شذرات الذهب في أخبار من ذهب
[المجلد
الثاني]
سنة إحدى ومائة
في رجب منها توفي الخليفة العادل، أمير المؤمنين وخامس الخلفاء
الرّاشدين أبو حفص عمر بن عبد العزيز [1] بن مروان الأمويّ بدير سمعان
من أرض المعرّة [2]
__________
[1] في المطبوع: «عمر بن العزيز» وهو خطأ.
[2] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/ 144) : روى خليفة بن خيّاط
وغيره، أن عمر بن عبد العزيز مات يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة إحدى
ومائة بدير سمعان من أرض حمص. قال: وإنما هو من أرض المعرّة، ولكن
المعرّة كانت من أعمال حمص هي وحماة.
قلت: وذكر ابن قتيبة في «المعارف» ص (363) ، والسّيوطي في «تاريخ
الخلفاء» ص (246) بأنه توفي في دير سمعان من أرض حمص. وفي ذلك تأييد
لما ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» ، وتقوية لما ذهب إليه المؤلف
ابن العماد رحمه الله.
واضطرب الفيروزآبادي في «القاموس المحيط» والزبيدي في «تاج العروس»
(دير) في تحديد مكان وفاته، فجزما بأنه مات بدير سمعان من أرض دمشق وبه
دفن، ثم ذكرا في مادة (سمع) بأنه دفن في دير سمعان من أرض حمص.
وجزم ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 517) ، والحميري في «الروض المعطار»
ص (251) بأنه دفن في دير سمعان بنواحي دمشق. قال ياقوت: وروي أن صاحب
الدير دخل على عمر بن عبد العزيز في مرضه الذي مات فيه بفاكهة أهداها
له، فأعطاه ثمنها، فأبى الدّيراني أخذه، فلم يزل به حتى قبض ثمنها، ثم
قال: يا ديراني إني بلغني أن هذا الموضع ملككم، فقال: نعم، فقال: إني
أحب أن تبيعني منه موضع قبر سنة، فإذا حال الحول فانتفع به.
فبكى الدّيرانيّ، وباعه، فدفن فيه. وقال كثيّر:
سقى ربّنا من دير سمعان حفرة ... بها عمر الخيرات رهنا دفينها
(2/5)
وله أربعون سنة [1] وخلافته سنتان وستة
أشهر وأيام كخلافة الصّدّيق، وكان أبيض جميلا نحيف الجسم، حسن اللحية،
بجبهته أثر حافر فرس شجّه وهو صغير، فلذا كان يقال: أشجّ بني أميّة،
يذكر أن في «التوراة» أشجّ بني أميّة تقتله خشية الله، حفظ القرآن في
صغره، وبعثه أبوه من مصر إلى المدينة فتفقه بها حتى بلغ رتبة [2]
الاجتهاد. جده لأمه عاصم بن عمر بن الخطّاب، وذلك أن عمر خرج طائفا ذات
ليلة فسمع امرأة تقول لبنيّة لها:
اخلطي الماء في اللبن، فقالت البنية: أما سمعت منادي عمر بالأمس ينهى
عنه؟ فقالت: إنّ عمر لا يدري عنك، فقالت البنية: والله ما كنت لأطيعه
علانية وأعصيه سرّا، فأعجب عمر عقلها، فزوجها ابنه عاصما، فهي جدة عمر
بن عبد العزيز.
قال السيد الجليل رجاء بن حيوة [3] : استشارني سليمان بن عبد الملك
فيمن يعهد إليه بالخلافة، فأشرت بعمر، فقال: فكيف ببني عبد الملك؟!
فقلت: اكتب العهد واختمه وبايع لمن فيه، ففعل، فلما مات كتمنا موته، ثم
قلت: بايعوا لأمير المؤمنين ثانيا على السمع والطاعة لمن في الكتاب،
ففعلوا، فقلت: أعظم الله أجركم في أمير المؤمنين، ثم أخرجت الكتاب
__________
صوابح من مزن ثقالا غواديا ... دوالح دهما ماخضات دجونها
وقال الشريف الرضي:
يا بن عبد العزيز لو بكت العي ... ن فتى من أميّة لبكيتك
أنت أنقذتنا من السّبّ والشت ... م فلو أمكن الجزا لجزيتك
دير سمعان لا عدتك العوادي ... خير ميت من آل مروان ميتك
وانظر «آثار البلاد وأخبار العباد» للقزويني ص (196) .
[1] قلت: وفي «المعارف» أنه كان ابن تسع وثلاثين سنة. وفي «سير أعلام
النبلاء» ، و «تاريخ الخلفاء» أنه كان ابن تسع وثلاثين سنة ونصف السنة.
[2] في المطبوع: «مرتبة» .
[3] في الأصل: «رجاء بن حياة» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع وهو
الصواب، وانظر ترجمته في ص (64) من هذا المجلد.
(2/6)
فوجموا [1] ولم يقولوا شيئا، ثم خرجوا في
جنازته ركبانا، وخرج عمر يمشي، فلما رجعوا [2] أرسل عمر إلى نسائه من
أرادت منكن الدّنيا فلتلحق بأهلها، فإن عمر قد جاءه شغل شاغل، فسمعت
النوائح في بيته يومئذ.
وقال أيضا: قوّمت ثياب عمر وهو يخطب باثني عشر درهما، وكانت حلته قبل
ذلك بألف درهم لا يرضاها، وقال: إن لي نفسا ذوّاقة توّاقة، كلما ذاقت
شيئا تاقت [إلى] [3] ما فوقه، فلما ذاقت الخلافة- ولم يكن شيء في
الدّنيا فوقها- تاقت إلى ما عند الله في الآخرة، وذلك لا ينال إلّا
بترك الدّنيا.
ومن كلامه- رضي الله عنه-: ينبغي في القاضي خمس خصال:
العلم بما يتعلق به، والحلم عند الخصومة، والزّهد عند الطمع، والاحتمال
للأئمة، والمشاورة لذوي العلم.
وعاتب مسلمة بن عبد الملك أخته فاطمة زوجة عمر في ترك غسل ثيابه في
مرضه [4] فقالت: إنه لا ثوب له غيره.
وكان مع عدله وفضله حليما رقيق الطبع.
ومن ألطف ما حكي عنه ما ذكره في «مروج الذهب» [5] قال: كان رجل من
[أهل] العراق أتى المدينة [6] في طلب جارية وصفت له قارئة [7] قوّالة،
__________
[1] أي: سكتوا على غيظ. انظر «لسان العرب» (وجم) .
[2] تحرفت في الأصل إلى «رجوا» ، وأثبت ما في المطبوع.
[3] لفظه «إلى» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. وتاقت أي: اشتاقت.
[4] في المطبوع: «في مرض» وهو تحريف.
[5] «مروج الذهب» (3/ 197- 199) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد
الحميد، والمؤلف ينقل عنه بتصرف.
[6] في الأصل، والمطبوع: «كان رجل من المدينة أتى العراق» وهو خطأ،
والتصحيح من «مروج الذهب» ولفظة «أهل» التي بين حاصرتين زيادة منه.
[7] تحرفت في «مروج الذهب» إلى «قارثة» فتصحح فيه.
(2/7)
فسأل عنها، فوجدها عند قاضي البلد، فأتاه،
ثم سأله أن يعرضها عليه، فقال:
يا عبد الله لقد أبعدت الشّقّة [1] في طلب هذه الجارية، فما رغبتك
فيها؟ لما رأى من شدة إعجابه [بها] [2] قال: إنها تغنّي فتجيد، فقال
القاضي:
ما علمت بهذا، فألح عليه في عرضها، فعرضت [3] بحضرة مولاها القاضي،
فقال لها الفتى: هات، فتغنّت [4] :
إلى خالد حتّى أنخن [5] بخالد ... فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمّل
ففرح القاضي بجاريته وسرّ بها [6] ، وغشيه من الطرب أمر عظيم حتّى
أقعدها على فخذه وقال: هات بأبي أنت وأمي شيئا، فتغنّت [7] :
أروح إلى القصّاص كلّ عشيّة ... أرجّي ثواب الله في عدد الخطا
فزاد الطرب على القاضي، ولم يدر ما يصنع، فأخذ نعله فعلّقها في أذنه
وجثا على ركبتيه، وجعل يأخذ بإحدى أذنيه [8] والنعل معلّق فيها ويقول:
أهدوني [إلى البيت الحرام] [9] فإني بدنة، فلما أمسكت قال للفتى: يا
حبيبي، انصرف، فقد كنا فيها راغبين قبل أن نعلم أنها تقول، ونحن الآن
فيها أرغب، فانصرف الفتى، وبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فقال:
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «أجدت الشقة» وهو خطأ، والتصحيح من «مروج
الذهب» . والشّقّة:
بعد مسير إلى الأرض البعيدة، والشّقّة أيضا السفر الطويل. انظر «لسان
العرب» (شقق) .
[2] لفظة «بها» سقطت من الأصل والمطبوع، واستدركتها من «مروج الذهب» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «فعرضها» وأثبت ما في «مروج الذهب» .
[4] في «مروج الذهب» : «فغنت» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «حتى أنخنا» والتصويب من «مروج الذهب» .
[6] في «مروج الذهب» : «وسرّ بغنائها» .
[7] في «مروج الذهب» : «فغنت» .
[8] في «مروج الذهب» : «وجعل يأخذ بطرف أذنه» .
