شذرات الذهب في أخبار من ذهب

سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة
فيها توفي أبو الحسن، بشرى بن عبد الله الرّومي القاضي، ببغداد، يوم الفطر، وكان صالحا صدوقا. روى عن أبي بكر بن الهيثم الأنباري وخلق.
وفيها ابن دوما، أبو علي الحسن بن الحسين [1] النّعالي ببغداد، ضعيف، ألحق نفسه في طباق [2] . روى عن أبي بكر الشافعي، وطائفة.
وفيها أبو العلاء الأستوائي، صاعد بن محمد بن النيسابوري الحنفي، قاضي نيسابور، ورئيس الحنفية وعالمهم، توفي في آخر السنة. روى عن إسماعيل بن نجيد وجماعة، وعاش سبعا وثمانين سنة.
وفيها ابن الطّبيز أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد العزيز الجلبي السرّاج الرّامي، نزل دمشق، وله مائة سنة. روى عن محمد بن عيسى العلّاف، وابن الجعابي، وجماعة. تفرد في الدّنيا عنهم، وهو ثقة، وهو توفي في جمادى الأولى، وفيه تشيع. آخر من روى عنه الفقيه نصر المقدسي.
__________
[1] في «آ» : «الحسن بن الحسن» وهو تحريف، وأثبت لفظ «ط» وهو الصواب. انظر «تاريخ بغداد» (7/ 300) و «العبر» (3/ 175) .
[2] وقال الخطيب في «تاريخ بغداد» : «وكان كثير السماع، إلّا أنه أفسد أمره بأن ألحق لنفسه السماع في أشياء لم تكن سماعه» .

(5/154)


وفيها أبو عمرو القسطاني- بالضم، نسبة إلى قسطانة قرية بين الرّيّ وساوة- عثمان بن أحمد القرطبي نزيل إشبيلية. سمّعه أبوه «الموطأ» من أبي عيسى اللّيثي، وسمع من أبي بكر بن السّليم، وابن القوطيّة، وجماعة، وكان خيّرا، ثقة، توفي في صفر، وله ثمانون سنة.
وفيها أبو بكر، وأبو حامد، أحمد بن علي [الإسفراييني] . كان من الحفّاظ الأيقاظ، والمحدّثين. قاله ابن ناصر الدّين [1] .
وفيها أبو العلاء الواسطي، محمد بن علي بن أحمد بن يعقوب، القاضي المقرئ المحدّث. قرأ بالروايات على جماعة كثيرة، وجرّد [2] العناية لها، وأخذ بالدّينور عن الحسين بن محمد بن حبش، وروى عن القطيعي ونحوه. حكى عنه الخطيب [3] أشياء توجب ضعفه، ومات في جمادى الآخرة، وله اثنتان وثمانون سنة.
وفيها أبو الحسن، محمد بن عوف المزني [4] الدمشقي، وكانت كنيته الأصلية أبا بكر، فلما منعت الدولة الباطنية من التكنّي بأبي بكر، تكنّى بأبي الحسن. روى عن أبي علي الحسن بن منير، والميانجي، وطائفة.
قال الكتّاني: كان ثقة نبيلا مأمونا، توفي في ربيع الآخر.
وفيها محمد بن الفضل بن نظيف، أبو عبد الله المصري الفرّاء، مسند الدّيار المصرية. سمع أبا الفراس الصابوني، والعبّاس بن محمد الرّافعي وطبقتهما، وأمّ بمسجد عبد الله سبعين سنة، وكان شافعيا، عمّر تسعين سنة وشهرين، وتوفي في ربيع الآخر.
وفيها المسدّد بن علي أبو المعمّر الأملوكي- بضم أوله واللام، نسبة
__________
[1] في «التبيان شرح بديعة البيان» (146/ ب) وما بين حاصرتين زيادة مستدركة منه.
[2] في «ط» : «جرّد» .
[3] انظر «تاريخ بغداد» (3/ 95- 99) .
[4] تحرف في «العبر» إلى المزي.

(5/155)


إلى أملوك بطن من ردمان، قبيلة من رعين- كان خطيب حمص. سمع الميانجي وجماعة، ثم سكن دمشق، وأمّ بمسجد سوق الأحد.
قال الكتّاني: فيه تساهل.
وفيها المفضل بن إسماعيل بن أبي بكر، أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني، أبو معمر [1] الشافعي، مفتي جرجان ورئيسها ومسندها. كان من أذكياء زمانه. روى عن جدّه وطائفة كثيرة، وتوفي في ذي الحجة.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «الجرجاني المعمر» والتصحيح من «العبر» (3/ 178) مصدر المؤلف، و «سير أعلام النبلاء» (17/ 518) .

