خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى
الباب الثالث في
أخبار سكناها إلى أن حل النبي صلى الله عليه وسلم بها
وسكنها
(1/515)
وفيه أربعة فصول
" الأول " في سكناها بعد الطوفان وسكن
اليهود بها ثم الأنصار وبيان نسبهم وظهورهم على يهود وما أتفق
لهم مع تبع
أسند الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه بعد مخرج الناس من السفينة
نزلوا طرف بابل وكانوا ثمانين نفسا فسمى الموضع سوق الثمانين فمكثوا
حتى كثروا وصار ملكهم نمرود بن كنعان بن حام فلما كفروا بلبلوا فتفرقت
ألسنتهم على أثنين وسبعين لسانا ففهم الله تعالى العربية منهم عمليق
وطسم ابنا لاوذ بن سام وعادا وعبيل ابني عوص بن آرم بن سام وثمود وجليس
ابن جانق بن آرم بن سام وقنطور ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام
فنزلت عبيل بيثرب ويثرب بن عبيل ثم أخرجوا منها فنزلوا الجحفة فجاءهم
سيل أجحفهم فيه فلذا سميت جحفة فرثاهم رجل منهم فقال
عين جودا على عبيل وهل ير ... جع من فات فيضها بانسجام
عمرو أيثربا وليس بهاشفر ... ولا صارخ ولا ذو سفام
(1/517)
غرسوا لينها بمجرى معين ... ثم حفوا النخيل
بالآجام
وقيل أول من سكنها يثرب بن قاتنة بن مهلاييل بن آرم بن عبيل بن عوص بن
آرم بن سام بن نوح عليه السلام وقيل أول من عمر بها الدور والآطام وزرع
وغرس العماليق بنوا عملاق بن أرفخشذ بن سام وأخذوا ما بين البحرين
وعمان والحجاز إلى الشام ومصر ومنهم الجبابرة والفراعنة بهما وملكهم
بالحجاز الأرقم وكان بالمدينة منهم بنو هف وبو مطرو بل وكانت جرهم بمكة
وقنطورا وطسم وجديس باليمامة
(1/518)
وعن زيد بن اسلم أن ضبعا رؤيت وأولادها
رابضة في حجاج عين رجل أي العظم الذي ينبت عليه الحاجب قال وكان يمضي
أربعمائة سنة وما يسمع بجنازة. ولأبي المنذر الشرقي سمعت حديث تأسيس
المدينة من سليمان بن عبد الله بن حنفالة الغسيل وبعضه من رجل من قريش
عن أبي عبيدة بن عبد الله بن عمار بن ياسر فجمعت حديثهما لقلة اختلاطه
قالا بلغنا أن موسى عليه السلام لما حج حج معه أناس من بني إسرائيل
فأتوا على المدينة في انصرافهم فرأوا مواضعها صفة بلد نبيّ يجدون وصفه
في التوراة بأنه خاتم النبيين فاشتورت طائفة منهم على أن يتخلفوا به
فنزلوا في موضع سوق بين قينقاع ثم تألف إليهم أناس من العرب ورجعوا على
دينهم فكانوا أول من سكن موضع المدينة ويذكر أن قوما من العمالقة سكنوه
قبلهم ولأبن شبة بسند لا بأس به إلا أن فيه من لم يسم
(1/519)
عن جابر مرفوعا أقبل موسى وهارون حاجين
فمرا بالمدينة فحافا من يهود فخرجا مستخفين فنزلا أحدا فغشى هارون
الموت فقام موسى فحفر له ولحد ثم قال يا أخي إنك تموت فقام هارون فدخل
في لحده فقبض فحثا عليه موسى التراب وهو دال على كونهم بالمدينة زمن
موسى وسيأتي في أسماء البقاع وجود قبر بالجماء عليه مكتوب أنا رسول
رسول الله سليمان بن داود عليه السلام إلى أهل يثرب وفي رواية أنا رسول
رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام إلى أهل قرى عرينة ولأبن زبالة عن
مشيخة من أهلها
(1/520)
قالوا كان ساكنها في ثالث الزمان صغل وفالح
فغزاهم داود عليه السلام وأخذ منهم مائة ألف عذراء قالوا وسلط عليهم
الدود في أعناقهم فهلكوا فقبورهم هذه التي في السهل والجبل وهي التي
بناحية الجرف وبقيت امرأة منهم تعرف بزهرة وكانت تسكن بها فأكثرت من
رجل وأرادت الخروج إلى بعض تلك البلاد فلما دنت لتركب غشيها الدود فقيل
لها أنا لنرى دودا يغشاك فقالت بهذا هلك قومي ثم قالت ربي جد مصون ومال
مدفون بين زهرة ورانون وقتلها الدود قالوا وكان قوما من الأمم يقال لهم
بنو هف وبنو مطر وبنو الأزرق فيما بين مخيض إلى غراب الصائلة إلى