[9] ما بين حاصرتين زيادة من «مروج الذهب» .
(2/8)
قاتله الله، لقد استرقّه الطّرب، وأمر
بصرفه عن عمله [1] ، فلما صرف قال:
نساؤه طوالق، لو سمعها عمر لقال: اركبوني فإني مطية، فبلغ ذلك عمر،
فأشخصه، وأشخص الجارية، فلما دخلا على عمر، قال له: أعد ما قلت، قال:
نعم، فأعاده، ثم قال للجارية: قولي، فتغنّت [2] :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكّة سامر
بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف اللّيالي والجدود العواثر [3]
فما فرغت [من هذا الشعر] [4] حتّى طرب عمر طربا بيّنا [5] ، وأقبل
يستعيدها ثلاثا، وقد بلّت دموعه لحيته، ثم أقبل على القاضي فقال:
لقد قاربت في يمينك، ارجع إلى عملك راشدا. انتهى.
وبالجملة فمناقبه عديدة قد أفردت بالتصنيف.
ومما رثاه به جرير:
لو كنت أملك والأقدار غالبة ... تأتي رواحا وتبيانا [6] وتبتكر
رددت عن عمر الخيرات مصرعه ... بدير سمعان لكن يغلب القدر [7]
وفيها، أو في سنة مائة، توفي ربعيّ بن حراش أحد علماء الكوفة وعبّادها،
__________
[1] في «مروج الذهب» : «وأمر بصرفه من عمله» .
[2] في «مروج الذهب» : «فغنت» .
[3] في «مروج الذهب» : «والجدود العوائر» .
[4] ما بين حاصرتين زيادة من «مروج الذهب» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «حتى اضطرب عمر اضطرابا مبينا» وأثبت ما في
«مروج الذهب» .
[6] في الأصل، والمطبوع: «وتبييتا» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام
النبلاء» ، و «البداية والنهاية» .
[7] لم أجدهما في «ديوانه» المطبوع في دار المعارف بمصر بتحقيق الدكتور
نعمان محمد أمين طه، وقد أوردهما الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/
147) ، والعامري في «غربال الزمان» ص (94) ونسباهما لجرير. وأوردهما
الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (9/ 212) مع أربعة أبيات، أخرى
ونسبهما لمحارب بن دثار.
(2/9)
قيل: إنه لم يكذب قطّ، وشهد خطبة [عمر] [1]
بالجابية [2] وحلف لا يضحك حتّى يعلم أفي الجنّة هو أم في النّار.
وفيها مقسم [3] مولى ابن عبّاس، ولم يكن مولاه، بل مولى عبد الله بن
الحارث بن نوفل، وأضيف إلى ابن عبّاس لملازمته إياه.
ومحمّد بن مروان بن الحكم، الأمير، ولد الخليفة مروان، وكان بطلا شجاعا
شديد البأس، له عدة مصافّات [4] مع الرّوم، وكان متولي الجزيرة [5]
وغيرها.
وفيها، وقيل: في سنة خمس وتسعين، الحسن بن محمّد بن الحنفيّة الهاشميّ
العلويّ [6] .
روي أنه صنف كتابا في الإرجاء ثم ندم عليه، وكان من عقلاء قومه
وعلمائهم.
وفيها استعمل يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة على إمرة العراقين، وأمره
بمحاربة يزيد بن المهلّب- وكان قد خرج عليهم- فحاربه حتّى قتل في السنة
الآتية.
__________
[1] لفظة «عمر» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
[2] الجابية: قرية من أعمال دمشق، ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان
قرب مرج الصفّر في شمالي حوران، إذا وقف الإنسان في [بلدة] الصنمين
واستقبل الشمال ظهرت له، وتظهر من نوى أيضا، وهي جابية الملوك، وباب
الجابية بدمشق منسوب إليها. انظر «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 355) ، و
«معجم البلدان» لياقوت (2/ 91) .
[3] قال الحافظ ابن حجر: هو مقسم بن بجرة، بضم الموحدة وسكون الجيم،
ويقال نجدة بفتح النون وبدال، أبو القاسم. «تقريب التهذيب» (2/ 273)
بتصرف.
[4] أي: عدة مقابلات. انظر «لسان العرب» «صفف» .
[5] يعني جزيرة أقور التي بين دجلة والفرات والمقسمة الآن بين أراضي
سورية والعراق وتركيا. انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (57)
بتحقيقي، طبع دار ابن كثير.
[6] نسبة إلى جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(2/10)
قال الذهبيّ في «العبر» [1] : وممن توفي
بعد المائة:
إبراهيم بن عبد الله بن حنين المدنيّ، له عن أبي هريرة.
وإبراهيم بن عبد الله [بن معبد] [2] بن عبّاس الهاشميّ المدنيّ. له عن
ابن عبّاس، وميمونة [3] .
وعبد الله بن شقيق العقيليّ البصريّ، سمع من عمر، والكبار.
والقطاميّ الشاعر المشهور [4] .
ومعاذة العدويّة [5] الفقيهة العابدة بالبصرة.
وعراك بن مالك المدنيّ.
ومورّق، العجليّ.
وبشير بن يسار، المدنيّ الفقيه.
__________
[1] «العبر في خبر من عبر» (1/ 122) بتحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد،
طبع وزارة الإعلام في الكويت.
[2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع، و «العبر» .
[3] هي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية المتوفاة سنة (51) هـ:
انظر خبرها في المجلد الأول من كتابنا هذا ص (219) و (248) .
[4] اختلف في اسمه فقيل: عمرو بن شييم، وقيل: عمير بن شييم، القطامي،
واختلف في سنة وفاته أيضا. انظر «طبقات فحول الشعراء» (2/ 534) ، و
«الأعلام» (5/ 88- 89) .
[5] هي معاذة بنت عبد الله العدوية البصرية، أمّ الصّهباء. روت عن علي
بن أبي طالب، وعائشة، وهشام بن عامر.
وحدّث عنها أبو قلابة الجرمي، ويزيد الرّشك، وعاصم الأحول، وعمر بن ذر،
وإسحاق بن سويد، وأيوب السّختياني، وآخرون.
وحديثها محتج به في الصّحاح، وقد ساق الحافظ عبد الغني المقدسي أحد
الأحاديث التي روتها عن السيدة عائشة مما أخرجه الشيخان وغيرهما في
كتابه «عمدة الأحكام» ص (53- 54) بتحقيقي.
وقد ذكرت بعض المصادر والمراجع التي بين يديّ أنها ماتت سنة (83) هـ
خلافا لما ذكره المؤلف ابن العماد رحمه الله، منها «سير أعلام النبلاء»
(4/ 508- 509) ، و «الأعلام» (7/ 259) .
(2/11)
وأبو السّوّار العدويّ [1] البصريّ، صاحب
عمران بن حصين.
وعبد الرّحمن بن كعب بن مالك الأنصاري.
وابن أخيه عبد الرّحمن بن عبد الله.
وحفصة بنت سيرين، الفقيهة العابدة.
وعائشة بنت طلحة التيميّة، التي أصدقها مصعب بن الزّبير مائة ألف
دينار.
وعبد الرحمن بن أبي بكرة، أوّل من ولد بالبصرة.
ومعبد بن كعب بن مالك.
وذو الرّمّة الشاعر المشهور. انتهى.
قلت: وذو الرّمّة أحد فحول الشعراء، واسمه غيلان، [2] وأحد العشّاق
__________
[1] قلت: جزم ابن معين في «معرفة الرجال» (2/ 98) طبع مجمع اللغة
العربية بدمشق، والبخاري في «التاريخ الصغير» (1/ 194) ، وابن حبّان في
«مشاهير علماء الأمصار» ص (96) بأن اسمه حسّان بن حريث، وفي «العبر» :
«صاحب عمران بن حنين» وهو خطأ.
وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب» (2/ 432) : قيل اسمه حسان بن حريث،
وقيل:
حريث بن حسان، وقيل: حريف، آخره فاء، وقيل: منقذ، وقيل: حجير بن
الربيع.
وذكر الذهبي في «الكاشف» (3/ 303) بأنه روى عن علي بن أبي طالب، وعمران
بن حصين رضي الله عنهما. وذكره بكنيته ولم يذكر اسمه.
[2] قال الزركلي: هو غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي، من مضر،
أبو الحارث، ذو الرّمّة، شاعر من فحول الطبقة الثانية في عصره. قال أبو
عمرو بن العلاء، فتح الشعر بامرئ القيس، وختم بذي الرّمّة. وكان شديد
القصر، دميما، يضرب لونه إلى السواد، أكثر شعره تشبيب وبكاء أطلال،
يذهب في ذلك مذهب الجاهليين. وكان مقيما بالبادية، يحضر إلى اليمامة
والبصرة كثيرا. وامتاز بإجادة التشبيه. قال جرير: لو خرس ذو الرّمّة
بعد قصيدته: «ما بال عينك منها الماء ينسكب» لكان أشعر الناس. مات سنة
(117) هـ. «الأعلام» (5/ 124) ، وانظر «شرح أبيات المغني» للبغدادي (1/
233) .
قلت: وقد طبع ديوانه أربع مرات أفضلها وأجودها التي صدرت بتحقيق
الدكتور عبد القدوس أبو صالح.
