شذرات الذهب في أخبار من ذهب
[المجلد
الثالث]
سنة إحدى ومائتين
فيها عمد [1] المأمون إلى عليّ بن موسى العلوي، فعهد إليه بالخلافة [من
بعده] [2] ولقبه بالرّضا، وأمر الدولة بترك السّواد ولبس الخضرة، وأرسل
إلى العراق بهذا، فعظم هذا على بني العبّاس الذين ببغداد، ثم خرجوا
عليه وأقاموا منصور بن المهديّ، ولقبوه بالمرتضى، فضعف عن الأمر وقال:
إنما أنا خليفة المأمون، فتركوه وعدلوا إلى أخيه إبراهيم بن المهديّ
الأسود، فبايعوه بالخلافة، ولقّبوه بالمبارك، وخلعوا المأمون، وجرت
بالعراق حروب شديدة، وأمور عجيبة [3] .
وفيها أول ظهور بابك الخرّميّ [4] الكافر، فعاث، وأفسد، وكان يقول
بتناسخ الأرواح.
وفيها توفي أبو أسامة حمّاد بن أسامة الكوفيّ الحافظ، مولى بني هاشم،
وله إحدى وثمانون سنة. روى عن الأعمش، والكبار.
قال أحمد: ما [كان] أثبته [5] ، لا يكاد يخطئ.
__________
[1] في «العبر» للذهبي: «عهد» .
[2] ما بين حاصرتين زيادة من «العبر» للذهبى (1/ 335) .
[3] في «العبر» للذهبي: «وأمور مزعجة» .
[4] في الأصل: «الحرميّ» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[5] في الأصل، والمطبوع: «ما أثبته» وأثبت لفظ «العبر» للذهبي (1/ 336)
مصدر المؤلف وهو
(3/5)
وقال ابن ناصر الدّين: ثقة، كيس.
وفيها حمّاد بن مسعدة بالبصرة. روى عن هشام بن عروة وعدّة، وكان ثقة
صاحب حديث.
وفيها حرميّ بن عمارة بن أبي حفصة [1] البصريّ. روى عن قرّة بن خالد،
وشعبة.
وفيها سعد بن إبراهيم بن سعد الزّهريّ العوفيّ. قاضي واسط.
سمع أباه، وابن أبي ذئب.
وفيها عليّ بن عاصم أبو الحسن الواسطيّ. محدّث واسط، وله بضع وتسعون
سنة. روى عن حصين بن عبد الرّحمن، وعطاء بن السّائب، والكبار. وكان
يحضر مجلسه ثلاثون ألفا.
قال وكيع: أدركت النّاس والحلقة لعلي بن عاصم بواسط.
وضعّفه غير واحدٍ لسوء حفظه.
وكان إماما، ورعا، صالحا، جليل القدر.
وفيها قتل المسيّب بن زهير أكبر قوّاد المأمون، وضعف أمر الحسن ابن سهل
بالعراق، وهزم جيشه مرّات، ثم ترجح أمره.
وحاصل القصة، أن أهل بغداد أصابهم بلاء عظيم في هذه السنوات، حتّى كادت
تتداعى بالخراب، وجلا خلق من أهلها عنها للنهب [2] والسبيّ، والغلاء،
وخراب الدّور.
__________
موافق لما عند المزي في «تهذيب الكمال» (7/ 222) طبع مؤسسة الرسالة.
[1] في الأصل، والمطبوع: «جرير بن عمارة بن أبي حفصة» وهو خطأ.
والتصحيح من «العبر» للذهبي مصدر المؤلف في نقله. وانظر: «تهذيب
الكمال» للمزي (5/ 556) طبع مؤسسة الرسالة.
[2] في «العبر» للذهبي (1/ 337) : «بالنهب» .
(3/6)
قال ابن الأهدل: ولما عجز بنو العبّاس
وتكرر عفو المأمون عنهم، وجّهوا إليه زينب بنت سليمان بن علي، عمة جده
المنصور، فقالت: يا أمير المؤمنين! إنك على برّ أهلك العلويين والأمر
فينا، أقدر منك على برّهم والأمر فيهم، فلا تطمعنّ أحدا فينا. فقال: يا
عمة، والله ما كلّمني أحد في هذا المعنى بأوقع من كلامك هذا، ولا يكون
إلا ما تحبون، ولبس السواد، وترك الخضرة. انتهى.
وكان ميل المأمون للعلويين اصطناعا ومكافأة لفعل عليّ- كرم الله وجهه-
لما ولي الإمامة لبني هاشم خصوصا بني العبّاس.
وفيها توفي يحيى بن عيسى النهشليّ [1] الكوفيّ الفاخوريّ بالرّملة.
روى عن الأعمش وجماعة، وهو حسن الحديث.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «العسلي» وهو خطأ. والتصحيح من «العبر» للذهبي
مصدر المؤلف.
وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1514) مصورة دار المأمون للتراث
بدمشق.
(3/7)
سنة اثنتين ومائتين
فيها خلع أهل بغداد المأمون لكونه أخرج الخلافة من بني العبّاس،
وبايعوا إبراهيم بن المهدي.
وتزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل، وزوّج ابنته أمّ حبيب عليّ ابن
موسى الرّضا. وزوّج ابنته أمّ الفضل محمد بن علي بن موسى. قاله ابن
الجوزي في «الشذور» [1] .
وفيها على الصحيح توفي ضمرة بن ربيعة [2] في رمضان بفلسطين.
روى عن الأوزاعيّ وطبقته. وكان من العلماء المكثرين.
قال ابن ناصر الدّين: حمزة بن ربيعة الدّمشقيّ القرنيّ، مولاهم، كان
ثقة مأمونا. انتهى.
وفيها أبو بكر عبد الحميد بن أبي أويس [3] المدنيّ، أخو إسماعيل.
