. فقال قائل: كان بالامس آخر النهار قوم من المغاربة ومن البادية في جنينة في القنوات فقتلت المغاربة من البادية ابن عم لورد بن زياد وقد وقع بينهم حرب وقد ثارت الفتنة بباب الجابية فخرج رجل من العسكرية يقال له نفاق ابن عم لأبي محمود فظهر القوم من غد في طلب الرجل وكان مسكنه في ناحية قينية

(1/11)


فأقبلوا يريدون بيته وانتشرت خيلهم ورجالتهم في أرض قينية إلى لؤلؤة والقنوات إلى باب الجابية وباب الحديد فظفروا بالقصارين عند باب الحديد فأخذوا ما كان معهم من الثياب فصاح الناس النفير ولبسوا السلاح وخرج أصحاب ظالم مع الرعية وزحفت المغاربة حتى بلغوا قريباً من سور البلد وليس في مقابلتهم من يذودهم ويدافعهم فنفر إليهم أهل البلد من كل ناحية ونشب القتال ونكا النشاب في المغاربة أعظم نكاية وقصدوا الباب الصغير وامتد الناس خلف المغاربة وصعدوا على طاحون الأشعريين يرمونهم بالحجارة وطرحوا النار فيها فاحترقت وهي أول نار طرحت في البلد وزحفت الرعية وأصحاب ظالم إلى المغاربة وضايقوهم مضايقةً ألجؤهم إلى الصعود فوق مسجد إبراهيم وكان ذلك منهم جهلاً واغتراراً وكان في الطريق الأعلى نحو البيمارستان العتيق شرذمة قليلة فحملوا على الأحداث وأصحاب ظالم فانهزموا من المرج إلى خلف المرمى وتبعتهم المغاربة فلما علم ظالم هزيمتهم خرج من دار
الامارة حتى وقف عند الجسر المعقود على بردا وأمر بغلق باب الحديد ورتب قوماً من أصحابه على جسر باناس ليلاً ينهزم الناس فلما شاهد انهزام الناس والمغاربة في أثرهم ضرب بيده على فخذه ثم استدعى رمحه وعبر الجسر ومعه فرقة من أصحابه وحمل على أوائل المغاربة فردهم عن أحداث البلد وصاح الناس في الميدان النفير فانهزم ظالم وأصحابه وجأت المغاربة نحو الفراديس ودخلوا الدروب وملكوا السطوح وطرحوا النار في الفراديس وكان هناك من البنيان

(1/12)


الرفيع الغاية في الحسن والبهاء ما لم ير مثله وهو أحسن مكان كان بظاهر دمشق وامتدت النار مشرقةً حتى بلغت مسجد القاضي فأتت على دور لبني حذيفة وأخذت النار كله فاتلفت ما كان بين الفاخورة وحمام قاسم وكنيسة مريوحنا وحين انهزم الناس وتكامل العسكر في المرج والميدان وارتفع صياح المغاربة وانهزم من على السطح من الرماة والنظارة وامتدوا إلى القنوات ودخلوا باب الحديد وانتشروا فلما عرفوا انهزام ظالم قصدت خيلهم ناحية الشماسية في طلبه فلما حصلوا بها أقبلت الأحداث تجول فيها مع المغاربة فطرحوا النار في لؤلؤة الكبرى والصغرى والقنوات وقينية وأقبل الليل وبات الناس على أسوء حال وأشد خوف عظيم وأعظم وجل. وتمكنت النار في تلك الليلة فاحرقت درب الفحامين ودرب القصارين ثم أخذت مغربةً إلى مسجد معوية واحرقت درب الستاقي وما حوله إلى حمام العصمي ثم أخذت في زقاق المشاطين والقنوات وقويت النار في اللؤلؤة الكبرى والصغرى وبلغت إلى ناحية المشرق وأتت على الرصيف جميعه وكانوا في وقت يمكنهم من باب الحديد قد طرحوا النار في دار عمرو بن مالك ودار ابن طغج ابن جف فقويت

(1/13)


النار في أخشاب وبطاين سقوف منقوشة وظهر لها في الليل ألسنة عالية وشرر عظيم وكذلك النار التي ألقيت في الفراديس كان لها شرر مرتفع والقوا النار أيضاً في باب الحديد والمظلمة بازاء دار الحمامي إلى الطريق الآخذ إلى حجر الذهب ووصلوا إلى رحبة السماكين مقابل دار ابن مقاتل ووجدوا بين أيديهم من الرعية من منعهم من دخول الزقاق ودخل قوم من الرعية المظلمة وأدركوا واطفؤها وقويت النار في دار ابن مالك فاحترقت وما يليها من الطاحون إلى حد حمام ضحاك ثم أخذت النار نحو القبلة فأتت على ما كان من الدور حول دار ابن طغج وما يليها إلى قصر عاتكة وسوق الجعفري والحوانيت والتقت على قصر حجاج وأشرق الصبح وقد خلا المكان واجتمع قوم في تلك الليلة من حجر الذهب والفسقار والنواحي المعروفة بباب الحديد وعملوا على المحاربة عن الدروب والأزقة وأبواب الدور فما لاح الصباح بضيائه إلا وقد بنوا حائط باب الحديد وسدوا الباب وأتى الله بالفرج. وقد كانت المغاربة في تلك الليلة في لهو ولعب وزفن وفرح وسرور بأخ البلد من عدوهم ينظرون إلى النار تعمل في جنباته وقد أتت عليه فلما أصبحوا انحدر العسكر من الدكة يريد البلد وكان الناس قد غدوا إلى الميدان وصعدوا السطح ينظرون نزول العسكر وقد حارت عقول كثير

(1/14)


من الناس من الخوف فلما نظرت الدبادبة ممن كان على السطح انحدر العسكر وقد علت الأصوات بالنفير فلما سمع الناس النفير بادروا الخروج بالسلاح التام وعدد الحرب وآلاتها وخرج قوم بمثل حربة وعصاً وفاس وكساء ومقلاع وحمر عليها حجارة واشتد الناس في القتال ونزل القائد أبو محمود في عسكره فضرب في الميدان خيمةً وأصبح الناس في شدة عظيمة وبلية هائلة وظهروا من البلد وقد تبعهم الخلق الكثير من الأخيار والمستورين يطلبون من الله تعالى الفرج فلما قربوا من عسكر المغاربة صاح نفر منهم فنفرت من الصياح خيل هناك فقيل لهم: أشراف البلد يريدون الوصول إلى القائد. فأذن لهم فلما حضروا لديه وسلموا عليه أحسن الرد عليهم وبش بهم وقال: ما حالكم وما الذي جاء بكم. فشكوا إليه أحوالهم والاضرار بهم والمضايقة لهم وخضعوا وذلوا له ولطفوا به فقال. ما نزلت في هذا المكان لقتالكم وانما نزلت لأرد هؤلاء الكلاب المفسدين عنكم يعني أصحابه وما أوثر قتال رعية. فشكروه ودعوا له وأثنوا عليه وانصرفوا عنه مستبشرين بما سمعوه منه وجاءوا إلى خيمته واختلطوا بأصحابه وقد خف الخوف والوجل عنهم. ودخلت المغاربة البلد لقضاء حوايجهم وعاد القائد أبو محمود في عسكره إلى الدكة منزله. وولي الشرطة لرجلين يقال لأحدهما حمزة المغربي والآخر يقال له ابن كشمرد من
الأخشيدية فدخل في جمع كثير من الخيل والرجالة فطافا في البلد بالملاهي والزفن وجلسا في مجلس الشرطة وطاف في الليل جماعة من الرجال بالعدد والسلاح ممن يريد الفساد وإثارة الفتن ووجد الطائف الدروب قد ضيقت

(1/15)


