شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة إحدى وستّين ومائتين
فيها كانت الفتن تغلي وتستعر بخراسان، بيعقوب بن اللّيث، وبالأهواز
بقائد الزّنج، وتمّت لهما حروب وملاحم.
وفيها توفي أحمد بن سليمان الرّهاوي [أبو الحسين] [1] الحافظ، أحد
الأئمة، طوّف وسمع زيد بن الحباب وأقرانه، وهو ثقة ثبت.
وفيها أحمد بن عبد الله بن صالح، أبو الحسن، العجليّ الكوفيّ، نزيل
طرابلس المغرب، وصاحب «التاريخ» و «الجرح والتعديل» وله ثمانون سنة،
نزح إلى المغرب أيام محنة القرآن وسكنها، روى عن حسين الجعفي، وشبابة
وطبقتهما.
قال ابن ناصر الدّين: كان إماما، حافظا، قدوة، من المتقنين، وكان يعدّ
كأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وكتابه في الجرح والتعديل، يدلّ على سعة
حفظه وقوة باعه الطويل. انتهى.
وفيها أبو بكر الأثرم، أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، الحافظ الثبت
الثقة، أحد الأئمة المشاهير. روى عن أبي نعيم، وعفّان، وصنّف التصانيف،
وكان من أذكياء الأمّة.
__________
[1] زيادة من «العبر» للذهبي.
(3/266)
قال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [1] : أحمد
بن محمد بن هانئ الطائي، ويقال: الكلبي الأثرم الإسكافي، أبو بكر، جليل
القدر، حافظ، إمام، سمع حرميّ بن حفص، وعفّان بن مسلم، وأبا بكر بن أبي
شيبة، وعبد الله بن مسلمة القعنبي [2] ، وإمامنا في آخرين. نقل عن
إمامنا مسائل كثيرة وصنّفها ورتبها أبوابا. وروى عن الإمام قال: سمعت
أبا عبد الله يسأل عن المسح على العمامة، قيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم.
قال: أبو عبد الله ثبت من خمسة وجوه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال: كنت أحفظ الفقه والاختلاف، فلما صحبت أحمد بن حنبل تركت ذلك كله.
وكان معه تيقّظ عجيب حتّى نسبه يحيى بن معين، ويحيى بن أيوب المقابري،
فقالا: أحد أبوي الأثرم جني.
وقال أبو القاسم بن الجيلي: قدم رجل فقال: أريد رجلا يكتب لي من كتاب
الصلاة ما ليس في كتب ابن أبي شيبة. قال: فقلنا له: ليس لك إلّا أبو
بكر الأثرم. قال: فوجّهوا إليه ورقا، فكتب ستمائة ورقة من كتاب الصلاة.
قال: فنظرنا فإذا ليس في كتاب ابن أبي شيبة منه شيء.
وقال الحسن بن علي بن عمر الفقيه: قدم شيخان من خراسان للحج فحدّثا،
فلما خرجا طلب قوم من أصحاب الحديث تحديثهما، قال: فخرجا- يعني إلى
الصحراء- فقعد هذا الشيخ ناحية معه خلق من أصحاب الحديث، والمستملي،
وقعد الآخر ناحية، وقعد الأثرم بينهما، فكتب ما أملى هذا وما أملى هذا.
وقال الأثرم: كنت عند خلف البزّار يوم جمعة، فلما قمنا من المجلس
__________
[1] (1/ 66- 73) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف.
[2] تحرّفت في الأصل إلى «القعبني» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
(3/267)
صرت إلى قرب الفرات فأردت أن أغتسل للجمعة،
فغرقت فلم أجد شيئا أتقرب به إلى الله عزّ وجلّ أكثر عندي من أن قلت:
اللهمّ إن نجّيتني لأتوبنّ من صحبة حارث، يعني المحاسبي.
