شذرات الذهب في أخبار من ذهب
السنة الأولى من
الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وتحية
قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة ضحى يوم الإثنين لثنتي عشرة
ليلة خلت من ربيع الأوّل.
وفيها توفي النقيبان أسعد بن زرارة النّجاريّ، والبراء بن معرور
السّلميّ [1] .
__________
[1] قلت: وفي السنة الأولى من الهجرة النبوية أيضا، أسس رسول الله صلى
الله عليه وسلم مسجد قباء، الذي نزل فيه قول الله تعالى: لَمَسْجِدٌ
أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى من أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ
فِيهِ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا، وَالله يُحِبُّ
الْمُطَّهِّرِينَ 9: 108 (التوبة/ 108) . انظر «تاريخ الطبري» (2/ 397)
و «تفسير ابن كثير» (2/ 387) و «البداية والنهاية» (3/ 209، 210) .
وفيها رأى عبد الله بن زيد رضي الله عنه الأذان، وأمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم بلالا رضي الله عنه أن ينادي بالأذان. انظر «تاريخ
خليفة بن خياط» ص (56) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/ 375) .
وفيها ولد عبد الله بن الزّبير رضي الله عنه، وكان أوّل مولود من
المهاجرين في دار الهجرة، فكبّر أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم حين
ولد، وذلك أن المسلمين كانوا قد تحدثوا أن اليهود يذكرون أنهم قد
سحروهم، فلا يولد لهم، فكان تكبيرهم ذلك سرورا منهم بتكذيب الله- عز
وجل- اليهود فيما قالوا من ذلك. انظر «تاريخ الطبري» (2/ 401) ، و
«الإصابة» لابن حجر (6/ 83- 88) .
وفيها شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء مسجده في المدينة
المنورة، وكان يشارك الصحابة رضوان الله عليهم في بنائه، وينقل اللّبن
والحجارة بيده الكريمتين. انظر «زاد المعاد» لابن قيم الجوزية (3/ 62)
بتحقيق والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وزميله الشيخ شعيب
الأرناؤوط، طبع مؤسسة الرسالة ببيروت، ومكتبة المنار الإسلامية في
الكويت.
(1/113)
وفي الثانية
حوّلت القبلة، وذلك في ظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان [1] .
وفيه فرض الصوم [2] .
وفي سابع عشر شهر رمضان منها يوم الجمعة كانت وقعة بدر، واستشهد من
المسلمين أربعة عشر، ستة من قريش وهم: عبيدة بن الحارث
__________
[1] وذلك حين نزل قوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في
السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها، فَوَلِّ وَجْهَكَ
شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2: 144 (البقرة: 144) . وكان ذلك بعد وصوله صلى
الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا،
كما ثبت ذلك في «الصحيحين» وغيرهما من حديث البراء بن عازب رضي الله
عنه. انظر «جامع الأصول» لابن الأثير (2/ 10- 12) بتحقيق والدي الشيخ
عبد القادر الأرناؤوط، و «زاد المعاد» لابن القيم (3/ 66- 69) .
[2] أي في شعبان، وذلك حين نزل قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَمن كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ 2: 185 (البقرة: 185) .
قال الحافظ ابن كثير: قال الإمام أحمد بن حنبل: وأما أحوال الصيام، فإن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة
أيام، وصام عاشوراء، ثم إن الله فرض عليه الصيام، وأنزل الله تعالى: يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ
عَلَى الَّذِينَ من قَبْلِكُمْ 2: 183 (البقرة: 183) ، إلى قوله تعالى:
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ 2: 184
(البقرة: 184) ، فكان من شاء صام، ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه،
ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي
أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ 2: 185 إلى قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ
مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ 2: 185 فأثبت الله صيامه على المقيم،
والصحيح، ورخص فيه للمريض، والمسافر، وثبت الإطعام للكبير الذي لا
يستطيع الصيام ... قال: وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم
يناموا فإذا ناموا امتنعوا، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له: صرمة
(1/114)
ابن عبد المطّلب بن عبد مناف المطّلبيّ،
وعمير [1] بن أبي وقّاص الزّهري، وذو الشّمالين [2] ، وعاقل بن البكير،
ومهجع مولى عمر، وهو يمانيّ من عكّ بن عدثان [3] ، وهو أول قتيل قتل
يومئذ، وصفوان بن بيضاء.
