شذرات الذهب في أخبار من ذهب
سنة ست وثلاثين
وأربعمائة
فيها دخل السلطان أبو كاليجار بغداد، وضربت له الطبول في أوقات الصلوات
الخمس، ولم تضرب لأحد قبله إلّا ثلاث مرات.
وفيها توفي تمّام بن غالب، أبو غالب بن التّيّاني القرطبي، لغوي
الأندلس، بمرسية، له مصنّف بديع في اللغة، وكان علّامة ثقة في نقله،
ولقد أرسل إليه صاحب مرسية الأمير أبو الجيش مجاهد، ألف دينار، على أن
يزيد في خطبة هذا الكتاب، أنه ألّفه لأجله، فامتنع تورعا، وقال: ما
صنفته إلّا مطلقا.
وفيها أبو عبد الله الصّيمري- بفتح الصاد المهملة والميم وسكون الياء
وراء آخره، نسبة إلى صيمر، نهر بالبصرة عليه عدة قرى- الحسين [1] بن
علي الفقيه، أحد الأئمة الحنفية ببغداد. روى عن أبي الفضل الزّهري
وطبقته، وولي قضاء ربيع الكرخ، وكان ثقة صاحب حديث، مات في شوال، وله
خمس وثمانون سنة.
وفيها الشريف المرتضى، نقيب الطالبيين، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق،
أبو طالب علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى
الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن
الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الحسيني
__________
[1] تحرّف في «العبر» إلى «الحسن» فيصحح فيه.
(5/168)
الموسوي، وله إحدى وثمانون سنة، وكان إماما
في التشيّع، والكلام، والشعر، والبلاغة، كثير التصانيف متبحرا في فنون
العلم. أخذ عن الشيخ المفيد، وروى الحديث عن سهل الدّيباجي الكذّاب،
وولي النقابة بعده ابن أخيه عدنان بن الشريف الرّضي.
قال ابن خلّكان [1] : كان إماما في علم الكلام والشعر والأدب، وله
تصانيف على مذهب الشيعة، ومقالة في أصول الدّين، وله ديوان شعر، إذا
وصف الطيف أجاد فيه، وقد استعمله في كثير من المواضع. وقد اختلف الناس
في كتاب «نهج البلاغة» المجموع من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه،
هل هو جمعه أم جمع أخيه الرّضي، وقد قيل: إنه ليس من كلام عليّ، وإنما
الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه، والله أعلم. وله الكتاب الذي سمّاه
«الدّرر والغرر» [2] وهو في مجالس أملاها تشتمل على فنون في معاني
الأدب، تكلّم فيها على النحو، واللغة، وغير ذلك، وهو كتاب ممتع، يدل
على فضل كثير، وتوسّع في الاطّلاع على العلوم.
وذكره ابن بسام في آخر كتاب «الذخيرة» [3] فقال: كان [هذا] الشريف إمام
أئمة العراق، على الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها، وعنه أخذ
عظماؤها، صاحب مدارسها، وحمى سالكها وآنسها [4] ممّن سارت أخباره،
وعرفت به أشعاره، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره، إلى تواليفه في
الدّين، وتصانيفه في أحكام المسلمين، مما يشهد له [5] أنّه فرع تلك
الأصول، ومن [أهل] ذلك البيت الجليل، وأورد له عدة مقاطيع، فمن ذلك
قوله:
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 313- 316) .
[2] وهو مطبوع باسم «أمالي الشريف المرتضى» .
[3] انظر «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» القسم الرابع، المجلد الثاني
ص (465- 475) .
[4] في «الذخيرة» و «وفيات الأعيان» : «وجامع شاردها وآنسها» .
[5] في «الذخيرة» : «بما يشهد له» .
(5/169)
ضنّ عني بالنّزر إذ أنا يقظا ... ن وأعطى
كثيره في المنام
والتقينا كما اشتهينا ولا عي ... ب سوى أنّ ذاك في الأحلام
وإذا كانت الملاقاة ليلا ... فالليالي خير من الأيام
ومن ذلك أيضا:
يا خليلي من ذؤابه قيس ... في التصابي رياضة الأخلاق
علّلاني [1] بذكرهم [2] تطرباني ... واسقياني دمعي بكأس دهاق
وخذا النوم عن جفوني فإني ... قد خلعت الكرى على العشاق
فلما وصلت هذه الأبيات إلى البصري [3] الشاعر قال: المرتضى خلع ما لا
يملك على من لا يقبل.
