شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى عشرة ومائة
فيها عزل مسلمة عن أذربيجان، وأعيد الجرّاح الحكميّ، فافتتح مدينة
البيضاء [1] التي للخزر، فجمع ابن خاقان جمعا عظيما، وساق، فنازل
أردبيل.
وفيها توفي عطيّة بن سعد العوفي الكوفيّ. روى عن أبي هريرة، وطائفة.
ضربه الحجّاج أربعمائة سوط على أن يشتم عليا [رضي الله عنه] ، فلم
يفعل، وهو ضعيف الحديث، قاله الذّهبيّ [2] .
وفيها القاسم بن مخيمرة الهمدانيّ الكوفيّ، نزيل الشّام. روى عن أبي
سعيد، وعلقمة، وكان عالما، نبيلا، زاهدا، رفيعا.
__________
[1] البيضاء مدينة مشهورة بفارس ... وكان اسمها في أيام الفرس درإسفيد،
فعرّبت بالمعنى، وقيل: كان اسمها نسايك. وسميت البيضاء لأن قلعتها
بيضاء يرى بياضها من بعيد، وهي بالكبر تضاهي إصطخر، وكانت معسكرا
للمسلمين يقصدونها في فتح إصطخر، وبناؤهم من طين، وينسب إليها جماعة من
أهل العلم والفضل. انظر «معجم البلدان» (1/ 529) ، و «الروض المعطار»
للحميري ص (120- 121) .
[2] في «العبر» (1/ 137) . وانظر «المغني في الضعفاء» للذهبي أيضا (2/
436) بتحقيق الدكتور نور الدين عتر، ط دار المعارف بحلب.
(2/62)
سنة اثنتي عشرة
ومائة
فيها سار مسلمة في شدّة البرد والثّلج حتّى جاوز الباب من بلاد التّرك،
وافتتح مدائن وحصونا.
وافتتح معاوية بن هشام خرشنة من ناحية ملطية [1] .
وفيها زحف الجرّاح الحكميّ من برذعة [2] إلى ابن خاقان [3] وهو محاصر
أردبيل [4] ، فالتقى الجمعان، فاشتد وكسر المسلمون، وقتل الجرّاح
الحكميّ- رحمه الله- وغلبت الخزر- لعنهم الله- على أذربيجان، وبلغت
خيولهم إلى الموصل، وكان بأسا شديدا على الإسلام.
قال الواقديّ: وكان بأسا شديد البلاء عظيما [5] على المسلمين بمقتل
__________
[1] خرشنة وملطية كانتا من بلاد الرّوم، وهما الآن في الجنوب الشرقي
لتركيا. انظر «معجم البلدان» لياقوت (2/ 359) و (5/ 192) ، و «الروض
المعطار» للحميري ص (218) و (545) .
[2] برذعة: تقع الآن في الشمال الغربي من إيران على مقربة من بحر
قزوين. انظر «معجم البلدان» (1/ 379) ، و «المختار من أحسن التقاسيم»
للمقدسي ص (255) إعداد الأستاذ غازي طليمات.
[3] هو مارتيك بن خاقان. انظر «تاريخ خليفة بن خياط» ص (338) .
[4] أردبيل: تقع الآن في الشمال الغربي لإيران. انظر «معجم البلدان»
لياقوت (1/ 145) ، و «المختار من أحسن التقاسيم» ص (256) .
[5] قوله: «بأسا شديد» لم يرد في المطبوع.
(2/63)
الجرّاح، وبكوا عليه.
روى أبو مسهر [1] عن رجل، أن الجرّاح قال: تركت الذنوب أربعين سنة، ثم
أدركني الورع، وكان من قراء أهل الشام.
وقال غيره: ولي خراج خراسان لعمر بن عبد العزيز، وكان إذا مرّ بجامع
دمشق يميل رأسه عن القناديل لطوله.
وفيها غزا الأشرس السّلميّ فرغانة، فأحاطت به التّرك.
