شذرات الذهب في أخبار من ذهب
[المجلد
الرابع]
سنة إحدى وثلاثمائة
فيها أدخل الحلّاج بغداد مشهورا على جمل، وعلّق مصلوبا، ونودي عليه [1]
: هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه، ثم حبس وظهر أنه ادّعى الإلهية،
وصرّح بحلول اللّاهوت في الأشراف [2] وكانت مكاتباته تنبئ بذلك،
فاستمال أهل الحبس بإظهار السّنّة، فصاروا يتبركون به. قاله في «العبر»
[3] .
وفيها كما قال العلّامة ابن ناصر الدّين في «بديعته» [4] :
وبكر بن أحمد بن مقبل ... أفاد شأن الأثر المبجّل
وتسعة مثاله ذا أحمد ال ... برديجي البردعي [5] والمسند
محمد بن مندة فسلم ... كذا فتى العبّاس نجل الأخرم
مثل فتى ناجية ذا البربري ... كالفريابي الدّينوريّ جعفر
شبه الحسين ذا فتى إدريس ... مثل الهسنجاني الرضى الرئيس
والهروي محمد ذا السّامي ... كالفرهياني العارف الإمام
فأما الأول، فهو: بكر بن أحمد بن مقبل، البصريّ الحافظ الثبت
__________
[1] لفظة «عليه» لم ترد في «العبر» للذهبي.
[2] في «العبر» : «بحلول اللاهوت في الناسوت» ، والناسوت تعني «الناس»
في السريانية. انظر «المنجد في اللغة» (نست) .
[3] (2/ 122- 123) .
[4] في الأصل: «بديعيته» وأثبت ما في المطبوع.
[5] في الأصل: «البرذعي» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/
124) ، وانظر «الأنساب» للسمعاني (2/ 140) .
(4/5)
المجود. روى عن عبد الله بن معاوية الجمحيّ
وطبقته.
وأما الثاني فهو: أحمد بن هارون بن روح أبو بكر البردعيّ [1] ، نزيل
بغداد. كان من الثقات الأخيار ومشاهير علماء الأمصار.
وأما الثالث فهو: محمد بن يحيى بن إبراهيم مندة [2] بن الوليد بن سندة
بن بطة بن استندار، واسمه فيرازان بن جهاربخت العبديّ، مولاهم،
الأصبهانيّ، أبو عبد الله، جدّ الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق. روى
عن لوين، وأبي كريب، وخلق. وحدّث عنه الطبرانيّ وغيره، وكان من الثقات.
قال أبو الشيخ: كان أستاذ شيوخنا وإمامهم.
وقيل: إنه كان يجاري أحمد بن الفرات وينازعه.
وأما الرابع، فهو محمد بن العبّاس بن أيوب بن الأخرم، أبو جعفر
الأصبهانيّ، كان حافظا، نبيها، محدّثا، فقيها.
وأما الخامس، فهو عبد الله بن محمد بن ناجية بن نجية، أبو محمد
البربريّ البغداديّ، كان حافظا مسندا. صنف مسندا في مائة واثنين [3]
وثلاثين جزءا.
وأما السادس، فهو جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض التركيّ، أبو بكر
الفريابيّ، قاضي الدّينور. كان إماما حافظا علامة من النقادين، وهو
صاحب التصانيف. رحل من بلاد التّرك إلى مصر، وعاش أربعا وتسعين سنة،
وكان من أوعية العلم. روى عن علي بن المديني، وأبي جعفر النّفيلي
وطبقتهما، وأول سماعه سنة أربع وعشرين ومائتين.
قال ابن عدي: كنّا نحضر مجلسه وفيه عشرة آلاف أو أكثر.
__________
[1] انظر التعليق رقم (5) في الصفحة السابقة.
[2] يعني أن اسمه «إبراهيم» وعرف ب «مندة» . انظر «تذكرة الحفاظ» (2/
741) .
[3] في الأصل: «واثنتين» وأثبت ما في المطبوع.
(4/6)
وأما السابع، فهو الحسين بن إدريس بن
المبارك بن الهيثم الأنصاريّ الهرويّ، أبو علي بن حزم. وثقه
الدارقطنيّ، وجزم ابن ناصر الدّين بتوثيقه، وكان حافظا من المكثرين.
رحل وطوّف وصنف، وروى عن سعيد بن منصور، وسويد بن سعيد، وخلق.
وأما الثامن، فهو إبراهيم بن يوسف بن خالد بن إسحاق الرّازيّ
الهسنجانيّ- بكسر الهاء والمهملة، وسكون النون الأولى، وجيم، نسبة إلى
هسنجان قرية بالرّيّ [1]- كان إماما، عالما، محدّثا، ثقة.
وأما التاسع، فهو محمد بن عبد الرّحمن الهرويّ السّاميّ الحافظ، في ذي
القعدة. طوّف، ورحل، وروى عن أحمد بن حنبل، وأحمد بن يونس، والكبار،
ويكنى أبا أحمد، ويقال: أبا عبد الله.
وأما العاشر، فهو عبد الله بن محمد بن سيّار الفرهيانيّ، ويقال:
الفرهاذانيّ، كان عالما خيّرا من الأثبات.
وفيها، وجزم صاحب «العبر» [2] وغيره، أنه في التي قبلها [3] أحمد بن
يحيى بن الرّاونديّ الملحد، لعنه الله، ببغداد، وكان يلازم الرافضة
والزنادقة.
