شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وتسعين ومائة
فيها توثّب الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان ببغداد، فخلع الأمين في رجب وحبسه، ودعا إلى بيعة المأمون، فلم يلبث [1] [أن وثب] [2] الجند عليه، فقتلوه وأخرجوا الأمين، وجرت أمور طويلة، وفتنة كبيرة.
وفيها توفي قاضي البصرة أبو المثنى معاذ بن معاذ العنبريّ في ربيع الآخر، روى عن حميد الطويل وطبقته، وكان أحد الحفّاظ.
قال يحيى القطّان: ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز، أثبت من معاذ ابن معاذ.
وقال أحمد: كان ثبتا، وما رأيت أعقل منه.
وفيها قاضي شيراز ومحدّثها، سعد بن الصّلت الكوفيّ. روى عن الأعمش وطبقته، وكان حافظا.
قال سفيان: ما فعل سعد بن الصلت؟ قالوا: ولي القضاء قال: ذره [3] واقعد [4] في الحشّ.
__________
[1] في «العبر» : «فلم ينشب» .
[2] زيادة من «العبر» (1/ 320) .
[3] أي دعه واتركه.
[4] في الأصل والمطبوع: «وقع» وما أثبته من «العبر» وهو الصواب.

(2/450)


قال في «العبر» : قلت: آخر من روى عنه سبطه إسحاق بن إبراهيم شاذان [1] . انتهى.
وفيها أبو نواس الحسن بن هانئ الحكميّ الأديب، شاعر العراق.
قال ابن عيينة: هو أشعر النّاس.
وقال الجاحظ: ما رأيت أعلم باللغة منه.
قال ابن الأهدل: كان أبوه من جند مروان الصغير الأموي، فتزوج امرأة بالأهواز، فولدت أبا نواس، فلما ترعرع أصحبته أبا أسامة الشاعر، فنشأ على يديه، وقدم به بغداد فبرع في الشعر، وعداده في الطبقة الأولى من المولّدين، وشعره عشرة أنواع، وقد اعتنى بشعره جماعة فجمعوه، ولهذا يوجد «ديوانه» مختلفا، وكان المأمون يقول: لو وصفت الدّنيا نفسها ما بلغت قول أبي نواس:
ألا كلّ حيّ [2] هالك وابن هالك ... وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدّنيا لبيب تكشّفت ... له عن عدو في ثياب صديق [3]
وكني بأبي نواس، لذؤابتين كانتا على عاتقه تنوسان، وأثنى عليه ابن عيينة وعلماء عصره بالفصاحة والبلاغة.
وقال أبو حاتم: لو كتبت بيتيه هذين بالذّهب لما كثر وهما:
ولو أني استزدتك فوق ما بي ... من البلوى لأعوزك المزيد
__________
[1] في «العبر» للذهبي (1/ 320) : «ابن شاذان» وهو خطأ، ف «شاذان» لقب له كما ذكر الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» (1/ 347) .
[2] في «مرآة الجنان» : «ألا كل شيء» .
[3] لم أجد البيتين في «ديوانه» طبع دار صادر، وهما في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 454) طبع مؤسسة الرسالة.

(2/451)


ولو عرضت على الموتى حياتي ... بعيش مثل عيشي لم يريدوا [1]
وله نوادر حسان رائقة، واقترح عليه الرّشيد مرّات أن ينظم له [على] [2] قضايا خفيّة يعرفها في داره ونسائه فيأتي على البديهة بما لو حضرها وعاينها لم يزد على ذلك. انتهى كلام ابن الأهدل.
ومن لطيف شعره قوله بديها، وهو من ألطف بديهة وأبدعها:
ودار ندامى عطّلوها وأدلجوا ... بها أثر منهم جديد ودارس
مساحب من جرّ الزّقاق على الثرى ... وأضغاث ريحان جنيّ ويابس
ولم أدر [3] من هم؟ غير ما شهدت به ... بشرقيّ ساباط الدّيار البسابس
حبست بها صحبي فجدّدت عهدهم ... وإني على أمثال تلك لحابس
أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ... ويوما له يوم الترحّل خامس
تدار علينا الرّاح في عسجديّة ... حبتها بأنواع [4] التّصاوير فارس
قرارتها كسرى وفي جنباتها ... مها تدّريها بالقسيّ الفوارس
فللخمر ما زرّت [5] عليه جيوبها ... وللرّاح [6] ما دارت عليه القلانس [7]
وقد اختلف في معنى قوله «أقمنا بها يوما ويوما إلخ» فقال ابن هشام:
ثمانية أيام.
وقال الدّمامينيّ في «شرح المغني» : سبعة، لأن يوم الترحل ليس من
__________
[1] لم أجد البيتين في «ديوانه» طبع دار صادر، وهما في «مرآة الجنان» لليافعي (1/ 454) .
[2] لفظة «على» لم ترد في الأصل، وأثبتها من المطبوع.
[3] في الأصل، والمطبوع: «ولم أدر منهم غير من شهدت به» وأثبت ما في «ديوانه» .
[4] في «ديوانه» : «بألوان» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «وللماء ما ذرت» وأثبت ما في «ديوانه» .
[6] في «ديوانه» : «وللماء» .
[7] الأبيات في «ديوانه» ص (361) طبع دار صادر في بيروت.

