حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة

ذكر المواضع التي وقع فيها ذكر مصر في القرآن صريحًا أو كناية

قال ابن زولاق (1) : ذكرت مصر في القرآن في ثمانية وعشرين موضعا.
قلت: بل أكثر من ثلاثين.
قال الله تعالى: {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} (2) ، وقرئ: "اهبطوا مصرَ" بلا تنوين، فعلى هذا هي مصر المعروفة قطعًا، وعلى قراءة التنوين، يحمل ذلك على الصرف اعتبارًا بالمكان؛ كما هو المقرر في العربية في جميع أسماء البلاد، وأنها تذكر وتؤنث، وتصرف وتمنع. وقد أخرج ابن جرير في تفسيره عن أبي العالية في قوله: {اهْبِطُوا مِصْرًا} قال: يعني مصر فرعون.
وقال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا} (3) .
وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} (4) .
وقال تعالى حكاية عن يونس عليه الصلاة والسلام: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} (5) .
_________
(1) هو الحسن بن إبراهيم بن الحسين، من ولد سليمان بن زولاق، مؤرخ مصر، ومن كتبه: خطط مصر ومختصر تاريخ مصر. توفي سنة 387. ابن خلكان 1: 134.
(2) سورة البقرة: 61.
(3) سورة يونس: 87.
(4) سورة يوسف: 21.
(5) سورة يوسف: 99.

(1/5)


وقال تعالى حكاية عن فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} (1) .
وقال تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} (2) .
وقال تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} (3) .
وقال تعالى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} (4) .
وقال تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} (5) ، أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن السدي أن المدينة في هذه الآية منف، وكان فرعون بها.
وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} (6) . أخرج ابن أبي حاتم، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في الآية، قال: هي مصر، قال: وليس الربا إلا بمصر، والماء حين يرسل، تكون الربا عليها القرى، "و" لولا الربا لغرقت القرى. وأخرج ابن المنذر في تفسيره، عن وهب بن منبه، في قوله: {إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} ، قال: مصر. وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق، من طريق جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، أن عيسى كان يرى العجائب في صباه إلهامًا من الله، ففشا ذلك في اليهود، وترعرع عيسى، فهمت به بنو إسرائيل، فخافت أمه عليه، فأوحى الله إليها أن تنطلق به إلى أرض مصر؛ فذلك قوله تعالى {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} ؛ قال: يعني مصر. وأخرج ابن عساكر، عن زيد بن أسلم في قوله: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} ، قال: هي الإسكندرية.
_________
(1) سورة الزخرف: 51.
(2) سورة يوسف: 30.
(3) سورة القصص: 18.
(4) سورة القصص: 18.
(5) سورة القصص: 20.
(6) سورة المؤمنون: 50.

(1/6)


وقال تعالى حكايةً عن يوسف عليه الصلاة والسلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ} (1) ، أخرج ابن جرير، عن ابن زيد في الآية، قال: كان لفرعون خزائن كثيرة بأرض مصر، فأسلمها سلطانه إليه.
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} (2) ، أخرج ابن جرير، عن السدي في الآية قال: استعمله الملك على مصر، وكان صاحب أمرها.
وقال تعالى في أول السورة: {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} (3) .
وقال تعالى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} (4) ، قال ابن جرير: أي لن أفارق الأرض التي أنا بها -وهي مصر- حتى يأذن لي أبي بالخروج منها.
وقال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ} (5) .
وقال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} (6) .
وقال تعالى: {إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ} (7) .
وقال تعالى: {لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ} (8) .
وقال تعالى: {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} (9) .
وقال تعالى: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} (10) ، إلى قوله:
_________
(1) سورة يوسف: 55.
(2) سورة يوسف: 56.
(3) سورة يوسف: 21.
(4) سورة يوسف: 80.
(5) سورة القصص: 4.
(6) سورة القصص: 5، 6.
(7) سورة القصص: 19.
(8) سورة غافر: 29.
(9) سورة غافر: 26.
(10) سورة الأعراف: 127.