__________
[1] يعني «شذور العقود في تاريخ العهود» وهو مخطوط. وانظر: «مروج
الذهب» للمسعودي (4/ 28) .
[2] في الأصل، والمطبوع: «حمزة بن ربيعة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر»
للذهبي (1/ 337) ، و «تهذيب الكمال» للمزي (2/ 620 و 807) مصورة دار
المأمون للتراث بدمشق.
[3] في الأصل، والمطبوع: «أبو بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس» وهو خطأ،
والتصحيح من «العبر» للذهبي، وانظر: «تقريب التهذيب» لابن حجر (1/ 468)
و (2/ 396) .
(3/8)
روى عن ابن أبي ذئب، وسليمان بن بلال،
وطائفة.
قال في «المغني» [1] : ثقة، أخطأ الأزديّ حيث قال: كان يضع الحديث.
انتهى.
وقد خرّج له الشيخان.
وفيها أبو يحيى عبد الحميد بن عبد الرّحمن الحمّانيّ الكوفيّ.
روى عن الأعمش وجماعة.
قال أبو داود: وكان داعية إلى الإرجاء.
وقال النّسائيّ: ليس بالقويّ.
وفيها أبو حفص عمر بن شبيب [2] المسلي [3] الكوفيّ. روى عن عبد الملك
بن عمير والكبار.
قال النّسائيّ: ليس بالقويّ.
وقال أبو زرعة: واهي الحديث.
وضعفه الدارقطنيّ.
وفيها يحيى بن المبارك اليزيديّ المقرئ النحويّ اللغويّ. صاحب التصانيف
الأدبية، وتلميذ أبي عمرو بن العلاء. وله أربع وسبعون سنة. وهو بصري.
نزل بغداد.
قال ابن الأهدل: عرف باليزيديّ لصحبته يزيد بن منصور خال المهديّ،
وتأديب بنيه.
أخذ عن الخليل وغيره، وله كتاب «النوادر في اللغة» وغيره.
__________
[1] «المغني في الضعفاء» (1/ 368) .
[2] في «العبر» للذهبي (1/ 338) : «عمرو بن شبيب» وهو خطأ، فيصحح فيه.
[3] في الأصل: «المسكي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
وانظر: «تقريب التهذيب» (2/ 57) .
(3/9)
ولما قدم مكّة أقبل على العبادة، وحدّث بها
عن أبي عمرو بن العلاء.
وروى عنه ابنه محمد، وأبو عمرو الدّوريّ. وأبو شعيب السّوسيّ، وغيرهم.
وخالف أبا عمرو في حروف يسيرة، وكان يجلس هو والكسائيّ في مجلس واحد،
ويقرئان النّاس. وتنازعا مرّة في مجلس المأمون قبل أن يلي الخلافة في
بيت شعر، فظهر اليزيديّ وضرب بقلنسوته الأرض، وقال: أنا أبو محمد. فقال
المأمون: والله لخطأ الكسائي مع حسن أدبه أحسن من صوابك مع سوء أدبك.
فقال: إن حلاوة الظّفر أذهبت عني حسن التحفّظ.
وكان الكسائيّ يؤدّب الأمين ويأخذ عليه حرف حمزة، وهو يؤدّب المأمون
ويأخذ عليه حرف أبي عمرو. انتهى.
وفيها الفضل بن سهل ذو الرّياستين، وزير المأمون، قتله بعض أعدائه في
حمام بسرخس، فانزعج المأمون وتأسّف عليه، وقتل به جماعة، وكان من مسلمة
المجوس.
وقال ابن الأهدل [1] : الفضل بن سهل وزير المأمون السرخسيّ، وسرخس-
بالخاء المعجمة- مدينة بخراسان، وكان يلقّب بذي الرياستين، وكان محتدا
في علم النجوم، كثير الإصابة فيه، من ذلك أن المأمون لما أرسل طاهرا
لحرب الأمين، وكان طاهر ذا يمينين، أخبره أنه يظفر بالأمين ويلقّب بذي
اليمينين، وكان كذلك، واختار لطاهر وقتا عقد له فيه اللواء. وقال:
__________
[1] هو حسين بن عبد الرحمن بن محمد الحسيني العلوي الهاشمي بدر الدين
أبو محمد، المعروف بابن الأهدل، والأهدل أحد جدوده، كان مفتي الديار
اليمنية في عصره، توفي سنة (855) هـ، والمؤلف ينقل عن كتابه «مختصر
تاريخ اليافعي» ، وهو من المخطوطات المحفوظة في خزانة الشيخ محمد سرور
الصبان بجدة في المملكة العربية السعودية كما ذكر العلّامة الزركلي في
«الأعلام» (2/ 240) .
قلت: ولكنه على الرغم من تسمية كتابه ب «مختصر تاريخ اليافعي» - يعني
«مرآة الجنان» - إلا أنه يضيف إليه بعض الأخبار التي لم ترد في كتاب
اليافعي.
(3/10)
عقدته لك خمسا وستين لا يحل. فكان كذلك.
ووجد في تركته أخبار عن نفسه، أنه يعيش ثماني وأربعين سنة ثم يقتل بين
الماء والنار. فعاش هذه المدة [1] . ثم دسّ عليه خال المأمون غالب،
فدخل عليه الحمام بسرخس ومعه جماعة، فقتلوه في السنة المذكورة. وقيل:
في التي تليها، وله ثمان وأربعون سنة وأشهر. وقد مدحه الشعراء فأكثروا.
من ذلك قول مسلم بن الوليد [2] الأنصاري من قصيدة له:
أقمت خلافة وأزلت أخرى ... جليل ما أقمت وما أزلتا
انتهى.
__________
[1] أقول: هذه مبالغة، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى. (ع) .
[2] في الأصل والمطبوع: «سالم بن الوليد» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات
الأعيان» (4/ 43) و «مرآة الجنان» (1/ 470) طبع مؤسسة الرسالة، وانظر
البيت فيهما.