(2/452)


أيام الإقامة، فليتأمل.
وقال ابن الفرات: أبو نواس الحسن بن هانئ البصريّ مولى الحكم بن سعد العشيرة- سمي سعد العشيرة لأنه لم يمت حتّى ركب معه من ولده وولد ولده مائة رجل- وتوفي وعمره اثنتان وخمسون سنة، والحسن أحد المطبوعين، وكان كثير المجون.
قيل: عاتب أبو العتاهية الحسن على مجونه، فقال الحسن:
والنّفس لا تقلع عن غيّها ... ما لم يكن منها لها زاجر [1]
فقال أبو العتاهية: وددت أنّ هذا البيت بشعري كلّه، ورأى رجل الحسن في النوم فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: رحمني بأبيات قلتها، وهي:
يا ربّ إن عظمت ذنوبي كثرة ... فلقد علمت بأنّ عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلّا محسن ... فبمن يلوذ ويستجير المجرم
أدعوك ربّ كما أمرت تضرّعا ... ولئن رددت يدي فمن ذا يرحم
ما لي إليك وسيلة إلّا الرّجا ... وجميل ظنّي [2] ثمّ إني مسلم [3]
انتهى.
وقال الحصري في كتابه «قطب السرور» : قال ابن نوبخت: توفي أبو نواس في منزلي، فسمعته يوم مات يترنّم بشيء، فسألته عنه، فأنشدني:
باح لساني بمضمر السّرّ ... وذاك أني أقول بالدّهر
__________
[1] لم أجد البيت في «ديوانه» طبع دار صادر ولا في المراجع الأخرى التي بين يدي.
[2] في «ديوانه» : «وجميل عفوك» .
[3] الأبيات في «ديوانه» ص (587) طبع دار صادر.

(2/453)


وليس بعد الممات منقلب ... وإنّما الموت بيضة العمر [1]
والتفت إلى من حوله فقال: لا تشربوا الخمر صرفا، فإني شربتها صرفا فأحرقت كبدي ثم طفئ. انتهى، ف إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. 2: 156
__________
[1] لم أجد البيتين في «ديوانه» الذي بين يدي.

(2/454)


سنة سبع وتسعين ومائة
فيها حوصر الأمين ببغداد، وأحاط به أمراء المأمون، وهم طاهر بن الحسين [1] ، وهرثمة بن أعين، وزهير بن المسيّب في جيوشهم. وقاتلت مع الأمين الرعيّة وقاموا معه قياما لا مزيد عليه. ودام الحصار سنة، واشتد البلاء وعظم الخطب.
وفيها توفي الإمام الحبر أبو محمّد عبد الله بن وهب الفهريّ، مولاهم، المقرئ أحد الأعلام في شعبان، ومولده سنة خمس وعشرين ومائة، وطلب العلم بعد الأربعين ومائة بعام أو عامين. وروى عن ابن جريج، وعمرو بن الحارث، وخلق، وتفقّه بمالك، واللّيث.
قال أبو سعيد بن يونس: جمع ابن وهب بين الفقه، والرّواية، والعبادة، وله تصانيف كثيرة.
وقال أحمد بن صالح المصريّ: حدّث ابن وهب بمائة ألف حديث، ما رأيت أحدا أكثر حديثا منه.
وقال ابن خداش: قرئ على ابن وهب كتابه في أهوال القيامة، فخرّ مغشيّا عليه، فلم يتكلم بكلمة حتّى مات بعد أيام.
__________
[1] في الأصل: «طاهر بن الحسن» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

(2/455)


وقال يونس بن عبد الأعلى: كانوا أرادوه على القضاء فتغيّب. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن الأهدل: صحب مالكا عشرين سنة، وصنّف «الموطأ» الكبير والصغير. وحدّث بمائة ألف حديث. وكان مالك يكتب إليه في المسائل، ولم يكن يفعل هذا لغيره، وقال: ابن وهب عالم، وابن القاسم فقيه.
وكتب إليه الخليفة في قضاء مصر، فاختبأ ولزم بيته، فاطّلع عليه بعضهم يوما فقال له: يا ابن وهب ألا تخرج فتقضي بين النّاس بكتاب الله وسنّة رسوله؟ فقال: أما علمت أن العلماء يحشرون مع الأنبياء والقضاة مع السلاطين.
وقرئ عليه كتاب الأهوال من جامعه فغشي عليه، فحمل إلى داره فمات لحينه رحمه الله تعالى. انتهى.
وفيها محدّث الشّام الإمام أبو يحمد [2] بقيّة بن الوليد الكلاعيّ الحمصيّ الحافظ، ومولده سنة عشر ومائة. روى عن محمد بن زياد الألهاني، وبحير بن سعد [3] والكبار، وأخذ عمّن دبّ ودرج. وتفقّه بالأوزاعيّ. وكان مشهورا بالتدليس، كالوليد بن مسلم.
وقال ابن معين: إذا روى عن ثقة فهو حجّة.
وقال بقية: قال لي شعبة: إني لأسمع منك أحاديث لو لم أسمعها لطرت. قاله في «العبر» [4] .
__________
[1] (1/ 322- 323) .
[2] في الأصل: «أبو محمد» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[3] في «العبر» للذهبي: «بجير بن سعد» وهو خطأ فيصحّح فيه.
[4] (1/ 323) .

(2/456)


وقال ابن ناصر الدّين: بقية بن الوليد بن صائد الحميريّ الكلاعيّ الحمصيّ أبو يحمد [1] محدّث الشّام، كان إماما، مكثرا، ويدلّس عن المتروكين، لكن إذا قال: حدّثنا، أو أخبرنا، فهو مقبول. انتهى.
وفيها شعيب بن حرب المدائنيّ الزّاهد، أحد علماء الحديث. روى عن مالك بن مغول وطبقته.
قال الطّيب بن إسماعيل: دخلنا عليه وقد بنى له كوخا، وعنده خبز يابس [يبلّه] يأكله [2] ، وهو جلد وعظم.
قال أحمد بن حنبل: حمل على نفسه في الورع.
وفيها شيخ الإقراء بالدّيار المصرية أبو سعيد عثمان بن سعيد القيروانيّ ثم المصريّ. ورش، صاحب نافع، وله سبع وثمانون سنة.
قال السّيوطيّ في «حسن المحاضرة» [3] : ورش، وهو [4] عثمان بن سعيد أبو سعيد المصريّ، وقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو القاسم، أصله قبطيّ، مولى آل الزّبير بن العوّام. ولد سنة [خمس] عشرة [5] ومائة، وأخذ القراءة عن نافع، وهو الذي لقّبه بورش لشدّة بياضه، وقيل: لقبه بالورشان، ثم خفّف. انتهت إليه رياسة الإقراء بالدّيار المصرية في زمانه، وكان ماهرا في العربية. انتهى.
وفيها محمّد بن فليح بن سليمان المدنيّ. روى عن هشام بن عروة وطبقته.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «أبو محمد» وهو خطأ، والصواب ما أثبته، وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (4/ 192) طبع مؤسسة الرسالة.
[2] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 323) .
[3] (1/ 485) .
[4] لفظة «وهو» لم ترد في «حسن المحاضرة» وإنما هي زيادة من المؤلف رحمه الله.
[5] في الأصل، والمطبوع: «عشر ومائة» والتصحيح من «حسن المحاضرة» .