ومن الأنصار ثمانية، خمسة من الأوس وهم: سعد بن خيثمة، ومبشّر ابن عبد
المنذر، ويزيد [4] بن الحارث، وعمير بن الحمام [5] ، ورافع بن المعلّى،
وثلاثة من الخزرج [وهم] [6] حارثة بن سراقة، وعوف ومعوّذ ابنا عفراء،
رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
__________
ابن مالك كان يعمل صائما حتى أمسى فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام
فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح، فأصبح صائما، فرآه رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقد جهد جهدا شديدا، فقال: «ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا؟»
قال يا رسول الله: إني عملت أمس فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت، فأصبحت
حين أصبحت صائما. قال: وكان عمر- رضي الله عنه- قد أصاب من النساء بعد
ما نام، فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فأنزل الله عز
وجل [قوله] :
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ 2: 187
إلى قوله: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ 2: 187 (البقرة:
187) . انظر «تفسير ابن كثير» (1/ 214) . وللتوسع راجع «زاد المسير في
علم التفسير» لابن الجوزي (1/ 184- 188) بتحقيق والدي الشيخ عبد القادر
الأرناؤوط، وزميله الشيخ شعيب الأرناؤوط، طبع المكتب الإسلامي بدمشق.
[1] في الأصل، والمطبوع: «عمرو» وهو خطأ، والتصحيح من «الإصابة» و «أسد
الغابة» وكتب «السير» .
[2] ذو الشمالين: هو عمير بن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، حليف بني زهرة،
ذكر فيمن شهد بدرا، واستشهد بها، ولقب بذي الشمالين لأنه كان يعمل
بيديه جميعا. انظر «الإصابة» لابن حجر (3/ 217) و (6/ 335) ، و
«الاستيعاب» لابن عبد البر على هامش «الإصابة» (3/ 228) ، و «السيرية
النبوية» لابن هشام (2/ 681) ، و «تاريخ خليفة بن خياط» ص (59) .
[3] هو مهجع بن صالح، مولى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، من عكّ بن
عدثان، وفي الأصل والمطبوع: عك بن عدنان، قال الفيروزآبادي في «القاموس
المحيط» (3/ 324) :
وعكّ بن عدثان بالثاء المثلثة بن عبد الله بن الأزد، وليس ابن عدنان،
أخا معدّ.
[4] في الأصل، والمطبوع: «زيد بن الحارث» وهو خطأ، والتصحيح من
«الإصابة» لابن حجر (10/ 343) .
[5] في الأصل، والمطبوع: «عمير بن الجملة» وهو خطأ، والتصحيح من «أسد
الغابة» لابن الأثير (4/ 290) ، و «السيرة النبوية» لابن هشام (2/ 697)
، و «تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (2/ 39) .
[6] لفظة «وهم» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع.
(1/115)
وقتل من الكفار سبعون.
وفيها توفيت رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي شوال منها دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها
[1] .
وفيها بنى عليّ بفاطمة رضي الله عنهما.
وفيها توفي عثمان بن مظعون القرشيّ الجمحيّ، وهو أول من مات من
المهاجرين بالمدينة بعد رجوعه من بدر، وقبّله النّبيّ صلى الله عليه
وسلم وهو ميت، وكان يزوره، ودفن إلى جنبه ولده إبراهيم، وكان ممن حرّم
الخمر على نفسه قبل تحريمها، وكان عابدا مجتهدا، وسمع لبيد بن ربيعة
[2] ينشد:
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل
فقال: صدقت، فلما قال:
وكلّ نعيم لا محالة زائل
قال: كذبت، نعيم الجنة لا يزول، فقال لبيد: يا معشر قريش أكذّب في
مجلسكم، فلطم بعض الحاضرين وجهه لطمة اخضرت منها عينه، وذلك في أول
الإسلام، فقال له عتبة بن ربيعة: لو بقيت في منزلي [3] ما أصابك
__________
[1] وقيل في السنة الأولى، انظر «تاريخ الطبري» (2/ 398) .