(3/11)
سنة ثلاث ومائتين
فيها استوثقت الممالك للمأمون، وقدم بغداد في رمضان من خراسان واتخذها
سكنا.
وفيها في [ذي] الحجّة حدث بخراسان زلازل أقامت سبعين يوما، وهلك بها
خلق كثير وبلاد كثيرة.
وفيها غلبت السوداء على عقل الحسن بن سهل حتّى شدّ في الحديد.
وفيها توفي أزهر بن سعد السّمّان، أبو بكر البصريّ. روى عن سليمان
التّيميّ وطبقته، وعاش أربعا وتسعين سنة.
قال ابن ناصر الدّين: كان ثقة من فضلاء الأئمة وعلماء الأمة.
وقال ابن الأهدل: كان يصحب المنصور قبل خلافته، فجاء يسلّم عليه
بالخلافة ويهنّئه، فحجبه، فترصد يوم جلوسه العام، فقال له: ما جاء بك؟
قال:
جئت مهنئا للأمير، فأعطاه ألفا وقال: لا تعد فقد قضيت التهنئة، فجاءه
من قابل، فسأله، فقال: سمعت بمضرك فجئت عائدا، فأمر له بألف، وقال:
قولوا له: لا تعد فقد قضيت وظيفة العيادة وأنا قليل المرض. ثم جاء من
قابل، فسأله فقال: سمعت منك دعاء فأردت أتحفظه، فقال: إنه غير مستجاب
لأني دعوت به أن لا تعود فعدت. انتهى.
(3/12)
وفي ذي القعدة الإمام حسين بن علي الجعفيّ،
مولاهم، الكوفيّ، المقرئ الحافظ. روى عن الأعمش وجماعة.
قال أحمد بن حنبل: ما رأيت أفصل منه، ومن سعيد بن عامر [1] الضّبعي.
وقال يحيى بن يحيى النيسابوري: إن بقي أحد من الأبدال فحسين [2]
الجعفي، وكان مع تقدّمه في العلم رأسا في الزهد والعبادة.
وقال ابن ناصر الدّين: هو ثقة، وكان يقال له: راهب الكوفة.
وفيها الحسين بن الوليد النيسابوري [الفقيه] [3] . رحل وأخذ عن مالك بن
مغول وطبقته. وقرأ القرآن على الكسائي. وكان كثير الغزو والجهاد
والكرم.
وفيها خزيمة بن خازم [4] الخراسانيّ الأمير، أحد القوّاد الكبار
العباسيّة.
وداود بن يحيى بن يمان العجليّ، ثقة.
وزيد بن الحباب أبو الحسين الكوفيّ. سمع مالك بن مغول وخلقا كثيرا [5]
وكان حافظا صاحب حديث، واسع الرحلة، صابرا على الفقر والفاقة.
وفيها عثمان بن عبد الرّحمن الحرّانيّ الطرائفيّ، وكان يتتبّع [6]
طرائف الحديث، فقيل له: الطرائفيّ. روى عن هشام بن حسّان وطبقته، وهو
صدوق.
__________
[1] في «العبر» للذهبي (1/ 339) : «سعد بن عامر» وهو خطأ فيصحح فيه.
[2] في الأصل: «فحسن» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.
[3] زيادة من «العبر» للذهبي.
[4] في «العبر» : «خزيمة بن حازم» وهو تصحيف فيصحح فيه.
[5] في «العبر» : «وخلقا كبيرا» .
[6] في الأصل والمطبوع: «يتبّع» ، وفي «العبر» : «وكان يبيع» ،
والتصحيح من «تهذيب الكمال» (2/ 914) مصورة دار المأمون للتراث.
(3/13)
وعليّ بن موسى الرّضا، الإمام أبو الحسن
الحسينيّ بطوس، وله خمسون سنة، وله مشهد كبير بطوس يزار. روى عن أبيه
موسى الكاظم، عن جده جعفر بن محمد الصّادق. وهو أحد الأئمة الاثني عشر
في اعتقاد الإمامية. ولد بالمدينة سنة ثلاث أو إحدى وخمسين ومائة، ومات
بطوس، وصلى عليه المأمون ودفنه بجنب أبيه الرّشيد. وكان موته بالحمى،
وقيل:
بالسم، وكان المأمون أرسله إلى أخيه زيد بن موسى، وقد قام بالبصرة
ليرده عن ذلك، فقال علي: يا زيد ما تريد بهذا؟ فعلت بالمسلمين الأذى
وتزعم أنك من ولد فاطمة، والله لأشدّ النّاس عليك رسول الله- صلى الله
عليه وسلم- يا زيد ينبغي لمن أخذ برسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن
يعطي به. ولما بلغ كلامه المأمون بكى.
وقال في «المغني» [1] : عليّ بن موسى بن جعفر الرّضا، عن آبائه.
قال ابن طاهر: يأتي عن آبائه بعجائب.
قلت [2] : الشأن في صحة الإسناد إليه، فإنه كذب عليه وعلى جده.
انتهى.
وفيها أبو داود الحفريّ عمر بن سعد بالكوفة. روى عن مالك بن مغول
ومسعر. وكان من عبّاد المحدّثين.
قال أبو حمدون المقرئ: لما دفنّاه تركنا بابه مفتوحا، ما خلّف شيئا.
وقال ابن المديني: ما رأيت بالكوفة أعبد منه.
وقال وكيع: إن كان يدفع [البلاء] [3] بأحد في زماننا فبأبي داود
الحفري.
__________
[1] «المغني في الضعفاء» للذهبي (2/ 682) .
[2] القائل الذهبي في «المغني في الضعفاء» .
[3] لفظة: «البلاء» سقطت من الأصل، والمطبوع واستدركتها من «العبر» (1/
340) .