(2/457)


قال في «المغني» [1] : ثقة.
قال: أبو حاتم: ليس بذاك القويّ. انتهى.
وفيها قاضي صنعاء وعالمها هشام بن يوسف الصنعانيّ، أخذ عن معمر، وابن جريج، وجماعة.
قال ابن معين: هو أثبت من عبد الرّزّاق في ابن جريج.
وقال ابن ناصر الدّين: كان ثقة، برز وفاق على أقرانه.
وفيها الإمام العلم أبو سفيان وكيع بن الجرّاح الرّؤاسي في المحرم، راجعا من الحجّ بفيد [2] وله سبع وستون سنة. روى عن الأعمش وأقرانه.
قال ابن معين: كان وكيع في زمانه كالأوزاعيّ في زمانه.
وقال أحمد: ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع.
وقال القعنبيّ: كنّا عند حمّاد بن زيد، فخرج وكيع، فقالوا: هذا راوية سفيان. قال: إن شئتم أرجح من سفيان.
وقال يحيى بن أكثم: صحبت وكيعا، فكان يصوم الدّهر ويختم القرآن كل ليلة.
وقال أحمد: ما رأت عينيّ مثل وكيع قطّ.
وقال ابن معين: ما رأيت أحفظ [3] من وكيع. كان يحفظ حديثه، ويقوم الليل، ويسرد الصوم، ويفتي بقول أبي حنيفة. قال: وكان يحيى القطّان يفتي بقوله أيضا.
__________
[1] يعني «المغني في الضعفاء» (2/ 625) .
[2] في الأصل: «بغند» وهو خطأ، وأثبت ما في «المطبوع» وهو موافق لما في «العبر» للذهبي.
وانظر «معجم البلدان» (4/ 282) .
[3] في «العبر» : «أفضل» .

(2/458)


وقال ابن ناصر الدّين: وكيع بن الجرّاح بن مليح بن عدي بن فرس الرّؤاسيّ الكوفيّ أبو سفيان محدّث العراق، ثقة، متقن، ورع.
قال أحمد بن حنبل: ما رأيت رجلا قطّ مثل وكيع في العلم، والحفظ، والإسناد، والأموات، مع خشوع وورع. انتهى.

(2/459)


سنة ثمان وتسعين ومائة
في المحرم ظفر طاهر بن الحسين- بعد أمور يطول شرحها- بالأمين، فقتله. ونصب رأسه على رمح، وكان مليحا، أبيض، جميل الوجه، طويل القامة، عاش سبعا وعشرين سنة. واستخلف ثلاث سنين وأياما. وخلع في رجب سنة ست وتسعين، وحارب سنة ونصفا، وهو ابن زبيدة بنت جعفر بن المنصور، وكان مبذّرا للأموال، قليل الرّأي، كثير اللّعب، لا يصلح للخلافة سامحه الله ورحمه. قاله في «العبر» [1] .
وكتبت زبيدة إلى المأمون تحرّضه على قتل طاهر بن الحسين قاتل ابنها الأمين، فلم يلتفت إليها، فكتبت إليه ثانية بقول أبي العتاهية:
ألا إنّ ريب الدّهر يدني ويبعد ... ويؤنس بالألّاف طورا ويفقد
أصابت لريب الدّهر منّي يدي يدي ... فسلّمت للأقدار والله أحمد
فقلت لريب الدّهر إن ذهبت يد ... فقد بقيت والحمد لله لي يد
إذا بقي المأمون لي فالرّشيد لي ... ولي جعفر لم يفقدا ومحمّد [2]
تعني بجعفر أباها، وبمحمد ابنها الأمين.
__________
[1] (1/ 325) .
[2] الأبيات في تكلمة «ديوانه» ص (518- 519) من كتاب «أبو العتاهية أشعاره وأخباره» للدكتور شكري فيصل رحمه الله.

(2/460)


وقال ابن قتيبة في «المعارف» [1] : بويع محمد الأمين [2] بن هارون بطوس، وولي [أمر] [3] البيعة صالح بن هارون، وقدم عليه بها رجاء الخادم للنّصف من جمادى الآخرة، فخطب النّاس.
وبويع ببغداد، وأخرج من الحبس من كان أبوه حبسه، فأخرج عبد الملك بن صالح، والحسن بن علي بن عاصم، وسالم بن سالم [البجلي] [4] ، والهيثم بن عدي.
ومات إسماعيل بن عليّة، وكان على مظالم محمد في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة. فولي مظالمه محمّد بن عبد الله الأنصاريّ- من ولد أنس بن مالك- والقضاء ببغداد.
وبعث إلى وكيع بن الجرّاح فأقدمه بغداد على أن يسند إليه أمورا من أموره، فأبى وكيع أن يدخل في شيء، وتوجه وكيع إلى مكّة فمات في طريق مكّة.
واتخذ الفضل بن الرّبيع وزيرا، وجعل إسماعيل بن صبيح كاتبه، وجعل العبّاس بن الفضل بن الرّبيع حاجبه، فأغرى الفضل بينه وبين المأمون، فنصّب محمد ابنه موسى بن محمد لولاية العهد بعده، وأخذ البيعة له، ولقّبه الناطق [بالحق] [5] ، سنة أربع وتسعين ومائة. وجعله في حجر علي بن عيسى، وأمر عليّا بالتوجّه إلى خراسان [لحرب المأمون] [6] سنة
__________
[1] ص (384- 386) والمؤلف ينقل عنه بتصرّف.
[2] في «المعارف» : «الأمين محمد» .
[3] لفظة «أمر» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع، و «المعارف» .
[4] زيادة من «المعارف» ص (384) .
[5] لفظة «بالحق» سقط من الأصل، واستدركتها من المطبوع، و «المعارف» .
[6] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع، وفي «المعارف» : «لمحاربة المأمون» .

