شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وخمسين
ومائتين
كان صالح بن وصيف التركي قد ارتفعت منزلته، وقتل المعتز وظفر بأمه
قبيحة [1] فصادرها حتّى استصفى نعمتها، وأخذ منها نحو ثلاثة آلاف ألف
دينار، ونفاها إلى مكّة، ثم صار خاصّة المعتز وكتّابه، وهم: أحمد بن
إسرائيل، والحسن بن مخلد، وأبو نوح عيسى بن إبراهيم [2] ، ثم قتل أبا
نوح، وأحمد، فلما دخلت هذه السنة أقبل موسى بن بغا وعبأ جيشه في أكمل
أهبة، ودخلوا سامراء ملبّين، قد أجمعوا على قتل صالح بن وصيف، وهم
يقولون: قتل المعتز، وأخذ أموال أمه، وأموال الكتّاب، وصاحت العامة:
يا فرعون جاءك موسى، ثم هجم موسى بمن معه على المهتدي بالله، وأركبوه
فرسا، وانتهبوا القصر، ثم أدخلوا المهتدي دار باجور [3] ، وهو يقول:
يا موسى ويحك، ما تريد؟ فيقول: وتربة المتوكل لا نالك سوء، ثم حلّفوه
لا يمالئ صالح بن وصيف عليهم، وبايعوه، وطلبوا صالحا يناظروه [4] على
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «صبيحة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي
(2/ 16) و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 200) ، وانظر التعليق
رقم (3) في حاشية الصفحة (246) من هذا المجلد.
[2] في الأصل، والمطبوع: «وأبو نوح وعيسى بن إبراهيم» وهو خطأ،
والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 17) . وانظر «تاريخ الطبري» (9/ 397) .
[3] في الأصل: «بادور» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو موافق لما في
«العبر» (2/ 17) .
وانظر «تاريخ الطبري» (9/ 381) .
[4] في «العبر» : «ليناظروه» .
(3/249)
أفعاله فاختفى، وردوا المهتدي إلى داره،
وبعد شهر قتل صالح بن وصيف.
وفي رجب، قتل المهتدي بالله أمير المؤمنين أبو إسحاق محمد بن الواثق
بالله هارون بن المعتصم [بالله] [1] محمد بن الرّشيد العبّاسي، وكانت
دولته سنة، وعمره [2] نحو ثمان وثلاثين سنة، وكان أسمر، رقيقا، مليح
الصورة، ورعا، تقيا، متعبدا، عادلا، فارسا، شجاعا، قويا في أمر الله،
خليقا للإمارة، لكنه لم يجد ناصرا ولا معينا على الخير. وقيل: إنه سرد
الصوم مدة إمرته، وكان يقنع بعض الليالي بخبز وزيت وخلّ، وكان يشبّه
بعمر بن عبد العزيز.
وورد أنه كان له جبة صوف وكساء يتعبد فيه بالليل، وكان قد سدّ باب
الملاهي والغناء، وحسم الأمراء عن الظلم، وكان يجلس بنفسه لعمل حساب
الدواوين بين يديه، ثم إن الأتراك خرجوا عليه فلبس السلاح وشهر سيفه
[3] ، وحمل عليهم فجرح، ثم أسروه وخلعوه، ثم قتلوه إلى رحمة الله
ورضوانه، وأقاموا بعده المعتمد على الله. قاله في «العبر» [4] .
وقال ابن الفرات: أرادوا أن يبايعوا المهتدي بالله على الخلافة، فقال:
لا أقبل مبايعتكم حتّى أسمع بأذني خلع المعتز نفسه، فأدخلوه عليه،
فسلّم عليه بالخلافة، وجلس بين يديه، فقال له الأمراء: ارتفع، فقال: لا
أرتفع إلّا أن يرفعني الله، ثم قال للمعتز: يا أمير المؤمنين خلعت أمر
الرعية من عنقك طوعا ورغبة، وكل من كانت لك في عنقه بيعة فهو بريء
منها، فقال المعتز من الخوف: نعم، فقال: خار الله لنا ولك يا أبا عبد
الله، ثم ارتفع حينئذ إلى
__________
[1] زيادة من «العبر» للذهبي.
