شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وأربعين ومائة
في صفر تحوّل المنصور، فنزل بغداد قبل استتمام بنائها، وكان لا يدخلها أحد أبدا راكبا، حتّى أنّ عمه عيسى بن علي شكا إليه المشي، فلم يأذن له.
وفيها توفي أشعث بن عبد الملك الحمرانيّ، منسوب إلى حمران [1] ، مولى عثمان. روى عن ابن سيرين وغيره، وكان ثبتا، ثقة، حافظا.
أما أشعث بن سوّار، فكوفيّ فيه ضعف.
وكذا أشعث الحدّانيّ الرّاوي عن أنس ليس بالقوي.
وفيها عوف الأعرابيّ البصريّ، وكان صدوقا، شيعيا، كثير الحديث.
روى عن أبي العالية وطائفة.
قال في «المغني» [2] : ثقة، مشهور.
قال بندار [3] : قدريّ، رافضيّ، يعني يتشيع. انتهى.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: الحمراني مولى حمران، وما أثبته من «تهذيب الكمال» (3/ 277) طبع مؤسسة الرسالة.
[2] (2/ 495) .
[3] هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي البصري أبو بكر، وبندار، لقب له.

(2/210)


وفيها محمد بن السّائب أبو النّضر الكلبيّ الكوفيّ، صاحب التفسير، والأخبار، والأنساب، أجمعوا على تركه، وقد اتّهم بالكذب والرّفض.
وقال ابن عدي: ليس لأحد أطول من تفسيره.
عنه [1] قال: سميت العرب شعوبا لأنهم تفرّقوا من ولد إسماعيل- عليه السلام- ومن ولد قحطان تشعّبوا، والعرب كلهم بنو إسماعيل إلا أربع قبائل، السلف، والأوزاع، وحضرموت، وثقيف، وأول من تكلم بالعربية يعرب بن الهميسع بن نبت بن إسماعيل، وكل نبي ذكر في القرآن فهو من ولد إبراهيم غير إدريس، ونوح، ولوط، وهود، وصالح- وكأنه لم يستثن آدم لأنه أبو الكلّ- قال: ولم يكن في العرب نبي إلا هود، وصالح، وإسماعيل، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم.
وروى ابن عبّاس أن أصحاب سفينة نوح كانوا ثمانين رجلا، فلما كثروا ملكهم نمرود بن كنعان بن حام بن نوح، فلما كفروا بلبل الله ألسنتهم وتفرقوا اثنتين وسبعين لسانا، وفهّم الله العربية عمليق، وأمم [2] وطسم ابني لاوذ بن سام [3] وعادا وعبيلا بني عوص بن سام بن نوح. انتهى كلام ابن الكلبي.
وانظر ما في كلامه، فإنه ذكر [أنّ] أول من تكلم بالعربية يعرب من ذريّة إسماعيل، ثم ذكر أنّ الله فهّمها عمليقا ومن ذكر بعده من ذريّة نوح، وكلاهما مخالف لما جاء، أنّ إسماعيل تعلم العربية من جرهم لما نشأ بينهم، حتّى قيل: إنّ إبراهيم لما كان يبني البيت يقول لإسماعيل: هات
__________
[1] يعني عن ابن الكلبي، وهو غير ابن الكلبي صاحب «جمهرة النسب» المنشور بدمشق بعناية الأستاذ محمود فردوس العظم.
[2] في الأصل: «اسم» وأثبت ما في المطبوع.
[3] في الأصل، والمطبوع: «لوذ بن سام» وهو خطأ، والتصحيح من «القاموس المحيط» (1/ 372) .

(2/211)


هيك، والهيك بالسريانية الحجر، فيقول له إسماعيل: خذ الحجر، فهذا يتكلم بالسريانية، وهذا بالعربية.
وقيل: لما نزل أصحاب نوح من السفينة، خلق الله في قلوبهم لغات مختلفة، فتكلم كل منهم بلغة.
وفيها توفي هشام بن عروة بن الزّبير الفقيه، أحد حفّاظ الحديث.
قال مسح ابن عمر برأسي ودعا لي.
وقال وهيب: قدم علينا هشام بن عروة، فكان مثل الحسن وابن سيرين.
وحدّث عن أبيه، وعمّه، وكان ثبتا، متقنا، توفي ببغداد، وصلى عليه المنصور، ودفن بمقبرة الخيزران.
قيل: إنه ولد هو وعمر بن عبد العزيز، والزّهريّ، وقتادة، والأعمش ليالي قتل الحسين بن علي في المحرم سنة إحدى وستين.
وفيها، أو في التي تليها، يزيد بن أبي عبيد صاحب سلمة بن الأكوع ومولاه بالمدينة.

