شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة ست وتسعين ومائتين
دخلت والملأ يستصبون المقتدر، ويتكلمون في خلافته، فاتفق طائفة على خلعه، وخاطبوا عبد الله بن المعتز، فأجاب بشرط أن لا يكون فيها حرب، وكان رأسهم محمد بن داود بن الجرّاح، وأحمد بن يعقوب القاضي، والحسين بن حمدان، واتفقوا على قتل المقتدر، ووزيره العبّاس بن الحسن، وفاتك الأمير، فلما كان في عاشر ربيع الأول، ركب الحسين بن حمدان، والوزير، والأمراء، فشدّ ابن حمدان على الوزير فقتله، فأنكر فاتك قتله، فعطف على فاتك فألحقه بالوزير، ثم ساق ليثلّث بالمقتدر، وهو يلعب بالصوالجة، فسمع الهيعة [1] ، فدخل وأغلقت الأبواب، ثم نزل ابن حمدان بدار سليمان بن وهب، واستدعى ابن المعتز، وحضر الأمراء والقضاة، سوى خواصّ المقتدر، فبايعوه ولقّبوه الغالب بالله، فاستوزر ابن الجرّاح، واستحجب يمن الخادم، ونفذت الكتب بخلافته إلى البلاد، وأرسلوا إلى المقتدر ليتحوّل من دار الخلافة، فأجاب، ولم يكن بقي معه غير مؤنس [2] الخادم، ومؤنس الخازن، وخاله الأمير غريب، فتحصنوا، وأصبح الحسين بن
__________
[1] قال ابن منظور: الهيعة: صوت الصارخ للفزع، وقيل: الهيعة الصوت الذي تفزع منه وتخافه من عدوّ. «لسان العرب» (هيع) .
[2] في الأصل والمطبوع: «يونس» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» (2/ 110) وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 15) .

(3/405)


حمدان على محاصرتهم، فرموه بالنشاب، وتناخوا [1] ، ونزلوا على حميّة، وقصدوا ابن المعتز، فانهزم كلّ من حوله، وركب ابن المعتز فرسا ومعه وزيره وحاجبه، وقد شهر سيفه، وهو ينادي: معاشر العامة، ادعوا لخليفتكم، وقصد سامرّا ليثبّت بها أمره، فلم يتبعه كثير [2] أحد، وخذل، فنزل عن فرسه، فدخل دار ابن الجصّاص، واختفى وزيره، ووقع النهب والقتل في بغداد، وقتل جماعة من الكبار، واستقام الأمر للمقتدر، ثم أخذ ابن المعتز وقتل سرّا، وصودر ابن الجصّاص، وقام بأعباء الخلافة الوزير ابن الفرات، ونشر العدل، واشتغل المقتدر باللعب.
وأما الحسين بن حمدان، فأصلح أمره، وبعث إلى ولاية قم، وقاشان.
رجع إلى الكلام على ابن المعتز.
قال ابن خلّكان رحمه الله تعالى [3] : أبو العبّاس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرّشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب الهاشمي، أخذ الأدب عن أبي العبّاس المبرّد، وأبي العبّاس ثعلب، وغيرهما، وكان أديبا، بليغا، شاعرا، مطبوعا، مقتدرا على الشعر، قريب المأخذ، سهل اللفظ، جيّد القريحة، حسن الإبداع للمعاني، مخالطا للعلماء والأدباء، معدودا من جملتهم، إلى أن جرت له الكائنة في خلافة المقتدر، واتفق معه جماعة من رؤساء الأجناد ووجوه الكتّاب، فخلعوا المقتدر يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين، وبايعوا عبد الله المذكور، ولقّبوه المرتضي بالله،
__________
[1] لفظة «وتناخوا» لم ترد في «العبر» الذي بين يدي.
[2] في الأصل: «كبير» وأثبت لفظ المطبوع.
[3] في «وفيات الأعيان» (3/ 76- 79) .

(3/406)