[2] في «العبر» : «وعمّر» .
[3] في الأصل، والمطبوع: «وأشهر سيفه» وما أثبته من «العبر» للذهبي.
[4] (2/ 17- 18) .
(3/250)
صدر المجلس، وكان أول من بايعه، وكان
المهتدي ورعا، زاهدا، صوّاما، لم تعرف له زلّة، وكان سهل الحجاب، كريم
الطبع، يخاطب أصحاب الحوائج بنفسه، ويجلس للمظالم، ويلبس القميص الصوف
الخشن تحت ثيابه على جلده، وكان من العدل على جانب عظيم.
حكي أن رجلا من الرّملة تظلّم إلى المهتدي بالله من عاملها، فأمر
بإنصافه، وكتب إليه كتابا بخطه، وختمه بيده، وسلّمه إلى الرجل، وهو
يدعو له، فشاهد الرجل من رحمة المهتدي وبره بالرعية، وتوليته أمورهم
بنفسه ما لم ير مثله، فاهتز ووقع مغشيا عليه، والمهتدي يعاينه، فلما
أفاق قال له المهتدي: ما شأنك، أبقيت لك حاجة؟ قال: لا والله، ولكني ما
رجوت أن أعيش حتّى أرى مثل هذا العدل، فقال له المهتدي: كم أنفقت منذ
خرجت من بلدك؟ فقال: أنفقت عشرين دينارا، فقال المهتدي: إنا لله وإنا
إليه راجعون، كان الواجب علينا أن ننصفك وأنت في بلدك ولا نحوجك إلى
تعب وكلفة، وإذا أنفقت ذلك فهذه خمسون دينارا من بيت المال، فإني لا
أملك مالا، فخذها لنفقتك واجعلنا في حل من تعبك وتأخّر حقك، فبكى الرجل
حتّى غشي عليه ثانيا، وبهت بعض الناس، وبكى بعضهم، فقال أحد الجماعة:
أنت والله يا أمير المؤمنين كما قال الأعشى [1] :
حكّمتموه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزّاهر
لا يقبل الرّشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر [2]
فقال المهتدي: أمّا أنت فأحسن الله جزاءك، وأما أنا فما رويت هذا الشعر
ولا سمعت به، ولكني أذكر قول الله عزّ وجل:
__________
[1] تقدم التعريف به في حاشية الصفحة (218) .
[2] البيتان في «ديوانه» ص (141) من قصيدة مؤلفة من (38) بيتا.
وروايتهما فيه:
حكمتمو بي فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الباهر
لا يأخذ الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر
(3/251)
وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ
الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ
حَبَّةٍ من خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ 21: 47
[الأنبياء: 47] ، فما بقي في المجلس إلّا من استغرق بالدعاء له بطول
العمر ونفاذ الأمر، وكان يقول: لو لم يكن الزّهد في الدّنيا والإيثار
لما عند الله من طبعي لتكلّفته، فإن منصبي يقتضيه، لأني خليفة الله في
أرضه والقائم مقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النائب عنه في أمته،
وإني لأستحيي أن يكون لبني مروان عمر بن عبد العزيز، وليس لبني العبّاس
مثله، وهم آل الرّسول صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وفيها الزّبير بن بكّار، الإمام أبو عبد الله الأسديّ الزّبيريّ، قاضي
مكّة، في ذي القعدة. سمع سفيان بن عيينة فمن بعده، وصنف «كتاب النسب»
[1] وغير ذلك، وكان ثقة ولا يلتفت إلى من تكلم فيه كما قال ابن ناصر
الدّين.