(2/212)


سنة سبع وأربعين ومائة
فيها بدهت [1] الكفرة التّرك بناحية إرمينية، وقتلوا أمما، ودخلوا تفليس [2] فالتقاهم المسلمون، فلم ينصروا، وهزم أميرهم جبريل بن يحيى، وقتل مقدمهم الآخر حرب الرّيوندي، الذي تنسب إليه الحربيّة ببغداد.
وفيها ألحّ المنصور وتحيّل بكل ممكن على ابن عمه وليّ العهد عيسى بن موسى، بالرغبة، حتّى خلع نفسه كرها، وقيل: بل عوّضه عشرة آلاف ألف درهم، وعلى أن يكون أيضا وليّ عهده بعد المهديّ بن المنصور.
وفيها توفي عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي. حدّث عن مجاهد وجماعة. وكان عالما، فقيها، نبيلا.
قال في «المغني» [3] : وثّقه جماعة، وضعّفه أبو مسهر. انتهى.
__________
[1] في الأصل: «بدعت» وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.
ومعنى: بدهت، فجأت، وبادت: فاجأت. (ع) .
[2] في الأصل: «بقليس» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
قال ياقوت: تفليس: بلد بإرمينية الأولى، وبعض يقول: بأرّان، وهي قصبة ناحية جرزان قرب باب الأبواب، وهي مدينة قديمة أزلية ... وهي مدينة لا إسلام وراءها، يجري في وسطها نهر يقال له: الكرّ، يصبّ في البحر ... وافتتحها المسلمون في أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه. انظر «معجم البلدان» (2/ 35- 37) .
[3] (2/ 398) .

(2/213)


وخرّج له ابن عدي.
وفيها انهدم الحبس على الأمير عبد الله بن علي، الذي هزم مروان وافتتح دمشق، وكان من رجال الدّهر حزما، ورأيا، ودهاء، وشجاعة، وهو عمّ المنصور، سجنه المنصور سرّا، وقيل: إنه قتله سرّا، وهدم الحبس قصدا.
وفيها الإمام أبو عثمان عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب العدويّ العمريّ المدنيّ، وكان أوثق إخوته وأفضلهم، وأكثرهم علما، وصلاحا، وعبادة. روى عن القاسم، وسالم، ونافع.
وفيها هشام بن حسّان الأزديّ القردوسيّ [1] الحافظ، محدّث البصرة، وصاحب الحسن، وابن سيرين.
قال ابن عيينة: كان أعلم النّاس بحديث الحسن.
وقيل: كان عنده ألف حديث.
وقال في «المغني» [2] : هشام بن حسّان، ثقة مشهور.
روى شعيب بن حرب عن شعبة قال: كان خشبيّا [3] ولم يكن يحفظ.
قلت [4] : وذكره العقيليّ في كتابه، فروى بإسناده عن ابن المديني،
__________
[1] في الأصل: «الفردوسي» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
قلت: قال السمعاني في «الأنساب» (10/ 92- 93) : كان ينزل درب القراديس بالبصرة، فنسب إليه.
[2] (2/ 709- 710) .
[3] قال ابن الأثير: الخشبية: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد. ويقال لضرب من الشيعة:
الخشبية، قيل: لأنهم حفظوا خشبة زيد بن علي حين صلب، والوجه الأول، لأن صلب زيد كان بعد ابن عمر بكثير. «النهاية» (2/ 33) .
[4] القائل هو الحافظ الذهبي في «العبر» .

(2/214)


قال: كان أصحابنا يثبّتون هشام بن حسّان، وكان يحيى يضعّف حديثه [عن عطاء] [1] وكان النّاس يرون أنه أرسل حديث الحسن عن حوشب.
وقال عرعرة بن البرند [2] ذكرت [3] لجرير بن حازم هشام بن حسّان، فقال: ما رأيته عند الحسن قطّ.
قلت [4] : وأنكر عليه حديثه عن محمد بن عبيدة: ينقض الوضوء أذى المسلم [5] . انتهى.
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «العبر» للذهبي.
[2] في الأصل: «اليزيد» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو موافق لما في «العبر» للذهبي، و «تقريب التهذيب» لابن حجر (2/ 18) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «ذكر» وأثبت ما في «العبر» للذهبي.
[4] القائل الحافظ الذهبي في «العبر» .
[5] انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (6/ 359) .

(2/215)


سنة ثمان وأربعين ومائة
فيها توجّه حميد بن قحطبة في جيش كثيف إلى ثغر إرمينية.
وفيها توفي الإمام، سلالة النبوّة، أبو عبد الله جعفر الصّادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين الهاشميّ العلويّ، وأمّه فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، فهو علويّ الأب، بكريّ الأمّ. روى عن أبيه وجدّه القاسم وطبقتهما، وكان سيّد بني هاشم في زمنه. عاش ثمانيا وستين سنة وأشهرا.
وولد سنة ثمانين بالمدينة، ودفن بالبقيع في قبة أبيه، وجدّه، وعمّ جدّه الحسن، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان [1] الصوفيّ كتابا في ألف ورقة يتضمن رسائله، وهي خمسمائة، وهو عند الإمامية من الاثني عشر بزعمهم.
قيل: إنه سأل أبا حنيفة عن محرم كسر رباعية ظبي، فقال: لا أعرف جوابها، فقال: أما تعلم أن الظّبي لا يكون له رباعية.
وقال في «المغني» [2] : جعفر بن محمّد بن علي ثقة، لم يخرّج له
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «جابر بن جباب» وهو خطأ، والتصحيح من «غربال الزمان» للعامري ص (137) . والشيعة تقول: إن جابر بن حيان، صاحب جعفر الصادق، والأرجح أنه كان صاحب جعفر بن يحيى البرمكي. انظر «الأعلام» (2/ 103 و 104) .
[2] (1/ 134) .