القصاصين إلى طرف أحد فتلك آثارهم هناك وعن عروة بن الزبير كانت
العماليق قد انتشرت في البلاد فسكنوا مكة والمدينة والحجاز كلها وعتوا
عتوا كبيرا فلما أظهر الله تعالى موسى على فرعون ووطئ الشام وأهلك من
بها بعث إليهم جندا من بني إسرائيل للحجاز أمرهم أن لا يستبقوا منهم
أحدا
(1/521)
يلغ الحلم فقدموا فأظهرهم الله فقتلوهم
وأصابوا ابن ملكهم الأرقم وكان أحسن الناس وجها فقالوا نستحييه حتى
نقدم به على موسى عليه السلام فيرى فيه رأيه فأقبلوا به فقبض الله موسى
قبل قدومهم فتلقاهم الناس فسألوهم عن أمرهم فأخبروهم فقالت بنو إسرائيل
أن هذه لمعصية منكم لما خالفتم أمر نبيكم لا والله لا تدخلوا علينا
بلادنا أبدا فقالوا ما بلدا إذ منعتم بلادكم بخير من البلد الذي خرجتم
منه وكان الحجاز ذاك أشجر بلاد الله وأظهره ماء فكان هذا أول سكنى
اليهود الحجاز بعد العماليق فكان جميعهم بزهرة بين الحرة والسافلة مما
يلي ألقف ولهم الأموال بالسافلة ونزل جمهورهم يثرب بمجتمع السيول مما
يلي زعابة
(1/522)
وعن محمد بن كعب القرظي قال وخرجت قريظة
وإخوانهم بنو هدل وعمروا بناء الصريح والنضير بن النجام بن الخزرج بن
الصريح من ذرية هارون عليه السلام بعد هؤلاء فتتبعوا آثارهم فنزلوا
بالعالية على مذينب ومهزور ولبعضهم عن أبي هريرة رضي الله عنه بلغني أن
بني
(1/523)
إسرائيل لما أصابهم من ظهور بختضر عليهم
تفرقوا وكانوا يجدون محمد صلى الله عليه وسلم منعوتا في كتابهم وإنه
يظهر في بعض هذه القرى العربية في قرية ذات نخل ولما خرجوا من أرض
الشام جعلوا يعبرون كل قرية من تلك القرى العربية بين الشام واليمن
يجدون نعتها يثرب فينزل بها طائفة منهم ويرجون أن يلقوا محمد صلى الله
عليه وسلم حتى نزل منهم طائفة من بني هارون ممن حمل التوراة بيثرب فمات
أولئك
الآباء وهم يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه جاء ويحثون أبناءهم
على أتباعه فأدركه من أدركه من أبنائهم فكفروا به وهم يعرفونه أي
لحسدهم الأنصار حيث سبقوهم إليه وزعم بنو قريظة أنّ الروم لما غلبوا
على الشام خرج قريظة والنضير وهدل هاربين من الشام يريدون من كان
بالحجاز من بني إسرائيل فوجه ملك الروم في طلبهم فأعجزوا رسله وانتهى
الرسل إلى ثمد بين الشام والحجاز فماتوا عنده عطشا فسمى الموضع ثمد
الروم ونقل ابن زبالة ما حاصله أن ممن كان مع اليهود من العرب قبل
الأنصار بنو نيف حيّ من بلى ويقال بقية من العمايق وبنو مزيد من بلى
وبنو معاوية بن الحرث بن بهثة بن سليم وبنو الجدماء حيّ من اليمن
(1/524)
ولبني أنيف بقباء آطام عند بئر عذق والمال
الذي يقال له القائم وغيرهما قال شاعرهمآباء وهم يؤمنون بمحمد صلى الله
عليه وسلم أنه جاء ويحثون أبناءهم على أتباعه فأدركه من أدركه من
أبنائهم فكفروا به وهم يعرفونه أي لحسدهم الأنصار حيث سبقوهم إليه وزعم
بنو قريظة أنّ الروم لما غلبوا على الشام خرج قريظة والنضير وهدل
هاربين من الشام يريدون من كان بالحجاز من بني إسرائيل فوجه ملك الروم
في طلبهم فأعجزوا رسله وانتهى الرسل إلى ثمد بين الشام والحجاز فماتوا
عنده عطشا فسمى الموضع ثمد الروم ونقل ابن زبالة ما حاصله أن ممن كان
مع اليهود من العرب قبل الأنصار بنو نيف حيّ من بلى ويقال بقية من
العمايق وبنو مزيد من بلى وبنو معاوية بن الحرث بن بهثة بن سليم وبنو
الجدماء حيّ من اليمن ولبني أنيف بقباء آطام عند بئر عذق والمال الذي
يقال له القائم وغيرهما قال شاعرهم
ولو نطقت يوما قباء لخبرت ... بأنا نزلنا قبل عاد وتبع
وآطا منا عادية مشمخرة ... تلوح فتنكى من يعادي وتمنع
وكان ممن بقى من اليهود حين نزل الأوس والخزرج عليهم بنو القصيص وبنو
ناغصة مع بني أنيف وقيل أن بني ناغصة حيّ من اليمن منازلهم شعب بني