وفيها ليلة عيد الفطر، الإمام، حبر الإسلام، أبو عبد الله محمد بن
إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه [2] البخاريّ مولى الجعفيين،
صاحب «الصحيح» والتصانيف. ولد سنة أربع وتسعين ومائة، وارتحل سنة عشر
ومائتين، فسمع مكي بن إبراهيم، وأبا عاصم النّبيل، وأحمد بن حنبل،
وخلائق عدتهم ألف شيخ، وكان من أوعية العلم، يتوقد ذكاء، ولم يخلف
__________
[1] واسمه: «نسب قريش وأخبارها» ، وقد نشر في مصر بتحقيق المحقق الكبير
الأستاذ محمود محمد شاكر باسم «جمهرة نسب قريش» .
[2] قال الحافظ ابن حجر في «مقدمة فتح الباري» ص (477) : بردزبة بفتح
الباء الموحدة، وسكون الراء المهملة، وكسر الدال المهملة، وسكون الزاي
المعجمة، وفتح الباء الموحدة بعدها هاء، هذا هو المشهور في ضبطه، وبه
جزم ابن ماكولا، وقد جاء في ضبطه غير ذلك. وبردزبه بالفارسية الزراع
كذا يقوله أهل بخارى، وكان بردزبه فارسيا على دين قومه ثم أسلم والده
المغيرة على يد اليمان الجعفي وأتى بخارى فنسب إليه نسبة ولاء عملا
بمذهب من يرى أن من أسلم على يده شخص كان ولاؤه له، وإنما قيل له
الجعفي لذلك. وانظر:
«تهذيب الأسماء واللغات» للنووي (1/ 67) مصورة دار الكتب العلمية
ببيروت.
(3/252)
بعده مثله. قاله في «العبر» [1] .
وقال الحافظ عبد الغني في كتابه «الكمال» ما ملخصه: محمد بن إسماعيل بن
إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة، يكنى أبا عبد الله، وبردزبة مجوسي مات
عليها، والمغيرة أسلم على يدي يمان البخاري والي بخارى، ويمان هو أبو
جد عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان، وهذا هو الإمام أبو عبد الله
الجعفي مولاهم البخاري صاحب «الصحيح» إمام هذا الشأن، والمقتدى به فيه
[2] ، والمعوّل على كتابه بين أهل الإسلام. رحل في طلب العلم إلى سائر
محدثي الأمصار، وكتب بخراسان، والجبال، ومدن العراق كلها، وبالحجاز،
والشام، ومصر.
قال ابن وضّاح، ومكي بن خلف: سمعنا محمد بن إسماعيل يقول:
كتبت عن ألف نفر من العلماء وزيادة ولم أكتب إلّا عمّن قال: الإيمان
قول وعمل.
وعن أبي إسحاق الريحاني، أن البخاري كان يقول: صنفت «كتاب الصحيح» بست
عشرة سنة خرجته من ستمائة ألف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله
تعالى.
وقال محمد بن سليمان بن فارس: سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل
البخاري يقول: رأيت النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، كأني واقف بين يديه
وبيدي مروحة أذبّ عنه، فسألت بعض المعبرين فقال: إنك تذبّ عنه الكذب،
فهو الذي حملني على إخراج «الصحيح» .
وقال أبو حامد أحمد بن حمدون الأعمشي: سمعت مسلم بن الحجّاج
__________
[1] (2/ 18- 19) .
[2] لفظة: «فيه» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
(3/253)
يقول لمحمد بن إسماعيل البخاري: لا يعيبك
إلّا حاسد، وأشهد أن ليس في الدّنيا مثلك.
وقال أحمد بن حمدون الأعمشي: رأيت محمد بن إسماعيل في جنازة أبي عثمان
سعيد بن مروان ومحمد بن يحيى يسأله عن الأسامي والكنى وعلل الحديث،
ويمر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم، كأنه يقرأ: قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ
112: 1 [الإخلاص: 1] .
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ما أخرجت خراسان مثل
محمد بن إسماعيل البخاري.
وروى أبو إسحاق المستملي، عن محمد بن يوسف الفربري أنه كان يقول: سمع
كتاب «الصحيح» من محمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، وما بقي أحد يروي عنه
غيري.
وقال محمد بن إسماعيل: ما أدخلت في كتابي «الجامع» إلّا ما صحّ، وتركت
من الصحاح لحال الطول.
وقال النسائيّ: ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل.