(2/461)


خمس وتسعين ومائة. فوجّه المأمون هرثمة من مرو [و] على مقدّمته [1] طاهر بن الحسين، فالتقى عليّ بن عيسى، وطاهر بالرّيّ، فاقتتلوا، فقتل عليّ بن عيسى وجماعة من ولده في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة، وظفر طاهر بجميع ما كان معه من الأموال والعدّة، والكراع، فوجّه محمد بن عبد الرّحمن بن جبلة الأنباري، فالتقى هو وطاهر بهمذان، فقتله طاهر، ودخل همذان، واجتمع طاهر وهرثمة، فأخذ طاهر على الأهواز، وأخذ هرثمة على الجادّة طريق حلوان، ووجّه الفضل بن زهير بن المسيّب على طريق كرمان، فأخذ كرمان، ثم دخل البصرة، ولما أتى طاهر الأهواز وجد عليها واليا من المهالبة لمحمد فقتله، واستولى على الأهواز، ثم سار إلى واسط، وسار هرثمة إلى حلوان، ووثب الحسين بن علي بن عيسى ببغداد في جماعة، فدخل على محمد وهو في الخلد، فأخذه وحبسه في برج من أبراج مدينة أبي جعفر، فتقوّضت عساكر محمّد من جميع الوجوه، وتغيّب الفضل بن الرّبيع يومئذ فلم ير له أثر حتّى دخل المأمون بغداد، ووجّه الحسين بن علي إلى هرثمة وطاهر يحثّهما على [الدخول إلى] [2] بغداد، ووثب أسد الحربيّ وجماعة فاستخرجوا محمّدا وولده، واعتذروا [إليه] [3] ، وأخذوا الحسين بن علي فأتوه به، فعفا عنه بعد أن اعترف بذنبه وتاب منه، وأقرّ أنه مخدوع مغرور، فأطلقه، فلما خرج من عنده وعبر الجسر نادى:
يا مأمون! يا منصور! وتوجّه نحو هرثمة، وتوجهوا في طلبه فأدركوه بقرب نهر تيرى [4] ، فقتلوه وأتوا محمدا برأسه، وصار هرثمة إلى [النهروان، ثم زحف
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «على مقدمه» وأثبت ما في «المعارف» .
[2] ما بين حاصرتين زيادة من «المعارف» ص (385) .
[3] سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع، و «المعارف» .
[4] في الأصل، والمطبوع: «نهروين» وفي «المعارف» : «نهر تير» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «معجم البلدان» (5/ 319) ، و «تاج العروس» (تير) . وعند ياقوت «تيرى» بلد من نواحي

(2/462)


إلى] [1] نهر تيرى [2] ، ونزل طاهر باب الأنبار، وصار زهير بن المسيّب بكلواذى، ولم يزالوا في محاربة.
وكان طاهر كاتب القاسم بن هارون المؤتمن، وكان نازلا في قصر جعفر بن يحيى بالدّور، وسأله أن يخرج، ففعل، وسلم إليه القصر، ولم يزل الأمر على محمد مختلّا حتّى لجأ إلى مدينة أبي جعفر، وبعث إلى هرثمة إني أخرج إليك هذه [3] الليلة، فلما خرج محمد صار في أيدي أصحاب طاهر، فأتوا به طاهرا فقتله من ليلته، فلما أصبح نصب رأسه على الباب الحديد. ثم أنزله [4] وبعث به إلى خراسان مع ابن عمه محمد بن الحسن بن مصعب، ودفنت جثّته في بستان مؤنسة. انتهى ما قاله ابن قتيبة.
وقال ابن الفرات ما ملخصه: لما صار محمد الأمين بمدينة أبي جعفر علم قوّاده أنه ليس معهم عدّة الحصار، فأتوه وقالوا: لا بقاء لنا وقد بقي من خيار خيلك سبعة آلاف فرس، فاختر لها سبعة آلاف رجل تخرج إلى الجزيرة فتفرض الفروض، فعزم على ذلك، فبلغ الخبر طاهر، فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر، ومحمد بن عيسى، والسّدي بن شاهك: لئن لم تردّوه عن هذا الرّأي لاقتنصنّ ضياعكم، ولأسعينّ في هلاككم، فدخلوا على محمّد وقالوا:
إن خرجت أخذوك أسيرا وتقرّبوا بك، فرجع إلى قبول الأمان والخروج إلى هرثمة، فقالوا له: الخروج إلى طاهر خير، فقال: أنا أكره ذلك لأني رأيت في المنام كأني على حائط رقيق وطاهر يحفره حتّى هدمه، وهرثمة مولانا، وبمنزلة الوالد، وأنا أثق به.
__________
الأهواز، ونهرها حفره أردشير الأصغر بن بابك.
[1] زيادة من «المعارف» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «نهروين» وهو خطأ، والتصحيح من «المعارف» .
[3] لفظة «هذه» لم ترد في المطبوع، و «المعارف» .
[4] في الأصل، والمطبوع: «ثم أنزل» وأثبت ما في «المعارف» ص (386) .