(3/14)
وفيها عمر بن عبد الله بن رزين السلميّ
النيسابوريّ. رحل وسمع محمد بن إسحاق وطبقته.
قال سهل بن عمّار: لم يكن بخراسان أنبل منه.
وفيها أبو حفص عمر بن يونس اليمامي [1] . روى عن عكرمة بن عمّار
وجماعة، وكان ثقة مكثرا.
وفيها محمد بن بكر البرسانيّ بالبصرة. روى عن ابن جريج [وطبقته] [2] .
وكان أحد الثقات الأدباء الظرفاء.
ومحمد بن بشر العبديّ الكوفيّ الحافظ. روى عن الأعمش وطبقته.
قال أبو داود: هو أحفظ من كان بالكوفة في وقته.
وقال ابن ناصر الدّين: محمد بن بشر العبديّ الكوفيّ أبو عبد الله ثقة،
أحفظ من كان بالكوفة. انتهى.
ومحمد بن عبد الله أبو أحمد الزّبيريّ الأسديّ مولاهم الكوفيّ.
روى عن يونس بن إسحاق وطبقته.
وقال أبو حاتم: كان ثقة حافظا عابدا مجتهدا، له أوهام.
وأبو جعفر محمّد بن جعفر الصّادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين،
الحسينيّ المدنيّ، الملقب بالدّيباج. روى عن أبيه، وكان قد خرج بمكّة
سنة مائتين ثم عجز وخلع نفسه، وأرسل إلى المأمون فمات بجرجان، ونزل
المأمون في لحده. وكان عاقلا شجاعا يصوم يوما ويفطر يوما.
يقال: إنه جامع وافتصد ودخل الحمام في يوم [واحد] [3] فمات فجأة.
__________
[1] في الأصل: «اليماني» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع، وهو الصواب.
[2] زيادة من «العبر» للذهبي (1/ 341) .
[3] زيادة من «العبر» (1/ 342) .
(3/15)
وفيها مصعب بن المقدام الكوفيّ. روى عن ابن
جريج وجماعة.
وفيها النّضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم المازنيّ- مازن ابن
مالك بن عمرو بن تيم بن مر- أبو الحسن البصريّ نزيل مرو وعالمها.
كان إماما حافظا جليل الشأن، وهو أول من أظهر السّنّة بمرو وجميع بلاد
خراسان. روى عن حميد وهشام بن عروة وطبقته [1] [والكبار] [2] وكان رأسا
في الحديث، رأسا في اللغة والنحو، ثقة، صاحب سنة.
قال ابن الأهدل: ضاقت معيشته بالبصرة فرحل إلى خراسان فشيّعه من البصرة
نحو من ثلاثمائة عالم، فقال لهم: لو وجدت كل يوم كيلجة [3] باقلاء ما
فارقتكم، فلم يكن فيهم من تكفّل له بذلك، وأقام بمرو، واجتمع له هناك
مال. سمع النّضر من هشام بن عروة وغيره من أئمة التّابعين. وسمع عليه
ابن معين، وابن المديني، وغيرهم.
وروى المأمون يوما عن هشيم بسنده المتصل إلى رسول الله- صلى الله عليه
وسلم-: «إذا تزوّج المرأة لدينها وجمالها، فيها سداد من عوز» [4] بفتح
السين، فرده النّضر وقال: هو بكسر السين، فقال له المأمون: تلحّنني!
فأقصر، فقال: إنما لحن هشيم، وكان لحّانة، لأن السداد بالفتح: القصد في
الدّنيا والسبيل، وبالكسر: البلغة، وكل ما سددت به شيئا فهو سداد يعني
بكسر السين، ومنه قول العرجي [5] :
__________
[1] لفظة: «وطبقته» سقطت من المطبوع.
[2] لفظة: «والكبار» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
[3] قال ابن منظور: [قال] ابن الأعرابي: الكيلجة: مكيال، والجمع كيالج
وكيالجة أيضا، والهاء للعجمة. «لسان العرب» (كلج) .
[4] ذكر ابن خلكان قصة الحديث في «وفيات الأعيان» (5/ 398- 399) نقلا
عن «درة الغواص في أوهام الخواص» للحريري، فراجعه.
[5] هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفّان بن أبي العاص بن
أميّة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشيّ الأمويّ العثمانيّ أبو عمر،
المعروف ب «العرجي» وإنما قيل له العرجي،
(3/16)
أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا ... ليوم كريهة
وسداد ثغر [1]
فأمر له بجائزة جزيلة.
والعرجيّ المذكور، منسوب إلى العرج منزلة بين مكّة والمدينة، شاعر
مشهور أموي. حبسه محمد بن هشام المخزومي أمير مكّة وخال عبد الملك لما
شبّب بأمه، فأقام في الحبس سبع سنين ومات فيه عن ثمانين سنة وبعد البيت
المذكور:
وصبر عند معترك المنايا ... وقد شرعت أسنّتها بنحري [2]
انتهى.
وفيها الوليد بن القاسم الهمدانيّ [3] الكوفي. روى عن الأعمش وطبقته
وكان ثقة.
وفيها الوليد بن مزيد العذريّ البيروتيّ صاحب الأوزاعيّ [4] .
__________
لأنه كان يسكن عرج الطائف، على ما ذكره الزّبير بن بكار، وكان شاعر
غزل، مطبوع، ينحو نحو عمر بن أبي ربيعة. وكان مشغوفا باللهو والصيد.
وكان من الأدباء الظرفاء الأسخياء، ومن الفرسان المعدودين. مات سنة
(120) هـ. انظر خبره في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص (365- 366) ط.
ليدن، و «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني (1/ 383- 417) ، و «العقد
الثمين» للفاسي (5/ 219- 222) ، و «الأعلام» للزركلي (4/ 109) ، وكلام
المؤلف عنه الذي سيرد بعد قليل.