وقال بكر بن منير: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول:
أرجو أن ألقى الله عزّ وجل ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا.
وقال عبد الواحد بن آدم الطواويسي: رأيت النّبيّ، صلى الله عليه وسلم،
في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع ذكره، فسلمت عليه، فرد
السلام، فقلت: ما يوقفك يا رسول الله؟ قال: «أنتظر محمّد بن إسماعيل
البخاري» فلما كان بعد أيام بلغني موته، فنظرنا فإذا هو قد مات في
الساعة التي رأيت النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، فيها.
وقال عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي: جاء محمد بن إسماعيل
(3/254)
إلى خرتنك- قرية من قرى سمرقند على فرسخين-
وكان له أقرباء فنزل عليهم، قال: فسمعته ليلة من الليالي وقد فرغ من
صلاة الليل يدعو ويقول:
اللهم قد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك. قال: فما تم الشهر
حتّى قبضه الله عز وجل، وقبره بخرتنك.
ولد البخاريّ يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال،
سنة أربع وتسعين ومائة، وتوفي ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر،
ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر لغرة شوال سنة ست وخمسين ومائتين، وعاش
اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما. انتهى ما لخصته من «الكمال» .
وقال ابن الأهدل- بعد الإطناب في ذكره-: أجمع النّاس على صحة كتابه،
حتّى لو حلف حالف بطلاق زوجته ما في «صحيح البخاري» حديث مسند إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، إلّا وهو صحيح عنه كما نقله، ما حكم بطلاق
زوجته، نقل ذلك غير واحد من الفقهاء وقرّروه.
ونقل الفربريّ عنه قال: ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلّا وقد اغتسلت
قبله وصليت ركعتين. انتهى.
وفيها يحيى بن حكيم البصريّ المقوّم أبو سعيد الحافظ، سمع سفيان بن
عيينة وغندرا، وطبقتهما.
قال أبو داود: كان حافظا متقنا.
(3/255)
سنة سبع وخمسين
ومائتين
فيها وثب العلويّ قائد الزّنج على الأبلّة، فاستباحها وأحرقها، وقتل
بها نحو ثلاثين ألفا، فساق لحربه سعيد الحاجب، فالتقوا فانهزم سعيد
واستحر القتل [1] بأصحابه، ثم دخلت الزّنج البصرة، وخرّبوا الجامع،
وقتلوا بها اثني عشر ألفا، فهرب باقي أهلها بأسوأ حال، فخربت ودثرت.
وفيها قتل [ميخائيل بن] توفيل [2] طاغية الرّوم، قتله بسيل [3]
الصّقلبيّ.
وفيها توفي المحدّث المعمّر، أبو علي الحسن بن عرفة العبديّ البغداديّ
المؤدّب، وله مائة وسبع سنين. سمع إسماعيل بن عيّاش وطبقته، وكان يقول:
كتب عني خمسة قرون.
قال النسائيّ: لا بأس به.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «واستبحر القتل» والتصحيح من «العبر» للذهبي
(2/ 19) ، و «مرآة الجنان» لليافعي (2/ 169) .
[2] قلت: في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (2/ 19) : «وفيها قتل
توفيل» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (9/ 489) ، و «الكامل في
التاريخ» لابن الأثير (7/ 249) طبع دار صادر، والصواب في قتل والده
«توفيل» أنه كان سنة (227) . انظر: «تاريخ الطبري» (9/ 121) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «سيل» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» ،
و «الكامل» لابن الأثير، و «العبر» للذهبي.
(3/256)
وفيها زهير بن محمد بن قمير المروزيّ، ثم
البغداديّ، الحافظ.
سمع يعلى بن عبيد، ورحل إلى عبد الرزاق، وكان من أولياء الله تعالى،
ثقة مأمونا.
قال البغويّ: ما رأيت بعد أحمد بن حنبل أفضل منه، كان يختم في رمضان
[1] .
وفيها زيد بن أخزم [2] الشهيد الطائيّ النبهانيّ البصريّ، أبو طالب،
ثقة. حدّث عنه أصحاب الكتب [الستة] إلّا مسلما، وذبحته الزّنج.