(2/463)


قال إبراهيم بن المهديّ: بعث إليّ محمد الأمين ليلة وقد خرج إلى قصر لينفرج مما كان فيه، وشرب وسقاني، ودعا جارية اسمها ضعف لتغنّيه، فتطيّر إبراهيم من اسمها فغنّته:
كليب لعمري كان أكثر ناصرا ... وأيسر ذنبا منك ضرّج بالدّم
فتطيّر محمّد وقال: غنّي غير هذا، فغنّت:
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتّى تفانوا وريب الدّهر عدّاء
فغضب وقال: غنّي غير هذا. فغنّت:
«أما وربّ السكون والحركات» الأبيات. فقال: قومي لا بارك الله عليك. فقامت وعثرت بقدح من بلّور كان يسمّيه رباح فكسرته، فقال:
يا إبراهيم أما ترى ما كان؟ ما أظن أمري إلا قد اقترب. قال: بل أعزّ ملكك وكبت [1] عدوّك، فسمعا صارخا من دجلة يقول: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، فقال: يا إبراهيم أما تسمع؟ فقال: ما أسمع شيئا وقد كان سمعه، فقتل بعد ليلتين، ومنع طاهر محمدا الأمين ومن معه الماء والدقيق، فهمّ محمد بالخروج إلى هرثمة، فلما بلغ طاهر اشتد عليه وقال: أنا فعلت ما فعلت به ويكون الفتح لهرثمة، وأتى معاقدوه إلى طاهر إلى أن يدفع له الخاتم، والقضيب، والبردة، ويخرج محمد إلى هرثمة، فرضي بذلك، فلما علم الهرش الخبر، تقرّب إلى طاهر، وقال: مكر بك، وقال: إن الخاتم، والبرد، والقضيب، يحمل مع محمد الأمين إلى هرثمة، فاغتاظ وكمّن حول القصر الرّجال، فلما خرج محمد وصار في الحراقة مع هرثمة، خرج طاهر وأصحابه فرموها بالحجارة وغرّقوها، فسبح الأمين وخرج إلى بستان موسى
__________
[1] في الأصل: «وبكت» . قال في «مختار الصحاح» ص (560) : كبت الله العدو أي صرفه وأذلّه.

(2/464)


وأخرج رجل من الملّاحين هرثمة- وكان به نقرس- فلما خرج محمد الأمين أخذه إبراهيم بن جعفر البلخي، ومحمد بن حميد- وهو ابن أخي شكلة أمّ إبراهيم بن المهدي- وألقى عليه إزارا من أزر الجند، وحمل إلى دار إبراهيم بن جعفر بباب الكوفة، وكان أحمد بن سلام صاحب المظالم ممّن غرق مع هرثمة، فأخذ، فكان مع محمد الأمين في دار إبراهيم بن جعفر، فقال له الأمين: ادن منّي وضمّني إليك، فإني أجد وحشة شديدة، ففعل، وكان على كتفيه خرقة، فنزع أحمد ثوبه، وقال: البسه، فقال: دعني، فهذا لي من الله خير كثير في هذا الموضع، ثم دخل إليه حمرويه غلام قريش مولى طاهر في جماعة، فأخذ محمد وسادة وضربه بها، وأخذ السيف من يده، فصاح بأصحابه فقتلوه.
ونصب طاهر رأسه، ثم بعث رأسه إلى المأمون، والرداء والقضيب.
قال الموصلي: كتب أحمد بن يوسف إلى المأمون عن لسان طاهر بقتل [محمد] [1] الأمين.
أما بعد: فإنّ المخلوع قسيم أمير المؤمنين في النسب واللّحمة، قد فرّق الله بينه وبينه في الولاية والحرمة لمفارقته عصم الدّين، وخروجه من الأمر الجامع للمسلمين. قال الله- عزّ وجلّ- في ابن نوح- على نبيّنا وعليه السلام-: إِنَّهُ لَيْسَ من أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ 11: 46 [هود: 46] ولا طاعة لأحد في معصية الله، ولا قطيعة إذا كانت في جنب الله، ثم أنشد طاهر بعد قتل الأمين:
ملكت النّاس قسرا واقتدارا ... وقتّلت الجبابرة الكبارا
ووجّهت الخلافة نحو مرو ... إلى المأمون تبتدر ابتدارا
__________
[1] لفظة «محمد» لم ترد في الأصل، وأثبتها من المطبوع.

(2/465)


وسوف أدين قيس الشّام ضربا ... يطيّر من رؤوسهم الشّرارا [1]
قيل: أتي محمد الأمين بأسد فأطلقه، فقصد محمدا فاستتر منه بمرفقه ثم يده، فضربه في أصل أذنه، فخرّ الأسد ميتا، وزالت كل قصبة في يده من موضعها، وكان الأمين- رحمه الله- سبطا، أنزع، صغير العينين، جميلا، طويلا، بعيد ما بين المنكبين، ويكنّى أبا موسى، وقيل: أبا عبد الله. انتهى وفيها توفي في أول رجب شيخ الحجاز، وأحد الأعلام، أبو محمد سفيان بن عيينة الهلاليّ، مولاهم، الكوفيّ، الحافظ، نزيل مكّة، وله إحدى وتسعون سنة. سمع زياد بن علاقة، والزّهري، والكبار.
قال الشّافعيّ: لولا مالك، وابن عيينة لذهب علم الحجاز.
وقال ابن وهب: لا أعلم أحدا أعلم بالتفسير من ابن عيينة.
وقال أحمد العجلي: كان حديثه نحوا من سبعة آلاف حديث [و] لم يكن له كتب.
وقال بهز بن أسد [2] : ما رأيت مثل ابن عيينة.
وقال أحمد بن حنبل: ما رأيت أحدا أعلم بالسنن من ابن عيينة.
وقال ابن ناصر بالدّين: هو الإمام العلم محدّث الحرم. روى عنه الأعمش، وابن جريج، وشعبة، وهم من شيوخه، والشّافعيّ، وابن المبارك، وأحمد، وخلق.
قال أحمد: ما رأيت أعلم بالسنن منه.
وحجّ سفيان سبعين حجّة.
__________
[1] البيتان الأول والثاني في «تاريخ الطبري» (8/ 499) .
[2] في «العبر» (1/ 326) : «فهر بن أسد» وهو خطأ فيصحّح فيه. وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (4/ 257) طبع مؤسسة الرسالة.