قال ابن الجوزي: كنت أسمع عنه بالعظائم حتّى رأيت في كتبه ما لم يخطر
على قلب أنه يقوله عاقل، فمن كتبه كتاب «نعت الحكمة» وكتاب «قضيب
الذهب» وكتاب «الزمردة» .
وقال ابن عقيل: عجبي كيف لم يقتل وقد صنّف «الدامغ» [4] يدمغ به
__________
[1] قلت: وتقع في الغرب الأوسط من إيران الآن. انظر خبرها في «معجم
البلدان» (5/ 406) وقد ضبطها ياقوت فيه بفتح السين.
[2] (2/ 122) .
[3] قلت: وجزم الزركلي في «الأعلام» (1/ 267) بأنه مات سنة (298) هـ.
[4] في الأصل: «الدابغ» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
(4/7)
القرآن، و «الزمردة» يزري بها على النبوات.
قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن الأهدل ما ملخصه: له مقالات في علم الكلام، وينسب إليه
الإلحاد، وله مائة وبضعة عشر كتابا، وله كتاب «نصيحة المعتزلة» ردّ فيه
عليهم، وأصحابنا ينسبونه إلى ما هو أصل من مذهبهم، عاش نحوا من أربعين
سنة- وراوند قرية من قرى قاسان بالمهملة من نواحي أصبهان [2]- قيل: وهو
الذي لقّن اليهود القول بعدم نسخ شريعتهم، وقال لهم: قولوا: إن موسى
أمرنا أن نتمسك بالسبت ما دامت السماوات والأرض، ولا تأمر الأنبياء إلا
بما هو حق. انتهى.
والعجب من ابن خلّكان كيف يترجمه [3] ترجمة العلماء ساكتا عن عواره مع
سعة اطلاع ابن خلّكان ووقوفه على إلحاده، وقد اعترض جماعات كثيرة على
ابن خلّكان من أجل ذلك، حتّى قال العماد بن كثير [4] : هذا على عادته،
من تساهله وغضّه عن عيوب مثل هذا الشقي، والله أعلم.
وفيها، أو في التي قبلها، كما جزم به في «العبر» [5] حيث قال:
محمد بن أحمد بن جعفر الكوفيّ أبو العلاء الذّهلي الوكيعيّ بمصر، عن ست
وتسعين سنة، روى عن علي بن المديني وجماعة.
__________
[1] (2/ 122) .
[2] انظر «الأنساب» للسمعاني (6/ 56) ، و «اللباب» لابن الأثير (2/ 11)
. وجاء في «معجم البلدان» لياقوت (3/ 19) : راوند: بليدة قرب قاشان
وأصبهان. وانظر تعليق العلّامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه
الله على «الأنساب» وانظر «معجم البلدان» لياقوت (4/ 295) ، و «وفيات
الأعيان» (1/ 94- 95) .
[3] في «وفيات الأعيان» (1/ 94 95) .
[4] انظر «البداية والنهاية» (11/ 113) وقد نقل المؤلف كلامه وزاد
عليه.
[5] (2/ 121) .
(4/8)
وفيها محمد بن الحسن بن [موسى بن] [1]
سماعة الحضرميّ الكوفيّ في جمادى الأولى.
ومحمد بن جعفر القتّات الكوفي أبو عمر [2] في جمادى الأولى أيضا.
رويا كلاهما على ضعف فيهما عن أبي نعيم [3] .
وفيها محمد بن جعفر الرّبعيّ البغداديّ، أبو بكر، المعروف بابن الإمام،
في آخر السنة بدمياط، وهو في عشر المائة. روى عن إسماعيل بن أبي أويس،
وأحمد بن يونس.
وفيها أبو الحسن مسدّد بن قطن [4] النيسابوري. روى عن جدّه لأمه بشر بن
الحكم وطبقته بخراسان والعراق.
قال الحاكم: كان مزنيّ عصره، والمقدّم في الزّهد والورع. انتهى.
فعدّ هؤلاء في الثلاثمائة.
وفيها- أي سنة إحدى وثلاثمائة- الحسن بن بهرام أبو سعيد الجنّابيّ
القرمطيّ صاحب هجر، قتله خادم له صقلبيّ راوده في الحمام، ثم خرج
فاستدعى رئيسا من خواص الجنابي، وقال: السيد يطلبك، فلما دخل قتله،
__________
[1] زيادة من «تهذيب الكمال» للمزّي (2/ 1097) مصورة دار المأمون
للتراث.
[2] في الأصل، والمطبوع: «أبو عمرو» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/
121) ، و «تهذيب الكمال» للمزّي (2/ 1097) و «لسان الميزان» (5/ 106) .
[3] يعني عمرو بن حماد التيمي الطلحي أبو نعيم، الملقب ب «الفضل بن
دكين» وقد تقدمت ترجمته في المجلد الثالث ص (93) ، وانظر ترجمته
الموسعة في «تهذيب الكمال» للمزّي (2/ 1096- 1098) مصوّرة دار المأمون
للتراث بدمشق.
[4] في الأصل، والمطبوع: «مسدّد بن فطن» ، وفي «العبر» للذهبي: «مسرّد
بن قطن» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تهذيب الكمال» للمزّي (4/ 116) طبع
مؤسسة الرسالة.
(4/9)
ثم دعا آخر كذلك، حتّى قتل أربعة، ثم صاح
النساء وتكاثروا على الخادم فقتلوه، وكان هذا الملحد قد تمكن وهزم
الجيوش، ثم هادنه الخليفة.