فشكا ذلك إلى القائد أبي محمود فشق هذا الأمر عليه وضاق له صدره. فلما كان في بعض الليالي اجتاز الطائف في ناحية المحاملين على جسر المصلى يريد باب الصغير في جمع وافر ووصل إلى سوق الغنم فوجد درب سوق الغنم مسدوداً فعظم ذلك عليه وغضب لأجله وعاد إلى ورائه منكفئاً حتى دخل من ناحية البطاطين فشكا إلى أبي محمود فقال: إن القوم على ما هم عليه من العصيان والخلاف. وكثرت الأقوال في مجلسه ولم يكن صاحب رأي سديد ولا تدبير حميد ولا حسن سياسة واستدعى مشايخ البلد إليه فدخلوا عليه فتواعدهم وأغلظ القول لهم وقال: إن لم يفتح هذا الباب والا وأنتم مقيمون على الخلاف والعصيان. فقالوا: أيها القائد لم يسد هذا الباب لعصيان ولا خلاف وانما كان سده بحيث لا يدخل منه من لا يعلمه القائد ولا يوثره من أهل الفساد ومن يوثره إثارة الفتنة والعناد. فقال: قد أمهلتكم ثلاثة أيام وإن لم يفتح هذا الباب لأركبن إليه ولأحرقنه ولأقتلن كل من أصادفه فيه. فقالوا: نحن نطيع أمرك ولا نخالفه إذا استصوبت ذلك. وخرجوا من عنده متحيرين في أمرهم ولا يعلمون كيف يسوسون جهلة الناس وأمور السلطان. فصاروا إلى باب الصغير واجتمع إليهم أهل الشرة وغيرهم وفيهم المعروف بالمارود راس شطار الأحداث وأحاطوا بهم وسألوهم عن حالهم فأعادوا عليهم ما سمعوه من القائد أبي محمود بسبب سد الباب فقال بعضهم: يفتح ولا يجري مثل ما جرى أولاً فنخرب البلد.

(1/16)


وقال قوم من أصحاب السلاح بالضد فقالت المشايخ: نحن نفتح هذا الباب وإن جرى أمر مكروه عند دخول المغاربة وغيرهم أو ثارت منه فتنة كنتم أنتم أصل ذلك وسببه. ثم انهم فتحوه من وقتهم فلما شاهد المشايخ ذاك حاروا بين الفريقين وقال بعضهم لبعض: ما قال أبو محمود وما قال أهل الشرة وقد فتح الباب بأمركم ولسنا نأمن أمراً يكون من المغاربة فتكونوا أنتم السبب فيه. ففكروا في الخلاص من لائمة الفريقين واعملوا الراي فيما بينهم وقالوا: الصواب أن نأمرهم بسده. وكان ذلك منهم رأياً سديداً وتدبيراً. وجرى بين رجل من أكابر المغاربة ورجل من أهل الشرة منازعة بسبب صبي أراد المغربي أن يغلب عليه فرفع البلدي سيفه وضرب به المغربي فقتله في سوق البقل فغلظ الأمر واضطرب البلد وغلقت حوانيت الأسواق وثار العسكر بسبب المقتول فعند ذلك وجدت المشايخ الحجة في سد الباب لهذا الحادث وانتهى الخبر إلى القائد أبي محمود ففرق السلاح في أصحابه وثار أهل البلد وتأهبوا للمحاربة وأصبح العسكر منحدراً يريد باب الصغير وكان عندهم العلم بتفريق السلاح والاستعداد للحرب فتيقظ الناس فاحترزوا إلى حين ارتفع النهار وفتح الناس حوانيتهم وكان المعروف بابن المارود راس الأحداث قد عرف هو وأصحابه ان قصد العسكر باب الصغير لأجلهم وصاح الناس النفير وارتفعت الأصوات وتقدمت الرجالة وانتشروا في سوق الدواب وعبروا الجسر وطرحوا النار في الطاحون قبلي الجسر وانتشروا في الطريق والمقابر يشاهدون

(1/17)


النار في دور عند مسجد الخضر وامتدت الأحداث والرعية في المقابر ووقع النفير في الأسواق وكانوا في غفلة فصاح فيهم صايح: أما يستيقظ من هو غافل أما ينتبه من هو راقد. فغلقت حوانيت الأسواق وأضحى الناس من استشعار البلاء على ساق ونزل القايد أبو محمود في محراب المصلى كانت رجالته منتشرةً في المقابر فاجتمعت مشايخ البلد إلى القائد أبي محمود من باب الجابية والمحاربة على باب الصغير وكان فيهم الشريف أبو القاسم أحمد بن أبي هشام العقيقي العلوي فقال له: الله الله أيها القائد في الحرم والأطفال وأتقياء الرجال. ولم يزل يخضع له ويلطف به إلى أن أمسك بعد سؤال متردد وعاد منكفئاً بعسكره إلى مخيمه بالدكة في يوم الأربعاء لست مضين من ذي الحجة سنة 363 وكف عن القتال. ودخل صاحب النظر إلى البلد وانتشر الفساد في سائر الضياع والجهات وطرحت النار في الأماكن والحارات وثارت الفتنة واشتدت النار وعظم الخوف وفني العدد الكثير من الفريقين ولم تزل الحرب متصلةً مدة صفر وربيع الأول وبعض ربيع الآخر وتقررت المصالحة والموادعة إلى أن ولي جيش بن
الصمصامة البلد من قبل خاله القائد أبي محمود المقدم ذكره في سنة 363. وصرف القائد ظالم بن موهوب العقيلي عن ولايتهبلد من قبل خاله القائد أبي محمود المقدم ذكره في سنة 363. وصرف القائد ظالم بن موهوب العقيلي عن ولايته

(1/18)


شرح الأمر في ذلك
لما استقر الصلح والموادعة بين أهل دمشق والقائد أبي محمود مقدم العسكر المصري المعزي على ما تقدم شرحه وخمدت نار الفتنة بعض الخمود وركدت ريحها بعض الركود وسكنت نفوس أهل البلد واطمأنت القلوب بين الفريقين اعتمد القائد أبو محمود على ابن أخته جيش بن الصمصامة في ولاية دمشق وحمايتها ولم ما تشعث منها بالفتنة المتصلة لما رجاه عنده من الكفاية والصرامة وقدره فيه من النهضة والشهامة فدخلها والياً ونزل بقصر الثقفيين في الدار المعروفة بالروذباري وأقام بها أياماً. فلما كان يوم من الأيام عبرت طائفة من عسكر المغاربة بالفراديس فعاثت فيه فثار الناس عليها وقتلوا من لحقوه منهم وصاروا إلى قصر الثقفيين فهرب منهم جيش بن الصمصامة الوالي في أصحابه فانتهبوا ما كان لهم فيه وأصبح القائد جيش منحدراً من العسكر في جمع كثير وقصد جهة من البلد وكبس موضعاً كان قد سلم ووجد فيه أربعةً من أهله فأخذ رؤوسهم وطرح النار فيه فاحترق وقال القائد أبو محمود: إن أهل الشرة في موضع يقال له سقيفة جناح قريب من باب كيسان قبلي البلد. فقصدهم من ناحية الخامس الصغير والمقابر فوقع النفير فقاتلتهم الأحداث والرعية أشد قتال وقد غلظ الأمر عليهم في أخذ رؤوس من يظفرون به ونشبت الفتنة والشر بينهم منذ أول جمادى الأولى ونشبت الحرب بينهم بياض ذلك اليوم إلى أن أقبل الليل

(1/19)


فاضطرب البلد واشتد خوف أهله ووجلهم وخربت المنازل وضعفت النفوس وانقطعت المواد واستدت بالخوف المسالك والطرقات وبطل البيع والشراء وقطع الماء عن البلد وعدم الناس القني والحمامات ومات ضعفاء الناس على الطرقات وهلك الخلق الكثير من الجوع والبرد في أكثر الجهات وانتهت الحال في ذلك إلى أن تجددت ولاية القائد ريان الخادم عقيب هذه الفتنة في بقية سنة 363