ومن شعره أيضا:
ولما تفرقنا كما شاءت النّوى ... تبيّن ودّ خالص وتودّد
كأني وقد سار الخليط عشية ... أخو جنّة مما أقوم وأقعد
وله:
قل لمن خدّه من اللحظ دام ... رق لي من جوانح فيك تدمى
يا سقيم الجفون من غير سقم ... لا تلمني إن متّ فيهنّ سقما
أنا خاطرت في هواك بقلب ... ركب البحر فيك إمّا وإمّا
وحكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التّبريزي اللغوي، أن أبا الحسن علي
بن أحمد بن سلّك الفالي- بالفاء، نسبة إلى فالة، بلدة بخوزستان- الأديب
كانت له نسخة كتاب «الجمهرة» لابن دريد في غاية
__________
[1] كذا في «آ» و «ط» و «وفيات الأعيان» وفي «الذخيرة» : «غنياني» .
[2] في «آ» و «ط» : «يذكركم» وما أثبتناه من «الذخيرة» و «وفيات
الأعيان» .
[3] في «وفيات الأعيان» : «البصروي» .
(5/170)
الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها، فباعها
واشتراها الشريف المرتضى بستين دينارا، وتصفحها فوجد فيها أبياتا بخط
الفالي وهي:
أنست بها عشرين حولا وبعتها ... لقد طال وجدي بعدها وحنيني
وما كان ظنّي أنني سأبيعها ... ولو خلّدتني في السجون ديوني
ولكن لضعف وافتقار وصبية ... صغار عليهم تستهلّ عيوني [1]
فقلت ولم أملك سوابق عبرة ... مقالة مكويّ الفؤاد حزين
وقد تخرج الحاجات يا أمّ مالك ... كرائم من مولى [2] بهنّ ضنين
فيقال: إنه بعث بها إليه.
وملح المرتضى وفضائله كثيرة. وكانت ولادته في سنة خمس وخمسين
وثلاثمائة، وتوفي يوم الأحد خامس عشري شهر ربيع الأول ببغداد، ودفن في
داره عشية ذلك النهار، رحمه الله تعالى. انتهى ملخصا.
وفيها أبو عبد الرحمن النّيلي، محمد بن عبد العزيز بن عبد الله شيخ
الشافعية بخراسان، وله ثمانون سنة. روى عن أبي عمرو بن حمدان وجماعة.
قال الإسنوي [3] : كان إماما في المذهب، أديبا، شاعرا، صالحا، زاهدا،
ورعا. سمع، وحدّث، وأملى، وطال عمره.
ولد سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، وله ديوان، شعر، ومنه:
ما حال من أسر الهوى ألبابه ... ما حال من كسر التّصابي نابه
نادى الهوى أسماعه فأجابه ... حتّى إذا ما جاز أغلق بابه
أهوى لتمزيق الفؤاد فلم يجد ... في صدره قلبا فشقّ ثيابه
__________
[1] في «وفيات الأعيان» : «شؤوني» .
[2] في «وفيات الأعيان» : «من ربّ» .
[3] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (2/ 490- 491) .
(5/171)
انتهى ملخصا.
وفيها أبو الحسين البصري، محمد بن علي بن الطّيب، شيخ المعتزلة، وصاحب
التصانيف الكلامية، وكان من أذكياء زمانه، توفي ببغداد في ربيع الآخر،
وكان يقرئ الاعتزال ببغداد، وله حلقة كبيرة. قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن خلّكان [2] : كان جيد الكلام، مليح العبارة، غزير المادة،
إمام وقته، وله التصانيف الفائقة في الأصول، منها «المعتمد» وهو كتاب
كبير، ومنه أخذ فخر الدّين الرّازي كتاب «المحصول» وله «تصفح الأدلة»
في مجلدين، و «غرر الأدلة» في مجلد كبير، و «شرح الأصول الخمسة» وكتاب
في الإمامة، [وغير ذلك في] [3] أصول الدّين، وانتفع الناس بكتبه، وسكن
بغداد وتوفي بها يوم الثلاثاء خامس ربيع الآخر، ودفن بمقبرة
الشّونيزيّة [4] ، وصلى عليه القاضي أبو عبد الله الصّيمري. انتهى
ملخصا.