(2/216)


البخاريّ، وقد وثّقه ابن معين، وابن عديّ، وأما القطّان فقال: مجالد أحبّ إليّ منه. انتهى.
وفي ربيع الأول توفي الإمام أبو محمّد سليمان بن مهران الأسديّ الكاهليّ مولاهم الأعمش. روى عن ابن أبي أوفى، وأبي وائل والكبار.
وكان محدّث الكوفة وعالمها.
قال ابن المديني: للأعمش نحو ألف وثلاثمائة حديث.
وقال ابن عيينة: كان أقرأهم لكتاب الله، وأعلمهم بالفرائض، وأحفظهم للحديث.
وقال يحيى القطّان: هو علّامة الإسلام.
وقال [1] وكيع: بقي الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى.
وقال الخريبيّ [2] : ما خلّف أعبد منه. وما يرويه عنه مالك فهو إرسال، لأنه لم يسمع منه، وكان فيه مزاح، خرج إلى الطلبة يوما وقال: لولا أن في منزلي من هو أبغض إليّ منكم ما خرجت.
وطلبه رجل ليصلح بينه وبين زوجته، فقال الرجل لزوجته: لا تنظري إلى عموشة عينيه، وخموشة ساقيه، فإنه إمام. قالت: ما لديوان الرسائل أريده. فقال: ما أردت إلّا أن تعرّفها عيوبي.
وقال له حائك: ما تقول في شهادة الحائك؟ فقال: تقبل مع عدلين.
وذكر عنده حديث «من نام عن قيام اللّيل بال الشيطان في أذنه» [3] .
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «قال» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (1/ 209) .
[2] في الأصل: «الحرّيتي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[3] رواه البخاري رقم (1144) في التهجّد: باب إذا نام ولم يصلّ بال الشيطان في أذنه، ومسلم رقم (774) في صلاة المسافرين، باب ما روي فيمن نام الليل حتى أصبح، والنسائي في قيام الليل (3/ 204) ، وابن ماجة، رقم (1330) في الإقامة، وأحمد في «المسند»

(2/217)


فقال: ما عمشت عيني إلا من بول الشّيطان.
وكتب إليه هشام بن عبد الملك، أن اكتب لي فضائل عثمان، ومساوئ عليّ، فأخذ كتابه ولقّمه شاة عنده، وقال لرسوله: هذا جوابك، فألحّ عليه الرّسول في جواب، وتحمّل عليه بإخوانه، وقال: إن لم آت بالجواب قتلني، فكتب:
بسم الله الرّحمن الرّحيم أما بعد: فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كانت لعليّ مساوئ أهل الأرض ما ضرّتك، فعليك بخويصة نفسك، والسلام.
وقال في «المغني» [1] : الأعمش ثقة، جبل، ولكنه يدلّس.
قال وهب بن زمعة: سمعت ابن المبارك يقول: إنما أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش، وأبو إسحاق. انتهى.
قلت: والتّدليس ليس كله قادحا، ولنذكر تعريفه وما يقدح منه وما لا يقدح، لأن ذلك لا يخلو من [2] فائدة. فأقول: التدليس له معنيان، لغويّ، واصطلاحيّ، فاللغويّ كتمان العيب في مبيع أو غيره، ويقال: دالسه:
خادعه، كأنه من الدلس وهو الظلمة، لأنه إذا غطى عليه الأمر أظلمه عليه، وأما في الاصطلاح، أي اصطلاح المحدّثين والأصوليين، فهو قسمان، قسم مضرّ يمنع القبول، وهو تدليس المتن عمدا، وهو محرّم، وفاعله مجروح، ويسمى المدرج أيضا، مثاله أن يدخل الرّاوي للحديث شيئا من كلامه فيه،
__________
(1/ 375 و 427) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. ورواه أيضا أحمد في «المسند» (2/ 260 و 427) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[1] (1/ 283) .
[2] في المطبوع: «عن» .

(2/218)


أولا، أو آخرا، أو وسطا، على وجه يوهم أنه من جملة الحديث الذي رواه، ويسمى تدليس المتون، وفاعله عمدا مرتكب محرّما، مجروح عند العلماء لما فيه من الغش.
أما لو اتفق ذلك من غير قصد من صحابي أو غيره، فلا يكون ذلك محرّما، ومن ذلك كثير أفرده الخطيب البغدادي بالتصنيف.
ومن أمثلته حديث ابن مسعود في التشهّد، قال في آخره: وإذا قلت:
هذا فإن شئت أن تقوم. فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد [1] ، [وهو] [2] من كلامه لا من الحديث المرفوع، لما قاله البيهقيّ، والخطيب، والنوويّ، وغيرهم.
والقسم الثاني غير مضرّ لكنه مكروه مطلقا عند الحنابلة، وله صور. إحداها: أن يسمّي شيخه في روايته باسم له غير مشهور، من كنية، أو لقب، أو اسم، أو نحوه، كقول أبي بكر بن مجاهد المقرئ الإمام: حدّثنا عبد الله بن أبي أوفى، يريد به عبد الله بن أبي داود السّجستاني، وهو كثير جدا، ويسمى هذا تدليس الشيوخ.
وأما تدليس الإسناد، وهو أن يروي عمّن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه، موهما سماعه منه، قائلا: قال فلان ونحوه، وربما لم يسقط شيخه ويسقط غيره، ومثّله بعضهم بما في «الترمذي» عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي الله عنها- مرفوعا «لا نذر في معصية، وكفّارته كفّارة يمين» [3] ثم قال: هذا حديث لا يصحّ، لأن الزّهري لم يسمعه من أبي
__________
[1] انظر «جلاء الأفهام» لابن القيم ص (336- 337) طبع مكتبة دار العروبة في الكويت.
[2] لفظة «وهو» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع. وانظر «فتح المغيث» للسخاوي (1/ 244) في بحث المدرج.
[3] رواه أحمد في «المسند» (6/ 247) وأبو داود رقم (3290) و (3292) في الأيمان والنذور، باب رقم (23) ، والترمذي رقم (1524) و (1525) في النذور: باب لا نذر في معصية،