وقيل: المنصف بالله، وقيل: الغالب بالله، وقيل: الراضي بالله، وأقام يوما وليلة، ثم إن أصحاب المقتدر تحزّبوا وتراجعوا، وحاربوا أعوان ابن المعتز وشتتوهم، وأعادوا المقتدر إلى دسته، واختفى ابن المعتز في دار أبي عبد الله بن الحسين [بن عبد الله بن الحسين] [1] المعروف بابن الجصاص الجوهري، فأخذه المقتدر وسلّمه إلى مؤنس الخادم الخازن، فقتله وسلّمه إلى أهله ملفوفا في كساء، وقيل: إنه مات حتف أنفه، وليس بصحيح، بل خنقه مؤنس، وذلك يوم الخميس ثاني عشر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين، ودفن في خرابة بإزاء داره، رحمه الله تعالى.
ومولده لسبع بقين من شعبان سنة سبع وأربعين، وقال سنان بن ثابت:
سنة ست وأربعين ومائتين.
ثم قبض المقتدر على ابن الجصّاص المذكور وأخذ منه مقدار ألفي ألف دينار، وسلّم له بعد ذلك مقدار سبعمائة ألف دينار، وكان في ابن الجصّاص غفلة وبله، وتوفي يوم الثلاثاء [2] لثلاث عشرة ليلة خلت من شوّال سنة خمس عشرة وثلاثمائة.
ولعبد الله المذكور من التصانيف كتاب «الزهر والرياض» وكتاب «البديع» وكتاب «مكاتبات الإخوان بالشعر» وكتاب «الجوارح والصيد» وكتاب «السرقات» وكتاب «أشعار الملوك» وكتاب «الآداب» وكتاب «حليّ الأخبار» وكتاب «طبقات الشعراء» وكتاب «الجامع في الغناء» وأرجوزة في ذمّ الصّبوح.
ومن كلامه: البلاغة البلوغ إلى المعنى، ولم يطل سفر الكلام.
ورثاه علي بن بسام الشاعر بقوله:
__________
[1] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «يوم الأحد» .

(3/407)


لله درّك من ملك [1] بمضيعة ... ناهيك في العلم والآداب والحسب
ما فيه لوّ، ولا لولا فتنقصه ... وإنّما أدركته حرفة الأدب [2]
ولابن المعتز أشعار رائقة وتشبيهات بديعة، فمن ذلك قوله:
سقى المطيرة ذات الظلّ والشجر ... ودير عبدون هطّال من المطر
فطالما نبّهتني للصّبوح بها ... في غرّة الفجر والعصفور لم يطر
أصوات رهبان دير في صلاتهم ... سود المدارع نعّارين في السّحر
مزنّرين على الأوساط قد جعلوا ... على الرؤوس أكاليلا من الشّعر
كم فيهم من مليح الوجه مكتحل ... بالسحر يطبق جفنيه على حور
لاحظته بالهوى حتّى استقاد له ... طوعا وأسلفني الميعاد بالنّظر
وجاءني في قميص اللّيل مستترا ... يستعجل الخطو من خوف ومن حذر
فقمت [3] أفرش خدّي في الطريق له ... ذلّا وأسحب أذيالي [4] على الأثر
ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قد قدّت من الظّفر
وكان ما كان ممّا لست أذكره ... فظنّ خيرا ولا تسأل عن الخبر
وله في الخمر المطبوخة، وهو معنى بديع، وفيه دلالة على أنه كان حنفي المذهب:
خليلي قد طاب الشّراب المورّد ... وقد عدت بعد النّسك والعود أحمد
فهات [5] عقارا في قميص زجاجة ... كياقوتة في درّة تتوقّد
__________
[1] في الأصل، والمطبوع، و «وفيات الأعيان» ، و «فوات الوفيات» : من «ميت» وأثبت لفظ «تاريخ بغداد» ، و «معاهد التنصيص» .
[2] البيتان في «تاريخ بغداد» للخطيب (10/ 101) ، و «فوات الوفيات» لابن شاكر (2/ 240) ، و «معاهد التنصيص» للعباسي (2/ 43- 44) .
[3] في «خزانة الأدب» للبغدادي (11/ 52) : «فبتّ» .
[4] في «خزانة الأدب» : «أكمامي» .
[5] في «وفيات الأعيان» : «فهاتا» .

(3/408)