[1] البيت في «ديوانه» ص (34) طبع بغداد، و «الأغاني» (1/ 413 و 414) ،
و «الشعر والشعراء» ص (365) ، و «وفيات الأعيان» (5/ 399) ، و «العقد
الثمين» (5/ 220) .
[2] البيت في «ديوانه» ص (34) ، و «الأغاني» (1/ 413) ، و «العقد
الثمين» (5/ 220) ورواية البيت في كتابنا موافقة لروايته في «الأغاني»
، وأما رواية البيت في «ديوانه» فهي:
وخلّوني بمعترك المنايا ... وقد شرعت أسنّتها لنحري
ورواية البيت في «العقد الثمين» :
وخلّوني بمعترك المنايا ... وقد شرعت أسنّتها بصدري
[3] في الأصل، والمطبوع: «الهمذاني» وهو تصحيف، والتصويب من «العبر»
للذهبي (1/ 342) ، وانظر: «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1472) مصورة دار
المأمون للتراث.
[4] انظر ترجمته مفصلة في «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1474) مصوّرة دار
المأمون للتراث.
(3/17)
وفيها الإمام الحبر أبو زكريا يحيى بن آدم
الكوفيّ المقرئ الحافظ الفقيه، أخذ القراءة عن أبي بكر بن عيّاش. وسمع
من يونس بن أبي إسحاق، ونصر بن خليفة، وهذه الطبقة. وصنف التصانيف.
قال أبو أسامة: كان بعد الثوري في زمانه يحيى بن آدم.
وقال أبو داود: يحيى بن آدم واحد النّاس.
وذكره ابن المديني فقال: رحمه الله، أيّ علم كان عنده!.
وقال ابن ناصر الدّين: يحيى بن آدم بن سليمان القرشيّ مولاهم الكوفيّ
الأحول، أبو زكريا. روى عنه أحمد، وإسحاق، وغيرهما. وكان إماما علّامة
من المصنّفين، حافظا ثقة فقيها من المتقنين. انتهى
.
(3/18)
سنة أربع ومائتين
فيها أعاد المأمون لبس السواد.
وفيها في سلخ رجب توفي فقيه العصر والإمام الكبير والجليل الخطير، أبو
عبد الله محمد بن إدريس الشّافعيّ المطلبيّ بمصر، وله أربع وخمسون سنة.
أخذ عن [1] مالك، ومسلم بن خالد الزّنجي، وطبقتهما. وكان مولده بغزّة.
ونقل إلى مكّة وله سنتان.
قال المزنيّ: ما رأيت أحسن وجها من الشّافعيّ، إذا قبض على لحيته لا
تفضل عن قبضته.
وقال الزّعفرانيّ: كان خفيف العارضين يخضب بالحناء. وكان حاذقا بالرّمي
يصيب تسعة من العشرة.
وقال الشّافعيّ: استعملت اللّبان سنة للحفظ [2] فأعقبني صبّ الدّم سنة.
قال يونس بن عبد الأعلى: لو جمعت أمة لوسعهم [عقله] [3] .
__________
[1] في الأصل: «أخذ من» وأثبت ما في المطبوع.
[2] في المطبوع: «الحفظ» ، واللّبان: نبات، وانظر الخبر والتعليق عليه
في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (10/ 15) تحقيق الأستاذ الفاضل محمد
نعيم العرقسوسي، بإشراف الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وفي «العبر» (1/
344) .
[3] زيادة من «سير أعلام النبلاء» .
(3/19)
وقال إسحاق بن راهويه: لقيني أحمد بن حنبل
بمكّة فقال: تعال حتّى أريك [رجلا] [1] لم تر عيناك مثله. قال: فأقامني
على الشّافعيّ.
وقال أبو ثور الفقيه: ما رأيت مثل الشّافعيّ، ولا رأى مثل نفسه.
وقال الشّافعيّ: سمّيت ببغداد ناصر الحديث.
وقال أبو داود: ما أعلم للشافعيّ حديثا خطأ.
وقال الشّافعيّ: ما شيء أبغض إليّ من الكلام وأهله [2] . قاله في
«العبر» [3] .
وقال السيوطيّ في «حسن المحاضرة» [4] : الإمام الشافعيّ أبو عبد الله
محمد بن إدريس بن العبّاس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد [5] بن
عبد يزيد بن هاشم بن المطلب [6] بن عبد مناف، جدّ رسول الله- صلى الله
عليه وسلم- والسائب جده صحابي أسلم يوم بدر، وكذا ابنه شافع، لقي
النّبيّ- صلى الله عليه وسلم- وهو مترعرع.
ولد الشافعيّ سنة خمسين ومائة بغزّة، أو بعسقلان، أو اليمن، أو منى،
أقوال، ونشأ بمكة، وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، و «الموطأ» وهو ابن
عشر، وتفقه على مسلم بن خالد الزّنجي مفتي مكّة وأذن له في الإفتاء
وعمره خمس عشرة سنة، ثم لازم مالكا بالمدينة، وقدم بغداد سنة خمس
وتسعين فاجتمع عليه علماؤها وأخذوا عنه، وأقام بها حولين، وصنّف بها
كتابه القديم، ثم عاد
__________
[1] سقطت لفظة: «رجلا» من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
[2] في «العبر» : «ما شيء أبغض إليّ من الرأي وأهله» .
[3] (1/ 344) .
[4] (1/ 303- 304) .
[5] في «حسن المحاضرة» : «ابن عبيد الله» وهو خطأ. وانظر: «تهذيب
الأسماء واللغات» للنووي (1/ 44) .
[6] في «حسن المحاضرة» : «ابن عبد المطلب» وهو خطأ.
(3/20)
إلى مكة، ثم خرج إلى بغداد سنة ثمان وتسعين
فأقام بها شهرا، ثم خرج إلى مصر [1] وصنف بها كتبه الجديدة ك «الأم» و
«الأمالي الكبرى» و «الإملاء الصغير» و «مختصر البويطي» و «مختصر
المزني» و «مختصر الرّبيع» و «الرسالة» و «السنن» .