(5/156)


سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة
فيها توفي المستغفري الحافظ أبو العبّاس جعفر بن محمد بن المعتز [بن محمد] [1] بن المستغفر بن الفتح النّسفي، صاحب التصانيف الكثيرة. روى عن زاهر السرخسي وطبقته. عاش ثمانين سنة، وكان محدّث ما وراء النهر في زمانه.
قال ابن ناصر الدّين [2] : كان حافظا مصنفا ثقة مبرزا على أقرانه، لكنه يروي الموضوعات من غير تبيين.
وفيها أبو القاسم الطحّان، عبد الباقي بن محمد البغدادي الثقة، عاش ثماني وثمانين سنة، وروى عن ابن الصوّاف وغيره.
وفيها أبو حسّان المزّكّي، محمد بن أحمد بن جعفر، شيخ التزكية والحشمة بنيسابور، وكان فقيها ثقة صالحا خيّرا، حدّث عن محمد بن إسحاق الضّبعي، وابن نجيد، وطبقتهما.
وفيها أبو طاهر الغباري [3] ، محمد بن أحمد بن محمد الحنبلي، له النبل والفضل، صحب جماعة، منهم: أبو الحسن الجزري، وكانت له
__________
[1] ما بين حاصرتين مستدرك من «الأنساب» (11/ 297) و «العبر» (3/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 564) و «التبيان شرح بديعة البيان» .
[2] في «التبيان شرح بديعة البيان» (146/ ب) .
[3] انظر «طبقات الحنابلة» (2/ 188) و «المنهج الأحمد» (2/ 119- 120) .

(5/157)


حلقتان إحداهما بجامع المنصور، والأخرى بجامع الخليفة، وتوفي في ذي القعدة، وله ثمانون سنة.
وفيها محمد بن عمر بن بكير [1] النجّار، أبو بكر البغدادي المقرئ، عن ست وثمانين سنة. روى عن أبي بحر البربهاري، وابن خلّاد النّصيبيني، وطائفة.
__________
[1] تصحف في «آ» و «ط» إلى «نكير» بالنون، والتصحيح من «العبر» (3/ 179) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 472) .

(5/158)


سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
فيها توفي أبو نصر الكسّار القاضي، أحمد بن الحسين الدّينوري.
سمع «سنن النسائي» من ابن السّني، وحدّث بن في شوال من السنة.
وفيها أبو الحسين بن فاذشاه، الرئيس أحمد بن محمد بن الحسين الأصبهاني الثاني. راوي «المعجم الكبير» عن الطبراني، توفي في صفر، وقد رمي بالتشيّع والاعتزال.
وفيها أبو عثمان القرشي، سعيد بن العبّاس الهروي المزكّي الرئيس، في المحرم، وله أربع وثمانون سنة. روى عن حامد الرفّاء، وأبي الفضل بن خميرويه [1] ، وطائفة، وتفرد بالرواية عن الجماعة.
وفيها أبو سعيد النّصرويي [2] عبد الرحمن بن حمدان النيسابوري، مسند وقته، وراوي «مسند» إسحاق بن راهويه عن السّمّذي. روى عن ابن نجيد، وأبي بكر القطيعي، وهذه الطبقة. توفي في صفر، وهو منسوب إلى جدّه نصرويه.
__________
[1] في «آ» و «ط» : «حمرويه» وهو تصحيف، والتصحيح من «العبر» و «سير أعلام النبلاء» (17/ 553) .
[2] في «آ» و «ط» : «أبو سعيد النصروي» وفي «العبر» (3/ 180) : «أبو سعيد النضروي» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «اللباب» (3/ 311) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 553) .

(5/159)