وفيها سار عبيد الله المهدي المتغلّب على المغرب في أربعين ألفا ليأخذ
مصر، حتّى بقي بينه وبين مصر أيام [1] ، ففجرت كبراء الخاصة النيل [2]
، فحال الماء بينهم وبين مصر، ثم جرت بينهم وبين جيش المقتدر حروب،
فرجع المهديّ إلى برقة، بعد أن ملك الإسكندرية، والفيّوم.
وفيها توفي أبو نصر أحمد بن الأمير إسماعيل بن أحمد السّامانيّ، صاحب
ما وراء النهر، قتله غلمانه، وتملك بعده ابنه نصر.
وفيها أبو بكر أحمد بن [محمد بن] [3] عبد العزيز بن الجعد البغداديّ
الوشّاء، الذي روى «الموطأ» عن سويد [4] .
وفيها المحدّث المعمّر [محمد] بن حبّان بن الأزهر أبو بكر الباهليّ
البصريّ القطّان، نزيل بغداد. روى عن أبي عاصم النبيل، وعمرو بن مرزوق،
وهو ضعيف.
وفيها الأمير علي بن أحمد الرّاسبيّ، أمير جنديسابور [5] ، والسوس،
وخلّف ألف فرس، وألف ألف دينار، ونحو ذلك.
وفيها- على ما قال ابن الأهدل- الوزير ابن الفرات، وكان عالما محبّا
للعلماء، وبسببه سار الإمام الدارقطنيّ من العراق إلى مصر، ولم يزل
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «أياما» والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 132)
.
[2] في «العبر» : «فانفجرت مخاضة النيل» .
[3] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 124) ، وانظر «تهذيب الكمال» ص (560)
مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق، و «سير أعلام النبلاء» (11/ 411) .
[4] يعني سويد بن سعيد الهروي الحدثاني.
[5] في الأصل والمطبوع: «جند سابور» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» (2/
127) وانظر «معجم البلدان» (2/ 170) .
(4/10)
عنده حتّى فرغ من تأليف «مسنده» وكان كثير
الإحسان إلى أهل الحرمين، واشترى بالمدينة دارا ليس بينها وبين الضريح
النبويّ إلّا جدار واحد ليدفن فيها، ولما مات حمل تابوته إلى مكة، ووقف
به في مواقف الحج، ثم إلى المدينة، وخرجت الأشراف إلى لقائه لسالف
إحسانه، ودفن حيث أمر، وقيل: دفن بالقرافة، رحمه الله تعالى [1] .
__________
[1] قلت: وقد ساق الخبر أيضا العامري في «غربال الزمان» ص (268) .
(4/11)
سنة اثنتين
وثلاثمائة
فيها عاد المهديّ ونائبه حباسة إلى الإسكندرية، فتمّت وقعة كبيرة، قتل
فيها حباسة، فردّ المهديّ إلى القيروان.
وفيها صادر المقتدر أبا عبد الله الحسين بن الجصّاص الجوهري وسجنه،
وأخذ من الأموال ما قيمته أربعة آلاف ألف دينار.
وأما أبو الفرج بن الجوزي فقال: أخذوا منه ما مقداره: ستة عشر ألف ألف
دينار، عينا، وورقا، وقماشا، وخيلا.
وقيل: كانت عنده ودائع عظيمة، لزوجة المعتضد قطر الندى بنت خمارويه.
وقال بعض الناس: رأيت سبائك الذهب والفضة [1] تقبّن بالقبّان من بيت
ابن الجصّاص.
وفيها أخذت طيء الركب العراقي، وتمزّق الوفد في البرية، وأسروا من
النساء مائتين وثمانين امرأة.
وفيها توفي العلّامة فقيه المغرب، أبو عثمان الحداد الإفريقيّ
المالكيّ، سعيد بن محمد بن صبيح، وله ثلاث وثمانون سنة. أخذ عن
__________
[1] لفظة «والفضة» لم ترد في «العبر» مصدر المؤلف في نقله.
(4/12)
سحنون وغيره، وبرع في العربية والنظر، ومال
إلى مذهب الشافعي، وأخذ يسمي «المدونة» المدوّدة، فهجره المالكية، ثم
أحبّوه لما قام على أبي عبد الله الشيعي وناظره ونصر السّنّة.
وفيها إبراهيم بن شريك الأسديّ الكوفيّ، صاحب أحمد بن يونس ببغداد.
وحمزة بن محمد بن عيسى الكاتب، صاحب نعيم بن حمّاد ببغداد.
وإبراهيم بن محمد بن الحسن بن متّويه، العلّامة، أبو إسحاق الأصفهاني،
إمام جامع أصبهان، وأحد العبّاد والحفّاظ. سمع محمد بن عبد الملك بن
أبي الشوارب، ومحمد بن هاشم البعلبكي، وطبقتهما.
وفيها محمد بن زنجويه القشيريّ النيسابوريّ، صاحب إسحاق بن راهويه.
وفيها القاضي أبو زرعة، محمد بن عثمان الثقفيّ، مولاهم، قاضي دمشق بعد
قضاء مصر [وكان جدّه يهوديا فأسلم، وولي أبو زرعة قضاء مصر] [1] ثمان
سنين، والشام ما يزيد على العشرة، وكان ثبتا موثقا، وكان أكولا، يأكل
سلّة عنب، وسلّة تين. قاله الذهبي في «تاريخ الإسلام» .