__________
[1] (3/ 189) .
[2] انظر «وفيات الأعيان» (4/ 271) .
[3] ما بين حاصرتين سقط من «آ» و «ط» واستدركته من «وفيات الأعيان» .
[4] في «آ» و «ط» : «بمقبرة الشونيز» وفي «وفيات الأعيان» : «بمقبرة
الشونيزي» والتصحيح من «معجم البلدان» (3/ 374) .
(5/172)
سنة سبع وثلاثين
وأربعمائة
فيها وقيل في التي قبلها، وبه جزم ابن ناصر الدّين، توفي أبو حامد أحمد
بن محمد بن أحيد بن عبد الله بن ماما الأصبهاني، كان حافظا بصيرا
بالآثار، وله ذيل على تاريخ بخارى لغنجار.
وفيها أبو نصر المنازي [1] أحمد بن يوسف السليكي الكاتب، كان من أعيان
الفضلاء، وأماثل الشعراء، وزر لأبي نصر أحمد بن مروان الكردي صاحب
ميّافارقين، وديار بكر، أرسله إلى القسطنطينية مرارا، وجمع كتبا كثيرة،
ثم وقفها على جامع ميّافارقين، وجامع آمد، وهي موجودة بخزائن الجامعين،
ومعروفة بكتب المنازي، وكان قد اجتمع بأبي العلاء المعري بمعرة
النّعمان، فشكا أبو العلاء إليه حاله، وأنه منقطع عن الناس. وهم
يؤذونه، فقال: ما لهم ولك وقد تركت لهم الدّنيا والآخرة؟ فقال أبو
العلاء:
والآخرة أيضا، والآخرة أيضا، وجعل يكررها ويتألم لذلك، وأطرق فلم يكلمه
إلى أن قام، وكان قد اجتاز في بعض أسفاره بوادي بزاعا، فأعجبه حسنة وما
هو عليه، فعمل فيه هذه الأبيات:
وقانا لفحة الرّمضاء واد ... وقاه مضاعف الغيث العميم
نزلنا دوحه فحنا علينا ... حنّو المرضعات على الفطيم
__________
[1] نسبة إلى «منازجرد» بلد مشهور بين خلاط وبلاد الرّوم يعدّ في
إرمينية وأهله أرمن وروم. انظر «معجم البلدان» (5/ 202) و «وفيات
الأعيان» (1/ 143- 145) وتقع الآن في تركية.
(5/173)
يصدّ الشمس أنّى واجهتنا ... فيحجبها ويأذن
للنّسيم [1]
يروع حصاه حالية العذارى ... فتلمس جانب العقد النّظيم
ذكر أنه عرض هذا القصيد في جماعة من الشعراء على أبي العلاء المعري،
فقال له: أنت أشعر من بالشام، ثم بعد خمس عشرة سنة عرض عليه مع جماعة
من الشعراء قوله:
لقد عرض الحمام لنا بسجع ... إذا أصغى له ركب تلاحى
شجى قلب الخلي فقيل غنّى ... وبرّح بالشجيّ فقيل ناحا
وكم للشوق في أحشاء صبّ ... إذا اندملت أجدّ لها جراحا
ضعيف الصّبر عنك وإن تقاوى ... وسكران الفؤاد وإن تصاحا
كذاك بنو الهوى سكرى صحاة ... كأحداق المها مرضى صحاحا [2]
فقال له أبو العلاء: ومن العراق، عطفا على قوله السابق: أنت أشعر من
بالشام.