حرام حتى نقلهم عمر رضي الله عنه إلى مساجد الفتح وبنو قريظة في الدار
المعروفة لهم اليوم ومعهم أخوتهم بنو هدل وبنو عمرو وسمى هدلا بهدل كان
في شفته وبنو النضير كما قال أبن زبالة في النواعم ومنهم كعب أبن
الأشرف وكان لهم عامة أطم في المال الذي يقال له
(1/525)
فاضحة بجفاف وأطم دون بني أمية بن مزيد دبر
قصر بني هشام وأطم البويلة وقال الواقدي منازل بني النضير بناحية الغرس
وبنو مزيد في بني حطبة وناعمة بن هيم بن هشام وبنو معاوية في بني أمية
بن مزيد وبنو ماسكة قرب صدقة مروان مما يلي صدقة النبي صلى الله عليه
وسلم ولهم الأطمان اللذان في القف في القرية أي التي آثارها غير بيّ
الحسينيات وبنو محمم في المكان الذي يقال له محمم ولهم المال الذي يقال
له خنافة وبنو
(1/526)
زعورا عند مشربة أم إبراهيم وبنو زيد اللات
قال ابن زبالة وهم رهط عبد الله بن سلام قرب بني غصينة وبنو قينقاع عند
منتهى جسر بطحان مما يلي العالية وهناك سوقهم ولهم الأطمان اللذان عنده
منقطع الجسر على يمينك وأمن ذاهب من المدينة إذا سلكت الجسر من الطريق
الشرقية إلى العالية والذي في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه
أنهم رهط ابن سلام وهم من ذرية يوسف الصديق عليه السلام وبنو حجر عند
المشربة التي عند الجسر وبنو ثعلبة وأهل زهرة بزهرة وهم رهط القطيور
ملكهم الذي كان يفتض نساء أهل المدينة وأهل الجوانية بالجوانية ولهم
صرار والريان وهما أطمان صار البني جارثة وبنو الجدماء حي من اليمن
فيما بين مقبرة بني عبد الأشهل وبين قصر ابن
(1/527)
عراك ثم أنتقلوا إلى راتج وبنو عكوة يماني
بني حارثة وبنو مزاية شامي بني حارثة ولهم الشبعان أطم بشمغ صدقة عمر
بن الخطاب رضي الله عنه وناس براتج أطم سميت به ناحيته وناس بالشوط
والعنانق والوالج وزبالة إلى عين فاطمة حيث كان يطبخ الآجر للمسجد
النبوي ولأهل الشوط الشرعي أمام دون ذباب صار لبني جشم أخوة بني عبد
الأشهل ولأهل الوالج أطم بطرفة مما يلي قناة لبعض من هناك السحان وهما
أطمان بمفضاهما مسجد الشيخين الآتي ولأهل زبالة الأطمان عند كومة أبي
الحمراء الرابض والأطم الذي دونهما وكان أهل يثرب جماعات من اليهود وقد
بادوا وقيل أن قبائل يهود تنيف على العشرين وعدّه آطامهم وآطام من نزل
معهم من العرب تزيد على السبعين
(1/528)
وكانت الآطام عز أهل المدينة ومنعتهم وجاء
النهي عن هدمها
(1/529)
ولم تزل اليهود ظاهرة على المدينة حتى كان
من سيل العرم وهي المطر الشديد وقيل جرذ أعمى نقب السدّ ما قص الله
تعالى في كتابه وكانت مأرب وهي أرض سبأ المعنية بقوله تعالى بلدة طيبة
أخصب البلاد تخرج المرأة وعلى رأسها المكتل فتعمل بمغزلها وتسير بين
الشجر فيمتلئ مما يتساقط من الثمر وهي أكثر من شهرين
(1/530)
للراكب المجد طولا وكذلك عرضها وأهلها في
غاية الكثرة مع اجتماع الكلمة والقوة آمنين تخرج المرأة لا تتزود تبيت
في قرية وتقيل في أخرى حتى تأتي الشام قال تعالى (وجعلناها بينهم وبين
القرى التي باركنا فيها) أي قرى الشام (قرى ظاهرة) أي يرى بعضها من بعض
لقربها فبطروا النعمة (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا) أي بمفاوزينهم
وبين الشام يركبون فيها الرواحل فعجل الله لهم الإجابة كما قال
(1/531)
(فجعلناها أحاديث ومزقناهم كل ممزق) وعن
الضحاك كانوا في الفترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام وكان السدّ فرسخا
في فرسخ بناه لقمان الأكبر العادي وقيل ابنه وقيل سبأ بن يشجب ومات قبل
إكماله فأكمله ملوك حمير تجتمع إليه مياه اليمن
(1/532)
ثم تفترق في مجاري وكان أولاد حمير وأولاد
كهلان ابني سبأ حينئذ سادة اليمن وكبيرهم عمر ومزيقياء بن عامر ماء