وفيها محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث الواسطيّ، ثم البغداديّ، أبو
بكر، الباغنديّ، ولتدليسه رمي بالتجريح، مع أنه كان حافظا بحرا.
قال في «المغني» [2] : فيه لين.
__________
[1] ما بين حاصرتين سقط من الأصل وأثبته من المطبوع.
[2] (2/ 629) .
(4/13)
قال ابن عدي: أرجو أنه كان لا يتعمد الكذب،
وكان مدلّسا. انتهى.
وفيها الإمام عبدوس، عبد الرّحمن بن أحمد بن عبّاد بن سعيد الهمذانيّ
السّرّاج، أبو محمد، كان ثقة، فاضلا، نبيلا.
(4/14)
سنة ثلاث وثلاثمائة
فيها عسكر الحسين بن حمدان، والتقى هو ورائق، فهزم رائقا، فسار لحربه
مؤنس الخادم، فحاربه، وتمّت لهما خطوب، ثم أخذ مؤنس يستميل أمراء
الحسين، فتسرعوا إليه، ثم قاتل الحسين فأسره واستباح أمواله، وأدخل
بغداد على جمل [هو] [1] وأعوانه، ثم قبض على أخيه أبي الهيجاء عبد الله
بن حمدان وأقاربه.
وفيها توفي الإمام، أحد الأعلام، صاحب المصنفات، التي منها «السنن» أبو
عبد الرّحمن أحمد بن شعيب بن علي النّسائي- نسبة إلى نسا مدينة
بخراسان- توفي في ثالث عشر صفر، وله ثمان وثمانون سنة. سمع قتيبة،
وإسحاق [2] وطبقتهما، بخراسان، والحجاز، والشام، والعراق، ومصر،
والجزيرة، وكان رئيسا، نبيلا، حسن البزّة، كبير القدر، له أربع زوجات
يقسم لهنّ، ولا يخلو من سرّيّة لنهمته في التّمتّع، ومع ذلك كان يصوم
صوم داود، ويتهجد.
قال ابن المظفّر الحافظ: سمعتهم بمصر يصفون اجتهاد النّسائي في العبادة
بالليل والنهار، وأنه خرج إلى الغزو مع أمير مصر، فوصف من شهامته
__________
[1] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 129) .
[2] لفظة «وإسحاق» سقطت من «العبر» للذهبي فتستدرك فيه.
(4/15)
وإقامته السّنن في فداء المسلمين، واحترازه
عن مجالس الأمير.
وقال الدارقطنيّ: خرج حاجّا، فامتحن بدمشق، وأدرك الشهادة، فقال:
احملوني إلى مكّة، فحمل، وتوفي بها في شعبان.
قال: وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث. قاله في «العبر»
[1] .
وقال السيوطيّ في «حسن المحاضرة» [2] : الحافظ [الإمام] [3] شيخ
الإسلام، أحد الأئمة المبرّزين والحفاظ المتقنين [4] والأعلام
المشهورين، جال البلاد، واستوطن مصر، فأقام بزقاق القناديل.
قال أبو علي النيسابوري: رأيت من أئمة الحديث أربعة في وطني وأسفاري:
النسائي بمصر، وعبدان بالأهواز، ومحمد بن إسحاق، وإبراهيم بن أبي طالب
بنيسابور.
وقال الحاكم: النسائيّ أفقه مشايخ أهل [5] مصر في عصره، وأعرفهم
بالصحيح والسّقيم من الآثار، وأعرفهم بالرّجال.
وقال الذهبيّ: هو أحفظ من مسلم، له من المصنفات «السّنن الكبرى» و
«الصّغرى» وهي إحدى الكتب الستة [6] ، و «خصائص علي» و «مسند علي»
__________
[1] (2/ 129- 130) .
[2] (1/ 349- 350) .
[3] زيادة من «حسن المحاضرة» .
[4] في «حسن المحاضرة» : «المثقفين» .
[5] لفظة «أهل» لم ترد في «حسن المحاضرة» .
[6] قلت: نقل المؤلف هذا الكلام عن «حسن المحاضرة» للسيوطي، الذي عزاه
إلى الحافظ الذهبي ولم يصرح باسم المصدر الذي نقل عنه كلامه، وهذا
الكلام يؤيد ما ذكره الإمام ابن الأثير في «جامع الأصول» (1/ 197)
ووافقه عليه عدد كبير من أهل العلم فيما بعد، وذكر الحافظ الذهبي في
«سير أعلام النبلاء» (14/ 131) رأيا آخر قال فيه بأن «السنن الصغرى» أو
ما يعرف ب «المجتنى» أو «المجتبى» من اختيار ابن السني، وتبعه بعض
العلماء المعاصرين.
(4/16)
و «مسند مالك» . ولد سنة خمس وعشرين
ومائتين.
قال ابن يونس: كان خروجه من مصر في سنة اثنتين وثلاثمائة، ومات بمكّة،
وقيل: بالرملة. انتهى ما قاله السيوطي.
وقال ابن خلّكان [1] : قال محمد بن إسحاق الأصبهاني: سمعت مشايخنا بمصر
يقولون: إن أبا عبد الرّحمن فارق مصر في آخر عمره، وخرج إلى دمشق، فسئل
عن معاوية وما روي من فضائله، فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا
برأس، حتى يفضّل؟
وفي رواية [أخرى] [2] ما أعرف له فضيلة إلا «لا أشبع الله بطنك» [3] .