(2/219)


سلمة، ثم ذكر أن بينهما سليمان بن أرقم، عن يحيى بن أبي كثير، وأن هذا وجه الحديث.
قال ابن الصلاح: هذا القسم مكروه جدا، ذمّه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدّهم ذمّا له.
وقال مرّة: التّدليس أخو الكذب. ومرّة: لأن أزني أحبّ إليّ من أن أدلّس، وهذا إفراط منه، محمول على المبالغة في الزجر عنه.
الصورة الثانية: أن يسمي شيخه باسم شيخ آخر لا يمكن أن يكون رواه عنه، كما يقول تلامذة الحافظ أبي عبد الله الذّهبي: حدّثنا أبو عبد الله الحافظ تشبيها بقول البيهقيّ فيما يرويه عن شيخه أبي عبد الله الحاكم: حدّثنا أبو عبد الله الحافظ، وهذا لا يقدح لظهور المقصود.
والصورة الثالثة: أن يأتي في التحديث بلفظ يوهم أمرا لا قدح في إيهامه ذلك، كقوله: حدّثنا وراء النّهر، موهما نهر جيحون، وهو نهر عيسى ببغداد، والحيرة ونحوها، كمصر، فلا حرج في ذلك، قاله الآمدي، لأن ذلك من باب الإغراب، وإن كان فيه إيهام الرّحلة إلا أنه صدق في نفسه.
ومن فعله بصورة الثلاثة متأوّلا قبل عند أحمد وأصحابه والأكثر من الفقهاء والمحدّثين، ولم يفسق، لأنه صدر من الأعيان المقتدى بهم، حتّى قيل: لم يسلم منه إلا شعبة، والقطّان، ولكن من عرف به عن الضعفاء لم تقبل روايته حتّى يبيّن سماعه عند المحدّثين وغيرهم.
والإسناد المعنعن بلا تدليس بأيّ لفظ كان [1] متصل عند أحمد،
__________
والنسائي (7/ 26 و 27) ، وابن ماجة رقم (2125) من حديث عائشة رضي الله عنها. ورواه أحمد (4/ 443) والنسائي (7/ 27 و 28) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وهو حديث صحيح لطرقه وشواهده.
[1] جاء في هامش المطبوع: أي «بعن» أو «قال» أو نحوهما، كما هو فوق الكلمة بخط دقيق في الأصل، يعني في الأصل الذي اعتمد عليه القدسي- رحمه الله- في طبعته.

(2/220)


والأكثر من المحدّثين وغيرهم، عملا بالظاهر، والأصل عدم التّدليس. حكاه ابن عبد البرّ في «التمهيد» إجماعا، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وفيها، أو في التي قبلها- وهو الصحيح- رؤبة بن العجّاج البصريّ التميميّ [1] السّعديّ، كان هو وأخوه من المدوّنين في الرجز ليس فيه شعر، مع أن الرجز شعر على الصحيح.
وكان عارفا باللغة وحشيّها وغريبها.
والرّوبة خميرة [2] اللّبن، وهي أيضا قطعة من الليل، والحاجة.
والرؤبة بالهمز: القطعة من الخشب يشعّب بها الإناء، والجميع بضم الراء وسكون الواو، إلا اسم هذا الرجل، والقطعة من الخشب، فإنهما بالهمز.
وفيها شبل بن عبّاد قارئ أهل مكّة، وتلميذ ابن كثير، حدّث عن أبي الطّفيل وطائفة.
وعمرو بن الحارث المصريّ الفقيه. حدّث عن ابن أبي مليكة وطبقته.
قال أبو حاتم الرّازي: كان أحفظ الناس في زمانه.
وقال ابن وهب: ما رأيت أحفظ منه، ولم يكن له نظير في الحفظ.
ومحمّد بن الوليد الزّبيديّ الحمصيّ القاضي، عالم أهل حمص. أخذ عن مكحول، وعمرو بن شعيب، وخلق.
وقال: أقمت مع الزّهري عشر سنين بالرّصافة [3] .
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «المصريّ التيمي» وهو خطأ، والتصحيح من «تهذيب التهذيب» (3/ 290) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «جريرة» وهو خطأ، والتصحيح من «سير أعلام النبلاء» (6/ 162) .
[3] يعني رصافة الشام، التي تعرف برصافة هشام بن عبد الملك. انظر «معجم البلدان» لياقوت (3/ 47- 48) .
قلت: وهي الآن في سورية على مقربة من تدمر من جهة الشمال.