[2] هو لبيد بن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن
عامر بن صعصعة الكلابي الجعفري، أبو عقيل، الشاعر الفحل، قال المرزباني
في «معجمه» : كان فارسا شجاعا، شاعرا سخيا، قال الشعر في الجاهلية
دهرا، ثم أسلم، ولما كتب عمر رضي الله عنه إلى عامله بالكوفة: سل
لبيدا، والأغلب العجلي: ما أحدثا من الشعر في الإسلام؟ فقال لبيد:
أبدلني الله عز وجل سورة البقرة، وآل عمران: فزاد عمر في عطائه، قال:
ويقال: إنه ما قال في الإسلام إلا بيتا واحدا:
ما عاتب المرء اللّبيب كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح
ويقال: بل قوله:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى لبست من الإسلام سربالا
مات سنة (41) هـ. انظر «الإصابة» لابن حجر (9/ 6- 10) ، و «تهذيب
الأسماء واللغات» للنووي (2/ 70، 71) ، و «الأعلام» للزركلي (5/ 240) .
[3] في المطبوع: «لو بقيت في نزلي» .
(1/116)
شيء، وكان قد ردّ عليه جواره، فقال له
عثمان: إن عيني الأخرى لفقيرة إلى ما أصاب أختها في سبيل الله [1] .
وفيها ولد عبد الله بن الزّبير، وقيل: في الأولى [2] .
__________
[1] انظر خبر هذه القصة في «السيرة النبوية» لابن هشام (1/ 370، 371) و
«الإصابة» لابن حجر (9/ 7- 8) في ترجمة لبيد.
[2] انظر التعليق على حوادث السنة الأولى.
(1/117)
السنة الثالثة
في نصف رمضان منها ولد الحسن بن عليّ [1] رضي الله عنهما، وأما الحسين
فمقتضى ما ذكروه في مدّة عمرهما، وتاريخ ولادتهما، أن يكون ولد في
الخامسة، ولم يظهر كما سيأتي من تاريخ وفاتهما ما يقتضي ما ذكروه
فليتأمل.
وقال القرطبي: ولد الحسن في شعبان من الرابعة، وعلى هذا ولد الحسين قبل
تمام السنة من ولادة الحسن، ويؤيده ما ذكره الواقدي، أن فاطمة علقت
بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة، وجزم النواويّ في «التهذيب» [2]
أن الحسن ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة.
وقيل: لم يكن بين ولادتهما إلا طهر واحد [3] .
__________
[1] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (3/ 246) : مولده في شعبان سنة
ثلاث من الهجرة.
وقيل: في نصف رمضانها.
وجزم ابن حجر في «الإصابة» (2/ 242) والنووي في «تهذيب الأسماء
واللغات» (1/ 158) ، والطبري في «تاريخه» (2/ 537) ، وابن الأثير في
«الكامل» (2/ 166) ، بأن ولادته رضي الله عنه كانت في نصف رمضان من سنة
ثلاث من الهجرة كما ذكر المؤلف.
[2] «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 163) . قال الذهبي: وهو قول الزّبير:
انظر «سير أعلام النبلاء» (3/ 280) .
[3] وهو قول الإمام جعفر الصادق رحمه الله. انظر «سير أعلام النبلاء»
(3/ 280) ، و «الإصابة» (2/ 248) ، و «تهذيب الأسماء واللغات» (1/ 163)
.
(1/118)
وفي رمضان منها دخل صلى الله عليه وسلم
بحفصة، ودخل بزينب بنت جحش، وبزينب بنت خزيمة العامريّة أمّ المساكين،
وعاشت عنده نحو ثلاثة أشهر ثم توفيت.
وفيها تزوج عثمان أمّ كلثوم بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وفيها تحريم الخمر [1] .