وفيها أخذت الخزر أردبيل بالسيف، فبعث هشام إلى أذربيجان سعيد بن عمرو
الجرشي، فالتقى الخزر، فهزمهم واستنقذ سبيا كثيرا وغنائم، ولطف الله
تعالى.
وفيها [توفي] [2] أبو المقدام رجاء بن حيوة [3] الكنديّ الشاميّ
الفقيه، روى عن معاوية وطبقته، وكان شريفا نبيلا كامل السؤدد.
قال مطر الورّاق: ما رأيت شاميا أفقه منه.
وقال مكحول: هو سيّد أهل الشّام في أنفسهم.
وقال مسلمة الأمير في كندة: رجاء بن حيوة، وعبادة بن نسيّ، وعديّ بن
عديّ، إن الله لينزل بهم الغيث، وينصر بهم على الأعداء.
بلغ يوما عبد الملك قول من بعض النّاس، فهمّ أن يعاقب صاحبه، فقال له
رجاء: يا أمير المؤمنين، قد فعل الله بك ما تحب حيث أمكنك منه، فافعل
ما يحبه الله من العفو، فعفا عنه وأحسن إليه.
__________
[1] هو عبد الأعلى بن مسهر، عالم الشام في عصره، مات سنة (218) هـ،
وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
[2] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 138) .
[3] في الأصل: «حياة» وهو خطأ.
(2/64)
وفيها القاسم بن عبد الرّحمن الدمشقيّ
الفقيه الفاضل، أدرك أربعين من المهاجرين والأنصار.
وطلحة بن مصرّف الياميّ [1] الهمدانيّ الكوفيّ، كان يسمى سيّد القراء.
قال أبو معشر: ما ترك بعده مثله، ولما علم إجماع أهل الكوفة على أنه
أقرأ من بها، ذهب ليقرأ على الأعمش رفيقه، لينزل رتبته في أعينهم،
ويأبى الله إلّا رفعته.
سمع عبد الله بن أبي أوفى، وصغار الصّحابة، ومات كهلا، ورحمه الله
تعالى.
__________
[1] نسبة إلى يام بن أصبى بن رافع بن مالك بن جشم بن حاشد بن جشم بن
خيران بن نوف بن همدان، بطن من همدان، ينسب إليه كثير من أهل العلم.
انظر «اللباب» لابن الأثير (3/ 406) .
(2/65)
سنة ثلاث عشرة ومائة
فيها التقى المسلمون والتّرك بظاهر سمرقند، فاستشهد الأمير الخطير سورة
بن أبحر [1] الدّارميّ عامل سمرقند وعامة أصحابه. ثم التقاهم الجنيد
المريّ فهزمهم.
وفيها أعيد مسلمة إلى ولاية أذربيجان وإرمينية، فالتقى خاقان، فاقتتلوا
قتالا عظيما وتحاجروا، ثم التقوا بعدها فانهزم خاقان.
وفيها غزا المسلمون وهم ثمانية آلاف، وعليهم مالك بن شبيب الباهليّ،
فوغل بهم في أرض الرّوم، فحشدوا لهم والتقوا، فانكسر المسلمون وقتل
أميرهم مالك بن شبيب، وقتل معه جماعة كثيرة، منهم عبد الوهّاب بن بخت
مولى بني مروان، وكان موصوفا بالشجاعة والإقدام. روى عن ابن عمر، وأنس،
ووثقه أبو زرعة، وكان معه في القتلى أبو يحيى عبد الله الأنطاكي أحد
الشجعان الذين يضرب بهم المثل، وله مواقف مشهودة، وكان طليعة جيش
مسلمة، وله أخبار في الجملة، لكن كذبوا عليه، وحمّلوه من الخرافات
والكذب ما لا يحدّ ولا يوصف.
وفيها توفي فقيه الشّام أبو عبد الله مكحول مولى بني هذيل، أرسل عن
__________
[1] ويقال له: سورة بن الحر أيضا.
(2/66)
طائفة من الصّحابة، وسمع من واثلة بن
الأسقع، وأنس، وأبي أمامة الباهلي وخلق.
قال ابن إسحاق: سمعته يقول: طفت الأرض في طلب العلم.