(2/12)
المشهورين من العرب، وصاحبته ميّة ابنة
مقاتل بن طلبة [1] بن قيس بن عاصم المنقري التميميّ، [وقيس بن عاصم هو]
[2] الذي قال فيه رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- حين وفد عليه: «هذا
سيّد أهل الوبر» [3] وهو أول من وأد البنات غيرة وأنفة.
وسبب فتنته بها، أنه لحظها وهي خارجة من خبائها [4] ، فخرّق إداوته [5]
ثم دنا يستطعم حديثها، فقال إني مسافر [6] وقد تخرّقت إداوتي [7]
فأصلحيها لي، فقالت: والله إني لخرقاء [8]- والخرقاء التي لا تحسن
العمل لكرامتها على أهلها [9]- فشبّب بالخرقاء أيضا، وهي ميّة [10] .
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «مقاتل بن طليب» وهو تحريف، والتصحيح من
«وفيات الأعيان» لابن خلكان (4/ 11) مصدر المؤلف.
[2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «وفيات
الأعيان» لابن خلكان.
[3] قلت: قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (8/ 197) : قال ابن سعد:
كان- قيس بن عاصم- قد حرّم الخمر في الجاهلية، ثم وفد على رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم في وفد بني تميم، فأسلم، فقال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم: «هذا سيّد أهل الوبر» ، وكان سيدا جوادا، ثم ساق
بسند حسن إلى الحسن، عن قيس بن عاصم قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم، فلما دنوت منه قال: «هذا سيّد أهل الوبر» فذكر الحديث.
وذكر الحديث أيضا ابن عبد البر في «الاستيعاب» على هامش «الإصابة» (9/
180) ، وابن الأثير في «أسد الغابة» (4/ 432) كلاهما في ترجمة قيس بن
عاصم رضي الله عنه.
[4] أي من بنائها.
وفي «ديوان ذي الرّمّة» و «وفيات الأعيان» : وهي خارجة من خباء» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «فخرق ثيابه أو دلوه» وهو خطأ، والتصحيح من
«ديوان ذي الرّمّة» (1/ 370) ، و «وفيات الأعيان» . قال الزبيدي في
«تاج العروس» : الإداوة- بالكسر- المطهرة، وهي إناء صغير من جلد يتخذ
للماء.
[6] في «ديوان ذي الرّمّة» ، و «وفيات الأعيان» : «إني رجل على ظهر
سفر» .
[7] في الأصل والمطبوع: «أرداني» .
[8] في الأصل، والمطبوع: «إني خرقاء» وأثبت ما في «ديوان ذي الرّمة» ،
و «وفيات الأعيان» .
[9] في «وفيات الأعيان» : «والخرقاء التي لا تعمل شغلا لكرامتها على
أهلها» ، وعبارة كتابنا موافقة لعبارة «ديوان ذي الرّمة» .
[10] قال الدكتور عبد القدوس أبو صالح في تعليقه على «ديوان ذي
الرّمّة» (1/ 369) : اختلف في
(2/13)
ويروى [1] أن ذا الرّمّة لم ير ميّة قطّ
إلّا في برقع، فأحبّ أن ينظر إلى وجهها فقال:
جزى الله البراقع من ثياب ... عن الفتيان شرّا ما بقينا
بوارين الملاح فلا نراها ... ويخفين القباح فيزدهينا [2]
فنزعت البرقع عن وجهها فقال:
على وجه ميّ مسحة من ملاحة ... وتحت الثّياب العرّ [3] لو كان باديا
[4]
__________
خرقاء أهو لقب لميّة، أم هو اسم لغيرها؟ .. وقد نقل في «الخزانة» (1/
52) عن ثعلب قوله: وكان ذو الرّمّة يسمي ميّة خرقاء لقولها: إني خرقاء.
وذهب ابن قتيبة في «الشعر والشعراء» ص (509) إلى قوله: وكان يشبب أيضا
بخرقاء. وهي من بني البكاء بن عامر بن صعصعة. وقد ورد هذا النسب في
«جمهرة الأنساب» ص (64) ، و «صفة جزيرة العرب» للهمداني ص (334) ، و
«معاهد التنصيص» (2/ 262) ، و «شواهد المغني» للسيوطي (150) ، و
«الخزانة» (4/ 495) ، و «الصحاح» ، و «اللسان» ، و «القاموس» (خرق) ،
أما صاحب الأغاني (16/ 116- 120) فهو يذكر حينا أن خرقاء لقب لمية،
ويذكر حينا آخر أنه لقب أو اسم لامرأة من بني عامر، وينقل أن ميّة
أغضبت ذا الرّمّة فتغزل بخرقاء، يريد أن يغيظها بذلك، فقال فيها
قصيدتين أو ثلاثا، ثم لم يلبث أن مات. وقد عمدت إلى استعراض «الديوان»
كله، فرأيت ذا الرّمّة ذكر خرقاء وحدها في قصيدتين فقط، وذكرها مع ميّة
في سبع قصائد، ويكاد الناظر في هذه القصائد المشتركة بينهما يجزم بأن
خرقاء غير ميّة، ولا سيما أن الشاعر ما يلبث بعد ذكره ميّة في مطلع
القصيدة (5) أن يتغزل بحسان ربيعة عامر وهم قوم خرقاء كما تقدم. بل إن
أبا الفرج يعدد الأسباب التي قيلت في سبب عدوله إلى خرقاء «الأغاني»
(16/ 119) . وهكذا لا نجد بدا من ترجيح ما ذهب إليه الأصمعي هنا، ولا
سيما أن أبا نصر يذكر بعد قليل نسب خرقاء، وينقل خبرا عن لقاء محمد بن
الحجّاج الأسدي بها، كما ينقل ابن قتيبة لقاء المفضل الضبي بها. ثم إن
أبا الفرج يذكر أخبارا كثيرة عن خرقاء ويورد شعرا للقحيف العقيلي يتغزل
فيه بها، وانظر «الأغاني» (20/ 140) .
[1] في الأصل، والمطبوع: «يروى» وقد أثبت الواو من «وفيات الأعيان» .
[2] البيان في ملحق «ديوانه» (3/ 1917) .
[3] في المطبوع، و «وفيات الأعيان» : «العار» ، وفي ملحق «الديوان» :
«الخزي» ، والعرّ:
الجرب. انظر «لسان العرب» (عرر) .
[4] البيت في ملحق «ديوانه» (3/ 1921) .
(2/14)
فنزعت ثيابها وقامت عريانة فقال:
ألم تر أنّ الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء أبيض صافيا [1]
فيا ضيعة [2] الشّعر الذي لجّ فانقضى ... بميّ ولم أملك ضلال فؤاديا
فقالت [له] [3] : أتحب أن تذوق طعمه؟ فقال: إي والله، فقالت:
تذوّق الموت قبل أن تذوقه.
ومن شعره السائر [فيها] [4] قوله:
إذا هبّت الأرواح من نحو جانب ... به أهل ميّ هاج شوقي هبوبها [5]
هوى تذرف العينان منه وإنّما ... هوى كلّ نفس حيث [6] حلّ حبيبها [7]
وكان ذو الرّمّة يشبّب بخرقاء أيضا، ومن قوله فيها:
تمام الحجّ أن تقف المطايا ... على خرقاء واضعة اللّثام [8]
قيل: كانت وفاته سنة سبع عشرة ومائة.
ولما حضرته الوفاة قال: أنا ابن نصف الهرم، أنا ابن أربعين سنة، وأنشد:
يا قابض الرّوح من نفس إذا احتضرت ... وغافر الذّنب زحزحني عن النّار
[9]
__________
[1] البيت في ملحق «الديوان» (3/ 1921) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «فوا ضيعة» وأثبت لفظ ملحق «الديوان» (3/
1923) .
[3] لفظة «له» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها
من «وفيات الأعيان» .
[4] لفظة «فيها» التي بين حاصرتين لم ترد في الأصل، والمطبوع، وأثبتها
من «وفيات الأعيان» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «هاج قلبي هبوبها» والتصحيح من «ديوانه» .
[6] في الأصل، والمطبوع: «أين» وأثبت ما جاء في «ديوانه» .
[7] البيتان في «ديوانه» (2/ 694- 695) .
[8] البيت في ملحق «ديوانه» (3/ 1913) .
[9] لم أجد البيت في «ديوانه» وهو في «الشعر والشعراء» (1/ 525) و
«وفيات الأعيان» (4/ 16) مع بعض الخلاف اليسير.
(2/15)
وإنما قيل له: ذو الرّمّة بقوله في الوتد:
أشعث باقي رمّة التقليد [1]
والرّمّة: بضم الراء: الحبل البالي، وبكسرها: الحبل البالي.
وممن توفي بعد المائة على ما قاله في «العبر» [2] .
أبو الأشعث الصنعانيّ الشّاميّ.
وزياد الأعجم الشاعر [المشهور] [3] .
وسعيد بن أبي هند، والد عبد الله [4] .
وأبو سلّام ممطور الحبشيّ الأسود.
وأبو بكر [5] بن أبي موسى الأشعريّ القاضي. انتهى.
__________
[1] في الأصل: «التقليل» وهو تحريف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
وهذا صدر بيت في «ديوانه» (1/ 358) عجزه:
نعم فأنت اليوم كالعمود
[2] (1/ 123) .
[3] زيادة من «العبر» .
[4] هو عبد الله بن سعيد بن أبي هند الفزاري مولاهم المدني، أبو بكر.
قال ابن حبّان: كان يهم في الشيء بعد الشيء. مات سنة (147) . انظر
«مشاهير علماء الأمصار» ص (137) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/
10) ، و «تهذيب التهذيب» لابن حجر (5/ 239) .
