شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وأربعين
مائة
قال المدائنيّ: فيها ظهرت الرّيونديّة [1] ، وهم قوم خراسانيون على رأي
أبي مسلم صاحب الدّعوة، يقولون بتناسخ الأرواح، وأنّ ربهم الذي يطعمهم
ويسقيهم المنصور، وأن الهيثم بن معاوية جبريل، فأتوا قصر المنصور
وطافوا فيه، فقبض على مائتين من كبارهم، فغضب الباقون وحفّوا بنعش
وحملوا هيئة جنازة، ثم مروا بالسّجن فشدّوا على النّاس، وفتحوا السّجن
وأخرجوا أصحابهم، وقصدوا المنصور في ستمائة مقاتل، فأغلق البلد،
وحاربهم العسكر مع معن بن زائدة، ثم وضعوا فيهم السيف، وأصيب يومئذ
الأمير عثمان بن نهيك، فاستعمل المنصور مكانه على الحرس [2] أخاه عيسى،
وكان ذلك بالهاشميّة.
حدّث أبو بكر الهذليّ قال: اطلع المنصور، فقال رجل إلى جانبي:
هذا ربّ العزّة الذي يطعمنا ويرزقنا!.
وفيها افتتح المسلمون طبرستان بعد حروب طويلة.
وأقام الحجّ صالح بن علي أمير الشّام.
وفيها توفي موسى بن عقبة المدنيّ صاحب المغازي. روى عن أمّ خالد
__________
[1] نسبة إلى ريوند، كورة من نواحي نيسابور. انظر «الأنساب» (6/ 212) .
[2] في «العبر» للذهبي (1/ 191) : «على الحراس» .
(2/192)
بنت خالد [1] المخزومية ولها صحبة، وعن
عروة وطبقته.
قال الواقديّ: كان موسى فقيها يفتي.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» :
موسى فتى عقبة الأديب ... إسناده محرّر قريب
أي إلى النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- بمعنى عالي السند.
وقال في «شرحها» : موسى بن عقبة بن ربيعة بن أبي عيّاش الأسديّ مولاهم
المدنيّ أبو محمّد مولى آل الزّبير بن العوّام. روى عن صحابيّة، وعدة
من التابعين، وكان متقنا فقيها، حافظا، نبيها، صنف المغازي فأجاد،
ووصلت إلينا ولله الحمد بالإسناد. انتهى.
وفيها موسى بن كعب التيميّ المروزيّ أحد النقباء الاثني عشر، نقباء بني
العبّاس، ولي إمرة مصر سبعة أشهر ومات.
وأبان بن تغلب.
قال في «العبر» [2] : الكوفيّ القارئ المشهور، وكان من ثقات الشّيعة.
يروي عن الحكم وطائفة. انتهى.
وقال في «المغني» [3] : أبان بن تغلب ثقة معروف.
قال ابن عدي وغيره: غال في التشيّع.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «أم خلد بنت خلد» وهو خطأ، والتصحيح من
«العبر» للذهبي.
وهي أم خالد أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشية
الأموية، وهي مشهورة بكنيتها. وليست أم خالد بنت خالد المخزومية، كما
ذكر المؤلف. انظر «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1678) مصوّرة دار المأمون
وا «الإصابة» لابن حجر (12/ 130) .
[2] (1/ 192) .
[3] (1/ 6) .
(2/193)
[وقال الجوزجانيّ: زائغ مذموم المذهب، وثقه
[1] أحمد، وابن معين، وأبو حاتم] [2] . انتهى.
وقد خرّج له مسلم والأربعة.
__________
[1] في المطبوع: «ووثقه» .
[2] ما بين حاصرتين لم يرد في «المغني» المطبوع بتحقيق الدكتور نور
الدّين عتر.
والجوزجاني: هو إبراهيم بن يعقوب، وسوف ترد ترجمته في المجلد الثالث.
(2/194)
سنة اثنتين وأربعين
ومائة
فيها عزل عن مصر محمّد بن الأشعث، ووليها حميد بن قحطبة.
