شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وأربعين
فيها ولي الرّبيع بن زياد الحارثيّ سجستان، فزحف كابل شاه في جمع من
الترك وغيرهم، فالتقوا على بست [1] ، فهزمهم [2] .
وفيها توفّي عبد الرّحمن بن خالد بن الوليد مسموما على ما قيل، وكان
أحد الأجواد، وكان بيده لواء معاوية يوم صفّين، وكان أخوه مهاجر مع
عليّ رضي الله عنه، وقيل: إن معاوية خطب النّاس حين كبر وأسنّ،
واستشارهم فيمن يستخلف، وكان مراده أن يشيروا بيزيد، فأشاروا بعبد
الرّحمن بن خالد، وغزا عبد الرّحمن الرّوم غير مرّة [3] .
__________
[1] قال ياقوت: بست: بالضم مدينة بين سجستان، وغزنين، وهراة، وأظنّها
من أعمال كابل.
وقال السمعاني: بلدة من بلاد كابل بين هراة وغزنة، وهي بلدة حسنة كثيرة
الخضر، والأنهار، والبساتين.
قلت: وهي الآن في إيران. وقد أنجبت هذه البلدة عددا كبيرا من العلماء
في القرون الهجرية الأولى. انظر «معجم البلدان» (1/ 414- 419) ، و
«الأنساب» (2/ 208- 210) ، و «الروض المعطار» للحميري ص (113) .
[2] انظر هذا الخبر في «تاريخ خليفة بن خياط» ص (208) ، و «تاريخ
الإسلام» للذهبي (2/ 211) .
[3] قلت: وفي هذه السنة حج بالناس عتبة بن أبي سفيان. انظر «تاريخ
خليفة بن خياط» ص (208) ، و «تاريخ الطبري» (5/ 228) ، و «الكامل» لابن
الأثير (3/ 454) .
(1/239)
سنة سبع وأربعين
فيها غزا رويفع بن ثابت الأنصاريّ أمير طرابلس إفريقية، فدخلها ثم
انصرف.
وفيها حجّ بالنّاس عنبسة بن أبي سفيان.
وفيها جمعت التّرك فالتقاهم [1] عبد الله بن سوّار العبديّ ببلاد
القيقان [2] ، فاستشهد عبد الله، وعامّة جنده، وغلبت التّرك على
القيقان [3] .
__________
[1] في المطبوع: «فالتقى بهم» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «بلاد القيفان» وهو تصحيف.
قال ياقوت: وقيقان: بلاد قرب طبرستان. انظر «معجم البلدان» (4/ 423) .
وانظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (208) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/
211) ، و «دول الإسلام» للذهبي (1/ 35) .
قلت: والقيقان الآن في بلاد إيران.
[3] قلت: وفيها شتّى مالك بن هبيرة في أرض الروم، وشتّى أبو عبد
الرّحمن القيني في أنطاكية. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (208) ، و
«تاريخ الطبري» (5/ 229) ، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 211) .
وفيها ولي على العراق زياد بن أبيه، فوجه على أرض الهند سنان بن سلمة
الهذلي عوض ابن سوار الذي استشهد. عن «دول الإسلام» للذهبي (1/ 35) .
(1/240)
سنة ثمان وأربعين
فيها توجّه سنان بن سلمة بن المحبّق الهذلي [1] واليا على الهند عوض
عبد الله بن سوّار.
وقتل بسجستان عبد الله بن عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ، وكان مولده
بالحبشة [2] .
والحارث بن قيس الجعفيّ [3] ، صاحب ابن مسعود [4] .
__________
[1] في الأصل: «ابن الحنف المندلي» وهو خطأ، والتصحيح من المطبوع،
والمصادر التي بين أيدينا.
[2] انظر «الإصابة» لابن حجر (6/ 188) ، و «أسد الغابة» لابن الأثير
(3/ 360) ، ففيهما ترجمة موسعة ومفيدة له رضي الله عنه.