[5] قال الحافظ ابن حجر: يقال: اسمه عمرو، ويقال: عامر. روى عن أبيه،
والبراء بن عازب، وجابر بن سمرة، وابن عبّاس، والأسود بن هلال. وروى
عنه أبو جمرة نصر بن عمران الضبعي، وأبو عمران الجوني، وبدر بن عثمان،
وعبد الله بن أبي السفر، والأجلح بن عبد الله الكندي، وأبو إسحاق
السبيعي، ويونس بن أبي إسحاق، وغيرهم. قال الآجري: قلت لأبي داود: سمع
أبو بكر من أبيه؟ قال: أراه قد سمع، وأبو بكر أرضى عندهم من أبي بردة،
وكان يذهب مذهب أهل الشام. جاءه أبو غادية الجهني قاتل عمار، فأجلسه
إلى جانبه، وقال:
مرحبا بأخي، وقال محمد بن عبد الله بن نمير: كان أكبر من أبي بردة،
وقال: مات في ولاية خالد بن عبد الله، وذكر ابن حبّان في «الثقات» قلت:
اسمه كنيته، وقال: مات في ولاية
(2/16)
سنة اثنتين ومائة
كان أمير البصرة يزيد بن المهلّب، المتقدم آنفا، فلما تولّى عمر بن عبد
العزيز عزل يزيد بن المهلّب وسجنه، فلما توفي عمر أخرجه خواصّه من
السّجن، فوثب على البصرة وهرب منه عاملها عديّ بن أرطاة الفزاريّ، ونصب
يزيد رايات سود، وتسمى بالقحطانيّ، وقال: أدعو إلى سيرة عمر بن
الخطّاب، فوجه إليه يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة، فحاربه، وقتله في
صفر في المعركة، وقيل: بل حبسه الحجّاج وعذّبه، وهو الذي جزم به
الإسنويّ [1] في «طبقاته» .
وكان يزيد بن المهلّب كريما ممدّحا، وكان المهالبة في دولة الأمويين
__________
خالد، ومن زعم أن اسمه عامر فقد وهم، عامر اسم أبي بردة. وقال عبد الله
بن أحمد في «العلل» : قلت لأبي: فأبو بكر بن أبي موسى سمع من أبيه؟
قال: لا، وقال أبو بكر بن عيّاش: سمعت أبا إسحاق يقول: أبو بكر بن أبي
موسى أفضل من أخيه أبي بردة. وقال العجلي: كوفي ثقة. وقال أبو سعيد:
اسمه كنيته، وكان قليل الحديث يستضعف، ومات في ولاية خالد، وكان أكبر
من أخيه أبي بردة، وقال خليفة: مات سنة ست ومائة. «تهذيب التهذيب» (12/
40- 41) .
[1] هو جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي
بن إبراهيم القرشي الأموي الإسنوي المصري الشافعي. الإمام العلّامة،
وكتابه هو «طبقات الشافعية» توفي سنة (772) هـ. وسوف ترد ترجمته مفصلة
في المجلد الثامن من كتابنا هذا إن شاء الله، فراجعها هناك.
(2/17)
كالبرامكة في دولة العباسيين، في الكرم،
وكان كثير الغزو والفتوح.
وفيها يزيد بن أبي مسلم الثقفيّ مولاهم، مولى الحجّاج، وكاتبه، وخليفته
على العراق بعد موته، وأقره الوليد.
قال الوليد في حقه: مثلي ومثل الحجّاج ويزيد، كرجل ضاع له درهم فلقي
دينارا.
فضّل يزيد لعقله وبلاغته.
واستحضره سليمان بعد موت الوليد فرآه دميما، كبير البطن، فقال:
لعن الله من أشركك في أمانته. فقال: يا أمير المؤمنين! رأيتني والأمور
مدبرة عني، ولو رأيتني وهي مقبلة إليّ لعظّمتني، فقال: قاتله الله ما
أسدّ قوله وأغضب لسانه، ثم قال له سليمان: أترى صاحبك- يعني الحجّاج-
يهوي في النّار أم قد استقرّ في قعرها، فقال: عن يمين الوليد، ويسار
عبد الملك، فاجعله حيث أحببت. وروي: يحشر بين أبيك وأخيك، فقال سليمان:
قاتله الله ما أوفاه لصاحبه، إذا اصطنعت الرّجال فليصنع مثل هذا.
وهمّ سليمان باستكتابه، فقال له عمر بن عبد العزيز: لا تحيي ذكر
الحجّاج. فقال: إني كشفت عنه فلم أجد له خيانة في دينار ولا في درهم.
فقال عمر: إبليس لم يخن فيهما، وهذا قد أهلك الخلق، فتركه سليمان.
وفيها توفي الضّحّاك بن مزاحم الهلاليّ بخراسان. وثقه الإمام أحمد
وغيره.
ذكر أنه كان فقيه مكتب عظيم فيه ثلاثة آلاف صبي، وكان يركب حمارا يدور
عليهم إذا عيي.
(2/18)
سنة ثلاث ومائة
فيها توفي عطاء بن يسار المدنيّ الفقيه، مولى ميمونة أمّ المؤمنين، ثقة
إمام، كان يقصّ [1] بالمدينة. روى عن كبار الصحابة. قاله الذهبيّ [2] .
وقال ابن قتيبة [3] : كان عطاء قاصّا [4] ويرى القدر، ويكنى أبا محمد،
ومات سنة ثلاث ومائة، وهو ابن أربع وثمانين سنة. انتهى.
وفيها الإمام أبو الحجّاج مجاهد بن جبر، الإمام الحبر المكّيّ، عن نيّف
وثمانين سنة.
قال خصيف [5] : كان أعلمهم بالتفسير.
وقال مجاهد: عرضت القرآن على ابن عبّاس ثلاثين مرّة [6] .
__________
[1] في المطبوع: «كان يقضي» وهو خطأ.
[2] «العبر في أخبار من عبر» (1/ 125) .
[3] «المعارف» ص (459) .
[4] في الأصل، والمطبوع: «قاضيا» وهو تحريف، والتصحيح من «المعارف»
لابن قتيبة.
[5] هو خصيف بن عبد الرحمن الجزري الحرّاني. انظر ترجمته والتعليق
عليها في ص (183- 184) من هذا المجلد.
[6] قلت: وقد ساق هذا الخبر الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/ 450)
وقال أيضا: وروى ابن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، قال: عرضت
القرآن ثلاث عرضات على ابن عبّاس، أقفه عند كلّ آية، أسأله فيم نزلت،
وكيف كانت.
(2/19)
وقال [له] [1] ابن عمر: وددت أنّ نافعا
يحفظ حفظك.
وقال سلمة بن كهيل: ما رأيت أحدا أراد بهذا العلم وجه الله تعالى إلّا
عطاء وطاووسا ومجاهدا [2] .
وقال الأعمش: كنت إذا رأيت مجاهدا تراه مغموما، فقيل له في ذلك، فقال:
أخذ عبد الله- يعني ابن عمر [3]- بيدي، ثم قال: أخذ رسول الله- صلّى
الله عليه وسلّم- بيدي وقال لي: «يا عبد الله! كن في الدّنيا كأنّك
غريب أو عابر سبيل» [4] . ومات مجاهد بمكّة وهو ساجد.
وفسر ابن قتيبة [5] النّيّف بثلاث [6] ، فقال: مات [وهو] [7] ابن ثلاث
وثمانين سنة.
وفيها مصعب بن سعد بن أبي وقّاص الزّهريّ المدنيّ، كان فاضلا كثير
الحديث.
__________
[1] لفظة «له» سقطت من الأصل، واستدركتها من المطبوع.
[2] لفظة «ومجاهدا» ليست عند الذهبي في «العبر» الذي ينقل عنه المؤلف
رحمه الله.
[3] في الأصل والمطبوع: «ابن عباس» وهو خطأ، صوابه: «ابن عمر» (ع) .
[4] رواه البخاري رقم (6416) في الرقاق: باب قول النّبيّ صلّى الله
عليه وسلّم: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» .
والترمذي رقم (2333) في الزهد: باب ما جاء في قصر الأمل، وابن ماجة رقم
(4114) في الزهد: باب مثل الدّنيا، وأحمد في «المسند» (2/ 24 و 41)
وعندهم في آخره «وعدّ نفسك من أهل القبور» .
وعند البخاري والترمذي في آخر الحديث: وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت
فلا تحدث نفسك بالصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء. وخذ من صحتك
لمرضك، ومن حياتك لموتك.
[5] في «المعارف» الذي ينقل عنه المؤلف.
[6] قال في «مختار الصحاح» : النّيّف، بوزن الهيّن: الزيادة، يخفف
ويشدّد، يقال: عشرة ونيف، ومائة ونيف، وكل ما زاد على العقد فهو نيّف
حتى يبلغ العقد الثاني. انظر ص (687) .
[7] لفظة «وهو» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، واستدركتها من
المطبوع، و «المعارف» .
(2/20)
روى عن عليّ والكبّار.
وفيها موسى بن طلحة بن عبيد الله التيميّ بالكوفة.
روى عن عثمان ووالده.
وقال أبو حاتم [1] : هو أفضل إخوته بعد محمد، وكان يسمّى المهدي.