يصوغ عليها الماء شبّاك فضّة ... له حلق بيض تحلّ وتعقد
وقتني من نار الجحيم بنفسها ... وذلك من إحسانها ليس يجحد [1]
وكان ابن المعتز شديد السمرة، مسنون الوجه يخضّب بالسواد.
ورأيت في بعض المجاميع، أن عبد الله بن المعتز كان يقول: أربعة من الشعراء سارت أسماؤهم بخلاف أفعالهم، فأبو العتاهية سار شعره بالزهد، وكان على الإلحاد، وأبو نواس سار شعره باللواط وكان أزنى من قرد، وأبو حكيمة الكاتب سار شعره بالعنّة وكان أهبّ من تيس، ومحمد بن حازم سار شعره بالقناعة، وكان أحرص من كلب. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
وفي سنة ست وتسعين، وصل إلى مصر أمير إفريقية زيادة الله بن الأغلب [2] ، هاربا من المهدي عبيد الله وداعية أبي عبد الله الشيعي، فتوجّه [3] إلى العراق.
وفيها أحمد بن حمّاد بن مسلم، أخو عيسى زغبة التجيبيّ بمصر، في جمادى الأولى. روى عن سعيد بن أبي مريم، وسعيد بن عفير، وطائفة، وعمّر أربعا وتسعين سنة.
__________
[1] الأبيات في «وفيات الأعيان» (3/ 79) .
[2] هو زيادة الله بن أبي العبّاس عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب الأغلبي، أبو مضر، آخر أمراء الدولة الأغلبية بتونس، ولد ونشأ بتونس، وكان ميّالا إلى اللهو، وولّاه أبوه إمارة صقلية، فعكف على لذّاته، فعزله عنها وسجنه، فدسّ لأبيه ثلاثة من خصيان الصقالبة، فقتلوه، ونادوا بزيادة الله أميرا على إفريقية، فتولاها سنة (290) ، وقتل الخصيان الثلاثة. وفتك بمن قدر عليه من أعمامه وإخوته، وعاد إلى ملازمة الندماء، فأهمل شؤون الملك، فاستفحل أمر الثائر أبي عبد الله الشيعي، فصبر له زيادة الله ودافعه زمنا إلى أن يئس من الظفر، وكان مقيما برقّادة، فجمع أهله وماله وفرّ من إفريقية سنة (296) فنزل بمصر، ثم قصد بغداد، فمرّ بالرّقّة، فاستوقفه الوزير ابن الفرات مدة، واستأذن فيه المقتدر العباسي، فأمر بردّه إلى المغرب، فعاد إلى مصر، فمرض، فقصد بيت المقدس فمات بالرملة سنة (304) وانقرضت به دولة الأغالبة في إفريقية، وهو ثالث من سمّي «زيادة الله» من الأغالبة. عن «الأعلام» للزركلي (3/ 56) وانظر مصادر ترجمته فيه.
[3] في «العبر» (2/ 111) : «فوجّه» .

(3/409)


وفيها أحمد بن نجدة الهرويّ [1] المحدّث. روى عن سعيد بن منصور وطائفة.
وفيها أحمد بن يحيى الحلوانيّ، أبو جعفر، الرّجل الصالح ببغداد.
سمع أحمد بن يونس، وسعدويه، وكان من الثقات.
وأحمد بن يعقوب، أبو المثنى القاضي، أحد من قام في خلع المقتدر تديّنا، ذبح صبرا.
وخلف بن عمرو العكبريّ، محتشم نبيل، ثقة. روى عن الحميديّ، وسعيد بن منصور.
وفيها أبو حصين الوادعيّ [2]- بكسر المهملة ثم مهملة نسبة إلى وادعة بطن من همدان- وهو القاضي محمد بن الحسين بن حبيب، في رمضان، صنّف «المسند» ، وكان من حفّاظ الكوفة الثقات، روى عن أحمد بن يونس وأقرانه.
وفيها محمد بن داود الكاتب، أبو عبد الله، الأخباريّ العلّامة، صاحب المصنفات. كان أوحد أهل زمانه في معرفة أيام النّاس. أخذ عن عمر بن شبّة [3] وغيره، وقتل في فتنة ابن المعتز.
__________
[1] ذكره المزّي في «تهذيب الكمال» (1/ 505) مصورة دار المأمون للتراث، فيمن روى عن سعيد بن منصور.
[2] أقول: الذي في «القاموس المحيط» : «أبو الحصين الوداعي» وكذلك في «اللباب في تهذيب الأنساب» الوداعي. (ع) .
[3] في الأصل، والمطبوع: «عمرو بن شيبة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 112- 113) وغيره.

(3/410)


سنة سبع وتسعين ومائتين
قال ابن الجوزي في «الشذور» : قال ثابت بن سنان المؤرّخ: رأيت في بغداد امرأة بلا ذراعين، ولا عضدين، ولها كفّان بأصابع معلقات برأس [1] كتفيها، لا تعمل بهما شيئا، وكانت تعمل أعمال اليدين برجليها، ورأيتها تغزل برجليها، وتمدّ الطاقة وتسوّيها. انتهى.
وفيها عبيد بن غنّام بن حفص بن غياث الكوفيّ، أبو محمد، راوية أبي بكر بن أبي شيبة، وكان محدّثا، صدوقا، خيّرا. روى عن جبارة بن المغلّس وطبقته.
وفيها محمد بن أحمد بن أبي خيثمة، زهير بن حرب، أبو عبد الله، الحافظ ابن الحافظ ابن الحافظ.
قال محمد بن كامل: ما رأيت أحفظ من أربعة، أحدهم: محمد بن أحمد بن أبي خيثمة، وكان أبوه يستعين به في تصنيف «التاريخ» . سمع أبا حفص الفلّاس وطبقته، ومات في عشر السبعين.
وفيها عمرو [2] بن عثمان أبو عبد الله المكّيّ الزاهد، شيخ الصوفية وصاحب التصانيف في الطريق. صحب أبا سعيد الخرّاز، والجنيد. وروى عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة.
__________
[1] في المطبوع: «في رأس» .
[2] في الأصل: «عمر» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.