(2/221)


وقال الزّهري عنه: قد احتوى هذا على ما بين جنبيّ من العلم.
وقال محمّد بن سعد: كان أعلم الشاميين بالفتوى والحديث [1] .
والعوّام بن حوشب شيخ واسط. روى عن إبراهيم النخعي وجماعة.
قال يزيد بن هارون: كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
وفيها [2] في رمضان قاضي الكوفة ومفتيها، أبو عبد الرّحمن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى الأنصاريّ الفقيه، لم يدرك أباه، وسمع الشّعبيّ وطبقته.
قال أحمد بن يونس: كان أفقه أهل الدّنيا، وكان صاحب قرآن وسنّة.
قرأ عليه حمزة الزّيّات، وكان صدوقا جائز الحديث. قاله في «العبر» [3] ومات وهو على القضاء.
وفيها محمّد بن عجلان المدنيّ. روى عن أبيه، وأنس، وطائفة، وكان عابدا، ناسكا، صادقا، له حلقة بمسجد النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- للفتوى. روى له مسلم مقرونا بآخر، وكان مولى لقريش.
__________
[1] انظر «العبر» للذهبي (1/ 210) .
[2] لفظة «فيها» لم ترد في المطبوع.
[3] (1/ 211) .

(2/222)


سنة تسع وأربعين ومائة
فيها غزا النّاس بلاد الرّوم وعليهم العبّاس بن محمّد، فمات في الغزاة أكثر أمرائه [1] .
وفيها توفي بالكوفة زكريّا بن أبي زائدة الهمدانيّ [2] القاضي، والد يحيى. روى عن الشّعبي وغيره.
قال في «المغني» [3] : صدوق، مشهور.
قال أبو زرعة: صويلح.
وقال أبو حاتم: ليّن الحديث يدلّس.
وثّقه أبو داود، وقال: يدلّس. انتهى.
وفيها عيسى بن عمر النّحويّ.
قال ابن قتيبة [4] : كان صاحب تقعير في كلامه، واستعمال للغريب فيه وفي قراءته.
__________
[1] في «العبر» للذهبي: «فمات أكبر أمرائه محمد بن الأشعث الذي كان ولي إمرة مصر» .
[2] في المطبوع: «الهمذاني» وهو تصحيف.
[3] (1/ 239) .
[4] في «المعارف» ص (540) .

(2/223)


وضربه يوسف بن عمر بن هبيرة في سبب وهو يقول: والله إن كانت إلّا أثيابا في أسفاط [1] قبضها عشّاروك. انتهى.
وقال ابن الأهدل: عيسى بن عمر النّحويّ الثّقفيّ البصريّ مولى خالد بن الوليد، نزل في ثقيف، فنسب إليهم، وكان صاحب غريب في لفظه ونحوه، وحكي أنه سقط عن حمار فاجتمع عليه النّاس، فقال: ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جنّة [2] افرنقعوا عني.
معناه: ما لكم تجمّعتم عليّ كتجمّعكم على مجنون، افترقوا عنّي، فقالوا: إن شيطانه هنديّ، وهو شيخ سيبويه [وله «كتاب الجامع» في النحو، وهو المنسوب إلى سيبويه، وله أيضا «الإكمال» وصنّف نيفا وسبعين كتابا في النحو، ولم يبق منها سوى «الجامع» ، و «الإكمال» لأنها كانت احترقت إلّا هذين، وكان سيبويه] [3] رحل إليه، وعاد ومعه «الجامع» فسأله الخليل عن عيسى، فأخبره بأخباره، وأراه «الجامع» فقال الخليل:
ذهب النّحو جميعا كلّه [4] ... غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع ... وهما للنّاس شمس وقمر
وهو شيخ سيبويه، والخليل، وأبي عمرو ابن العلاء.
__________
[1] في «المعارف» ، و «وفيات الأعيان» (3/ 488) : «في أسيفاط» .
[2] قال ابن منظور: الجنّة الجنون ... وفي التنزيل العزيز: أَمْ به جِنَّةٌ 34: 8 [سبأ: 8] والاسم المصدر على صورة واحدة، ويقال: به جنّة وجنون ومجنّة. «لسان العرب» (جنن) .
[3] ما بين الحاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع.
[4] في الأصل: «ذهب النحو كله جميعا» وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 328) أصل «مختصر» ابن الأهدل الذي نقل عنه المؤلف رحمه الله. قال العلّامة الأستاذ خير الدّين الزركلي- رحمه الله- في ترجمة ابن الأهدل في «الأعلام» (2/ 240) : و [كتابه] «مختصر تاريخ اليافعي» رأيته في خزانة الشيخ محمد سرور الصبان بجدّة غير كامل.

(2/224)


وعيسى هذا هو الذي هذّب النّحو ورتّبه. انتهى ملخصا مزيدا فيه.
وفيها توفي كهمس بن الحسن البصريّ، روى عن أبي الطّفيل وجماعة.
والمثنّى بن الصّبّاح اليمانيّ [1] بمكّة. روى عن مجاهد، وعمرو بن شعيب، وجماعة، وكان من أعبد النّاس، وفي حديثه ضعف.
__________
[1] في الأصل: «اليافعي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في «العبر» للذهبي (1/ 212) وهو الصواب.