وفيها مقرئ الكوفة يحيى بن وثّاب الكوفيّ، مولى لبني كاهل من بني أسد
بن خزيمة، توفي بالكوفة. أخذ [عن] [2] ابن عبّاس، وطائفة.
ويزيد بن الأصمّ العامريّ، ابن خالة ابن عبّاس، نزل الرّقّة [3] . وروى
عن خالته ميمونة، وطائفة.
__________
[1] في «الجرح والتعديل» (8/ 148) .
[2] لفظة «عن» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، واستدركتها من المطبوع.
[3] الرقة: مدينة مشهورة على الطرف الغربي لنهر الفرات في أرض سورية،
أنجبت فيما مضى عددا كبيرا من العلماء. انظر «الأمصار ذوات الآثار»
للذهبي ص (58- 59) بتحقيقي، طبع دار ابن كثير.
(2/21)
سنة أربع ومائة
فيها وقعة بهرزان [1] دون الباب بفرسخين، التقى المسلمون وعليهم
الجرّاح الحكميّ [2] ، هم وابن خاقان [3] فهزموه [4] بعد قتال عظيم،
وقتل خلق من الكفار.
وفيها توفي خالد بن معدان الكلاعيّ الحمصيّ، الفقيه العابد.
قيل: كان يسبّح كل يوم أربعين ألف تسبيحة [5] .
__________
[1] في الأصل، و «العبر» للذهبي (1/ 126) : «بهرازان» ، وأثبت ما في
المطبوع، وهو موافق لما عند ياقوت في «معجم البلدان» (1/ 514) وفيه
قال: بهرزان: بليدة بينها وبين شهرستان فرسخان من جهة نيسابور، رأيتها
في صفر سنة (617) وهي عامرة ذات خير واسع، وعليها سور حصين، وبها سوق
حافل.
قلت: وبهرزان تقع الآن في أراضي إيران.
[2] هو الجراح بن عبد الله الحكمي، أبو عقبة. استشهد غازيا بمرج
أردبيل، قتله الخزر، ورثاه كثير من الشعراء. قال الزرقي: كان الجراح يد
الله على خراسان كلها، وقال الواقدي: كان البلاء بمقتل الجراح على
المسلمين عظيما، فبكوا عليه في كل جند. انظر «تاريخ خليفة» ص (329) ، و
«الأعلام» للزركلي (2/ 115) .
[3] في «العبر» للذهبي: «هم والخاقان» وما جاء في «تاريخ خليفة» ص
(329) موافق لما في كتابنا.
[4] في الأصل، والمطبوع: «فهزموهم» والتصحيح من «العبر» للذهبي، وانظر
«تاريخ خليفة» .
[5] انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (4/ 540) .
(2/22)
سمعه صفوان [1] يقول: لقيت سبعين من
الصّحابة.
وقال يحيى بن سعيد: ما رأيت ألزم للعلم منه.
وقال الثّوريّ: ما أقدّم عليه أحدا.
وفيها، وقيل: قبل [2] المائة، عامر بن سعد [3] بن أبي وقّاص الزّهريّ،
أحد الإخوة التسعة، كان ثقة كثير الحديث.
وفيها، وقيل: في سنة سبع أبو قلابة الجرميّ، عبد الله بن زيد، البصري
الإمام.
طلب للقضاء فهرب ونزل الشّام، فنزل بداريّا، وكان رأسا في العلم
والعمل.
سمع من سمرة [4] وجماعة.
ومناظرته مع علماء عصره في القسامة [5] بحضرة عمر بن عبد العزيز مشهورة
في «الصحيح» [6] .
__________
[1] هو صفوان بن عمرو السّكسكي محدّث حمص، المتوفى سنة (155) هـ. انظر
ترجمته في ص (252) من هذا المجلد.
[2] في المطبوع: «وقيل في المائة» وهو خطأ، وما جاء في الأصل الذي بين
يدي موافق لما عند الذهبي في «العبر» (1/ 127) .
[3] في الأصل: «عامر بن سعيد» وهو تحريف وأثبت ما في المطبوع.
[4] هو سمرة بن جندب الفزاري، المتوفى في أول سنة ستين، رضي الله عنه
وأرضاه. وقد تقدم خبره باختصار في المجلد الأول من كتابنا هذا ص (270)
فراجعه.
[5] قال ابن الأثير: القسامة بالفتح: اليمين، كالقسم، وحقيقتها أن يقسم
من أولياء الدّم خمسون نفرا على استحقاقهم دم صاحبهم، إذا وجدوه قتيلا
بين قوم ولم يعرف قاتله، فإن لم يكونوا خمسين أقسم الموجودون خمسين
يمينا، ولا يكون فيهم صبي، ولا امرأة، ولا مجنون، ولا عبد، أو يقسم بها
المتّهمون على نفي القتل عنهم، فإن حلف المدّعون استحقّوا الدية، وإن
حلف المتّهمون لم تلزمهم الدية. «النهاية» (4/ 62) .
[6] قلت: وذلك في حديث طويل فيه الكثير من الفوائد والآداب، رواه
البخاري رقم (6899) في الدّيات: باب القسامة، ومسلم رقم (1669) في
القسامة، ويحسن بالقارئ الرجوع إليه.
(2/23)
وفيها، وقيل: في التي قبلها، وقيل: في سنة
ست أو سبع، توفي أبو بردة عامر بن أبي موسى الأشعريّ.
قضى في الكوفة بعد شريح [1] ، وله مكارم ومآثر مشهورة.
وولي القضاء في البصرة بعده ابنه بلال، وكان ممدّحا.
وفيه يقول ذو الرّمّة:
رأيت [2] النّاس ينتجعون غيثا [3] ... فقلت لصيدح انتجعي بلالا [4]
يعني بصيدح ناقته.
وأبو موسى وبنوه كلهم ولي القضاء.
وفيها، وقيل: قبلها، وقيل: بعدها، توفي فجأة [5] الإمام الحبر
العلّامة، أبو عمرو عامر بن شراحيل بن معبد الشّعبيّ، وهو من حمير،
وعداده في همدان، ونسب إلى جبل باليمن، نزله حسّان بن عمرو الحميريّ هو
وولده ودفن فيه، [وهو ذو شعبين] [6] فمن كان منهم بالكوفة قيل لهم:
شعبيون.
ومن كان منهم بمصر والمغرب قيل لهم: الأشعبون، والأشعوب [7] ، ومن كان
منهم بالشّام قيل لهم: شعبانيّون. ومن كان منهم باليمن قيل لهم: آل ذي
شعبين. وكان نحيفا ضئيلا. وقيل له: مالنا نراك ضئيلا؟ قال: إني
__________
[1] هو أبو أميّة شريح بن الحارث الكنديّ القاضي. انظر ترجمته في
المجلد الأول من هذا الكتاب ص (320- 323) .
[2] في «ديوان ذي الرّمّة» : «سمعت» ، ولكن لفظة «رأيت» وردت في إحدى
النسخ كما ذكر محقق «الديوان» .
[3] في الأصل: «عيشا» وهو تحريف وأثبت ما في المطبوع.
[4] البيت في «ديوانه» (3/ 1535) .
[5] في المطبوع: «فجاءة» .
[6] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» لابن خلكان (3/ 15) .
[7] انظر «المعارف» لابن قتيبة ص (450) .
(2/24)
زوحمت في الرّحم، وكان ولد هو وأخ له في
بطن واحد.
وقيل لأبي إسحاق: أنت أكبر أم الشّعبي؟ فقال: هو أكبر مني بسنتين.
وحدثنا [1] الرّياشي [2] عن الأصمعي: أن أمّ الشّعبي كانت من سبي
جلولاء، قال: وهي قرية بناحية فارس [3] .
وكان مولده لست سنين مضت من خلافة عثمان، وكان كاتب عبد الله بن مطيع
العدوي، وكاتب عبد الله بن يزيد الخطمي عامل [4] ابن الزّبير على
الكوفة، وكان مزّاحا.
حدّثني [5] أبو مرزوق، عن زاجر بن الصّلت الطّاحيّ [6] عن سعيد بن
عثمان، قال: قال الشعبي لخياط مرّ به: عندنا حب مكسور تخيطه؟ فقال له:
نعم، إن كان عندك خيط من ريح.
وحدثني [7] بهذا الإسناد، أن رجلا دخل عليه ومعه في البيت امرأة، فقال:
أيكما الشّعبيّ، فقال: هذه. قاله ابن قتيبة [8] .
__________
[1] القائل ابن قتيبة.
[2] هو أبو الفضل العبّاس بن الفرج الرّياشي النحوي اللغوي، كان من أهل
السّنة، قتل في المسجد الجامع بالبصرة في أيام صاحب الزنج، انظر
«الأنساب» للسمعاني (6/ 200- 201) .
[3] قلت: جلولاء بلدة تقع اليوم في شرق الأراضي العراقية. وانظر «معجم
البلدان» لياقوت (2/ 156) .
[4] في المطبوع: «عامر بن الزبير» وهو خطأ.
[5] القائل ابن قتيبة في كتابه «المعارف» .
[6] في الأصل، والمطبوع: «جابر بن الصلت الطائي» وهو خطأ، وفي
«المعارف» لابن قتيبة ص (450) ط د. ثروة عكاشة: «زاجر بن الصلت الطلحي»
وهو تحريف، وقد جاءت العبارة على الصواب في «المعارف» ط الصاوي وانظر
«الأنساب» للسمعاني (8/ 170) بتحقيق الأستاذ محمد عوّامة.