(3/411)


قال السخاويّ في «طبقاته» : عمرو بن عثمان بن كرب بن غصص المكّيّ، أبو عبد الله، كان ينتسب إلى الجنيد، وكان قريبا منه في السن والعلم، وكان أحد الأعيان، ولما ولي قضاء جدّة، هجره الجنيد، فجاء إلى بغداد وسلّم عليه، فلم يجبه، فلما مات حضر الجنيد جنازته ولم يصل عليه إماما.
ومن كلامه: اعلم أن كل ما توهمه قلبك من حسن، أو بهاء، أو أنس، أو ضياء، أو جمال أو شبح، أو نور، أو شخص، أو خيال، فالله بعيد من ذلك كله، بل هو أعظم وأجلّ وأكبر، ألا تسمع إلى قوله عزّ وجلّ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ 42: 11 [الشورى: 11] .
وقال: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ 112: 3- 4 [الإخلاص:
3- 4] [1] .
وقال: المروءة التغافل عن زلل الإخوان، وقال: لا يقع على كيفية الوجد عبارة لأنه سرّ الله عند المؤمنين الموقنين. انتهى ملخصا.
وفيها محمد بن داود بن علي الظّاهريّ، الفقيه، أبو بكر، أحد أذكياء زمانه، وصاحب كتاب «الزّهرة» تصدّر للاشتغال [2] ، والفتوى ببغداد بعد أبيه، وكان يناظر أبا العبّاس بن سريج، وله شعر رائق، وهو ممّن قتله الهوى، وله نيّف وأربعون سنة. قاله في «العبر» [3] .
وفيها مطيّن، وهو الحافظ أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرميّ الكوفيّ [4] ، في ربيع الآخر بالكوفة، وله خمس وتسعون سنة،
__________
[1] ذكر أبو نعيم هذا الأثر عنه في «حلية الأولياء» (10/ 291) برواية أخرى فراجعه.
[2] في الأصل، والمطبوع: «للاشغال» وأثبت ما في «العبر» للذهبي.
[3] (2/ 114) .
[4] لفظة «الكوفي» لم ترد في الأصل، و «العبر» للذهبي، وأثبتها من المطبوع.

(3/412)


دخل على أبي نعيم، وروى عن أحمد بن يونس وطبقته.
قال الدارقطنيّ: ثقة جبل.
وقال في «الإنصاف» : نقل عن الإمام أحمد مسائل حسانا جيادا.
وفيها محمد بن عثمان بن أبي شيبة، الحافظ ابن الحافظ، أبو جعفر العبسيّ الكوفيّ، نزيل بغداد، في جمادى الأولى، وهو في عشر التسعين.
روى الكثير عن أبيه، وعمّه، وأحمد بن يونس، وخلق، وله تاريخ كبير، وثّقه صالح جزرة، وضعفه الجمهور.
وأما ابن عدي فقال: لم أر له حديثا منكرا فأذكره.
قال ابن ناصر الدّين: كذّبه عبد الله بن الإمام أحمد، وضعّفه آخرون، وقال بعضهم: هو عصا موسى تتلقف ما يأفكون. انتهى.
وفيها موسى بن إسحاق بن موسى الأنصاريّ الخطميّ- بالفتح والسكون نسبة إلى بني خطمة، بطن من الأنصار- القاضي، أبو بكر، الفقيه الشافعيّ بالأهواز، وله سبع وثمانون سنة. ولي قضاء نيسابور وقضاء الأهواز، وحدّث عن أحمد بن يونس وطائفة، وهو آخر من حدّث عن قالون [1] .
صاحب نافع القارئ، وكان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في القضاء، وثّقه ابن أبي حاتم، وقطع ابن ناصر الدّين بتوثيقه.
قال الإسنويّ: وكان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في القضاء، حتّى إن الخليفة أوصى وزيره به وبالقاضي إسماعيل، وقال: بهما يدفع البلاء عن أهل الأرض، وكان كثير السماع. سمع أحمد بن حنبل وغيره، وكان لا يرى متبسما قطّ، فقالت له يوما امرأته: لا يحلّ لك أن تحكم بين النّاس،
__________
[1] هو عيسى بن مينا بن وردان الزرقي، تقدّمت ترجمته في ص (97) من هذا المجلد فراجعها هناك.