شرح الحال في ذلك
قد كانت الأخبار تنتهي إلى المعز لدين الله بما يجري على أهل دمشق من الحروب واحراق المنازل والنهب والقتل والسلب واخافة المسالك وقطع الطرقات وان القائد أبا محمود المقدم على الجيش المصري لا يتمكن من كف أهل الفساد والمنع لمن يقصد الشر من أهل العيث والعناد ولذلك فقد خربت الأعمال واختلت الجهات وترادفت الأنباء بذلك إليه وتواترت الأخبار بجلية الحال عليه فأنكر استمرار مثل ذلك وأكبره واستبشعه وكتب إلى القائد ريان الخادم والي طرابلس يأمره بالمسير إلى دمشق لمشاهدة حالها وكشف أمور أهلها والمطالعة بحقيقة الأمر فيها وأن يصرف القائد أبا محمود عنها فامتثل القائد ريان الأمر في ذلك وسار من طرابلس ووصل إلى دمشق فشاهدها وكشف أحوال أهلها وأمور الرعية بها وتقدم إلى القائد أبي محمود بالانكفاء عنها فرحل عن دمشق إلى الرملة في عدة خفيفة من عسكره وبقي الأكثر مع القائد ريان وكان ذلك بقضاء الله وتقديره ونفاذ حكمه. وتمادت الأيام في ذلك إلى أن تجددت ولاية أبي منصور الفتكين التركي المعزي البويهي الواصل

(1/20)


ولاية الفتكين المعزي لدمشق في بقية سنة 363 وما بعدها وشرح السبب في ذلك
قد مضى ذكر ما جرى عليها أمر القائد ريان المعزي الخادم في تولية أمر دمشق وما شاهده من أمر الفتن الحادثة فيها واتصال الحروب بها وما اعتمده من النظر في تسديد أحوالها وتدارك اصلاح اختلالها بعد ذلك وتسكين نفوس من بها. ووافق هذه الحال ما تناصرت به الأخبار من بغداد من اشتداد الفتن والوقائع بين الديلم والأتراك وما كان من عصيان الحاجب سبكتكين المعزي مقدم الأتراك على عز الدولة بختيار بن مولاه معز الدولة أبي الحسين بن بويه الديلمي وما حدث من موت الحاجب سبكتكين المذكور ورد الأمر في التقدم على الأتراك إلى الحاجب أبي منصور الفتكين المعزي والرئاسة عليهم لسكونهم إلى سداده وجميل فعله في الأعمال واقتصادهم واعتمادهم عليه في اخماد ثائرة الفتنة وسكنت نفوس الأجناد ببغداد
وفي ذي القعدة من سنة 363 وردت الأخبار بخلع المطيع لله واستخلاف ولده الطائع لله عند اشتداد الفتنة بين الديلم والأتراك وأقام على هذه الحال برهةً خفيفةً ثم ثارت الفتنة واتصلت الحوادث

(1/21)


وزاد الأمر في ذلك إلى حد أوجب للحاجب الفتكين الانفصال عن بغداد في فرقة وافرة من الأتراك تناهز ثلاثمائة فارس من طراخين الغلمان ووصل أولاً إلى ناحية حمص للأسباب التي أوجبت ذلك ودعت فأقام بها أياماً قلائل وسار منها إلى دمشق والأحداث بها على الحال المقدم شرحهما في تملكها والغلبة عليها والتحكم فيها فنزل بظاهرها وخرج إليه شيوخها وأشرافها وخدموه وأظهروا السرور به وسألوه الاقامة عندهم والنظر في أحوالهم وكف الأحداث الذين بينهم ودفع الأذية المتوجهة عليهم منهم فأجابهم إلى ذلك بعد أن توثق منهم وتوثقوا منه بالأيمان الموكدة والمواثيق المشددة على الطاعة والمساعدة ودخل البلد وأحسن السيرة وقمع أهل الفساد وأذل عصب ذوي العيث والعناد وقامت له هيبة في الصدور وصلح به ما كان فاسداً من الأمور. وكانت العرب قد استولت على سواد البلد وما يتصل به فقصدهم وأوقع بهم وقتل كثيراً منهم وظهر لهم من شجاعته وشهامته وقوة نفس من في جهته وجملته ما دعاهم إلى الاذعان بطاعته والنزول على حكمه والعمل باشارته وأمر بتقرير امضاء الاقطاعات القديمة وارتجاع ما سوى ذلك وأحسن التدبير والسياسة في ترتيب العمال في الأعمال وأنعم النظر في أبواب المال ووجوه الاستغلال فاستقام له الأمر وثبتت قدمه في الولاية وسكن أهل دمشق إلى نظره. وكاتب المعز مكاتبةً على سبيل المداجاة والمغالطة والمدامجة والتمويه والانقياد له والطاعة لأوامره فأجابه بالاحماد له والارتضاء بمذهبه والاستدعاء له إلى حضرته ليشاهده ويصطفيه لنفسه ويعيد إلى ولايته بعد ذلك مكرماً مولىً مشرفاً فلم يثق إلى ذلك ولا سكنت نفسه إليه وامتنع من الاجابة إلى ما بعثه عليه

(1/22)


ووافق إن المعز لدين الله اعتل العلة التي قضى فيها محتوم نحبه وصار إلى رحمة ربه في سنة 365 وكان مولده بالمهدية وعمره خمس وأربعون سنة ومولده سنة 319 ومدة أيامه في الخلافة ثلاث وعشرون سنة وستة أشهر وأمه أم ولد ونقش خاتمه بنصر العزيز العليم ينتصر الامام أبو تميم وكان عالماً فاضلاً شجاعاً جارياً على منهاج أبيه في حسن السيرة وانصاف الرعية ثم عدل عن ذلك وتظاهر بعلم الباطن ورد من كان باقياً من الدعاة في أيام أبيه وأذن لهم في الاعلان مذهبهم ولم يزل عن ذلك غير مفرط فيه إلى أن خرج من الغرب. وقام في منصبه من بعده ولده نزار أبو منصور العزيز بالله مولوده بالمهدية يوم الخميس الرابع عشر من المحرم سنة 344
ولما عرف حال الحاجب الفتكين جهز إليه عسكراً كثيراً مع القائد جوهر المعري ويجري الأمر بينهم على ما هو مشروح في موضعه. واتفق خروج ابن الشمشقيق متملك الروم في هذه السنة إلى الثغور فاستولى على

(1/23)


أكثرها ودعت أبا بكر ابن الزيات الضرورة إلى مصالحته والدخول في طاعته والمسير في عدة وافرة من أهل طرصوس والثغور في خدمته وفعلت عدة من بطون العرب مثل ذلك فلما نزل ابن الشمشقيق على حمص وافتتحها وانتقل عنها إلى بعلبك وملكها وأراد قصد دمشق وكتب ابن الزيات إلى الفتكين وأهل دمشق يعرفهم قوة متملك الروم وانهم لا يقدرون على مقاومته ولا يتمكنون من محاربته ويشير عليهم بالدخول في طاعته والنزول على حكم اشارته وأصغى الفتكين وأهل البلد إلى ذلك وعلموا ان فيه المصلحة وقرروا ما يستكفونه به ليصبحوا في كنف السلامة ويأمنوا شر العساكر الواصلة إليهم. وكتب إليه بقبول الاشارة ورد الأمر إليه فيما يدبره والعمل فيه بما يراه ويستصوبه. فدخل ابن الزيات إلى متملك الروم وقال له: قد وردت كتب الفتكين وأهل دمشق بالانقياد المملك إلى ما يرومه منهم ويرسم حمله إليه من الخراج عن بلدهم وسألوا أمانه وحسن الرأفة بهم والمحاماة عنهم. فقال له: قد قبلت طاعتهم وأمرت بايمانهم على نفوسهم وأموالهم ورضيت منهم بالخراج. وأنفذ إليهم صليباً بالأمان فأنفذه ابن الزيات إليهم مع المعروف بالدمشقي صاحبه وكان من وجوه الطرسوسين فتلقوه بالمسرة والاكرام والشكر الزائد عن حسن السفارة وجميل الوساطة. وأشار ابن الزيات على الفتكين بالخروج لتلقي الملك فخرج في ثلاثمائة غلام في أحسن زي وعدة وأفضل ترتيب وهيئة واستصحب أشراف البلد وشيوخه ولقيه فأقبل عليه وأكرمه والدمستقيين فيما خاطبهم به من الجميل وعاملهم به من وكيد العناية ومرضي الرعاية وتوسط ابن الزيات ما بينه وبينهم على تقرير مائة ألف درهم.