وقال أبو حاتم [1] : ما أعلم [بالشّام] [2] أفقه من مكحول.
ولم يكن في زمنه أبصر بالفتيا منه، ولا يفتي حتّى يقول: لا حول ولا قوة
إلّا بالله العلي العظيم، ويقول: هذا رأيي والرّأي يخطئ ويصيب.
وقال سعيد بن عبد العزيز: أعطوا مكحولا مرّة عشرة آلاف دينار، فكان
يعطي الرّجل خمسين دينارا.
وقال الزّهريّ: العلماء ثلاثة، فذكر منهم مكحولا.
وقال ابن قتيبة [3] : قال الواقديّ: هو من كابل [4] ، مولى لامرأة من
هذيل.
وقال ابن عائشة: كان مكحول مولى لامرأة من قيس، وكان سنديّا لا يفصح.
قال نوح بن سفيان: سأله بعض الأمراء عن القدر فقال: أساهر أنا؟
[- يريد: ساحرا-] [5] ؟ وكان يقول بالقدر. انتهى كلام ابن قتيبة.
وقال ابن ناصر الدّين في «شرح بديعية البيان» [6] : هو ابن أبي مسلم
__________
[1] في «الجرح التعديل» (8/ 407) .
[2] زيادة من «الجرح والتعديل» .
[3] في «المعارف» ص (453) .
[4] وهي عاصمة أفغانستان المعاصرة سلمها الله.
[5] زيادة من «المعارف» لابن قتيبة.
[6] لعل الصواب «بديعة البيان عن موت الأقران» كما في «لحظ الألحان
بذيل طبقات الحفاظ» لابن فهد ص (284) و (321) وكما ستذكر في مواطن أخرى
من الكتاب.
(2/67)
ابن شاذل بن سفد بن شروان الكابليّ الهذليّ
مولاهم، الدّمشقي، أبو عبد الله. وقيل: كنيته أبو أيوب، كان فقيه أهل
دمشق، وأحد أوعية العلم والآثار.
روى عن أبي أمامة، وواثلة، وأنس، وخلق من الأخيار. وروى تدليسا عن
أبيّ، وعبادة بن الصّامت، وعائشة، والكبار.
قال سعيد بن عبد العزيز: كان مكحول أفقه من الزّهريّ، وكان بريئا من
القدر. انتهى كلام ابن ناصر الدّين.
وقال الذّهبيّ في «المغني» [1] : وثقه جماعة.
وقال ابن سعد: ضعفه جماعة [2] . انتهى.
وفيها توفي معاوية بن قرّة المزنيّ [3] البصريّ عن ثمانين سنة، وكان
يقول: لقيت ثلاثين صحابيا [4] .
ويوسف بن ماهك المكيّ. روى عن عائشة وجماعة، وقد لقيه ابن جريج وغيره.
__________
[1] «المغني في الضعفاء» (2/ 675) .
[2] انظر «طبقات ابن سعد» (7/ 454) وقد ساق الذهبي رحمه الله كلام ابن
سعد فيه بالمعنى، ولم ينقل المؤلف ابن العماد كلام ابن سعد من
«الطبقات» وإنما عول في النقل على «المغني» للذهبي.
[3] تحرفت في «العبر» للذهبي (1/ 141) إلى «المدني» فتصحح فيه.
[4] قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/ 154) : روى أبو طلحة شدّاد
بن سعيد الراسبي، عن معاوية- يعني ابن قرّة- قال: أدركت ثلاثين من
الصحابة، ليس فيهم إلّا من طعن أو طعن، أو ضرب أو ضرب مع رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم.
(2/68)
سنة أربع عشرة ومائة
فيها عزل مسلمة عن أذربيجان، والجزيرة [1] ووليها مروان الحمار [2]
فسار مروان حتّى جاوز نهر الزمّ [3] فأغار وقتل وسبى خلقا من الصقالبة.