قال الأثرم: كان حارث في عرس لقوم، فجاء يطّلع على النساء من فوق
الدرابزين، ثم ذهب يخرجه- يعني رأسه- فلم يستطع، فقيل له: لم فعلت هذا؟
فقال: أردت أن أعتبر بالحور العين. انتهى ملخصا.
وفيها حاشد بن إسماعيل بن عيسى البخاريّ الحافظ بالشّاش [1] من إقليم
التّرك. روى عن عبيد الله بن موسى، ومكّي بن إبراهيم، وكان ثبتا إماما.
والحسن بن سليمان أبو علي البصريّ المعروف بقبيطة. كان حافظا، ثقة،
إماما نبيلا [2] .
والحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، الأمويّ، قاضي المعتمد
وكان أحد الأجواد الممدّحين.
وفيها شعيب بن أيوب، أبو بكر الصّريفيني [3] ، مقرئ واسط وعالمها، قرأ
على يحيى بن آدم، وسمع من يحيى القطّان وطائفة، وكان ثقة.
وأبو شعيب السّوسيّ، صالح بن زياد، مقرئ أهل الرّقّة وعالمهم، قرأ على
يحيى اليزيدي، وروى عن عبد الله بن نمير وطائفة، وتصدّر للإقراء، وحمل
عنه طوائف [4] .
قال أبو حاتم: صدوق.
__________
[1] تقع الآن في الجنوب الغربي من الاتحاد السوفييتي وتعرف بطشقند، وقد
أنجبت فيما مضى عددا كبيرا من العلماء. انظر خبرها في «معجم البلدان»
لياقوت (3/ 308- 309) ، و «الأمصار ذوات الآثار» ص (94) بتحقيقي، و
«الروض المعطار» للحميري ص (335) .
[2] انظر ترجمته ومصادرها في «طبقات الحفّاظ» للسيوطي ص (253) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «الصيرفي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر»
للذهبي (2/ 28) ، وانظر «اللباب» لابن الأثير (2/ 240) .
[4] في «العبر» : «وحمل عنه طائفة» .
(3/268)
وأبو يزيد البسطاميّ العارف الزّاهد
المشهور، واسمه طيفور بن عيسى، وكان يقول: إذا نظرتم إلى رجل أعطي من
الكرامات حتّى يرتفع في الهواء فلا تغترّوا به، حتّى تنظروا كيف تجدونه
عند الأمر والنهي وحفظ الشريعة.
قال أبو عبد الرحمن السّلميّ في «طبقاته» [1] : طيفور بن عيسى بن
سروسان [2] البسطامي وسروسان [2] كان مجوسيا فأسلم وكانوا ثلاثة إخوة:
آدم أكبرهم، وطيفور أوسطهم، وعليّ أصغرهم، وكلّهم كانوا زهّادا عبّادا.
ومات عن ثلاث وسبعين سنة، وهو من قدماء مشايخ القوم، له كلام حسن في
المعاملات، ويحكى عنه في الشطح أشياء منها ما لا يصحّ ويكون مقولا
عليه.
قال أبو يزيد: من لم ينظر إلى شاهدي بعين الاضطرار، وإلى أوقاتي بعين
الاغترار، وإلى أحوالي بعين الاستدراج، وإلى كلامي بعين الافتراء، وإلى
عبراتي بعين الاجتراء، وإلى نفسي بعين الازدراء، فقد أخطأ النظر في.
ذكرت لأبي عثمان المغربي هذه الحكاية، فقال: لم أسمع لأبي يزيد حكاية
أحسن منها، وإنما تكلم عن عين الفناء، أي قوله: سبحاني.
وقال أبو يزيد: لو صفا لي تهليلة ما باليت بعدها بشيء.
وكتب يحيى بن معاذ لأبي يزيد: سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته.
فكتب إليه أبو يزيد في جوابه: سكرت وما شربت من الدّور وغيرك قد
__________
[1] ص (67) .
[2] كذا في الأصل، والمطبوع، و «اللباب» لابن الأثير (1/ 152) :
«سروسان» ، وفي «طبقات الصوفية» و «المنتظم» لابن الجوزي (5/ 28) :
«سروشان» ، وفي «سير أعلام النبلاء» للذهبي (13/ 86) : «شروسان» .