__________
[1] وذلك حين نزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ من عَمَلِ
الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 5: 90 (المائدة:
90) . انظر «تفسير ابن كثير» (2/ 91- 97) .
والأحاديث في تحريم الخمر كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «كلّ
مسكر خمر وكلّ مسكر حرام» الذي رواه مسلم في «صحيحه» رقم (2003) ، وأبو
داود في «سننه» رقم (3639) ، والترمذي في «سننه» رقم (1862) ، والنسائي
في «المجتبى» (8/ 297) ، وابن ماجة في «سننه» رقم (3390) ، وأحمد في
«المسند» (2/ 16 و 29 و 31 و 105 و 134 و 137) من حديث عبد الله بن عمر
بن الخطاب رضي الله عنهما. وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أسكر كثيره
فقليله حرام» الذي رواه أبو داود رقم (3681) ، والترمذي رقم (1866) من
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ولتمام الفائدة انظر «جامع
الأصول» لابن الأثير (5/ 89- 118) .
وقال الإمام ابن القيم: فأما تحريم بيع الخمر، فيدخل فيه تحريم بيع كل
مسكر، مائعا، كان، أو جامدا، عصيرا، أو مطبوخا، فيدخل فيه عصير العنب،
وخمر الزبيب، والتمر، والذّرة، والشعير، والعسل، والحنطة، واللقمة
الملعونة، لقمة الفسق والقلب، التي تحرك القلب الساكن إلى أخبث
الأماكن، فإن هذا كلّه خمر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح
الصريح الذي لا مطعن في سنده، ولا إجمال في متنه، إذ صح عنه قوله: «كل
مسكر خمر» ، وصح عن أصحابه رضي الله عنهم الذين هم أعلم الأمة بخطابه
ومراده: أن الخمر ما خامر العقل، فدخول هذه الأنواع تحت اسم الخمر،
كدخول جميع أنواع الذهب والفضة، والبرّ، والشعير، والتمر والزبيب، تحت
قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الذهب بالذهب، والفضة بالفضة،
والبرّ بالبرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح إلا
مثلا بمثل» ، فكما لا يجوز إخراج صنف من هذه الأصناف عن تناول اسمه له،
فهكذا لا يجوز إخراج صنف من أصناف المسكر عن اسم الخمر، فإنه يتضمن
محذورين.
أحدهما: أن يخرج من كلامه ما قصد دخوله فيه.
والثاني: أن يسرع لذلك النوع الذي أخرج حكم غير حكمه، فيكون تغييرا
لألفاظ الشارع ومعانيه، فإنه إذا سمّى ذلك النوع بغير الاسم الذي سمّاه
به الشارع، أزال عنه حكم ذلك المسمّى، وأعطاه حكما آخر.
(1/119)
ووقعة أحد يوم السبت السابع من شوال، وصحح
بعضهم أنها في الحادي عشر منه، وقتل فيها حمزة رضي الله عنه عمّ
النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد أن قتل جماعة، وكان إسلامه في السنة
الثانية، وقيل: في السادسة من المبعث، ولم يسلم من إخوته سوى العباس
رضي الله عنه، وكانوا تسعة، وقيل: عشرة، وقيل: اثني عشر، ولما وقف صلى
الله عليه وسلم يوم أحد ورأى ما به من المثلة حلف ليمثّلنّ بسبعين
منهم، فنزل قوله تعالى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما
عُوقِبْتُمْ به 16: 126 [النحل: 126] الآية، فقال: «بل نصبر» وكفّر عن
يمينه [1] .
وفي ذي القعدة منها [2] . كانت غزوة بدر الصغرى [3] ، وغزوة بني
النّضير، والصواب أنها في الرابعة [4] .
__________
ولما علم النبيّ صلى الله عليه وسلم أن من أمته من يبتلى بهذا، كما
قال: «ليشربنّ ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها» . قضى قضية كلية
عامة لا يتطرق إليها إجمال، ولا احتمال، بل هي شافية كافية، فقال: «كل
مسكر خمر» . «زاد المعاد» (5/ 747، 748) . وانظر التعليق عليه.