(1/7)


{إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (1) ، إلى قوله: {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ} (2) .
المراد بالأرض في هذه الآيات كلها مصر.
وعن ابن عباس -وقد ذكر مصر، فقال: سميت مصر بالأرض كلها في عشرة مواضع من القرآن.
قلت: بل في اثني عشر موضعًا أو أكثر.
وقال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} (3) ؛ قال الليث بن سعد: هي مصر؛ بارك فيها بالنيل. حكاه أبو حيان في تفسيره.
وقال القرطبي في هذه الآية: الظاهر أنهم ورثوا أرض القبط. وقيل: هي أرض الشام ومصر؛ قاله ابن إسحاق وقتادة وغيرهما.
وقال تعالى في سورتي الأعراف والشعراء: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} (4) .
وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا} (5) .
وقال تعالى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} (6) .
وقال تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} (7) ؛ قال الكندي: لا يعلم بلد في أقطار الأرض أثنى الله عليه في القرآن بمثل هذا الثناء، ولا وصفه بمثل هذا الوصف، ولا شهد له بالكرم غير مصر.
_________
(1) سورة الأعراف: 128.
(2) سورة الأعراف: 129.
(3) سورة الأعراف: 137.
(4) سورة الأعراف: 110، الشعراء: 35.
(5) سورة الأعراف: 123.
(6) سورة الشعراء: 57، 58.
(7) سورة الدخان: 25، 26.

(1/8)


وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ} (1) ، أورده ابن زولاق. وقال القرطبي في تفسيره: أي منزل صدق محمود مختار -يعني مصر. وقال الضحاك: هي مصر والشام.
وقال تعالى: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} (2) ، أورده ابن زولاق وقال: الربا لا تكون إلا بمصر.
وقال تعالى: {ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (3) ، أورده ابن زولاق أيضًا، وحكاه أبو حيان في تفسيره قولًا إنها مصر، وضعفه.
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} (4) . قال قوم: هي مصر، وقواه ابن كثير في تفسيره.
وقال تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} (5) ، قال عكرمة: منها القراطيس التي بمصر.
وقال تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} (6) . قال محمد بن كعب القرظي: هي الإسكندرية.
_________
(1) سورة يونس: 93.
(2) سورة البقرة: 265.
(3) سورة المائدة: 21.
(4) سورة السجدة: 27.
(5) سورة فصلت: 10.
(6) سورة الفجر: 7، 8.

(1/9)


لطيفةعن الكندي في أمر يوسف عليه السلام:
قال الكندي (1) : قال الله تعالى حكايةً عن يوسف عليه الصلاة والسلام: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} (2) ، فجعل الشام بدوًا؛ وسمى مصر مصرًا ومدينةً.

فائدة
في ذكر ما اشتهر على الألسنة في قوله تعالى {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} أنها مصر:
اشتهر على ألسنة كثير من الناس في قوله تعالى: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (3) ، أنها مصر؛ وقد نص ابن الصلاح وغيره على أن ذلك غلط نشأ من تصحيف؛ وإنما الوارد عن مجاهد وغيره من مفسري السلف: {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} ، قال: مصيرهم؛ فصحف بمصر.
_________
(1) هو محمد بن يوسف بن يعقوب أبو عمر الكندي، المؤرخ المصري، وهو غير الكندي الفيلسوف صاحب كتاب قضاة مصر؛ وكتابه فضائل مصر، صنفه لكافور الإخشيدي، توفي بعد سنة 355: الأعلام 8: 21.
(2) سورة يوسف: 100.
(3) سورة الأعراف: 145.