[3] قلت: وذكره الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/ 215) فيمن مات سنة
خمسين. وانظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 74، 76) .
[4] قلت: وفيها حج بالناس مروان بن الحكم. انظر «تاريخ الطبري» (5/
231) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 457) .
وفيها كان مشتى أبي عبد الرحمن القيني أنطاكية، وصائفة عبد الله بن قيس
الغزاري، وغزوة مالك بن هبيرة السّكوني البحر، وغزوة عقبة بن عامر
الجهني بأهل مصر البحر، وبأهل المدينة، وعلى أهل المدينة المنذر بن
الزهير، وعلى جميعهم خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد. انظر
«تاريخ الطبري» (5/ 231) ، و «الكامل» لابن الأثير (3/ 456) .
وفيها وجّه زياد بن أبيه غالب بن فضالة الليثي على خراسان، وكانت له
صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. انظر «تاريخ الطبري» (5/ 231) ،
و «الكامل» لابن الأثير (3/ 457) .
(1/241)
سنة تسع وأربعين
في ربيع الأول منها توفّي سيّد شباب أهل الجنة، سبط رسول الله صلى الله
عليه وسلم [وريحانته، أبو محمد] [1] الحسن بن عليّ بن أبي طالب كرّم
الله وجهه، والأكثر [2] على أنه توفي سنة خمسين بالمدينة عن سبع
وأربعين سنة، ومناقبه كثيرة.
روي أنه حج خمسا وعشرين حجة ماشيا، والنجائب [3] بين يديه، وخرج عن
ماله ثلاث مرات، وشاطره مرّتين، وأعطى إنسانا يسأله خمسين ألف درهم،
وخمسمائة دينار، وأعطى حمّال ذلك طّيلسانه [4] ، وقال: يكون كراؤه من
عندي، ومرّ بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه، فنزل عن فرسه،
__________
وفيها مات خزيمة الأسدي، كما ذكر الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/ 215)
ولم أقف على اسمه عند غيره فيما بين يديّ من كتب التاريخ والتراجم.
[1] قوله: «وريحانته أبو محمد» سقط من الأصل، وأثبتناه من المطبوع.
[2] تحرفت هذه اللفظة في الأصل إلى «وأكثر» .
[3] في الأصل والمطبوع: «والجنائب بين يديه» وهو خطأ، والصواب ما
أثبتناه. والنجائب، جمع نجيبة. وهي الناقة، يقال: ناقة نجيب ونجيبة،
والمعنى حج ماشيا والنوق بين يديه.
[4] قال ابن منظور: الطّيلسان: ضرب من الأكسية ... وحكي عن الأصمعي أنه
قال: الطيلسان ليس بعربي، قال: وأصله فارسيّ، إنما هو تالسان فأعرب.
«لسان العرب» «طلس» (4/ 2689) .
(1/242)
وأكل معهم، ثم حملهم إلى منزله، فأطعمهم،
وكساهم، وقال: البدء لهم، لأنهم لم يجدوا إلا ما أطعموني، ونحن نجد
أكثر منه، وبلغه أن أبا ذرّ قال:
الفقر أحبّ إليّ من الغنى، والسّقم أحبّ إليّ من الصّحة، فقال: يرحم
الله أبا ذر أنا أقول: من اتكل على حسن اختيار الله، لم يحبّ غير ما
اختاره [1] .
__________
[1] قلت: وفيها قتل زياد بن أبيه بالبصرة الخطيم الباهلي الخارجي أحد
بني وائل واسمه زياد بن مالك. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (209) ، و
«تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 211) .
وفيها حج بالناس سعيد بن العاص. انظر «تاريخ خليفة» ص (209) ، و «تاريخ
الإسلام» للذهبي (2/ 212) ، و «تاريخ الطبري» (5/ 233) .