(3/413)


فإن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «لا يحلّ للقاضي أن يقضيّ وهو غضبان» [1] فتبسم.
انتهى ملخصا.
وفيها يوسف بن يعقوب، القاضي أبو محمد الأزديّ، ابن عمّ إسماعيل القاضي، ولي قضاء البصرة وواسط، ثم ولي قضاء الجانب الشرقي [2] ، وولد سنة ثمان ومائتين، وسمع في صغره من مسلم بن إبراهيم، وسليمان بن حرب وطبقتهما، وصنّف «السّنن» وكان حافظا، ديّنا، عفيفا، مهيبا.
وقال ابن ناصر الدّين: ثقة.
__________
[1] رواه أحمد في «المسند» (5/ 37) ، وابن ماجة رقم (2316) بلفظ «لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان» . ورواه البخاري رقم (7158) في الأحكام: باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان، بلفظ «لا يقضينّ حكم بين اثنين وهو غضبان» ومسلم رقم (1717) في الأقضية، باب كراهة قضاء القاضي وهو غضبان، وأبو داود رقم (3589) بلفظ «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» ، ورواه الترمذي رقم (1334) كلهم من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
[2] يعني الجانب الشرقي من مدينة بغداد.

(3/414)


سنة ثمان وتسعين ومائتين
فيها ولي الحسين بن حمدان ديار بكر [1] ، وربيعة.
وفيها خرج على عبيد الله المهدي، داعياه: أبو عبد الله الشيعي، وأخوه أبو العبّاس، وجرت لهما معه وقعة هائلة، وذلك في جمادى الآخرة، فقتل الداعيان وأعيان جندهما، وصفا الوقت لعبيد الله، فعصى عليه أهل طرابلس، فجهّز لحربهم ولده القائم أبا القاسم، فأخذها بالسيف في سنة ثلاثمائة.
وفيها توفي أبو العبّاس أحمد بن مسروق الطّوسيّ الزاهد، ببغداد، في صفر، وكان من سادات الصوفية ومحدّثيهم. روى عن علي بن الجعد، وابن المديني، وجمع وصنّف، وهو من رجال «الرسالة القشيرية» [2] وصحب المحاسبيّ، والسقطي، ومحمد بن منصور الفارسي، وغيرهم.
وقال جعفر الخلديّ: سألته عن مسألة في العقل، فقال: يا أبا محمد، من لم يحترز بعقله من عقله لعقله، هلك بعقله.
__________
[1] ديار بكر: بلاد كبيرة واسعة، تنسب إلى بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معدّ بن عدنان، تقع الآن في الجنوب الأوسط من تركية المعاصرة، ينسب إليها من المحدّثين عمر بن علي بن حسن الديار بكري. انظر خبرها في «معجم البلدان» (2/ 494) .
[2] (1/ 169) وبهامشها «نتائج الأفكار القدسية في بيان شرح الرسالة القشيرية» للعروسي.

(3/415)


وقال: الزاهد الذي لا يملك مع الله سببا.
وقال: لا يصلح السماع إلا لمذبوح النفس، محترق الطبع، ممحق الهوى، صافي السرّ، طاهر القلب، عالي الهمّة، دائم الوجد، تام العلم، كامل العقل، قوي الحال، وإلا خسر من حيث يلتمس الربح، وضلّ من حيث يطلب الهدى، وهلك بما يرجو به النجاة، وليس في علوم التصوّف علم ألطف ولا في طرقه طريق أدقّ من علم السماع، وطريق أهله فيه.
وقال: كثرة النظر في الباطن تذهب بمعرفة الحق من القلب.
وتوفي في صفر، وله أربع وثمانون سنة، ودفن في مقابر باب حرب بغداد.
وفيها قاضي الأنبار وخطيبها البليغ المصقع، أبو محمد، بهلول بن إسحاق بن بهلول بن حسّان التنوخيّ- نسبة إلى تنوخ قبائل أقاموا بالبحرين- كان ثقة صاحب حديث. سمع بالحجاز سعيد بن منصور وإسماعيل بن أويس.
وفيها شيخ الصوفية، تاج العارفين، أبو القاسم، الجنيد بن محمد القواريريّ الخزّاز- بالزاي المكررة- صحب خاله السّريّ، والمحاسبيّ، وغيرهما من الجلّة، وصحبه أبو العبّاس بن سريج، وكان إذا أفحم مناظريه قال: هذا من بركة مجالستي للجنيد، وأصل الجنيد من نهاوند، ونشأ بالعراق، وتفقّه على أبي ثور، وقيل: كان على مذهب سفيان الثوري، وكان يقول: من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسّنّة.
وقال له خاله: تكلم على النّاس فاستصغر نفسه، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمره بذلك، فلما جلس لذلك جاءه غلام نصراني وقال: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:

(3/416)


«اتّقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» [1] فأطرق ساعة، ثم رفع رأسه وقال له: أسلم فقد حان وقت إسلامك، فأسلم الغلام.
ولما صنّف عبد الله بن سعيد بن كلاب كتابه الذي ردّ فيه على جميع المذاهب، سأل عن شيخ الصوفية، فقيل له: الجنيد، فسأله عن حقيقة مذهبه، فقال: مذهبنا إفراد القدم عن الحدث، وهجران الإخوان والأوطان، ونسيان ما يكون وما كان، فقال ابن كلاب: هذا كلام لا يمكن فيه المناظرة، ثم حضر مجلس الجنيد، فسأله عن التوحيد، فأجابه بعبارة مشتملة على المعارف، ثم قال: أعد عليّ لا بتلك العبارة، ثم استعاده الثالثة، فأعاده بعبارة أخرى، فقال: أمله عليّ، فقال: لو كنت أجرّده كنت أمليه، فاعترف بفضله.
وقال الكعبيّ المعتزليّ لبعض الصوفية: رأيت لكم ببغداد شيخا يقال له: الجنيد، ما رأت عينيّ مثله، كان الكتبة يحضرونه لألفاظه، والفلاسفة لدقة كلامه، والشعراء لفصاحته، والمتكلمون لمعانيه، وكلامه ناء عن فهمهم.
وسئل السّريّ عن الشكر؟ والجنيد صبي يلعب، فأجاب الجنيد: هو أن لا يستعين بنعمه على معاصيه.
وسئل الجنيد عن العارف؟ فقال: من نطق عن سرّك وأنت ساكت.
وقال الجنيد: ما انتفعت بشيء انتفاعي بأبيات سمعتها، قيل: وما هي؟
قال: مررت بدرب القراطيس، فسمعت جارية تغني من دار، فأنصت لها، فسمعتها تقول:
__________
[1] رواه الترمذي رقم (3127) في التفسير: باب ومن سورة الحجر، وفي سنده عطية العوفي وهو ضعيف، وذكره السخاوي في «المقاصد الحسنة» ص (19) والسيوطي في «الدرّ المنثور» ونسباه لجمهرة من الأئمة الحفّاظ في مصنفات مختلفة.

(3/417)


إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلى ... تقولين لولا الهجر لم يطب الحبّ
وإن قلت هذا القلب أحرقه الهوى ... تقولي بنيران الهوى شرف القلب
وإن قلت ما أذنبت قالت مجيبة ... وجودك [1] ذنب لا يقاس به ذنب [2]
فصعقت وصحت، فبينما أنا كذلك، إذا بصاحب الدار قد خرج، وقال: ما هذا يا سيدي؟ فقلت له: مما سمعت، فقال: هي هبة منّي إليك، قلت: قد قبلتها وهي حرّة لوجه الله تعالى، ثم دفعتها لبعض أصحابنا بالرّباط [3] ، فولدت له ولدا نبيلا.
ونشأ الجنيد أحسن نشء، وحجّ على قدميه ثلاثين حجّة.
وقال الجريريّ: كنت واقفا على رأس الجنيد في وقت وفاته، وكان يوم جمعة، ويوم نيروز الخليفة، وهو يقرأ القرآن، فقلت له: يا أبا القاسم، ارفق بنفسك. فقال لي: يا أبا محمد، أرأيت أحدا أحوج إليه منّي في هذا الوقت، وهو ذا تطوى صحيفتي، وكان قد ختم القرآن الكريم، ثم بدأ بالبقرة، فقرأ سبعين آية، ثم مات رحمه الله تعالى.
ومناقبه كثيرة، ولو أرسلنا عنان القلم لسوّدنا أسفارا من مناقبه، رضي الله عنه، ودفن بالشونيزية عند خاله سري السقطي، رضي الله عنهما.
وفيها العلّامة أبو يحيى زكريا بن يحيى النيسابوريّ المزكّيّ، شيخ الحنفية، وصاحب التصانيف بنيسابور في ربيع الآخر، وقد ناهز الثمانين.
روى عن إسحاق بن راهويه وجماعة، وكان ذا عبادة وتقى.
وفيها الزاهد الكبير، أبو عثمان الحيريّ، سعيد بن إسماعيل، شيخ نيسابور. وواعظها، وكبير الصوفية بها، في ربيع الآخر، وله ثمان وستّون
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «حياتك» .
[2] الأبيات في «وفيات الأعيان» (1/ 374) .
[3] الرباط: المرابطة وهي ملازمة ثغر العدو. انظر «مختار الصحاح» (ربط) .