وفيها الحافظ أبو داود سليمان بن معبد السّنجيّ [3] المروزيّ. روى عن
النّضر بن شميل، وعبد الرزاق، وكان أيضا مقدما في العربية.
والرّياشي، أبو الفضل، العبّاس بن الفرج، قتلته الزّنج بالبصرة وله
ثمانون سنة. أخذ عن أبي عبيدة ونحوه، وكان إماما في اللغة والنحو،
أخباريا علّامة ثقة.
خرّج له أبو داود في «سننه» .
وفيها أبو سعيد الأشجّ، عبد الله بن سعيد الكنديّ الكوفيّ الحافظ، صاحب
التصانيف في ربيع الأول وقد جاوز التسعين. روى عن هشيم، وعبد الله بن
إدريس، وخلق، وكان ثقة حجّة.
قال أبو حاتم: هو إمام أهل زمانه.
وقال محمد بن أحمد الشّطوي: ما رأيت أحفظ منه.
__________
[1] في «العبر» للذهبي مصدر المؤلف: «كان يختم في رمضان تسعين ختمة»
وهو كذلك في «تاريخ بغداد» (8/ 485) .
[2] تصحفت في «العبر» إلى «أخرم» فتصحح فيه.
[3] في الأصل، والمطبوع: «السبخي» وهو خطأ، والتصحيح من «الأنساب»
للسمعاني (7/ 165) ، و «العبر» للذهبي (2/ 20) .
(3/257)
سنة ثمان وخمسين
ومائتين
فيها توجه منصور بن جعفر فالتقى الخبيث قائد الزّنج وهو، فقتل منصور في
المصاف، واستبيح ذلك الجيش، فسار أبو أحمد الموفق أخو الخليفة في جيش
عظيم، فانهزمت الزّنج وتقهقرت، ثم جهز الموفق فرقة عليهم مفلح، فالتقوا
الزّنج، فقتل مفلح في المصاف وانهزم النّاس، وتحيز الموفق إلى الأبلّة،
فسيّر قائد الزّنج جيشا عليهم يحيى بن محمد، فانتصر المسلمون، وقتل في
الوقعة خلق، وأسروا يحيى، فأحرق بعد ما قتل ببغداد، ثم وقع الوباء في
جيش الموفق، وكثر [بالعراق] [1] ثم كانت وقعة هائلة بين الزّنج
والمسلمين، فقتل خلق من المسلمين، وتفرق عن الموفق عامة جنده.
وفيها توفي أحمد بن بديل الإمام أبو جعفر الياميّ الكوفيّ، قاضي
الكوفة، ثم قاضي همذان. روى عن أبي بكر بن عيّاش وطبقته، وخرّج له
الترمذيّ وغيره، وكان صالحا عادلا في أحكامه، وكان يسمى راهب الكوفة
لعبادته.
قال الدارقطنيّ: فيه لين.
وقال في «المغني» [2] : أحمد بن بديل الكوفي القاضي، مشهور غير متهم.
__________
[1] سقطت من الأصل، والمطبوع، واستدركتها من «العبر» للذهبي (2/ 22) .
[2] (1/ 34) .
(3/258)
قال ابن عدي: يكتب حديثه مع ضعفه.
وقال النسائي: لا بأس به [1] . انتهى.
وأبو علي أحمد بن حفص بن عبد الله السلميّ النيسابوري، قاضي نيسابور،
روى عن أبيه وجماعة.
وفيها أحمد بن سنان القطّان، أبو جعفر الواسطيّ، الحافظ. سمع أبا
معاوية وطبقته، وروى عنه أصحاب الكتب الستة إلّا الترمذي، وصنف
«المسند» وكتب عنه ابن أبي حاتم، وقال: هو إمام أهل زمانه.
وفيها أحمد بن الفرات، بن خالد، أبو مسعود [2] الرّازيّ الثقة، أحد
الأعلام في شعبان بأصبهان، طوّف النواحي، وسمع أبا أسامة وطبقته، وكان
ينظّر بأبي زرعة الرّازي في الحفظ، وصنف «المسند» و «التفسير» . وقال:
كتبت ألف ألف وخمسمائة ألف حديث.