السماء بن حارثة ين امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد يقال الأسد
بن الغوث ابن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن
قحطان وجماع قبائل اليمن ينتهي إلى قحطان وأختلف فيه فالأكثران قحطان
هو عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام وقيل هو من ولد
هود وقيل هو هود نفسه وقيل ابن أخيه ويقال هو أول من تكلم باللغة
العربية وهو والد العرب المتعربة وإسماعيل عليه السلام والد العرب
المستعربة وأما العرب العاربة فقبل ذلك كعاد وثمود
وعمليق وغيرهم وذهب الزبير بن بكار إلى أن قحطان بن الهميسع بن تيم بن
نبت بن إسماعيل ولذا قال أبو هريرة رضي الله عنه مخاطبا للأنصار فتلك
أي هاجر أمكم يا بني ماء السماء يعني الأنصار لأن جدهم عامرا هو الملقب
بذلك أو أراد جميع العرب لملازمتها مواقع القطر وهذا متمسك من ذهب إلى
أن العرب كلها من ولد إسماعيل وهو الذي أميل إليه وأن ثبت خلافه فالعرب
الذين لهم الشرف والتقديم بنو إسماعيل عليه السلام فقط كما أوضحناه في
الأصل وكانت زوجة عمر ومزيقياء تسمى طريفة الحميرية كاهنة ولدت له
ثلاثة عشر ولدا ثعلبة أبا الأوس والخزرج وحارثا والد خزاعة وقيل فيهم
غير ذلك وجفنة والد غسان وقيل فيهم غير ذلك ووداعة وأبا حارثة والحرث
وعوفا وكعبا ومالكا وعمران هؤلاء أعقبوا والثلاثة الباقون لم يعقبوا
وكان لعمر ومزيقياء من القصور والأموال ما لم يكن لأحد فرأى أخوه عمران
وكان كاهنا ولم يعقب أن قومه سيمزقون وتخرب بلادهم فذكره له ثم أن
ظريفة سجعت له بما يدل لذلك فقال وما علامته قالت إذا رأيت جرذا يكثر
في السدّ الحفر ويقلب بيديه منه الصخر فأنطلق إلى السدّ فإذا جرذ يقلب
الصخرة والصخرة ما يقلبها خمسون رجلا من السدّ فأخفى ذلك وأجمع على بيع
ماله بأرض سبأ والخروج بولده وخشي من استنكار ذلك فأحتال بطعام واسع
صنعه وجمع أهل مأرب وأسرّ إلى يتيم رباه أن يجلس إلى جانبه وينازعه
الحديث ويفعل به مثل ما يفعل به ثم كلمه في سيء فردّ عليه فضرب عمرو
وجهه وشتمه ففعل اليتيم به مثله فصاح وأذلاه اليوم ذهب فخر عمرو وحلف
لا يقيم ببلد صنع به ذلك فيها وأن يبيع أمواله فاغتنموا غضبه واشتروها
وتبعه ناس من الأزد فباعوا فلما أجتمع لعمرو أثمان مواله أخبر الناس
فخرج ناس كثير وأقام من قضى عليه بالهلاك وقيل المحتال في بيع ماله
لثعلبة بن عمرو وإنما كانت ظريفة زوجته ومات عمرو قبل السيل وقيل لما
مات عمرو وصارت الرياسة لأخيه عامر العاقر وهو المحتال للبيع فقال
لحارثة بن أخيه إذا ضربتك فالطمني فقال كيف يلطم الرجل عمه فقال أن في
ذلك صلاحك وصلاح قومك ثم جاء السيل فلم يجد مانعا فغرق البلاد والكروم
والأماكن في رؤوس الجبال والبعيد مثل ذمار وحضرموت وعدن وذهبت الضياع
والحدائق وجاء السيل بالرمل فطمها وصفت لهم ظريفة البلاد وقيل عمرو
فسكن أزد عمان بها ووداعة بن عامر بكرود من أرض همدان فانتسبوا فيهم
وأزد شنوأة بشنّ من السراة وخزاعة ببطن مرّ والأوس والخزرج بيثرب وآل
جفنة من غسان بيصرى وسدير من أرض الشام وجذيمة الأبرش وغيره من غسان
بالعراق وسجع ظريفة المتعلق بيثرب من كان منكم يريد الراسخات في الوحل
المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل ونسب لعمرو بن عامر بزيادة
المدركات بالذحل عقب المطعمات في المحل وقيل قال فليلحق بالحرة ذات
النخل فلما خرجوا وفارقهم وداعة بهمدان ثم أزدشنوأة بين السراة ومكة
ومعهم عمران بن عمرو وسار عمر وفي باقي ولده وفي ناس من الأزد حتى
نزلوا ماء يقال له غسان وغلب عليهم اسمه حتى قال شاعرهميق وغيرهم وذهب
الزبير بن بكار إلى أن قحطان بن الهميسع بن تيم بن نبت بن إسماعيل ولذا
قال أبو هريرة رضي الله عنه مخاطبا للأنصار فتلك أي هاجر أمكم يا بني
ماء السماء يعني الأنصار
