زبدة الحلب في تاريخ حلب
القسم الثامن
ولدا سعيد الدولة علي وشريف
وملك لؤلؤ السيفي ولديه أبا الحسن علياً وأبا المعالي شريفاً ابني سعيد
الدولة، واستولى لؤلؤ على تدبير ملكهما، وليس إليهما شيء.
وخاف لؤلؤ على حصن كفر روما، وحصن عار، وحصن أروح، أن يقصد فيها،
فهدمها جميعاً سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة.
لؤلؤ الكبير
وأحب لؤلؤ التفرد بالملك، فسير أبا الحسن وأبا المعالي ابني سعيد
الدولة عن حلب إلى مصر مع حرم سعد الدولة، في سنة أربع وتسعين
وثلاثمائة. وحصل الأمر له ولولده مرتضى الدولة أبي نصر
منصور بن لؤلؤ.
وقبض لؤلؤ على أحمد بن الحسين الأصفر بخديعة خدعه بها وذلك أنه طلب أن
يدخل إليه إلى حلب، وأوهمه أن يصير من قبله، فلما حصل عنده قبض عليه،
وجعله في القلعة مكرماً، لأنه كان يهول به على الروم.
وكان هذا الأضفر قد عبر من الجزيرة إلى الشام مظهراً غزو الروم، فتبعه
خلق، عظيم، وكان يكون في اليوم في ثلاثين ألفاً ثم يصير في يوم أخر في
عشرة آلاف وأكثر وأقل.
ونزل على شيزر وطال أمره فاشتكاه باسيل ملك الروم إلى الحاكم، فسير
إليه والي دمشق في عسكر عظيم فطرده عنها ودام الأصفر معتقلاً في قلعة
حلب إلى أن حصلت للمغاربة في سنة ست وأربعمائة.
وتوفي قاضي حلب أبو طاهر صالح بن جعفر بن عبد الوهاب بن أحمد
(1/111)
الصالحي الهاشمي، مؤلف كتاب الحنين إلى
الأوطان، في سنة سبع وتسعين وثلاثمائة. وكان فاضلاً، وأظن أن ولايته
القضاء كانت بعد أيام سعيد الدولة، بعد القاضي أبي محمد عبيد الله بن
محمد بن أحمد.
وولى لؤلؤ قضاء حلب في هذه السنة أبا الفضل عبد الواحد بن أحمد بن
الفضل الهاشمي.
وتوفي لؤلؤ الكبير بحلب في سلخ ذي الحجة من سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.
وقيل: ليلة الأحد مستهل المحرم سنة أربعمائة، ودفن بحلب، في مسجده
المعروف به، فيما بين باب اليهود وباب الجنان، وكانت داره القصر بباب
الجنان، وله منها إلى المسجد سرب يدخل فيه إلى المسجد، فيصلي فيه.
وكان لؤلؤ يعرف بلؤلؤ الحجراجي، ويعرف بذلك لأنه كان مولى حجراج، أحد
غلمان سيف الدولة، فأخذه منه وسماه لؤلؤ الكبير. وكان عاقلاً محباً
للعدل، شهماً وظهرت منه في بعض غزوات سيف الدولة شهامة، فتقدم على
جماعة رفقته من السيفية والسعدية.
منصور بن لؤلؤ
وتقررت إمارة حلب بعده لابنه أبي نصر منصور بن لؤلؤ ولقب مرتضى الدوله،
وكان ظالماً عسوفاً، فأبغضه الحلبيون وهجوه هجواً كثيراً فمما قيل فيه:
لم تلقب وإنما قيل فألا ... مرتضى الدولة التي أنت فيها
وسير مرتضى الدولة ولديه أبا الغنائم وأبا البركات إلى الحاكم وافدين
عليه، فأعطاهما مالاً جسيماً، وأقطعهما سبع ضياع في بلد فلسطين، ولقب
أباها مرتضى الدولة، وكان ذلك قبل موت لؤلؤ بسنة.