ومحمد بن سنجر، أبو عبد الله الجرجاني الحافظ، صاحب «المسند» في ربيع
الأول بصعيد مصر. سمع أبا نعيم وطبقته، وكان ثقة خيرا.
ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه، أبو بكر. الحافظ البغدادي.
الغزّال، مات في جمادى الآخرة ببغداد، وكان ثقة. رحل إلى عبد الرزاق
فأكثر عنه وصنف.
ومحمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس، أبو عبد الله الذّهلي
النيسابوري، أحد الأئمة الأعلام الثقات، سمع عبد الرّحمن [بن
__________
[1] قوله: «وقال النسائي: لا بأس به» سقط من «المغني في الضعفاء» الذي
بين يدي فيستدرك فيه.
[2] في الأصل، والمطبوع: «ابن مسعود» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/
22) ، و «سير أعلام النبلاء» (12/ 481) ، و «طبقات الحفاظ» ص (239) .
(3/259)
مهدي] [1] وطبقته، وأكثر الترحال، وصنف
التصانيف، وكان الإمام أحمد يجلّه ويعظّمه.
قال أبو حاتم: كان إمام أهل زمانه.
وقال أبو بكر بن أبي داود: هو أمير المؤمنين في الحديث.
ويحيى بن معاذ الرّازيّ الزّاهد [العارف] [2] ، حكيم زمانه وواعظ عصره،
توفي في جمادى الأولى بنيسابور، وقد روى عن إسحاق بن سليمان الرّازي
وغيره.
وقال السلميّ في «طبقات الصوفية» [3] : يحيى بن معاذ بن جعفر الرّازي
الواعظ، تكلم في علم الرجال [4] فأحسن الكلام فيه.
وكانوا ثلاثة إخوة: يحيى، وإبراهيم، وإسماعيل، أكبرهم سنا إسماعيل،
ويحيى أوسطهم، وإبراهيم أصغرهم، وكلّهم كانوا زهّادا.
وأخوه إبراهيم خرج معه إلى خراسان وتوفي بين نيسابور وبلخ، وأقام يحيى
ببلخ مدة، ثم خرج إلى نيسابور ومات بها.
ومن كلامه: من استفتح باب المعاش بغير مفاتيح الأقدار وكل إلى
المخلوقين.
وقال: العبادة حرفة، وحوانيتها الخلوة، وآلاتها المخادعة [5] ورأس
مالها [6]
__________
[1] زيادة من «العبر» للذهبي.
[2] زيادة من «العبر» للذهبي.
[3] في الأصل، والمطبوع: «في طبقات الأولياء» وهو سبق قلم من المؤلف
رحمه الله، والصواب ما أثبته فإنه ينقل عن «طبقات الصوفية» للسلمي ص
(107- 114) بتصرّف، ومعلوم بأن كتاب «طبقات الأولياء» لابن الملقن وليس
للسلمي.
[4] في «طبقات الصوفية» : «في علم الرجاء» .
[5] قوله: «وآلاتها المخادعة» لم يرد في «طبقات الصوفية» المطبوع.
[6] في الأصل: «ورأس ماله» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
(3/260)
الاجتهاد بالسّنّة، وربحها الجنّة.
وقال: الصبر على الخلوة [1] من علامات الإخلاص.
وقال: الدّنيا دار الأشغال، والآخرة دار الأهوال، ولا يزال العبد
متردّدا بين الأشغال والأهوال حتّى يستقر به القرار، إما إلى جنّة وإما
إلى نار.
وقال: على قدر حبّك لله يحبّك الخلق، وعلى قدر خوفك من الله تعالى
يهابك الخلق، وعلى قدر شغلك بالله يشتغل في أمرك الخلق.
وسئل عن الرقص فقال:
دققنا الأرض بالرّقص ... على غيب معانيكا
ولا عيب على رقص ... لعبد هائم فيكا
وهذا دقّنا للأر ... ض إذ طفنا بواديكا [2]
انتهى ملخصا.