(3/418)


سنة. صحب العارف أبا حفص النيسابوري، وسمع بالعراق من حميد بن الربيع، وكان كبير الشأن، مجاب الدعوة. قاله في «العبر» [1] .
وقال السّلميّ في «التاريخ» [2] هو رازيّ الأصل، ذهب إلى شاه الكرماني، ووردا جميعا إلى نيسابور زائرين لأبي حفص، ونزلا محلة الحيرة في دار علكان، وأقاما بها أياما، فلما أراد الشاه الخروج، خرجا جميعا إلى قرية أبي حفص على باب مدينة نيسابور، وهي قرية تسمى كورداباذ [3] ، فقال أبو حفص لأبي عثمان: إن كان الشاه يرجع إلى طاعة أبيه، فأنت إلى أين تذهب، فنظر أبو عثمان إلى الشاه، فقال الشاه: أطع الشيخ، فرجع مع أبي حفص إلى نيسابور، وخرج الشاه وحده.
وقال أبو عثمان: صحبت أبا حفص وأنا شاب، فطردني مرّة وقال: لا تجلس عندي، فقمت من عنده، ولم أولّ ظهري عليه، وانصرفت أمشي إلى وراء، ووجهي إلى وجهه، حتّى غبت عنه، وجعلت في نفسي أن أحفر على بابه حفرة وأدخل فيها ولا أخرج منها إلا بأمره، فلما رأى ذلك منّي أدناني، وقرّبني، وجعلني من خواصّ أصحابه.
وقال أبو عمرو بن نجيد [4] : في الدّنيا ثلاثة لا رابع لهم: أبو عثمان بنيسابور، والجنيد ببغداد، وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام.
ومن كلامه: من أمّر السّنّة على نفسه قولا وفعلا، نطق بالحكمة، ومن
__________
[1] (2/ 117) .
[2] وهو كتابه «تاريخ الصوفية» وهو مخطوط لم ينشر بعد. انظر مقدمة الأستاذ نور الدّين شريبة لكتابه «طبقات الصوفية» ص (34) .
[3] في الأصل، والمطبع: «كوزذاباذ» وهو خطأ، والتصحيح من «طبقات الصوفية» ص (115) و «معجم البلدان» (4/ 489) .
[4] هو إسماعيل بن نجيد السلمي، أبو عمرو، وسوف ترد ترجمته في المجلد الرابع من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.

(3/419)


أمّر الهوى على نفسه نطق بالبدعة، لأن الله تعالى يقول: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا 24: 54 [النور: 54] .
وقال: موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم.
ودفن بنيسابور في مقبرة الحيرة على الشارع مع قبر أستاذه أبي حفص.
وفيها فقيه قرطبة، ومسند الأندلس، أبو مروان عبيد الله بن الإمام، يحيى بن يحيى اللّيثيّ، في عاشر رمضان، وكان ذا حرمة عظيمة وجلالة.
روى عن والده «الموطأ» وحمل عنه بشر كثير.
وفيها محمد بن يحيى بن سليمان، أبو بكر المروزيّ، في شوّال ببغداد. روى عن عاصم بن علي، وأبي عبيد.
وفيها محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعيّ، أبو العبّاس الأمير ببغداد، ودفن عند عمّه محمد بن عبد الله. سمع من إسحاق بن راهويه وغيره، وولي إمرة خراسان بعد والده، سنة ثمان وأربعين وهو شاب، ثم خرج عليه يعقوب الصّفّار وحاربه، وأسره يعقوب في سنة تسع وخمسين، ثم خلّص من أسره سنة اثنتين وستين، ثم بقي خاملا إلى أن مات.

(3/420)


سنة تسع وتسعين ومائتين
فيها قبض المقتدر على الوزير ابن الفرات، ونهبت دوره، ووقع النهب والخبطة في بغداد.
وفيها توفي شيخ نيسابور، أبو عمرو أحمد بن نصر الخفّاف، الزّاهد الحافظ. سمع إسحاق بن راهويه وجماعة.
قال الضّبعيّ: كنّا نقول: إنه يفي بمذاكرة مائة [1] ألف حديث.
وقال ابن خزيمة، يوم وفاته: لم يكن بخراسان أحفظ للحديث منه.
وقال يحيى العنبري: لمّا كبر أبو عمرو، وأيس من الولد، تصدّق بأموال يقال: قيمتها خمسون ألفا [2] .
وقال ابن ناصر الدّين: أحمد بن نصر بن إبراهيم الخفّاف النيسابوري، أبو عمرو، الحافظ الملقب بزين الأشراف، وكان طوّافا حافظا، صائم الدهر، كثير البرّ، تصدّق حين كبر بأموال لها شأن. انتهى.
وقال العلّامة ابن ناصر الدّين في «بديعته» :
ثمّ احمد بن نصر الخفّاف ... صالحهم راوية طوّاف
__________
[1] في «العبر» : «ثلاث مائة» وما في كتابنا موافق لما عند الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (13/ 561) ، و «تذكرة الحفّاظ» (2/ 655) .
[2] في «سير أعلام النبلاء» ، و «تذكرة الحفّاظ» : «يقال: إن قيمتها خمسة آلاف ألف درهم» .