ومن شعره أيضا:
ولي غلام طال في دقّة ... كخطّ إقليدس لا عرض له
وقد تناهى عقله خفّة ... فصار كالنقطة لا جزء له
والمنازي: بفتح الميم والنون، نسبة إلى منازجرد، بزيادة جيم مكسورة،
وهي مدينة عند خرت برت، وهي غير منازكرد القلعة التي من أعمال خلاط [3]
.
__________
[1] رواية البيت في «وفيات الأعيان» :
يراعي الشمس أنّي قابلته ... فيحجبها ويأذن للنّسيم
قلت: وبين البيتين الثاني والثالث في «وفيات الأعيان» بيت آخر هو،
وأرشفنا على ظمإ زلالا ... ألذّ من المدامة للنديم
[2] الأبيات في «الوافي بالوفيات» (8/ 286) في سياق ترجمته.
[3] قلت: هذه من أوهام المؤلف رحمه الله تعالى، بل هي هي، حتى إن ياقوت
قال في «معجم البلدان» (5/ 202) : وأهله يقولون: «منازكرد» بالكاف.
وانظر بلدان الحلافة الشرقية (148
(5/174)
وفيها أبو محمد القيسي مكي بن أبي طالب
حمّوش بن محمد بن مختار القيسيّ [1] المقرئ، أصله من القيروان، وانتقل
إلى الأندلس، وسكن قرطبة، وهو من أهل التبحّر في العلوم، خصوصا القرآن،
كثير التصنيف والتصانيف، عاش اثنتين وثمانين سنة، ورحل غير مرة، وحجّ
وجاور، وتوسع في الرواية، وبعد صيته، وقصده الناس من النواحي لعلمه
ودينه، وولي خطابة قرطبة لأبي الحزم جهور، وكان مشهورا بالصلاح وإجابة
الدعوة، حسن الفهم والخلق، جيد الدّين والعقل، وحجّ أربع حجج متوالية،
ثم رجع من مكّة إلى مصر، ثم إلى القيروان، ثم ارتحل إلى الأندلس، ثم
صنّف التصانيف الكثيرة، ومنها: «الهداية إلى بلوغ النهاية» في معاني
القرآن الكريم وتفسيره وأنواع علومه، وهو سبعون جزءا، وكتاب «التبصرة
في القراءات» [2] في خمسة أجزاء، وهو من أشهر تآليفه، وكتاب «المأثور
عن مالك في أحكام القرآن وتفسيره» عشرة أجزاء وكتاب «مشكل المعاني
والتفسير» خمسة عشر جزءا [3] ، ومصنفاته تفوت العدّ كثرة، ومن نظمه
قوله من قصيدة:
عليك بإقلال الزّيارة إنها ... إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا
ألم تر أنّ الغيث يسأم دائما ... ويطلب بالأيدي إذا هو أمسكا
__________
و180) ففيه أشكال أخرى لهذه اللفظة.
[1] انظر «وفيات الأعيان» (5/ 274- 277) و «سير أعلام النبلاء» (17/
591- 593) ، و «العبر» (3/ 189- 190) .
[2] نشره معهد المخطوطات العربية في الكويت بتحقيق الدكتور محيى الدّين
رمضان في مجلد واحد.
[3] ونشر مجمع اللغة العربية بدمشق كتابه «مشكل إعراب القرآن» في
مجلدين بتحقيق الأخ الأستاذ ياسين محمد السوّاس، ثم قامت بتصوير طبعته
هذه دار المأمون للتراث بدمشق، ومن ثم صورت في إيران أيضا، ويقوم
الأستاذ السوّاس بإعادة تحقيق الكتاب وسيطبع قريبا إن شاء الله وله
أخرى كثيرة، انظر كتب «إنباه الرّواة» (3/ 315- 319) .
(5/175)
سنة ثمان وثلاثين
وأربعمائة
فيها توفي أبو علي البغدادي، والحسن بن محمد بن إبراهيم المالكي، مصنّف
«الروضة في القراءات العشر» .
وفيها أبو محمد الجويني [1]- نسبة إلى جوين، ناحية كبيرة من نواحي
نيسابور، تشتمل على قرى كثيرة- عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيّويه-
بمثناتين تحت أولاهما مضمومة مشددة والثانية مفتوحة- شيخ الشافعية،
ووالد إمام الحرمين.