وفي رمضان على الأصح، وقيل: في سنة خمس عشرة [4] توفي فقيه الحجاز أبو
محمّد عطاء بن أبي رباح أسلم، من مولدي الجند [5] وأمه سوداء تسمى
بركة، وكان صبيا نشأ بمكّة وتعلم الكتاب بها، وهو مولى لبني فهر، وكان
على ما قال ابن قتيبة [6] أسود [أعور] [7] أفطس، أشل، أعرج، ثم عمي بعد
ذلك، ومات وله ثمان وثمانون سنة.
__________
[1] يعني جزيرة أقور التي بين دجلة والفرات.
[2] هو مروان بن محمد بن مروان بن الحكم، المعروف ب الجعدي وبالحمار،
آخر ملوك بني أمية في الشام. انظر خبره في ص (79) من هذا المجلد و
«الأعلام» للزركلي (7/ 208) .
[3] في «تاريخ خليفة بن خياط» ص (345) : «نهر الرمّ» وهو تصحيف، وفي
«العبر» للذهبي (1/ 141) : «نهر الرّوم» وهو تحريف، والزمّ: بليدة على
طريق جيحون من ترمذ وآمل، نسب إليها نفر من أهل العلم. انظر «معجم
البلدان» لياقوت (3/ 151) .
[4] وهو قول ابن قتيبة في «المعارف» ص (444) .
[5] بلدة تقع الآن في الجنوب الغربي للاتحاد السوفيتي، وأهلها مسلمون
يتبعون مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رحمه الله، خرج منها فيما مضى
عدد كبير من العلماء انظر «معجم البلدان» الياقوت (2/ 168) ، و
«الأنساب» (3/ 319- 320) .
[6] في «المعارف» ص (444) .
[7] لفظة «أعور» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «المعارف»
لابن قتيبة.
(2/69)
وقال في «العبر» [1] : كان من مولّدي
الجند، أسود مفلفل الشعر. سمع عائشة، وأبا هريرة، وابن عبّاس.
قال أبو حنيفة: ما رأيت أفضل منه.
وقال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة. وكان من أحسن النّاس
صلاة.
وقال الأوزاعي: مات عطاء يوم مات وهو [2] أرضى أهل الأرض عند النّاس.
وقال إسماعيل بن أميّة: كان عطاء يطيل الصمت، فإذا تكلّم يخيل إلينا
أنه يؤيّد.
وقال غيره: كان لا يفتر عن [3] الذكر. انتهى كلامه في «العبر» .
انفرد بالفتوى بمكّة هو ومجاهد، وكان بنو أميّة يصيحون بالموسم [4] لا
يفتي أحد غيره، وما روي عنه أنه كان يرى إباحة وطء الإماء بإذن أهلهن،
وكان يبعث بهن إلى أضيافه، فقد قال القاضي شرف الدّين بن خلّكان [5] :
اعتقادي أن هذا لا يصح عنه، فإنه لو رأى الحلّ، فإن الغيرة والمروءة
تمنعه عن ذلك.
قال اليافعيّ [6] : ينبغي أن يحمل [7] بعثهن لسماع القول منهن نحو ما
نقل عن بعض المشايخ الصوفية أنه كان يأمر جواريه يسمعن أصحابه، وفيه
__________
[1] (1/ 141- 142) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «وكان» وأثبت ما جاء في «العبر» للذهبي (1/
142) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «من» وأثبت ما جاء في «العبر» للذهبي.
[4] في المطبوع: «في الموسم» .
[5] في «وفيات الأعيان» (3/ 262) والمؤلف ينقل كلامه بالمعنى.
[6] في «مرآة الجنان» (1/ 271) ، ط مؤسسة الرسالة، والمؤلف ينقل كلامه
بالمعنى.
[7] تحرفت في «مرآة الجنان» إلى «أن يحل» فتصحح فيه.
(2/70)
أيضا ما فيه، فإن صحّ فيحمل على ما إذا لم
تحصل فتنة بحضورهن وسماعهن، إذا قلنا: إن صوت المرأة ليس بعورة، والله
أعلم.