(1/533)
لأن جدهم عامرا هو الملقب بذلك أو أراد
جميع العرب لملازمتها مواقع القطر وهذا متمسك من ذهب إلى أن العرب كلها
من ولد إسماعيل وهو الذي أميل إليه وأن ثبت خلافه فالعرب الذين لهم
الشرف والتقديم بنو إسماعيل عليه السلام فقط كما أوضحناه في الأصل
(1/534)
وكانت زوجة عمر ومزيقياء تسمى طريفة
الحميرية كاهنة ولدت له ثلاثة عشر ولدا ثعلبة أبا الأوس والخزرج وحارثا
والد خزاعة وقيل فيهم غير ذلك وجفنة والد غسان وقيل فيهم غير ذلك
ووداعة وأبا حارثة والحرث وعوفا وكعبا ومالكا وعمران هؤلاء أعقبوا
والثلاثة الباقون لم يعقبوا وكان لعمر ومزيقياء من القصور والأموال ما
لم يكن لأحد فرأى أخوه عمران وكان كاهنا ولم يعقب أن قومه سيمزقون
وتخرب بلادهم فذكره له ثم أن ظريفة سجعت له بما يدل لذلك فقال وما
علامته قالت إذا رأيت جرذا يكثر في السدّ الحفر ويقلب بيديه منه الصخر
فأنطلق إلى السدّ فإذا جرذ يقلب الصخرة والصخرة ما يقلبها خمسون رجلا
من السدّ فأخفى ذلك وأجمع على بيع ماله بأرض سبأ
(1/536)
والخروج بولده وخشي من استنكار ذلك فأحتال
بطعام واسع صنعه وجمع أهل مأرب وأسرّ إلى يتيم رباه أن يجلس إلى جانبه
وينازعه الحديث ويفعل به مثل ما يفعل به ثم كلمه في سيء فردّ عليه فضرب
عمرو وجهه وشتمه ففعل اليتيم به مثله فصاح وأذلاه اليوم ذهب فخر عمرو
وحلف لا يقيم ببلد صنع به ذلك فيها وأن يبيع أمواله فاغتنموا غضبه
واشتروها وتبعه ناس من الأزد فباعوا فلما أجتمع لعمرو أثمان مواله أخبر
الناس فخرج ناس كثير وأقام من قضى عليه بالهلاك وقيل المحتال في بيع
ماله لثعلبة بن عمرو وإنما كانت ظريفة زوجته ومات عمرو قبل السيل وقيل
لما مات عمرو وصارت الرياسة لأخيه عامر العاقر وهو المحتال للبيع فقال
لحارثة بن أخيه إذا ضربتك فالطمني فقال كيف يلطم الرجل عمه فقال أن في
ذلك صلاحك وصلاح قومك ثم جاء السيل فلم يجد مانعا فغرق البلاد والكروم
والأماكن في رؤوس الجبال والبعيد مثل ذمار وحضرموت وعدن وذهبت الضياع
والحدائق وجاء السيل بالرمل فطمها وصفت لهم ظريفة البلاد وقيل عمرو
فسكن
(1/537)
أزد عمان بها ووداعة بن عامر بكرود من أرض
همدان فانتسبوا فيهم وأزد شنوأة بشنّ من السراة وخزاعة ببطن مرّ والأوس
والخزرج بيثرب وآل جفنة من غسان بيصرى وسدير من أرض الشام وجذيمة
الأبرش وغيره من غسان بالعراق وسجع ظريفة المتعلق بيثرب من كان منكم
يريد الراسخات في الوحل المطعمات في المحل فليلحق بيثرب ذات النخل ونسب
لعمرو بن عامر بزيادة المدركات بالذحل عقب المطعمات في المحل وقيل قال
فليلحق بالحرة ذات النخل فلما خرجوا وفارقهم وداعة بهمدان ثم أزدشنوأة
بين السراة ومكة ومعهم عمران بن عمرو وسار عمر وفي باقي ولده وفي ناس
من الأزد حتى نزلوا ماء يقال له غسان وغلب عليهم اسمه حتى قال شاعرهم
أما سألت فأنا معشر نجب ... الأزد نسبتنا والماء غسان
قال أبو المنذر الشرقي ومن ماء غسان نخرج الحيّ وأسمه ربيعة بن عمرو بن
حارثة فأتى مكة فتزوج بنت عامر ملك جرهم فولدت له عمر بن الحيّ الذي
غير دين إبراهيم عليه السلام
(1/538)
وروى الأزرقي أن عمرو بن عامر سار وقومه لا
يطئون بلدا إلا غلبوا عليه فلما انتهوا إلى مكة وأهلها جرهم قد قهروا
الناس وحازوا ولاية البيت على بني إسماعيل وغيرهم أرسل إليهم ثعلبة بن
عمرو بن عامر أنا خرجنا من بلادنا فلم ننزل بلدا إلا فسح أهله لنا
فنقيم معهم حتى نرسل روادنا فيرتادوا لنا بلدا يحملنا فأفسحوا لنا حتى
نستريح ونرسل روادنا إلى الشام والمشرق فحيثما قيل لنا أنه أمثل لحقنا
به فأبت جرهم فأرسل إليهم ثعلبة أنه لابد لي من المقام فإن تركتموني
نزلت وحمدتكم وواسيتكم في الماء والمرعى وإن أبيتم أقمت على كرهكم ثم