(1/10)


ذكر الآثار التي ورد فيها ذكر مصر:
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم (1) في فتوح مصر: حدثنا أشهب بن عبد العزيز وعبد الملك بن مسلمة، قالا (2) : حدثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا؛ فإن لهم ذمةً ورحمًا". قال ابن شهاب: وكان يقال: إن أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام منهم (3) . وأخرجه أيضًا الليث، عن ابن شهاب، وفي آخره: قال الليث: قلت لابن شهاب: ما رحمهم؟ قال: إن أم إسماعيل منهم. وأخرجه أيضًا من طريق ابن عيينة وابن إسحاق عن ابن شهاب. وهذا حديث صحيح، أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، والبيهقي وأبو نعيم، كلاهما في دلائل النبوة.
وأخرج مسلم في صحيحه، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط؛ فاستوصوا بأهلها خيرًا؛ فإن لهم ذمة ورحما".
وأخرج مسلم، وابن عبد الحكم في الفتوح، ومحمد بن الربيع الجيزي في كتاب: من دخل مصر من الصحابة، والبيهقي في دلائل النبوة، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط،
_________
(1) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم أبو القاسم؛ المؤرخ المصري ابن الفقيه عبد الله صاحب سيرة عمر بن عبد العزيز. توفي سنة 257: الأعلام 4: 86.
(2) في الأصول: "قال" وصوابه من فتوح مصر.
(3) فتوح مصر 2.

(1/11)


فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا؛ فإذا رأيت رجلين يقتتلان على موضع لبنة، فاخرج منها". فمر أبو ذر بربيعة وعبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة وهما يتنازعان في موضع لبنة، فخرج منها (1) .
وأخرج ابن عبد الحكيم من طريق بحير بن ذاخر المعافري، عن عمرو بن العاص، عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن الله سيفتح عليكم بعدي مصر، فاستوصوا بقبطها خيرًا؛ فإن لكم منهم صهرًا وذمةً" (2) .
وأخرج الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في دلائل النبوة؛ بسند صحيح؛ عن أم سلمة، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى عند وفاته، فقال: "الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله" (3) .
وأخرج أبو يعلى في مسنده، وابن عبد الحكم بسندٍ صحيح؛ من طريق ابن هانئ الخولاني، عن أبي عبد الرحمن الحبلي وعمرو بن حريث وغيرهما، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ستقدمون على قوم جعد رءوسهم، فاستوصوا بهم خيرًا؛ فإنهم قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله" -يعني قبط مصر (4) .
وأخرج ابن عبد الحكم، من طريق ابن سالم الجيشاني وسفيان بن هانئ، أن بعض أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبره أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إنكم ستكونون إجنادًا، وإن خير أجنادكم أهل المغرب؛ فاتقوا الله في القبط، لا تأكلوهم أكل الحضر" (5) .
_________
(1) فتوح مصر 2، 3 وصحيح مسلم 1970.
(2) فتوح مصر 3.
(3) فتوح مصر 3.
(4) فتوح مصر 3.
(5) فتوح مصر 3؛ والحضر؛ هو الذي يتحين طعام الناس حتى يحضره.

(1/12)


وأخرج ابن عبد الحكم، عن مسلم بن يسار، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "استوصوا بالقبط خيرًا، فإنكم ستجدونهم نعم الأعوان على قتال عدوكم" (1) .
وأخرج ابن عبد الحكم، عن موسى بن أبي أيوب الغافقي (2) ، عن رجل من المربد، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرض، فأُغمي عليه ثم أفاق، فقال: "استوصوا بالأدم الجعد"؛ ثم أُغمي عليه الثانية ثم أفاق، فقال مثل ذلك، ثم أُغمي عليه الثالثة فقال مثل ذلك، فقال القوم: لو سألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأدم الجعد! فأفاق، فسألوه فقال: "قبط مصر؛ فإنهم أخوال وأصهار، وهم أعوانكم على عدوكم، وأعوانكم على دينكم"، فقالوا: كيف يكونون أعوانًا على ديننا يا رسول الله؟ فقال: "يكفونكم أعمال الدنيا فتتفرغون للعبادة؛ فالراضي بما يؤتَى إليهم كالفاعل بهم، والكاره بما يؤتى إليهم من الظلم كالمتنزه عنهم" (3) .
وأخرج ابن عبد الحكيم عن ابن لهيعة، قال: حدثني عمر مولى غفرة (4) ، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الله الله في أهل الذمة، أهل المدرة السوداء، السحم الجعاد؛ فإن لهم نسبًا وصهرًا". قال عمر مولى غفرة: صهرهم أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسرى منهم، ونسبهم أن أم إسماعيل عليه الصلاة والسلام منهم. فأخبرني ابن لهيعة أن أم إسماعيل هاجر أم العرب من قرية كانت من أمام الفرما من مصر (5) .
وقول ابن عبد الحكم: حدثنا عمر بن صالح، أخبرنا مروان القصاص، قال: صاهر إلى القبط ثلاثة أنبياء: إبراهيم عليه الصلاة والسلام تسرى (6) هاجر،
_________
(1) فتوح مصر 3.
(2) في الأصول: "اليافعي" وصوابه من فتوح مصر.
(3) فتوح مصر 3، 4.
(4) في الأصول: "عفرة" تحريف، صوابه من تقريب التهذيب 2: 65، وهو عمر بن عبد الله المدني. قال ابن حجر: "ضعيف"، وكان كثير الإرسال.
(5) فتوح مصر 4.
(6) فتوح مصر: "تسرر".