وفيها أبو القاسم الزّيدي الحرّاني، علي بن محمد بن علي العلوي الحسيني الحنبلي المقرئ، في شوال بحرّان، وهو آخر من روى عن النقّاش القراءات والتفسير، وهو ضعيف.
قال عبد العزيز الكتّاني- وقد سئل عن شيء-: ما يكفي علي بن محمد الزّيدي أن يكذب، حتّى يكذب عليه.
قال في «العبر» [1] : وكان صالحا ربانيا. انتهى.
وفيها مات الفقيه المشهور سالم بن عبد الله الهروي، المعروف بغويلة، تصغير غول، وهو معدود في طبقة الشيخ أبي محمد، وهو الذي قيل: إنه ما عبر جسر بغداد مثله. قاله ابن الأهدل.
وفيها عالم همذان، عبد الله بن عبدان، حكى عنه شيرويه في كتابه «المنامات» أنه قال: رأيت الحق في النوم، فقال لي [2] : ما يدل على أنه يخاف عليّ الإعجاب. قاله بن الأهدل أيضا.
فانظر إلى هذا وأضعافه مما وقع لكثير من كبراء الأمة [3] ، كالإمام الأعظم، والإمام أحمد، والإمام القشيري، وصاحب هذه الترجمة، وأضعافهم، من إخبارهم برؤيته تعالى في المنام، وقول المتكلمين بجوازها، حتى قال اللّقاني في «شرح الجوهرة» : وأما رؤيته تعالى مناما فجائزة اتفاقا، وهي حقّ فإن الشيطان لا يتمثل به تعالى، كما لا يتمثل بالأنبياء، وإلى قول بعض الحنفية رضي الله تعالى عنهم: ويكفر من قال رأيت الله في المنام انتهى. ولكن لا ينبغي إطلاق اللسان بالتكفير في مثل هذا.
قال التمرتاشي في «شرح تنوير الأبصار» في أول باب المرتد ما لفظه:
__________
[1] (3/ 181) .
[2] لفظة «لي» لم ترد في «ط» .
[3] في «ط» : «مما وقع لكبراء الأمة» .

(5/160)


وفي «فتح القدير» : ومن هزل بلفظ كفر ارتد، وإن لم يعتقد للاستخفاف، فهو ككفر العناد، والألفاظ التي يكفّر بها تعرف في الفتاوى. انتهى.
وقد أعرضنا عن ذكرها هنا لأنها أفردت بالتأليف، وأكثر من إيرادها أصحاب الفتاوى، مع أنه لا يفتي بشيء منها بالكفر، إلا فيما اتفق المشايخ عليه، لاتفاق كلمتهم في الفتاوى وغيرها، أنه لا يفتي بتكفير مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن، أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة.
قال شيخنا: وهو الذي تحرر من كلامهم، ثم قال: فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتي بالتكفير بها، وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها. انتهى كلام التمرتاشي بحروفه.
وفيها أبو الحسن بن السّمسار، علي بن موسى الدمشقي، حدّث عن أبيه وأخويه: محمد وأحمد، وعلي بن أبي العقب، وأبي عبد الله بن مروان، والكبار، وروى البخاريّ [1] عن أبي زيد المروزي، وانتهى إليه علو الإسناد بالشام.
قال الكتّاني: كان فيه تساهل، ويذهب إلى التشيّع، توفي في صفر، وقد كمّل التسعين.
وفيها أبو القاسم المعتمد بن عبّاد القاضي، محمد بن إسماعيل بن عبّاد بن قريش اللّخمي الإشبيلي الذي ملّكه أهل إشبيلية عليهم، عند ما قصدهم الظالم يحيى بن علي الإدريسي، الملقب بالمستعلي، وكانت لصاحب الترجمة أخبار ومناقب وسيرة عالية.
قال ابن خلّكان [2] : كان المعتمد المذكور صاحب قرطبة وإشبيلية وما والاهما من جزيرة الأندلس، وفيه وفي أبيه المعتضد يقول بعض الشعراء:
__________
[1] يعني «صحيح البخاري» وكانت العبارة في «آ» و «ط» : «وروى عن البخاري عن أبي زيد المروزي» والتصحيح من «العبر» (3/ 181) وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 506) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 21) .

(5/161)