لم ترتعوا معي الأفضلا ولم تشربوا الأرنقا يعني الكدر وإن قاتلتموني
قاتلتكم ثم أن ظهرت عليكم سبيت النساء وقتلت الرجال ولم أترك أحدا منكم
ينزل الحرم فأبت جرهم فاقتتلوا ثلاثة أيام ثم انهزمت جرهم فلم ينفلت
منهم إلا الشريد وأقام ثعلبة بمكة وما حولها بعساكره حولا فأصابتهم
الحمى وكانوا ببلد لا يعرفون فيه ما الحمى فدعوا ظريفة الكاهنة فشكوا
إليها فقالت قد أصابني الذي تشكون ثم ذكر الأزرقي سجعها في الدلالة على
البلاد فهو غير السجع الأول وأن الأوس والخزرج أبنا حارثة بن ثعلبة بن
عمرو نزلوا المدينة قال وانخزعت خزاعة بمكة فأقام بها ربيعة بن حارثة
بن عمرو وهو الحيّ فولى أمر مكة
(1/539)
وقال ياقوت لما ساروا من اليمن عطف ثعلبة
العنقاء بن عمرو مزيقياء نحو الحجاز فأقام ما بين الثعلبة وباسمه سميت
إلى ذي قار فلما كثر ولده وقوى ركنه سار بهم نحو المدينة وبها يهود
فاستوطنوها وأقاموا بين قريظة والنضير وخيبر وتيماء ووادي القرى ونزل
أكثرهم بالمدينة وأمّ الأوس والخزرج قيله بنت عمرو بن جفنة في قول
الكلبي وقال ابن حزم بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة بن عمرو مزيقياء ويقال
بنت كاهل بن عذرة بن قضاعة من حمير في قول الأكثر واشتهرت الأوس
والخزرج بأبناء قيلة وأولاد الأوس مالكا ومنه قبائل الأوس كلها
(1/540)
وروى الخرائطي أنه لما حضرت الأوس بن حارثة
بن ثعلبة بن عمرو الوفاة أجتمع قومه فقالوا قد حضر من أمر الله ما ترى
وقد كنا نأمرك في شبابك أن تتزوج فتأبى وهذا أخوك الخزرج له خمس بنين
وليس لك غير مالك فقال لن يهلك هالك ترك مثل مالك أن الذي يخرج النار
من الزندة قادر على أن يجعل لمالك نسلا ورجالا بلا وكل إلى الموت ثم
اقبل على مالك فقال أي بني المنية ولا الدنية وذكر سجعا ثم انشأ يقول
أبياتا منها
ففعل الذي أودى ثمودا وجرهما ... سيعقب لي نسلا على آخر الدهر
تقربهم من آل عمرو بن عامر ... عيون لدى الداعي إلى طلب الوتر
ألم يأت قومي أن لله دعوة ... يفوز بها أهل السعادة والبر
إذا بعث المبعوث من آل غالب ... بمكة فيما بين زمزم والحجر
ثم قضى من ساعته قال الشرقي فولد لمالك عمرو وعوف ومرة ويقال لهم أوس
الله وهم
(1/541)
الجعادرة وسموا بذلك لقصر كان فيهم وسيأتي
ما يخالفه مع بيان ما أنتشر منهم من القبائل وقال ابن حزم أن بني عامر
بن عمرو بن مالك بن الأوس كانوا كلهم بعمان لم يكن منهم بالمدينة أحد
فليسوا من الأنصار وأولد الخزرج بن حارثة خمسة وهم عمرو وعوف وجشم وكعب
والحرث وتفرقوا بطونا كثيرة قال ابن حزم وعقب السائب بن قطن بن عوف من
الخزرج لم يكن أحد منهم بالمدينة كانوا بعمان فليسوا من الأنصار وذكر
نحوه في بعض بني الحرث بن الخزرج وان بعض بني جفنة بن عمرو مزيقياء
كانوا بالمدينة في عداد الأنصار
(1/542)
وقال الشرقي ولما قدمت الأوس والخزرج
المدينة تفرقوا في عاليتها وسافليتها ومنهم من نزل مع بني إسرائيل في
قراهم ومنهم من نزل وحده لا مع بني إسرائيل ولا مع العرب الذين كانوا
تألفوا إلى بني إسرائيل وكانت الثروة في بني إسرائيل ولهم قرى أعدوا
بها الآطام ولبن زبالة عن مشيخة من أهل المدينة أن الأوس والخزرج وجدوا
الأموال والآطام بأيدي يهود والعدد والقوة معهم فمكثوا ما شاء الله ثم
سألوهم أن يعقدوا بينهم جوارا وحلفا يأمن به بعضهم من بعض ويمتنعون به
ممن سواهم فتحالفوا وتعاملوا ولم يزالوا كذلك زمانا طويلا وأثرت الأوس
والخزرج وصار لهم مال وعدد فخافت قريظة والنضير أن يغلبوهم على دورهم
فتنمروا لهم حتى قطعوا الحلف وقريظة والنضير أعدّ وأكثر
(1/543)
فأقاموا خائفين أن تجليهم يهود حتى نجم
منهم مالك بن العجلان أخو بني سالم بن عوف بن الخزرج وسّوده الحيان
الأوسي والخزرج وكانت لا تهدى عروس من الحيين حتى تدخل على القيطيون