أبو الهيجاء بن سعد الدولة
وكان لسعد الدولة بن سيف الدولة بحلب ولد يقال له أبو الهيجاء، وكان قد
أوصى سعد الدولة لؤلؤاً لما مات به، فلما أن ملك لؤلؤ خاف منه، وضيق
عليه لؤلؤ
(1/112)
ومرتضى الدولة، وكان قد صاهر ممهد الدولة
أبا منصور أحمد بن مروان صاحب ديار بكر على ابنته، وأظن ذلك كان في
أيام أبيه.
فخاف أبو الهيجاء من لؤلؤ وابنه مرتضى الدولة، فتحدث مع رجل نصراني
يعرف بملكونا كان تاجراً وبزازاً لمرتضى الدولة، فأخرجه من حلب هارباً،
والتجأ إلى ملك الروم فلقبه الماخسطرس.
فلما كثر ظلم منصور وعسفه رغب الرعية وبنو كلاب المتدبرون ببلد حلب في
أبي الهيجاء بن سعد الدولة، وكاتبوا صهره ممهد الدولة بن مروان في
مكاتبة باسيل ملك الروم في إنفاذه إليهم.
فأنفذ إلى الملك يسأله تسيير أبي الهيجاء إليه ليتعاضدا على حلب، ويكون
من قبله من حيث لا يكلفه إنجاده برجال ولا مال.
فأذن باسيل لأبي الهيجاء في ذلك، فوصل إلى صهر بميافارقين، فسير معه
مائتي فارس وخزانه، وكاتب بني كلاب بالانضمام إليه.
وسار قاصداً حلب في سنة أربعمائة فخافه منصور، ورأى أن يستصلح بني كلاب
ويقطعهم عنه، لتضعف منته، فراسلهم ووعدهم بإقطاعات سنية، وحلف لهم أن
يساهمهم أعمال حلب البرانية.
واستنجد مرتضى الدولة بالحاكم، وشرط له أن يقيم بحلب والياً من قبله،
فأنفذ إليه عسكر طرابلس مع القاضي علي بن عبد الواحد ابن حيدرة قاضي
طرابلس، وأبي سعادة القائد والي طرابلس، في عسكر كثيف فالتقوا بالنقرة.
وتقاعد العرب عن أبي الهيجاء لما تقدم من وعود مرتضى الدولة لهم،
فانهزم أبو الهيجاء راجعاً إلى بلد الروم ونهبت خيامه وجميع ما كان
معه.
ثم دخل إلى القسطنطينية فأقام بها إلى أن مات.
وكان الحاكم قد كتب لمنصور بن لؤلؤ في شهر رمضان من سنة أربع وأربعمائة
(1/113)
سجلاً، وقرىء في القصر بالقاهرة، بتمليكه
حلب وأعمالها ولقب فيه بمرتضى الدولة.
وكان في قلعة عزاز غلام من غلمان مرتضى الدولة فاتهمه في أمر أبي
الهيجاء، فطلب مرتضى الدولة من النزول فلم يفعل، وخاف منه وقال: ما
أسلمها إلا إلى القاضي ابن حيدرة فسلمها إليه.
وكتب القاضي فيها كتاباً إلى الحاكم، وسلمها إلى مرتضى الدولة، فنقم
عليه، وقتله بعد ذلك.
وأما أبو الهيجاء فأقام بالروم إلى أن مات.
وعاد قاضي طرابلس إلى منصور يطلب منه ما كان وعده به، فدافعه، فرجع إلى
طرابلس خائباً.
وكان أبو المعالي بن سعيد الدولة بمصر، فسيره الحاكم بعساكر المغاربة
إلى حلب، فوصل معرة النعمان في سنة اثنتين وأربعمائة، وأرادت العرب
الغدر به، وبيعه من مرتضى الدولة، لأنهم أغاروا. وركب يريدهم، فأخذه
مضيء الدولة نصر الله بن نزال ورده إلى العسكر، ورجع فمات بمصر.
مرتضى الدولة وصالح بن مرداس
وأما بنو كلاب فانهم طلبوا من مرتضى الدولة ما شرطه لهم من الإقطاع،
فدافعهم عنه، فتسلطوا على بلد حلب، وعاثوا فيه، وأفسدوا، ورعوا الأشجار
وقطعوها، وضيقوا على مرتضى الدولة، فشرع في الاحتيال عليهم، وأظهر
الرغبة في استقامة الحال بينهم وبينه وطلبهم أن يدخلوا إليه ليحالفهم
ويقطعهم ويحضروا طعامه، واتخذ لهم طعاماً.