(3/269)
شرب بحور السماوات والأرض، وما روي بعد،
ولسانه خارج من العطش، ويقول: هل من مزيد.
وقال الجنيد: كل الخلق يركضون فإذا بلغوا ميدان أبي يزيد هملجوا.
وكان أبو يزيد إذا ذكر الله يبوّل الدم.
وحكي عنه أنه قال: نوديت في سرّي فقيل لي: خزائننا مملوءة من الخدمة،
فإن أردتنا فعليك بالذلّ والافتقار.
وحكى عنه صاحبه أبو بكر الأصبهاني، أنه أذّن مرّة فغشي عليه، فلما أفاق
قال: العجب ممّن لا يموت إذا أذّن. انتهى ملخصا.
وفيها الإمام مسلم بن الحجّاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ [1] القشيريّ
النيسابوريّ، صاحب «الصحيح» أحد الأئمة الحفّاظ وأعلام المحدّثين. رحل
إلى الحجاز، والعراق، والشام، وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري، وأحمد بن
حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن مسلمة، وغيرهم، وقدم بغداد غير
مرّة، فروى عنه أهلها، وآخر قدومه إليها في سنة تسع وخمسين ومائتين،
وروى عنه الترمذيّ، وكان من الثقات المأمونين.
قال محمد الماسرجسي: سمعت مسلم بن الحجّاج يقول: صنّفت هذا «المسند
الصحيح» من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.
وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم
في علم الحديث.
وقال الخطيب البغدادي: كان مسلم يناضل عن البخاري حتّى أوحش ما بينه
وبين محمد بن يحيى الذّهلي بسببه.
__________
[1] في المطبوع: «كرشان» . وانظر «وفيات الأعيان» لابن خلكان (5/ 194)
، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 558) .
(3/270)
وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ:
لما استوطن البخاري نيسابور أكثر مسلم من الاختلاف إليه، فلما وقع بين
محمد بن يحيى والبخاري ما وقع في مسألة اللفظ، فنادى عليه، ومنع الناس
من الاختلاف إليه، حتّى هجر وخرج من نيسابور في تلك المحنة، وقطعه أكثر
النّاس غير مسلم، فإنه لم يتخلّف عن زيارته، فانتهى [1] إلى محمد بن
يحيى أن مسلم بن الحجّاج على مذهبه قديما وحديثا، وأنه عوقب على ذلك
بالحجاز، والعراق، ولم يرجع عنه، فلما كان يوم مجلس محمد بن يحيى قال
في آخر مجلسه: ألا من قال باللفظ فلا يحلّ له أن يحضر مجلسنا، فأخذ
مسلم الرداء فوق عمامته، وقام على رؤوس النّاس وخرج عن مجلسه، وجمع كل
ما كتب منه وبعث به على ظهر حمّال إلى باب محمد بن يحيى، فاستحكمت بذلك
الوحشة وتخلّف عنه وعن زياراته.
ومحمد هذا هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب
الذّهلي النيسابوري، كان أحد الحفّاظ الأعيان. روى عنه البخاري، ومسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وكان ثقة مأمونا، وكان سبب
الوحشة بينه وبين البخاري، أنه لما دخل البخاريّ مدينة نيسابور شنّع
[2] عليه محمد بن يحيى في مسألة خلق اللفظ، وكان قد سمع منه، فلم يمكنه
ترك الرواية عنه، وروى عنه في الصوم، والطب، والجنائز، والعتق، وغير
ذلك، مقدار ثلاثين موضعا، ولم يصرّح باسمه، لا يقول [3] : حدّثنا محمد
بن يحيى الذّهلي، بل يقول: حدّثنا محمد، ولا يزيد عليه أو يقول [4] :
محمد بن عبد الله [فينسبه إلى
__________
[1] في المطبوع، و «وفيات الأعيان» : «فأنهي» .