(2/466)


وقال الشّافعيّ: ما رأيت أحدا [فيه] [1] من الفتيا ما فيه، ولا أكفّ عن الفتيا منه.
وفي جمادى الآخرة أبو سعيد عبد الرّحمن بن مهدي البصريّ اللؤلؤيّ الحافظ، أحد أركان الحديث بالعراق، وله ثلاث وستون سنة. روى عن هشام الدّستوائي وخلق. وأوّل طلبه سنة نيّف وخمسين ومائة. فكتب عن صغار التابعين كأيمن [2] بن نابل [3] وغيره.
وقال أحمد بن حنبل: هو أفقه من يحيى القطّان، وأثبت من وكيع.
وقال ابن المديني: كان عبد الرّحمن بن مهدي أعلم النّاس. لو حلّفت [لحلفت] [4] بين الرّكن والمقام أني لم أر أعلم منه [5] .
قلت [6] : وكان أيضا رأسا في العبادة رحمه الله تعالى. قاله في «العبر» [7] .
وهو أحد الموالي المنجبين من البصريين.
وقال ابن ناصر الدّين: عبد الرحمن بن مهدي بن حسّان الأزديّ، مولاهم، وقيل: العنبريّ، البصريّ، اللؤلؤيّ، أبو سعيد، الحافظ المشهور،
__________
[1] لفظة «فيه» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
[2] في الأصل، والمطبوع: «أيمن» وأثبت ما في «العبر» للذهبي.
[3] تحرّفت «نابل» إلى «نائل» في «العبر» فتصحّح فيه. وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (3/ 477) طبع مؤسسة الرسالة.
[4] لفظة: «لحلفلت» سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (1/ 327) .
[5] في الأصل، والمطبوع: «أني لم أر مثله أعلم منه» وأثبت لفظ «العبر» للذهبي مصدر المؤلف في نقله.
[6] القائل الحافظ الذهبي في «العبر» .
[7] (1/ 326- 327) .

(2/467)


والإمام المنشور، كان فقيها، مفتيا، عظيم الشأن، وهو فيما ذكره أحمد أفقه من يحيى القطّان، وأثبت من وكيع في الأبواب. انتهى.
وفيها الإمام أبو يحيى بن معن بن عيسى المدنيّ القزّاز، صاحب مالك. روى عن موسى بن علي بن رباح وطائفة. وكان ثبتا، ثقة، حجّة، صاحب حديث.
قال أبو حاتم: هو أثبت أصحاب مالك، وأوثقهم.
وفي صفر الإمام أبو سعيد يحيى بن سعيد القطّان البصريّ الحافظ، أحد الأعلام، وله ثمان وسبعون سنة. روى عن عطاء بن السّائب، وحميد، وخلق.
قال أحمد بن حنبل: ما رأيت بعينيّ مثله.
وقال ابن معين: قال لي عبد الرّحمن بن مهدي: لا ترى بعينيك مثل يحيى القطّان.
وقال بندار: اختلفت إليه عشرين سنة فما أظن [1] أنه عصى الله قطّ.
وقال ابن معين: أقام يحيى القطّان عشرين سنة يختم كلّ ليلة، ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة.
وقال ابن ناصر الدّين: يحيى بن سعيد بن فروخ التيميّ، مولاهم، البصريّ أبو سعيد القطّان الأحول، سيّد الحفّاظ في زمانه، والمنتهى إليه في هذا الشأن [2] بين أقرانه. انتهى.
وفيها أبو عبد الرّحمن مسكين بن بكير الحرّانيّ. روى عن جعفر بن برقان وطبقته، وكان مكثرا، ثقة.
__________
[1] في «العبر» : «فما أظنه» .
[2] يعني علوم الحديث النبوي الشريف.

(2/468)


وفيها انتدب محمّد بن صالح بن بيهس [1] الكلابيّ أمير عرب الشّام لحرب السفيانيّ [2] ولمن قام معه من الأمويّة، وأخذ منهم دمشق. وهرب أبو العميطر السفيانيّ في إزار إلى المزّة، وجرت بين أهل المزّة وداريّا، وبين ابن بيهس [3] حروب ظهر فيها عليهم، فاستولى على دمشق، وأقام الدّعوة للمأمون. قاله في «العبر» [4] .
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «بهيش» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي.
[2] في الأصل، والمطبوع: «السيناني» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي.
[3] في الأصل، والمطبوع: «ابن بهيش» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي.
[4] (1/ 328) .

(2/469)


سنة تسع وتسعين ومائة
فيها فتنة ابن طباطبا العلويّ. وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن [1] بن علي بن أبي طالب، ظهر بالكوفة، وقام بأمره أبو السرايا، السّريّ بن منصور الشيبانيّ، وشرع النّاس إلى ابن طباطبا، وغلب على الكوفة، وكثر جيشه، فسار لحربه زهير بن المسيّب في عشرة آلاف، فالتقوا، فهزم زهير واستبيح عسكره. وذلك في سلخ جمادى الآخرة، فلما كان من الغد أصبح ابن طباطبا ميتا. فقيل: إنّ أبا السرايا سمّه لكونه لم ينصفه في الغنيمة. وأقام بعده في الحال محمد بن محمد بن يزيد بن علي الحسني [2] شابّ أمرد.
ثم جهّز الحسن بن سهل جيشا عليهم عبدوس المزّوذيّ، فالتقوا فقتل عبدوس، وأسر عمّه [3] وقتل خلق من جيشه، وقوي العلويّون.
ثم استولى أبو السرايا على واسط، فسار لحربه هرثمة بن أعين، فالتقوا، فقتل خلق من أصحاب أبي السرايا، وتقهقر إلى الكوفة. ثم التقوا ثانيا. وعظمت الفتنة.
__________
[1] «ابن الحسن» الثانية سقطت من «العبر» للذهبي فتستدرك فيه. وانظر «الأعلام» (9/ 293) .
[2] في «العبر» : «الحسيني» .
[3] في «العبر» : «وأسر عمير» وانظر «تاريخ الطبري» (8/ 580) .