فلما حصلوا بحلب مد لهم السماط وأكلوا وغلقت أبواب المدينة، وقيد
الأمراء: وفيهم صالح بن مرداس، وفيهم أبو حامد وجامع ابنا زائدة. وجعل
كبار الأمراء بالقلعة، ومن دونهم بالهزي. وقتل منهم أكثر من ألف رجل،
وذلك
(1/114)
لليلتين خلتا من ذي القعدة من سنة اثنتين
وأربعمائة.
فجمع مقلد بن زائدة من كان من بني كلاب خارج حلب، وأجفل بالبيوت، ونزل
بهم كفر طاب وقاتلها، فرماه ديلمي اسمه بندار فقتله، في
أوائل سنة ثلاث وأربعمائة. وكان مرتضى الدولة قد أخرج أخويه أبا حامد
وجامعاً وغيرهما، وجعلهم في حجرة، وجعل فيها بسطاً، وأكرمهم لأجل مقلد.
فلما جاءه خبر قتله أنفذ إليهم يعزيهم به فقال بعضهم لبعض: اليوم
حبسنا.
وسير مرتضى الدولة إلى صالح بن مرداس، وهو في الحبس، وألزمه بطلاق
زوجته طرود، وكانت من أجمل أهل عصرها، فطلقها، وتزوجها منصور، وهي أم
عطية بن صالح، وإليها ينسب مشهد طرود، خارج باب الجنان، في طرف الحلبة.
وبه دفن عطية ابنها ومات أكثر المحبسين بالقلعة في الضر، والهوان،
والقلة، والجوع.
وكان مرتضى الدولة في بعض الأوقات إذا شرب يعزم على قتل صالح، لحنقه
عليه من طول لسانه، وشجاعته. فبلغ ذلك صالحاً، فخاف على نفسه، وركب
الصعب في تخليصها واحتال حتى وصل إليه في طعامه مبرد فبرد حلقة قيده
الواحدة، وفكها وصعبت الأخرى عليه، فشد القيد في ساقه، ونقب حائط
السجن، وخرج منه في الليل، وتدلى من القلعة إلى التل، وألقى نفسه فوقع
سالماً ليلة الجمعة مستهل المحرم سنة خمس وأربعمائة.
واستتر في مغارة بجبل جوشن، وكثر الطلب له والبحث عنه، عند الصباح فلم
يوقف له على خبر، ولحق بالحلة، واجتمعت إليه بنو كلاب، وقويت نفوسهم
بخلاصه، وبعد ستة أيام ظفر صالح بغلام لمنصور كان قد
أعطاه سيف صالح، فاستعاده منه وأيقن بالظفر، وتفاءل بذلك.
ولما كان اليوم العاشر من صفر نزل صالح بتل حاصد من ضياع النقرة يريد
(1/115)
قسمتها، بعد أن جمع العرب واستصرخهم، وكان
يعلم صالح محبة مرتضى الدولة لتل حاصد.
فحين علم منصور بنزول صالح على تل حاصد، رأى أن يعاجله قبل وصول المدد
إليه، فجمع جنده، وحشد جميع من بحلب من الأوباش، والسوقة، والنصارى،
واليهود وألزمهم بالسير معه إلى قتال صالح، فخرجوا ليلة الخميس ثاني
عشر صفر من سنة خمس وأربعمائة.
وبلغني: أن مرتضى الدولة لما وصل إلى جبرين تطير وقال: جبرنا فلما وصل
بوشلا قال: شللنا فلما وصل تل حاصد قال: حصدنا.
وأصبح عليهم يوم شديد الحر فماطلهم صالح باللقاء، إلى أن عطش العوام
وجاعوا وسير جاسوساً إلى العسكر فجاء وأخبره أن معظم عسكره
من اليهود، والنصارى، وأنه سمع يهودياً يقول لأخر بلغتهم: والك حفيظه
اطعزه واتأخر، وإياك يكون خلفه أخر يطعزك بمطعازه، ويخغب بيتك
للدواغيث.