من بني المنذرين وهو انتساب ... زاد في فخره بنو عبّاد
فتية لم تلد سواها المعالي ... والمعالي قليلة الأولاد
وكان من بلاد الشرق من أهل العريش، المدينة القديمة الفاصلة بين مصر والشام [1] في أول الرمل من جهة الشام، فتوجه به أبوه إلى المغرب فاستوطنا قرية تومين [2] من إقليم طشانة من أرض إشبيلية.
ومحمد هذا أول من نبغ في تلك البلاد وتقدم بإشبيلية إلى أن ولي القضاء بها، فأحسن السياسة مع الرعية وتلطف بهم، فوثقته القلوب، وكان يحيى المستعلي صاحب قرطبة، مذموم السيرة، فتوجه إلى إشبيلية محاصرا لها، فلما نزل عليها اجتمع رؤساء إشبيلية وأعيانها، وأتوا القاضي محمدا المذكور، وقالوا له: [أما] ترى ما حلّ بنا من هذا الظالم، وما أفسد من أموال الناس؟ فقم بنا نخرج إليه ونملّكك، ونجعل الأمر لك [3] ، ففعل، ووثبوا على يحيى، فركب إليهم وهو سكران فقتل.
وتم الأمر لمحمد، ثم ملك بعد ذلك قرطبة وغيرها. ثم قيل له بعد تملّكه واستيلائه على البلاد: إن هشام بن الحكم في مسجد بقلعة رباح، فأرسل إليه من أحضره، وفوّض الأمر إليه، وجعل لنفسه كالوزير بين يديه، وفي هذه الواقعة يقول الحافظ أبو محمد بن حزم الظاهري في كتابه «نقط العروس» : أعجوبة [4] لم يقع في الدّهر مثلها، فإنه ظهر رجل يقال له خلف الحضري [5] بعد نيّف وعشرين سنة من موت هشام بن الحكم، المنعوت بالمؤيد، وادّعى أنه هشام، فبويع وخطب له على جميع منابر الأندلس في
__________
[1] في «ط» : «بين الشام ومصر» .
[2] انظر التعليق على «وفيات الأعيان» (5/ 21) .
[3] في «وفيات الأعيان» : «إليك» .
[4] في «وفيات الأعيان» : «أخلوقة» .
[5] في «وفيات الأعيان» : «الحصري» .

(5/162)


أوقات شتى، وسفك الدماء، وتصادمت الجيوش في أمره، وأقام المدّعي أنه هشام نيفا وعشرين سنة، والقاضي محمد بن إسماعيل في رتبة الوزير بين يديه، والأمر إليه، ولم يزل [الأمر] كذلك إلى أن توفي المدعو هشاما، فاستبد القاضي محمد بالأمر بعده، وكان من أهل العلم والأدب والمعرفة التامة بتدبير الدول، ولم يزل ملكا مستقلا إلى [1] أن توفي يوم الأحد، تاسع عشري جمادى الأولى، ودفن بقصر إشبيلية، وقيل: إنه عاش إلى قريب خمسين وأربعمائة، واختلف أيضا في مبدأ استيلائه، فقيل: سنة أربع عشرة [وأربعمائة] وهو الذي ذكره العماد الكاتب في «الخريدة» [2] وقيل: سنة أربع وعشرين.
ولما مات محمد القاضي قام مقامه ولده المعتضد بالله عبّاد. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
وفيها السلطان مسعود بن السلطان محمود بن سبكتكين، تملّك بعد أبيه خراسان، والهند، وغزنة، وجرت له حروب وخطوب، مع بني سلجوق، وظهروا على ممالكه، وضعف أمره، فقتله أمراؤه.
__________
[1] لفظة «إلى» سقطت من «آ» وأثبتها من «ط» و «وفيات الأعيان» .
[2] انظر «خريدة القصر» - قسم شعراء المغرب والأندلس- (2/ 25- 43) .

(5/163)


سنة أربع وثلاثين وأربعمائة
فيها كانت الزلزلة العظمى بتبريز، فهدمت أسوارها، وأحصي من هلك تحت الردم [1] ، فكانوا أكثر من أربعين ألفا.
وفيها توفي أبو ذرّ الهروي، عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الأنصاري، الحافظ الثقة الفقيه المالكي، نزيل مكّة. روى عن أبي الفضل بن خميرويه [2] ، وأبي عمر بن حيّويه، وطبقتهما، وروى «الصحيح» [3] عن ثلاثة من أصحاب الفربري، وجمع لنفسه «معجما» وعاش ثمانيا وسبعين سنة. وكان ثقة متقنا ديّنا عابدا ورعا بصيرا بالفقه والأصول. أخذ علم الكلام عن ابن الباقلاني، وصنّف مستخرجا على الصحيحين، وكان شيخ الحرم في عصره، ثم إنه تزوج بالسّروات [4] ، وبقي يحج كل عام ويرجع.
وفيها أبو محمد الهمداني، عبد الله بن غالب بن تمّام المالكي، مفتي أهل سبتة وزاهدهم وعالمهم، دخل الأندلس، وأخذ عن أبي بكر
__________
[1] في «العبر» : «الهدم» .
[2] تحرّف في «آ» إلى: «حمرويه» وتصحف في «ط» إلى «حميرويه» والتصحيح من «العبر» وانظر «سير أعلام النبلاء» (17/ 555) .
[3] يعني «صحيح البخاري» .
[4] كذا في «آ» و «ط» و «العبر» وفي «سير أعلام النبلاء» و «نفح الطيب» : «ثم تزوّج في العرب، وسكن السروات» .