(2/225)


سنة خمسين ومائة
فيها خرجت أهل خراسان على المنصور مع الأمير أستاذسيس [1] حتّى اجتمع له فيما قيل: ثلاثمائة ألف مقاتل، ما بين فارس وراجل، وسائرهم من أهل هراة، وسجستان، واستولى على أكثر خراسان، وعظم الخطب، فنهض لحربه الأخثم [2] المروروذي، فقتل الأخثم واستبيح عسكره، فسار حازم بن خزيمة في جيش عظيم بالمرّة، فالتقى الجمعان، وصبر الفريقان، وقتل خلق [كثير] [3] حتّى قيل: إنه قتل في هذه الوقعة سبعون ألفا، وانهزم أستاذسيس في طائفة إلى جبل، وكانت هذه الوقعة في السنة الآتية، سقناها استطرادا، ثم أمر حازم بالأسرى فضرب أعناقهم كلهم وكانوا أربعة عشر ألفا ثم حاصر أستاذسيس مدة، ثم نزل على حكمهم، فقيد هو وأولاده، وأطلق أصحابه، وكانوا ثلاثين ألفا.
وفيها توفي إمام الحجاز أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح الرّوميّ ثم المكيّ، مولى بني أميّة عن أكثر من سبعين سنة. أخذ عن عطاء وطبقته، وهو أول من صنّف الكتب بالحجاز، كما أن سعيد بن أبي عروبة أول من صنّف بالعراق.
__________
[1] في الأصل: «إسناديس» ، وفي المطبوع هنا وفي سياق الخبر: «إسناذسيس» وما أثبتناه من «العبر» للذهبي (1/ 213) مصدر المؤلف، وفي «دول الإسلام» للذهبي: «إسنادسيس» .
[2] في «دول الإسلام» للذهبي: «الأجثم» .
[3] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 212) .

(2/226)


قال أحمد: كان من أوعية العلم.
قال في «العبر» [1] : ولم يطلب العلم إلّا في الكهولة، ولو سمع في عنفوان شبابه لحمل عن غير واحد من الصحابة، فإنه قال: كنت أتتبّع [2] الأشعار العربيّة والأنساب، حتّى قيل لي: لو لزمت عطاء، فلزمته ثمانية عشر عاما.
قال ابن المديني: لم يكن في الأرض أعلم بعطاء بن أبي رباح من ابن جريج.
وقال عبد الرّزّاق: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج.
وقال خالد بن نزار الأيلي: رحلت بكتب ابن جريج سنة خمسين ومائة لألقاه [3] فوجدته قد مات رحمه الله تعالى. انتهى كلامه في «العبر» .
وقال ابن الأهدل: هو أول من صنّف الكتب في الإسلام، كان باليمن مع معن بن زائدة، قال: فحضر وقت الحجّ وخطر بباله قول عمر بن أبي ربيعة:
بالله قولي له من غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو نعمت بها ... فما أخذت بترك [4] الحجّ من ثمن [5]
قال: فدخلت على معن، فأخبرته أني عزمت على الحجّ، قال: لم تذكره من قبل، فأخبرته بما بعثني، فجهّزني وانطلقت. انتهى.
__________
[1] (1/ 213) وكلام المؤلف المتقدم عنه من «العبر» أيضا.
[2] في «العبر» للذهبي: «اتبع» .
[3] لفظة «لألقاه» سقطت من «العبر» للذهبي (1/ 214) فتستدرك فيه.
[4] في الأصل، والمطبوع: «فما أجدت لترك الحج» وما أثبته من «ديوان عمر بن أبي ربيعة» .
[5] البيتان في «ديوان عمر بن أبي ربيعة» ص (217) طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب.

(2/227)


وقال في «المعارف» [1] : ابن جريج، هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وجريج كان عبدا لأمّ حبيب بنت جبير، وكانت تحت عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسد، فنسب إلى ولائه، وولد سنة ثمانين عام الجحاف. والجحاف: سيل كان بمكّة.
حدّثني [2] أبو حاتم، عن الأصمعيّ، عن أبي هلال قال: كان ابن جريج أحمر الخضاب.
روى الواقديّ قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي الزّناد [3] قال: شهدت ابن جريج جاء إلى هشام بن عروة، فقال يا أبا المنذر الصحيفة التي أعطيتها إلى فلان [4] هي حديثك؟ قال: نعم.
قال الواقديّ: فسمعت ابن جريج بعد ذلك يقول: حدّثنا هشام بن عروة ما لا أحصي.
قال [5] : وسألته عن قراءة الحديث عن المحدّث. قال: ومثلك يسأل عن هذا؟ إنما اختلف النّاس في الصحيفة يأخذها ويقول: أحدّث بما فيها، ولم يقرأها، وأما إذا قرأها فهو والسماع سواء. انتهى كلام «المعارف» .
قلت: وهذا مذهب مالك وجماعة، وأما عند الحنابلة فالسماع أعلى رتبة، ويشهد لمذهبهم العقل والذّوق، والله أعلم.
وفيها مات أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزديّ مولاهم الخراسانيّ
__________
[1] ص (488) .
[2] القائل ابن قتيبة في «المعارف» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «عبد الرحمن بن أبي زياد» ، وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» لابن قتيبة ص (488) وكتب الرجال.
[4] في «المعارف» : «التي أعطيتها فلانا» .
[5] القائل الواقدي.