قال ابن زولاق [2] : صنف الشّافعيّ نحوا من مائتي جزء ولم يزل بها
ناشرا للعلم، ملازما للاشتغال [3] [بجامع عمرو] [4] إلى أن أصابته ضربة
شديدة فمرض بسببها أياما، ثم مات يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين.
قال ابن عبد الحكم: لما حملت أم الشّافعيّ به رأت كأنّ المشتري خرج من
فرجها حتّى انقضّ بمصر، ثم وقع في كل بلد منه شظية [5] فتأوله [6]
أصحاب الرؤيا أنه يخرج عالم يخصّ علمه أهل مصر، ثم يتفرق في سائر
البلدان.
وقال الإمام أحمد: إن الله تعالى يقيّض للنّاس في كل رأس مائة سنة من
يعلّمهم السنن، وينفي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الكذب، فنظرنا
فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشّافعيّ.
__________
[1] قوله: «وأقام بها حولين وصنف بها كتابه القديم، ثم عاد إلى مكة، ثم
خرج إلى بغداد سنة ثمان وتسعين فأقام بها شهرا ثم خرج إلى مصر» ، لم
يرد في «حسن المحاضرة» .
[2] هو الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن، من ولد سليمان بن زولاق،
الليثي بالولاء، أبو محمد، مؤرخ مصري، زار دمشق سنة (330) هـ. وولي
المظالم في أيام الفاطميين بمصر، وكان يظهر التشيّع لهم. من كتبه: «خطط
مصر» و «أخبار قضاة مصر» و «رسالة الموازنة بين مصر وبغداد في العلم
والعلماء والخيرات» و «مختصر تاريخ مصر» . مات سنة (387) هـ. عن
«الأعلام» للزركلي (2/ 178) .
[3] في «حسن المحاضرة» : «للإشغال» .
[4] ما بين الحاصرتين سقط من الأصل، والمطبوع، واستدركته من «حسن
المحاضرة» .
[5] في الأصل، والمطبوع: «شطية» وهو تصحيف، والتصحيح من «حسن المحاضرة»
.
[6] في «حسن المحاضرة» : «فتأول» .
(3/21)
وقال الرّبيع [1] : كان الشّافعيّ يفتي وله
خمس عشرة سنة، وكان يحيي الليل إلى أن مات.
وقال أبو ثور: كتب عبد الرّحمن بن مهدي إلى الشّافعي أن يضع له كتابا
فيه معاني القرآن ويجمع مقبول الأخبار [2] فيه، وحجة الإجماع، وبيان
النّاسخ والمنسوخ من القرآن والسّنّة، فوضع له كتاب «الرسالة» .
قال الإسنوي [3] : الشّافعي أول من صنف في أصول الفقه بالإجماع [4]
وأوّل من قرر ناسخ الحديث من منسوخه، وأول من صنف في أبواب كثيرة [من]
[5] الفقه معروفة. انتهى كلام السيوطي.
وكان يقول: وددت أن لو أخذ عني هذا العلم من غير أن ينسب إليّ منه شيء.
وقال: ما ناظرت أحدا إلا وددت أن يظهر الله الحق على يديه.
وكان يقول لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله أنت أعلم بالحديث مني، فإذا
صحّ الحديث فأعلمني حتّى أذهب إليه شاميا كان أو كوفيا أو بصريا.
وكان- رضي الله عنه- مع جلالة قدره شاعرا مفلقا مطبوعا، فمن شعره
الرائق الفائق قوله:
وما هي إلّا جيفة مستحيلة ... عليها كلاب همّهنّ اجتذابها
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «قال ابن الربيع» والتصحيح من «حسن المحاضرة»
وهو الربيع بن سليمان المرادي.
[2] في «حسن المحاضرة» : «ويجمع قبول الأخيار» .
[3] في المطبوع: «الأسنوي» ، وهو خطأ.
[4] في الأصل، والمطبوع: «بإجماع» وما أثبته من «حسن المحاضرة» .
[5] لفظة: «من» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
(3/22)
فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ... وإن
تجتذبها نازعتك كلابها [1]
وقوله:
ما حكّ جلدك مثل ظفرك ... فتولّ أنت جميع أمرك
وإذا بليت بحاجة [2] ... فاقصد لمعترف بقدرك [3]
وقوله معارضا لابن الأزرق وهو الغاية في المتانة:
إنّ الذي رزق اليسار ولم ينل [4] ... أجرا ولا حمدا لغير موفّق
الجدّ يدني كلّ أمر شاسع ... والجدّ يفتح كلّ باب مغلق [5]
فإذا سمعت بأنّ مجدودا حوى ... عودا فأثمر في يديه فصدّق
وإذا سمعت بأنّ محروما [6] أتى ... ماء ليشربه فغاص فحقّق
لو أنّ [7] بالحيل الغنى لوجدتني ... بنجوم أرجاء [8] السّماء تعلّقي
لكنّ من رزق الحجا حرم الغنى ... ضدّان مفترقان أيّ تفرّق
وأحقّ خلق الله بالهمّ امرؤ ... ذو همّة يبلى برزق ضيّق
ومن الدّليل على القضاء وحكمه [9] ... بؤس اللّبيب وطيب عيش الأحمق
[10]
__________
[1] البيتان في «ديوانه» ص (25) ، تحقيق الأستاذ إسماعيل اليوسف، طبع
دار الخير.
[2] في «ديوانه» : «فإذا قصدت لحاجة» .
[3] البيتان في «ديوانه» ص (70) .
[4] في «ديوانه» : «فلم ينل» .
[5] البيتان في «ديوانه» ص (67) .