وفيها الفضل بن يعقوب الرّخاميّ العالم الفاضل العلم الثقة.
__________
[1] في المطبوع: «والصبر على الخلق» وما جاء في الأصل موافق لما في
«طبقات الصوفية» .
أقول: ليس في الإسلام خلوة سوى الاعتكاف. (ع) .
[2] الأبيات في «حلية الأولياء» (10/ 61) .
أقول: ليس في الإسلام ذكر بالرقص كما يفعله بعض المتصوفة. (ع) .
(3/261)
سنة تسع وخمسين
ومائتين
كان طاغية الزّنج قد نزل البطيحة [1] ، وشق حوله الأنهار، وتحصّن، فهجم
عليه الموفق، فقتل من أصحابه خلقا، وحرق أكواخه، واستنقذ من النساء
خلقا كثيرا، فسار الخبيث إلى الأهواز، ووضع السيف في الأمة، فقتل خمسين
ألفا، وسبى مثلهم، فسار لحربه موسى بن بغا، فحاربه بضعة عشر شهرا، وقتل
خلق من الفريقين.
وفيها نزلت الرّوم- لعنهم الله- على ملطية، فخرج أحمد القابوس في
أهلها، فالتقى الرّوم، فقتل مقدمهم الأقريطشي، فانهزموا، ونصر الله
المسلمين.
وفيها استفحل أمر يعقوب بن اللّيث الصفّار، ودوّخ الممالك، واستولى على
إقليم خراسان، وأسر محمد بن طاهر أمير خراسان.
وفيها توفي أحمد بن إسماعيل أبو حذافة، السهميّ المدنيّ، صاحب مالك
ببغداد، وهو في عشر المائة، ضعفه الدّارقطنيّ وغيره، وهو آخر من حدّث
عن مالك.
__________
[1] قال الزبيدي في «تاج العروس» (بطح) : البطيحة: ما بين واسط
والبصرة، وهو ماء مستنقع لا يرى طرفاه من سعته، وهو مغيض ماء دجلة
والفرات، وكذلك مغايض ما بين بصرة والأهواز، والطّفّ: ساحل البطيحة.
(3/262)
وقال ابن عدي: حدّث بالبواطيل.
وفيها الإمام إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الجوزجانيّ صاحب التصانيف.
سمع الحسين بن علي الجعفي، وشبابة، وطبقتهما، وكان من كبار العلماء،
ونزل دمشق، وجرّح وعدّل، وهو من الثقات.
وحجّاج بن يوسف الشاعر، ابن حجّاج الثقفيّ البغداديّ، أبو محمود،
الحافظ الكبير الثقة المشهور، أحد الأثبات. سمع عبد الرزاق وطبقته.
وفيها عبّاسويه، وهو العبّاس بن يزيد بن أبي حبيب، أبو الفضل،
البحرانيّ البصريّ، صدوق، ثبت، ثقة.
وفيها حيويه، وهو محمد بن يحيى بن موسى الإسفراييني [1] الحافظ، محدّث
إسفرايين في ذي الحجة. سمع سعيد بن عامر الضّبعي وطبقته، وبه تخرّج
الحافظ أبو عوانة.
وفيها إسحاق بن إبراهيم [بن موسى] [2] العصّار، الوزدوليّ، أحد الثقات
الأخيار [3] .
وفيها الحافظ أبو الحسن محمود بن سميع الدمشقيّ، صاحب «الطبقات» وأحد
الأثبات. سمع إسماعيل بن أبي أويس وطبقته.
قال أبو حاتم: ما رأيت بدمشق أكيس منه.
__________
[1] في المطبوع: «الإسفرائني» .
[2] ما بين حاصرتين سقط من الأصل، وأثبته من المطبوع.
[3] انظر ترجمته ومصادرها في «طبقات الحفاظ» للسيوطي ص (243) .
(3/263)
سنة ستّين ومائتين
فيها كما قال في «الشذور» بلغ كرّ [1] الحنطة مائة وخمسين دينارا، ودام
أشهرا.