[7] القائل ابن قتيبة.
[8] في «المعارف» ص (450) .
(2/25)
ومات وله بضع وثمانون سنة.
وشعب، بطن من همدان.
مرّ به ابن عمر وهو يحدّث بالمغازي، فقال: شهدتها، وهو أعلم بها مني.
وعنه [1] قال: بعثني عبد الملك إلى ملك الرّوم، فأقمت عنده أياما، فلما
أردت الانصراف قال لي: من [أهل] [2] بيت الملك أنت؟ قلت: بل رجل من
العرب، فدفع إليّ رقعة وقال: أدّها إلى صاحبك، فلما قرأها عبد الملك
قال لي: تدري ما فيها؟ قلت، لا، قال:
فإن فيها: عجبت من قوم فيهم مثل هذا كيف ملّكوا غيره؟ فقلت: والله لو
علمت ما حملتها، وإنما قال هذا لأنه لم يرك، فقال عبد الملك: بل حسدني
عليك، فأغراني بقتلك، فبلغ ذلك ملك الرّوم، فقال: ما أردت إلّا ذلك [3]
.
وقال له أبو بكر الهذلي: تحب الشعر؟ فقال: إنما يحبه فحول الرّجال
ويكرهه مؤنّثوهم.
وقال: ما أودعت قلبي شيئا فخانني قطّ.
وقال: إنما الفقيه من تورّع عن محارم الله، والعالم من خاف الله تعالى.
وقال: اتقوا القاصر من العلماء والجاهل من المتعبّدين.
وقال: أدركت خمسمائة من الصّحابة أو أكثر.
ودخل الشّعبيّ مع زياد على هند بنت النّعمان في ديرها، فإذا هي وأختها
جالستان عليهما ثياب سود، قال الشّعبيّ: فما أنسى جمالها، وقد كان
__________
[1] أي عن الشعبي.
[2] زيادة من «وفيات الأعيان» (3/ 13) .
[3] في المطبوع: «ما أردت إلّا ذاك» ، وفي «وفيات الأعيان» : «ما أردت
إلّا ما قال» .
(2/26)
كلّمها للمغيرة بن شعبة في الزّواج، فقالت:
أردت أن يقال: تزوج هند بنت النّعمان بن المنذر، إن ذلك غير كائن، فقال
لها زياد: حدثيني عن ملككم وما كنتم فيه؟ قالت: أجمل، أم أفنّن؟ [1] .
قال: أجملي، قالت: أصبحنا وكل من رأيت عبدا لنا، وأمسينا وعدونا ممن
يرحمنا.
قال ابن المديني [2] : ابن عبّاس في زمانه، والشّعبيّ في زمانه، وسفيان
الثّوري في زمانه [3] .
وقال الشعبيّ: ما كتبت سوداء في بيضاء إلّا حفظتها.
__________
[1] قال ابن منظور: الرجل يفنّن الكلام أي يشتقّ في فنّ بعد فن
والتّفنّن فعلك. «لسان العرب» (فنن) .
[2] في الأصل: «ابن المدني» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.
وهو علي بن عبد الله بن جعفر المديني، توفي سنة (234) هـ، وسوف ترد
ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا فراجعها هناك.
[3] انظر: «العبر» (1/ 127) .
(2/27)
سنة خمس ومائة
فيها التقى في رمضان منها الجرّاح الحكميّ، وخاقان ملك التّرك، ودام
الحرب أياما، ثم نصر الله دينه، وهزم الترك شرّ هزيمة. وكان المصّافّ
بناحية إرمينية.
وفيها غزا الرّوم عثمان بن حيّان المرّي [1] الذي ولي المدينة للوليد
بن عبد الملك. وكان ظالما يقول الشعر على المنبر في خطبته، وقد روى له
مسلم.
وفيها توفي في شعبان منها الخليفة يزيد بن عبد الملك بن مروان، وجدّه
لأمّه يزيد بن معاوية، عاش أربعا وثلاثين سنة. وولي أربع سنين وشهرا،
وكان أبيض جسيما متلفا للمال، أعطى حلّاقا حلق له رأسه أربعة آلاف
درهم.
ووقع مثل ذلك ليزيد بن المهلّب، أو لعله اشتبه على بعض المؤرخين
اسمهما.
قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: لما استخلف قال: سيروا سيرة عمر بن
عبد العزيز، فأتوه بأربعين شيخا شهدوا له أنّ الخلفاء لا حساب
__________
[1] في الأصل، والمطبوع، و «الكاشف» للذهبي (2/ 217) ، و «تقريب
التهذيب» لابن حجر (2/ 8) : «المزني» بضم الميم بعدها زاي. وهو خطأ.
وفي «العبر» للذهبي (1/ 128) ، و «الخلاصة» للخزرجي ومعظم المراجع التي
بين يدي: «المري» وهو الصواب.
(2/28)
عليهم ولا عذاب. فأقبل على الظلم وإتلاف
المال والشراب، والانهماك على سماع الغناء، والخلوة بالقينات [1] .
وكان ممن استولى على عقله جارية يقال لها حبابة [2] ، وكانت تغنّيه،
فلما كثر ذلك منه عزله أخوه مسلمة، وقال له: إنما مات عمر أمس، وكان من
عدله ما قد علمت، فينبغي أن تظهر للنّاس العدل [3] ، وترفض هذا اللهو،
فقد اقتدى بك عمّالك [4] في سائر أفعالك وسيرتك، فارتدع عما كان عليه،
وأظهر الإقلاع والندم، وأقام على ذلك [مدّة] [5] مديدة، فغلظ ذلك على
حبابة، فبعث إلى الأحوص الشّاعر [6] ومعبد المغنّي [7] وقالت: انظرا ما
أنتما
__________
[1] في المطبوع: «بالقيات» وهو خطأ. والقينات: جمع قينة، وهي الأمة
المغنية، وقيل: القينة: الأمة، مغنّية كانت أو غير مغنية. والقين:
العبد، والجمع قيان. انظر «لسان العرب» (قين) .
[2] انظر ترجمتها ومصادرها في «أعلام النساء» لكحالة (1/ 232- 235) .
[3] في الأصل: «فينبغي أن تظهر للناس من العدل» وعبارة المطبوع التي
أثبتها تتفق مع عبارة «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 207) الذي ينقل عنه
المؤلف.
[4] في الأصل، والمطبوع: «فقد اقتدي بأعمالك» وما أثبته من «مروج
الذهب» .
[5] لفظة «مدة» التي بين حاصرتين سقطت من الأصل، واستدركتها من
المطبوع، و «مروج الذهب» .
[6] هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم الأنصاري، من بني ضبيعة:
شاعر هجاء، صافي الديباجة، من طبقة جميل بن معمر، ونصيب، كان معاصرا
لجرير، والفرزدق، وهو من سكان المدينة وفد على الوليد بن عبد الملك في
الشام، فأكرمه ثم بلغه عنه ما ساءه من سيرته، فردّه إلى المدينة، وأمر
بجلده، فجلد، ونفي إلى «دهلك» - وهي جزيرة بين اليمن والحبشة، كان بنو
أمية ينفون إليها من يسخطون عليه- فبقي فيها إلى ما بعد وفاة عمر بن
عبد العزيز.
وأطلقه يزيد بن عبد الملك. فقدم الشام، فمات فيها. وكان حمّاد الرّاوية
يقدمه في النسيب على شعراء زمنه. ولقب بالأحوص لضيق في مؤخر عينيه. مات
سنة (105) هـ. عن «الأعلام» للزركلي (4/ 116) . وللتوسع انظر ترجمته في
«شرح أبيات مغني اللبيب» للبغدادي (5/ 19- 20) طبع دار المأمون للتراث
بدمشق، وفيه «الأحوص بن محمد بن عبد الله» ، وانظر «الأغاني» (4/ 224)
ط دار الكتب.
[7] هو معبد بن وهب، أبو عبّاد، المدني، نابغة الغناء العربي في العصر
الأموي. كان مولى لبني مخزوم، نشأ في المدينة يرعى الغنم لمواليه،
وربما اشتغل في التجارة. ولما ظهر
(2/29)
صانعان، فقال الأحوص في أبيات له:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا ... فقد غلب المحزون أن يتجلّدا
إذا كنت ممنوعا [1] عن اللهو والصّبا ... فكن حجرا من يابس الصّخر
جلمدا [2]
فما العيش [3] إلّا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا
[4]
وغنّاه معبد، فأخذته حبابة عنه، فلما دخل عليها يزيد قالت: يا أمير
المؤمنين [اسمع منّي] [5] صوتا واحدا ثم افعل ما بدا لك [6] وغنّته،
فلما فرغت منه، جعل يردّد قولها:
فما العيش إلّا ما تلذّ وتشتهي ... وإن لام فيه ذو الشّنان وفنّدا
وعاد بعد ذلك إلى لهوه وقصفه [7] ورفض ما كان عزم عليه.
وعن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: حدثني ابن سلام قال: ذكر يزيد قول
الشّاعر:
صفحنا عن بني ذهل ... وقلنا القوم إخوان
عسى الأيام أن يرجع ... ن قوما كالّذي كانوا
__________
نبوغه في الغناء، أقبل عليه كبراء المدينة. ثم رحل إلى الشام، فاتصل
بأمرائها، وارتفع شأنه. وكان أديبا فصيحا. وعاش طويلا إلى أن انقطع
صوته. ومات في سنة (126) هـ.