[2] تحرّفت في «وفيات الأعيان» إلى «شعث» فتصحح فيه.
[3] في «وفيات الأعيان» : «فيقول» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «ويقول» .
(3/271)
جدّه] [1] وينسبه [أيضا] لجدّ أبيه. انتهى
من ابن خلّكان [2] ملخصا.
قلت: وقد مرّت ترجمة محمد المذكور، والله أعلم [3] .
وقال في «العبر» [4] : مسلم بن الحجّاج، أبو الحسين القشيريّ
النيسابوريّ الحافظ، أحد أركان الحديث، وصاحب «الصحيح» وغير ذلك، في
رجب، وله ستّون سنة، وكان صاحب تجارة بخان بحمس بنيسابور [5] وله أملاك
وثروة، وقد حجّ سنة عشرين ومائتين، فلقي القعنبيّ وطبقته.
__________
[1] ما بين حاصرتين لم يرد في الأصل والمطبوع، وأثبته من «وفيات
الأعيان» .
[2] في «وفيات الأعيان» (5/ 194- 196) .
[3] قلت: أجل مرت ترجمته انظر ص (259- 260) من هذا المجلد.
[4] (2/ 29) .
[5] في «العبر» : «وكان صاحب تجارة، وكان محسن نيسابور» .
(3/272)
سنة اثنتين وستّين ومائتين
لما عجز المعتمد على الله عن يعقوب بن اللّيث، كتب إليه بولاية خراسان
وجرجان، فلم يرض حتّى يوافي باب الخليفة، وأضمر في نفسه الاستيلاء على
العراق، والحكم على المعتمد، فتحوّل عن سامرّا إلى بغداد، وجمع أطرافه
وتهيأ للملتقى، وجاء يعقوب في سبعين ألفا، فنزل واسط فتقدّم المعتمد،
وقصده يعقوب، فقدّم المعتمد أخاه الموفّق بجمهرة الجيش، فالتقيا في
رجب، واشتد القتال، فوقعت الهزيمة على الموفّق، ثم ثبت وأسرعت الكسرة
[1] على أصحاب يعقوب، فولّوا الأدبار، واستبيح عسكرهم، وكسب أصحاب
الخليفة ما لا يحدّ ولا يوصف، وخلّصوا محمد بن طاهر، وكان مع يعقوب في
القيود، ودخل يعقوب إلى فارس، وخلع المعتمد على محمد بن طاهر أمير
خراسان، وردّه إلى عمله، وأعطاه خمسمائة ألف درهم، وعاثت [2] جيوش
الخبيث [3] عند اشتغال العساكر، فنهبوا البطيحة [4] وقتلوا وأسروا،
فسار عسكر [الموفّق] [5] لحربهم فهزمهم، وقتل منهم مقدّم كبير يعرف
بالصعلوك.
__________
[1] في «العبر» : «وشرعت الكسرة» .
[2] في الأصل، والمطبوع: «وعاث» وما أثبته من «العبر» للذهبي (2/ 30) .
[3] لفظة «الخبيث» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع و «العبر»
للذهبي.
[4] البطيحة: أرض واسعة بين واسط والبصرة. انظر «معجم البلدان» لياقوت
(1/ 450- 451) .
[5] لفظة «الموفق» سقطت من الأصل والمطبوع، واستدركتها من «العبر»
للذهبي.
(3/273)
وفيها توفي عمر بن شبّة، أبو زيد النميريّ
البصريّ، الحافظ العلّامة الأخباريّ، الثقة، صاحب التصانيف. حدّث عن
عبد الوهاب الثقفي، وغندر وطبقتهما، وكان ثقة. وشبّة لقب أبيه، واسمه
زيد، لقّب بذلك، لأن أمّه كانت ترقّصه وتقول:
يا ربّ ابني شبّا ... وعاش حتّى دبّا
شيخا كبيرا خبّا [1]
كذا رواه محمد بن إسحاق السرّاج عن عمر بن شبّة.