(1/24)


وسار ابن الشمشقيق إلى دمشق لمشاهدتها فلما وصل إليها ونزل بظاهرها استحسن ما رآه من سوادها وتقدم إلى أصحابه بكف الأذية عن أهلها وترك الاعتراض لشيء من عملها ودخل الفتكين والشيوخ إلى البلد لتقسيط القطيعة وجمعها وتحصيل الملاطفات التي يخدم مثله بمثلها وحملوا إليه ما جاز حمله وحصل المال المقرر له في بدرة. وخرج الفتكين إليه لمعاودة خدمته فوجده راكباً والطرسوسيون يتطاردون بالرماح بين يديه فلما شاهد ابن الشمشقيق موكبه تقدم إلى ابن الزيات بتلقيه وقد كانت الحال تأكدت بين الفتكين وابن الزياد فتلقاه ووصاه بالتذلل له والزيات في التعظم له والتقرب إليه وأعلمه ان ذلك ينفق عليه ففعل الفتكين ما أشار به وترجل له هو وأصحابه وابن الزيات عند قربهم منه وقبلوا الأرض مراراً فسر الملك بذلك وأمرهم بالركوب فركبوا وأسند إلى الفتكين وسأله عن حاله فأجابه جواباً استرجعه حجةً فيه. وكان الملك فارساً يحب الفرسان فلعب الفتكين وابن الزيات بين يديه لعباً استحسنه منه وشاهد من فروسية الفتكين

(1/25)


ما أعجبه فتقدم إليه بالزيادة في اللعب والتفرد به ففعل والتفت الملك إلى ابن الزيات فأثنى على الفتكين وقال: هذا غلام نجيب وقد أعجبني ما شاهدته منه في حسن أفعاله وجميع أحواله. فأعلم ابن الزيات الفتكين فترجل وقبل الأرض وشكره ودعا له فأمره بالركوب فركب وقال لابن الزيات: عرفه إن ملكي قد وهب له الخراج وترك طلبه منه. فأعاد الفتكين الترجل والشكر والدعاء وعاد الملك إلى بلاطه والفتكين معه في أثناء مسيره يلعب ويرى بالزوبين والملك شديد التوفر عليه حتى إذا نزل أحضره وخلع عليه وحمله على شهري واستهداه الملك الفرس الذي كان تحته والسلاح الذي عليه الرمح فعاد وأضاف إليه عشرين فرساً بتجافيفها وعدة رماح وشيئاً كثيراً من أصناف الثياب والطيب والتحف التي يتحف بها مثله فشكره الملك على هذا الفعل وقبل الفرس والته ورد ما سوى ذلك وكافاه على الهدية بأثواب ديباج كثيرة وصياغات وشهاري وبغلات وسار على طريق الساحل فنزل على صيدا. وخرج إليه أبو الفتح بن الشيخ وكان رجلاً جليل القدر ومعه شيوخ البلد ولقوه وقرروا معه أمرهم على مال أعطوه اياه وهدية حملوها إليه وانصرف عنهم على سلم وموادعة وانتقل إلى ثغر بيروت فامتنع أهله عليه فقاتلهم وافتتح الثغر عنوةً ونهبه وسبى السبي الكثير منه وتوجه إلى جبيل فاعتصم أهلها عليه وجرى أمرها مجرى بيروت
ونزل على طرابلس فأقام عليها تقدير أربعين يوماً يقاتل أهلها

(1/26)


ويقاتلونه فبينما هو على ذلك إذ دس إليه خال بسيل وقسطنطين سماً فاعتل منه ورحل إلى أنطاكية فطالب أهلها بتسليمهما فلم يجيبوا إلى ذلك وقطع ما كان في بساتينها من شجر التين وهو يجري هناك مجرى النخل في البصرة وحفزه المرض الذي لحقه واستخلف البرجي البطريق على منازلتها وتوجه إلى القسطنطينية وتوفي بعد أن افتتح البرجى أنطاكية في سنة 365 وورد الخبر بوفاة أبي تميم معد المعز لدين الله صاحب مصر في يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة 365 وكان مولده بالممهدية على أربع ساعات وأربعة أخماس ساعة من يوم الاثنين الحادي عشر من شهر رمضان سنة 319 وعمره خمس وأربعون سنة وتقلد الأمر بعد أبيه في يوم الجمعة التاسع عشر من شوال سنة 341 ومدة أيامه بمصر ثلاث سنين وانتصب مكانه ولده نزار أبو المنصور العزيز بالله وقد تقدم ذكر ذاك الا ان هذه الرواية أجلى من تلك الحكاية. وقيل إن المعز كان مغرىً بعلم النجوم والنظر فيما يقتضيه أحوال مولده وأحكام طالعه فحكم له بقطع فيه واستشار منجمه فيما يزيله عنه فأشار عليه أن يعمل له سرداباً تحت الأرض ويتوارى فيه إلى حين زوال الوقت وتقضيه فعمل على ذلك وأحضر قواده وكتابه وقال لهم: إن بيني وبين الله تعالى عهداً في وعد وعدنيه وقد قرب أوانه وجعلت ولدي نزاراً ولي العهد بعدي ولقبته العزيز بالله واستخلفته عليكم وعلى تدبير أموركم مدة غيبتي فالزموا الطاعة له والمناصحة واسلكوا الطريق الواضحة. فقالوا له: الأمر أمرك ونحن عبيدك وخدمك. ووصى إلى العزيز بما أراد وجعل

(1/27)


جوهراً مدبره والمشار إليه في الأمور وتنفيذها بين يديه ونزل إلى السرداب الذي اتخذه وأقام فيه سنة فكانت المغاربة إذا رأوا غماماً سايراً ترجلوا إلى الأرض وأومؤا إليه بالسلام بقدر ذاك. ثم خرج بعد ذلك وجلس للناس فدخلوا إليه على طبقاتهم وخدموه بأدعيتهم وما أقام على هذه الحال إلا مديدةً واعتل علته التي قضى فيها نحبه. وقام العزيز بالله في منصبه وقد كان الفتكين والقرامطة يكاتبونه بأنهم قاصدون الشام إلى أن وافوا إلى دمشق في سنة 365 وكان الذي وافى منهم اسحق وكسرى وجعفر فنزلوا على ظاهر دمشق نحو الشماسية ووافى معهم كثير من العجم وأكرمهم الفتكين وحمل إليهم الميرة وخرج نحوهم وأقاموا على دمشق أياماً ورحلوا متوجهين إلى الرملة. وكان أبو محمود إبراهيم بن جعفر لما عرف خبرهم تحصن بيافا فلما نزلوا الرملة شرعوا في القتال ولما أمن الفتكين من ناحية مصر والرملة عمل على أخذ ثغور الساحل وسار فيمن اجتمع إليه ونزل صيدا فكان بها ابن الشيخ والياً ومع رؤوس من المغاربة ومعهم ظالم بن موهوب العقيلي الذي تقدم

(1/28)