(2/228)


المفسّر. [عدّوه من المشبّهة كما ذكره الشيخ عبد القادر في «الغنية» ] [1] .
وقال في «المغني» [2] : مقاتل بن سليمان البلخي [المفسّر] [3] ، هالك، كذّبه وكيع والنسائي. انتهى.
وقال ابن الأهدل: كان نبيلا، واتهم في الرّواية. قال مرّة: سلوني عمّا دون العرش، فقيل له: من حلق رأس آدم لمّا حجّ. وقال له آخر: الذّرّة [4] أو النملة معاؤها في مقدمها أو مؤخرها، فلم يدر ما يقول، وقال: ليس هذا من علمكم، لكن بليت به لعجبي بنفسي.
وسأله المنصور: لم خلق الله الذّباب، فقال: ليذلّ به الجبابرة.
وقال الشّافعيّ: النّاس عيال على مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الفقه، وعلى الكسائي في النحو، وعلى ابن إسحاق في المغازي.
وفيها توفي الإمام أبو حنيفة النّعمان بن ثابت الكوفيّ، مولى بني تيم الله بن ثعلبة، ومولده سنة ثمانين، رأى أنسا وغيره، ونظم بعضهم من لقي من الصحابة فقال:
لقي الإمام أبو حنيفة ستّة ... من صحب طه المصطفى المختار
أنسا وعبد الله نجل أنيسهم ... وسميّه ابن الحارث الكرّار
وزد ابن أوفى وابن واثلة الرّضي ... واضمم إليهم معقل بن يسار
__________
[1] ما بين الحاصرتين سقط من المطبوع. و «الغنية» و «الغنية لطالب طريق الحق» وهو مطبوع متداول.
[2] (2/ 675) .
[3] لفظة «المفسر» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «المغني» للذهبي.
[4] قال ابن منظور: الذّر: صغار النمل، واحدته ذرّة، قال ثعلب: إن مائة منها وزن حبة من شعير، فكأنها جزء من مائة، وقيل: الذّرّة ليس لها وزن. «لسان العرب» (ذرر) .

(2/229)


ولكن لم تثبت له رواية عن أحد منهم، وإنما روى عن عطاء بن أبي رباح وطبقته، وتفقّه على حمّاد بن سليمان، وكان من أذكياء بني آدم، جمع الفقه، والعبادة، والورع، والسّخاء، وكان لا يقبل جوائز الدولة، بل ينفق ويؤثر من كسبه، له دار كبيرة لعمل الخزّ [1] وعنده صنّاع وأجراء رحمه الله تعالى.
قال الشّافعيّ: النّاس في الفقه عيال على أبي حنيفة.
وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة.
وروى بشر بن الوليد، عن أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة، إذ سمعت رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل، فقال: والله لا يتحدّث عنّي بما لم أفعل، فكان يحيي الليل صلاة، ودعاء، وتضرّعا.
وقد روي أن المنصور سقاه السّمّ فمات شهيدا- رحمه الله- سمّه لقيامه مع إبراهيم [2] . قاله في «العبر» [3] .
وذكر الحافظ العامري في تأليفه «الرياض المستطابة» [4] وكذلك ملخّصه صالح بن صلاح العلائي، ومن خطّه نقلت، أن الإمام أبا حنيفة رأى عبد الله بن الحارث بن جزء الصحابي، وسمع منه قوله- صلّى الله عليه وسلّم-: «من تفقّه في دين الله كفاه الله همّه ورزقه من حيث لا يحتسب» [5] . انتهى.
__________
[1] قال في «مختار الصحاح» ص (174) : الخزّ واحد الخزوز من الثياب.
[2] هو إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أحد الأمراء الشجعان، خرج بالبصرة على المنصور، وتحول إلى الكوفة، وممن آزره أبو حنيفة، قتله حميد بن قحطبة سنة (145) هـ. انظر «الأعلام» للزركلي (1/ 48) . (ع) .
[3] (1/ 214- 215) .
[4] ص (149) من منسوختنا، وقد قمت بتحقيقه بالاشتراك مع الأستاذ الفاضل رياض عبد الحميد مراد. وسوف نقدمه للطبع قريبا إن شاء الله تعالى.
[5] ذكره الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (3/ 32) وكذلك هو في «تاريخ نيسابور» للحاكم وقد ذكره الذهبي في «الميزان» (1/ 141) وفي سنده أحمد بن محمد بن الصلت الحمّاني، وهو كذاب وضاع. قال الذهبي: قلت: هذا كذب، وعبد الله بن الحارث بن جزر الصحابي

(2/230)