وولي الجزيرة، والثغور عبّاس أخو المنصور.
وفيها توفي خالد الحذّاء بن مهران البصريّ الحافظ. يروي عن كبار
التابعين، وقد رأى أنسا، وكان يجلس في الحذّائين فنسب إليهم، ولقّب
الحذّاء لجلوسه بينهم.
قال في «المغني» [1] : هو ثقة جبل، والعجب من أبي حاتم يقول:
لا يحتج به. انتهى [2] .
وقال ابن ناصر الدّين: كان أحد الثقات الأثبات.
والأمير سليمان ابن عمّ المنصور، وكان جوادا، ممدّحا، وبلغت عطاياه في
الموسم [3] خمسة آلاف درهم، وولي إمرة البصرة، وعاش ستين سنة.
وفيها عاصم بن سليمان الأحول، أحد حفّاظ البصرة. روى عن عبد الله بن
سرجس، وأنس، وطائفة.
__________
[1] «المغني في الضعفاء» (1/ 206) .
[2] وانظر «تقريب التهذيب» (1/ 219) .
[3] في «العبر» : «في المواسم» .
(2/195)
قال في «المغني» [1] : تابعيّ، ثقة.
قال القطّان: ليس بالحافظ.
وقال الحاكم: ليس بالحافظ عندهم. انتهى.
وفيها، أو في التي بعدها، عمرو بن عبيد البصريّ العابد، الزّاهد،
المعتزليّ، القدريّ، صاحب الحسن ثم خالفه واعتزل حلقته، فلذا قيل:
المعتزلي [2] .
قال في «العبر» : [قال الحسن: رأيته في النوم يسجد للشمس] [3] .
وقال ابن الأهدل: لما اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن وطرده، تحول إليه
عمرو فسمّوا معتزلة.
توفي بمرّان- بتشديد الراء- على طريق مكّة وهو راجع منها ورثاه الخليفة
المنصور، ومدحه أيضا في حياته، والناس مختلفون فيه. انتهى.
وقال في «المغني» [4] : عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة، سمع الحسن.
كذّبه أيوب، ويونس، وتركه ابن أبي شيبة [5] . انتهى.
وكانت له جرأة، فإنه قال عن ابن عمر: هو حشوي، فانظر هذه الجرأة
والافتراء، عامله الله بعدله.
وفيها محمّد بن أبي إسماعيل الكوفيّ. روى عن أنس وجماعة.
وقال شريك: رأيت أولاد أبي إسماعيل أربعة ولدوا في بطن واحد وعاشوا.
__________
[1] (1/ 321) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «المعتزلة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر»
للذهبي (1/ 193) .
[3] ما بين حاصرتين لم يرد في «العبر» المطبوع بتحقيق الدكتور صلاح
الدّين المنجد (1/ 193) .
[4] (2/ 486) .
[5] في «المغني» : «وتركه النسائيّ» .
(2/196)
وأبو هانئ حميد بن هانئ الخولانيّ المصريّ.
روى عن علي بن رباح [وعدة] [1] وأدركه ابن وهب. قاله في «العبر» [2] .
__________
[1] لفظة «وعدة» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر»
للذهبي.
[2] (1/ 193) .
(2/197)
سنة ثلاث وأربعين
ومائة
فيها ثارت الدّيلم [وبدّعوا] [1] وقتلوا خلائق من المسلمين، فانتدب
النّاس لغزوهم.
وفيها سار الأمير محمّد بن الأشعث إلى المغرب، فالتقى الإباضيّة [2]
وقتل زعيمهم أبو الخطّاب في المصافّ [3] .
وفيها توفي حجّاج بن أبي عثمان الصّوّاف، أحد حفّاظ البصرة. روى عن
الحسن وغيره.
وحميد الطّويل، واسم أبي حميد تيرويه [4] أحد الثقات التابعين
البصريين، كان قائما يصلي فسقط ميتا. سمع أنسا وطائفة، وكنيته أبو
__________
[1] لفظة «وبدّعوا» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر»
للذهبي مصدر المؤلف.