ملك اليهود فيكون هو الذي يفتضها فتزوجت أخت مالك بن العجلان رجلا من
قومها فبينا مالك في النادي إذ خرجت أخته فضلاء فنظر أهل المجلس فشق
على مالك ودخل فعنفها فقالت ما يصنع بي غدا أعظم أهدى إلي غير زوجي
فلما أمسى أشتمل على السيف ودخل مع النساء فقتل القيطون وأنصرف لدار
قومه فبعثوا الرمق بن زيد أحد بني سالم إلى من وقع بالشام من قومهم
يشكون اليهود فقدم على أبي جبيلة أحد بني جشم بن الخزرج الذين ساروا من
يثرب إلى الشام وقيل أبو جبيلة من ولد جفنة بن عمرو ومزيقياء وكان قد
أصاب ملكا بالشام فشكا حالهم وغلبته اليهود عليهم فأقبل أبو جبيلة في
جمع كثير لنصرتهم ونقل رزين عن الشرقي أن القيطون كان قد شرط أن لا
تدخل امرأة على زوجها حتى تدخل عليه فلما سكن الأوس والخزرج المدينة
أراد أن يسير فيهم بذلك فتزوجت أخت مالك بن العجلان رجلا من بني سالم
فأرسل القيطون رسولا في ذلك وكان مالك غائبا فخرجت أخته في طلبه فمرّت
به في قومهم فنادته فقال لقد جئت بسببه تناديني ولا تستحي فقالت الذي
يراد بي أكبر من ذلك
(1/544)
فأخبرته فقال أكفيك ذلك فقالت وكيف فقال
أتزيا بزيّ النساء وأدخل معك عليه بالسيف فأقتله ففعل ثم خرج حتى قدم
الشام على أبي جبيلة وكان نزلها حين نزلوا هم بالمدينة فجيش جيشا عظيما
وأقبل كأنه يريد اليمن وأختفى منهم مالك بن العجلان فنزل بذي حرض فأرسل
إلى الأوس والخزرج فوصلهم ثم أرسل إلى بني إسرائيل من أراد الحباء من
مالك فليخرج إليه مخافة أن يتحصنوا فلا يقدر عليهم فخرج إليه أشرافهم
فأمر لهم بطعام حتى اجتمعوا فقتلهم فصار الأوس والخزرج أعز أهل المدينة
وقيل إنما قصد مالك بن العجلان بعد قتل القيطون تبعا الأصغر باليمن
فشكا إليه فعاهد أن لا يقرب امرأة ولا يمس طيبا ولا يشرب خمرا حتى يسير
إلى المدينة ويذلّ من بها من اليهود ففعل وقال ابن قتيبة أن تبعا
الأصغر ابن حسان آخر التبابعة
(1/545)
سار إلى الشام وملوكها غسان فأطاعته ثم إلى
المستقر من ناحية هجر فأتاه قوم كانوا وقعوا إلى يثرب وحالفوا يهود بها
فشكوهم ومتوا إليه بالرحم فأحفظه ذلك فسار ونزل بسفح أحد وبعث إلى يهود
فقتل منهم ثلاثمائة وخمسين رجلا صبرا وأراد خرابها فقام إليه رجل من
يهود أتت عليه مائتان وخمسون سنة فقال أيها الملك مثلك لا يقتل على
الغضب وأمرك أعظم من أن يطير بك برق أو يسرع بك لجاج وأنك لا تستطيع أن
تخربها لأنها مهاجر نبيّ من ولد إسماعيل عليهما السلام ويخرج من عند
هذه البنية يعني الكعبة فكف ومضى ومعه هذا اليهودي وآخر منهم وهما
الحبران فأتى مكة وكسا البيت ثم رجع إلى اليمن وهما معه قددان بدينهما
أه وعن
الشرقي أن أبا جبيلة لما فرغ من نصر أهل المدينة رجع إلى الشام فاقبل
تبع الأخير وهو كرب بن حسان بن أسعد الحميري يريد المشرق كما كانت
التبابعة تفعل بالمدينة فخلف فيها أبنا له ومضى حتى قدم الشام ثم
العراق فقتل أبنه بالمدينة غيلة فأقبل يريد تخريبها فنزل بسفح أحد
وأرسل لأشراف المدينة فقال بعضهم أراد أن يملكنا على قومنا وقال أحيحة
والله ما دعاكم لخير وكان لأحيحة ربئ من الجن ثم دخل على تبع أول الناس
فتحدّث معه ففطن بالشرّ ثم قال أن أصحابي يصلونك إلى الظهر وأستأذن
الخروج إلى خيمة له ضربها وجاء أصحابه قريبا من الليل فأمر لهم تبع
بضيافة فلما كان جوف الليل أرسل إليهم ليقتلهم ففطن أحيحة فأنطلق فتحصن
في حصنه فحاصروه ثلاثا يقاتلهم بالنهار وإذا كان الليل يرمي إليهم بتمر
ويقول هذا ضيافتكم فأخبروا تبعا أنه في حصن حصين فأمرهم أن يحرقوا نخلة
واشتعلت الحرب بين تبع وأهل المدينة من اليهود والأوس والخزرج وتحصنوا
في الآطام وجرد إلى بني النجار خيلا فقاتلوهم ورئيسهم يومئذ عمرو بن
طلحة أخو بني معاوية بن مالك بن النجار ورمى عسكر تبع حصون الأنصار