فقوي طمع صالح فيهم، وحمل عليهم فكسرهم، وأسر مرتضى الدولة، وسالم بن
مستفاد أبا المرجا الحمداني وخلقاً غيرهما.
وقتل جمع كثير من العسكر ومقدار ألفي راجل من العوام، وآثار عظامهم إلى
اليوم مدفونة في أرجام حجارة شبيهة بالتلال، فيما بين تل حاصد وبوشلا.
وانهزم أبو الجيش وأبو سالم أخو مرتضى الدولة، وقصد القلعة فضبطها أبو
الجيش المفلول، وضبط البلد أخوه أبو الجيش وأمه.
وحدث بنو كلاب أنهم لم يروا ولم يسمعوا بأشجع من مرتضى الدولة، وأنه لو
لم يقف به الحصان ما وصلوا إليه، وأنه لما وقف به الحصان لم يقدم عليه
أحد
(1/116)
حتى جاءه صالح، فقال: إلي يا مولانا فرمى
السيف من يده، فلما رماه تقربوا منه وأخذه صالح فقيده بالقيد الذي كان
في رجله.
وكان بين هرب صالح وأسره مرتضى الدولة أحد وأربعون يوماً. ورأى صالح
أنه لا قدرة له على أخذ البلد لضبطه بأبي الجيش، فرأى
أن يوقع الصلح، فتراسلوا في ذلك، وأشركوا أبا الجيش في تقرير ذلك، فخرج
مشاريخ من أهل حلب من أبي الجيش في حديث الصلح وتقريره.
فلما وصلوا إلى صالح سلموا عليه غير هائبين له ولا مبخلين، لقرب عهدهم
برؤيته أسيراً حقيراً، وكلموه بكلام جاف، وراددوه في شروط شرطها عليهم،
فأحس منهم بذلك، فقال لهم: قبل أن نتفرق بيننا أمر، اجتمعوا بأميركم،
وشاوروه فيما تتحدثون به معي من الشروط.
قال: فقاموا، ودخلوا على مرتضى الدولة، وفيهم الشاهدان الفذان شهدا على
صالح بطلاق طرود، فوجدوا مرتضى الدولة على أقبح صورة مكشوف الرأس، على
قطعة من كساء خلق، والقيد قد أثر في ساقيه فاحتقروه، وعظم صالح في
أعينهم، فهنأوه بالسلامة، فقال: سلامة العطب أصلح منها، ثم قال: إن
الأمير صالح يطلب مني طلاق طرود، فاشهدوا علي أنها طالق، ويطلب مني
تسليم حلب، ولست الآن مالكها فدبروا الأمر على حسب ما ترونه ويستصوبه
أخي أبو الجيش، الذي هو الآن المستولي على القلعة والمدينة.
فلم يزالوا يترددون بينهما ويدخلون إلى حلب، ويشاورون أبا الجيش إلى أن
استقر الأمر مع صالح بعد التضرع إليه وسؤاله باللطف في كلام خلاف ما
بدأوه به على أن يطلق منصور على أن يحمل إليه خمسين ألف دينار عيناً
ومائة وعشرين رطلاً بالحلبي فضة، وخمسمائة قطعة ثياب أصنافاً مختلفة،
ويطلق جميع من في الحبوس من بني كلاب وحرمهم، وأن يقاسمه
باطن حلب وظاهرها شطرين، ويجعل ارتفاع ذلك نصفين، وأن يزوجه مرتضى
الدولة بابنته.
فأجاب إلى ذلك ووقعت اليمين عليه، وأخرج إلى صالح أمه بجيلا وزوجته أم
(1/117)
الكرم ابنة رباح السيفي، وأولاده منها: أبا
الغنائم، وأبا علي، وأبا الحسن، وأبا البركات، رهائن على المال.
وأطلق مرتضى الدولة فدخل إلى حلب يوم السبت لسبع بقين من صفر سنة خمس
وأربعمائة، فلما حمل المال إلى صالح، خلى سبيل الرهائن، وباع كل واحد
من العرب ما حصل في يده من الغنيمة والأسارى من الجند وغيرهم من الرعية
المسلمين وأهل الذمة لأهاليهم بما اتفق، واستغنى العرب وقويت شوكتهم.