وفيها، وقيل: سنة ثمان أو تسع عشرة، توفي أبو محمّد علي بن عبد الله بن
عبّاس جدّ السّفّاح، والمنصور، وكان سيدا شريفا، أصغر أولاد أبيه،
وأجمل قرشيّ على وجه الأرض وأوسمه، وأكثره صلاة، ولذلك دعي بالسّجّاد،
وكان له خمسمائة أصل زيتون يصلي تحت كلّ ركعتين فالمجموع ألف ركعة.
روي أن عليّا جاء ابن عبّاس يهنّئه به يوم ولد وقال له: شكرت الواهب
وبورك لك في الموهوب، ما سميته؟ قال: أو يجوز أن أسميه حتّى تسميه، ثم
حنّكه ودعا له وقال: خدّامك الخلائق والأملاك، سمّيته عليا، وكنيته أبا
الحسن.
وقيل: إنه ولد يوم قتل عليّ، وهذا يناقض ما تقدم.
ولما كان زمن معاوية [1] قال: ليس لك اسمه وكنيته، قد كنيته أبا محمّد
فجرت عليه، وضربه الوليد بن عبد الملك مرتين، مرّة في تزوجه لمطلقة عبد
الملك لبابة بنت عبد الله بن جعفر، وسبب طلاق عبد الملك لها، أنه عضّ
على تفاحة، وكان الخديم رمى بها إليها فاستقذرتها.
والثانية في قوله: إن الأمر سيكون في ولدي، فطافوا به على بعير في أسوأ
حال، وهو يقول: والله ليكونن فيهم.
ودخل على هشام بن عبد الملك ومعه ابنا ابنه الخليفتان السّفّاح،
والمنصور، فأوسع له على سريره وبرّه بثلاثين ألف دينار، وأوصاه عليّ
بابني ابنه حين انفصل.
وكان إذا قدم مكّة اشتغلت به قريش وأهل مكّة إجلالا له، وكان طوالا
__________
[1] في «تاريخ الإسلام» (4/ 283) و «سير أعلام النبلاء» (5/ 284) : «في
زمن عبد الملك بن مروان» .
(2/71)
جميلا، قيل: كان طوله إلى منكب أبيه عبد
الله، وعبد الله إلى منكب أبيه العبّاس، والعبّاس إلى منكب أبيه عبد
المطّلب.
ونفاه الوليد إلى الحميمة بليدة بالبلقاء [1] فولد له بها نيّف وعشرون
ولدا ذكرا، ولم يزل ولده بها إلى أن زالت دولة بني أميّة، وتوفي عن
ثمانين سنة بأرض البلقاء، رحمه الله تعالى.
وفيها توفي السيد أبو جعفر محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب.
ولد سنة ست وخمسين من الهجرة، وروى عن أبي سعيد الخدري، وجابر، وعدّة.
وكان من فقهاء المدينة. وقيل له الباقر لأنه بقر العلم، أي شقّه، وعرف
أصله وخفيّه وتوسّع فيه.
وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية [2] .
قال عبد الله بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علما عنده.
وله كلام نافع في الحكم والمواعظ، [منه] [3] : أهل التقوى أيسر أهل
الدّنيا مؤونة وأكثرهم معونة، إن نسيت ذكّروك، وإن ذكرت أعانوك،
قوّالين بحق الله، قوّامين بأمر الله. ومنه: انزل الدّنيا كمنزل نزلته
وارتحلت عنه، أو كمال أصبته في منامك
__________
[1] قلت: قال ياقوت: الحميمة بلفظ التصغير الحمّة ... بلد من أرض
الشراة من أعمال عمّان في أطراف الشام. «معجم البلدان» (2/ 307) ،
وانظر «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 469) .
[2] انظر الكلام عن هذه الفرقة في «الفرق بين الفرق» ص (53) ، و
«مقالات الإسلاميين» (1/ 98) ، و «الملل والنحل» (1/ 162) .
[3] لفظة «منه» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
(2/72)
فاستيقظت وليس معك منه شيء. مات- رضي الله
عنه- عن ست وخمسين سنة، ودفن بالبقيع مع أبيه وعمّ أبيه الحسن،
والعبّاس، رضي الله عنهم.