بالنبل فلقد جاء الإسلام والنبل فيها وجدع في القتال فرس تبع فحلف لا
يبرح حتى يخرجها فنزل إليه أحبار من يهود وقالوا أيها الملك أن هذه
البلدة محفوظة فإنا نجد اسمها في الكتاب طيبة وأنها مهاجر نبيّ من بني
إسماعيل عليه السلام من الحرم فلن تسلط عليها فأعجب بقولهم وصرف نيته
وأمر أهل المدينة أن يتبايعوا مع العسكر ثم خرج يريد اليمن ومعه من
الأحبار رجلان أو ثلاثة قال لهم تسيرون أياما ما آنس بحديثكم فكانوا
يحدثونه فلم يتركهم حتى وصلوا إلى اليمن فكانوا أول يهوديّ دخلها وعن
المبتدأ الابن إسحاق أن بيت أبي أيوب الأنصاري الآتي ذكره بناء تبع
الأول وأسمه تبان أسعد بن كلكيكرب لما مرّ بالمدينة وكان معه أربعمائة
عالم فتعاقدوا على أن لا يخرجوا منها فسألهم تبع عن ذلك فقالوا نجد في
كتبنا أنها مهاجر نبي أسمه محمد فنقيم لعل أن نلقاه فبنى لكل منهم دارا
وزوجه جارية وأعطاه مالا جزيلا وكتب كتابا فيه إسلامه منهشرقي أن أبا
جبيلة لما فرغ من نصر أهل المدينة رجع إلى الشام فاقبل تبع الأخير وهو
كرب بن حسان بن أسعد الحميري يريد
(1/546)
المشرق كما كانت التبابعة تفعل بالمدينة
فخلف فيها أبنا له ومضى حتى قدم الشام ثم العراق فقتل أبنه بالمدينة
غيلة فأقبل يريد تخريبها فنزل بسفح أحد وأرسل لأشراف المدينة فقال
بعضهم أراد أن يملكنا على قومنا وقال أحيحة والله ما دعاكم لخير وكان
لأحيحة ربئ من الجن ثم دخل على تبع أول الناس فتحدّث معه ففطن بالشرّ
ثم قال أن أصحابي يصلونك إلى الظهر وأستأذن الخروج إلى خيمة له ضربها
وجاء أصحابه قريبا من الليل فأمر لهم تبع بضيافة فلما كان جوف الليل
أرسل إليهم ليقتلهم ففطن أحيحة فأنطلق فتحصن في حصنه فحاصروه ثلاثا
يقاتلهم بالنهار وإذا كان الليل يرمي إليهم بتمر ويقول هذا ضيافتكم
فأخبروا تبعا أنه في حصن حصين فأمرهم أن يحرقوا نخلة واشتعلت الحرب بين
تبع وأهل المدينة من اليهود والأوس والخزرج وتحصنوا في الآطام وجرد إلى
بني النجار خيلا فقاتلوهم ورئيسهم يومئذ عمرو بن طلحة أخو بني معاوية
بن مالك بن النجار ورمى عسكر تبع حصون الأنصار بالنبل فلقد جاء الإسلام
والنبل فيها وجدع في القتال فرس تبع فحلف لا يبرح حتى يخرجها فنزل إليه
أحبار من يهود وقالوا أيها الملك أن هذه البلدة محفوظة فإنا نجد اسمها
في الكتاب طيبة وأنها مهاجر نبيّ من بني إسماعيل عليه السلام من الحرم
فلن تسلط عليها فأعجب بقولهم وصرف نيته وأمر أهل المدينة أن يتبايعوا
مع العسكر
(1/547)
ثم خرج يريد اليمن ومعه من الأحبار رجلان
أو ثلاثة قال لهم تسيرون أياما ما آنس بحديثكم فكانوا يحدثونه فلم
يتركهم حتى وصلوا إلى اليمن فكانوا أول يهوديّ دخلها وعن المبتدأ الابن
إسحاق أن بيت أبي أيوب الأنصاري الآتي ذكره بناء تبع الأول وأسمه تبان
أسعد بن كلكيكرب لما مرّ بالمدينة وكان معه أربعمائة عالم فتعاقدوا على
أن لا يخرجوا منها فسألهم تبع عن ذلك فقالوا نجد في كتبنا أنها مهاجر
نبي أسمه محمد فنقيم لعل أن نلقاه فبنى لكل منهم دارا وزوجه جارية
وأعطاه مالا جزيلا وكتب كتابا فيه إسلامه منه
شهدت على أحمد أنه ... رسول من الله باري النسم
فلو مدّ عمري إلى عمره ... لكنت وزيرا له وأبن عم
وختم بالذهب ودفعه إلى كبيرهم وسأله أن يدفعه للنبي صلى الله عليه وسلم
أن أدركه وإلا فمن أدركه من ولده أو ولد ولده وبنى للنبيّ صلى الله
عليه وسلم دارا ينزلها إذا قدم
(1/548)
فتداول الدار الملاك إلى أن صارت لأبي أيوب
الأنصاري وهو من ولد ذلك العالم وأهل المدينة الذين نصروه كلهم من
أولاد أولئك العلماء ويقال أن الكتاب كان عند أبي أيوب حين نزل عليه
النبيّ صلى الله عليه وسلم فدفعه له وهذا غريب والمعروف في أمر الأنصار
ما سبق.
(1/549)
|