[6] في الأصل، والمطبوع: «مجذوذا» والتصحيح من «ديوانه» .
[7] في «ديوانه» : «لو كان» .
[8] في «ديوانه» : «بنجوم أقطار» .
[9] في الأصل، والمطبوع: «وكونه» وأثبت لفظ «ديوانه» .
[10] الأبيات في «ديوانه» ص (66- 67) .
(3/23)
وله:
من نال منّي أو علقت بذمّته ... أبرأته لله شاكر منّته
أرى معوّق مؤمن يوم الجزا ... أو أن أسوء محمّدا في أمّته [1]
وقال:
إذا المرء أفشى سرّه لصديقه ... ودلّ عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه ... فصدر الذي يستودع [2] السرّ أضيق
[3]
[ومما ينسب إليه:
عليّ ثياب لو تباع جميعها ... بفلس لكان الفلس منهنّ أكثرا
وفيهنّ نفس لو تقاس بمثلها ... نفوس الورى كانت أعزّ وأكبرا] [4]
وفيها قاضي ديار مصر، إسحاق بن الفرات أبو نعيم التّجيبيّ، صاحب مالك.
قال الشّافعيّ: ما رأيت بمصر أعلم باختلاف النّاس من إسحاق بن الفرات،
رحمه الله.
وقد روى إسحاق- رحمه الله- أيضا عن حميد بن هانئ، واللّيث بن سعد،
وغيرهما.
وفي ثامن عشر شعبان أشهب بن عبد العزيز، أبو عمرو العامريّ،
__________
[1] لم أجد البيتين في «ديوانه» الذي بين يدي.
[2] في الأصل، والمطبوع: «فصدر الذي أودعته» وأثبت لفظ ديوانه.
[3] البيتان في «ديوانه» ص (67) مع شيء من الخلاف في ألفاظهما.
[4] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، واستدركته من المطبوع. والبيتان في
«ديوانه» ص (46- 47) ورواية البيت الثاني فيه:
فيهن نفس لو تقاس ببعضها ... نفوس الورى كانت أجلّ وأكبرا
(3/24)
صاحب مالك، وله أربع وستون سنة. وكان ذا
مال وحشمة وجلالة.
قال الشّافعيّ: ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه.
وكان محمد بن عبد الله بن [عبد] [1] الحكم صاحب أشهب يفضّل أشهب على
ابن القاسم.
قال ابن عبد الحكم: سمعت أشهب يدعو على الشّافعيّ بالموت، فبلغ ذلك
الشّافعيّ فقال:
تمنّى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك طريق [2] لست فيها بأوحد
فقل للّذي يبغي خلاف الذي مضى ... تزوّد لأخرى مثلها فكأن قد [3]
ومكث أشهب بعد الشّافعيّ شهرا.
قال ابن عبد الحكم: وكان قد اشترى من تركة الشّافعيّ عبدا، فاشتريت ذلك
العبد من تركة أشهب.
وفيها أبو علي الحسن بن زياد اللؤلؤيّ الكوفيّ، قاضي الكوفة وصاحب أبي
حنيفة، وكان يقول: كتبت عن ابن جريج اثني عشر ألف حديث.
قال في «العبر» [4] : ولم يخرّجوا له في الكتب الستة لضعفه، وكان رأسا
في الفقه. انتهى.
وفيها الإمام أبو داود الطّيالسيّ، واسمه سليمان بن داود البصريّ
الحافظ صاحب «المسند» ، كان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث.
__________
[1] لفظة: «عبد» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
[2] في «ديوانه» : «فتلك سبيل» .
[3] البيت الأول في «ديوانه» ص (39) ، والبيتان في «سير أعلام النبلاء»
(10/ 72) ، وانظر تخريجهما فيه.
[4] (1/ 345) .
(3/25)
قال الفلّاس: ما رأيت أحفظ منه.
وقال عبد الرّحمن بن مهدي: هو أصدق النّاس.
قال في «العبر» [1] : قلت: كتب [2] عن ألف شيخ، منهم ابن عون [3]
وطبقته. انتهى.
وقال ابن ناصر الدّين: الحافظ الكبير، من الحفاظ المكثرين، قيل:
غلط في أحاديث رواها من لفظه، وأتي في ذلك من قبل اتكاله على حفظه.
قال عمر بن شبّة [4] : كتبوا عن أبي داود من حفظه أربعين ألف حديث.
انتهى.
وقيل: إنه أكل حبّ البلاذر [5] لأجل الحفظ والفهم، فأحدث له جذاما
وبرصا.
وفيها شجاع بن الوليد الكوفيّ، أبو بدر.
قال ابن ناصر الدّين: كان ثقة ورعا عابدا متقنا. انتهى.
وقال في «العبر» [6] : كان من صلحاء المحدّثين وعلمائهم. روى عن الأعمش
والكبار.
قال سفيان الثّوري: ليس بالكوفة أعبد من شجاع بن الوليد. انتهى.
وفيها أبو بكر الحنفيّ عبد الكبير بن عبد المجيد أخو أبي علي
__________
[1] (1/ 346) .
[2] تحرفت لفظة: «كتب» في «العبر» إلى «كتبت» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «أبو عون» والتصحيح من «العبر» للذهبي (1/
346) ، وانظر:
«تهذيب الكمال» (1/ 534) مصورة دار المأمون للتراث بدمشق.
[4] في الأصل، والمطبوع: «ابن شيبة» والتصحيح من «تهذيب الكمال» (1/
535) .
[5] في الأصل، والمطبوع: «البلادر» وهو تصحيف، والتصحيح من «تاج
العروس» (بلذر) وفيه البلاذر: حب الفهم.
[6] (1/ 346) .
(3/26)
الحنفي، بصريّ مشهور. صاحب حديث. روى عن
خثيم بن عراك، وجماعة.
وفيها أبو نصر عبد الوهّاب بن عطاء الخفّاف. بصري. صاحب حديث وإتقان.