قال ابن شهبة في «طبقاته» [2] : كان يلقب ركن الإسلام، أصله من قبيلة
من العرب. قرأ الأدب بناحية جوين على والده، والفقه على أبي يعقوب
الأبيوردي، ثم خرج إلى نيسابور، فلازم أبو الطيب الصّعلوكي، ثم رحل إلى
مرو لقصده القفّال، فلازمه حتّى برع عليه خلافا ومذهبا، وعاد إلى
نيسابور سنة سبع وأربعمائة، وقعد للتدريس والفتوى، وكان إماما في
التفسير، والفقه، والأدب، مجتهدا في العبادة، ورعا مهيبا، صاحب جدّ
ووقار.
قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصّابوني: لو كان الشيخ أبو محمد في بني
إسرائيل لنقلت إلينا أوصافه، وافتخروا به.
__________
[1] انظر «وفيات الأعيان» (3/ 47- 48) و «العبر» (3/ 190) و «سير أعلام
النبلاء» (17/ 617- 618) .
[2] انظر «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة (1/ 211- 212) .
(5/176)
وقال أبو سعيد عبد الواحد بن أبي القاسم
القشيري صاحب «الرسالة» :
إن المحقّقين من أصحابنا يعتقدون فيه من الكمال، أنه لو جاز أن يبعث
الله تعالى نبيّا في عصره لما كان إلّا هو. توفي بنيسابور في ذي
القعدة.
قال الحافظ أبو صالح المؤذن: غسلته، فلما لففته في الأكفان، رأيت يده
اليمنى إلى الإبط منيرة كلون القمر، فتحيرت وقلت: هذه بركة فتاويه،
وصنّف تفسيرا كبيرا يشتمل على عشرة أنواع من العلوم، في كل آية، وله
«تعليقة» في الفقيه متوسطة، و «الفروق» مجلد ضخم و «السلسلة» مجلد،
وكتاب «المختصر» وهو «مختصر مختصر المزني» وكتاب «التبصرة» مجلد لطيف،
غالبه في العبادات، وغير ذلك. انتهى كلام ابن شهبة.
وقال الإسنوي [1] : وكان له أخ فاضل، يقال له: أبو الحسن [2] علي، رحل
وسمع الكثير، وعقد له مجلس الإملاء بخراسان، وكان يعرف بشيخ الحجاز،
غلب عليه التصوف، وصنّف فيه كتابا حسنا، سمّاه «كتاب السلوة» مات في ذي
القعدة، سنة ثلاث وستين وأربعمائة. انتهى.
__________
[1] انظر «طبقات الشافعية» للإسنوي (1/ 340) .
[2] كذا في كتابنا و «اللباب» (1/ 351) «أبو الحسن» وفي «طبقات
الشافعية» للإسنوي: «أبو الحسين» .
(5/177)
سنة تسع وثلاثين
وأربعمائة
فيها توفي أبو محمد الخلّال، الحسن بن محمد بن الحسن البغدادي الحافظ،
في جمادى الأولى، وله سبع وثمانون سنة. روى عن القطيع، وأبي سعيد
الحرفي [1] وطبقتهما.
قال الخطيب [2] : كان ثقة، له معرفة، [وتنبه] خرّج «المسند على
الصحيحين» وجمع أبوابا وتراجم كثيرة.
قال في «العبر» [3] : آخر من روى عنه أبو سعد أحمد بن الطّيوري.
وفيها علي بن منير بن أحمد الخلّال، أبو الحسن المصري الشاهد، في ذي
القعدة. روى عن الذّهلي، وأبي أحمد بن النّاصح.
وفيها النّذير الواعظ، أبو عبد الله محمد بن أحمد الشيرازي. روى عن
إسماعيل بن حاجب الكشّاني، وجماعة، ووعظ ببغداد، فازدحموا عليه وشغفوا
به، ورزق قبولا لم يرزقه أحد، صار يظهر الزهد، ثم إنه تنعّم وقبل
الصّلات، فأقبلت الدنيا عليه، وكثر مريدوه، ثم إنه حضّ على الجهاد،
__________
[1] في «آ» و «ط» و «العبر» : «الحرقي» بالقاف وهو تصحيف، والتصحيح من
«تذكرة الحفاظ» (3/ 1110) وانظر «الأنساب» (4/ 113) .