وفيها أبو سيّار محمد بن عبد الله بن المستورد، أبو بكر، البغداديّ،
يعرف بأبي سيّار، ثقة خيّر. قاله ابن ناصر الدّين.
وفيها، وجزم ابن ناصر الدّين أنه في التي قبلها، محمد بن الحسين بن
إبراهيم بن الحر بن زعلان العامري، أبو جعفر بن إشكاب البغداديّ. حدّث
عنه عدة، منهم: البخاريّ، وأبو داود، والنسائي، وكان صدوقا حافظا، ثقة
[2] .
وفيها محمد بن عاصم الثقفيّ أبو جعفر الأصبهانيّ العابد. سمع سفيان بن
عيينة، وأبا أسامة، وطبقتهما.
قال إبراهيم بن أورمة [3] : ما رأيت مثل ابن عاصم، ولا رأى مثل نفسه.
__________
[1] الأبيات وتخريجها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 371)
وروايتها فيه:
يا بأبي وشبا ... وعاش حتى دبا
شيخا كبيرا خبا
[2] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 152) .
[3] في الأصل والمطبوع: «ابن أرومة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/
31) و «طبقات الحفّاظ» ص (277) .
أقول: قال في «تاج العروس» (أرم) : والأرمة: القبيلة، وإبراهيم بن أرمة
الأصبهاني الحافظ، بالضم، وقد تمد الضمة فيقال: أورمة. (ع)
(3/274)
وفيها يعقوب بن شيبة السّدوسيّ البصريّ
الحافظ، أحد الأعلام، وصاحب «المسند المعلل» الذي ما صنّف أحد أكبر منه
[1] ولم يتمّه، وكان سريّا محتشما، عيّن لقضاء القضاة، ولحقه على ما
خرّج من «المسند» نحو عشرة آلاف مثقال، وكان صدوقا. قاله في «العبر»
[2] .
وقال ابن ناصر الدّين:
يعقوب نجل شيبة بن صلت ... سادهم رواية بثبت
وقال في «شرحها» : ابن صلت بن عصفور، أبو يوسف، السّدوسيّ البصريّ،
نزيل بغداد، ثقة. انتهى.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «أكثر منه» وما أثبته من «العبر» للذهبي.
[2] (2/ 31) .
(3/275)
سنة ثلاث وستّين ومائتين
فيها توفي أحمد بن الأزهر بن منيع بن سليط، أبو الأزهر، النيسابوري
الحافظ، وقيل: سنة إحدى وستّين. رحل وسمع أبا ضمرة أنس بن عياض وطبقته،
ووصل إلى اليمن.
قال النسائيّ: لا بأس به.
قال ابن ناصر الدّين: كان حافظا صدوقا من المهرة، أنكر عليه ابن معين
أربعين حديثا ثم عذره. انتهى.
وفيها الحسن بن أبي الرّبيع الجرجانيّ الحافظ ببغداد. سمع أبا يحيى
الحمّاني، ورحل إلى عبد الرزاق وأقرانه.
وفيها الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل، وقد نفاه
المستعين إلى برقة، ثم قدم بعد المستعين فوزر للمعتمد إلى أن مات.
وفيها محمد بن علي بن ميمون الرّقّيّ العطار الحافظ. روى عن محمد بن
يوسف الفريابي، والقعنبي، وأقرانهما.
قال الحاكم: كان إمام أهل الجزيرة في عصره، ثقة مأمون.
وفيها معاوية بن صالح الحافظ، أبو عبيد الله الأشعري الدمشقي، روى عن
عبيد الله بن موسى، وأبي مسهر، وسأل يحيى بن معين، وتخرّج به
.
(3/276)
سنة أربع وستّين ومائتين
فيها أغارت الزّنج على واسط، وهجّ أهلها حفاة عراة، ونهبت ديارهم
وأحرقت، فسار لحربهم الموفّق.