وفيها، وقيل: في سنة سبع عشرة، علي بن رباح اللّخميّ المصريّ وهو في
عشر المائة، حمل عن عدة من الصحابة، وولي غزو إفريقية لعبد العزيز بن
مروان، فكان من علماء زمانه.
وفيها توفي أبو عبد الله وهب بن منبّه الصنعانيّ، من أبناء الفرس الذين
بعث بهم كسرى إلى اليمن.
قال: قرأت من كتب الله اثنين وتسعين كتابا.
مات بصنعاء.
روى عن ابن عبّاس. قيل: وأبي هريرة، وغيره من الصّحابة، وولي القضاء
لعمر بن عبد العزيز، وكان شديد الاعتناء بكتب الأولين وأخبار الأمم
وقصصهم، بحيث كان يشبّه بكعب الأحبار في زمانه.
وله مصنف في ذكر ملوك حمير مفيد [1] ، وله إخوة أجلّهم همّام.
روى عن الصّحابة، وهو أكبر من وهب، وهم من أبناء الفرس الذين سيّرهم
كسرى أنو شروان كما تقدم آنفا، وكان سيّرهم مع أبي مرّة سيف بن ذي يزن
الحميري، وكانوا ثمانمائة، مقدمهم وهرز، غرق منهم في البحر مائتان وسلم
ستمائة، قاله ابن إسحاق [2] .
وقال ابن قتيبة [3] : كانوا سبعة آلاف وخمسمائة. ورجحه أبو القاسم
__________
[1] في المطبوع: «صغير» .
[2] انظر «السيرة النبوية» بتهذيب ابن هشام (1/ 63- 64) .
[3] في «المعارف» ص (638) .
(2/73)
السّهيليّ [1] ، إذ يبعد مقاومة الحبشة
لستمائة، وفي القصة أن سيفا والفرس استظهروا على الحبشة فقتلوهم وملكوا
سيفا، فأقام أربع سنين، وقتله خدمه من الحبشة، ولم يملك أهل اليمن بعده
ملك، غير أن أهل كل ناحية ملّكوا رجلا من حمير حتّى جاء الإسلام.
ويقال: إنها بقيت في أيدي الفرس إلى أن بعث النّبيّ- صلّى الله عليه
وسلّم- وباليمن عاملان منهم، أحدهما فيروز الأسود الدّيلميّ، والآخر
زاذويه، فأسلما وهما اللذان دخلا على الأسود العنسي مع قيس بن المكشوح
[2] لما ادّعى الأسود النّبوّة، فقتلوه، وأولاد الفرس باليمن يدعون
الأبناء، منهم طاووس، وعمرو بن دينار، وغيرهما [3] .
وورد أن كسرى أبرويز لما مزّق كتاب النّبيّ- صلّى الله عليه
وسلّم-[أرسل إلى عامله على صنعاء باذان، وهو الرابع بعد وهرز يأمره أن
يسير إلى النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم] [4] فكتب إليه النّبيّ- صلّى
الله عليه وسلّم- يخبره أن الله وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا وكذا،
فانتظر ذلك، فكان كما قال [- صلّى الله عليه وسلّم-] فأسلم باذان وأهل
اليمن [5] .
هذا وقد قال الذّهبيّ في «المغني» [6] : وهب بن منبه ثقة، مشهور قصاص،
خيّر [7] ، ضعفه أبو حفص الفلّاس وحده. انتهى.
__________
[1] في «الروض الأنف» (1/ 83) بتحقيق الأستاذ طه عبد الرؤوف سعد.
[2] في الأصل، والمطبوع: «قيس بن المكسوح» وهو تصحيف، وهو قيس بن هبيرة
بن هلال البجلي الملقب ب المكشوح. انظر المجلد الأول من كتابنا هذا ص
(214) . و «الأعلام» للزركلي (5/ 209) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «وغيرهم» وما أثبته يقتضيه السياق.
[4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع.
[5] انظر «إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين» لابن طولون ص (64- 66)
بتحقيقي (الطبعة الثانية) طبع مؤسسة الرسالة.