(1/13)


ويوسف عليه الصلاة والسلام تزوج بنت صاحب عين الشمس، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسرى مارية. وقال: حدثنا هانئ بن المتوكل، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن قرية هاجر ياق (1) ، التي عند أم دنين (2) .
وأخرج الطبراني عن رياح اللخمي، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إن مصر ستفتح فانتجعوا خيرها، ولا تتخذوها دارًا؛ فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارًا". وفي إسناده مطهر بن الهيثم، قال فيه أبو سعيد بن يونس: إنه متروك. والحديث منكر جدًا، وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات.
وأخرج مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم" (3) .
وأخرج الإمام الشافعي رضي الله عنه في الأمم، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر والمغرب الجُحفة.
وأخرج ابن عبد الحكم، عن يزيد بن أبي حبيب؛ أن المقوقس أهدى إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عسلًا من عسل بنها، فأعجب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدعا في عسل بنها بالبركة. مرسل حسن الإسناد (4) .
وأخرج ابن عبد الحكم، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إذا فتح عليكم مصر؛ فاتخذوا فيها جندًا كثيفًا؛
_________
(1) في الأصول: "باقية" تحريف؛ صوابه من فتوح مصر ومعجم البلدان.
(2) فتوح مصر 4.
(3) صحيح مسلم: 222. والمدى: مكيال.
(4) انظر فتوح مصر 48.

(1/14)


فذلك الجند خير أجناد الأرض"، فقال أبو بكر: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: "لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة".
وأخرج ابن عبد الحكم، عن علي بن رباح، قال: خرجنا حجاجًا من مصر، فقال له سليم بن عتر: اقرأ على أبي هريرة السلام، وأخبره أني قد استغفرت له ولأمه الغداة، فلقيته فقلت له ذلك، فقال: وأنا قد استغفرت له ولأمه الغداة. ثم قال أبو هريرة: كيف تركت أم خنور؟ (1) قال: فذكرت له من خصبها ورفاغتها، فقال: أما إنها أول الأرضين خرابًا، وعلى أثرها إرمينية. قلت: أسمعت ذلك من رسول الله أو من كعب؟
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس، وأورده القرطبي في التذكرة من حديث حذيفة مرفوعًا: ُ"يبدو الخراب في أطراف البلاد حتى تخرب مصر، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب البصرة، وخراب البصرة من العراق، وخراب مصر من جفاف النيل، وخراب مكة من الحبشة، وخراب المدينة من الجوع، وخراب اليمن من الجراد، وخراب الأيلة من الحصار، وخراب فارس من الصعاليك، وخراب الترك من الديلم، وخراب الديلم من الأرمن، وخراب الأرمن من الخزر، وخراب الخرز من الترك، وخراب الترك من الصواعق، وخراب السند من الهند، وخراب الهند من الصين، وخراب الصين من الرمل، وخراب الحبشة من الرجفة، وخراب العراق من القحط".
وأخرج الحاكم في المستدرك عن كعب، قال: "الجزيرة آمنة من الخراب حتى تخرب إرمينية، ومصر آمنة من الخراب حتى تخرب الجزيرة، والكوفة آمنة من
الخراب حتى تخرب مصر، ولا تكون الملحمة حتى تخرب الكوفة، ولا تفتح مدينة الكفر حتى
_________
(1) أم خنور، هي مصر، قاله ياقوت.