ذكره في دمشق فقاتلوه وكانوا في كثرة وطمعوا في الفتكين وامتدوا خلفه ونزل على نهر وطفت الرعية من صيدا وخرج منهم خلق كثير وقال الفتكين لساقة العسكر: اطلبوا طريق بانياس وتبعوهم. فحملت عليهم الأتراك ورمتهم المغاربة بالحرب فلقوهم بالصدور واقلبوا باللتوت عليهم وداسوهم بالخيل عليها التجافيف فانهزموا وأخذهم السيف وكان ظالم بن موهوب معهم فانهزم إلى صور وأحصي القتلى فكانوا أربعة ألف وطمع في أخذ عكا وتوجه نحوها. وقد كان العزيز بالله كاتب الفتكين بمثل ما كاتبه به المعز لدين الله من الاستمالة ووعده بالاصطناع وأخذت عليه البيعة وظهرت منه الطاعة فأجابه فيه جواباً فيه بعض الغلظة وقال: هذا بلد أخذته بالسيف وما أدين فيه لأحد بطاعة ولا أقبل منه أمراً. وغاظ العزيز هذا الجواب منه وأحفظه واستشار أبا الفرج يعقوب بن يوسف بن كلس وزيره فيما يدبر أمر

(1/29)


الفتكين به فأشار باخراج القايد جوهر إليه مع العساكر فأمر بالشروع في ذلك وترتيب الأمر فيه. وعرف الفتكين ذلك وما وقع العزم عليه فجمع وجوه أهل دمشق وأشرافها وشيوخها وقال لهم: قد علمتم انني لم أتوسطكم وأتولى تدبيركم إلا عن رأيكم ومرادكم وقد طلبني من هذا السلطان ما لا طاقة لي به وأنا منصرف عنكم وداخل إلى بلاد الروم وعامل على طلب موضع أكون فيه واستمد ما أحتاج إليه منه لئلا يلحقكم بقصد من يقصدكم ما يثقل به الوطأة عليكم وتصل به المضرة إليكم. وكان أهل دمشق يأبون المغاربة لمخالفتهم لهم في الاعتقاد ولأنهم أمويون ولقبح سيرة الناظرين الذين كانوا عليهم
فقالوا: أما أخبرناك لرئاستنا وسياستنا على أن نمكنك من تركنا ومفارقتنا أو نالوك جهداً من نفوسنا ومساعدتنا! ونفوسنا دونك وبين يديك في المدافعة عنك. وجددوا له التوثقة على الطاعة والمناصحة. وفصل جوهر في العسكر الكثيف من مصر بعد أن استصحب أماناً من العزيز بالله لا لفتكين وخاتماً ودستاً من ثيابه وكتاباً إليه بالعفو عنه وعما فرط منه فلما حصل بالرملة كاتب الفتكين بالرفق والملاطفة وأن يبلغ له ما يريده وأعلمه ما قرره له مع العزيز بالله وأخذه أمانه الموكد والتشريف الفاخر وأشار عليه في أثناء ذلك بترك اثارة الفتنة وأن يطلب صلاح الحال من جهته وأقرب طرقه. فلما وصل الكتاب إليه ووقف عليه أجابه عنه بالجميل من الجواب والمرضي من الخطاب والشكر على ما بذله له من نفسه وغالطه في المقال واحتج عليه بأهل دمشق فيما يصرف رأيه

(1/30)


وتدبيره عليه. وكان كاتب الفتكين المعروف بابن الخمار وهو يرى غير رأي المغاربة ويزري عنده على اعتقادهم ويقرر في نفسه وجوب قتالهم ووقف جوهر على كتابه فعلم انه مصر على الحرب فسار إليه حتى إذا قرب منه ووصل إلى دمشق نزل في العسكر بالشماسية وبرز إليه الفتكين في أصحابه ومن حشده من العرب وغيرهم ونشبت الحرب بين الفريقين واتصلت مدة شهرين وقتل فيها عدد كثير من الطائفتين وظهر من شجاعة الفتكين والغلمان الذين معه ما عظموا به في النفوس وتحصلت لهم الهيبة القوية في القلوب. وأشار عليه أهل دمشق بمكاتبة أبي محمد الحسن بن أحمد القرمطي واستدعائه للاجتماع معه على دفع المغاربة ففعل وسار الحسن متوجهاً إليه في عسكره وعرف جوهر خبره فعلم انه متى حصل بين عدوين ربما تم عليه مكروه منهما فرجع إلى طبرية. ووصل الحسن بن أحمد إلى الفتكين واجتمعا وتحالفا وتعاقدا وسارا في أثر جوهر فاندفع منهما إلى الرملة وأقام بها وأنفذ رحله وأثقاله إلى عسقلان وكتب إلى العزيز يعرفه بصورة الحال ويستأذنه في قصد عسقلان ان دعته إلى ذلك ضرورة ووافى الفتكين والحسن بن أحمد القرمطي ونزلا على الرملة ونازلا جوهراً وقاتلاه واجتمع إليهما من رجال الشام وعربها تقدير خمسين ألف فارس وراجل ونزلوا بنهر الطواحين على ثلاثة فراسخ من البلد ولا ماء لأهله إلا منه فقطعاه عنهم واحتاج جوهر وعسكره والرعية إلى الماء المجتمع من المطر في الصهاريج وغناء ... قليل ومادته إلى نفاد ورأى جوهر أنه لا قدرة له على المقام ومقاومته القوم فرحل إلى عسقلان في أول الليل ووصل إليها في آخره وتبعه الفتكين والقرمطي إليها ونزلا عليها وحاصراه فيها وضاقت الميرة به

(1/31)


وغلت الأسعار عنده وكان الوقت شتاء لم يمكن حمل الأقوات إليه في البحر واشتدت الحال حتى أكلت المغاربة وأهل البلد الدواب الميتة وابتاعوا الخبز إذا وجدوه حساب كل خمسة أرطال بالشامي بدينار معزي. وكان جوهر شجاعاً مبارزاً وربما خرج وتقدم وإذا وجد فرصةً من الفتكين دعاه إلى الطاعة وبذل له البذول المرغبة فيسترجعه الفتكين ويسترجله ويهم أن يقيل منه ويجيبه ثم يثنيه عنه الحسن بن أحمد وابن الخمار الكاتب ويمنعانه ويخوفانه ويحذرانه وزاد الضيق والشدة على المغاربة وتصور جوهر العطب إن لم يعمل الحيلة في الخلاص فراسل الفتكين سراً وسأله القرب منه والاجتماع معه ففعل ذلك الفتكين ووقفا على فرسيهما فقال له جوهر: قد علمت ما يجمعني وإياك من حرمة الاسلام وحرمة الدين وهذه فتنة قد طالت وأزيقت فيها الدماء ونحن المأخوذون بها عند الله تعالى وقد دعوتك إلى الصلح والموادعة والدخول في السلم والطاعة وبذلت لك كل اقتراح وإرادة وإحسان وولاية فأبيت إلا القبول ممن يشب نار الفتنة ويستر عنك وجه النصيحة فراقب الله تعالى وراجع نفسك وغلب رأيك على هوى غيرك. فقال له الفتكين: أنا والله واثق به وبصحة الرأي والمشورة منك لكنني غير متمكن مما تدعوني إليه ولا يرضى القرمطي بدخوله فيه معي. فقال له: إذا كان الرأي والأمر على ذلك فإني أصدقك على أمري تعويلاً على الأمانة وما أجده من الفتوة عندك فقد ضاق الأمر وامتنع الصبر وأريد أن تمن علي بنفسي وبها ولاء المسلمين الذين معي وعندي وتذم لي لأمضي وأعود إلى صاحبي شاكراً وتكون قد جمعت بين حقن الدماء واصطناع المعروف وعقدت علي وعلى صاحبي منةً تحسن الأحدوثة عنك فيها وربما أملت المقابلة لك عنها. فقال له الفتكين:
افعل وأمن على أن أعلق سيفي ورمح الحسن بن أحمد على باب عسقلان وتخرج أنت وأصحابك من

(1/32)