[1] انظر «جامع الأصول» لابن الأثير (2/ 209، 210) ، و «تفسير ابن
كثير» (2/ 592) .
[2] أي من السنة الثالثة للهجرة.
[3] وتسمى: بدر الثالثة، وبدر الموعد.
[4] انظر خبر بني النضير في «سيرة ابن هشام» (2/ 190- 194) ، وابن سعد
في «الطبقات» (2/ 57- 59) ، و «تاريخ الطبري» (3/ 36) ، و «سيرة ابن
كثير» (3/ 145) ، وابن سيد الناس (2/ 48) ، و «شرح المواهب اللدنية»
للزرقاني (2/ 79- 86) ، و «المصنف» لعبد الرزاق رقم (9732) .
(1/120)
السنة الرابعة
في صفر منها غزوة بئر معونة [1] وكانوا سبعين، وقيل: أربعين [2] .
وفي ربيع الأول منها غزوة بني النّضير [3] نزلوا صلحا، وارتحلوا إلى
خيبر.
وفي محرّمها غزوة ذات الرّقاع [4] ، وغزوة الخندق عند بعضهم [5] ، وكان
مقام الأحزاب فيها خمسة عشر يوما، وقيل: أكثر من عشرين يوما.
وفيها نزل التميم، وقصة الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها.
__________
[1] انظر ملخص هذه الوقعة في «زاد المعاد» لابن قيم الجوزية (3/ 246) .
[2] في الأصل: وقيل: أربعون، وفي المطبوع: أربعين، وهو أصوب.
[3] انظر التعليق رقم (4) في الصفحة السابقة.
[4] وهي غزوة نجد. وسميت ذات الرقاع، لأنهم رقعوا فيها راياتهم، أو لما
كانوا يربطون على أرجلهم من الخرق من شدة الحر. قال النووي في «تهذيب
الأسماء واللغات» (1/ 20) والأصح أن غزوة ذات الرقاع في سنة خمس من
الهجرة.
[5] وهو الصحيح، ففي «الصحيحين» عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: عرضت
على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم
يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.
(1/121)
السنة الخامسة
فيها صلاة الخوف عند بعضهم، وغزوة دومة الجندل [1] ، وغزوة ذات الرّقاع
عند بعضهم [2] ، وقيل: وغزوة الخندق [3] ، ثم غزوة بني قريظة، وصحح في
«الروضة» أن الخندق في الرابعة، وبني قريظة في الخامسة، وجزم ابن ناصر
الدّين [4] ، أنهما في الخامسة كما سيأتي، وهذا هو الصحيح، لأنه توجّه
صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة في اليوم الذي انصرف فيه من الأحزاب.
وفيها توفي سعد بن معاذ سيّد الأوس، واهتزّ لموته عرش الرّحمن [5] .
__________
[1] وهي على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول صلى الله عليه
وسلم، وسميت (دومة الجندل) لأن حصنها مبني بالجندل، وهي الحجارة. انظر
«معجم البلدان» لياقوت (2/ 487، 489) ، و «الروض المعطار» ص (245) .
[2] وهو الأصح.
[3] والصحيح أنها كانت في الرابعة، كما قال النووي في «تهذيب الأسماء
واللغات» (1/ 20) .
[4] هو محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد القيسي الدمشقي
الشافعي، شمس الدين، الشهير بابن ناصر الدّين، الإمام الحافظ المؤرخ،
صاحب التصانيف المتنوعة، المتوفى سنة (842) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي
(6/ 237) .
[5] روى البخاري في «صحيحه» (7/ 93) في فضائل سعد بن معاذ، ومسلم رقم
(2467) في فضائل سعد، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اهتز العرش لموت سعد بن معاذ» .
وسعد بن معاذ الأنصاري الأوسي، من الأبطال من أهل المدينة، رمي بسهم
يوم الخندق فمات من أثر جرحه ودفن بالبقيع سنة (4) هـ. وانظر «سير
أعلام النبلاء» للذهبي (1/ 279- 297) .
(1/122)
|