(1/15)


تكون الملحمة، ولا يخرج الدجال حتى تفتح مدينة الكفر".
وأخرج البزار في مسنده والطبراني بسند صحيح، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إنكم ستجدون أجنادًا؛ جندًا بالشام ومصر والعراق واليمن".
وأخرج الطبراني والحاكم في المستدرك، وصححه ابن عبد الحكم ومحمد بن الربيع الجيزي في كتاب: "من دخل مصر من الصحابة"، عن عمرو بن الحمق، قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تكون فتنة، يكون أسلم الناس فيها الجند الغربي"، قال ابن الحمق: فلذلك قدمت عليكم بمصر.
وأخرج محمد بن الربيع الجيزي من وجه آخر عن عمرو بن الحمق، أنه قام عند المنبر بمصر؛ وذلك عند فتنة عثمان رضي الله عنه، فقال: يا أيها الناس؛ إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "تكون فتنة خير الناس فيها الجند الغربي، وأنتم الجند الغربي، فجئتكم لأكون معكم فيما أنتم فيه".
وأخرج الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو الفتح الأزدي عن ابن عمر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "إن إبليس دخل العراق، فقضى حاجته منها، ثم دخل الشام فطردوه حتى بلغ ميسان، ثم دخل مصر، فباض فيها وفرخ، وبسط عبقريه".
قال الحافظ أبو الحسن الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقاة إلا أن فيه انقطاعًا؛ فإن يعقوب بن عبد الله بن عتبة بن الأخنس لم يسمع من ابن عمر (1) . انتهى.
وأفرط ابن الجوزي فأورده في الموضوعات، وقال: فيه عقيل بن خالد، يروى عن الزهري مناكير، وابن لهيعة مطروح.
قلت: عقيل من رجال الصحيحين، وابن لهيعة من رجال مسلم، وهو حسن الحديث.
_________
(1) مجمع الزوائد 9: 60.

(1/16)


وأخرج الخلال في كرامات الأولياء وابن عساكر في تاريخه، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "قبة الإسلام بالكوفة، والهجرة بالمدينة، والنجباء بمصر، والأبدال بالشام".
وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن علي، قال: الأبدال من الشام، والنجباء من أهل مصر، والأخيار من أهل العراق".
وأخرج ابن عساكر من طريق أحمد بن أبي الحواري، قال: "سمعت أبا سليمان يقول: الأبدال بالشام، والنجباء بمصر، والقطب باليمن، والأخيار بالعراق".
وأخرج الخطيب البغدادي وابن عساكر من طريق عبيد الله بن محمد العيسي قال: سمعت الكتاني (1) يقول: النقباء ثلاثمائة، والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعمد أربعة، والغوث واحد، فمسكن النقباء الغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الأبدال الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء، ثم النجباء، ثم الأبدال، ثم الأخيار، ثم العمد، فإن أجيبوا؛ وإلا ابتهل الغوث فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته.
قال الحافظ الدمياطي في معجمه: قرأت على أبي الفتح الباوردي بحلب، أخبرني يحيى بن محمود يبن سعد أبو الفرج الثقفي الأصفهاني، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن القاسم بن الريان، حدثنا أحمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن نبيط بن شريط الأشجعي، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده نبيط، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "الجيزة روضة من رياض الجنة، ومصر خزائن الله في أرضه".
_________
(1) ح، ط: "الكسائي"، وما أثبته من الأصل.