تحتها. فرضي جوهر بذلك وتعاهدا وتصافحا عليه وأخذ ختم الفتكين رهناً على الوفاء به وافترقا وعاد الفتكين إلى عسكره وجوهر إلى البلد وأنفذ جوهر إلى الفتكين ألطافاً كثيرة ومالاً فقبل ذلك منه وكافاه عليه. وأنفذ الفتكين إلى القرمطي يعرفه ما جرى بينه وبين جوهر فركب الحسن إليه وقال له: لقد أخطأت فيما فعلته وبذلته وجوهر هذا ذو رأي وحزم ودهاء ومكر وقد استقلك بما عقده معك وسيرجع إلى صاحبه ويحمله على قصدنا ثم لا يكون لنا به طاقة فيأخذنا ومن الصواب أن ترجع عن ذلك حتى يهلك هو وأصحابه جوعاً وتأخذهم بالسيف. فقال له الفتكين: قد عاهدته وحلفت له وما استجيز الغدر به. وعلقا السيف والرمح وخرج جوهر وأصحابه تحتهما ووصل إلى مصر ودخل على العزيز بالله وشرح له الحال واستفحال أمره ومن معه فقال له: ما الرأي. قال: إن كنت تريدهم فأخرج بنفسك إليهم وإلا فإنهم واردون على أثري. فأمر العزيز باخراج الأموال ووضع العطاء في الرجال وبرز بروزاً كلياً واستصحب الخزائن والذخائر وتوابيت آبائه على القوم في ذلك وسار جوهر على مقدمته. ووردت الأخبار على الفتكين والحسن القرمطي بما جرى فعادا إلى الرملة وجمعا العرب واتفقا واحتشدا وتأهبا واستعدا وورد العزيز في العساكر ونزل في الموضع المعروف بقصر ابن السرح بظاهر الرملة والفتكين والقرمطي على قرب منه في الموضع المعروف ببركة الخيزران وبات العسكران على اعداد للحرب وباكراها وقد اصطف كل منهما ميمنةً وقلباً وميسرةً وحال الفتكين بين الصفين يكر ويحمل ويطعن ويضرب فقال العزيز لجوهر: أرني الفتكين. فأشار إليه وقيل إنه كان في ذلك اليوم على فرس أدهم بتجافيف من مرايا وعليه كذا غند أصفر وهو يطعن تارةً بالرمح ويضرب أخرى بالسيف والناس يتحامونه ويتقونه فأعجب العزيز ما رأى منه ومن هيئته وفروسيته وعلى رأسه المظلة ووقف وأنفذ إليه ركابياً

(1/33)


يختص بخدمته يقال له نميرة وقال له: قل: يا الفتكين أنا العزيز وقد أزعجتني عن سرير ملكي وأخرجتني لمباشرة الحرب بنفسي وأنا مسامحك بجميع ذلك وصافح لك عنه فأترك ما أنت عليه ولذ بالعفو مني فلك عهد الله وميثاقه اني أومنك وأصطفيك وأنوه باسمك وأجعلك اسفهسلار عسكري وأهب لك الشام بأسره وأتركه في يدك. فمضي نميرة الركابي إليه وأعاد الرسالة عليه فخرج بحيث يراه الناس وترجل وقبل الأرض مراراً ومرغ خديه عليها معفراً وقال له: قل لأمير المؤمنين لو تقدم هذا القول منك لسارعت إليه وأطعت أمرك فأما الآن فليس إلا ما ترى، وعاد نميرة وقال ذلك للعزيز فقال له: ارجع إليه وقل له يقرب مني ويكون بحيث أراه ويراني فإن استحققت أن يضرب في وجهي بالسيف فليفعل. فمضى نميرة وقال له ذلك فقال: ما كنت الذي أشاهد طلعة أمير المؤمنين وأنابذه بالحرب وقد خرج الأمر عن يدي. ثم حمل على الميسرة فكسرها وهزمها وقتل كثيراً ممن كان فيها وشاهد العزيز ما جرى وكان في القلب فراسل الميمنة بالحملة وحمل هو والمظلة على رأسه فانهزم الفتكين والقرمطي ووضع السيف في عسكريهما فقتل منه نحو عشرين ألف رجل ومضى الحسن القرمطي هارباً على وجهه. وعاد العزيز إلى معسكره ونزل في مضاربه وجلس الأسرى بحضرته والعرب تجيئه بمن يقع في أيديها من أصحاب الفتكين والخلع تخرج إليهم مقابلة عن ذلك وقد بذل لمن يجئه بالفتكين مائة ألف دينار وكان الفتكين يميل إلى المفرج بن دغفل بن الجراح ويتمرده لأنه كان وضئ الوجه صبيحه وشاع ذلك عنه فيه واتفق ان انهزم فطلب ساحل البحر ومعه ثلاثة من غلمانه رفقائه وبه جراح وقد كده العطش فلقيته سرية من الخيل فيها المفرج فلما رآه التمس ماء فأعطاه إياه وقال له: احملني إلى

(1/34)