[6] «المغني في الضعفاء (2/ 727) بتحقيق الدكتور نور الدين عتر.
[7] في «المغني في الضعفاء» : «حبر» .
(2/74)
سنة خمس عشرة ومائة
فيها، وقيل: في التي قبلها، مات الحكم بن عتيبة مصغرا، أبو محمّد
الكنديّ الكوفيّ، ثقة ثبت فقيه، إلّا أنه ربما دلّس.
والحكم بن عتيبة [1] بن النّهاس، آخره مهملة، العجليّ الكوفيّ قاضي
الكوفة، لا أعرف له رواية، وهو عصريّ الذي قبله، وقيل: إنه هو، قاله
ابن حجر العسقلاني [2] . الكوفي مولى كندة الفقيه النبيه.
لكن قال الذهبيّ في «المغني» [3] : هو مجهول.
وقال في «العبر» [4] : هو أبو محمّد، أخذ عن أبي جحيفة السّوائي [5]
وغيره، وتفقه على إبراهيم النّخعي.
قال المغيرة: كان الحكم إذا قدم المدينة أخلوا له سارية النّبيّ- صلّى
الله عليه وسلّم- يصلي إليها.
__________
[1] في «أخبار القضاة» لوكيع (2/ 265) وما قبلها، وما بعدها: «الحكم بن
عيينة» وهو خطأ، فيصحح فيه.
[2] في «تقريب التهذيب» (1/ 192) . وانظر «تهذيب التهذيب» (2/ 434-
435) .
[3] «المغني في الضعفاء (1/ 184) .
[4] (1/ 143) ، ولكن الذهبي يقصد بكلامه في «العبر» الأول وليس هذا،
لأنه ذكر بأنه أخذ عن أبي جحيفة، فتنبه.
[5] في الأصل: «السوي» وهو خطأ، وأثبت ما جاء في المطبوع.
(2/75)
وقال الأوزاعيّ: قال لي عبدة بن أبي لبابة:
هل لقيت الحكم؟ قلت:
لا، قال: فالقه فما بين لابتيها أفقه منه. انتهى.
والضّحّاك بن فيروز الدّيلميّ الأبناويّ [1] ، صحب ابن الزّبير، وعمل
له على بعض اليمن.
وقاضي مرو أبو سهل عبد الله بن بريدة الأسلميّ عن مائة سنة. روى عن أبي
موسى، وعائشة، وطائفة.
وأبو يحيى عمير [2] بن سعيد النخعي، وقد قارب المائة أو جاوزها، وحديثه
عن عليّ في «الصحيحين» [3] وهو أكبر شيخ لمسعر.
وفيها توفي الجنيد بن عبد الرّحمن المرّيّ الدّمشقي الأمير، ولي
خراسان، والسّند [4] وكان أجود الأجواد، قاله في «العبر» [5] .
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «الأنباري» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب
الكمال» (2/ 616) مصورة دار المأمون للتراث، و «تهذيب التهذيب» (4/
448) .
[2] في الأصل: «عمرو» ، وفي المطبوع: «عمر» وكلاهما خطأ، والتصحيح من
«جامع الأصول» لابن الأثير (3/ 592) ، و «العبر» للذهبي (1/ 143) .
[3] رواه البخاري رقم (6778) في الحدود: باب الضرب بالجريد والنعال،
ومسلم رقم (1707) في الحدود: باب حد الخمر. ورواه أيضا أبو داود رقم
(4486) في الحدود: باب إذا تتابع في شرب الخمر، وابن ماجة رقم (2569)
في الحدود: باب حد السكران، ولفظه عند البخاري: سمعت علي بن أبي طالب
رضي الله عنه قال: ما كنت لأقيم حدّا على أحد فيموت، فأجد في نفسي،
إلّا صاحب الخمر، فإنه لو مات وديته، وذلك أن رسول الله صلّى الله عليه
وسلّم لم يسنّه.
[4] انظر «الأمصار ذوات الآثار» للذهبي ص (110- 111) بتحقيقي، طبع دار
ابن كثير.
[5] (1/ 144) .
(2/76)
|