ولما حصل منصور إلى حلب عاد إلى عادته الأولى في الغدر، ومنع صالحاً ما
صالحه عليه من ارتفاع البلاد والتزوج بابنته، فضيق صالح عليه، وحاربه،
ومنع الميرة أن تدخل إليه حتى ضاقت على الرعية فكرهوه.
وانضاف إلى ذلك أنه وقعت التهمة بين مرتضى الدولة وبين غلامه فتح
القلعي وكان والي القلعة في العاشر من شهر رجب من سنة ست، فاتهمه بأنه
هو الذي هرب صالحاً، وتتابع لومه له، وقال: لولا قلة تحفظه وتضجيعه
في الاحتياط على صالح لما هرب من السجن، وهذه المحن كلها بسببه.
وتواعده.
وعزم على أن يولي قلعة حلب صاحباً له يعرف بسرور، فأسر ذلك إليه فنم
الخبر من سرور إلى رجل يقال له ابن غانم صديق لفتح، فأطلعه على ذلك،
فخاف فتح القلعي منه، فوافق المقيمين معه على العصيان، فأجابوه إلى
ذلك.
وطلب نزوله فتعلل، وأخذ حذره منه، ثم كاشفه بالعصيان، فصعدت إليه
بجيلا، والدة مرتضى الدولة وعنفته، فلم يصغ إلى قولها، فقالت له: كيف
تفعل هذا مع ابن سيدك. لأنه كان مولى لؤلؤ السيفي فقال، كما فعل هو
وأبوه بأولاد سيده يعني بولدي سعد الدولة: أبي الفضائل وأبي الهيجاء.
ثم أنفذ فتح إلية وقال له: إما أن تخرج من حلب، وإلا سلمت القلعة إلى
(1/118)
صالح. فبينا مرتضى الدولة في قصره العتيق
بباب الجنان، في ليلة السبت لست بقين من شهر رجب سنة ست وأربعمائة، إذ
ضربت البوقات والطبول على القلعة، وصاح من فيها: الحاكم يا منصور صالح
يا منصور فظن منصور أن صالحاً قد حصل في القلعة، ففتح باب الجنان، وهرب
هو وأخوه، وأولاده، ومن تبعه من غلمانه إلى أنطاكية، وأخذ معه ما قدر
على حمله من المال.
فلما علم أهل حلب بخروجه قصدوا داره، فأخذوا منها من الذهب والفضة
والمراكب والأثاث ثمانين ألفاً من الدنانير.
وأخذ في جملة ما نهب له ثمانية وعشرون ألفاً من الدفاتر المجلدة، وكانت
مفهرسة بخطه في درج، ونهبوا دور إخوته ودور بعض النصارى واليهود.
ووصل مرتضى الدولة إلى أنطاكية لخمس بقين من شهر رجب، فطالع قطبان
أنطاكية الملك باسيل بهرب منصور إليه، فأنفذ إليه يأمره بإكرامه، وأن
يواصله براتب وإقامة، وكذلك برزق أجناده وأصحابه، ففعل ذلك، وكان
جملتهم سبعمائة رجل من فارس وراجل، وأن لا ينقصه في المخاطبة والكرامة
من الرسم الذي كان يخاطبه به في أيام إمارته، وأمر أن يلفب بالماخسطرس.
واستدعى الملك إخوته وابنيه أبا الغنائم وأبا البركات، فخلع عليهم،
وأنفذ على أيديهم توقيعاً بإقطاع عدة ضياع له ولهم، وكان من جملتها شيح
ليلون، فعمر مرتضى الدولة حصنها، وسكن فيه ليقرب عليه ما يحتاج إلى
معرفته من أمور حلب.
وأما مرتضى الدولة فإنه عمر إلى أن قدم أرمانوس من القسطنطينية، ونزل
على تبل في سنة إحد وعشرين وأربعمائة، وكان معه إذ ذاك. وتوفي بعد ذلك.
(1/119)
|