هناك. ففعل حتى إذا وصل إلى قرية تعرف بلبنا أنزله فيها وأحضره ماء وفاكهةً ووكل به جماعةً من أصحابه وبادر إلى العزيز فتوثق منه في المال الذي بذله في الفتكين ثم عرفه حصوله في يده وأخذ جوهراً ومضى فسلمه إليه وورد المبشرون إلى العزيز بحصوله فتقدم بضرب نوبة من مضاربه وفرشها واعداد ما يحتاج إلى اعداده من الآلات للاستعمال فيها واحضار كل من حصل في الأسر منسوباً إليه فأحضر وأومنوا وكسوا ورتبوا في أشغالهم المنسوبة إليهم في خدمته ووصل الفتكين وقد خرج العسكر لاستقباله وهو
غير شاك في انه مقتول فأمر العزيز أن يعدل به إلى النوبة المضروبة وكانت قريباً من مضاربه وبين يديه مختار الصقلبي صاحب القصر في جماعة من الخدم والصقالبة يمنعون الناس منه ويحولون بينه وبينهم فلما رأى القواد والصقالبة والمغاربة باب سرادق العزيز ترجلوا عن دوابهم وقبلوا الأرض ففعل الفتكين مثل ذلك ودخل المضارب المعدة له فشاهد أصحابه وحاشيته على ما كانوا عليه من الحال والعمل في خدمته وحمل إلى دست قد نصب له ليجلس عليه فرمى نفسه إلى الأرض ورمى ما على رأسه وعفر خديه على التراب وبكى بكاءً شديداً سمع منه نشيجه وقال: ما استحققت الابقاء علي فضلاً عن العفو الكريم والاحسان الجسيم ولكن مولانا أبي إلا ما يقتضيه أعرافه الشريفة وأخلافه المنيفة. وامتنع من الجلوس في الدست وقعد بين يديه وأتاه بعد ساعة أمين الدولة الحسن بن عمار وهو أجل كتابه وجوهر ومعهما عدة من الخدم على أيديهم الثياب فسلما عليه وأعلماه رضي العزيز عنه وتجاوزه عن الهفوة الواقعة منه وألبسه جوهر دستاً من ملابس العزيز كان في جملة الثياب وقال له: أمير المؤمنين يقسم عليك بحقه إلا طرحت سؤ الاستشعار وعدت إلى حال السكون والانبساط. فجدد الدعاء وتقييل الأرض وشكر جوهراً على ما ظهر منه في أمره وعاد الحسن وجوهر إلى العزيز فأخبراه ما كان منه. وواصله العزيز بعد ذلك بالمراعاة والملاطفة في الفواكه والمطاعم وتقدم من غد إلى البازيارية وأصحاب الجوارح بالمصير إلى باب مضربه وراسله بالركوب إلى الصيد تأنيساً له وقاد إليه عدة من دواب بمراكبها فركب وهو يشاهد القتلى من أصحابه وعاد من متصيده عشاء فاستقبله الفراشون بالشمع والنفاطون بالمشاعل ونزل في مضاربه فلما كان في الليل ركب العزيز إليه ودخل عليه فبادر إلى استقباله وتقبيل الأرض وتعفير خديه بالتراب فأخذ العزيز بيده وأمره بالجلوس فامتنع ثلاث مرات ثم جلس فسأله عن خبره وخاطبه بما سكن نفسه وقال له: ما نقمت عليك إلا انني دعوتك إلى مشاهدتي تقديراً أن تستحيي مني فأبيت وقد عفوت الآن عن ذلك وعدت إلى أفضل ما تحب أن تطيب نفسك به وسأصطنع لك اصطناعاً يسير ذكره وافعل معك فعلاً أزيد على أملك وأمنيتك فيه. فبكى الفتكين بين يديه وقال: قد تفضلت يا أمير المؤمنين علي تفضلاً ما استحققته ولا قدرته وأرجو أن يوفقني الله بخدمتك ومقابلة نعمتك. وأنس الفتكين بعد ذلك وخاطب فيمن بقي من أصحابه حتى أوجب لهم الأرزاق الواسعة والتقريرات المتتابعة ونزلوا على مقاديرهم ورتبهم في مواضعه واستحجبه العزيز وجعله من أخص خاصته وأقرب صاحب من خدمة حضرته. وكان العزيز قد أنفذ النجب بالرسل والكتب تابعةً للحسن بن أحمد القرمطي فلحقوه بطبرية وأعادوا عليه الرسائل بالصفح عما جرى منه والدعاء إلى وطء البساط ليصطنعه ويصطفيه والتماس ما يريده ليبلغه له ويرجع إلى بلاده فأقام على أمره وترددت المراسلات إليه ومنه والوسيط جوهر إلى أن تقرر الأمر على ثلاثين ألف دينار له ولأصحابه تحمل إليه في كل سنة ويكونوا على الطاعة والموادعة وحمل إليه مال سنة وأضيف إليه ثياب كثيرة وخيل بمراكب وتوجه إليه جوهر وقاضي الرملة فاستحلفاه للعزيز على الوفاء والمصلحة وأخذا له المواثيق المسدودة المؤكدة وأعطياه المال والخلع والحملان وانصرف إلى الاحساء وعاد العزيز إلى مصر والفتكين حاجبه ولم يزل المال المقرر للقرمطي يحمل إليه في كل سنة على يد أبي المنجا صاحبه إلى أن مات. ووصل العزيز إلى مصر والقاهرة فدخلها ونزل في قصره وأنزل الفتكين في دار حسنة بعد أن فرشت بالفروش الكثير وركب وجوه سائر الدولة إليه حتى لم يتأخر أحد منهم عنه ووافاه فيمن وافاه أبو الفرج يعقوب بن يوسف ابن كلس الوزير بعد أن لاطفه وهاداه وزاد أمر الفتكين بين يدي العزيز وتكبر على ابن كلس الوزير وامتنع من قصده والركوب إليه وأمره العزيز فلم يفعل وتدرجت الوحشة بينهما حتى قويت واستحكمت وأعمل الحيلة الوزير في الراحة منه ودس إليه سماً فقتله به ولما مضى لسبيله حزن العزيز حزناً شديداً عليه واتهم ابن كلس واعتقله نيفاً وأربعين يوماً صح له منه خمسمائة ألف دينار وواقفت الأمور باعتزاله النظر فيها فأعاده العزيز وجدد اصطناعه واستخدامه انه مقتول فأمر العزيز أن يعدل به إلى النوبة المضروبة وكانت قريباً من مضاربه وبين يديه مختار الصقلبي صاحب القصر في جماعة من الخدم والصقالبة يمنعون الناس منه ويحولون بينه وبينهم فلما رأى القواد والصقالبة والمغاربة باب سرادق العزيز ترجلوا عن دوابهم وقبلوا الأرض ففعل الفتكين مثل ذلك ودخل المضارب المعدة له فشاهد أصحابه وحاشيته على ما كانوا عليه من الحال والعمل في خدمته وحمل إلى دست قد نصب له ليجلس عليه فرمى نفسه إلى الأرض ورمى ما على رأسه وعفر خديه على التراب وبكى بكاءً شديداً سمع منه نشيجه وقال: ما استحققت الابقاء علي فضلاً عن العفو الكريم والاحسان الجسيم ولكن مولانا أبي إلا ما يقتضيه أعرافه الشريفة وأخلافه المنيفة. وامتنع من الجلوس في الدست وقعد بين يديه وأتاه بعد ساعة أمين الدولة

(1/35)


الحسن بن عمار وهو أجل كتابه وجوهر ومعهما عدة من الخدم على أيديهم الثياب فسلما عليه وأعلماه رضي العزيز عنه وتجاوزه عن الهفوة الواقعة منه وألبسه جوهر دستاً من ملابس العزيز كان في جملة الثياب وقال له: أمير المؤمنين يقسم عليك بحقه إلا طرحت سؤ الاستشعار وعدت إلى حال السكون والانبساط. فجدد الدعاء وتقييل الأرض وشكر جوهراً على ما ظهر منه في أمره وعاد الحسن وجوهر إلى العزيز فأخبراه ما كان منه. وواصله العزيز بعد ذلك بالمراعاة والملاطفة في الفواكه والمطاعم وتقدم من غد إلى البازيارية وأصحاب الجوارح بالمصير إلى باب مضربه وراسله بالركوب إلى الصيد تأنيساً له وقاد إليه عدة من دواب بمراكبها فركب وهو يشاهد القتلى من أصحابه وعاد من متصيده عشاء فاستقبله الفراشون بالشمع والنفاطون بالمشاعل ونزل في مضاربه فلما كان في الليل ركب العزيز إليه ودخل عليه فبادر إلى استقباله وتقبيل الأرض وتعفير خديه بالتراب فأخذ العزيز بيده وأمره بالجلوس فامتنع ثلاث مرات ثم جلس فسأله عن خبره وخاطبه بما سكن نفسه وقال له: ما نقمت عليك إلا انني دعوتك إلى مشاهدتي تقديراً أن تستحيي مني فأبيت وقد عفوت الآن عن ذلك وعدت إلى أفضل ما تحب أن تطيب نفسك به وسأصطنع لك اصطناعاً يسير ذكره وافعل معك فعلاً أزيد على أملك وأمنيتك فيه. فبكى الفتكين بين يديه وقال: قد تفضلت يا أمير المؤمنين علي تفضلاً ما استحققته ولا قدرته وأرجو أن يوفقني الله بخدمتك ومقابلة نعمتك. وأنس الفتكين بعد ذلك وخاطب فيمن بقي من أصحابه حتى أوجب لهم الأرزاق الواسعة والتقريرات المتتابعة ونزلوا على مقاديرهم ورتبهم في مواضعه واستحجبه العزيز وجعله من أخص خاصته وأقرب صاحب من خدمة حضرته. وكان العزيز قد أنفذ النجب بالرسل والكتب تابعةً للحسن بن أحمد القرمطي فلحقوه بطبرية وأعادوا عليه الرسائل بالصفح عما جرى منه

(1/36)