وفيها غزا المسلمون الرّوم، وكانوا أربعة آلاف، عليهم ابن كاوس، فلما
نزلوا البذندون [1] تبعتهم البطارقة، وأحدقوا بهم، فلم ينج منهم إلّا
خمسمائة، واستشهد الباقون، وأسر أميرهم جريحا.
وفيها مات الأمير موسى بن بغا الكبير، وكان من كبار القواد وشجعانهم
كأبيه.
وفيها أحمد بن عبد الرّحمن بن وهب، أبو عبيد الله المصريّ المحدّث. روى
الكثير عن عمّه عبد الله، وله أحاديث مناكير، وقد احتجّ به مسلم. قاله
في «العبر» [2] .
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «البديدون» وهو خطأ، والتصحيح من «معجم
البلدان» (1/ 361) وفيه قال ياقوت: بذندون بفتحتين (أي بفتح الباء
والذال) وسكون النون ودال مهملة وواو ساكنة ونون: قرية بينها وبين
طرسوس يوم من بلاد الثغر، مات بها المأمون، فنقل إلى طرسوس، ودفن بها.
وتقع الآن في الجنوب الأوسط من تركيا.
قلت: وقد تحرّفت في «العبر» للذهبي (2/ 33) إلى «البدندون» في المتن
والحاشية على الرغم من رجوع محقّقه الأستاذ فؤاد سيد إلى «معجم
البلدان» في ضبطها!.
[2] (2/ 34) .
(3/277)
وفيها أحمد بن يوسف السّلميّ النيسابوريّ
[1] الحافظ، أحد الأثبات، ويلقب حمدان. كان ممّن رحل إلى اليمن، وأكثر
عن عبد الرزاق وطبقته، وكان يقول: كتبت عن عبيد الله بن موسى ثلاثين
ألف حديث، وكان ثقة.
وفيها المزنيّ الفقيه، أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل
المصريّ، صاحب الشافعي في ربيع الأول، وهو في عشر التسعين.
قال الشافعيّ: المزنيّ ناصر مذهبي.
وكان زاهدا عابدا يغسّل الموتى حسبة. صنّف «الجامع الكبير» و «
[الجامع] الصغير» ومختصره «مختصر المزني» و «المنثور» و «المسائل
المعتبرة» و «الترغيب في العلم» و «كتاب الوثاق» وغيرها، وصلّى لكل
مسألة في مختصره ركعتين، فصار أصل الكتب المصنفة في المذهب، وعلى
منواله رتّبوا، ولكلامه فسّروا وشرحوا، وكان مجاب الدعوة، عظيم الورع،
حكي عنه أنه كان إذا فاتته الجماعة صلّى منفردا خمسا وعشرين مرّة، ولم
يتقدم عليه أحد من أصحاب الشافعي، وهو الذي تولى غسله يوم مات. قيل:
وعاونه الرّبيع، ودفن إلى جنبه بالقرافة الصغرى، ونسبته إلى مزينة بنت
كلب بن وبرة أمّ القبيلة المشهورة. انتهى.
وفيها أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم القرشيّ مولاهم الرّازيّ
الحافظ، أحد الأئمة الأعلام في آخر يوم من السنة. رحل وسمع من أبي
نعيم، والقعنبي وطبقتهما.
قال أبو حاتم: لم يخلّف بعده مثله علما، وفقها، وصيانة، وصدقا، وهذا ما
لا يرتاب فيه، ولا أعلم في المشرق والمغرب من كان يفهم هذا
__________
[1] انظر ترجمته ومصادرها في «الأنساب» للسمعاني (7/ 112) ، و «تهذيب
الكمال» للمزّي (1/ 522) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 384-
388) .
(3/278)
الشأن [1] مثله.
وقال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل.