وكان يتشيّع، فما زالوا يدافعونه في خصيتيه [4] ، وداسوه، ثم حمل إلى
مكّة فتوفي بها [5] وهو مدفون بين الصّفا والمروة.
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدّوس،
فهو مقتول [6] وكان صنّف كتاب «الخصائص» في فضل علي بن أبي طالب، رضي
الله عنه وأهل البيت، وأكثر روايته [7] فيه عن الإمام أحمد بن حنبل،
رضي الله عنه، فقيل له: ألا صنّفت في فضل الصحابة، رضي الله عنهم،
كتابا، فقال: دخلت دمشق والمنحرف عن علي رضي الله
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (1/ 77- 78) والمؤلف ينقل عنه باختصار وتصرف.
[2] زيادة من «وفيات الأعيان» .
[3] رواه مسلم رقم (2604) في البر والصلة: باب من لعنه النبيّ، صلى
الله عليه وسلم، وسبّه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك، كان له زكاة
وأجرا ورحمة، من حديث عبد الله بن عبّاس، رضي الله عنهما بلفظ: «لا
أشبع الله بطنه» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «يدفعون في خصييه» .
[5] في «وفيات الأعيان» : «ثم حمل إلى الرملة فمات بها» وهو ما رجحه
الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (14/ 132) .
[6] في «وفيات الأعيان» : «وهو منقول» .
[7] في «وفيات الأعيان» : «وأكثر رواياته» .
(4/17)
عنه كثير، فأردت أن يهديهم الله بهذا
الكتاب، وكان إماما في الحديث، ثقة، ثبتا، حافظا. انتهى ملخصا.
وفيها الحافظ الكبير أبو العبّاس الحسن بن سفيان الشّيبانيّ النّسويّ
نسبة إلى نسا مدينة بخراسان- صاحب «المسند» و «الأربعين» . تفقه على
أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه، وسمع من أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين،
والكبار، وكان ثقة، حجة، واسع الرحلة.
قال الحاكم: كان محدّث خراسان في عصره، مقدّما في التثبت، والكثرة،
والفهم، والأدب، والفقه، توفي في رمضان.
وقال ابن ناصر الدين: الحسن بن سفيان بن عامر، أبو العبّاس، الشيباني
النسائي، ويقال: النسوي، صاحب «المسند» الكبير، و «كتاب الأربعين» وكان
شيخ خراسان في وقته، مقدّما في حفظه، وفقهه، وأدبه، وثقته، وثبته. قلبت
عليه أحاديث وعرضت، فردّها كما كانت ورويت. انتهى.
وفيها أبو علي الجبّائي- بالضم والتشديد، نسبة إلى جبّى بالقصر قرية
بالبصرة [1]- وهو محمد بن عبد الوهاب البصري، شيخ المعتزلة، وأبو شيخ
المعتزلة أبي هاشم، وعن أبي علي أخذ شيخ زمانه أبو الحسن الأشعري، ثم
رجع عن مذهبه، وله معه مناظرات في الثلاثة الأخوة وغيرها، دوّنها
النّاس، وسيأتي شيء منها في ترجمة الأشعري [2] إن شاء الله تعالى.
__________
[1] قلت: وهو خطأ. قال ياقوت في «معجم البلدان» (2/ 97) : جبّى: بالضم
ثم التشديد، والقصر: بلد، أو كورة من عمل خوزستان، ومن الناس من جعل
عبّادان من هذه الكورة، وهي في طرف من البصرة والأهواز، حتّى جعل من لا
خبرة له «جبّى» من أعمال البصرة، وليس الأمر كذلك، ومن «جبّى» هذه أبو
علي محمد بن عبد الوهاب الجبّائي المتكلم المعتزلي صاحب التصانيف، مات
سنة (303) ، وانظر «المشترك وضعا والمفترق صقعا» لياقوت ص (92) ، ونسب
الزّبيدي المترجم في «تاج العروس» (جبأ) إلى «الجبّاء» فراجعه.
[2] انظر ص (131- 132) من هذا المجلد.
(4/18)
وفيها أحمد بن الحسين بن إسحاق، أبو الحسين
[1] البغداديّ، المعروف بالصّوفيّ الصغير. روى عن إبراهيم التّرجماني،
وجماعة.
قال في «المغني» [2] : وثقه الحاكم وغيره، ولّينه بعضهم. انتهى.
وفيها أبو جعفر أحمد بن فرح البغداديّ المقرئ الضرير، صاحب أبي عمرو
الدّوري، تصدّر للإقراء مدة طويلة. وروى الحديث عن ابن المديني.
وفيها إسحاق بن إبراهيم النيسابوري البشتي [3] روى عن قتيبة وخلق.
وقال ابن ناصر الدّين: هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر النيسابوري البشتي،
أبو يعقوب، كان إماما حافظا. صنّف «المسند» في ثلاث مجلدات كبار وهو
غير أبي محمد بن إسحاق بن إبراهيم البستي- بسين مهملة على الصحيح- وهذا
أي الثاني يروي عن هشام بن عمّار. توفي سنة سبع وثلاثمائة، وقد بينت
ذلك في [4] كتابي «التوضيح» [5] . انتهى.
قلت: والبشتي: بضم الباء وسكون المعجمة، نسبة إلى بشت قرية بهراة،
وبلدة بنيسابور [6] منها صاحب الترجمة.
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «أبو إسحاق» وهو خطأ، والتصحيح من «تاريخ
بغداد» (4/ 98) ، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 153) ، و «العبر» (2/
131) .