[2] في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (1/ 194) : «الأباضية» بفتح
الهمزة وهو خطأ.
قال ابن منظور: الإباضية: قوم من الحرورية لهم هوى ينسبون إلى إباض:
وقيل: الإباضية فرقة من الخوارج أصحاب عبد الله بن إباض التميمي. «لسان
العرب» (أبض) .
[3] قال ابن الأثير: المصاف جمع مصف، وهو موضع الحرب الذي يكون فيه
الصّفوف.
«النهاية» (3/ 38) .
[4] قال الإمام المزي في «تهذيب الكمال» (7/ 355) طبع مؤسسة الرسالة:
واسم أبي حميد:
تير، ويقال: تيرويه، ويقال: زاذويه، ويقال: داور، ويقال: طرخان، ويقال:
مهران، ويقال: عبد الرّحمن، ويقال: مخلد، ويقال: غير ذلك، وهو خال
حمّاد بن سلمة.
(2/198)
عبيدة [1] ومات وله سبع وتسعون سنة، ومكث
أربعين سنة يصوم يوما، ويفطر يوما، ويصلي الفجر بوضوء العشاء. قاله ابن
الأهدل.
قال ابن ناصر الدّين: هو حميد بن أبي حميد الطّويل، البصريّ، أبو
عبيدة، واسم أبيه تيرويه على الأشهر، وهو خال حمّاد بن سلمة.
كان إماما، حافظا، متقنا عمدة، وكان من ثقات الرّواة، ولم يدع لثابت
البنانيّ علما إلّا حفظه منه ووعاه. انتهى.
وفي ذي القعدة سليمان بن طرخان التّيميّ القيسيّ مولاهم، أبو المعتمر،
الحافظ الإمام، أحد مشايخ الإسلام.
روى عن أنس، والحسن، وغيرهما، وكان عابدا، صوّاما، قانتا لله، قواما.
قال في «العبر» [2] : قال شعبة: كان إذا حدّث عن رسول الله- صلّى الله
عليه وسلّم- تغيّر لونه، وما رأيت أصدق [3] منه.
وقال معتمر: مكث أبي أربعين سنة يصوم يوما، ويفطر يوما، ويصلي الفجر
بوضوء العشاء، وعاش سبعا وتسعين سنة. انتهى لفظ «العبر» [4] .
وفيها على الأصح ليث بن أبي سليم. يروي عن مجاهد وطبقته، وكان أحد
الفقهاء.
قال الفضيل بن عياض: كان أعلم أهل زمانه بالمناسك.
__________
[1] في الأصل: «أبو حبيدة» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[2] (1/ 194) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «أحذق» ، والتصحيح من «العبر» للذهبي، وانظر
«سير أعلام النبلاء» (6/ 196) .
[4] (1/ 194) .
(2/199)
وقال الدّارقطنيّ: كان صاحب سنّة، إنما
أنكروا عليه جمعه بين عطاء وطاووس، ومجاهد، وقد تقدم ذكره في سنة ثمان
وثلاثين [ومائة] [1] .
وفيها مطرّف بن طريف الكوفيّ الزّاهد. روى عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى
وجماعة.
وفيها يحيى بن سعيد الأنصاريّ المدنيّ الفقيه، أبو سعيد، أحد الأعلام،
ولي قضاء المنصور، ومات بالهاشميّة قبل أن تبنى بغداد [2] روى عن أنس،
وخلق.
قال أيوب السّختيانيّ: ما تركت بالمدينة أفقه منه، وكان يحيى القطّان
يفضّله ويقدّمه على الزّهري.
وقال الثّوري: كان من الحفّاظ.
وقال ابن المديني: له نحو ثلاثمائة حديث.
__________
[1] زيادة مني، وانظر ص (187) من هذا المجلد.
[2] في «العبر» للذهبي (1/ 195) : «قبل أن يبنى بغداد» .