(2/470)


وفيها توفي إسحاق بن سليمان الرّازيّ الكوفيّ الأصل. روى عن ابن أبي ذئب وطبقته. وكان عابدا [1] خاشعا، يقال: إنه من الأبدال.
وحفص بن عبد الرّحمن البلخيّ ثم النيسابوريّ، أبو عمر، قاضي نيسابور. روى عن عاصم الأحول، وأبي حنيفة، وطائفة. وكان ابن المبارك يزوره ويقول: هذا اجتمع فيه الفقه والوقار، والورع.
وقال في «المغني» [2] : صدوق.
قال أبو حاتم: مضطرب الحديث. انتهى.
وفيها أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخيّ الفقيه، صاحب أبي حنيفة، وصاحب «كتاب الفقه الأكبر» وله أربع وثمانون سنة. ولي قضاء بلخ، وحدّث عن ابن عوف وجماعة.
قال أبو داود: كان جهميّا، تركوا حديثه. وبلغنا أنّ أبا مطيع كان من كبار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
وفيها شعيب بن اللّيث بن سعد المصريّ الفقيه.
وفيها عبد الله بن نمير الخارفي أبو هاشم الكوفيّ، أحد أصحاب الحديث المشهورين. روى عن هشام بن عروة وطبقته. وعاش بضعا وثمانين سنة. ووثّقه ابن معين وغيره.
والخارفي: نسبة إلى خارف بطن من همدان، نزلوا الكوفة.
وعمرو بن محمّد العنقزيّ الكوفيّ.
والعنقز: هو المرزنجوش. روى عن ابن جريج وطبقته، وكان صاحب حديث.
__________
[1] في المطبوع: «عابد» وهو خطأ.
[2] يعني «المغني في الضعفاء» للذهبي (1/ 180) .

(2/471)


ومحمد بن شعيب بن شابور [1] الدّمشقيّ ببيروت. روى عن عروة بن رويم وطبقته، وكان من علماء المحدّثين وعقلائهم [2] المشهورين.
وفيها يونس بن بكير أبو بكر الشيبانيّ الكوفيّ الحافظ. صاحب المغازي. روى عن الأعمش وخلق.
قال ابن معين: صدوق.
وقال ابن ناصر الدّين: كان صدوقا شيعيا من مورطي الأعيان.
وقال ابن معين: ثقة إلا أنه مرجئ يتبع الشيطان، وليّنه غير واحد.
وروى له مسلم متابعة، والبخاريّ في الشواهد. انتهى.
قال في «المغني» [3] : صدوق، مشهور، شيعي. روى له مسلم أحاديث في الشواهد لا الأصول.
قال ابن معين: ثقة إلا أنه مرجئ يتبع الشيطان.
وقال أبو حاتم محلّه الصدق.
وقال أبو زرعة: أما في الحديث فلا أعلمه مما ينكر عليه.
وقال أبو داود: ليس بحجة عندي. سمع هو والبكائي من ابن إسحاق بالرّيّ.
وقال النّسائيّ: ليس بالقوي. انتهى.
وفيها، وقيل: في التي تليها، سيّار بن حاتم العنزيّ البصريّ، صاحب القصص والرقائق، ورواية جعفر بن سليمان الضّبعيّ. وقد خرّج له الترمذيّ
__________
[1] في «العبر» : «ابن سابور» وهو تصحيف فيصحّح فيه.
[2] في «العبر» : «وعقلاء» .
[3] (2/ 765) .

(2/472)


والنّسائيّ وغيرهما، ووثّقه ابن حبّان.
قال في «المغنّي» [1] : صالح الحديث، فيه خفّة، ولم يضعف. انتهى.
__________
[1] (1/ 291) .

(2/473)


سنة مائتين
فيها أحصي ولد العبّاس، فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفا ما بين ذكر وأنثى.
قاله ابن الجوزي في «الشذور» [1] .
وفي أوّلها هرب أبو السرايا والعلويّون من الكوفة إلى القادسيّة، وضعف سلطانهم، فدخل هرثمة الكوفة وآمن أهلها. ثم ظفر أصحاب المأمون بأبي السرايا ومحمّد بن محمد العلويّ. فأمر الحسن بن سهل بقتل أبي السرايا، وبعث بمحمد إلى المأمون، وخرج بالبصرة وبالحجاز آخرون فلم تقم لهم قائمة بعد فتن وحروب.
وفيها طلب المأمون هرثمة بن أعين، فشتمه، وضربه، وحبسه، وكان الفضل بن سهل الوزير يبغضه، فقتله في الحبس سرّا.
وفيها قتلت الرّوم عظيمهم إليون، وكانت أيامه سبع سنين ونصفا.
وأعادوا الملك إلى ميخائيل الذي ترهب.
وفيها توفي أسباط بن محمد أبو محمد الكوفيّ، وكان ثقة صاحب حديث. روى عن الأعمش وطبقته.
قال في «المغني» [2] : أسباط بن محمد القرشيّ، ثقة، مشهور.
__________
[1] يعني «شذور العقود في تاريخ العهود» وهو مخطوط كما أشرت إلى ذلك من قبل.
[2] (1/ 66) .