والدعاء إلى وطء البساط ليصطنعه ويصطفيه والتماس ما يريده ليبلغه له ويرجع إلى بلاده فأقام على أمره وترددت المراسلات إليه ومنه والوسيط جوهر إلى أن تقرر الأمر على ثلاثين ألف دينار له ولأصحابه تحمل إليه في كل سنة ويكونوا على الطاعة والموادعة وحمل إليه مال سنة وأضيف إليه ثياب كثيرة وخيل بمراكب وتوجه إليه جوهر وقاضي الرملة فاستحلفاه للعزيز على الوفاء والمصلحة وأخذا له المواثيق المسدودة المؤكدة وأعطياه المال والخلع والحملان وانصرف إلى الاحساء وعاد العزيز إلى مصر والفتكين حاجبه ولم يزل المال المقرر للقرمطي يحمل إليه في كل سنة على يد أبي المنجا صاحبه إلى أن مات. ووصل العزيز إلى مصر والقاهرة فدخلها ونزل في قصره وأنزل الفتكين في دار حسنة بعد أن فرشت بالفروش الكثير وركب وجوه سائر الدولة إليه حتى لم يتأخر أحد منهم عنه ووافاه فيمن وافاه أبو الفرج يعقوب بن يوسف ابن كلس الوزير بعد أن لاطفه وهاداه وزاد أمر الفتكين بين يدي العزيز وتكبر على ابن كلس الوزير وامتنع من قصده والركوب إليه وأمره العزيز فلم يفعل وتدرجت الوحشة بينهما حتى قويت واستحكمت وأعمل الحيلة الوزير في الراحة منه ودس إليه سماً فقتله به ولما مضى لسبيله حزن العزيز حزناً شديداً عليه واتهم ابن كلس واعتقله نيفاً وأربعين يوماً صح له منه خمسمائة ألف دينار وواقفت الأمور باعتزاله النظر فيها فأعاده العزيز وجدد اصطناعه واستخدامه

(1/37)


ولاية قسام التراب لدمشق بعد الحاجب الفتكين المقدم ذكره والسبب في غلبته على الأمر في سنة 368 وما آل أمره إليه
السبب في غلبة قسام على ولاية دمشق إن الفتكين المعزي المذكور كان قد استخدمه وقدمه واعتمد عليه وسكن في كثير من أمره إليه فصار له بذلك صيت يخشى به ويرجا له. واتفق خلو البلد من أكابر الولاة بعد الفتكين وفراغه من شجعان الرجال وكان فيه المعروف بحميدان قد وليه وأمر فيه ونهي وأخذ وأعطى ففسد الأمر بين قسام وبين حميدان فصار حميدان من تحت حكم قسام لقهره له بكثرة من معه من الأحداث واستيلائه على البلد فطرده قسام عن الولاية ونهب أصحابه ما كان في داره وخرج هارباً فتمكن قسام من البلد واستقامت حاله فيه واجتمعت إليه الرجال وكثر ما في يده وقويت شوكته وتضاعفت عدته وعدته وولي القائد أبو محمود البلد بعد حميدان في نفر يسير وهو ضميمة لقسام. واتفقت النوبة الحادثة ببغداد بين الديلم والعرب من بني حمدان وهروب أبي تغلب الغضنفر بن حمدان في البرية والجبال إلى أن خرج إلى حوران فقصد دمشق ونزل عليها فمنع قسام من دخول أحد من رجاله إليها ووصل كتاب العزيز بالمنع له من البلد فسأل أبو تغلب عامل الخراج بدمشق أن يمكن أصحابه من ابتياع ما يحتاجون إليه من الأسواق فكلم العامل قساماً في ذلك فأذن له فيه ودخل أصحابه البلد وقد كان طمع أن يوليه العزيز وكان قسام قد خاف من ذلك وسعى قوم بينهما وكان أبو تغلب نازلاً بالمزة

(1/38)


فأقام بها شهوراً فشق قسام مقامه وظن أنه يلي البلد. فلما كان في بعض الأيام وقف رجل من العجم من أصحاب ابن تغلب في باب الجابية وكان نشواناً فجرد سيفه وقال: إلى كم يكون هذا العيار. فعظم ذلك على قسام وتخوف أن يكون لأبي تغلب سلطنة فيملكه ومن معه ففسد الأمر بينهما بهذا السبب وتقدم قسام إلى أصحابه بأخذ كل من يدخل من أصحاب أبي تغلب فكمنوا في خراب قينية فأخذوا منهم نحو سبعين رجلاً وقتلوا منهم جماعة وعاد من أفلت منهم إلى أبي تغلب عراة قد أخذت ثيابهم ودوابهم فلم يتمكن أبو تغلب من شيء يفعله. وكتب إلى مصر بذلك فلما وقف أبي تغلب واهلاكه ونزل الرملة وأوصل إلى ابن جراح سجلاً بولاية الرملة وقال: إن هذا أبا تغلب يريد أن يسير إليها ليأخذها بسيفه وأنا معين لك عليه وكان أبو تغلب قد رحل عن دمشق نحو الفوار ونزل عليه وسار الفضل ونزل طبرية وراسل أبا تغلب في الاجتماع معه وكان الفضل يهودياً أولاً وكان أبوه طبيباً فكبرت نفس أبي تغلب أن يجلس معه على سرير من جهة اليهودية فأعلم ذلك فقال: كل منا على سرير. فاجتمعا في طبرية وجلس كل منهما على سريره وجرت بينهما محاورات على ان الرملة ولاية لأبي تغلب ويقلع ابن جراح منها وأنا معين لك عليه وقرر ذلك في نفسه وسار الفضل إلى دمشق يجبي الخراج ويفضه في الجند وزاد في العطاء وزاد في جنده وعسكره وسار عن دمشق وأخذ طريق الساحل. وشرع أبو تغلب في أمره وتوجه نحو الرملة وقد اجتمع إليه بنو عقيل مع شبل بن معروف العقيلي فهرب ابن جراح منها وجعل يحشد العرب ويحشد ثقةً بمعونة الفضل له وكذلك

(1/39)


أبو تغلب مثله أيضاً فلما توجه الفضل على الساحل ونزل على عسقلان وقصد ابن جراح أبا تغلب بعسكره وسارت بنو عقيل مع شبل ابن معروف واصطلوا القتال للطاس كذا وأبو تغلب واقف في مصافه وعاد الفضل واجتمع مع ابن الجراح بعسكره وكان معه مغاربة كثيرة فقالوا لأبي تغلب: قد اجتمع عسكر الفضل مع عسكر ابن جراح. فقال: على هذا جرت الموافقة بيني وبينه. فلما نظر المغاربة الذين كانوا مع أبي تغلب إلى مغاربة الفضل قد أقبلوا مع عسكر ابن جراح حملوا يريدون الدخول معهم فقالوا لابن تغلب: احمل في أثر هؤلاء من قبل أن يدهمك الأمر. فبقي متحيراً وعلم إن الحيلة قد تمت عليه فلما حمل المغاربة الذين كانوا معه وساروا مع أصحابهم وأقبل العسكران على عسكر أبي تغلب فانهزم جميع من كان معه ثم انهزم هو فلم يدر في أي طريق يأخذ وكانت عدته في الغابة جميعها وذكر أنه لم يتقدم إليه رجل إلا ضربه. ولم يزل على ذلك حتى تبعه رجل من أصحاب ابن جراح يقال له منيع فصاح إليه: يا إنسان اسمع مني أنا ألحق بك. وظن أن كلامه حق فقال له: هذه الخيل التي أمامك خيلنا فلو وقفت علي لنجوت بك. وكان يتكلم معه وهو يقرب منه وبيده رمح فطول الرمح وهو يكلمه وهو يظن الا يقدر عليه فلم يمكنه في أبي تغلب شيء فطعن عرقوب فرسه فوقف به الفرس فأخذه وسار به إلى ابن جراح فأركب جملاً وأشهر
بالرملة وقتله وأحرقه وذلك في صفر سنة 369 وخلت الديار لابن جراح وأتت بنو طيء على الناس وشملهم البلاء منهم. وكان العزيز قد خاف من الملك عضد الدولة فناخسره بن بويه خوفاً شديداً لأنه كان عازماً على انفاد العساكر إلى مصر فعاقه عن ذلك الخلف الجاري بينه وبين أخيه واشتغاله به في سنة 369رملة وقتله وأحرقه وذلك في صفر سنة 369 وخلت الديار لابن جراح وأتت بنو طيء على الناس وشملهم البلاء منهم. وكان العزيز قد خاف من الملك عضد الدولة فناخسره بن بويه خوفاً شديداً لأنه كان عازماً على انفاد العساكر إلى مصر فعاقه عن ذلك الخلف الجاري بينه وبين أخيه واشتغاله به في سنة 369

(1/40)