[2] «المغني في الضعفاء للذهبي (1/ 37) .
[3] انظر «الإكمال» لابن ماكولا (1/ 433) و «الأنساب» للسمعاني (2/
227) ، و «معجم البلدان» (1/ 425) .
[4] لفظة «في» سقطت من الأصل وأثبتها من المطبوع.
[5] انظر «توضيح المشتبه» (1/ 497- 498) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد
نعيم العرقسوسي، طبع مؤسسة الرسالة ببيروت.
[6] انظر «معجم البلدان» (1/ 425) .
(4/19)
وفيها إبراهيم بن إسحاق النيسابوري، أبو
إسحاق الأنماطي [1] هو حافظ، ثبت، رحّال، وهو صاحب «التفسير» روى عن
إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، وكان الإمام أحمد ينبسط في منزله،
ويفطر عنده.
وفيها جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ، أبو محمد النيسابوري، المعروف
بالحصيري [2] . سمع إسحاق بن راهويه، وكان حافظا عابدا.
وعبد الله بن محمد بن يونس السّمناني [3] أبو الحسين، أحد الثقات
الرّحالة. سمع إسحاق، وعيسى زغبة [4] وطبقتهما.
وفيها عمر بن أيوب السّقطي [5] ، ببغداد. روى عن بشر بن الوليد وطبقته.
وفيها محمد بن العبّاس الدّرفس [6] الغسّاني، أبو عبد الرحمن [7]
الدمشقي، الرجل الصالح. روى عن هشام بن عمّار، وعدة.
ومحمد بن المنذر، أبو عبد الرّحمن الهروي الحافظ، المعروف بشكّر [8] .
طوّف وجمع، وروى عن محمد بن رافع وطبقته.
قال ابن ناصر الدين: وشكّر، هو محمد بن المنذر بن سعيد بن عثمان ابن
رجاء بن عبد الله بن العبّاس بن مرداس السّلمي الهروي القهندي، أبو
جعفر، ويقال: أبو عبد الرحمن، ثقة. انتهى.
__________
[1] انظر ترجمته في «تذكرة الحفاظ» للذهبي (1/ 701) و «طبقات المفسرين»
للداودي (1/ 5) .
[2] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 217- 220) .
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 194- 195) .
[4] هو عيسى بن حماد بن مسلم التّجيبي، أبو موسى. تقدمت ترجمته في
المجلد الثالث من كتابنا هذا ص (223) فراجعها هناك.
[5] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 245) .
[6] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 245- 246) وفيه قال الذهبي:
الدّرفس: من أسماء الأسد.
[7] في المطبوع: «أبو عبد الرحمن الغساني» .
[8] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 221- 222) .
(4/20)
سنة أربع وثلاثمائة
قال في «الشذور» : فيها استوزر أبو الحسن بن الفرات [1] ، فركب إلى
داره، فسقى النّاس يومئذ في داره أربعين ألف رطل من الثلج. انتهى.
وفيها غزا مؤنس الخادم بلاد الرّوم من ناحية ملطية، وافتتح حصونا وأثر
أثرة [حسنة] [2] .
وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله المخرّمي [3] . روى عن عبيد
الله القواريري وجماعة، ضعفه الدارقطني.
وقال في «المغني» [4] : قال الدارقطني: ليس بثقة، حدّث ببواطيل.
انتهى.
وإسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب المنجنيقي. روى عن داود بن رشيد وطبقته،
وهو بغدادي نزل مصر، وكان يحدّث عن منجنيق بجامع مصر، فقيل له:
المنجنيقي.
__________
[1] هو الوزير الكبير أبو الحسن علي بن أبي جعفر محمد بن موسى بن الحسن
بن الفرات، العاقولي، الكاتب. انظر ترجمته ومصادرها في «سير أعلام
النبلاء» (14/ 474- 479) .
[2] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 133) مصدر المؤلف في نقله.
[3] في الأصل: «المخزومي» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب،
وانظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 196- 197) .
[4] انظر «المغني في الضعفاء» للذهبي (1/ 18) .
(4/21)
قال ابن ناصر الدّين: حدّث عنه النّسائيّ
فيما قيل، وله كتاب «رواية الكبار عن الصغار والآباء عن الأبناء» .
انتهى.
وفيها مات الأمير زيادة الله بن عبد الله الأغلبي من أمراء القيروان.
حارب المهديّ الذي خرج بالقيروان، ثمّ عجز عنه، وهرب إلى الشام، ومات
بالرّقّة، وقيل: بالرّملة.
وفيها الحافظ عبد الله بن مظاهر الأصبهاني شابا، وكان قد حفظ جميع
«المسند» وشرع في حفظ أقوال الصحابة والتابعين. روى عن مطيّن يسيرا.
وفيها القاسم بن اللّيث بن مسرور الرّسعنيّ العتّابيّ، أبو صالح، نزيل
تنّيس. روى عن المعافي الرّسعني، وهشام بن عمّار.
وفيها يموت بن المزرّع، أبو بكر العبدي البصري [1] الأخباري العلّامة،
وهو في عشر الثمانين. روى عن خاله الجاحظ، وأبي حفص الفلّاس وطبقتهما.
وقال ابن الأهدل: هو ابن أخت أبي عمرو الجاحظ. كان أديبا أخباريا، صاحب
ملح ونوادر، وكان لا يعود مريضا خشية أن يتطيروا باسمه، ومدحه منصور
الضرير فقال:
أنت تحيا والذي يك ... ره أن تحيا يموت [2]
__________
[1] في الأصل والمطبوع: «النضري» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي
(2/ 134) .