(2/474)


قال ابن سعد: ثقة فيه بعض الضعف. انتهى.
وفيها أبو ضمرة أنس بن عياض الليثيّ المدنيّ، وله ستّ وتسعون سنة.
روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته، وكان مكثرا صدوقا.
قال ابن ناصر الدّين: أنس بن عياض اللّيثيّ المدنيّ، أبو حمزة، محدّث المدينة، كان من الثقات المتقنين. انتهى.
وسلم بن قتيبة بالبصرة. روى عن يونس بن أبي إسحاق وطبقته، وأصله خراساني.
وفيها عبد الملك بن الصباح المسمعيّ الصنعانيّ البصريّ. روى عن ثور بن يزيد، وابن عون.
وفيها عمر بن عبد الواحد السّلميّ الدّمشقيّ. ولد سنة ثمان عشرة ومائة. وقرأ القرآن [1] على يحيى الذّماري. وحدّث عن جماعة، وكان من ثقات الشاميين [2] .
وفيها قتادة بن الفضل الرّهاويّ. رحل وسمع من الأعمش وعدّة.
وفيها أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الدّيليّ [3] ، مولاهم، المدني، الحافظ. روى عن سلمة بن وردان، وكان كثير الحديث.
قال في «المغني» [4] : محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، ثقة، مشهور.
وقال ابن سعد: وحده ليس بحجة. انتهى.
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «القراءات» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/ 333) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «من الثقات الشاميين» وأثبت ما في «العبر» للذهبي وهو أصوب.
[3] في الأصل: «الديلمي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[4] (2/ 556) .

(2/475)


وفيها أبو عبد الله أميّة بن خالد أخو هدبة. روى عن شعبة والثّوريّ.
وفيها صفوان بن عيسى القسّام بالبصرة يروي عن يزيد بن عبيد وطبقته.
وفيها محمّد بن الحسن الأسديّ الكوفيّ ابن التّلّ. روى عن فطر بن خليفة وطبقته.
قال في «المغني» [1] : محمد بن الحسن الأسديّ. عن الأعمش. وعنه داود بن عمرو.
قال ابن معين ليس بشيء. انتهى.
وفي صفر محمد بن حمير السّليحيّ، محدّث حمص. روى عن محمد بن زياد الألهاني وطائفة. وثّقه ابن معين ودحيم.
وقال أبو حاتم: لا يحتجّ به.
وقال يعقوب الفسويّ: ليس بالقويّ.
وقال الدّارقطنيّ: خرّجه بعض شيوخنا، ولا بأس به.
وفيها أبو إسماعيل مبشر بن إسماعيل الحلبيّ. روى عن جعفر بن بريان وطبقته. وكان صاحب حديث وإتقان.
قال في «المغني» [2] : مبشر بن إسماعيل الحلبيّ [3] ، ثقة مشهور، تكلّم فيه بلا حجة. انتهى.
ومعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدّستوائيّ. روى عن أبيه، وابن عون، وطائفة، وكان صاحب حديث، له أوهام يسيرة.
__________
[1] (2/ 567) ونص كلامه فيه مختلف فراجعه.
[2] (2/ 540) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «الحارثي» وهو خطأ، والتصحيح من «المغني» وكتب الرجال.

(2/476)


قال في «المغني» [1] : معاذ بن هشام الدّستوائيّ، صدوق.
وقال ابن معين: صدوق ليس بحجة.
وقال ابن عدي: أرجو أنه صدوق.
وقال غيره: له غرائب وإفرادات. انتهى.
وفيها المغيرة بن سلمة المخزوميّ بالبصرة.
قال ابن المديني: ما رأيت قرشيّا أفضل منه، ولا أشدّ تواضعا. أخبرني بعض جيرانه أنه كان يصلي طول الليل. وروى عن القاسم بن الفضل الحدّاني وطبقته.
وفيها القاضي أبو البختري وهب بن وهب القرشيّ المدنيّ ببغداد.
وكان جوّادا محتشما، حتّى قيل: إنه كان إذا بذل ظهر عليه السرور، بحيث إنه يظن أنه هو المبذول له. روى عن هشام بن عروة وطائفة واتّهم بالكذب.
قال ابن قتيبة [2] : أبو البختري، هو: وهب بن وهب بن وهب بن كثير بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطّلب بن أسد بن عبد العزّى بن قصي.
قدم بغداد، فولّاه هارون القضاء بعسكر المهديّ، ثم عزله، فولّاه مدينة الرّسول- صلى الله عليه وسلم- بعد بكّار بن عبد الله، وجعل إليه حربها مع القضاء. ثم عزل، فقدم بغداد، فتوفي بها سنة مائتين. وكان ضعيفا في الحديث. انتهى.
وقال في «المغني» [3] : كذّبه أحمد وغيره. انتهى.
__________
[1] (2/ 665) .
[2] في «المعارف» ص (516) طبع دار المعارف بمصر.
[3] يعني «المغني في الضعفاء» (2/ 727) .

(2/477)


وهو الذي وضع حديث المسابقة بذي الجناح.
وفيها القدوة الزّاهد معروف الكرخيّ أبو محفوظ، صاحب الأحوال والكرامات. كان من موالي علي بن موسى الرضا. كان أبواه نصرانيين فأسلماه إلى مؤدّبهم، فقال له: إن الله ثالث ثلاثة، فقال: بل هو الله أحد، فضربه، فهرب وأسلم على يد علي بن موسى الرضا، ورجع إلى أبويه، فأسلما، واشتهرت بركاته وإجابة دعوته، وأهل بغداد يستسقون بقبره ويسمّونه ترياقا مجربا.
قال مرّة لتلميذه السّري السّقطيّ: إذا كانت لك إلى الله حاجة فاقسم عليه بي.
وكان من المحدّثين، ومن كلامه علامة مقت الله للعبد أن يراه مشتغلا بما لا يعنيه من أمره نفسه.
وقال: طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب، وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور، وارتجاء رحمة من لا يطاع جهل وحمق.

(2/478)


تمّ المجلد الثاني من «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» لابن العماد، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.
وكان الفراغ من تحقيقة بعون الله تعالى وتوفيقه في غرّة شهر شوّال من عام (1406) هـ.
محمود الأرناؤوط

(2/479)