(3/421)


ومثله عليّك ذاك عليّ ... فتى سعيد بن بشير أجمل
وقال في «شرحها» : عليك هو علي بن سعيد بن بشير بن مهران، أبو الحسين الرّازي. كان حافظا لم يكن بذاك، وكان والي قرية بمصر. انتهى.
وقال في «المغني» [1] : قال الدارقطني: ليس بذاك، تفرّد بأشياء.
انتهى.
وأبو الحسن، محمد بن أحمد بن كيسان البغداديّ النحويّ، صاحب التصانيف في القراءات، والغريب، والنحو. كان أبو بكر بن مجاهد يعظّمه ويقول: هو أنحى من الشيخين، يعني ثعلبا والمبرد، توفي في ذي القعدة.
ومحمد بن يزيد بن عبد الصّمد المحدّث، أبو الحسن. روى عن صفوان بن صالح وطبقته، وكان صدوقا.
وفيها محمد بن يحيى، المعروف بحامل كفنه.
قال ابن الجوزي في «الشذور» : كان قد حدّث عن أبي بكر بن أبي شيبة، أخبرنا أبو منصور القزّاز، أخبرنا أبو بكر الخطيب، قال: بلغني أن المعروف بحامل كفنه، توفي، وغسّل، وصلّي عليه، ودفن، فلما كان الليل جاءه نبّاش فنبش عنه، فلما أحلّ أكفانه ليأخذها، استوى قاعدا، فهرب النبّاش، فقام وحمل كفنه، وجاء إلى منزله وأهله يبكون، فطرق الباب، فقالوا: من هذا؟ قال: أنا فلان، فقالوا: يا هذا لا يحلّ لك أن تزيدنا على ما بنا، فقال: يا قوم افتحوا فأنا والله فلان، فعرفوا صوته، ففتحوا، فعاد حزنهم فرحا، وسمّي حامل كفنه.
ومثل هذا، سعيد بن الخمس الكوفيّ، فإنه لما دلّي في قبره اضطرب، فحلّت عنه الأكفان، فقام ورجع إلى منزله، وولد له بعد ذلك ابنه مالك. انتهى ما ذكره ابن الجوزي في «الشذور» .
__________
[1] (2/ 448) .

(3/422)


سنة ثلاثمائة
قال في «الشذور» أيضا: فيها كثرت الأمراض ببغداد في النّاس، وكلبت الكلاب [1] والدواب في البادية، وكانت تطلب النّاس والدواب، فإذا عضّت إنسانا هلك. انتهى.
وفيها توفي صاحب الأندلس، أبو محمد، عبد الله بن محمد بن عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرّحمن بن معاوية الأمويّ المروانيّ، في ربيع الآخر، وكانت دولته خمسا وعشرين سنة. ولي بعد أخيه المنذر في سنة خمس وسبعين، وكان ذا صلاح، وعبادة، وعدل، وجهاد، يلتزم الصلوات في الجامع، وله غزوات كبار، أشهرها غزوة ابن حفصون، وكان ابن حفصون قد نازل حصن بلي [2] في ثلاثين ألفا، فخرج عبد الله من قرطبة في أربعة عشر ألفا، فالتقيا، فانكسر ابن حفصون، وتبعه عبد الله يأسر ويقتل، حتّى لم ينج منهم أحد، وكان ابن حفصون من الخوارج، وولي
__________
[1] قال ابن منظور: كلب الكلب، واستكلب: ضري وتعوّد أكل الناس. «لسان العرب» (كلب) .
[2] كذا في الأصل، والمطبوع، و «سير أعلام النبلاء» ، و «العبر» للذهبي، وفي كتاب «دول الإسلام في الأندلس» للأستاذ محمد عبد الله عنان: «بلاي» وقد علق في الحاشية بقوله: هي بالإسبانية (بولي) أو (بلي) وما يزال موقعها قائما معروفا إلى اليوم تحتله قرية أجيلار الحديثة الواقعة جنوبي قرطبة.

(3/423)


الأندلس بعده حفيده الناصر لدين الله، عبد الرّحمن بن محمد بن عبد الله، فبقي في الإمرة خمسين عاما.
وفيها أبو الحسن علي بن سعيد العسكريّ الحافظ، أحد أركان الحديث، روى عن محمد بن بشّار وطبقته، وتوفي بخراسان.

(3/424)


تمّ المجلد الثالث من كتاب «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» للإمام ابن العماد الحنبلي، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وكان الفراغ من تحقيقه والتعليق عليه في ظهيرة يوم الثلاثاء التاسع من شهر جمادى الآخرة لعام (1407) هـ، ونسأل الله عزّ وجلّ أن يعيننا على إتمام تحقيق بقية مجلداته بفضله وكرمه، إنه خير مسؤول.
محمود الأرناؤوط

(3/425)