وانظر «وفيات الأعيان» (7/ 53- 61) ، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 247-
248) .
[2] رواية البيت في الأصل، والمطبوع:
أنت يحيى والذي يك ... ره أن يحيا يموت
وأثبت رواية «وفيات الأعيان» (7/ 54) .
(4/22)
أنت صنو النّفس بل أن ... ت لروح النّفس
قوت
[1] انتهى.
وزاد ابن خلّكان بيتا وهو:
أنت للحكمة بيت ... لا خلت منك البيوت
وقال ابن خلّكان [2] : وكان يقول: بليت بالاسم الذي سمّاني به أبي [3]
فإني إذا عدت مريضا فاستأذنت عليه، فقيل: من هذا؟ قلت: ابن المزرع،
وأسقطت اسمي.
وقال ابن المزرع [4] : رؤي قبر بالشام عليه مكتوب: لا يغترنّ أحد
بالدّنيا فإني ابن من كان يطلق الرّيح إذا شاء ويحبسها إذا شاء،
وبحذائه قبر مكتوب عليه: كذب الماصّ بظر أمه، لا يظن أحد أنه ابن
سليمان بن داود، عليهما السلام، إنما هو ابن حدّاد يجمع الريح في الزّق
ثم ينفخ بها النّار [5] .
قال: فما رأيت قبلهما قبرين يتشاتمان.
وكان له ولد يدعى أبا نضلة [6] مهلهل بن يموت بن المزرع، وكان شاعرا
مجيدا ذكره المسعودي في «مروج الذهب ومعادن الجوهر» [7] فقال:
هو من شعراء زمانه.
وفيه يقول أبوه مخاطبا له:
__________
[1] رواية البيت في الأصل والمطبوع:
أنت ضوء الشمس بل أن ... ت لروح النفس قوت
وأثبت لفظ «وفيات الأعيان» و «غربال الزمان» للعامري ص (270) .
[2] في «وفيات الأعيان» (7/ 54) .
[3] في «وفيات الأعيان» : «الذي سمّاني أبي به» .
[4] لا زال المؤلف ينقل عن «وفيات الأعيان» (7/ 57) .
[5] في «وفيات الأعيان» : «الجمر» .
[6] في الأصل والمطبوع: «أبو فضلة» والتصحيح من «وفيات الأعيان» و
«تاريخ بغداد» (13/ 273) .
[7] (4/ 197) .
(4/23)
مهلهل قد حلبت شطور دهري ... وكافحني بها
الزّمن العنوت
وحاربت الرّجال بكلّ ربع ... فأذعن لي الحثالة والرّتوت
فأوجع ما أجنّ [1] إليه قلبي ... كريم غشّه [2] زمن عنوت [3]
كفي حزنا بضيعة ذي قديم ... وأبناء العبيد لها التّخوت [4]
وقد أسهرت [5] عيني بعد غمض ... مخافة أن تضيع إذا فنيت
وفي لطف المهيمن لي عزاء ... بمثلك إن فنيت وإن بقيت
وفي لطف المهيمن لي عزاء ... بمثلك إن فنيت وإن بقيت
فجب في الأرض وابغ بها علوما ... ولا تقطعك جائحة شتوت [6]
وإن بخل العليم عليك يوما ... فذلّ له وديدنك السّكوت
وقل بالعلم كان أبي جوادا ... يقولوا من أبوك [7] فقل يموت
يقرّ لك الأباعد والأداني ... بعلم ليس يجحده البهوت
ومن شعر مهلهل [8] :
جلّت محاسنه عن كلّ تشبيه ... وجلّ عن واصف في النّاس يحكيه
انظر إلى حسنه واستغن عن صفتي ... سبحان خالقه، سبحان باريه
النّرجس الغضّ والورد الجنيّ له ... والأقحوان النّضير النّضر في فيه
دعا بألحاظه قلبي إلى عطبي ... فجاءه مسرعا طوعا يلبّيه
مثل الفراشة تأتي إذ ترى لهبا ... إلى السّراج فتلقي نفسها فيه
__________
[1] في الأصل، والمطبوع: «ما أحن» وأثبت لفظ «مروج الذهب» و «وفيات
الأعيان» .
[2] في «مروج الذهب» : «عضه» وفي «وفيات الأعيان» : «غته» .
[3] في «مروج الذهب» : «عتوت» ، وفي «وفيات الأعيان» : «غتوت» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «النجوت» .
[5] في «مروج الذهب» : «أشهرت» .
[6] في «مروج الذهب» : «سنوت» ، وفي «وفيات الأعيان» : «سبوت» ، وفي
رواية هذا البيت والذي قبله وبعده بعض الخلاف في «مروج الذهب» .
[7] في «مروج الذهب» و «وفيات الأعيان» : «يقال ومن أبوك» .
[8] في «وفيات الأعيان» : «ومن المنسوب إلى مهلهل أيضا» .
(4/24)
وفيها توفي الشيخ الكبير، شيخ الرّيّ
والجبال في التصوف، أبو يعقوب، يوسف بن الحسين الرّازي، كان نسيج وحده
في إسقاط التصنّع.
صحب ذا النّون [المصري] [1] وأبا تراب [النّخشبي] [2] .