(2/200)
سنة أربع وأربعين
ومائة
فيها سار جيش العراق، والجزيرة لغزو الدّيلم، وعلى النّاس محمّد بن
السّفّاح.
وحج بالنّاس المنصور، وأهمّه شأن محمّد بن عبد الله بن حسن، وأخيه
إبراهيم لتخلّفهما عن الحضور عنده، فوضع عليهما العيون [1] وبذل
الأموال، وبالغ في تطلّبهما لأنه عرف مرامهما، وقبض على أبيهما فسجنه
في بضعة عشر من أهل البيت وماتوا في سجنه.
قيل: طرحهم في بيت وطيّن عليهم حتّى ماتوا.
ولما بلغ محمّدا وفاة أبيه ثار بالمدينة، وسجن متولّيها، وتتبّع
أصحابه، وخطب النّاس، وبايعوه طوعا وكرها، واستعمل على مكّة، واليمن،
والشّام عمّالا لم يتمكّنوا، وأحبّه النّاس حبّا عظيما، وكان فيه من
الكمال وخصال الفضل، ويشبه النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- في الخلق
والخلق، واسمه واسم أبيه، حتّى قيل: إن خاتمه بين كتفيه، وكان أهل
المدينة يعدون فيه من الكمال ما لو جاز أن يبعث الله نبيا بعد محمّد-
صلّى الله عليه وسلّم- لكان هو.
وتكاتب هو والمنصور مكاتبات عظيمة، ولكليهما قول فصل جزل، والحق
والتحقيق في جانب محمّد.
__________
[1] أي الجواسيس. قال ابن منظور: قال ابن سيدة: العين الذي يبعث ليتجسس
الخبر، ويسمى ذا العينين، ويقال تسمية العرب ذا العينين وذا العوينتين،
كله بمعنى واحد «لسان العرب» (عين) .
(2/201)
وقد كان المنصور، والسّفّاح في خلافة
الأمويين من الدّعاة إلى محمّد بن عبد الله هذا، ولما أعيا المنصور
أمره، جهز إليه ابن عمه عيسى بن موسى بن محمّد بن علي بن عبد الله بن
عبّاس، وقال: لا أبالي أيّهما قتل صاحبه، لأن عيسى ولي العهد بعد
المنصور، على ما رتّبه لهم السّفّاح، فسار عيسى في أربعة آلاف، وكتب
إلى الأشراف يستميلهم، فمال كثير منهم، وتحصّن محمّد بالمدينة، وأعمق
خنادقها، وزحف عليه عيسى، وناداه بالأمان، وناشده الله، ومحمّد لا
يرعوي لذلك، ولما ظهر له وتخاذل أصحابه، واغتسل وتحنّط، وقاتلهم بنفسه
قتالا شديدا ومعه ثمانون رجلا، وقتل بيده اثني عشر رجلا ثم قتل،
واستشهد لثنتي عشرة ليلة من رمضان سنة خمس وأربعين، وله اثنتان وخمسون
سنة، وقبره بالبقيع مشهور مزور، وبعث برأسه إلى المنصور، وكانت مدة
قيامه شهرين واثني عشر يوما.
وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة في هذه السنة أيضا. وقد كان سار إليها من
الحجاز، فدخلها سرّا في عشرة أنفس، فدعا إلى نفسه سرا، وجرت له أمور،
وتهاون متولّي البصرة في أمر إبراهيم حتّى اتّسع الخرق، وخرج أول ليلة
من رمضان، ونزل إليه متولّي الكوفة بالأمان، ووجد إبراهيم في بيت المال
ستمائة ألف، ففرقها في أصحابه، ولما بلغ المنصور خروجه، تحوّل إلى
الكوفة ليأمن غائلة أهلها، وألزم النّاس لبس السواد، وجعل يقتل ويحبس
من اتّهمه، وبعث إبراهيم عاملا إلى الأهواز، وآخر إلى فارس وسائر
البلدان، فأتاه مقتل أخيه بالمدينة قبل عيد الفطر بثلاث، فعيّد منكسرا،
وجهز المنصور لحربه خمسة آلاف، فكان بينهما وقعات قتل فيها خلق عظيم،
ولم يبرح المنصور حتّى قدم عيسى من المدينة فوجّهه إلى إبراهيم، وجعل
المنصور لا يقرّ له قرار، ولا يأوي إلى فراش خمسين ليلة، كل ليلة يأتيه
فتق من ناحية، وعنده مائة ألف بالكوفة، ولو هجم عليه إبراهيم بالكوفة
لأوقع به، ولكنه قال:
(2/202)
أخاف أن يستباح الصغير والكبير. فقيل له:
إذا كان هذا فلم خرجت عليه؟
فالتقى الجمعان على يومين من الكوفة، فظهر جيش إبراهيم، وتهيّأ له
الفتح، لولا حملة من عيسى بن موسى، وظاهره ابنا سليمان بن علي، فكسروا
جيش إبراهيم، وجاءه سهم فوقع في حلقة [1] فأنزلوه وهو يقول: وَكانَ
أَمْرُ الله قَدَراً مَقْدُوراً 33: 38 [الأحزاب: 38] . وبعثوا برأسه
إلى المنصور، وقتل وسنّه ثمان وأربعون سنة [2] وهرب أهل البصرة بحرا
وبرّا.
وكان خرج مع إبراهيم كثير من القرّاء، والعلماء، منهم: هشيم، وأبو خالد
الأحمر [3] وعيسى بن يونس، وعبّاد بن العوّام، ويزيد بن هارون، وأبو
حنيفة، وكان يجاهر في أمره، ويحثّ النّاس على الخروج معه، كما كان مالك
يحثّ النّاس على الخروج مع أخيه محمّد.
وقال أبو إسحاق الفزاريّ لأبي حنيفة: ما اتّقيت الله حيث حثثت أخي على
الخروج مع إبراهيم فقتل، فقال: إنه كما لو قتل يوم بدر.
__________
[1] قال ابن الأثير: الحلقة السلاح عاما، وقيل: هي الدّروع. «النهاية»
(1/ 427) .
[2] لفظة «سنة» سقطت من المطبوع.
[3] في الأصل، والمطبوع: «أبو خلد الأحمر» .
وهو سليمان بن حيّان الأزديّ الكوفيّ. حدّث عن: حميد الطويل، وسليمان
التيمي، وهشام بن عروة، وليث بن أبي سليم، وأبي مالك الأشجعي، وإسماعيل
بن أبي خالد، وعدة.
وحدّث عنه: أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأبو بكر بن أبي
شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبو كريب، وأبو سعيد الأشجّ، ويوسف بن موسى،
وهنّاد، والحسن بن حمّاد سجّادة، والحسن بن حمّاد الضبي، والحسن بن
حمّاد المرادي، وخلق. قال العجليّ:
ثقة، يؤاجر نفسه من التجار. وقال أبو حاتم: صدوق، ووثقه جماعة. وقال
ابن معين:
صدوق وليس بحجة، وتابعه على هذا ابن عدي. وقال معاوية بن صالح عن ابن
معين: هو ثقة، وليس بثبت. قلت (القائل الحافظ الذهبي) : كان موصوفا
بالخير، والدّين، وله هفوة، وهي خروجه مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن،
وحديثه محتجّ به في سائر الأصول. توفي سنة تسع وثمانين ومائة. عن «سير
أعلام النبلاء» (9/ 19- 21) طبع مؤسسة الرسالة.
(2/203)
وقال شعبة: والله لهي عندي بدر الصغرى.
وقال ابن قتيبة في «المعارف» [1] : فأما الحسن بن الحسن بن علي فولد
عبد الله، والحسن، وإبراهيم، وجعفرا، وداود، ومحمّدا.
وكان عبد الله بن الحسن بن الحسن [2] يكنى أبا محمّد، وكان خيّرا،
فاضلا، ورؤي يوما يمسح على خفّيه، فقيل له: تمسح؟ فقال: نعم، قد مسح
عمر بن الخطّاب، ومن جعل عمر بينه وبين الله فقد استوثق.