وقال ابن الأهدل: نقله المنصور عن الكوفة إلى بغداد ليولّيه القضاء فأبى، فحلف عليه ليفعلنّ، فحلف أن لا يفعل، وقال أمير المؤمنين أقدر مني على الكفّارة، فأمر به إلى الحبس.
وقيل: إنه ضربه.
وقيل: سقاه سمّا لقيامه مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن [1] فمات شهيدا.
وقيل: إنه أقام في القضاء يومين ثم اشتكى ستة أيام ومات.
وكان ابن هبيرة قد أراده على القضاء في الكوفة أيام مروان الجعديّ فأبى، وضربه مائة سوط وعشرة أسواط، كل يوم عشرة، وأصرّ على الامتناع، فخلّى سبيله.
وكان الإمام أحمد، إذا ذكر ذلك ترحّم عليه. انتهى.
وقد قال في «الأشباه والنظائر» [2] : لما جلس أبو يوسف- رحمه الله- للتدريس من غير إعلام أبي حنيفة، أرسل إليه أبو حنيفة رجلا فسأله عن خمس مسائل:
الأولى: قصّار جحد الثوب وجاء به مقصورا، هل [3] يستحق الأجر أم لا؟ فأجاب أبو يوسف: يستحق الأجر. فقال له الرّجل: أخطأت، فقال: لا يستحق، فقال: أخطأت، ثم قال له الرّجل: إن كانت القصارة قبل الجحود استحقّ، وإلا فلا.
الثانية: هل الدخول في الصّلاة بالفرض أم بالسّنّة؟ فقال: بالفرض،
__________
توفي بمصر ولأبي حنيفة ست سنين، وكذلك قال الحافظ ابن حجر في «اللسان» (1/ 270) .
[1] تقدم التعريف به في الصفحة السابقة التعليق رقم (2) .
[2] «الأشباه والنظائر» لابن نجيم ص (512- 513) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد مطيع الحافظ، طبع دار الفكر بدمشق. وما بين حاصرتين في القصة استدركته منه.
[3] في الأصل، والمطبوع: «أهل» وأثبت لفظ «الأشباه والنظائر» .

(2/231)


فقال: أخطأت، فقال بالسّنّة، فقال: أخطأت، فتحيّر أبو يوسف، فقال الرّجل: بهما، لأن التكبير فرض، ورفع اليدين سنّة.
الثالثة: طير سقط في قدر على النّار، فيه لحم ومرق، هل يؤكلان، أم لا؟
فقال أبو يوسف: يؤكلان، فخطّأه، فقال: لا يؤكلان، فخطّأه، ثم قال: إن كان اللحم مطبوخا قبل سقوط الطير يغسل ثلاثا ويؤكل، وترمى المرقة، وإلا يرمى الكلّ.
الرابعة: مسلم له زوجة ذميّة ماتت وهي حامل منه، تدفن في أيّ المقابر؟ فقال: في مقابر المسلمين، فخطّأه، فقال أبو يوسف: في مقابر أهل الذّمّة، فخطّأه، فتحيّر [أبو يوسف] فقال [الرّجل: تدفن] في مقابر اليهود- أي لأنهم يوجهون قبورهم إلى القبلة- ولكن يحوّل وجهها عن القبلة حتّى يكون وجه الولد إلى القبلة، لأن الولد في البطن يكون وجهه إلى ظهر أمه.
الخامسة: أمّ ولد لرجل، تزوجت بغير إذن مولاها، [فمات المولى] ، هل تجب العدّة من المولى؟ فقال: تجب، فخطّأه، [ثم قال: لا تجب، فخطّأه] ، ثم قال الرّجل: إن كان الزّوج دخل بها لا تجب، وإلا وجبت.
فعلم أبو يوسف تقصيره، فعاد إلى أبي حنيفة، فقال تزبّبت [1] قبل أن تحصرم، كذا في إجارات الفيض. انتهى كلام «الأشباه» والله أعلم، وبه التوفيق.
وفيها، أو في التي قبلها- وهو الصحيح- الحجّاج بن أرطاة.
قال ابن ناصر الدّين في «بديعة البيان» :
ثمّ أبو أرطأة الحجّاج ... مدلّس قد طمس الحجاج
__________
[1] في المطبوع: «تزبيت» وهو تصحيف.

(2/232)


أي العظم المستدير حول العين، ويقال: بل هو الأعلى الذي تحت الحاجب [1] .
قال في «المغني» [2] : حجّاج بن أرطاة النخعيّ الكوفيّ، من كبار الفقهاء، تركه ابن مهدي، والقطّان، وقال أحمد، لا يحتجّ به. وقال ابن عديّ: ربما أخطأ ولم يتعمّد، وقد وثّق. وقال ابن معين. أيضا: صدوق يدلس. خرّج له مسلم مقرونا بغيره انتهى.
وقد خرج له الأربعة [3] ، وابن حبّان.
وفيها عمر بن محمّد بن يزيد بن عبد الله بن عمر العمريّ بعسقلان.
روى عن سالم بن عبد الله وطائفة، ولم يعقّب، وكان من السادة العبّاد.
قال الثوريّ: لم يكن في آل عمر أفضل منه.
وقال أبو عاصم النّبيل: كان من أفضل أهل زمانه.
وعثمان بن الأسود المكيّ: روى عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وطاووس.
__________
[1] انظر «لسان العرب» (حجج) .
[2] (1/ 149) .
[3] يعني أصحاب «السنن» أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة.

(2/233)