(1/17)


فصل: في آثار موقوفة
أخرج ابن عبد الحكم عن عبد لله بن عمرو بن العاص، قال: خلقت الدنيا على خمس صور: على صورة الطائر؛ برأسه وصدره وجناحيه وذنبه، فالرأس مكة والمدينة واليمن، والصدر الشام ومصر، والجناح الأيمن العراق، والجناح الأيسر السند والهند، والذنب من ذات الحمام إلى مغرب الشمس، وشر ما في الطائر الذنب (1) .
وأخرج محمد بن الربيع الجيزي وابن عبد الحكم، عن أبي قبيل، أن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قدم من الشام إلى عبد الله بن عمرو، فقال له عبد الله: ما أقدمك إلى بلادنا؟ قال: أنت، قال: لماذا؟ قال: كنت تحدّثنا أن مصر أسرع الأرضين خرابًا، ثم أراك قد اتخذت فيها الرباع، وبنيت القصور، واطمأننت فيها. قال: إن مصر قد أوفت خرابها، دخلها بخت نصر، فلم يدع فيها إلا السباع والرباع، وقد مضى خرابها؛ فهي اليوم أطيب الأرض ترابًا، وأبعدها خرابًا، ولن تزال فيها بركة ما دام في شيء من الأرضين بركة (2) .
وأخرج ابن عبد الحكم، عن عبد الله بن عمرو، قال: قبط مصر أكرم الأعاجم كلها، وأسمحهم يدًا، وأفضلهم عنصرًا، وأقربهم رحمًا بالعرب عامة، وبقريش خاصة. ومن أراد أن يذكر الفردوس، أو ينظر إلى مثلها في الدنيا، فلينظر إلى أرض مصر حين يخضر زرعها، وتنور ثمارها (3) .
وأخرج ابن عبد الحكم، عن كعب الأحبار، قال: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة، فلينظر إلى أرض مصر إذا أخرفت. وفي لفظ: "إذا أزهرت" (4) .
_________
(1) فتوح مصر1، مع اختلاف في الرواية.
(2) فتوح مصر 32.
(3) فتوح مصر 5.
(4) ساقطة من ح، ط.

(1/18)


وأخرج ابن عبد الحكم، عن كعب الأحبار، قال: مثل قبط مصر كالغيضة، كلما قطعت نبتت حتى يخرب الله بهم وبصنعتهم جزائر الروم (1) .
وأخرج ابن الحكم عن ابن لهيعة، قال: كان عمرو بن العاص يقول: ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة.
وأخرج ابن عبد الحكم من طريق عبد الرحمن شماسة النهدي، عن أبي رهم السماعي الصحابي -رضي الله عنه- قال: كانت لمصر قناطر وجسور بتقدير وتدبير، حتى إن الماء ليجري تحت منازلها وأقنيتها، فيحبسونه كيف شاءوا، ويرسلونه كيف شاءوا؛ فذلك قوله تعالى فيما حكى من قول فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} ، ولم يكن في الأرض يومئذ ملك أعظم من ملك مصر. وكانت الجنات بحافتي النيل من أوله إلى آخره من الجانبين جميعًا، ما بين أسوان إلى رشيد، وسبعة خُلُج: خليج الإسكندرية، وخليج سخا، وخليج دمياط، وخليج منف، وخليج الفيوم، وخليج المنهى، وخليج سردوي؛ جنات متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، والزرع ما بين الجبلين، من أول مصر إلى آخرها مما يبلغه الماء، وكان جميع مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعًا لما قدروا ودبروا من قناطرها وخلجها وجسورها، فذلك قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} ، قال: والمقام الكريم المنابر (2) كان بها ألف منبر (3) .
_________
(1) فتوح مصر 5.
(2) ساقطة من ح، ط.
(3) فتوح مصر6.

(1/19)


فصل: في آثار أوردها المؤلفون في أخبار مصر ولم أقف عليها مسندة في كتب أهل الحديث،

وأوردها ابن زولاق وغيره، عن عبد لله بن عمر.
قال: لما خلق الله آدم مثل له الدنيا شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك. فلما رأى مصر رأى أرضًا سهلة، ذات نهر جار، مادته من الجنة، تنحدر فيه البركة، وتمزجه الرحمة، ورأى جبلًا من جبالها مكسوا نورًا، لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة، تُسقى بماء الرحمة. فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: يأيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسك، يدفن فيها غراس الجنة، أرض حافظة مطيعة رحيمة، لا خلتك يا مصر بركة، ولا زال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعز، يا أرض فيك الخباء والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلًا، كثر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت؛ ولا زال فيك الخير ما لم تتجبري وتتكبري، أو تخوني وتسخري، فإذا فعلت ذلك عراك شر، ثم يعود خيرك.
فكان آدم أول من دعا لمصر بالرحمة والخصب والبركة والرأفة.
وأورد غيره عن عبد الله بن سلام، قال: مصر أم البركات، تعم بركتها من حج بيت الله الحرام من أهل المشرق والمغرب، وإن الله يُوحي إلى نيلها في كل عام مرتين؛