[2] انظر «تاريخ بغداد» (7/ 425) وما بين حاصرتين مستدرك من.
[3] (3/ 191) .
(5/178)
فسارع إليه الخلق من الأقطار، واستجمع له
جيش من المطّوعة، فعسكر بظاهر بغداد، وضرب له الطبل، وسار بهم إلى
الموصل، واستفحل أمره، فصار إلى أذربيجان، وضاهى أمير تلك الناحية، ثم
خمد سوقه، وتراجع عامّة أصحابه، ثم مات. قاله في «العبر» [1] .
وفيها محمد بن عبد الله بن عابد، أبو عبد الله المعافري، محدّث قرطبة.
روى عن أبي عبد الله بن مفرّج [2] وطبقته، ورحل، فسمع من أبي محمد بن
أبي زيد، وأبي بكر بن المهندس، وطائفة، وكان ثقة عالما جيد المشاركة في
الفضائل. توفي في جمادى الأولى، عن بضع وثمانين سنة، وهو آخر من حدّث
عن الأصيلي.
وفيها محمد بن حامد المعروف بابن جبّار [3] الحنبلي، وكان ينزل بإسكاف،
وله قدم في أنواع العلوم، والآداب، والفقه، وكان يشار إليه بالصلاح
والزهد.
وفيها هبة الله بن محمد بن أحمد أبو الغنائم بن البغدادي، أنفذه والده
أبو طاهر إلى أبي يعلى، فدرس عليه، وأنجب، وأفتى، وناظر، وجلس بعد موت
أبيه في حلقته.
__________
[1] (3/ 191- 192) .
[2] تصحف في «آ» و «ط» إلى «مفرح» والتصحيح من «العبر» وانظر «الصلة»
لابن بشكوال (2/ 530) و «سير أعلام النبلاء» (17/ 615) .
[3] في «آ» و «ط» : «ابن خيار» والتصحيح من «طبقات الحنابلة» لابن أبي
يعلى (2/ 189) و «المنهج الأحمد» (2/ 123) طبعة عالم الكتب.
(5/179)
سنة أربعين
وأربعمائة
فيها مات السلطان أبو كاليجار واسمه مرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء
الدولة الدّيلمي البويهي- نسبة إلى بويه- مات بطريق كرمان وفصدوه [1]
في يوم ثلاث مرات، وكان معه، نحو أربعة آلاف من التّرك والدّيلم، فنهبت
خزائنه، وحريمه، وجواريه، وطلبوا شيراز، فسلطنوا ابنه الملك الرحيم أبا
نصر، وكانت مدة أبي كاليجار أربع سنين، وكان مولده بالبصرة، سنة تسع
وتسعين وثلاثمائة، سامحه الله.
وفيها أقام المعزّ بن باديس الدعوة بالمغرب للقائم بأمر الله العباسي،
وخلع طاعة المستنصر العبيدي، فبعث المستنصر جيشا من العبر يحاربونه،
فذلك أول دخول العربان إلى إفريقية، وهم بنو رياح، وبنو زغبة، وتمّت
لهم أمور يطول شرحها.
وفيها توفي الحليمي [2] ، أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر
المصري الورّاق، يوم الأضحى، وله إحدى وثمانون سنة. روى عن أبي الطاهر
الذّهلي وغيره.
وفيها الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد، الأمير أبو
محمد العبّاسي. روى عن مؤدبه أحمد اليشكري، وكان رئيسا ديّنا حافظا
__________
[1] تصحفت في «آ» و «ط» إلى «وقصدوه» والتصحيح من «العبر» (3/ 193)
وانظر «المنتظم» (8/ 136) والفصد: شقّ العرق. انظر «لسان العرب» (فصد)
.
[2] تحرّفت في «العبر» إلى «الحكيمي» فتصحح فيه.
(5/180)
لأخبار الخلفاء، توفي في شعبان، وله نيّف
وتسعون سنة.