(5/164)


الزّبيدي، وأبي محمد الأصيلي، ورحل إلى القيروان، فروى عن أبي محمد بن أبي زيد، وبمصر عن أبي بكر [بن] المهندس، وكان علّامة، متيقظا، ذكيا، متبحرا في العلوم، فصيحا، مفوّها، قليل النظير، توفي في صفر، عن سنّ عالية.

(5/165)


سنة خمس وثلاثين وأربعمائة
فيها استولى طغرلبك السلجوقي على الرّيّ، وخرّبها [1] عسكره بالقتل والنهب، حتّى لم يبق بها إلّا نحو ثلاثة آلاف نفس، وجاءت رسل طغرلبك إلى بغداد، فأرسل القاضي الماوردي إليه بذم ما صنع في البلاد، ويأمره بالإحسان إلى الرعية، فتلقّاه طغرلبك واحترمه، إجلالا لرسالة الخليفة.
واتفق موت جلال الدولة السلطان ببغداد بالخوانيق، وكان ابنه الملك العزيز بواسط.
وكان جلال الدولة ملكا جليلا سليم الباطن، ضعيف السلطنة، مصرّا على اللهو والشرب، مهملا لأمر الرعية، عاش اثنتين وخمسين سنة، وكانت دولته سبع عشرة سنة، وخلّف عشرين ولدا بنين وبنات، ودفن بدار السلطنة ببغداد ثم نقل.
وفيها توفي أبو الحزم، جهور بن محمد بن جهور، أمير قرطبة ورئيسها وصاحبها، ساس البلد أحسن سياسة، وكان من رجال الدّهر حزما، وعزما، ودهاء، ورأيا، ولم يتسمّ بالملك، وقال: أنا أدبر الناس إلى أن يقوم لهم من يصلح، فجعل ارتفاع الأموال بأيدي الأكابر وديعة، وصيّر العوّام جندا، وأعطاهم أموالا مضاربة، وقرر عليهم السلاح والعدّة، وكان يشهد الجنائز ويعود المرضى، وهو بزيّ الصالحين، لم يتحول من داره إلى دار السلطنة، وتوفي في المحروم، عن إحدى وسبعين سنة، وولي بعده ابنه أبو الوليد.
__________
[1] تحرّفت في «آ» و «ط» إلى «وخسر بها» والتصحيح من «العبر» .

(5/166)


وفيها أبو القاسم الأزهري، عبيد الله بن أحمد بن عثمان البغدادي الصيرفي الحافظ. كتب الكثير، وعني بالحديث. وروى عن القطيعي وطبقته، توفي في صفر، عن ثمانين سنة.
وفيها جلال الدولة، سلطان بغداد، أبو طاهر فيروزجرد بن [الملك] بهاء الدولة أبي نصر بن الملك عضد الدولة أبي شجاع بن ركن الدولة بن بويه الدّيلمي، وولي بعده ابنه الملك العزيز أبو منصور، فضعف وخاف، وكاتب ابن عمّه، أبا كاليجار مرزبان بن سلطان الدولة، فوعده بالجميل، وخطب للاثنين معا.
وفيها أبو بكر الميماسي محمد بن جعفر بن علي، الذي روى «الموطأ» عن يحيى بن بكير [1] عن ابن وصيف، توفي في شوال، وهو من كبار شيوخ نصر المقدسي.
وفيها أبو الحسين محمد بن عبد الواحد بن رزمة البغدادي البزّاز.
روى عن أبي بكر بن خلّاد وجماعة.
قال الخطيب [2] : صدوق، كثير السماع، مات في جمادى الأولى.
وفيها أبو القاسم المهلّب [بن] أحمد بن أبي صفرة [3] الأندلسي الأسدي، قاضي المريّة. أخذ عن أبي محمد الأصيلي، وأبي الحسن القابسي، وطائفة، وكان من أهل الذكاء المفرط، والاعتناء التام بالعلوم، وقد شرح «صحيح البخاري» وتوفي في شوال في سنّ الشيخوخة.
__________
[1] في «العبر» : «ابن بكبر» .
[2] انظر «تاريخ بغداد» (2/ 361) .
[3] في «آ» و «ط» : «المهلّب أحمد بن أبي صفرة» والصحيح من «الصلة» لابن بشكوال (2/ 626) و «العبر» (3/ 186) .

(5/167)