انظر «الأعلام» (7/ 264) .
[1] في «الشعر والشعراء» ، و «طبقات فحول الشعراء» : «إذا كنت عزهاة عن
اللهو والصّبا» .
قال ابن منظور في «لسان العرب» (عزه) : ورجل عزهاة وعزهاءة ... عازف عن
اللهو والنساء، لا يطرب للهو ويبعد عنه.
[2] قال ابن منظور: الجلمد والجلمود: الصّخر، وفي «المحكم» الصخرة،
وقيل: الجلمد والجلمود أصغر من الجندل. قدر ما يرمى بالقذّاف. «لسان
العرب» (جلمد) .
[3] في «الشعر والشعراء» : «وما العيش» ، وما في كتابنا موافق لما عند
ابن سلّام في «الطبقات» .
[4] الأبيات في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص (331) ط ليدن، و «طبقات
فحول الشعراء» (2/ 664) بتحقيق المحقق الكبير الأستاذ محمود محمد شاكر
حفظه الله.
[5] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، فاضطرب النص، وقد استدركت
السقط من «مروج الذهب» للمسعودي (3/ 207) الذي ينقل عنه المؤلف رحمه
الله.
[6] في الأصل، والمطبوع: «وافعل ما بدا لك» ، وما أثبته من «مروج
الذهب» .
[7] القصف: اللهو واللّعب. انظر «مختار الصحاح» ص (538) .
(2/30)
فلما صرّح الشّرّ ... فأضحى [1] وهو عريان
مشينا مشية اللّيث ... غدا واللّيث غضبان
بضرب فيه توهين ... وتخضيع وإقران
وطعن كفم الزّقّ ... وهي والزّقّ ملآن
وفي الشّرّ نجاة حي ... ن لا ينجيك إحسان
وهو شعر قديم يقال: إنه للفند الزّمّاني [2] في حرب البسوس [3] فقال
لحبابة: غنّيني به بحياتي، فقالت: يا أمير المؤمنين، هذا شعر لا أعرف
أحدا يغنّي به إلّا الأحول المكّي [4] فقال: نعم قد كنت سمعت ابن عائشة
[5] يعمل فيه ويترك، قالت: إنما أخذه عن فلان ابن أبي لهب، وكان حسن
الأداء، فوجه يزيد إلى صاحب مكّة: إذا أتاك كتابي هذا، فادفع إليّ فلان
ابن أبي لهب ألف دينار لنفقة طريقه على ما شاء من دواب البريد، ففعل،
فلما قدم عليه،
__________
[1] في «مروج الذهب» : «فأمسى» والأبيات فيه (3/ 208) .
[2] هو شهل بن شيبان بن ربيعة بن زمان الحنفي، وشهل بالشين، وليس في
العرب شهل بالمعجمة إلّا هو. انظر «شرح أبيات مغني اللبيب» للبغدادي
(8/ 19- 20) .
[3] البسوس: امرأة من العرب هاجت بسببها الحرب أربعين سنة بين العرب،
فضرب بها المثل في الشّؤم، فقالوا: أشأم من البسوس، وبها سميت حرب
البسوس. «مختار الصحاح» ص (52) . وانظر «الأعلام» للزركلي (3/ 51) .
[4] لعله يعلى بن مسلم بن أبي قيس اليشكري الأزدي. الأحول، شاعر أموي،
اشتهر بقصيدة قالها في مكة أولها:
ألا ليت حاجاتي اللواتي حبسنني ... لدى نافع قضين منذ زمان
واختلف الرّواة في خبره. انظر «الأعلام» للزركلي- طيب الله ثراه- (8/
204- 205) .
[5] هو محمد بن عائشة، أبو جعفر، موسيقار من المقدمين في صناعة الغناء،
ووضع الألحان في العصر الأموي، يرتجل ذلك ارتجالا. وهو من أهل المدينة،
ينسب إلى أمه. وكانت مولاة لأحد بني كندة، ويضرب المثل في ابتدائه
بالغناء، حتى قيل للابتداء الحسن كائنا ما كان، من قراءة قرآن، أو
إنشاء شعر، أو غناء: كأنه ابتداء ابن عائشة. مات سنة (100) هـ. انظر
«الأعلام» للزركلي (6/ 179) .
(2/31)
قال: غنّني بشعر الفند الزّمّاني، فغنّاه،
فأجاد، وأحسن، وأطرب، فقال:
أعده، فأعاده، فأجاد، وأطرب يزيد، فقال له: عمّن أخذت هذا الغناء؟ قال:
أخذته عن أبي، وأخذه أبي عن أبيه، قال: لو لم ترث إلّا هذا الصّوت لكان
أبو لهب- رضي الله عنه! - ورّثكم خيرا كثيرا [1] ، فقال: يا أمير
المؤمنين، إن أبا لهب مات كافرا مؤذيا لرسول الله- صلّى الله عليه
وسلّم- قال: قد أعلم ما تقول، ولكني داخلني عليه رقة إذ كان يجيد
الغناء، ووصله، وكساه، ورده إلى بلده مكرّما.
وبالجملة فأخباره من هذا القبيل كثيرة [2] فلنحبس عنان القلم عن ذلك
سامحه الله تعالى.
وفيها، أو في التي قبلها أو بعدها، مات عكرمة مولى ابن عبّاس، أحد
فقهاء مكّة، من التابعين الأعلام، أصله من البربر. وهب لابن عبّاس،
فاجتهد في تعليمه، ورحل إلى مصر وخراسان، واليمن، وأصبهان، والمغرب،
وغيرها، وكانت الأمراء تكرمه، وأذن له مولاه بالفتوى.
وقيل لسعيد بن جبير: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ فقال [3] : عكرمة.
ولما مات مولاه باعه ابنه عليّ من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف
دينار، فقال له عكرمة: بعت علم أبيك بأربعة آلاف [دينار!] [4] ،
فاستقاله فأقاله ثم أعتقه.
قيل: مات هو وكثيّر عزّة في يوم واحد وصلّي عليهما جميعا، فقيل:
مات أفقه النّاس وأشعر النّاس.
قال ابن قتيبة [5] : كان عكرمة يكنى أبا عبد الله.
__________
[1] أقول: بل ورّثهم شرا كثيرا. (ع) .
[2] في الأصل «كثير» ، وأثبت ما في المطبوع.
[3] في الأصل: «قال» وأثبت ما في المطبوع.
[4] زيادة من «وفيات الأعيان» الذي ينقل المؤلف عنه.
[5] في «المعارف» ص (455- 457) .
(2/32)
وروى جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد
الله بن الحارث قال:
دخلت على عليّ بن عبد الله بن عبّاس، وعكرمة موثوق على باب كنيف [1] ،
فقلت: أتفعلون هذا بمولاكم؟ فقال: إن هذا يكذب على أبي.
وقال ابن الخلّال: سمعت يزيد بن هارون يقول: قدم عكرمة البصرة، فأتاه
أيّوب، وسليمان التيمي، ويونس، فبينما هو يحدثهم، إذ سمع صوت غناء،
فقال عكرمة: اسكتوا، فسمع [2] ثم قال:- قاتله الله- لقد أجاد، أو قال:
ما أجود ما غنى، فأما سليمان، ويونس فلم يعودا إليه، وعاد [إليه] [3]
أيوب.
قال يزيد: وقد أحسن أيوب.
ثم قال ابن قتيبة: وكان عكرمة يرى رأي الخوارج.
وطلبه بعض الولاة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده. ومات سنة خمس
ومائة، وقد بلغ ثمانين سنة. انتهى.
وقال ابن ناصر الدّين: احتج أحمد، ويحيى، والبخاريّ، والجمهور بما روى،
وأعرض عنه مالك لمذهبه، وما كان يرى.
قال طاووس: لو ترك من حديثه واتّقى الله لشدّت إليه الرّحال. انتهى.
وفيها على الأصح أبو رجاء العطارديّ بالبصرة عن مائة وعشرين سنة، وكان
أسلم في حياة النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وأخذ عن عمر، وطائفة.
__________
[1] قال ابن منظور: كنف الدار يكنفها كنفا: اتخذ لها كنيفا. والكنيف:
الخلاء، وكله راجع إلى السّتر، وأهل العراق يسمون ما أشرعوا من أعالي
دورهم كنيفا، واشتقاق اسم الكنيف كأنه كنف في أستر النواحي. «لسان
العرب» (كنف) .
[2] في «المعارف» : «فنسمع» .
[3] لفظة «إليه» سقطت من الأصل، والمطبوع، وأثبتها من «المعارف» لابن
قتيبة.
(2/33)
قال ابن قتيبة [1] : اسمه عمران بن تيم [2]
، ويقال: عطارد بن برد [3] .
ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة، وهو من ولد عطارد بن عوف بن كعب بن سعد
بن زيد مناة بن تميم. ويقال: إنه مولى لهم.
وقال أبو رجاء: لما بلغني أنّ النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- أخذ في
القتل هربنا فأصبنا شلو أرنب دفينا، فاستثرناه وقعدنا [4] عليه،
وألقينا من بقول الأرض، فلا أنسى تلك الأكلة.
حدّثني [5] أبو حاتم، عن الأصمعيّ قال: حدّثنا رزين [6] العطارديّ قال:
أتت أبا رجاء امرأة في جوف الليل، فقالت: يا أبا رجاء، إن لطارق الليل
حقا، وإن [7] بني فلان خرجوا إلى سفوان [8] وتركوا شيئا من متاعهم،
فانتعل [9] وأخذ الكتب فأداها [10] وصلّى بنا الفجر، وهي مسيرة ليلة
للإبل. انتهى.