وفيها أبو القاسم عبيد الله بن أبي حفص، عمر بن شاهين. روى عن أبيه،
وأبي بحر البربهاري، والقطيعي، وكان صدوقا عالي الإسناد. توفي في ربيع
الأول.
وفيها أبو طالب، أحمد بن عبد الله بن سهل، المعروف بابن البقّال [1]
الحنبلي، صاحب الفتيا، والنظر، والمعرفة، والبيان، والإفصاح، واللسان.
سمع أبا العبّاس عبد الله بن موسى الهاشمي، وأبا بكر بن شاذان في
آخرين، ودرس الفقه على أبي عبد الله بن حامد، وكانت له حلقة بجامع
المنصور، وله المقامات المشهودة [2] بدار الخلافة، من ذلك قوله
بالدّيوان- والوزير يومئذ [ابن] حاجب النّعمان [3]-: الخلافة بيضة
والحنبليون حضانها، ولئن انفقست البيضة عن محّ [4] فاسد. الخلافة خيمة
والحنبليون أطنابها [5] ولئن سقطت الطّنب لتهوينّ الخيمة، وغير ذلك.
وتوفي في شهر ربيع الأول ودفن في مقبرة [6] إمامنا.
وفيها علي بن ربيعة أبو الحسن التميمي المصري البزّاز، راوية الحسن بن
رشيق، توفي في صفر.
وفيها أبو ذر، محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني- بسكون اللام، نسبة
إلى صالحان، محلة بأصبهان- الأصبهاني الواعظ. روى عن أبي
__________
[1] انظر «طبقات الحنابلة» لابن أبي يعلى (2/ 189- 190) و «المنهج
الأحمد» (2/ 122) .
[2] في «آ» و «المنهج الأحمد» : «المشهورة» .
[3] في «آ» و «ط» : «حاجب النعمان» وفي «طبقات الحنابلة» : «ابن صاحب
النعمان» والتصحيح من «المنهج الأحمد» وانظر «الأعلام» (4/ 300) .
[4] جاء في «لسان العرب» (محح) : المحّ والمحّة: صفرة البيض.
[5] في «ط» : «طنابها» .
[6] في «ط» و «المنهج الأحمد» : «بمقبرة» وما جاء في «آ» موافق لما في
«طبقات الحنابلة» .
(5/181)
الشيخ، ومات في ربيع الأول.
وفيها أبو عبد الله الكارزيني، محمد بن الحسين الفارسي المقري، نزيل
الحرم، ومسند القرّاء، توفي فيها أو بعدها، وقد قرأ القراءات على
المطّوّعي. قرأ عليه جماعة كثيرة، وكان من أبناء التسعين.
قال الذهبي [1] : ما علمت فيه جرحا.
وفيها مسند أصبهان أبو بكر بن ريذة، محمد بن عبد الله بن أحمد بن
إبراهيم الأصبهاني التاجر، راوية أبي القاسم الطبراني، توفي في رمضان،
وله أربع وتسعون سنة.
قال يحيى بن مندة: ثقة أمين، كان أحد وجوه الناس، وافر العقل، كامل
الفضل، مكرما لأهل العلم، حسن الخط، يعرف طرفا من النحو واللغة.
وفيها مسند العراق، أبو طالب بن غيلان، محمد بن محمد بن إبراهيم بن
غيلان الهمداني البغدادي البزّاز. سمع من أبي بكر الشافعي أحد عشر
جزءا، وتعرف ب- «الغيلانيات» لتفرّده بها.
قال الخطيب [2] : كان صدوقا صالحا ديّنا.
وقال الذهبي [3] : مات في شوال، وله أربع وتسعون سنة.
وفيها أبو منصور السوّاق، محمد بن محمد بن عثمان البغدادي البندار،
وثّقه الخطيب، ومات في آخر العالم، عن ثمانين سنة. وروى عن القطيعي،
ومخلد بن جعفر.
__________
[1] انظر «العبر» (3/ 195) .
[2] انظر «تاريخ بغداد» (3/ 234- 235) .
[3] انظر «العبر» (3/ 196) .
(5/182)
|