وفيها صال يعقوب بن اللّيث وجال، وهزم الشجعان والأبطال، وترك النّاس
بأسوأ حال، ثم قصد الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان، فالتقوا، فانهزم
العلويّ وتبعه يعقوب في تلك الجبال، فنزلت على يعقوب كسرة سماوية، ونزل
[2] على أصحابه ثلج عظيم حتّى أهلكهم، ورجع إلى سجستان بأسوأ حال، وقد
عدم من جيوشه أربعون ألفا، وذهبت عامّة خيله وأثقاله.
وفيها توفي الإمام أبو علي الحسن بن محمد الصّبّاح الزّعفرانيّ، [3]
الفقيه الحافظ، صاحب الشافعي ببغداد. روى عن سفيان بن عيينة وطبقته،
وكان من أذكياء العلماء. وروى عنه البخاريّ، وأبو داود، والترمذيّ،
__________
[1] قال ابن منظور: الكرّ: مكيال لأهل العراق، وهو عندهم ستّون قفيزا،
والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكّوك صاع ونصف، وهو ثلاث كيلجات، قال
الأزهري: والكر من هذا الحساب اثنا عشر وسقا، كلّ وسق ستّون صاعا.
«لسان العرب» (كرر) بتصرّف.
[2] في «العبر» : «نزل» .
[3] في الأصل والمطبوع و «غربال الزمان» «زعفرانة» وما أثبته من
«الأنساب» للسمعاني (6/ 280) ، و «وفيات الأعيان» لابن خلكان (2/ 74) ،
و «معجم البلدان» لياقوت (3/ 141) .
(3/264)
وغيرهم، ونسبته إلى الزّعفرانيّة [1] قرية
قرب بغداد، ودرب الزعفران ببغداد الذي فيه مسجد الشافعي ينسب إلى هذا
الإمام.
قال الشيخ أبو إسحاق في «طبقاته» [2] كنت أدرّس فيه.
والزّعفراني، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور، والكرابيسي، رواة قديم الشافعي،
وروى الجديد: المزني، وحرملة، والبويطي، ويونس بن عبد الأعلى، والرّبيع
الجيزي، والرّبيع المرادي.
وللزعفراني هذا عدّة مصنفات [3] .
وفيها الحسن بن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن
جعفر الصادق العلويّ الحسينيّ، أحد الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة
فيهم العصمة، وهو والد المنتظر محمد صاحب السرداب [4] .
وفيها حنين [5] بن إسحاق النّصرانيّ [6] ، شيخ الأطباء بالعراق، ومعرّب
الكتب اليونانية، ومؤلّف المسائل [7] المشهورة.
وفيها مالك [8] بن طوق التّغلبيّ [9] أمير عرب الشام وصاحب الرّحبة
وبانيها.
__________
[1] في الأصل والمطبوع و «غربال الزمان» : «زعفرانه» وما أثبته من
«الأنساب» (6/ 280) و «وفيات الأعيان» (2/ 74) و «معجم البلدان» (3/
141) .
[2] «طبقات الشافعية» ص (101) بتحقيق الدكتور إحسان عبّاس، طبع دار
الرائد العربي ببيروت.
[3] انظر «غربال الزمان» للعامري ص (239- 240) .
[4] انظر ترجمته ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (2/ 200) .
[5] في الأصل والمطبوع: «حسين وما أثبته من «العبر» للذهبي (2/ 26) .
[6] في المطبوع: «الشعراني» .
[7] في «العبر» : «الرسائل» ولعلّه الصواب، إلا أن الذي حال بيني وبين
إثبات ما جاء في «العبر» أن لحنين رسالتان الأولى: «المسائل في العين»
وهو مطبوع، والثانية: «المسائل في الطب للمتعلمين» . وانظر ترجمته
ومصادرها في «الأعلام» للزركلي (2/ 287- 288) .
[8] في المطبوع: «ملك» .
[9] في الأصل والمطبوع: «الثعلبي» وما أثبته من «العبر» للذهبي.
(3/265)
|