وكان مع أبي العبّاس- أي السفاح- وكان له مكرما، وبه آنسا.
وأخرج يوما سفطا [3] فيه جوهر، فقاسمه إياه، وأراه بناء قد بناه، وقال
له: كيف ترى هذا؟ فقال متمثّلا:
ألم تر حوشبا أمسى يبنّي ... قصورا نفعها لبني بقيله
يؤمّل أن يعمّر عمر نوح ... وأمر الله يحدث كلّ ليله
فقال له: أتتمثل [4] بهذا وقد رأيت صنيعي بك؟ فقال: والله ما أردت بها
سوءا، ولكنها أبيات حضرت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يحتمل ما كان مني!
فقال: قد فعلت. ثم ردّه إلى المدينة.
فلمّا ولي أبو جعفر ألحّ في طلب ابنيه محمّد وإبراهيم ابني عبد الله
فتغيّبا [5] بالبادية، فأمر أبو جعفر أن يؤخذ أبو هما عبد الله وإخوته
حسن، وداود، وإبراهيم، وأن يشدّوا وثاقا ويبعث بهم إليه، فوافوه في
طريق مكّة
__________
[1] ص (212- 213) والمؤلف ينقل عنه مع بعض التصرف.
[2] في الأصل، والمطبوع: «عبد الله بن حسن بن حسن» وأثبت ما في
«المعارف» لابن قتيبة.
[3] قال الفيروزآبادي: السفط كالجوالق، أو كالقفة. «القاموس المحيط»
(2/ 378) .
[4] في «المعارف» : «أتمثل» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «وتغيبا» وأثبت ما في «المعارف» لابن قتيبة.
(2/204)
بالرّبذة، مكتّفين، فسأله عبد الله أن يأذن
له عليه، فأبى أبو جعفر، فلم يره [1] حتّى فارق الدّنيا، ومات في الحبس
وماتوا، وخرج ابناه محمّد وإبراهيم على أبي جعفر، وغلبا على المدينة،
ومكّة، والبصرة، فبعث إليهما موسى بن عيسى، فقتل محمّدا بالمدينة، وقتل
إبراهيم ب باخمرا على ستة عشر فرسخا من الكوفة.
وإدريس بن عبد الله بن حسن، أخوهما هو الذي سار إلى الأندلس، والبربر،
وغلب عليهما. انتهى.
وفيها- أي في سنة أربع وأربعين- توفي أبو مسعود سعيد بن إياس الجريريّ
البصريّ محدّث البصرة. روى عن أبي الطّفيل وعدّة، وكان إماما، حافظا،
ثبتا، إلّا أنه ساء حفظه وتغير قبل موته.
وفقيه الكوفة أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة الضّبيّ القاضي. روى عن أنس
والتابعين.
قال أحمد العجليّ: كان عفيفا، صارما، عاقلا، يشبه النّساك، شاعرا،
جوادا.
وعقيل بن خالد [2] الأيليّ مولى بني أميّة، وصاحب الزّهري، لقي عكرمة
[3] وطائفة، وكان حافظا، ثبتا، حجّة.
__________
[1] في الأصل: «فلم يرده» ، وفي المطبوع: «فلم يروه» وأثبت ما في
«المعارف» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «عقيل بن خالد» ، والتصحيح من «العبر» للذهبي
(1/ 197) .
[3] يعني عكرمة البربري مولى عبد الله بن عبّاس رضي الله عنه.
(2/205)
وفي ذي الحجّة مجالد بن سعيد الهمدانيّ [1]
الكوفيّ، صاحب الشّعبي، ليّنوا حديثه [2] وقد خرّج له مسلم مقرونا
بآخر.
__________
[1] في المطبوع: «الهمذاني» وهو تصحيف.
[2] في «العبر» (1/ 197) : «كتبوا حديثه» ولعله تحريف من الناسخ. انظر
«المغني في الضعفاء» (2/ 542) ، و «تقريب التهذيب» (2/ 229) .