وقال محمد بن مسلم: حضرت أنا وأبو حاتم عند أبي زرعة- والثلاثة
رازيّون- فوجدناه في النزع، فقلت لأبي حاتم: إني لأستحيي من أبي زرعة
أن ألقّنه الشهادة، ولكن تعال حتّى نتذاكر الحديث، لعله إذا سمعه يقول،
فبدأت فقلت: حدّثني محمد بن بشار، أنبأنا أبو عاصم النبيل، أنا عبد
الحميد بن جعفر، فأرتج عليّ الحديث، كأني ما سمعته ولا قرأته، فبدأ أبو
حاتم فقال: حدّثنا محمد بن بشّار، أنا أبو عاصم النبيل، أنا عبد الحميد
بن جعفر [فأرتج عليه كأنه ما سمعه، فبدأ أبو زرعة فقال: حدّثنا محمد بن
بشّار، أنا أبو عاصم النبيل، أنا عبد الحميد، عن جعفر] [2] عن صالح بن
أبي عريب [3] عن كثير بن مرّة، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم، «من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله، فخرجت روحه مع
الهاء قبل أن يقول، دخل الجنّة» [4] . وقال محمد أبو العبّاس المرادي
[5] : رأيت أبا زرعة في المنام فقلت:
ما فعل الله بك؟ فقال: لقيت ربّي عزّ وجلّ فقال: يا أبا زرعة إني أوتى
بالطفل فآمر به إلى الجنة، فكيف بمن حفظ السنن على عبادي؟ فأقول له:
تبوأ من الجنة حيث شئت.
__________
[1] يعني علوم الحديث النبوي.
[2] ما بين حاصرتين سقط من المطبوع.
[3] في الأصل: «صالح بن أبي غريب» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو
الصواب.
وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (2/ 599) مصوّرة دار المأمون للتراث
بدمشق.
[4] رواه الإمام أحمد في «المسند» (5/ 233 و 247) ، وأبو داود رقم
(3116) في الجنائز: باب في التلقين، والحاكم في «المستدرك» (1/ 351)
دون جملة «فخرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول» وصحّحه، ووافقه الذهبي،
وهو كما قالا، فإنه حديث صحيح بطرقه وشواهده.
[5] في المطبوع: «المرداوي» وهو خطأ، وانظر «تاريخ بغداد» (10/ 336) .
(3/279)
قال: ورأيته مرة أخرى يصلّي بالملائكة في
السماء الرابعة. فقلت: يا أبا زرعة بم نلت أن تصلّي بالملائكة؟ قال:
برفع اليدين.
وفيها يونس بن عبد الأعلى الإمام أبو موسى الصدفيّ المصريّ الفقيه
المقرئ المحدّث، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن ابن عيينة، وابن وهب،
وتفقّه على الشافعيّ، وكان الشافعيّ يصف عقله [1] . وقرأ القرآن على
ورش، وتصدّر للإقراء والفقه، وانتهت إليه مشيخة بلده، وكان ورعا،
صالحا، عابدا، كبير الشأن.
قال ابن ناصر الدّين: كان ركنا من أركان الإسلام.
__________
[1] قال الذهبي في «تذكرة الحفّاظ» (2/ 527) : روي عن الشافعي قال: ما
رأيت بمصر أحدا أعقل من يونس.
(3/280)
سنة خمس وستّين ومائتين
فيها توفي أحمد بن الخصيب [1] ، الوزير، أبو العبّاس، وزر للمنتصر
وللمستعين، ثم نفاه المستعين إلى المغرب، وكان أبوه أمير مصر في دولة
الرّشيد.
وفيها أحمد بن منصور، أبو بكر، الرّماديّ الحافظ ببغداد، وكان أحد من
رحل إلى عبد الرزّاق. وثّقه أبو حاتم وغيره.
وقال ابن ناصر الدّين: كان حافظا عمدة.
وفيها إبراهيم بن هانئ النيسابوريّ الثقة العابد. رحل وسمع من يعلى بن
عبيد وطبقته.
قال أحمد بن حنبل: إن كان أحد من الأبدال، فإبراهيم بن هانئ.
وفيها سعدان بن نصر أبو عثمان الثقفيّ البغداديّ البزّاز. رحل في
الحديث وسمع من ابن عيينة، وأبي معاوية، والكبار، ووثّقه الدارقطنيّ
[2] .