(1/243)
سنة خمسين
فيها توفي عبد الرّحمن بن سمرة العبشميّ من مسلمة الفتح، قال له النبيّ
صلى الله عليه وسلم: «لا تسأل الإمارة» [1] الحديث، افتتح سجستان،
وكابل أميرا لعبد الله بن عامر.
وفيها توفي كعب بن مالك الأنصاريّ السّلمي مؤاخي طلحة بن عبيد الله،
وهو أحد الثلاثة الذين خلّفوا وتاب الله عليهم، وأحد شعراء النبيّ صلى
الله عليه وسلم المجيبين عنه عدّوه، وشهد المشاهد غير تبوك، ذهب بصره
في آخر عمره وهو القائل:
__________
[1] قطعة من حديث رواه البخاري رقم (6622) في الإيمان والنذور: باب قول
الله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ الله بِاللَّغْوِ في أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ
يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ
عَشَرَةِ مَساكِينَ من أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ
كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ
ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ
وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ، كَذلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آياتِهِ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 5: 89 [المائدة: 89] ، و (6722) في كفارات
الأيمان: باب الكفارة قبل الحنث وبعده، و (7146) في الأحكام: باب من لم
يسأل الإمارة أعانه الله عليها، (7147) باب من سأل الإمارة وكل إليها،
ومسلم رقم (1652) في الأيمان: باب ندب من حلف يمينا فرأى غيرها خيرا
منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه، وأبو داود رقم (2929) في
الخراج والإمارة: باب ما جاء في طلب الإمارة، والترمذي رقم (1529) في
النذور والأيمان: باب ما جاء فيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها،
وأحمد في «المسند» (5/ 63) .
(1/244)
جاءت سخينة [كي] [1] تغالب ربّها ...
فليغلبنّ مغالب الغلّاب [2]
فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لقد شكرك الله يا كعب على قولك
هذا» [3] . وفيها مات المغيرة بن شعبة الثقفيّ، أسلم عام الخندق، وولي
العراق لعمر، وغيره، وكان من رجال الدّهر حزما، وعزما، ورأيا، ودهاء،
يقال: إنه أحصن ثلاثمائة امرأة، وقيل ألف امرأة، ولّاه عمر البصرة ثم
الكوفة.
وفيها توفّيت أمّ المؤمنين صفيّة بنت حيي بن أخطب الإسرائيليّة،
الهارونيّة، وكانت جميلة فاضلة، كفاها فضلا ونبلا زواج النبيّ صلى الله
عليه وسلم، وأوتيت أجرها مرّتين، جاءت جاريتها عمر فقالت: إن صفيّة
تحبّ السّبت، وتصل اليهود، فبعث إليها عمر يسألها عن ذلك، فقالت: أمّا
السّبت فلم أحبّه، وقد أبدلني الله يوم الجمعة، وأمّا اليهود، فإنّ لي
فيهم رحما، وقالت للجارية:
ما حملك على هذا؟ قالت: الشيطان، قالت: اذهبي فأنت حرّة لوجه الله
تعالى [4] .
وفيها غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية، وقيل: في سنة إحدى وخمسين [5] .
__________
[1] لفظة «كي» سقطت من الأصل، وأثبتناها من المطبوع.
[2] البيت في «السيرة النبوية» لابن هشام (2/ 261) ، وجاء في حاشيتها،
سخنية: لقب قريش في الجاهلية، وذكروا أن قصيا كان إذا ذبح ذبيحة أو نحر
نحيرة بمكة أتى بعجزها فصنع منه خزيرة- وهو لحم يطبخ ببر- فيطعمه
الناس، فسميت قريش بها سخينة. وقيل: إن العرب كانوا إذا أسنتوا أكلوا
العلهز، وهو الوبر والدم، وتأكل قريش الخريزة، فنفست عليهم ذلك،
فلقبوهم سخينة.
[3] انظر «السيرة النبوية» لابن هشام (2/ 261) .
[4] جملة: «لوجه الله تعالى» سقط من المطبوع.
[5] لفظة «وخمسين» سقطت من المطبوع.
(1/245)
|