__________
[1] في «المعارف» ص (427) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «عمران بن تميم» وهو خطأ، والتصحيح من
«المعارف» لابن قتيبة، و «اللباب» لابن الأثير (2/ 346) ، واسمه في
معظم المراجع الأخرى التي بين يدي:
«عمران بن ملحان» .
[3] في «المعارف» ط د. عكاشة: «عطارد بن برذا» ، وفي ط. الصاوي ص (189)
: «عطارد بن برز» .
[4] في «المعارف» ط د. عكاشة: «وفصدنا» ، وفي ط. الصاوي: «وقصرنا» .
[5] القائل ابن قتيبة في «المعارف» ص (428) .
[6] كذا في الأصل: «رزين» ، وفي «المعارف» ط الصاوي ص (189) : «ذريك» ،
وفي «المعارف» ط د. ثروة عكاشة: «أبو الأشهب» وقال محققه: في الحاشية:
وفي نسخ أخرى:
«زريك» .
[7] سقطت ألف «إن» في الأصل، والمطبوع، واستدركتها مع الواو من
«المعارف» لابن قتيبة.
[8] سفوان: واد من ناحية بدر. انظر «معجم ما استعجم» للبكري (2/ 740) ،
و «معجم البلدان» لياقوت (3/ 225) .
[9] في الأصل، والمطبوع: «فانتقل» والتصحيح من «المعارف» .
[10] في الأصل، والمطبوع: «فأواها» والتصحيح من «المعارف» بطبعتيه.
(2/34)
وعدّه ابن ناصر الدّين وغيره من المخضرمين،
وقال: عاش مائة وعشرين سنة.
وفيها الأخوان عبيد الله، وعبد الله، ابنا عبد الله بن عمر بن الخطّاب،
وكان عبد الله وصيّ أبيه، وروايتهما قليلة.
والمسيّب بن رافع الكوفي، سمع البراء، وجماعة.
وعمارة بن خزيمة بن ثابت. روى عن أبيه ذي الشّهادتين [1] وجماعة يسيرة،
وهو مدنيّ.
وسليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، روى عن أبيه، وعائشة، وغيرهما.
وأبان بن عثمان بن عفّان الأمويّ الفقيه، روى عن أبيه.
قال ابن سعد [2] : كان به صمم [شديد] [3] ووضح كثير، وأصابه الفالج قبل
موته بسنة.
قال ابن قتيبة [4] : أبان بن عثمان شهد الجمل مع عائشة، وكان الثاني من
المنهزمين، وكانت أمه بنت جندب [5] بن عمرو بن حممة الدّوسي، وكانت
حمقاء. تجعل الخنفساء في فمها وتقول: حاجيتك ما في فمي؟ وهي أمّ عمرو
بن عثمان أيضا.
__________
[1] هو خزيمة بن ثابت الأنصاري، مات في زمن عثمان. انظر «الإصابة» لابن
حجر (5/ 95) .
[2] في «الطبقات» (5/ 152- 153) .
[3] زيادة من «طبقات ابن سعد» ، وانظر «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 18) ط
مؤسسة الرسالة.
[4] في «المعارف» ص (201) .
[5] في الأصل، والمطبوع: «حنيدب» وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» لابن
قتيبة، و «أسد الغابة» لابن الأثير (1/ 361) ، و «تهذيب الكمال» للمزي
(2/ 16) ط مؤسسة الرسالة، و «تهذيب التهذيب» (1/ 97) .
(2/35)
وكان أبان أبرص، أحول، يلقب: بقيعا [1] .
وكانت عنده أمّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر، خلف عليها بعد الحجّاج.
وعقبه كثير، منهم: عبد الرّحمن بن أبان [و] كان [عابدا] مجتهدا [2]
يحمل عنه الحديث. انتهى.
وفيها توفي أبو صخر كثيّر بن عبد الرّحمن صاحب عزّة، وإنما صغّر لشدة
قصره، وكان يحمق، وهو من غلاة الشيعة الموقنين بالرّجعة [3] وكان بمصر،
وعزّة بالمدينة، فسافر ليجتمع بها، فلقيها في الطريق متوجهة إلى مصر،
وجرى بينهما كلام طويل، ثم تمت في سفرها إلى مصر، وتأخر كثيّر بعدها
مدّة ثم عاد إلى مصر، فجاء والنّاس منصرفون من جنازتها.
وروي أن عزّة دخلت على أمّ البنين ابنة عبد العزيز أخت عمر بن عبد
العزيز، وزوجة الوليد بن عبد الملك، فقالت لها: رأيت قول كثيّر:
قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه [4] ... وعزّة ممطول معنّى غريمها [5]
[فقالت] : ما هذا الدّين؟ قالت [6] : وعدته قبلة فتحرّجت [7] منها،
فقالت
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «بقنعة» ، وهو تحريف، والتصحيح من «المعارف»
لابن قتيبة ص (201) ط د. ثروة عكاشة، وهو كذلك في «المعارف» ص (86) ط
الصّاوي.
[2] ما بين حاصرتين زيادة من «المعارف» ط د. ثروة عكاشة، وط الصاوي،
ولفظة «مجتهدا» سقطت من «المعارف» ط د. ثروة عكاشة، فتستدرك فيه.
[3] أي رجعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الدّنيا، وذلك باطل لا
حجة له في الشريعة الإسلامية. وانظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (5/
152- 153) والتعليق عليه للأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله
تعالى.
[4] رواية البيت في «تاريخ دمشق» لابن عسكر (تراجم النساء) ص (481) :
«قضى كل ذي دين علمت غريمه» .
[5] البيت في «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني (9/ 25) ط دار الكتب، و
«وفيات الأعيان» (4/ 109) .
[6] في الأصل، والمطبوع: «فقالت» ، وأثبت ما في «وفيات الأعيان» لابن
خلكان (4/ 108) الذي ينقل المؤلف رحمه الله عنه.
[7] في «وفيات الأعيان» : «فحرجت» وما في كتابنا موافق لما في «تاريخ
دمشق» لابن عساكر.
(2/36)
أمّ البنين: أنجزيها وعليّ إثمها، فقيل:
إنّ أمّ البنين أعتقت عن ذلك رقابا [1] .
ويقال: إنه لما سمحت له بالقبلة، قبّلها في فمها، وقذف من فمه إلى فمها
بلؤلؤة ثمينة [2] ، وكان لكثيّر غلام عطار بالمدينة، فباع من عزّة
ونسوة معها نسيئة، ثم علم أنها عزّة فأبرأها، فعلم كثيّر، فأعتقه ووهبه
العطر الذي عنده.
وحكي أن عبد الملك حين أراد الخروج لقتال مصعب بن الزّبير، عرضت له
زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية، فلم يقبل منها، فبكت وبكى حشمها، فقال
عبد الملك: قاتل الله كثيّرا كأنه رأى موقفنا هذا بقوله:
إذا ما أراد الغزو لم يثن عزمه ... حصان عليها نظم درّ يزينها [3]
نهته فلمّا لم تر النّهي [4] عاقه ... بكت فبكى مما شجاها قطينها [5]
والقطين: الخدم [6] .
وذكر أن كثيّرا كان يهوى كل حسن، إما لشبهة بعزّة، أو استقلالا، ولهذا
يقال: فلان كثيّريّ المحبّة، أي يحب كلّ من يعرض له لا يتقيد بمحبوب
معين، بخلاف العامري.
__________
[1] في «تاريخ دمشق» : «سبعين رقبة» ، وفي «وفيات الأعيان» : «أربعين
رقبة» .
[2] قوله: «ويقال: إنه لما سمحت له بالقبلة، قبلها في فمها، وقذف من
فمه إلى فمها بلؤلؤة ثمينة» لم يرد في «وفيات الأعيان» بتحقيق الأستاذ
الدكتور إحسان عبّاس، ولعلّ ابن العماد نقل هذا الكلام من نسخة أخرى من
«وفيات الأعيان» لم يقف عليها الدكتور عبّاس، أو أنه نقله من مصدر آخر.
[3] رواية البيت في «الأغاني» :
إذا ما أراد الغرو لم تثن همّه ... حصان عليها عقد درّ يزينها
[4] في الأصل، والمطبوع: «لم ير النهي» وهو تحريف والتصحيح من
«الأغاني» و «وفيات الأعيان» .
[5] البيتان في «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني (9/ 21) ، و «وفيات
الأعيان» (4/ 108) .
[6] قال ابن منظور: القطين: الخدم والأتباع والحشم، وفي «التهذيب» :
الحشم الأحرار.
والقطين المماليك. والقطين: الإماء. «لسان العرب» (قطن) .
(2/37)
ذكر أن عزّة تبدّلت في غير زيّها وتعرّضت
لكثيّر، فراودها غير عالم بها، فقالت: اذهب إلى محبوبتك عزّة، فقال:
ومن عزّة حتى تقاس بك؟ فسفرت عن وجهها وشتمته، فأطرق حياء ولم يذكرها
إلى سنة، ثم بعد السنة أنشد تائيته الطنّانة التي سارت بها الرّكبان،
التي مطلعها:
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت [1] .
__________
[1] البيت في «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني (9/ 30) .
(2/38)
|