وفيها صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانيّ الإمام، أبو الفضل، قاضي
أصبهان في رمضان وله اثنتان وستّون سنة. سمع من عفّان وطبقته، وتفقّه
على أبيه.
__________
[1] تصحفت في الأصل إلى «الحصيب» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
[2] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 357-
358) .
(3/281)
قال ابن أبي حاتم: صدوق.
وفيها علي بن حرب، أبو الحسن، الطائيّ الموصليّ المحدّث الأخباريّ،
صاحب «المسند» في شوّال. سمع ابن عيينة، والمحاربي، وطبقتهما، وعاش
تسعين سنة.
وتوفي قبله أخوه أحمد بن حرب بسنتين [1] .
وفيها أبو حفص النيسابوريّ الزّاهد، شيخ خراسان، واسمه عمرو بن مسلم،
وكان كبير القدر، صاحب أحوال وكرامات، وكان عجبا في الجود والسماحة،
وقد نفّذ مرّة بضعة عشر ألف دينار يستفكّ [2] بها أسارى، وبات وليس له
عشاء. وكان يقول: ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء أو لمحه [3]
بقلبه.
وقال: حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن، والفتوّة أداء الإنصاف وترك
طلب الانتصاف، ومن لم يربّ أفعاله وأحواله كل وقت بالكتاب والسّنّة ولم
يتّهم خواطره فلا تعدّه من الرّجال.
والإمام محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي
الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلويّ الحسينيّ أبو القاسم،
الذي تلقّبه الرافضة بالخلف وبالحجّة، وبالمهدي، وبالمنتظر، وبصاحب
الزّمان، وهو خاتمة الاثني عشر إماما عندهم، ويلقبونه أيضا بالمنتظر،
فإنهم يزعمون أنه أتى السرداب بسامرا فاختفى، وهم ينتظرونه [4] إلى
الآن، وكان عمره لمّا عدم تسع سنين أو دونها، وضلال الرافضة ما عليه
مزيد، قاتلهم الله تعالى.
__________
[1] انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 253-
254) .
[2] في «العبر» للذهبي (2/ 37) : «يفتك» .
[3] في «العبر» : «ولا لمحة» .
[4] قوله: «هم ينتظرونه» لم يرد في «العبر» للذهبي.
(3/282)
وفيها العلّامة محمد بن سحنون [1] المغربيّ
المالكيّ مفتي القيروان.
تفقّه على أبيه، وكان إماما مناظرا كثير التصانيف معظّما بالقيروان
خرّج له عدة أصحاب وما خلّف بعده مثله.
وفيها يعقوب بن اللّيث الصّفّار، الذي غلب على بلاد الشرق، وهزم
الجيوش، وقام بعده أخوه عمرو بن اللّيث، وكانا شابّين صفّارين، فيهما
شجاعة مفرطة، فصحبا صالح بن النّضر، الذي كان يقاتل الخوارج بسجستان،
فآل أمرهما إلى الملك، فسبحان من له الملك، ومات يعقوب بالقولنج في
شوّال بجنديسابور [2] وكتب على قبره: هذا قبر يعقوب المسكين، وقيل: إن
الطبيب قال له: لا دواء لك إلّا الحقنة، فامتنع منها، وخلّف أموالا
عظيمة، منها من الذهب ألف ألف دينار، ومن الدراهم خمسين ألف ألف درهم،
وقام بعده أخوه بالعدل والدخول في طاعة الخليفة، وامتدت أيامه.
__________
[1] ضبطه الأستاذ فؤاد سيد في «العبر» بضم السين وهو خطأ، والصواب بفتح
السين.
[2] مدينة بخوزستان بناها سابور بن أردشير فنسبت إليه وأسكنها سبي
الرّوم وطائفة من جنده، وقال حمزة: جنديسابور تعريب «به از انديوشافور»
ومعناه خير من أنطاكية، «معجم البلدان» (2/ 170) .
(3/283)
|