سمع من حميد، وخالد الحذّاء، وطائفة.
قال ابن ناصر الدّين: عبد الوهّاب بن عطاء العجليّ الخفّاف أبو نصر،
أحد علماء البصرة والحفاظ المهرة. جاء توثيقه عن الدّارقطنيّ وابن
معين، وتكلم فيه البخاريّ وغيره بأنه ليس بالقويّ، ففيه لين. انتهى.
وفيها هشام بن محمّد بن السّائب الكلبيّ الأخباريّ النسّابة صاحب كتاب
«الجمهرة» في النسب [1] ومصنفاته تزيد على مائة وخمسين تصنيفا في
التاريخ، والأخبار، وكان حافظا علامة إلّا أنه متروك الحديث، فيه رفض.
روى عن أبيه، وعن مجالد بن سعيد، وغيرهما. قاله في «العبر» [2] .
__________
[1] طبع المجلد الأول منه في وزارة الإعلام في الكويت بتحقيق الأستاذ
عبد الستار أحمد فراج، رحمه الله، وصدر كاملا عن دار اليقظة بدمشق
بعناية الأستاذ محمود فردوس العظم.
[2] (1/ 346- 347) .
(3/27)
سنة خمس ومائتين
فيها توفي إسحاق بن منصور السّكونيّ الكوفيّ. روى عن إسرائيل وطبقته.
وفيها أبو عبد الله بسر بن بكر الدّمشقيّ ثم التّنّيسيّ، محدّث تنّيس
[1] . حدّث عن الأوزاعيّ وجماعة.
وفي جمادى الأولى أبو محمد روح بن عبادة القيسيّ البصريّ الحافظ. روى
عن ابن عون وابن جريج. وصنف في السنن والتفسير وغير ذلك، وعمّر دهرا.
قال ابن ناصر الدّين: روح بن عبادة بن العلاء بن حسّان القيسيّ البصريّ
أبو محمّد. ثقة، مكثر، مفسر. انتهى.
وفيها الزّاهد القدوة أبو سليمان الدّارانيّ العنسيّ أحد الأبدال. كان
عديم النظير زهدا وصلاحا، وله كلام رفيع في التصوف والمواعظ.
__________
[1] قال المقريزي: تنيس بكسر التاء المنقوطة باثنتين من فوقها، وكسر
النون المشددة وياء آخر الحروف، وسين مهملة: بلدة من بلاد مصر في وسط
الماء وهي كورة الخليج، سميت بتنيس ابن حام بن نوح، ويقال: بناها
قليمون من ولد أتريب بن قبطم أحد ملوك القبط في القديم.
وانظر تتمة كلامه عنها في «الخطط المقريزية» (1/ 176- 182) ، وراجع
خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 51- 54) .
(3/28)
من كلامه: من أحسن في نهاره كوفئ في ليله،
ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره. ومن صدق في ترك شهوة، ذهب الله بها من
قلبه، والله أكرم من أن يعذب قلبا ترك شهوة له. وأفضل الأعمال خلاف هوى
النفس. وله كرامات وخوارق. ونسبته إلى داريّا قرية بغوطة دمشق [1] أو
داران [2] ، قيل:
وهذا الصحيح. والعنسيّ نسبة إلى عنس بن مالك رجل من مذحج.
وفيها، أو في التي قبلها- وبه جزم ابن ناصر الدّين- أبو عامر العقديّ
عبد الملك بن عمرو البصريّ أحد الثقات المكثرين. روى عن هشام الدستوائي
وأقرانه.
قال ابن ناصر الدّين: كان إماما أمينا ثقة مأمونا.
وفيها محمد بن عبيد الطّنافسيّ الأحدب الكوفيّ الحافظ. سمع هشام بن
عروة والكبار.
قال ابن سعد: كان ثقة صاحب سنّة.
وقال ابن ناصر الدّين: هو وأخواه يعلى وعمر من الموثقين. انتهى.
وفيها قارئ أهل البصرة يعقوب بن إسحاق الحضرميّ مولاهم المقرئ النحويّ
أحد الأعلام. قرأ على أبي المنذر سلّام الطّويل. وسمع من شعبة وأقرانه.
تصدر للإقراء والتحديث، وحمل عنه خلق كثير. وله في القراءة رواية
مشهورة ثامنة على قراءة السبعة، رواها عنه روح بن عبد المؤمن وغيره.
واقتدى به البصريون، وأكثرهم على مذهبه بعد أبي عمرو بن العلاء.
__________
[1] قلت: لقد كانت هذه القرية من أجمل قرى غوطة دمشق الغريبة، ثم تحولت
خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى مدينة صغيرة على أثر تشييد العدد
الكبير من العمارات فوق أراضيها الخصبة المنتجة من قبل أهلها وتجار
دمشق، دون الأخذ بعين الاعتبار ما لفقدان الأراضي الزراعية من أثر سيىء
على مناخ دمشق، ولقد طالت هذه الآفة معظم قرى غوطتي دمشق الشرقية
والغربية في الآونة الأخيرة، حتى كادت تقضي على الغوطتين معا ولا حول
ولا قوة إلا بالله. وانظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (2/ 431-
432) .
[2] وذكر ذلك أيضا الزبيدي في «تاج العروس» (دار) وعزاه لسيبويه.
(3/29)
وقد حافظ البغويّ في «تفسيره» على رواية
قراءته وقراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع، وذكر سندهما إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم.
قال أبو حاتم السجستانيّ: كان يعقوب الحضرمي أعلم من أدركنا في الحروف
والاختلاف في القرآن العظيم وتعليله ومذاهبه ومذاهب النحويين فيه،
وكتابه «الجامع» جمع فيه بين عامة الاختلاف ووجوه القراءات ونسب كل حرف
إلى من قرأ به
.
(3/30)
|