(1/20)


مرة عند جريانه، فيوحى إليه: إن الله يأمرك أن تجري كما تؤمر، ثم يوحى إليه ثانية: إن الله يأمرك أن تفيض حميدًا، فيفيض. وأن بلد مصر بلد معافاة وأهلها أهل عافية، وهي آمنة ممن يقصدها بسوء، من أرادها بسوء كبه الله على وجهه، ونهرها نهر العسل، ومادته من الجنة، وكفى بالعسل طعامًا وشرابًا.
وأورد عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه، أنه لما بعث محمد بن أبي بكر الصديق إلى مصر، قال: إني وجهتك إلى فردوس الدنيا.
وعن سعيد (1) بن هلال، قال: اسم مصر في الكتب السالفة أم البلاد. وذكر أنها مصورة في كتب الأوائل (2) ، وسائر المدن مادة أيديها إليها تستطعمها.
وعن كعب قال: في التوراة مكتوب: مصر خزائن الأرض كلها، فمن أراد بها سوءًا قصمه الله.
وعن كعب قال: لولا رغبتي في بيت المقدس ما سكنت (3) إلا مصر. قيل: ولِمَ؟ قال: لأنها بلدة معافاة من الفتن، ومن أرادها بسوء كبه الله على وجهه؛ وهو بلد مبارك لأهله فيه.
وعن أبي بصرة الغفاري، قال: مصر خزائن الأرض كلها، وسلطان مصر سلطان الأرض كلها.
وعن أبي رهم السماعي، قال: لا تزال مصر معافاةً من الفتن، مدفوعًا عن أهلها كل الأذى؛ ما لم يغلب عليها غيرهم؛ فإذا كان كذلك لعبت بهم الفتن يمينًا وشمالًا.
_________
(1) ط: "سعد".
(2) حاشية ح: "الأولين - من نسخة".
(3) حاشية ط: "ما ملكت - من نسخة".

(1/21)


وعن عبد الله بن عمر، قال: البركة عشر بركات؛ ففي مصر تسع، وفي الأرض كلها واحدة؛ ولا تزال في مصر بركة أضعاف ما في جميع الأرضين.
وعن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، يرفعه: "إن الله يقول يوم القيامة لساكني مصر يعدد عليهم: ألم أسكنكم مصر، فكنتم تشبعون من خبزها وتروون من مائها".
وعن أبي موسى الشعري -رضي الله عنه، قال: "أهل مصر الجند الضعيف، ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنته". قال تُبَيع بن عامر الكلاعي: فأخبرت بذلك معاذ بن جبل، فأخبرني أن بذلك أخبره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن شُفَيّ بن عبيد الأصبحي: قال: بلد مصر بلد معافات من الفتن، لا يريدهم أحد بسوء إلا صرعه الله، ولا يريد أحد هلكهم إلا أهلكه.
وقال أبو ربيع السائح: نعم البلد مصر، يُحج منها بدينارين، ويُغزى منها بدرهمين. يريد الحج في بحر القلزم، والغزو إلى الإسكندرية وسائر سواحل مصر.
وقيل: إن يوسف عليه الصلاة والسلام لما دخل إلى مصر، وأقام بها قال: اللهم إني غريب فحببها إليَّ وإلى كل غريب؛ فمضت دعوة يوسف، فليس يدخلها غريب إلا أحب المقام بها.
وعن دانيال عليه السلام: "يا بني إسرائيل، اعلموا لله، فإن الله يجازيكم بمثل مصر في الآخرة" -أراد الجنة.

(1/22)