ومن كلامه: لأن ألقى الله تعالى بجميع المعاصي، أحبّ إليّ من أن ألقاه
بذرّة من التصنّع، وإذا رأيت المريد يشتغل بالرخص، فاعلم أنه لا يجيء
منه شيء.
وكتب إلى الجنيد: لا أذاقك الله طعم نفسك، فإنك إن ذقتها لا تذوق بعدها
خيرا أبدا.
وقال: علم القوم بأنّ الله يراهم، فاستحيوا من نظره أن يراعوا شيئا
سواه [3] .
وكان يقول: اللهم إنك تعلم أني نصحت النّاس قولا، وخنت نفسي فعلا، فهب
لي خيانة نفسي بنصيحتي للنّاس.
وروى عن أحمد بن حنبل، ودحيم، وطائفة.
__________
[1] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 134) مصدر المؤلف في نقله.
[2] زيادة من «طبقات الصوفية» للسلمي ص (185) .
[3] انظر «طبقات الصوفية» ص (187) .
(4/25)
سنة خمس وثلاثمائة
فيها على ما قاله في «الشذور» أهدى صاحب عمان للسلطان طرائف من البحر،
فيها طائر أسود يتكلم بالفارسية والهندية، أفصح من الببّغاء.
انتهى.
وفيها قدم رسول ملك الرّوم بطلب [1] الهدنة، فاحتفل المقتدر بجلوسه له.
قال الصولي، وغيره: أقاموا الجيش بالسلاح من باب الشّمّاسية، وكان مائة
وستين ألفا، ثم الغلمان، وكانوا سبعة آلاف، وكانت الحجّاب سبعمائة،
وعلّقت ستور الدّيباج، فكانت ثمانية وثلاثين ألف ستر، ومن البسط وغيرها
ما يذهب بالبصر حسنا، ومما كان في الدار مائة سبع مسلسلة، ثم أدخل
الرسول دار الشجرة، وفيها بركة فيها شجرة لها أغصان، عليها طيور
مذهّبة، وورقها ألوان مختلفة، وكل طائر يصفّر لونا بحركات مصنوعة
[تغنّي] [2] ، ثم أدخل إلى داره المسمّاة [3] بالفردوس، وفيها من الفرش
والآلات ما لا يقوّم.
وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرّحمن بن شيرويه بن أسد
القرشيّ المطلبيّ النيسابوري [4] ، أحد الحفاظ. سمع إسحاق بن
__________
[1] في المطبوع و «العبر» : «يطلب» .
[2] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 135) مصدر المؤلف في نقله.
[3] قوله «إلى داره المسماة» لم يرد في «العبر» للذهبي.
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 166- 168) .
(4/26)
راهويه، وأحمد بن منيع وطبقتهما، وصنف
التصانيف، وكان ثقة.
وفيها محدّث جرجان عمران بن موسى [1] . سمع هدبة بن خالد وطبقته، ورحل
وصنّف، وكان من الثقات الأثبات، وتوفي في رجب.
وفيها [2] أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحيّ البصريّ [3] مسند العصر،
في ربيع الآخر، وله مائة سنة إلا بعض سنة، وكان محدّثا، متقنا، ثبتا
أخباريا، عالما. روى عن مسلم بن إبراهيم، وسليمان بن حرب وطبقتهما.
وفيها علي بن سعيد العسكري [4] نزيل الرّيّ. كان من الأثبات الحفاظ.
وفيها القاسم بن زكريا أبو بكر المطرّز، ببغداد، روى عن سويد بن سعيد
وأقرانه، وقرأ على الدّوري [5] وأقرأ النّاس، وجمع وصنف، وكان ثقة.
ومحمد بن إبراهيم بن أبان السّرّاج [6] البغدادي. روى عن يحيى
الحمّاني، وعبيد الله القواريري وجماعة.
وفيها محمد بن إبراهيم بن نصر [7] بن شبيب، أبو بكر، الأصبهاني. روى عن
أبي ثور الكلبي وجماعة [8] .
__________
[1] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 136- 137) .
[2] لفظة «فيها» لم ترد في المطبوع.
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 7- 11) .
[4] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 463- 464) .
[5] هو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صبهان الدوري البغدادي. تقدمت
ترجمته في المجلد الثالث من كتابنا هذا ص (212- 213) فراجعها.
[6] انظر «سير أعلام النبلاء» (14/ 222) .
[7] في «العبر» للذهبي (2/ 136) : «يحيى بن نصر» وهو خطأ. انظر «تهذيب
الكمال» للمزي (1/ 53) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق، و «تهذيب
التهذيب» لابن حجر (1/ 118) .
[8] في المطبوع و «العبر» للذهبي: «وغيره» .
(4/27)
وفيها محمد بن نصير [1] أبو عبد الله
المدني [2] روى عن إسماعيل ابن عمرو البجلي وجماعة، ووثقه الحافظ أبو
نعيم.
وفيها محمد بن إبراهيم بن حيّون الأندلسي الحجازي [3] ، أبو عبد الله،
ثقة، صدوق.
__________
[1] في «العبر» : «محمد بن نصر» وهو خطأ. وانظر «سير أعلام النبلاء»
(14/ 138) .
[2] في «العبر» و «سير أعلام النبلاء» : «المديني» وهو صواب أيضا،
فالنسبة إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، «مدني» و «مديني» .
انظر «الأنساب « (11/ 202) .
[3] انظر «سير أعلام النبلاء» للذهبي (14/ 412- 413) .
(4/28)
|