(2/206)
سنة خمس وأربعين
ومائة
فيها خرجت التّرك، والخزر بباب الأبواب، وقتلوا واستباحوا بعض إرمينية.
وفيها أمر المنصور، فأسّست بغداد، وابتدئ بإنشائها، ورسم هيئتها
وكيفيّتها أوّلا بالرّماد، وفرغت في أربعة أعوام بالجانب الغربي، وتحول
إليها المنصور في سنة ست وأربعين قبل تمامها، وبغداد الآن أكثرها من
الجانب الشرقي.
وفيها توفي الأجلح الكنديّ من مشاهير محدّثي الكوفة. روى عن الشّعبيّ
وطبقته.
قال في «المغني» [1] : أجلح بن عبد الله أبو جحيفة الكنديّ، عن
الشّعبيّ، شيعيّ لا بأس بحديثه، وليّنه بعضهم.
قال ابن أبي شيبة: ضعيف [2] . انتهى.
وفيها، وقيل: في سنة ست، إسماعيل بن أبي خالد البجليّ، مولاهم
__________
[1] (1/ 32) .
[2] في «المغني» : «وقال الجوزجانيّ: الأجلح مفتر» .
(2/207)
الكوفيّ. الحافظ، أحد الأعلام. سمع أبا
جحيفة، وابن أبي أوفى، وخلقا، وكان صالحا، ثبتا حجّة.
وعمرو بن ميمون بن مهران الجزريّ الفقيه، أخذ عن أبيه ومكحول، وكان
يقول: لو علمت أنه بقي عليّ حرف [1] من السّنّة باليمن لأتيتها.
وحبيب بن الشهيد البصري. روى عن الحسن وأقرانه، وأرسل [2] عن أنس
وجماعة، وكان ثبتا، كثير الحديث.
وعبد الملك بن أبي سليمان العرزميّ الكوفيّ الحافظ، أحد المحدّثين
الكبار، وكان شعبة مع جلالته يتعجّب من حفظ عبد الملك. روى عن أنس فمن
بعده.
وكان يقال له: ميزان الكوفة، كما ذكره ابن القيم، وهو ثقة ثبت.
وعمر [3] بن عبد الله مولى غفرة عن سنّ عالية. روى عن أنس والكبار.
قال أحمد: أكثر أحاديثه مراسيل، وليس به بأس.
وقال ابن معين: ضعيف.
ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقّاص اللّيثيّ المدنيّ. روى عن أبي سلمة
وطائفة، وكان حسن الحديث، كثير العلم، مشهورا، أخرج له البخاريّ مقرونا
بآخر.
__________
[1] في الأصل: «حزب» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في
«العبر» للذهبي وهو الصواب.
[2] قال ابن الأثير: المرسل من الحديث: هو أن يروي الرجل حديثا عمن لم
يعاصره، وله بين المحدّثين أنواع واصطلاح في تسمية أنواعه. وانظر تتمة
كلامه في «جامع الأصول» (1/ 115- 119) فهو مفيد إن شاء الله.
[3] في الأصل، والمطبوع: «وعمرو» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (1/
204) وكتب الرجال.
(2/208)
ويحيى بن الحارث الذّماريّ مقرئ دمشق وإمام
جامعها. قرأ على ابن عامر، وروى عن واثلة بن الأسقع وخلق، وورد أنه قرأ
القرآن [أيضا] [1] على واثلة بن الأسقع، وعليه دارت قراءة الشّاميين.
ويحيى بن سعيد التّيميّ [2]- تيم الرّباب- الكوفيّ، وكان ثقة، إماما،
صاحب سنّة. روى عن الشّعبيّ ونحوه.
__________
[1] لفظة «أيضا» زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 205) .
[2] في الأصل: «التميمي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب، وهو
يحيى بن سعيد ابن حيّان أبو حيّان التيمي الكوفي العابد، من تيم الرباب
كما في «تهذيب التهذيب» (11/ 214) .
(2/209)
|